ليالي بيشاور

ليالي بيشاور0%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 1205
المشاهدات: 172775
تحميل: 1997

توضيحات:

ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172775 / تحميل: 1997
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

خلّف علياعليه‌السلام ليدير أمور المدينة المنوّرة ، دينيا وسياسيا واجتماعيا ، وقال له : «أنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

وكان عليعليه‌السلام نعم الخلف ، وخير مدير ، وأفضل أمير.

ومنها : تبليغ آيات من سورة براءة لأهل مكّة حين كانوا مشركين ، فقد عيّن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر لهذه المهمّة وأرسله إلى مكّة وقطع مسافة نحوها ، ولكنّ الله عزّ وجلّ أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعزل أبا بكر ويعيّن عليّاعليه‌السلام لتبليغ الرسالة ، ففعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأرسل عليّاعليه‌السلام فأخذ الرسالة من أبي بكر ، فرجع إلى المدينة وذهب عليّعليه‌السلام إلى مكّة فوقف في الملأ العامّ من قريش ورفع صوته بتلاوة الآيات من سورة براءة وأدّى تبليغ الرسالة ، ونفّذ الأمر ، ورجع إلى المدينة(١) .

ومنها : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثه إلى اليمن ليهدي أهلها إلى الاسلام ،

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرحه ١٢ / ٤٦ ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

وروى الزبير بن بكّار في كتاب «الموفّقيات» عن عبد الله بن عبّاس ، قال : إنّي لأماشي عمر بن الخطّاب في سكّة من سكك المدينة ، إذ قال لي : يا ابن عبّاس! ما أرى صاحبك إلاّ مظلوما!

فقلت في نفسي : والله لا يسبقني بها ، فقلت : يا أمير المؤمنين! فاردد إليه ظلامته.

فانتزع يده من يدي ومضى يهمهم ساعة ، ثمّ وقف فلحقته ، فقال : يا ابن عبّاس! ما أظنّهم منعهم عنه إلاّ أنّه استصغره قومه!

فقلت في نفسي : هذه شرّ من الأولى! فقلت : والله ما استصغره الله ورسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك!

فأعرض عنّي وأسرع ، فرجعت عنه.

اقول : وروي في الرياض النضرة ٢ / ١٧٣. «المترجم»

٥٤١

ويبلّغهم الدين ، ويقضي بين المتخاصمين ، وقد أدّى هذا الأمر على أحسن وجه.

وأمثال هذه الأخبار كثيرة ، لا يسعنا المجال لذكرها ، ولكن ذكرنا نماذج منها لتفنيد دليلكم وإبطال قولكم ، ولكي يعرف الحاضرون أنّ كبر السنّ والشيخوخة غير ملحوظة في انتخاب خليفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّما الملحوظ كمال عقله وإيمانه ، واتّصافه بالصفات الحميدة والفضائل المجيدة ، التي تجعله مشابها ومماثلا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سواء أكان خليفته شيخا أم شابّا.

عليّعليه‌السلام فاروق بين الحقّ والباطل

ودليلنا الآخر على بطلان خلافة أبي بكر أنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام رفض البيعة له وخالف ولايته.

والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصف عليّاعليه‌السلام بأنّه الفاروق بين الحقّ والباطل.

فخلافة أبي بكر التي خالفها عليّعليه‌السلام باطلة لا محالة.

الحافظ : إنّ عمر بن الخطّاب هو الفاروق الأعظم ، وهو أوّل من بايع أبا بكر وسعى في تحكيم خلافته.

قلت : الناس لقّبوا عمر بالفاروق ، في قبال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ لقّب عليّاعليه‌السلام به ، وزادوا «الأعظم» في لقب عمر ليؤكّدوه فيه.

الحافظ : وهل لكم دليل على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقّب عليّا كرم الله وجهه بالفاروق.

قلت : وهل نقلت إلى الآن خبرا في فضل الإمام عليّعليه‌السلام بغير دليل من كتبكم ومسانيدكم المعتبرة عندكم؟! وهذا الموضوع أيضا سنده

٥٤٢

ودليله في كتبكم المعتبرة ومسانيدكم الموثّقة.

لقد نقل الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه «ينابيع المودة» باب ٥٦ : روى من كتاب «السبعين في فضائل أمير المؤمنين» حديث رقم ١٢ ، عن أبي ذرّ الغفاريرضي‌الله‌عنه ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ستكون من بعدي فتنة ، فإن كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب ، فإنّه الفاروق بين الحقّ والباطل».

قال : رواه صاحب الفردوس.

وخرّجه أيضا العلاّمة المير السيّد علي الهمداني في كتابه «مودّة القربى» المودة السادسة ، عن أبي ليلى الغفاري ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ستكون من بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فالزموا عليّا ، فإنّه الفاروق بين الحقّ والباطل».

وروى العلاّمة الكنجي الشافعي في كتابه «كفاية الطالب» الباب الرابع والأربعين : بإسناده عن أبي ليلى الغفاري ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ستكون من بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب ، إنّه أوّل من يراني ، وأوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهو معي في السماء العليا ، وهو الفاروق بين الحقّ والباطل».

قال الكنجي : هذا حديث حسن عال ، رواه الحافظ في أماليه.

وروى أيضا في الباب بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : ستكون فتنة ، فمن أدركها منكم فعليه بخصلة من كتاب الله تعالى وعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول : «هذا أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني ، وهو فاروق هذه الأمّة ، يفرق بين الحقّ والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ، وهو

٥٤٣

الصدّيق الأكبر ، وهو بابي الذي أؤتى منه ، وهو خليفتي من بعدي».

قال الكنجي : هكذا أخرجه محدّث الشام في فضائل عليّعليه‌السلام في الجزء التاسع والأربعين بعد الثلاث مائة من كتابه بطرق شتّى.

وأخرج شيخ الإسلام الحمويني بسنده عن علقمة بن قيس والأسود بن بريدة.

وأخرجه عنهما المير السيّد علي الهمداني في آخر المودّة الخامسة من كتاب «مودّة القربى» باختلاف يسير في أوّله ، ونحن ننقل عنه

قالا : أتينا أبا أيّوب الأنصاري ، قلنا : يا أبا أيّوب! إنّ الله تعالى أكرمك بنبيّك إذ أوحى إلى راحلته تبرك إلى بابك ، فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صنع لك فضيلة فضّلك بها.

أخبرنا بمخرجك مع عليّعليه‌السلام تقاتل أهل لا إله إلاّ الله!

فقال أبو أيّوب : فإنّي أقسم لكما بالله تعالى لقد كان والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معي في هذا البيت الذي أنتما فيه معي ، وما في البيت غير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ جالس عن يمينه ، وأنس قائم بين يديه ، إذ حرّك الباب ، [«فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انظر إلى الباب من بالباب؟

فقال : يا رسول الله! هذا عمّار.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : افتح لعمّار الطيّب المطيّب.

ففتح أنس الباب ، فدخل عمّار على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عمّار ستكون في أمّتي هنات حتّى يختلف السيف فيما بينهم حتّى يقتل بعضهم بعضا ، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني ـ يعني علي بن أبي طالب ـ إن سلك الناس كلّهم واديا وسلك علي واديا ، فاسلك وادي عليّ وخلّ عن الناس.

٥٤٤

يا عمّار! عليّ لا يردّك عن هدى ، ولا يدلّك على ردى.

يا عمّار! طاعة عليّ طاعتي ، وطاعتي طاعة الله»].

أقول : فكانت الفتنة التي أشار إليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصرّح بها وأفصح عنها ، وهي اختلاف أصحابه بعده في أمر الخلافة ، وقد بيّنصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما عليه ، من إرشاد أمّته إلى الصراط المستقيم والطريق القويم ، بأن يستضيئوا بنور وصيّه وابن عمّه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ويتّبعوه ويأخذوا جانبه ، فإنّ الحقّ معه ، وكان عليّعليه‌السلام يخالف بيعة أبي بكر ويرفضها لأنّها باطلة.

ونحن نعتقد أنّ السقيفة وخليفتها ما هي إلاّ مؤامرة نفر من قريش ، أشهرهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجرّاح ، وإذا لم تكن مؤامرة مدبّرة بين هؤلاء كان عليهم أن يخبروا الصحابة الآخرين وخاصّة الإمام عليّا والعبّاس ، وكان عليهم أن يشاوروهم ويأخذوا رأيهم. فكان يتعيّن حينئذ خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أساس الإجماع.

الحافظ : ما كانت هناك مؤامرة ، وإنّما الأوضاع الرّاهنة كانت خطيرة للغاية ، بحيث رأوا التعجيل في تعيين الخليفة أمرا ضروريا لا يجوز تأخيره ، وذلك في مصلحة الإسلام والمسلمين حفظا للدين.

قلت : هل إنّ الثلاثة الّذين سبقوا بني هاشم وغيرهم من ذوي البصيرة والرأي ، وحضروا السقيفة ، هل كان إحساسهم في حفظ الدين أكثر من العبّاس ومن عليّ بن أبي طالب ، مع سوابقه المشرقة في الجهاد والتضحية والذبّ عن الإسلام ونبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!!

فإذا لم يكونوا متآمرين في سبيل نيل الخلافة ، وما كانوا طامعين

٥٤٥

فيها ، لكان على اثنين منهم أن يبقيا في السّقيفة ويناقشا الأنصار ويهدّئا الوضع ، ويخرج الثالث إلى الصحابة وبني هاشم الّذين كانوا في بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيخبرهم باجتماع السقيفة ، فكانوا سيشاركونهم فيها ويبدون رأيهم ، ولحلّ الوفاق محل الاختلاف.

وصدّقوني أيّها الإخوة ، إنّ كل ما نجده اليوم من افتراق المسلمين واختلافهم الذي انتهى إلى ضعفهم وكسر شوكتهم ، وما حدثت من نزاعات داخلية بين المسلمين ، والحروب الدامية والوقائع المخزية التي نشبت بينهم في الماضي والحاضر ، كلّها حصيلة يوم السقيفة ومؤامرة أولئك النفر وتعجيلهم في تعيين الخليفة.

النوّاب : سيدنا الجليل! ما هو السبب في تعجيل القوم؟! وما الذي حداهم إلى عدم إخبار بني هاشم والصحابة الذين كانوا مجتمعين في بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

قلت : نحن على يقين أنهم كانوا يعلمون ، لو لم يعجّلوا في تعيين أحدهم بالخلافة ، ولو صبروا حتّى يحضر بنو هاشم وكبار الصحابة فيشاورونهم في تعيين خليفة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسمع الحاضرون احتجاجهم ما عدلوا عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام كما أنّ بشير بن سعد الأنصاري ، وهو أول من بايع أبا بكر من الأنصار ، لمّا سمع كلام الإمام عليّعليه‌السلام وهو يحتجّ على أبي بكر ، قال : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا عليّ قبل بيعتها لأبي بكر ، ما اختلفت عليك!(١) .

__________________

(١) الإمامة والسياسة : ١٣ ط مطبعة الأمّة بمصر.

وروى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٦ / ٢١ عن الزبير بن بكّار ، قال : وكان

٥٤٦

وحتّى عمر بن الخطّاب لم يكن موقنا بنجاح المؤامرة ، وأنّ الخليفة الذي سينصبه هو(١) ويبادر إلى بيعته ، سيصبح حاكما متمكّنا ،

__________________

عامّة المهاجرين وجلّ الأنصار لا يشكّون أنّ عليا هو صاحب الأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ونقل ابن أبي الحديد في شرحه ٦ / ١٩ عن الزبير بن بكّار ، جواب زيد بن أرقم ، في ردّ عبد الرحمن بن عوف في أوّل يوم من بيعة أبي بكر ، إذ قال : يا معشر الأنصار ليس فيكم مثل أبي بكر ولا عمر ولا عليّ ولا أبي عبيدة! فقال زيد كلاما طويلا ، آخره : وإنّا لنعلم أنّ ممّن سمّيت من قريش ، من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد ؛ علي بن أبي طالب.

ويقول الأستاذ عبد الفتّاح عبد المقصود في كتابه «السقيفة والخلافة» صفحة ١٦٠ : فالراجح الذي يقارب اليقين أنّ أغلب المهاجرين ، ثمّ أكثر الكثيرين من رفاق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على طريق الإيمان منذ بدء الدعوة الهادية ، كانوا بعيدين عن مجال هذا الصراع السياسي بين فريقي المتنازعين يومئذ على السلطان ، بعضهم نفورا منه وبعضهم غفلة عنه ، وعامّتهم اطمئنانا يقينيّا إلى أنّ خلافة صاحب الرسالة باقية في بيته لا محالة ، إذ كانوا لا يشكّون لحظة واحدة في أنّ الولاية على المسلمين مفضية حتما من بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عليّ بن أبي طالب ، بحقّ قدره وفضله ، وليس فقط بحقّ صهره وقرباه ، فهو من علم الناس موئل علمه ، ولجأ أمره ، وموضع سرّه ، ونجي قلبه ولصيق لبّه ، وأولاهم كافّة ـ أمّة وآلا ـ بإمرة المؤمنين بلا مجادلة ولا نزاع.

«المترجم»

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١ / ١٧٤ ط دار إحياء التراث :

وعمر هو الذي شدّ بيعة أبي بكر ووقم ـ أذلّ ـ المخالفين فيها ، فكسر سيف الزبير لمّا جرّده ودفع في صدر المقداد ، ووطئ في السقيفة سعد بن عبادة وقال : اقتلوا سعدا ، قتل الله سعدا ، وحطّم أنف الحبّاب بن المنذر ، الذي قال يوم السقيفة : أنا جذيلها المحكّك ، وعذيقها المرجّب.

٥٤٧

فلذلك كان يقول : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه(١) .

ردّ الدليل الثالث

وأمّا دليلكم الثالث ، وهو قول عمر بن الخطّاب بأن النبوّة والحكم لا تجتمعان في أهل بيت واحد ، فبطلانه وزيفه واضح ، بدليل قوله تعالى :( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ) (٢) .

__________________

وتوعّد من لجأ إلى دار فاطمة عليها‌السلام من الهاشميّين وأخرجهم منها. ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر ولا قامت له قائمة.

انتهى كلام ابن أبي الحديد.

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٦ : فأمّا حديث الفلتة ، فقد كان سبق من عمر أن قال : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه!

ثمّ نقل معنى «الفلتة» في صفحة ٣٦ و ٣٧ فقال : ذكر صاحب «الصحاح» أنّ الفلتة ، الأمر الذي يعمل فجأة من غير تردّد ولا تدبّر ؛ وهكذا كانت بيعة أبي بكر ؛ لأنّ الأمر لم يكن فيها شورى بين المسلمين ، وإنّما وقعت بغتة لم تمحّص فيها الآراء ، ولم يتناظر فيها الرجال ، وكانت كالشيء المستلب المنتهب.

أقول : لقد عبّر أبو بكر عن بيعته أنّها كانت «فلتة» قبل عمر ، كما روى ذلك ابن أبي الحديد في شرحه ٦ / ٤٧ عن عمر بن شبّة ثمّ قام أبو بكر ، فخطب الناس ، فاعتذر إليهم ، وقال : إنّ بيعتي كانت «فلتة» وقى الله شرّها

ولا يخفى أن قول عمر بأن تلك البيعة كانت فلتة وقى الله المسلمين شرّها ، قد نقله البخاري في صحيحه : ج ٤ ص ١٢٧. «المترجم»

(٢) سورة النساء ، الآية ٥٤.

٥٤٨

فالكلام إن كان ينسب إلى عمر فهو دليل على عدم إحاطته بالآيات القرآنية ومفاهيمها!

وإن كان عمر يرويه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو حديث مجعول ، لأنه مخالف لكتاب الله الحكيم.

ثمّ نحن نعتقد بأنّ الخلافة تالية للنبوة ولازمة لها ، فلا يطلق عليها اسم الحكومة والسلطنة ، لأنّ سلطة الخليفة لا تكون كسلطة الملوك وحكومتهم.

ثمّ إنّ خلافة النبوّة عندنا كخلافة هارون لأخيه موسى بن عمران حيث قال سبحانه وتعالى في كتابه :( وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ) (١) .

فإن يكن عندكم ، أنّه يحقّ للمسلم أن ينفي خلافة هارون لموسى ، فإنّه يحقّ له أيضا عزل عليّعليه‌السلام من خلافة خاتم النبيّينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فكما إنّ النبوّة والخلافة اجتمعتا في أهل بيت عمران والد موسى وهارون ، كما ينصّ القرآن فيه ، كذلك اجتمعتا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّعليه‌السلام في بيت عبد المطّلب ، بالنصوص الكثيرة ، منها : حديث المنزلة ، وقد ذكرنا مصادره وتكلّمنا حوله في الليالي الماضية.

ثمّ إنّ عمر بن الخطّاب لمّا جعل عليّاعليه‌السلام أحد الستّة الّذين عيّنهم في شورى الخلافة من بعده ، قد ناقض حديثه بعلمه ، وإضافة إلى تناقض عمر ، تناقض اعتقادكم لهذا الحديث ، إذ إنّكم إن تعتقدون بصحّة كلام عمر في هذا المجال ، فكيف تعتقدون بخلافة عليّعليه‌السلام في

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ١٤٢.

٥٤٩

الدور الرابع؟!! وهذا تناقض بيّن(١) .

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ١٢ / ٥٢ ـ ٥٤ ط دار إحياء التراث العربي :

قال : وروى عبد الله بن عمر ، قال : كنت عند أبي يوما وعنده نفر من الناس ـ إلى أن قال : ـ فقال [أي أبوه عمر] : يا ابن عبّاس! أتدري ما منع الناس منكم؟!

قال : لا يا أمير المؤمنين.

قال : لكنّي أدري.

قال : ما هو يا أمير المؤمنين؟

قال : كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوّة والخلافة ، فتجخفوا جخفا ، فنظرت قريش لنفسها فاختارت ، ووفّقت فأصابت.

فقال ابن عبّاس : أيميط أمير المؤمنين عنّي غضبه فيسمع؟!

قال : قل ما تشاء.

قال : أمّا قول أمير المؤمنين : «إنّ قريشا كرهت» فإنّ الله تعالى قال لقوم : ( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ ) سورة الأحزاب : ١٩.

وأمّا قولك : «إنّا كنّا نجخف» فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة ، ولكنّا قوم أخلاقنا مشتقّة من خلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي قال الله تعالى : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) سورة القلم : ٤.

وقال له : ( وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) سورة الشعراء : ٢١٥.

وأمّا قولك : فإنّ قريشا اختارت ، فإنّ الله تعالى يقول : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) سورة القصص : ٦٨. وقد علمت يا أمير المؤمنين أنّ الله اختار من خلقه لذلك من اختار ، فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها لوفّقت وأصابت قريش.

فقال عمر : على رسلك يا ابن عبّاس ، أبت قلوبكم يا بني هاشم إلاّ غشّا في أمر قريش لا يزول ، وحقدا عليها لا يحول.

فقال ابن عبّاس : مهلا يا أمير المؤمنين : لا تنسب هاشما إلى الغشّ ، فإنّ قلوبهم من قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي طهّره الله وزكّاه ، وهم أهل البيت الّذين قال الله

٥٥٠

الشيخ عبد السّلام : إنّ الكلام والنقاش حول هذا الموضوع لا يزيد المسلمين إلاّ افتراقا وابتعادا ، لذلك نقول : كيفما كان الأمر فنحن ما كنّا في ذلك اليوم ، وما حضرنا السقيفة حتى نلمس الأمر ونتحسّس الأحداث ، فنجد اليوم أنفسنا أمام أمر واقع ، وقد حصل عليه الإجماع ولو تدريجا ، فلا يجوز لنا أن نخالفه ، بل يجب على كلّ مسلم أن يخضع له ويستسلم للأمر الواقع.

قلت : أمّا نحن فنقول : لا يجوز لأحد من المسلمين أن يعتقد بشيء من غير دليل شرعي ، ويجب على كلّ مسلم أن يتّبع الحقّ لا أنّه يستسلم للأمر الواقع ، فكم من ضلال وباطل قائم في الدنيا ، فهل

__________________

تعالى لهم :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) سورة الأحزاب : ٣٣.

وأمّا قولك : «حقدا» فكيف لا يحقد من غصب شيئه ويراه في يد غيره؟!

فقال عمر : أمّا أنت يا ابن عبّاس ، فقد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به فتزول منزلتك عندي.

قال : وما هو يا أمير المؤمنين؟! أخبرني به ، فإن يك باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه ، وإن يك حقّا فإنّ منزلتي عندك لا تزول به.

قال : بلغني أنّك لا تزال تقول : أخذ هذا الأمر منكم حسدا وظلما.

قال : أمّا قولك يا أمير المؤمنين : «حسدا» فقد حسد إبليس آدم ، فأخرجه من الجنة ، فنحن بنو آدم المحسود.

وأمّا قولك : «ظلما» فأمير المؤمنين يعلم صاحب الحقّ من هو! ثمّ قال : يا أمير المؤمنين! ألم تحتجّ العرب على العجم بحقّ رسول الله واحتجّت قريش على سائر العرب بحقّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنحن أحقّ برسول الله من سائر قريش. «المترجم»

٥٥١

يجوز لمسلم أن يتّبعه ويتقبّله ، ثمّ يقول : إنّه أمر واقع وليس لنا إلاّ أن نستسلم للأمر الواقع؟!

فالإسلام دين تحقيق لا دين تقليد.

قال سبحانه وتعالى :( فَبَشِّرْ عِبادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) (١) .

فهل قول عمر أحسن أم قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

فهل يجوز لمسلم أن يترك هذه النصوص الجليّة ، والأحاديث النبويّة المروية عن طرقكم ، والمذكورة في كتبكم المعتبرة عندكم في شأن الإمام عليعليه‌السلام ، وأنّ الحقّ بجانبه وهو مع الحقّ متلازمان لا يفترقان ، ثمّ يتمسّك بقول عمر بن الخطّاب فيعتقد بخلافة أبي بكر ، مع العلم بأنّ عليّاعليه‌السلام أعلن بطلانها ، وهو علم الهدى والكمال ، والفاروق ، بين الحقّ والضلال ، فلذلك تبعه بنو هاشم وكثير من الصحابة ، فأبوا أن يبايعوا لأبي بكر.

[علا صوت المؤذّن لصلاة العشاء ، فقطعنا الحديث ، وبعد الفراغ من صلاة العشاء وبعد تناول الشاي]

افتتح الحافظ الكلام قائلا : لقد كرّرتم الكلام بأنّ عليّا كرم الله وجهه وبني هاشم وكثير من الصحابة رضي الله عنهم ، لم يرضوا بخلافة أبي بكر ولم يبايعوه ، ونحن نرى التواريخ كلّها اتّفقت على أنّ سيّدنا عليّا وبني هاشم وجميع أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بايعوا أبا بكر.

قلت : نعم بايعوا ولكن كيف تمّت البيعة؟!

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية ١٧ ـ ١٨.

٥٥٢

أما قرأتم في كتب التاريخ والحديث أنّ عليّاعليه‌السلام وبني هاشم وكثيرا من كبار الصحابة ، ما بايعوا إلاّ بعد ستّة أشهر بالتهديد والجبر ، إذ جرّدوا السيف على رأس الإمام عليّعليه‌السلام وهدّدوه بالقتل إن لم يبايع!

الحافظ : إنّي أعجب من جنابك ؛ كيف تتفوّه بهذا الكلام الذي ما هو إلاّ من أساطير جهلة الشيعة والعوامّ ، وقد أكّد غير واحد من المؤرّخين أنّ سيّدنا عليّا كرم الله وجه بايع أبا بكر في أوان خلافته طوعا ورغبة ، وأعلن موافقته لخلافة أبي بكر في خطبة خطبها من غير جبر وإكراه.

قلت : ولكنّ الخبر الذي اتّفق عليه أعلامكم من أصحاب الصحاح والمؤرّخين ، وصرّح به البخاري في صحيحه ٣ / ٣٧ باب غزوة خيبر ، ومسلم بن الحجّاج في صحيحه ٥ / ١٥٤ باب قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا نورث ، ومسلم بن قتيبة في الإمامة والسياسة : ١٤ ، والمسعودي في مروج الذهب ١ / ٤١٤ ، وابن أعثم الكوفي في الفتوح ، وأبو نصر الحميدي في الجمع بين الصحيحين ، أخرجوا : أنّ عليا وبني هاشم لم يبايعوا إلاّ بعد ستّة أشهر.

وروى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٦ / ٤٦ عن الصحيحين ، عن الزهري ، عن عائشة فهجرته [أبا بكر] فاطمة ولم تكلّمه في ذلك حتّى ماتت ، فدفنها عليّ ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وفي الخبر : فمكثت فاطمة ستّة أشهر ثمّ توفّيت.

فقال رجل للزهري : فلم يبايعه عليّ ستّة أشهر؟!

قال : ولا أحد من بني هاشم ، حتّى بايعه عليّ.

٥٥٣

وذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ، صفحة ١٣(١) ، تحت عنوان : «كيف كانت بيعة عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه» قال : وإنّ أبا بكر (رض) تفقّد قوما تخلّفوا عن بيعته عند عليّ كرّم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار عليّ ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرّقنها على من فيها!

فقيل له : يا أبا حفص! إنّ فيها فاطمة!

فقال : وإن

وبعد عدّة أسطر يقول : فدقّوا الباب فلمّا سمعت أصواتهم ، نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله! ما ذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة!

فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين ، وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا(٢) عليّا فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع.

فقال : إن أنا لم ابايع فمه؟!

قالوا : إذا والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك! قال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله.

قال عمر : أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخو رسوله فلا.

وأبو بكر ساكت لا يتكلّم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك؟!

__________________

(١) من الطبعة القديمة ، وفي ص ٣٠ من الطبعة المصرية.

(٢) أيّها القارئ الكريم! إنّ ابن قتيبة في نقله يراعي جانب الشيخين ، فلا ينقل الخبر بتمامه ، فلا يقول كيف أخرجوا عليّا ، فالإخراج حصل بعد ما اقتحموا الدار وهجموا ، وكانت فاطمة خلف الباب ، فعصرت وصار ما صار ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. «المترجم»

٥٥٤

فقال : لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.

فلحق عليّ بقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصيح ويبكي وينادي :( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (١) .

بعد ما سمعت هذا الخبر ، اعلم بأنّ كلامك كذب وزور وافتراء علينا ، لأنّك تعلم بأنّ هذه الأخبار ليست من أساطير جهلة الشيعة وعوامّهم ، بل ممّا نقلها كثير من أعلامكم وعلمائكم في كتبهم المعتبرة لديكم.

واعلم أنّ مسئوليّتكم ـ أنتم العلماء ـ خطيرة تجاه الجهلة والعوام ، لأنّهم يأخذون منكم وينقلون عنكم ، وقد قيل : إذا فسد العالم فسد العالم.

الحافظ : مقصودنا من أساطير الشيعة ، هي الأخبار الكاذبة التي وضعوها ، مثل هجوم القوم على بيت فاطمة الزهراء ، وحرق الباب ، وضربها حتّى سقط جنينها ، وأنّ عليا أخرجوه من الدار قهرا ، وأخذوا منه البيعة جبرا ، وأمثال هذه الأخبار المجعولة التي تتناقلها الشيعة في مجالسها بلوعة وحنين وحرقة الواله الحزين.

قلت : إمّا أنّ معلوماتكم التاريخية ومطالعتكم لهذه القضايا ضعيفة ، وإما تعرفون وتحرّفون!

ثمّ تبعا لأسلافكم ، تتّهمون الشيعة المظلومين بوضع الأخبار وجعل الحديث ، وأتباعكم الغافلون يصدّقونكم فيحسبون الشيعة كذلك. بينما هذه الأخبار التي تنكرها وتقول إنّها من أساطير الشيعة ، كلّها مذكورة في كتبكم ، ومنقولة من طرقكم ورجالكم.

وسأنقل بعضها ، حسب اقتضاء الوقت والمجلس ، حتّى يعرف

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ١٥٠.

٥٥٥

الحاضرون المنصفون ، صدق كلامي ؛ ويتبيّن لهم ، أنّك حائف ، وكلامك زائف ، ومقالك جائف.

وثائق تاريخية

لقد أشار المحدّثون والمؤرّخون إلى هذه الحوادث الأليمة في الأخبار ، وبعضهم صرّحوا وشرحوها بالتفصيل وبعضهم باختصار ، بحيث لم يبق لأحد مجال للإنكار ، وإليكم بعض الوثائق التاريخية التي تكون عندكم محلّ الوثوق والاعتبار :

١ ـ أحمد بن يحيى البغدادي ، المعروف بالبلاذري ، وهو من كبار محدّثيكم ، المتوفّى سنة ٢٧٩ ، روى في كتابه أنساب الأشراف ١ / ٥٨٦ ، عن سليمان التيمي ، وعن ابن عون : أنّ أبا بكر أرسل إلى عليّعليه‌السلام يريد البيعة ، فلم يبايع.

فجاء عمر ومعه فتيلة ـ أي شعلة نار ـ فتلقّته فاطمة على الباب.

فقالت فاطمة : يا بن الخطّاب! أتراك محرّقا عليّ بابي؟!

قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك!!

٢ ـ روى ابن خنزابة في كتابه «الغدر» عن زيد بن أسلم ، قال : كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع عليّ وأصحابه من البيعة ، فقال عمر لفاطمة : أخرجي كلّ من في البيت أو لأحرّقنّه ومن فيه!

قال : وكان في البيت علي وفاطمة والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقالت فاطمة : أفتحرق عليّ ولدي!!

٥٥٦

فقال عمر : إي والله ، أو ليخرجنّ وليبايعنّ!!

٣ ـ ابن عبد ربّه في العقد الفريد ٢ / ٢٠٥ ط المطبعة الأزهرية ، سنة ١٣٢١ هجرية ، قال : الّذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر ؛ عليّ ، والعبّاس ، والزبير ، وسعد بن عبادة.

فأمّا عليّ والعبّاس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتّى بعث إليهم أبو بكر ، عمر بن الخطّاب ليخرجهم من بيت فاطمة ، وقال له : إن أبوا فقاتلهم!

فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة ، فقالت : يا ابن الخطّاب : أجئت لتحرق دارنا؟!

قال : نعم ، أو تدخلوا في ما دخلت فيه الأمّة!!

٤ ـ محمد بن جرير الطبري في تاريخه ٣ / ٢٠٣ وما بعدها ، قال : دعا عمر بالحطب والنار وقال : لتخرجنّ إلى البيعة أو لأحرقنّها على من فيها.

فقالوا له : إن فيها فاطمة!

قال : وإن!!

٥ ـ ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٢ / ٥٦ روى عن أبي بكر الجوهري ، فقال : قال أبو بكر : وقد روي في رواية أخرى أنّ سعد بن أبي وقّاص كان معهم في بيت فاطمةعليها‌السلام ، والمقداد بن الأسود أيضا ، وأنّهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليّاعليه‌السلام ، فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت ، وخرجت فاطمةعليها‌السلام تبكي وتصيح إلى آخره.

وفي صفحة ٥٧ : قال أبو بكر : وحدّثنا عمر بن شبّة بسنده عن الشعبي ، قال : سأل أبو بكر فقال : أين الزبير؟! فقيل عند عليّ وقد

٥٥٧

تقلّد سيفه.

فقال : قم يا عمر! قم يا خالد بن الوليد! انطلقا حتّى تأتياني بهما.

فانطلقا ، فدخل عمر ، وقام خالد على باب البيت من خارج ، فقال عمر للزبير : ما هذا السيف؟!

فقال : نبايع عليّا.

فاخترطه عمر فضرب به حجرا فكسره ، ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثمّ دفعه وقال : يا خالد! دونكه فأمسكه.

ثمّ قال لعليّ : قم فبايع لأبي بكر!

فأبى أن يقوم ، فحمله ودفعه كما دفع الزبير فأخرجه ، ورأت فاطمة ما صنع بهما ، فقامت على باب الحجرة وقالت : يا أبا بكر ، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله! إلى آخره.

وقال ابن أبي الحديد في صفحة ٥٩ و ٦٠ : فأمّا امتناع عليّعليه‌السلام من البيعة حتّى أخرج على الوجه الذي أخرج عليه. فقد ذكره المحدّثون ورواه أهل السير ، وقد ذكرنا ما قاله الجوهري في هذا الباب ، وهو من رجال الحديث ومن الثقات المأمونين ، وقد ذكر غيره من هذا النحو ما لا يحصى كثرة.

٦ ـ مسلم بن قتيبة بن عمرو الباهلي ، المتوفّى سنة ٢٧٦ هجرية ، وهو من كبار علمائكم له كتب قيّمة منها كتاب «الإمامة والسياسة» يروي في أوّله قضية السقيفة بالتفصيل ، ذكر في صفحة ١٣ قال : إنّ أبا بكر تفقّد قوما تخلّفوا عن بيعته عند عليّ كرّم الله وجهه فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار عليّ ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا

٥٥٨

بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده ، لتخرجنّ أو لأحرّقنّها على من فيها.

فقيل له : يا أبا حفص! إنّ فيها فاطمة! فقال : وإن! إلى آخره.

٧ ـ أبو الوليد محبّ الدين بن شحنة الحنفي ، المتوفّى سنة ٨١٥ هجرية ، وهو من كبار علمائكم ، وكان قاضي حلب ، له تاريخ «روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر» ذكر فيه موضوع السقيفة ، فقال : جاء عمر إلى بيت عليّ بن أبي طالب ليحرقه على من فيه.

فلقيته فاطمة ، فقال عمر : أدخلوا في ما دخلت الأمّة إلى آخره(١) .

__________________

(١) وجدت مصادر اخرى إضافة إلى ما ذكرها السيّد المؤلّفرحمه‌الله ، أذكرها لتكون الحجّة أقوى وأثبت :

١ ـ عمر رضا كحّالة ، ذكر في كتابه أعلام النساء ٤ / ١١٤ ، قال : وتفقّد أبو بكر قوما تخلّفوا عن بيعته عند عليّ بن أبي طالب. كالعبّاس والزبير وسعد بن عبادة ، فقعدوا في بيت فاطمة ، فبعث أبو بكر عمر بن الخطّاب فجاءهم عمر فناداهم وهم في دار فاطمة ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها.

فقيل له : يا أبا حفص! إنّا فيها فاطمة.

قال : وإن!

٢ ـ ونقل هذا الخبر في تاريخ أبي الفداء ١ / ١٥٦.

٣ ـ وشهيرات النساء ٣ / ٣٣.

٤ ـ الدكتور عبد الفتّاح عبد المقصود ، ذكر في كتابه «السقيفة والخلافة» ص ١٤ ، ط مكتبة غريب في القاهرة ، بعد ما يسرد الأخبار المتضاربة يقول : ثمّ تطالعنا صحائف

٥٥٩

هذه نماذج من الأخبار المرويّة في كتبكم ، حتّى إنّ بعض شعرائكم المعاصرين ذكر الموضوع في قصيدة يمدح فيها عمر بن الخطّاب ، وهو حافظ إبراهيم المصري المعروف بشاعر النيل ، قال في قصيدته العمريّة :

وقولة لعليّ قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرّقت دارك لا أبقي عليك بها

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها

أمام فارس عدنان وحاميها

الحافظ : هذه الأخبار كلّها تنبئ بأنّ عمر بن الخطّاب أمر بالحطب وجاء بالنار وهدّد بإحراق البيت على من فيه ، ليفرّق اجتماع المخالفين لبيعة الخليفة ، فأراد أن يرهبهم ويخوّفهم.

ولكنّكم زدتم أخبارا لا أصل لها ، فقلتم إنّهم أحرقوا الباب وعصروا فاطمة وضربوها حتّى أسقطوا جنينها المسمّى محسّنا.

هذه الأخبار ، من أكاذيب الشيعة ولا أصل لها أبدا ، وما أظنّ

__________________

ما أورد المؤرّخون بالكثير من أشباه هذه الأخبار المضطربة التي لا نعدم أن نجد بينها من عنف عمر ما يصل به إلى الشروع في قتل عليّ ، أو إحراق بيته على من فيه.

فلقد ذكر أنّ أبا بكر أرسل عمر بن الخطّاب ومعه جماعة بالنار والحطب إلى دار عليّ وفاطمة والحسن والحسين ليحرقوه بسبب الامتناع عن بيعته ، فلمّا راجع عمر بعض الناس قائلين : إنّ في البيت فاطمة!

قال : وإن! «المترجم»

٥٦٠