ليالي بيشاور

ليالي بيشاور0%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 1205
المشاهدات: 172604
تحميل: 1992

توضيحات:

ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172604 / تحميل: 1992
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

وجود حاتم وهما كافران ، فكان يحترمهما للعدل والجود.

وربما غضبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أحد أصحابه لذنب ارتكبه وقبيح فعله. فاحترام النبي وتكريمه لأي شخص من الصحابة لا يدل على حسن عاقبة ذلك الشخص ولا يدل على أنه مورد احترام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الأبد ، بل يكون احترامه وتكريمه للأشخاص مرهونا بأعمالهم ، فما داموا محسنين فهو يحترمهم ، وإذا عصوا الله سبحانه وخالفوه ترك احترامهم وغضب عليهم.

فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحترم أصحابه قبل أن يصدر منهم ذنبا أو خلافا لأن عقاب المجرم وأهانته قبل أن يرتكب جرما ، يكون قبيحا وخلافا للعقل والشرع.

كما أنّ سيدنا الإمام عليعليه‌السلام كان يعلم بعلم من الله سبحانه وإخبار من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّ ابن ملجم المرادي قاتله وكانعليه‌السلام يخبر أصحابه وشيعته بذلك ، ولكن تركه وشأنه ، فلم يسجنه ولم يحاصره ولم يضيّق عليه ، ولمّا أشار عليه بعض الناس أن يقتل ابن ملجم ، قالعليه‌السلام : لا يجوز القصاص قبل الجناية.

وروى ابن حجر في الصواعق المحرقة ص ٨٠ في أواخر الفصل الخامس من الباب التاسع :

[أنّ عليا جاءه ابن ملجم يستحمله فحمله ، ثم قالرضي‌الله‌عنه : اريد حياته ويريد قتلي عذيري من خليلي من مرادي ثم قال : هذا والله قاتلي!]

٦٤١

رضا الله سبحانه عن الصحابة

وأما قول الحافظ : إن الله سبحانه أعلن رضاه عن أصحاب نبيه ، فالطعن فيهم إنكار لرضا الله عز وجلّ ، وهذا كفر!

أقول في جوابه : نحن لا ننكر بأنّ الله تعالى أعلن رضاه عن الصحابة في بيعة الرضوان بقوله سبحانه :( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) (١) .

ولكن نقول ما قاله العلماء المحققون : بأنّ الآية الكريمة لا تتضمن رضا الله سبحانه عن المؤمنين ـ الذين اجتمعوا تحت الشجرة ـ على جميع أعمالهم إلى آخر حياتهم.

إنّما عنت الآية الشريفة رضا الله عزّ وجلّ عن المؤمنين بمبايعتهم النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت الشجرة ـ البيعة المعروفة ببيعة الرضوان ـ والتاريخ يشهد بأنّ كثيرا من أولئك المبايعون نزلت فيهم آيات النّفاق بعد تلك البيعة وانضمّوا مع المنافقين وأصبحوا من الخاسرين.

فرضا الله سبحانه ما تعلّق بهم لأنهم أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل تعلّق رضاه بهم لأنهم كانوا مؤمنين بالله وبرسوله ، ورضاهما بهم ما داموا مؤمنين ، فإذا خرجوا من الإيمان وارتدّوا ، فرضا الله العزيز ينقلب إلى غضبه عليهم ـ نعوذ بالله من غضبه ـ والشيعة يحمدون كل عمل حسن صدر من إنسان وخاصة أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويقدحون كل عمل قبيح صدر من أي شخص سواء أكان صحابيا أو غير

__________________

(١) سورة الفتح ، الآية ١٨.

٦٤٢

صحابي ، فإنّ أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كانوا معصومين وقد صدر من بعضهم أعمال غير حميدة ومعاصي عديدة.

الحافظ : إنّ هذا القول افتراء على الصحابة!

فنحن لا نعتقد بعصمتهم ، لكن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال فيهم : أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم.

وقد أجمع المسلمون على صحّة هذا الحديث الشريف إلاّ أنتم الشيعة.

أصحابي كالنجوم!

قلت : أترك النقاش حول سند الحديث وصحّته أو سقمه ، وأبدا معك في مدلوله حتى لا نبتعد عن صلب الموضوع والبحث الذي نحن فيه.

فأقول : أولا : اتفق المسلمون وأجمعوا على أنّ كل من أدرك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمع حديثه فهو صحابي ، سواء أكان من المهاجرين أم الأنصار ، أم من الموالين وغيرهم.

ومن الخطأ أن نحسب كل أولئك هادين مهديين ، لوجود المنافقين بينهم والفاسقين ، وذلك ثابت بالنص الصريح في القرآن الحكيم(١) .

__________________

(١) كم يحدّث القرآن الكريم ويحدثنا التاريخ عن أناس من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا بادئ أمرهم مؤمنين ثم انقلبوا كافرين.

وقد صرّح العزيز الحكيم بذلك في قوله : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران ١٤٤.

٦٤٣

حتى أنّ التاريخ يحدّثنا بأن جماعة من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين كانوا يتظاهرون بحبه وطاعته ، تآمروا عليه عند رجوعه من غزوة تبوك وأرادوا قتله في بطن عقبة في الطريق ، إلاّ أنّ الله تعالى عصم

__________________

وقوله تعالى :( يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ) التوبة ٧٤.

وأما الذين فسقوا منهم فلا يعلم عددهم إلاّ الله عزّ وجلّ حيث يقول :( وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ* أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة ٤٩ ـ ٥٠.

وإن كثيرا منهم هجروا القرآن وتركوا العمل به ، حتى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشكوهم عند الله سبحانه كما أخبر القرآن عن ذلك بقوله : ( وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ) الفرقان ٣٠.

ومن المناسب نقل الخبر الذي رواه العلامة الكنجي الشافعي في الباب العاشر من كتابه كفاية الطالب ، بسنده المتصل عن ابن عباس قال : قال رسول الله «إنكم تحشرون حفاة عراة عزلا ألا وإنّ أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : أصحابي أصحابي قال : فيقال : إنّهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم الخ».

قال العلامة الكنجي : [هذا حديث صحيح متفق على صحته من حديث المغيرة بن النعمان ، ورواه البخاري في صحيحه عن محمد بن كثير عن سفيان ، ورواه مسلم في صحيحه عن محمد بن بشّار «بندار» عن محمد بن جعفر «غندر» عن شعبة ، رزقناه عاليا بحمد الله من هذا الطريق. انتهى كلام العلامة الكنجي الشافعي.]

أقول : ورواه أيضا البخاري عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة في الجزء الرابع من صحيحه في كتاب الرقاق في باب / كيف الحشر / ص ٨٢ / ط مصر سنة ١٣٢٠.

«المترجم»

٦٤٤

رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كيد أولئك الأشرار المنافقين.

الحافظ : لقد روى قضية العقبة جماعة من علماء الشيعة وهي عند علمائنا غير ثابتة.

قلت : انك قلت رهجا وذهبت عوجا ، فإن قضية العقبة اشتهرت بين المؤرخين والمحدثين حتى ذكرها كثير من أعلامكم : منهم الحافظ أبو بكر البيهقي الشافعي ، في كتابه دلائل النبوّة ، ذكرها مسندا ، ومنهم أحمد بن حنبل في آخر الجزء الخامس من مسنده عن أبي الطفيل ، ومنهم ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة ، حتى لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك الليلة جماعة من أصحابه وهم المتآمرون عليه والقاصدون قتله.

مؤامرة لقتل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

النواب : أرجوك أن تبيّن لنا قضية العقبة وقصة المتآمرين على قتل النبي الاكرم ولو باختصار.

قلت : ذكر علماء الفريقين : أن جماعة من المنافقين الذين كانوا حول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تآمروا على قتله عند رجوعه من غزوة تبوك.

فهبط جبرئيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبره بتآمر القوم وأعلمه بمكان اجتماعهم وحذّره من كيدهم ، فبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حذيفة بن اليمان إلى المكان ليعرفهم ، فرجع حذيفة وذكر للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسماء المتآمرين فكانوا أربعة عشر نفرا ، سبعة من آل أميّة.

فأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حذيفة بكتمان الأمر وكتمان أسمائهم.

٦٤٥

وأما مكان المؤامرة المدبّرة فقد كانت عقبة خطرة في الطريق ، وكانت رفيعة وضيّقه بحيث لا تسع إلاّ لعبور راكب واحد فحمل المنافقون دبابا كثيرة على الجبل الذي يعلو تلك العقبة وكمنوا هناك ليدحرجوها عند وصول ناقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى تلك النقطة الخطرة ، حتى تنفر الناقة من أصوات الدباب المدحرجة فيسقط النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ظهرها إلى عمق الوادي فيتقطّع ويموت ويضيع دمه ، كل ذلك يتم في سواد الليل.

أما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند عبوره من تلك العقبة أمر عمار بن ياسر أن يأخذ بخطام الناقة ويقودها ، وأمر أيضا حذيفة بن اليمان ليسوقها فلما دحرج القوم الدّباب وأرادت الناقة أن تنفر صاح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليها فسكنت وقرّت ، وانهزم المنافقون وتواروا.

وهكذا عصم الله سبحانه نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفضح أعداءه ، نعم إنكم تعدّون هؤلاء المنافقين من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكيف يمكن أن نقول بأن الاقتداء بهم جائز ، أو نعتقد بعدالتهم وأنّهم هداة مهديون؟!

صحابة ولكن كاذبون

ثانيا : هذا أبو هريرة الكذّاب ـ وقد أشرنا في بعض المجالس السابقة إلى تاريخه الأسود من كتبكم ، وأثبتنا بأنّ عمر بن الخطاب ضربه بالسياط حتى أدماه ، لأنه كان يكذب كثيرا على رسول الله في نقله الأحاديث المجعولة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ.

أما كان أبو هريرة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

٦٤٦

وكذلك سمرة بن جندب الكذّاب الفاسق وغيره من الذين كانوا يفترون على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينقلون عنه أحاديث ما كان فاه بها أبدا!!

وهم يعدّون من أصحابهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فهل من المعقول أن يسمح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمته أن يتّبعوا الكاذبين ويأخذوا دينهم عنهم؟!

ثم إذا كان هذا الحديث «أصحابي كالنجوم الخ» ، صحيحا فما تقولون لو اختلف صحابيان في حكم وتنازعا في أمر ، أو قاتلت طائفتان من الصحابة ـ كما حدث بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فالحق مع من؟

وفي متابعة أي الفريقين تكون السعادة والنجاة؟!

الحافظ : نستمع قول كل واحد منهما فمن كانت دلائله أقوى وحجته أعلى فنتبعه.

قلت : إذن صاحب الدلائل القوية والحجة القوية والحجة العلية يكون صاحب الحق ومخالفه يكون على باطل! فحينئذ لا اعتبار لحديث «أصحابي كالنجوم» وهو ساقط عقلا ، لأنّ الهداية لا تحصل في الاقتداء بالباطل.

بمن نقتدي في خلافة السقيفة؟

ثالثا : اذا كان هذا الحديث ـ أصحابي كالنجوم ـ صحيحا ، فلما ذا تطعنون في الشيعة وتحكمون عليهم بالخروج عن الدين ورفض الحق عند ما اقتدوا في عدم قبول خلافة أبي بكر وبطلان السقيفة بعدد من الصحابة المقرّبين للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كسلمان وأبي ذر وعمار والمقداد وأبي أيّوب الأنصاري وحذيفة بن اليمان وخزيمة ذي الشهادتين وغيرهم ممن كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحترمهم ويكرمهم ويشاورهم في أمور العامة كالحرب

٦٤٧

والصّلح وما شابه ذلك بل نجد في كتبكم ومسانيدكم المعتبرة أحاديث كثيرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضل كثير منهم وقد ذكرنا بعضها في المجالس السابقة وكما ذكرنا احتجاجاتهم ودلائل مخالفتهم لرأي السقيفة وخلافة أبي بكر.

فإذا كان حديث أصحابي كالنجوم صحيحا ، فلما ذا تسمّون الشيعة بالرافضة ولما ذا تحكمون على مذهبهم بالبطلان؟!

أما كان سعد بن عبادة من كبار الصحابة وسادات الأنصار؟ وهو بإجماع المؤرخين والمحدّثين ما بايع أبا بكر وخالف خلافته حتى قتل على عهد الخليفة الثاني عمر ، وسعد ما بايع عمر أيضا.

فالحديث يصرّح بأن الاقتداء به ـ وهو مخالفة أبي بكر وعمر ورفض خلافتهما ونسبتهما إلى الظلم والغصب والبطلان ـ صحيح وفيه الهداية والسعادة.

انحراف بعض الصحابة

رابعا : لا أظن أحد المؤمنين ينكر انحراف بعض الصحابة وخروجهم على الحق وميلهم عن الصراط المستقيم ، وذلك بقتالهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام وهو إذا ذاك ـ حسب قولكم ـ كان الخليفة الرابع وآخر الخلفاء الراشدين الذين بايعه أهل الحل والعقد ، وأجمعوا على خلافته ، فنكث بعض الصحابة بيعته وخالفه آخرون ، حتى أعلنوا عليه الحرب وقادوا الجيوش لقتاله.

فهذا طلحة والزبير وهما من أصحاب بيعة الرضوان ، قد

٦٤٨

أخرجوا معهما عائشة زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى البصرة وكانت بسببهم وقعة الجمل التي قتل فيها ألوف المسلمين وسفكت دماء المؤمنين.

وهذا معاوية وابن العاص ، سبّبا معركة صفين وكم زهقت فيها نفوس المؤمنين وأريقت دماء المسلمين.

فهل كان هؤلاء الذين نكثوا البيعة ونقضوا العهد وشقّوا عصى المسلمين وأوقعوا فيهم الخلاف والشقاق وعملوا لصالح أهل الكفر والنفاق ، هل كانوا على الهداية والحق أم كانوا على الباطل والضلال؟!

وقد أجمع العلماء والمحققون وأئمة المسلمين على أنّ علياعليه‌السلام مع الحق والحق مع علي وهو قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ، فكلّ من خالفه يكون على باطل ، ولو كان من الصّحابة وحتى إذا كانت عائشة زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

__________________

(١) وهي التي تروي كما نقل عنها الهمداني في كتاب مودّة القربى / في المودة الثالثة / قال رسول الله (ص) : «إنّ الله عهد إليّ : من خرج على عليّ فهو كافر في النار!».

قيل [لها] : لم خرجت عليه؟! قالت : أنا نسيت هذا الحديث يوم الجمل حتى ذكرته بالبصرة ، وأنا استغفر الله.

ويروي الهمداني عن عطاء عن عائشة / في اوّل المودّة الثالثة : سئلت عائشة عن عليّ قالت : ذلك خير البشر ما شكّ فيه إلاّ كافر.

أقول : وخرّجه العلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب الباب الثاني في تخصيص عليّ بمائة منقبة دون سائر الصحابة.

[وبعد نقله الحديث من طرق متعدّدة ينتهي إلى حذيفة أو جابر ، نقل الحديث عن عطاء عن عائشة ، ثم قال : هكذا ذكره الحافظ ابن عساكر في ترجمة علي عليه‌السلام في تاريخه في المجلد الخمسين ، لأنّ كتابه مائة مجلد فذكر منها ثلاث مجلّدات في مناقبه عليه‌السلام . انتهى كلام الكنجي.]

٦٤٩

__________________

أقول : وهذا حديث خرّجه كثير من الأعلام عن عائشة وغيرها.

وللاطّلاع راجع كنوز الحقائق للمناوي / مطبوع بهامش الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ / ٢٠ و ٢١ ـ والمتقي في كنز العمال ج ٦ / ١٥٦ ـ ونقله الخطيب في تاريخ بغداد والعلامة القندوزي في ينابيع المودّة ، وقد جمع ألفاظ هذا الحديث الشريف وطرقه أحد علمائنا الأعلام في كتاب خاص ، أسماه ـ نوادر الأثر في علي خير البشر ـ طبع في طهران سنة ١٣٦٠ هجرية.

وعائشة هي التي تروى ـ كما في كفاية الطالب / الباب الحادي والتسعون ـ أنّها قالت : [ما خلق الله خلقا كان أحب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من علي بن أبي طالب] ، ثم قال الكنجي : هذا حديث حسن رواه ابن جرير في مناقبه ، وأخرجه ابن عساكر في ترجمته.

وأخرج الحاكم النيسابوري في مستدرك الصحيحين ج ١٥٤ / ٣ : حديثا عن عائشة بنفس المعنى وخرّج الترمذي في صحيحه ج ٢ / ٤٧٥ ـ والمحب الطبري في ذخائر العقبى ص ٣٥ ـ حديثا عن عائشة أيضا بنفس المعنى وهو : [سئلت عائشة : أي الناس كان أحب إلى رسول الله (ص)؟ قالت : فاطمة ، فقيل : من الرجال؟

قالت : زوجها الخ. وعن بريدة قال : كان أحب النساء إلى رسول الله (ص) فاطمة ومن الرجال علي. خرّجه أبو عمر ـ انتهى كلام المحب في الذخائر ـ.]

أقول : وخرّج الحديث الحاكم في المستدرك ج ٣ / ١٥٧ وابن الأثير في اسد الغابة ج ٣ / ٥٢٢ ـ وابن عبد البر في الاستيعاب ج ٢ / ٧٧٢ والترمذي في صحيحه ج ٢ / ٤٧١ ـ والخوارزمي في مقتل الحسين عليه‌السلام ج ١ / ٥٧ ـ والمتقي في كنز العمال ج ٦ / ٤٥٠ وابن حجر في الصواعق ٧٢ / ط المطبعة الميمنية بمصر ، نقلا من كتب عديدة لعلماء السنة.

وتروي عائشة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال «النظر الى وجه عليّ عبادة». رواه كثير من الصحابة وعائشة ، كما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية ج ٧ / ٣٥٧ وقال :

٦٥٠

__________________

روى هذا الحديث من حديث أبي بكر الصديق وعمر وعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وعمران بن حصين وأنس وثوبان وعائشة وأبي ذر وجابر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «النظر الى وجه علي عبادة». قال : وفي حديث عائشة «ذكر عليّ عبادة».

أقول : وأخرجه المحب الطبري في الذخائر ص ٩٥ عن ابن مسعود وعمرو بن العاص وجابر وأبي هريرة وعائشة وأخرجه المتقي في كنز العمال ج ٦ / ١٥٢ عن عائشة والصواعق المحرقة ١٠٦ / ط الميمنية بمصر : وكان أبو بكر يكثر النظر إلى وجه عليّ فسألته عائشة فقال : سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يقول :«النظر إلى وجه عليّ عبادة». ومرّ نحو هذا وأنّه حديث حسن.

وروى ابن المغازلي الفقيه الشافعي في المناقب بسنده عن عائشة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «النظر إلى وجه عليّ عبادة».

رواه عن عائشة بطرق مختلفة في أحاديث رقم ٢٤٥ و ٢٥٢ و ٢٥٣ وفي حديث رقم ٢٤٣ روى بسنده عن عائشة أنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ذكر عليّ عبادة.

أقول وأخرجه ابن كثير عن عائشة / في البداية والنهاية ج ٧ ص ٣٥٧ وأخرجه عنها المتقي الهندي في منتخب كنز العمال ج ٥ / ٣٠.

ورواه الخطيب الخوارزمي في المناقب ٢٥٢ والسيوطي في الجامع الصغير ج ١ / ٥٨٣ وأخرجه الديلمي في فردوس الأخبار.

وتروي عائشة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال «زيّنوا مجالسكم بذكر عليّ عليه‌السلام ».

رواه الفقيه الشافعي ابن المغازلي في المناقب حديث رقم ٢٥٥ بسند متصل عن عائشة.

وهي التي يروي عنها العلاّمة محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب بسند متصل في الباب الثاني والستون / ص / ١٣٣ ط مطبعة الغري أنها

٦٥١

وأمّا معاوية وابن العاص والوليد بن عقبة ومروان وحزبهم الذين سنّوا لعن الإمام عليعليه‌السلام وسبّه على منابر الإسلام وفي خطب الجمعات وحتى في قنوت الصلوات ، مع علمهم بقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«من سبّ عليا فقد سبّني ومن سبّني فقد سب الله تعالى(١) ».

__________________

قالت : قال رسول الله (ص) وهو في بيتها لما حضره الموت «أدعوا لي حبيبي! فدعوت له أبا بكر ، فنظر (ص) إليه ثم وضع رأسه ، ثم قال (ص) : أدعوا لي حبيبي! فدعوت له عمر ، فلما نظر إليه وضع رأسه ، ثم قال : أدعوا لي حبيبي! فقلت : ويلكم أدعوا له عليّا ، فو الله ما يريد غيره! فلما رآه أخرج الثوب الذي كان عليه ، ثم أدخله منه فلم يزل محتضنه حتى قبض ويده عليه». قال العلامة الكنجي : هكذا رواه محدث الشام في كتابه. انتهى كلامه.

ليس بعجيب أنّ عائشة مع كل ما سمعته وترويه عن سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق الإمام علي عليه‌السلام وفي مناقبه وفضائله ، فتخرج عليه وتقاتله وتخالفه! فيا ترى ما يكون جزاؤها إذ قدّمت هوى نفسها على الحق واليقين؟ والله تعالى يقول : ( فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ* فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ ) سورة المؤمنون ١٠١ ـ ١٠٣.

وهناك روايات كثيرة غير ما ذكرناها ، رواها المحدثون وأعلام السنّة عن عائشة في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وفي فضائله ومناقبه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو أردنا استقصاءها لانفرد لها مجلد كامل ، فندع هذا الأمر إلى فرصة أخرى إنشاء الله تعالى.

«المترجم»

(١) هذا الحديث الشريف وما بمعناه مشهور بين علماء العامة وأعلامهم ، وقد نقلوه في مسانيدهم ، منهم العلامة الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب / الباب العاشر

٦٥٢

__________________

في كفر من سبّ علياعليه‌السلام / روى بسنده عن يعقوب بن جعفر بن سليمان «قال» : [حدثنا أبي عن أبيه ، قال : كنت مع أبي ـ عبد الله بن العباس ـ وسعيد بن جبير يقوده فمرّ على صفّة زمزم فإذا قوم من أهل الشام يشتمون علياعليه‌السلام ، فقال لسعيد بن جبير ردّني إليهم! فوقف عليهم ، فقال : أيكم السّاب لله عزّ وجلّ؟ فقالوا :سبحان الله! ما فينا أحد سب الله. قال : أيكم السّاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالوا : ما فينا أحد سبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال فأيكم الساب علي بن أبي طالب؟ فقالوا : أمّا هذا فقد كان.

قال : فأشهد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمعته أذناي ووعاه قلبي يقول لعلي بن أبي طالب : من سبّك فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ الله ومن سبّ الله أكبّه الله على منخريه في النار الخ.]

وذكره العلامة الهمداني في كتاب مودة القربى / آخر حديث من المودة الثالثة.

وروى أحمد بن حنبل في المناقب ج ٢ / ١٠٠ : بسنده عن أبي عبد الله الجدلي قال : [دخلت على أم سلمة (رض) فقالت لي : أيسبّ رسول الله (ص)؟! فقلت : معاذ الله! أو كلمة نحوها ، قالت : سمعت رسول الله (ص) يقول : من سبّ عليا فقد سبّني.]

ورواه العلامة النسائي في الخصائص ٢٤ ط التقدم بمصر : بسنده عنها. ورواه الحاكم النيسابوري في المستدرك ج ٣ / ١٢١ / ط حيدرآباد بسنده عنها. وفي صفحة ١٢١ من الطبع المذكور ، بسنده عنها قالت : سمعت رسول الله (ص) يقول : «من سب عليا فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ الله تعالى» ورواه الخطيب الخوارزمي في المناقب ٨٩ / ط تبريز والمحب الطبري في الرياض النضرة ج ٢ / ١٦٦ / ط مكتبة الخانجي بمصر وفي ذخائر العقبى ٦٥ ط مكتبة القدس بمصر.

والحافظ الذهبي في تاريخ الاسلام ج ٢ / ١٩٧ / ط مصر.

٦٥٣

فهل مع كل هذا تقولون بأنّ الاقتداء بهؤلاء الفسقة المنافقين والفجرة المضلّين هدى ونجاة؟!

ضعف سند حديث «أصحابي كالنجوم»

خامسا : إضافة على إباء العقل السليم من قبول هذا الحديث وتصحيحه لما ارتكبه بعض الصحابة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الظلم الفاحش والجرم البيّن ، ومخالفتهم لكتاب الله العزيز وسنّة نبيه الكريم ، مضافا إلى ذلك فقد ردّ كثير من أعلامكم سنده وضعّفوا رجاله.

منهم القاضي عيّاض بعد ما ذكر الحديث في كتابه شرح الشفاء ج ٢ / ٩١ ذكر بأنّ الدارقطني وابن عبد البر قالا بعدم حجيّة سنده ، فالحديث مردود عندهما ، وذكر بأنّ عبد ابن حميد ذكر في مسنده عن عبد الله بن عمر ، وعن البزّار : بأنّهما أنكرا هذا الحديث وأعلنا عدم صحته.

ونقل ابن عدي في الكامل باسناده عن نافع عن عبد الله بن عمر

__________________

وابن كثير في البداية والنهاية ج ٧ / ٣٥٤ / ط حيدرآباد.

والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٩ / ١٢٩ / ط مكتبة القدس بالقاهرة.

والسيوطي في تاريخ الخلفاء ٦٧ / ط الميمنية بمصر.

وفي الجامع الصغير ج ٢ / ٥٢٥ حديث رقم ٨٧٣٦.

وفي الصواعق المحرقة ٧٤ / ط الميمنية بمصر / الحديث ١٨ من الفصل الثاني.

ورواه جمع كثير غير هؤلاء المذكورين لا مجال لذكر أسمائهم.

«المترجم»

٦٥٤

أنّه ضعّف الحديث ولم يؤيّده.

ونقل عن البيهقي أنه قال : سند الحديث ضعيف ، وإن كان نصّه مشتهرا بين الناس. انتهى كلام القاضي عياض.

وحيث نجد في سند الحديث الحارث ابن غضين وهو مجهول ، وحمزة بن ابي حمزة النصيري وهو متهم عند المحققين بالكذب وجعل الحديث ، فالحديث مردود وملغى يجب تركه.

وابن حزم أيضا ردّ الحديث وقال فيه : إنّه موضوع وباطل.

هل تلتزمون بعصمة الصحابة؟

والجدير بالذكر إنكم لا تلتزمون بعصمة الأنبياء بل وكثير منكم يعتقد بامكان صدور الخطأ من سيد المرسلين وخاتم النبيين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومع ذلك يتعصّب لهذا الحديث الموضوع!!

وينكر على الشيعة إذا انتقدوا الصحابة وناقشوا في أفعالهم ، وما صدر منهم بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحروب والفتن التي أشعلوا نيرانها وأحرقوا بها المؤمنين الأبرياء والمسلمين الأتقياء!

الحافظ : نحن لا نعتقد بعصمة أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن نلتزم بعد التهم ولذلك نقول : كلما صدر منهم كان عن عدالة ونيّة صحيحة حقّة ، فإنهم أرادوا إحقاق الحق ، فلذلك يؤجرون عليه ولا يؤاخذون عليهم.

قلت : ولكن الأخبار التي نقلها كثير من أعلامكم تكشف أنّ كثيرا من الصحابة كانوا يعصون الله سبحانه وكانوا يتّبعون الهوى ويميلون إلى الدنيا.

٦٥٥

الحافظ : لم نسمع بهذا القول قبل اليوم ، فالرجاء بيّن لنا تلك الأخبار.

صحابيّ يشرب الخمر!

قلت : ذكر ابن حجر في كتابه فتح الباري ج ١٠ / ٣٠ قال : عقد أبو طلحة زيد بن سهل مجلس خمر في بيته ودعا عشرة أشخاص من المسلمين ، فشربوا وسكروا ، حتى أنّ أبا بكر أنشد أشعارا في رثاء قتلى المشركين في بدر!!

النوّاب : وهل ذكروا أسماء المدعوين الحاضرين في ذلك المجلس؟

قلت : نعم يا حضرة النوّاب ذكرهم علماؤكم وقالوا : إنهم كانوا :

١ ـ أبا بكر بن أبي قحافة ٢ ـ عمر بن الخطّاب ٣ ـ أبو عبيدة الجرّاح ٤ ـ أبيّ بن كعب ٥ ـ سهل بن بيضاء ٦ ـ أبو أيّوب الأنصاري ٧ ـ أبا طلحة «صاحب البيت» ٨ ـ أبا دجانة سماك بن خرشة ٩ ـ أبا بكر بن شغوب ١٠ ـ أنس بن مالك ، وكان عمره يوم ذاك ١٨ سنة فكان يدور في المجلس بأواني الخمر ويسقيهم.

وروى البيهقي في سننه ج ٨ / ٢٩ عن أنس أنّه قال : وكنت اصغرهم سنّا وكنت السّاقي في ذلك المجلس!

فيقوم الشيخ عبد السلام متعصّبا ويقول : والله هذا الخبر من مفتريات أعدائنا ، وجعل مخالفينا!

قلت ـ وأنا أتبسّم ـ : لا تتّهم أحدا بالجعل والافتراء ولا تحلف بالله عزّ وجلّ ، فإنّ كبار علمائكم كتبوا هذا الخبر في صحاحهم ومسانيدهم

٦٥٦

منهم ، البخاري في صحيحه ، في تفسير الآية الكريمة :( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) (١) .

ومسلم في صحيحه في كتاب الأطعمة والأشربة / باب تحريم الخمر.

والإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج ٣ / ١٨١ و ٢٢٧.

وابن كثير في تفسيره ج ٢ / ٩٣ و ٩٤.

وجلال الدين السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج ٢ / ٣٢١.

والطبري في تفسيره ج ٧ / ٢٤ ـ وابن حجر العسقلاني في الإصابة ج ٤ / ٢٢ ـ وفي فتح الباري ج ١٠ / ٣٠.

وبدر الدين الحنفي في عمدة القاري ج ١٠ / ٨٤.

والبيهقي في سننه ٢٨٦ و ٢٩٠.

وغير هؤلاء كثير من أعلامكم الذين ذكروا خبر اجتماع المذكورين في مجلس الخمر!

الشيخ عبد السلام : ربما كان ذلك قبل تحريم الخمر!

قلت : حسب نزول آيات القرآن في بيان مضار الخمر وإثمها وتحريمها ، وحسب بيان بعض المفسرين ، نعرف أنّ بعض الصحابة وبعض المسلمين كانوا يشربون الخمر حتى بعد ما حرمها الله!

نقل محمد بن جرير الطبري في تفسيره الكبير ج ٢ / ٢٠٣ روى مسندا عن أبي القموس زيد بن علي ، بأنّ الله سبحانه أنزل آيات عن الخمر ثلاث مرات ، المرّة الأولى أنزل :( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩١.

٦٥٧

وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ) (١) .

ولكن المسلمين ما تركوا الخمر ، حتى شربها اثنان من المسلمين فوقفا للصلاة وهما لا يشعران بما يقولان ، فأنزل الله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) (٢) .

ومع ذلك ما انتهى كثير من المسلمين وما امتنعوا من شرب الخمر!

إلى أن سكر أحد المسلمين يوما وأنشد أبياتا في رثاء قتلى المشركين يوم بدر [حسب رواية البزّار وابن حجر وابن مردويه كان ذاك السكران أبو بكر الصديق](٣) .

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢١٩.

(٢) سورة النساء ، الآية ٤٣.

(٣) جاء في كتاب المستطرف ج ٢ / ٢٦٠ وفي كتاب تاريخ المدينة المنوّرة لابن شبّة ج ٣ / ٨٦٣ : قد أنزل الله في الخمر ثلاث آيات

إلى أن قال : فشربها من شربها من المسلمين وتركها من تركها حتى شربها عمر (رض) فأخذ بلحى بعير وشجّ به رأس عبد الرحمن بن عوف ، ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يعفر يقول :

وكائن بالقليب قليب بدر

من الفتيان والعرب الكرام

أيوعدني ابن كبشة أن سنحيا

وكيف حياة أصداء وهام

ألا من مبلغ الرحمن عني

بأني تارك شهر الصيام

فقل لله يمنعني شرابي

وقل لله يمنعني طعامي

فبلغ ذلك رسول الله فخرج مغضبا يجرّ رداءه ، فرفع شيئا كان في يده فضربه.

فقال : أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله. فأنزل الله تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ ) الخ فقال عمر : انتهينا ، انتهينا. «المترجم»

٦٥٨

فلما أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غضب وجاء إليه وأراد أن يضربه بشيء كان في يده.

فقال الرجل : أعوذ بالله من غضب الله ورسوله ، فو الله لا أشرب الخمر بعد يومي هذا. فأنزل الله عز وجلّ :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (١) .

والحاصل : إنّ الصحابة كسائر الناس والأصناف ، فيهم الطيب المحسن والعاصي المسيء ، منهم من أدرك برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعظم الدرجات العالية وسعد في الدنيا والآخرة بالطاعة والامتثال لأوامر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنهم من تبع الهوى وأطاع الشيطان واغترّ بالدنيا فضلّ وأضلّ.

فنحن حينما نطعن في أحد الصحابة لا بدّ وأن يكون لدينا دليل وبرهان نستند عليه ، حتى أن كثيرا من تلك المطاعن إضافة على أنها مذكورة في كتبكم المعتبرة فهي مصدّقة بشواهد من القرآن الحكيم ، وإن كان عندكم ردّ معقول ومقبول على ما نطعن به على بعض الصحابة فأتوا به حتى نوافقكم ونترك الطعن ، وإذا لم يكن عندكم ردّ ، فاقبلوا قولنا واتركوا التّهجم على الشيعة بأنّهم يطعنون في الصحابة والخلفاء.

بل اذا سمعتم منا بأنّا نقول : انّ بعض الصحابة أو بعض الخلفاء قاموا بأعمال قبيحة وأفعال غير حميدة ، فطالبونا بالشواهد والدليل حتى نوضّح ونبيّن لكم.

الحافظ : طيّب بيّن لنا كيف صدرت أعمال قبيحة وأفعال غير

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٠.

٦٥٩

حميدة من بعض الصحابة وبعض الخلفاء ، بيّن ذلك فان كان مستندا بدليل وبرهان فنحن أيضا نقبل منكم ، ولسنا أهل تعصب وعناد.

قلت : أتعجب من جناب الحافظ محمد رشيد وسؤاله ، بعد ما بيّنا نماذج من جرائم بعض الصحابة ومعاصيهم فيسأل عن القبائح التي ارتكبها بعض الأصحاب والخلفاء!

فأذكر نموذجا واضحا في هذا الباب تلبية لطلب الحافظ محمد رشيد ولكي يزداد علما فأقول : لقد اتفق أعلام الفريقين على أنّ أكثر الصحابة نقضوا العهد ونكثوا البيعة التي أمر الله تعالى بها في كتابه ونهى عن نقض العهد بقوله :( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها ) (١) .

وقد لعن الله الناقضين في قوله تعالى :( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (٢) .

وكما حكم علماء الفريقين وأثبتوا أن نقض العهد من أكبر الذنوب والمعاصي ، وخاصة إذا كان العهد والميثاق بأمر الله عزّ وجلّ وتبليغ حبيبه المصطفى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنقض الصحابة لذلك العهد والميثاق من أقبح القبائح التي تؤخذ عليهم.

الحافظ : أي عهد هذا؟ وأي ميثاق أخذه الله على الصحابة ، وبلّغه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نقضه الأصحاب؟ فالخبر في هذا الباب لا يكون إلاّ

__________________

(١) سورة النحل ، الآية ٩١.

(٢) سورة الرعد ، الآية ٢٥.

٦٦٠