ليالي بيشاور

ليالي بيشاور0%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 1205
المشاهدات: 172602
تحميل: 1992

توضيحات:

ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172602 / تحميل: 1992
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

الرابع من كتابه مقتل الحسينعليه‌السلام .

وجلال الدين السيوطي في كتابه «رسالة الأزهار».

والحافظ أبو سعيد الخرگوشي في «شرف المصطفى».

والحافظ أبو الفتح النطنزي في الخصائص العلوية.

والحافظ جمال الدين الزرندي في نظم درر السمطين.

والحافظ أبو نعيم في ما نزل من القرآن في علي.

وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين / باب ١٢.

والحافظ أبو سعيد السجستاني في كتابه الولاية.

وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / ٢٠.

والعلاّمة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / الباب الأول.

وغير هؤلاء الأعلام من علماء العامة ومؤرّخيهم ذكروا عن أبي سعيد الخدري أنه قال [أنّ حسان بن ثابت قام بعد ما فرغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خطابه يوم الغدير ، فقال : يا رسول الله! أتأذن لي أن أقول أبياتا؟]

فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «قل على بركة الله تعالى».

فصعد على مرتفع من الأرض وارتجل بهذه الأبيات :

[يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ فاسمع بالرسول مناديا

وقال : فمن مولاكم ووليّكم؟

فقالوا : ولم يبدوا هناك التّعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولم تلف منّا في الولاية عاصيا

فقال له : قم يا علي فإنّني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

من كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أنصار صدق مواليا]

هناك دعا : اللهم وال وليه

وكن للذي عادى عليا معاديا

٧٠١

فيتّضح ـ لكلّ منصف ـ من هذه الأبيات : أنّ الأصحاب والحاضرين في يوم الغدير فهموا من حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطابه وعمله أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصب علياعليه‌السلام إماما وخليفة على الناس ، وأن رسول الله لم يقصد من كلمة المولى سوى الولاية والأولوية والتصرّف في شئون العامّة. فلذا صرّح بذلك حسّان في شعره بمسمع منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومراى :

فقال له [قم يا علي فانّني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا(١) ]

__________________

(١) نجد لغير حسان أيضا من الصحابة أبياتا تتضمّن هذا المعنى منهم الصحابي الجليل سيّد الخزرج قيس بن سعد الخزرجي الأنصاري ، كما ذكر أبيات شعره سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة خواص الأمة / ٢٠ / فقال : إنّ قيس أنشدها بين يدي عليّعليه‌السلام في صفين :

قلت لمّا بغى العدوّ علينا :

حسبنا ربّنا ونعم الوكيل

حسبنا ربنا الذي فتح البصر

ة بالأمس والحديث طويل

ويقول فيها :

وعلي إمامنا وإمام

لسوانا أتى به التنزيل

يوم قال النبي : من كنت مولا

ه فهذا مولاه خطب جليل

إنما قاله النبي على الأمة

حتم ما فيه قال وقيل

ومنهم عمرو بن العاص مع ما كان يحمله من البغضاء والعداء على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لكنه حينما تشاجر مع معاوية حول ولاية مصر وخراجه ردّ على كتاب معاوية بقصيدة معروفة بالجلجلية ، ولكي تعرف مصادرها من كتب العامّة راجع كتاب الغدير للعلامة الكبير والحبر الخيبر الأميني قدس‌سره : ج ٢ ص ١١٤ وما بعد. قال فيها :

[نصرناك من جهلنا يا ابن هند

على النبأ الأعظم الأفضل

وحيث رفعناك فوق الرءوس

نزلنا إلى أسفل الأسفل

٧٠٢

__________________

وكم قد سمعنا من المصطفى

وصايا مخصّصة في علي؟

وفي يوم «خمّ» رقى منبرا

يبلّغ والركب لم يرحل

وفي كفّه كفّه معلنا

ينادي بأمر العزيز العلي

ألست بكم منكم في النفوس

بأولى؟ فقالوا : بلى فافعل

فأنحله إمرة المؤمنين

من الله مستخلف المنحل

وقال : فمن كنت مولى له

فهذا له اليوم نعم الولي

فوال مواليه يا ذا الجلال

وعاد معادي أخ المرسل

ولا تنقضوا العهد من عترتي

فقاطعهم بي لم يوصل

وقال وليكم فاحفظوه

فمدخله فيكم مدخلي

فبخبخ شيخك لما رأى

عرى عقد حيدر لم تحلل]

إلى آخر قصيدته التي يقول فيها مخاطبا لمعاوية :

[فأنّك في إمرة المؤمنين

ودعوى الخلافة في معزل

ومالك فيها ولا ذرّة

ولا لجدّك بالأوّل

فإن كان بينكما نسبه

فأين الحسام من المنجل؟!

وأين الحصى من نجوم السما؟

وأين معاوية من علي؟!]

أيها القارئ الكريم فكر في معنى البيتين وأنصف!

[فأنحله إمرة المؤمنين

من الله مستخلف المنحل

وقال وليكم فاحفظوه

فمدخله فيكم مدخلي]

هكذا فهم عمرو بن العاص حديث النبي وخطابه في الغدير.

«المترجم»

٧٠٣

ولو كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقصد غير ما قاله حسّان لأمر بتغير شعره ولكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّد شعر حسّان وقال له «لا تزال مؤيّدا بروح القدس». وفي بعض الأخبار «لقد نطق روح القدس على لسانك!». وهذا البيت يؤيّد ويصدّق ما رواه الطبري في كتابه الولاية من خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم الغدير فقال فيما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«اسمعوا وأطيعوا فإنّ الله مولاكم وعليّ إمامكم ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلى يوم القيامة.

معاشر الناس هذا أخي ووصيّي وواعي علمي وخليفتي على من آمن بي وعلى تفسير كتاب ربي».

الذين نقضوا العهد

على أيّ تقدير ، سواء تفسّرون حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما نفسره نحن الشيعة ، أو بتفسيركم أنتم بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد من قوله : «من كنت مولاه فعلي مولاه» أي المحب والناصر ، فممّا لا شك فيه أنّ الأصحاب خالفوا علياعليه‌السلام بعد رسول الله في قضية الخلافة وخذلوه ولم ينصروه ، فنقضوا العهد الذي أخذه منهم نبيهم في الإمام عليعليه‌السلام ، وهذا ما لا ينكره أحد من أهل العلم والاطّلاع من الفريقين.

فعلى تقدير معنى المولى وتفسيره بالمحب والناصر ، وأنّ النبي يوم الغدير أمر أصحابه أن يحبوا عليا وينصروه. فهل هجومهم على باب داره وإتيانهم النار ، وتهديدهم بحرق الدّار ومن فيها ، وترويعهم أهل البيت الشريف ، وإيذاؤهم فاطمة وأبناءها ، وإخراجهم عليا من البيت

٧٠٤

كرها مصلتين سيوفهم عليه ، يهدّدونه بالقتل إن لم يبايع أبا بكر ، وضربهم حبيبة رسول الله وبضعته الزهراء حتى أسقطوا جنينها المحسن!!

فهل هذه الجرائم والجنايات التي ارتكبها كثير من الصحابة كان امتثالا لأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الغدير؟! أم كان خلافا له وهل كل ما فعلوه من حين السقيفة وبعدها إلى وفاة السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، يوافق ما فسّرتموه من معنى المولى؟ أم انبعثت وكشفت عن البغضاء والشحناء؟!

وهل هذه الأعمال الوحشية ، كانت المودّة التي فرضها الله على المسلمين لقربى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ومن أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فاطمة؟!

والله سبحانه يقول :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) .

وأمرهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصلة أقربائه وأمرهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصلوا أقرباءه ولا يقطعوهم كما جاء في حلية الأولياء لأبي نعيم ، وذكره الحمويني أيضا عن عكرمة عن ابن عباس كما نقله عنهما الحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة / الباب الثالث والأربعون.

ونقله عن حلية الأولياء ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٩ / ١٧٠ / الخبر الثاني عشر / ط دار إحياء التراث العربي :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتى ويسكن جنّة عدن التي غرسها ربّي ، فليوال عليا من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي ، فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ورزقوا فهما

__________________

(١) سورة الشورى ، الآية ٢٣.

٧٠٥

وعلما ، فويل للمكذبين من أمتي القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي».

وكلهم قد عاهدوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على مودّة أهل بيته ولكنهم نقضوا العهد ، وكأنّهم ما سمعوا ولم يقرءوا كتاب الله العزيز حيث يقول :( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (١) .

فاتركوا التعصب واتبعوا الحق تسعدوا!

الحافظ : لا نسمح لكم أن تنسبوا صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى نقض العهد والميثاق ، وهم المجاهدون في سبيل الله والصابرون في سوح القتال والمتحمّلون ضربات السيوف وطعنات الرماح!!

كيف تجيزون أنفسكم أن تنسبوا أولئك المؤمنين والمجاهدين إلى نقض العهد والميثاق؟!

إنّ تهجّمكم على الصحابة الكرام وتجرّأكم عليهم بنسبة ما لا يليق بهم سبب لتكفيركم عند أكثر أهل السنّة.

قلت : إن كان هذا الأمر سببا تكفيرنا ، فالصحابة كلهم كافرون! وعلماؤكم وأعلامكم أكثرهم كافرون! لأنّنا ننقل عنهم ، ولا نقول شيء بغير دليل ، وإنما دائما نذكر مصادر ما نقوله فيهم من كتبكم ومسانيدكم وهذا واضح للحاضرين في ما تحدثنا وناقشناه في المجالس السالفة.

ولكننا نمتاز بأننا نضع النقاط على الحروف ونلفت أنظار المسلمين إلى أعمال الصحابة وأفعالهم ، فنمدح محسنهم ونؤيّد حسناته ليرغب

__________________

(١) سورة الرعد ، الآية ٢٥.

٧٠٦

المؤمنون بالتأسّي والاقتداء بهم ، ويحبّونهم لحب الله وحبّ الخير والحق والاحسان.

ونقدح بالمسيء من الصحابة ونذمّهم لسيئاتهم ومنكراتهم وما عملوا من الباطل ، حتى يتبرّأ المؤمنون منهم ، ويستنكروا أفعالهم المنافية للإيمان والوجدان وللسنّة والقرآن!! لكي لا يرتكبوها ولا يكرّروها بحجّة الاقتداء بالصحابة ، فإنّ منهم الصالحين ومنهم الطالحين.

ملخص الكلام : نحن إنّما ننشر فضائل المحسنين وفضائح المسيئين من الصحابة ، من باب نشر المعروف وإنكار المنكر ، ولكي نعطي كل ذي حقّ حقّه.

فإن تنكرون علينا هذا الأمر وتكفّرونا من أجله ، فالأحرى أن تنكروا على صحابة الرسول وتكفّروهم حتى الشيخين! لأنهم كانوا ينتقدون بعضهم بعضا ويطعن بعضهم في بعض وكانوا يتساببون ويتقاتلون!! وإنّ أحداث السقيفة وهجوم القوم على دار فاطمةعليها‌السلام وأحداث قتل عثمان وحرب الجمل وصفّين أدلّ دليل على ذلك.

وأنتم إمّا تجهلون الحقائق أو تتجاهلون ، أو أنّ محبّتكم للصحابة وصلت إلى حدّ المثل الشائع :

«حبّ الشيء يعمي ويصم» ، لذلك حينما تسمع مني بأنّ الصحابة بعضهم نقضوا عهد الله وميثاقه الذي أخذه عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتغضب وتتعصّب للصحابة وتنكر الخبر!! ومقتضى الحال أن تطالبني بالدليل قبل أن تغضب وتتعصب.

الحافظ : الآن أطالبك بدليلك ، فات به إن كنت من الصادقين!

٧٠٧

أكثرهم نقضوا العهد

أولا : ثبت عند كل عالم ذي وجدان وصاحب ضمير ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الغدير أخذ العهد والميثاق من أصحابه على حب عليّ ونصرته وموالاته وطاعته ، فيا ترى هل نصروه في أحداث السقيفة وما بعدها أم خذلوه؟ ونقضوا عهد الله وميثاقه الذي أخذه عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغدير وخالفوه؟!

ثانيا : قد صدر منهم في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقض العهد أيضا ، فإنهم بايعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاهدوه على أن يقاتلوا دونه ولا يتركوه في المعركة ولا يولّوا الدّبر للأعداء ، بل يقابلوهم وجها لوجه حتى ينالوا إحدى الحسنيين. ولقد حذّرهم الله سبحانه من الفرار والهزيمة في القتال والجهاد فقال :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ* وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (١) .

وقد ذكر كثير من محدثيكم ومؤرخيكم أنّ كثيرا من الأصحاب انهزموا وفرّوا يوم حنين ، وأجمعوا أنّ جلهم فروا يوم أحد وفي خيبر ومنهم الشيخان وعثمان :

أخرج ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٥ / ٢٤ / طبع دار إحياء التراث العربي عن الواقدي قال [.. وكان ممن ولى : عمر وعثمان والحارث بن حاطب وثعلبة بن حاطب وسواد بن غزية وسعد

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية ١٥ و ١٦.

٧٠٨

ابن عثمان وعقبة بن عثمان وخارجة بن عمر ولقيتهم أم أيمن تحثى في وجوههم التراب وتقول لبعضهم : هاك المغزل فاغزل به!!]

واحتجّ من قال بفرار عمر بما رواه الواقدي في كتاب المغازي في قصة الحديبية ، قال [قال عمر يومئذ : يا رسول الله ، ألم تكن حدّثتنا أنك ستدخل المسجد الحرام وتأخذ مفتاح الكعبة وتعرّف مع المعرّفين وهدينا لم يصل إلى البيت ولا نحر؟!! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أقلت لكم في سفركم هذا؟». قال عمر : لا.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أما إنكم ستدخلونه وآخذ مفتاح الكعبة وأحلق رأسي ورءوسكم ببطن مكة وأعرّف مع المعرّفين ؛ ثم أقبلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عمر وقال : أنسيتم يوم احد( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ ) (١) وأنا أدعوكم في أخراكم!

أنسيتم يوم الأحزاب( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ) (٢) !».

أنسيتم يوم كذا! وجعلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذكّرهم أمورا.

أنسيتم يوم كذا!

فقال المسلمون : صدق الله وصدق رسوله ، أنت يا رسول الله أعلم بالله منا.

فلمّا دخل عام القضيّة وحلق رأسه قال «هذا الذي كنت وعدتكم به». فلما كان يوم الفتح وأخذ مفتاح الكعبة قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أدعوا إليّ عمر بن الخطاب ، فجاء فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا الذي كنت قلت لكم».

قالوا : فلو لم يكن فرّ يوم أحد لما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : أنسيتم يوم أحد

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٥٣.

(٢) سورة الأحزاب ، الآية ١٠.

٧٠٩

( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ ) (١) (٢) ]

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٥٣.

(٢) قال الله سبحانه في سورة التوبة الآية ٢٥ :( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ) .

فيا ترى من هؤلاء الذين ولّوا مدبرين؟

أخرج البخاري في : ج ٣ / ٦٧ / طبع عيسى البابي الحلبي بمصر : عن أبي محمد مولى أبي قتادة قال [لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين ، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله ، فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني فضربت يده فقطعتها وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطّاب في الناس! فقلت له : ما شأن الناس؟ قال : أمر الله

وقال سبحانه وتعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا ) آل عمران / ١٥٥.

اتفق المفسرون أنّ الآية تشير إلى الفارّين يوم أحد وكان منهم عمر وعثمان.]

ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٥ / ٢٠ / طبعة دار إحياء التراث العربي عن الواقدي قال : وبايعه يومئذ على الموت ثمانية : ثلاثة من المهاجرين ، وخمسة من الأنصار ، فأمّا المهاجرون فعليّ عليه‌السلام وطلحة والزبير ؛ وأمّا الأنصار فأبو دجانة والحارث بن الصمّة والحباب بن المنذر وعاصم بن ثابت وسهل بن حنيف ، ولم يقتل منهم ذلك اليوم أحد ؛ وأمّا باقي المسلمين ففرّوا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعوهم في أخراهم.]

قال ابن أبي الحديد : قلت قد اختلف في عمر بن الخطاب هل ثبت يومئذ أم لا؟ مع اتفاق الرواة كافّة على أنّ عثمان لم يثبت ، فالواقدي ذكر أنّه [أي عمر] لم يثبت الخ] وقال الفخر الرازي في مفاتيح الغيب : ج ٩ / ٥٢ : ومن المنهزمين [عمر ، إلا أنّه لم يكن في أوائل المنهزمين ومنهم عثمان انهزم مع رجلين من الأنصار يقال

٧١٠

__________________

لهما : سعد وعقبة انهزموا حتى بلغوا موضعا بعيدا ، ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام]

وقال الآلوسي في تفسيره روح المعاني : ج ٤ / ٩٩ [فقد ذكر أبو القاسم البلخي أنّه لم يبق مع النبي (صلى الله عليه وسلّم) يوم أحد إلا ثلاثة عشر نفسا ، خمسة من المهاجرين : أبو بكر وعليّ وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص ، والباقون من الأنصار وأمّا سائر المنهزمين فقد اجتمعوا على الجبل ، وعمر بن الخطاب (رض) كان من هذا الصنف كما في خبر ابن جرير.]

وقال النيسابوري في تفسيره غرائب القرآن : ج ٤ / ١١٢ ـ ١١٣ بهامش تفسير الطبري [الذي تدل عليه الأخبار في الجملة أنّ نفرا قليلا تولّوا ، وابعدوا فمنهم من دخل المدينة ومنهم من ذهب إلى سائر الجوانب ومن المنهزمين عمر.]

وقال السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور : ج ٢ / ٨٨ ـ ٨٩ : قال [أي عمر] [لما كان يوم أحد هزمناهم ، ففررت حتى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى.]

ثم قال السيوطي : أخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال [كان الذين ولوا الدبر يومئذ : عثمان بن عفّان وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان من الأنصار من بني زريق.]

أقول : وأخرجه الطبري أيضا في تفسيره جامع البيان : ج ٤ / ٩٥ ـ ٩٦.

قال الزمخشري : استزلّهم ، طلب منهم الزلل ، ودعاهم إليه ببعض ما كسبوا من ذنوبهم.

فمعناه ، الذين فرّوا يوم أحد إنما أطاعوا الشيطان إذ دعاهم إلى نفسه بالفرار من الجهاد في سبيل الله ، ففرّوا من الله سبحانه إلى حيث أمرهم الشيطان!!

وقال السيوطي في الدر المنثور : ج ٢ / ٨٨ ـ ٨٩ : عن سعيد بن جبير [إن الذين تولّوا منكم ، يعني : انصرفوا عن القتال منهزمين يوم التقى الجمعان ، يوم أحد حين التقى جمع المسلمين وجمع المشركين ، فانهزم المسلمون عن النبي (صلّى الله عليه

٧١١

__________________

[وآله] وسلّم) وبقي في ثمانية عشر رجلا ، إنّما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ، يعني : تركوا المركز.]

أقول : وقد اشتهر بين المحدثين والمؤرخين فرار الشيخين في أحد ، فكما قرأت أقوالهم عن فرار عمر وعثمان هلمّ معي إلى ما نقلوه عن أبي بكر.

قال المتقي الهندي في كنز العمال : ج ٥ / ٢٧٤ : عن عائشة قالت : كان أبو بكر اذا ذكر أحد بكى ـ إلى أن قالت ـ ثم أنشأ ـ يحدّث ، قال [كنت أوّل من فاء يوم أحد.]. (الحديث).

أقول : الفيء الرجوع ، ومع الواضح أنه لا رجوع الاّ بعد الهزيمة والفرار.

قال في كنز العمال : أخرجه الطيالسي وابن سعد وابن السني والشاشي والبزّار والطبراني في الأوسط وابن حبّان والدارقطني في الإفراد وأبو نعيم في المعرفة وابن عساكر والضياء المقدسي ، انتهى.

أقول : ونقل كثير من أعلام السنة روايات في فرار أبي بكر وعمر يوم خيبر ، فقد أخرج علي بن أبي بكر الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٢٤ / عن ابن عباس أنه قال [بعث رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) إلى خيبر ، أحسبه قال : أبا بكر ، فرجع منهزما ومن معه ، فلما كان من الغد بعث عمر فرجع منهزما يجبّن أصحابه ويجبّنه أصحابه الخ.]

وفي كنز العمال : ج ٦ / ٣٩٤ / أخرج بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال :

[فإنّ رسول الله (ص) بعث أبا بكر ـ يعني يوم خيبر ـ فسار بالناس ، فانهزم حتى رجع عليه وبعث عمر فانهزم بالناس ، حتى انتهى إليه الخ] قال في كنز العمال : أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل وابن ماجه والبزار وابن جرير وصححه والطبراني في الأوسط والحاكم في المستدرك والبيهقي في الدلائل والضياء المقدسي.

٧١٢

__________________

وفي مستدرك الصحيحين : ج ٣ / ٣٨ [روى بسنده عن جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفع الراية يوم خيبر إلى عمر فانطلق فرجع يجبّن أصحابه ويجبّنونه. قال هذا حديث صحيح على شرط مسلم.]

أقول : لقد أفتى كثير من العلماء وفقهاء الفريقين ، أنّ الفرار من الزحف ، من الذنوب الكبيرة التي لا كفّارة لها. كالشرك. مستندين إلى ما رواه المحدثون : «خمس ليس لهنّ كفّارة : الشرك بالله ، وقتل النفس بغير حق ـ إلى أن قال ـ والفرار من الزحف. أخرجه المناوي في فيض القدير : ج ٣ ص ٤٥٨ في شرح الجامع الصغير للسيوطي.

قال : أخرجه أحمد بن حنبل في المسند وأبو الشيخ في التوبيخ عن أبي هريرة (وقال في الشرح) ورواه عنه الديلمي.

أقول : أيها القارئ الكريم بالله عليك! أنصف!! أين هؤلاء الفارون من حيدرة الكرّار؟ الذي روى في حقه ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٤ ص ٢٥٠ ـ ٢٥١ / طبع دار إحياء التراث العربي قال : [وسمع ذلك اليوم ـ أي يوم أحد ـ صوت من قبل السماء لا يرى شخص الصارخ به ينادي مرارا :

لا سيف إلاّ ذو الفقار

ولا فتى إلاّ علي

فسئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه ، فقال «هذا جبرائيل»].

وبعد نقله الخبر قال ابن أبي الحديد : وقد روى هذا الخبر جماعة من المحدّثين وهو من الأخبار المشهورة ، ووقفت عليه في بعض نسخ مغازي محمد بن إسحاق ، ورأيت بعضها خاليا عنه ، وسألت شيخي عبد الوهاب بن سكينة رحمه‌الله عن هذا الخبر ، فقال : خبر صحيح ، فقلت : فما بال الصحاح لم تشتمل عليه؟ قال : أو كلّ ما كان صحيحا ، تشتمل عليه كتب الصحاح؟ كم قد أهمل جامعوا الصحاح من الأخبار الصحيحة!

٧١٣

هذا الخبر حينما ينقله ابن أبي الحديد وغيره فلا بأس عليه ، ولكن نحن الشيعة إذا نقلناه ، فأنتم علماء العامّة تتعصّبون وتتهجّمون علينا وتحرّكون الجهلة والعوام وتقولون بأنّ الرافضة يهينون الصحابة وينالون من الشيخين!! هذا لأنكم تسيئون بنا الظنون وعلى حدّ قول الشاعر :

وعين الرضا عن كل عيب كليله

ولكنّ عين السخط تبدي المساويا

ولذلك فلنا معكم موقف عسير في يوم القيامة إذا شكوناكم إلى الله العدل الحكيم ليحكم بيننا ويأخذ منكم حقّنا ويعاقبكم على ظلمكم إذ تفتون علينا بالكفر! وتؤيّدون الذين ظلموا ؛ ومن رضي بعمل قوم حشر معهم ،( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (١) .

الحافظ : نحن ما ظلمناكم ولا نؤيد الظالمين وهذا افتراء علينا.

قلت : الظلم الذي جرى علينا كثير ، ولو تغاضينا وعفونا عن بعضها فلا نعفو عن هجومهم على بيت أمّي فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وإيذائها وغصبهم حقها ، فإنّي من ذراريها ويحقّ لي أن أقيم الدعوى

__________________

أقول : وأما فتح خيبر على يد الإمام عليعليه‌السلام فهو «نار على علم» وليس له منكر في العالمين.

فأين هذا المجاهد الفاتح والصابر الناجح عن أولئك المنهزمين الجبناء.

[فإن يك بينهما نسبة

فأين الحسام من المنجل؟]

وأين الحصى من نجوم السماء؟ وأين أولئكم من علي عليه‌السلام ؟

(١) سورة الشعراء ، الآية ٢٢٧. «المترجم»

٧١٤

على من ظلمها وضربها وأسقط جنينها واغتصب فدكها!!

الحافظ : نحن ما كنّا في ذلك الزمان حتى نعرف الحقائق وهذه الدعاوى تحتاج إلى الإثبات.

قلت : نعم نحن ما كنّا في ذلك الزمان ، ولكن الروايات والأحاديث التي نقلها المؤرخون والمحدثون تكون بمثابة شهود القضية والواقعة ، لا سيما إذا كان الرواة والمؤرخون من أعلامكم.

فدك وما يدور حولها

فدك وعوالي سبع قرى زراعيّة حوالي المدينة المنورة كانت تمتد من سفح الجبال إلى سيف البحر ومن العريش إلى دومة الجندل.

قال ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان في كتابه الآخر فتوح البلدان : ج ٦ / ٣٤٣.

وأحمد بن يحيى البلاذري في تاريخه.

وابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٦ / ٢١٠ / واللفظ للأخير : عن كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري بسنده عن الزهري قال [بقيت بقيّة من أهل خيبر تحصّنوا ، فسألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحقن دماءهم ويسيّرهم ، ففعل ، فسمع ذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك ، وكانت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة ، لأنّه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.

قال أبو بكر : وروى محمد بن إسحاق أيضا ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك ، فبعثوا إلى

٧١٥

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصالحوه على النصف من فدك ، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق ، أو بعد ما أقام بالمدينة فقبل ذلك منهم ، وكانت فدك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خالصة له ، لأنّه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب. قال : وقد روى أنّه صالحهم عليها كلها ، الله أعلم أيّ الامرين كان! انتهى كلام الجوهري.]

وما نقله الطبري في تاريخه قريب من كلام الجوهري بل كلام كل المؤرخين والمحدثين عن فدك يقارب كلام الجوهري.

فدك حق فاطمةعليها‌السلام

بعد ما رجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة المنوّرة نزل جبرئيل من عند الرب الجليل بالآية الكريمة :( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ) (١) .

فانشغل فكر النبي بذي القربى ، من هم؟ وما حقهم؟ فنزل جبرئيل ثانيا عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : إنّ الله سبحانه يأمرك أن تعطي فدكا لفاطمةعليها‌السلام فطلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته فاطمةعليها‌السلام وقال : إنّ الله تعالى أمرني أن أدفع إليك فدكا ، فمنحها وتصرّفت هي فيها وأخذت حاصلها فكانت تنفقها على المساكين.

الحافظ : هل هذا الحديث في تفسير الآية الكريمة موجود في كتب علمائنا أيضا؟ أم يخصّ تفاسيركم؟

قلت : لقد صرّح بهذا التفسير كبار مفسريكم وأعلامهم منهم :

__________________

(١) سورة الأسراء ، الآية ٢٦.

٧١٦

الثعلبي في تفسير كشف البيان ، وجلال الدين السيوطي في الدرّ المنثور : ج ٤ رواه عن الحافظ ابن مردويه أحمد بن موسى المتوفى عام ٣٥٢ ، وأبو القاسم الحاكم الحسكاني والمتقي الهندي في كنز العمّال وابن كثير الدّمشقي الفقيه الشافعي في تاريخه والشيخ سليمان الحنفي في ينابيع المودة / باب ٣٩ نقلا عن الثعلبي وعن جمع الفوائد وعيون الأخبار أنّه لما نزلت :( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة فأعطاها فدك الكبير.

فكانت فدك في يد فاطمةعليها‌السلام يعمل عليها عمّالها ، ويأتون إليها بحاصلها في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي كانت تتصرّف فيها كيفما شاءت ، تنفق على نفسها وعيالها أو تتصدق بها على الفقراء والمعوزين.

ولكن بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسل أبو بكر جماعة فأخرجوا عمّال فاطمة من فدك وغصبوها وتصرّفوا فيها تصرّفا عدوانيا!

الحافظ : حاشا أبو بكر أن يتصرّف في ملك فاطمة تصرّفا عدوانيا ، وإنما كان سمع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ، ما تركناه صدقة». وقد استند إلى هذا الحديث الشريف وأخذ فدكا.

هل الأنبياء لا يورّثون؟

قلت : أولا : نحن نقول : بأنّ فدك كانت نحلة وهبة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمةعليها‌السلام وهي استلمتها وتصرّفت فيها فهيعليها‌السلام كانت متصرّفة في فدك حين أخذها أبو بكر. وما كانت إرثا.

٧١٧

ثانيا : الحديث الذي استند إليه أبو بكر مردود غير مقبول لأنه حديث موضوع لوجود اشكالات فيه.

الحافظ : ما هي إشكالاتكم؟ ولما ذا يكون مردودا؟

قلت : أولا : واضع الحديث عند ما وضع على لسانه بأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» قد غفل عن آيات المواريث التي جاءت في القرآن الحكيم ، في توريث الأنبياء ، ولو كان يقول : سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أنا لا أورّث لكان له مخلص من آيات توريث الأنبياء في القرآن فالصيغة الأولى : نحن معاشر الأنبياء لا نورث تعارض نصّ القرآن الحكيم ، فتكذيب أبي بكر وردّه أولى من نسبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ما يخالف كتاب الله عزّ وجلّ.

كما أنّ فاطمة الزهراءعليها‌السلام أيضا احتجّت على أبي بكر وردّته وردّت حديثه بالاستناد إلى القرآن الحكيم فإنه أقوى حجة وأدلّ دليل وأكبر برهان.

استدلال الزهراءعليها‌السلام وخطبتها

نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٦ / ٢١١ / طبع دار إحياء التراث العربي ، عن أبي بكر الجوهري بإسناده عن طرق مختلفة تنتهي إلى زينب الكبرى بنت فاطمة الزهراء وإلى الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيهعليه‌السلام وإلى الإمام الباقر بن جعفر ـ محمد بن علي ـ عليهما السّلام وإلى عبد الله بن الحسن المثنى ابن الامام الحسن السبطعليه‌السلام قالوا جميعا [لمّا بلغ فاطمةعليها‌السلام إجماع أبي بكر على منعها فدكا ، لاثت خمارها ، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها ، تطأ في ذيولها ،

٧١٨

ما تخرم مشيتها مشيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى دخلت على أبي بكر وقد حشد الناس من المهاجرين والأنصار ، فضرب بينها وبينهم ريطة بيضاء ، ـ وقال بعضهم : قبطيّة ، وقالوا : قبطية بالكسر والضم ـ ثم أنت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم ، ثم قالت : ابتدئ بحمد من هو أولى بالحمد والطّول والمجد ، الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم.]

وذكر خطبة طويلة جيدة قالت في آخرها : فاتّقوا الله حقّ تقاته ، وأطيعوه فيما أمركم به ، فإنّما يخشى الله من عباده العلماء ، واحمدوا الله الذي لعظمته ونوره يبتغي من في السماوات والأرض إليه الوسيلة.

ونحن وسيلته في خلقه ، ونحن خاصّته ومحل قدسه ، ونحن حجّته في غيبه ، ونحن ورثة أنبيائه.

ثم قالت : أنا فاطمة ابنة محمد ، أقول عودا على بدء ، وما أقول ذلك سرفا ولا شططا ، فاسمعوا باسماع واعية وقلوب راعية! ثم قالت :( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) (١) فان تعزوه ابي دون آبائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم ثم ذكرت كلاما طويلا تقول في آخره : ثم أنتم الآن تزعمون ان لا إرث لي!( أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) ؟(٢) إيها معاشر المسلمين! أبتزّ إرث أبي!

يا ابن أبي قحافة! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي!! لقد جئت شيئا فريّا!! إلى آخر خطبتها(٣) .

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ١٢٨.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٥٠.

(٣) أقول : وروى ابن أبي الحديد هذه الخطبة عن طريق عروة عن عائشة ، في شرح

٧١٩

وجاء في بعض الروايات كما في كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري وغيره ، أنها قالت في خطبتها :

[أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم!

إذ يقول الله جلّ ثناؤه :( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) (١) .

واختص من خبر يحيى وزكريّا إذ قال : ربّ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) (٢) .

وقال تبارك وتعالى :( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ

__________________

النهج ١٦ / ٢٥١ / طبع دار إحياء التراث العربي ، فقد روت عائشة خطبة فاطمة مشابهة لما مرّ وفيها قالت فاطمة. [.. حتى إذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه ، ظهرت حسيكة النّفاق وشمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين واطلع الشيطان رأسه صارخا بكم ، فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين ، ولقربه متلاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا ، وأحمشكم* فألفاكم غضابا ، فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير شربكم ، هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لمّا يندمل ، إنما زعمتم ذلك خوف الفتنة( أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) فهيهات! وأنّى بكم وأنّى تؤفكون!! وكتاب الله بين أظهركم ، زواجره بيّنة وشواهده لائحة وأوامره واضحة ، أرغبة عنه تريدون ، أم لغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلا!( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ) ثم لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتها ، تسرّون حسوا في ارتغاء ، ونحن نصبر منكم على مثل حزّ المدى ، وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا ،( أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) .

يا ابن أبي قحافة! أترث أباك ولا أرث أبي؟! لقد جئت شيئا فريّا! فدونكها مخطومة مرحولة ، تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون! إلى آخر الخبر.] «المترجم»

(١) سورة النمل ، الآية ١٦.

(٢) سورة مريم ، الآية ٦.

٧٢٠