ليالي بيشاور

ليالي بيشاور0%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 1205
المشاهدات: 172586
تحميل: 1992

توضيحات:

ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172586 / تحميل: 1992
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

ثم لو فرضنا تصحيح خلافة أبي بكر بالإجماع المزعوم ، فكيف تصححون خلافة عمر الذي عيّنه أبو بكر بوصية منه كتبها عثمان؟!

الشيخ عبد السلام : بديهي بأنّ قول أبي بكر في تعيين عمر بن الخطاب بالخلافة أيضا مستند إلى إجماع الأمة ، لأنهم اجمعوا على طاعته وقبول رأيه ، وكان من رأيه تعيين عمر للخلافة بعده.

قلت : أوّلا إن كان كذلك ، فلما ذا ما أطعتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تعيين خليفته ، وهو قد عيّن عليا وصرّح به مرّات وكرّات من يوم الإنذار إلى يوم الغدير وما بعده ، ولكنكم ترفضونه بحجّة أنّ اختيار الخليفة وانتخابه من حق الأمة وأنّ نصوص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليّ بن أبي طالب كانت ارشادية ، هذا مع أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان دائما يحذّر الناس من مخالفة أمره ومخالفة الامام عليعليه‌السلام ، حتى أننا نرى في بعض الأحاديث الشريفة المرويّة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتبكم ، يصرّح بأنّ مخالفة عليّ كفر ، وبغضه نفاق ، وطاعته إيمان.

ثانيا : بأي دليل عقليّ أو نقليّ تقولون بأنّ قول الفرد المنصوب بالاجماع ، لا سيما في تعيين خليفته ، يكون قوله لازما وماضيا على الناس! فإنّ هذا الأمر يخالف سيرة أهل العالم لا سيّما العقلاء منهم. ولكي تعرفوا ذلك فطالعوا الكتب المدوّنة في قوانين الدول والانتخابات.

ثالثا : إن كان كلامكم صحيحا ، فلما ذا لم يعمل عمر بن الخطاب على ما خطّه أبو بكر ، بل قام بإبداع طريقة جديدة تخالف مبنى وأساس خلافته وخلافة أبي بكر من قبله. فانّ الشورى الذي شكله عمر من ستة أفراد ، لا يشابه مجالس الشورى البشريّة ، ولا يشابه الانتخابات الجمهورية ، بل أقرب ما يكون إلى الاستبداد والديكتاتورية ،

٨٨١

وهنا شاط الشيخ عبد السلام ولاح الغضب في وجهه فصاح :

نحن لا نسمح لكم بهذا الكلام ، والمسّ من شخصيّة الفاروق ، إلاّ أن تأتوننا بدليل وبرهان.

قلت : ما ذكره المؤرخون في وصية عمر لأبي طلحة الأنصاري في تشكيل الشورى ورجحان الكفّة التي فيها عبد الرحمن بن عوف دليل ساطع وبرهان لامع على ما قلنا ، لأنّه كان يعرف أنّ عبد الرحمن بن عوف يميل الى عثمان وأنّ سعد بن أبي وقاص حاقد على أبي الحسن وحاسد له ، فلا يميل إلى جانبهعليه‌السلام ، فضمن عمر خلافة عثمان بهذه المكيدة والسياسة والكياسة وسمّاها شورى وما هي بشورى(١) !

__________________

(١) ذكر ابن أبي الحديد قصة الشورى في شرح النهج : ج ١ / ١٨٥ ـ ١٨٨ ط إحياء التراث ، قال [وصورة هذه الواقعة أنّ عمر لما طعنه أبو لؤلؤة ، وعلم أنّه ميت

قال : إنّ رسول الله مات وهو راض عن هذه الستة من قريش : عليّ ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وقد رأيت أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم

ثم قال : ادعوا لي أبا طلحة الأنصاري! فدعوه له ، فقال : أنظر يا أبا طلحة ، إذا عدتم من حفرتي ، فكن في خمسين رجلا من الأنصار حاملي سيوفكم ، فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله ، واجمعهم في بيت وقف بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا ويختاروا واحدا منهم ، فإن اتّفق خمسة وابى واحد فاضرب عنقه ، وإن اتفق أربعة وأبى اثنان فاضرب عنقيهما ، وان اتّفق ثلاثة وخالف ثلاثة فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن ، فارجع الى ما قد اتفقت عليه ، فإن أصرّت الثلاثة الأخرى على خلافها فاضرب أعناقهم ، وإن مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا على أمر ، فاضرب أعناق الستة ودع المسلمين يختارون لأنفسهم.]

أقول : إذا لم نسمّ هذا الأمر القاطع والحكم الصادر من الخليفة في شأن أصحاب الشورى ، بالهمجيّة والديكتاتورية ، فما ذا يسمّى؟! «المترجم»

٨٨٢

شورى أم ديكتاتورية!!

ولنا أن نعترض على حكم عمر وتفويضه الأمر النهائي إلى عبد الرحمن بن عوف ، ونتساءل : بأي ملاك وعلى أي استناد شرعي وعرفي وعقلي ونظري يكون رأي ابن عوف مقدّما على رأي الآخرين وأصوب؟ وكيف يكون رأي الثلاثة الذين فيهم ابن عوف نافذا ، والثلاثة الأخرى ان لم توافق فمصيرهم القتل والاعدام؟!

ومن دواعي التعجب والاستغراب ، تقديم رأي عبد الرحمن بن عوف على رأي أبي الحسن علي بن أبي طالبعليه‌السلام في مثل هذا الأمر ، مع روايتهم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «عليّ مع الحق والحق مع علي».

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «عليّ فاروق هذه الأمة يفرّق بين الحق والباطل».

وقد روى الحاكم في المستدرك ، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ، والطبراني في الأوسط ، وابن عساكر في تاريخه ، والعلاّمة الكنجي في كفاية الطالب ، والمحب الطبري في الرياض النضرة ، والحمويني في فرائد السمطين ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، والسيوطي في الدرّ المنثور ، عن ابن عباس ، وسلمان ، وأبي ذر ، وحذيفة ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذاك فالزموا علي بن أبي طالب ، فإنّه أول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأمة يفرّق بين الحق والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين(١) ».

__________________

(١) أيها القارئ الكريم لقد ورد هذا الحديث في كتب المحدثين ومسانيدهم المعتبرة ،

٨٨٣

__________________

وأذكر لك بعضها من العامّة وأعلام السنّة حتى تسكن بها نفسك ويطمئن قلبك ، منها :

الإصابة لابن حجر : ج ٧ / القسم الأول ص ١٦٧ قال : وأخرج أبو أحمد وابن مندة وغيرهما من طريق إسحاق بن بشر الأسدي عن خالد بن الحارث عن عوف عن الحسن عن أبي ليلى الغفارية قال : سمعت رسول الله (ص) يقول «ستكون من بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنه أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصديق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأمة ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين».

وذكره ابن عبد البر أيضا في الاستيعاب : ج ٢ / ٦٥٧ ، وابن الأثير أيضا في أسد الغابة : ج ٥ / ٢٨٧.

وفي مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٠٢ قال : وعن أبي ذر وسلمان قالا : أخذ النبي (ص) بيد علي عليه‌السلام فقال «إنّ هذا أول من آمن بي ، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصديق الأكبر ، وهذا فاروق هذه الامة يفرق بين الحق والباطل ، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين».

ورواه الطبراني والبزار عن أبي ذر وحده ، وذكره المناوي أيضا في فيض القدير في الشرح : ج ٤ / ٣٥٨ ، والمتقي في كنز العمال : ج ٦ / ١٥٦ ، وقال : رواه الطبراني عن سلمان وأبي ذر معا والبيهقي وابن عدي عن حذيفة. وفي الرياض النضرة للمحب الطبري : ج ٢ / ١٥٥ قال : وعن أبي ذر قال : سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي عليه‌السلام «أنت الصديق الأكبر ، وأنت الفاروق الذي تفرق بين الحق والباطل». (قال) : وفي رواية «وأنت يعسوب الدين». قال : خرّجهما الحاكم.

وهناك مصادر اخرى كثيرة ذكرت بعضها في تعليقاتنا السابقة ، وأكتفي بما ذكرت فإنّ فيها الكفاية لمن أراد الحق والهداية.

«المترجم»

٨٨٤

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث مشهور لعمار بن ياسر ـ ونقلته لكم بإسناده وذكرت مصادره من كتبكم في الليالي الماضية ـ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«يا عمار! إن سلك الناس كلّهم واديا وسلك عليّ وحده واديا ، فاتّبع عليا وخلّ عن الناس ، يا عمار! عليّ لا يردك عن هدى ، ولا يدلّك على ردى يا عمار! طاعة عليّ طاعتي ، وطاعتي طاعة الله».

مع هذا كله يقدّم عمر عبد الرحمن بن عوف على الإمام عليّعليه‌السلام ويقدّم رأيه على رأي أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وهذا من أفحش الظلم في حق الإمام أبي الحسنعليه‌السلام .

كل عاقل منصف ، له أدنى إلمام بأمور الدولة والسياسة ، يعرف سريرة عمر وغرضه من هذا الأمر ، وهو الإطاحة بعليّعليه‌السلام وخذلانه والسعي لتنزيل مقامه الشامخ ، ومكانه العليّ.

وكل من له اطّلاع وباع في كتب الرجال والأصحاب من قبيل الإصابة والاستيعاب ، وحلية الأولياء وأمثالها ، يعرف جيّدا أن علياعليه‌السلام لا يقاس بعبد الرحمن ، وأعلى من سائر أعضاء الشورى في الفضل والمناقب وفي المنزلة والمقام.

وأنتم أيها الحاضرون! راجعوا كتب الحديث والتواريخ والمناقب وطالعوها وأنصفوا وفكروا ثم احكموا في رأي عمر وتعيينه عبد الرحمن حكما في الشورى ، وترجيح رأيه على الآخرين بما فيهم علي بن أبي طالبعليه‌السلام !

والله ما كانت الشورى العمريّة إلاّ مكيدة ولعبة سياسية ومؤامرة تحزّبيّة من مناوئي الإمام عليّعليه‌السلام ومخالفيه ، ليحرموه من حقّه ويبعدوه من مقامه للمرّة الثالثة!!

فالخلفاء «الراشدون عندكم» نالوا الخلافة وتوصّلوا إليها بأربعة

٨٨٥

طرق ، كل واحد منهم وصل إلى الخلافة بشكل خاص وطريقة تخصّه ، فلا ندري أي طريقة منها وأي شكل من الأشكال مراد الله سبحانه ومقتضي شريعته ودينه! فإن تعيّنوا شكلا واحدا ، فالأشكال الأخرى باطلة ، وإن تقولوا : كل هذه الطرق والأشكال صحيحة وشرعية ، نعرف أنكم لا تلتزمون لتعيين الخليفة والحاكم الشرعي ، بطريق ثابت وقانون معيّن معلوم.

وأنتم الحاضرون ولا سيما العلماء الكرام ، اذا تركتم التعصّب والانحياز الى مذهب أسلافكم ومعتقد آبائكم ، ونظرتم إلى الحوادث والقضايا بعين الإنصاف والعدالة ، وبنظر التحقيق والدّلالة ، لعرفتم أنّ الحق غير ما تلتزمون به وتعتقدونه.

الشيخ عبد السلام : نعم ولكن لو أمعنّا النظر وتعمّقنا في الموضوع على أساس بيانكم وغرار كلامكم ، فإنّ خلافة سيدنا علي بن أبي طالب تتزلزل أيضا ، لأنّ الناس الذين نصبوه للخلافة وبايعوه هم الذين بايعوا من قبله من الخلفاء الثلاثة الراشدين ، ولا فرق بينه وبينهم؟!.

خلافة الإمام عليعليه‌السلام منصوصة

قلت : هذا الإشكال يرد على من يعتقد بأن خلافة الإمام عليعليه‌السلام ومشروعيّتها لاجماع الناس في المدينة بعد مقتل عثمان على خلافة الإمام وبيعتهم له ، ولكنّا نعتقد بالدليل والبرهان أنّ خلافة الإمام عليعليه‌السلام منصوصة من الله سبحانه بالأحاديث المكرّرة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو الخليفة الشرعي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباشرة وإن

٨٨٦

غصبوا حقه وأزالوه عن مقامه طيلة سنين عديد. وحيث لم يجد أعوانا وأنصارا لإحقاق حقه ، أمسى جليس الدار صابرا محتسبا ، حتى أجمع الناس على بيعته بعد مقتل عثمان وألحّوا وأصرّوا عليه ، فقبل منهم البيعة وتعهّد ادارة أمور المسلمين.

وقد بيّنا في المجالس السابقة وذكرنا لكم النصوص المرويّة في كتبكم ومسانيدكم المعتبرة ، في تعيين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا خليفته على الأمّة ، وإن نسيتم حديثنا في موضوع الغدير وإمامة عليّعليه‌السلام وخلافته ، فراجعوا الصحف والمجلاّت التي نشرت حوارنا ومجالسنا السابقة ، فقد استدللنا وأثبتنا ولاية عليّعليه‌السلام وخلافته الشرعيّة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، وإضافة الى تواترها في كتب الشيعة فقد ذكرنا عشرات المصادر لها من كتب أعلامكم ومسانيد علمائكم ، فالأحاديث التي ذكرناها في إثبات ولاية الإمام عليعليه‌السلام وخلافته متفق عليها وصحيحة بإجماع الشيعة والسنة.

ولكن لا يوجد حتى حديث واحد متّفق على صحّته بين الفريقين في ولاية وخلافة الثلاثة قبل الإمام عليّعليه‌السلام ، أو في خلافة أحد الأمويين أو العباسيين.

الشيخ عبد السلام : لقد ورد عندنا عن رسول الله (ص) أنّه قال : «أبو بكر خليفتي في أمتي».

قلت : أولا هذا الحديث غير مقبول عندنا ولم يروه أحد من علماء الشيعة ، فصار غير متفق عليه.

ثانيا : لقد ذكرنا أقوال بعض أعلامكم في بطلان الأحاديث الموضوعة في فضل أبي بكر ومناقبه ، وإضافة على ما مضى أنقل لكم

٨٨٧

قول أحد كبار علمائكم ومشاهير أعلامكم ، وهو الشيخ مجد الدين الفيروزآبادي صاحب كتاب القاموس في اللغة ، قال في كتابه «سفر السعادة» [إن ما ورد في فضائل أبي بكر ، فهي من المفتريات التي يشهد بديهة العقل بكذبها.]

خلافة عليّعليه‌السلام أقرب إلى الإجماع من خلافة غيره

ولا يخفى على من تدبّر في تاريخ الخلافة ، أنّ خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كانت أقرب الى الاجماع من خلافة الثلاثة قبله ، والذين استولوا على الخلافة بعده من الأمويين والعباسيين.

فقد بيّنا عدم تحقق الإجماع في الخلفاء الذين تولّوا الأمر قبل الإمام عليعليه‌السلام وكذلك الذين جاءوا بعده ، فلم يتحقق إجماع الأمة لأحدهم ، والتاريخ يشهد على ذلك ولكن تحقّق للإمام عليعليه‌السلام ما يقرب من الإجماع ، فإن الّذين بايعوه بعد مقتل عثمان كانوا عامة أهل المدينة إلاّ من شذّ ، وهم أقلّ من عدد الأصابع ، وإضافة على أهل المدينة ، فقد بايعه جمع كثير من أهالي الأمصار الذين كانوا ينوبون عن أهل بلادهم وقومهم ، وهم الذين أقبلوا من البصرة والكوفة ومن مصر وغيرها من بلاد الإسلام ونزلوا المدينة المنوّرة ، ليعزلوا عثمان عن الخلافة ، أو يصلحوه ويصلحوا شأنه ودولته. فلما قتل عثمان ، أجمعوا على بيعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ولا يخفى أنّ المجتمعين يومئذ في المدينة المنورة ، والذين أجمعوا على بيعة الإمام عليّعليه‌السلام ، كانوا زعماء القوم وأهل الحلّ والعقد في أمصارهم وشيوخ أهل بلدانهم.

٨٨٨

والجدير بالذكر ، أنّنا مع تحقّق هذا الأمر ـ الذي كان أقرب شيء إلى الاجماع ـ لم نجعله دليلا على خلافة الإمام عليعليه‌السلام .

وإنما الدليل الثابت عندنا والبرهان المثبت لخلافة مولانا وسيدنا الإمام عليّعليه‌السلام هو النصّ الإلهي في القرآن الحكيم وصريح حديث النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو مطابق لسيرة جميع الرسل والأنبياء الذين كانوا يعينون أوصياءهم وخلفاءهم بأمر الله سبحانه.

ثالثا : قلتم لا فرق بين أبي الحسن أمير المؤمنين وبين الخلفاء قبله.

فلا أدري هل تنطقون بهذا الكلام عن جهل أو تجاهل؟ لأنّ الأدلّة العقلية والنقليّة والشواهد التاريخيّة والحسيّة كلها قائمة على أنّ علياعليه‌السلام يمتاز عن الخلفاء بل عن كل البشر. فلا يقاس به أحد.

امتيازات الإمام عليّعليه‌السلام

كل من يطالع تاريخ حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام من حين ولادته في بطن الكعبة ، إلى ساعة استشهاده في سبيل الله في حال العبادة والصلاة في وسط المحراب في مسجد الكوفة ، وينظر بنظر التحقيق والتدقيق في جهاده ومواقفه ، وفي خطبه وكلماته ، وفي حركاته وسكناته ، وفي خوضه الحوادث وانزوائه ، لا يشك في أنّهعليه‌السلام كان شخصية متميزة وفريدة من نوادر التاريخ وأعظم نوابغ البشر ، لذلك نرى جميع المسلمين وأكثر أعلامكم وكبار علمائكم إلاّ من شذّ ـ وهم من الخوارج والنواصب من الأمويين والبكريين ـ قالوا : بأفضليته عمّن سواه بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك استنادا إلى الحديث الشريف المروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقه أنقله لكم مضافا إلى ما رويته

٨٨٩

من كتب أعلامكم في الليالي الماضية في فضائله ومناقبهعليه‌السلام .

روى أحمد بن حنبل في مسنده ، والموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب ، والعلاّمة الهمداني في مودّة القربى ، والحافظ أبو بكر البيهقي في السنن وغيرهم عن طرق شتى وعبارات متفاوتة في الألفاظ والمعنى واحد ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «عليّ أعلمكم وأفضلكم وأقضاكم ، والرادّ عليه كالرادّ عليّ ، والرادّ عليّ كالرادّ على الله ، وهو على حدّ الشرك بالله».

وقال ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة / بعد ذكره أقوال المشاهير تحت عنوان (القول فيما يذهب إليه أصحابنا المعتزلة ، في الإمامة والتفضيل) قال [وأمّا نحن فنذهب إلى ما يذهب إليه شيوخنا البغداديون ، من تفضيلهعليه‌السلام . وقد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الأفضل؟ وهل المراد به الأكثر ثوابا أو الأجمع لمزايا الفضل والخصال الحميدة؟ وبيّنا أنّهعليه‌السلام أفضل على التفسيرين معا.]

وهنا ارتفع صوت المؤذّن لصلاة العشاء ، وبعد الفراغ من الصلاة ، شربنا الشاي وتناولنا الفاكهة ، ثم شرعنا في الحديث :

أصول الفضل والكمال

قلت : تعقيبا لكلام ابن أبي الحديد ، أطرح عليكم هذا السؤال : ما هي رءوس الفضل وأصول الكمال عندكم؟

الشيخ عبد السّلام : ـ بعد أن أطرق برأسه مليّا ، رفعه وقال ـ : هي كثيرة ولكن أهمها بعد الإيمان بالله وبرسوله ، النسب الطاهر وطيب المولد والمنبت ، والعلم والتقوى.

٨٩٠

قلت : أحسنت يا شيخ ، فلنبحث في هذه الأمور التي أشرت إليها ونحن نوافقكم على أنّ هذه الثلاثة من أمهات الفضائل والكمالات البشرية. ولا ننكر أنّ بعض الصحابة كانت فيهم خصائص وخصال حميدة ، ولكن من كان منهم جامعا لهذه الصفات الثلاثة التي أشرتم إليها بأنّها أمهات الفضائل وأصول الكمال ، فهو أفضلهم وأكملهم ، وبحكم العقل والعقلاء يكون أحق بالخلافة من سائر الصحابة.

طهارة نسب ومولد الإمام عليعليه‌السلام

أمّا في النسب والمولد فلا يشك أحد بأنّ الإمام عليّعليه‌السلام أشرف الصحابة في النسب ، وأفضلهم في المولد والمنبت ، لأنّه يساوي النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك(١) ، فأمّا النسب فواضح ، وأما المنبت فقد ذكر

__________________

(١) روى الحافظ الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه «ينابيع المودة» الباب الثاني في شرف آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونقل روايات كثيرة في الموضوع وكلها من كتب العامّة منها ، قال [وفي الشفاء عن عائشة عنه (ص) قال : أتاني جبرئيل فقال : قلّبت مشارق الأرض ومغاربها ، فلم أر رجلا أفضل من محمد ، ولم أر ابن أب أفضل من بني هاشم] أخرجه في المناقب والمخلص المذهبي والمحاملي وغيرهم.

أقول : وقال الإمام علي عليه‌السلام في نهج البلاغة خطبة رقم ٩٤ : «حتى أفضت كرامة الله سبحانه وتعالى الى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخرجه من أفضل المعادن منبتا وأعزّ الأرومات مغرسا ، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه ، وانتجب [ـ أو ـ انتخب] منها أمناءه عترته خير العتر ، وأسرته خير الأسر وشجرته خير الشّجر ، نبتت في حرم وبسقت في كرم ، لها فروع طوال وثمر لا ينال.» الخ.

وقال الشيخ صالح التميمي ( رحمه‌الله ) :

٨٩١

المؤرخون كلهم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاة جدّه عبد المطلب ، انتقل إلى بيت أبي طالب وكان عمره الشريف يومئذ ثمان سنين ، فتكفّله عمّه ورعاه أتمّ وأجمل رعاية.

فكما حارت العقول في شخصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحقيقته ، بهرت العقول أيضا في شخصيّة عليّ وحقيقته. حتى أنّ المتعصّبين من أعلامكم مثل علاء الدين القوشچي ، والجاحظ وهو يعدّ من النواصب ، وسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ، وغيرهم قالوا : [إنّنا حيارى ولا ندري كيف نفسّر كلام علي بن أبي طالب إذ يقول : «نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد».

__________________

[غاية المدح في علاك ابتداء

ليت شعري ما تصنع الشعراء

يا أخا المصطفى وخير ابن عم

وأمير إن عدّت الأمراء

معدن الناس كلها الأرض لكن

أنت من جوهر وهم حصباء]

وقال آخر :

(خير البريّة بعد أحمد حيدر

الناس أرض والوصيّ سماء)

ويقول آخر :

[حاشاك أن تسمو إليك سماء

أنت الفضاء وما سواك هباء

ومتى يحلّق نحوك العظماء؟

والسرّ أنت وغيرك الأسماء

أولست ساقي الحوض أنت وقاسم ال

جنّات والنيران كيف تشاء؟؟]

هذا غيض من فيض قريحة الشعراء وشعورهم في حقه عليه‌السلام ، ولكن ما لنا ولقول الشعراء البلغاء بعد أن نطق الخالق العزيز بمدحه وتفضيله وجعله نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آية المباهلة ، وأطلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه ذلك كرّات ومرات وقال «علي كنفسي». ولا شك أنّ خير الكلام كلام الله ، وخير الحديث حديث أشرف الخلق محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . «المترجم»

٨٩٢

وقالعليه‌السلام أيضا في الخطبة الثانية من نهج البلاغة :

«لا يقاس بآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من هذه الأمة أحد ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا ، هم أساس الدين وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة ، الآن إذ رجع الحق إلى أهله ، ونقل إلى منتقله(١) ».]

واعلموا أنّ اعتقاد كثير من كبار علماء السنّة وأعلامهم في الإمام عليعليه‌السلام هو كذلك.

فقد روى العلاّمة الهمداني في كتابه مودّة القربى / المودّة السابعة عن أبي وائل عن ابن عمر (رض) قال : كنّا إذا عددنا أصحاب النبي (ص) قلنا أبو بكر وعمر وعثمان. فقال [له] رجل : يا أبا عبد الرحمن ، فعلي ما هو؟ قال [علي من أهل البيت لا يقاس به أحد ، هو مع رسول الله (ص) في درجته.]

وروى العلاّمة الهمداني أيضا عن أحمد بن محمد الكرزي البغدادي قال : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت أبي عن التفضيل فقال : أبو بكر وعمر وعثمان ، ثم سكت. فقلت : يا أبت أين علي بن أبي طالب؟ فقال [هو من أهل البيت ، لا يقاس به هؤلاء.]

أقول : والذي يدلّ على أنّ هؤلاء وغيرهم من الصحابة لا يقاسون به ، أنّهعليه‌السلام كرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلق في عالم الأنوار قبل أن يظهر في عالم الاكدار ، والفرق بينهما كالفرق بين السماء والأرض.

__________________

(١) فقد خطب هذه الخطبة بعد ما بويع بالخلافة.

٨٩٣

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّعليه‌السلام من نور واحد

روى جماعة من الأعلام والحفّاظ من علمائكم ، منهم أحمد بن حنبل في المسند ، والشيخ محمد بن طلحة العدوي القرشي في كتاب مطالب السئول ، والحافظ ابن المغازلي الفقيه الشافعي في كتابه المناقب / حديث رقم ١٣٠ / بسنده عن النبي (ص) قال «كنت أنا وعلي بن أبي طالب نورا بين يدي الله من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق الله تعالى آدم ركّب ذلك النور في صلبه فلم يزل في نور واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ، ففيّ النبوّة وفي عليّ الخلافة».

وقد فتح العلاّمة الهمداني بابا في كتابه مودّة القربى بعنوان / المودّة الثامنة : «في أنّ رسول الله (ص) وعليا من نور واحد ، وأعطي عليّ من الخصال ما لم يعط أحد من العالمين».

فنقل أخبارا كثيرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطرق شتى ، منها ما رواه عن عثمان بن عفّان عن النبي (ص) قال «خلقت أنا وعليّ من نور واحد قبل أن يخلق الله آدم بأربعة آلاف عام ، فلما خلق الله آدم ركّب ذلك النور في صلبه ، فلم يزل شيئا واحدا حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ففيّ النبوّة وفي عليّ الوصيّة».

وروى أيضا عن عليّعليه‌السلام قال «قال رسول الله (ص) : يا عليّ! خلقني الله وخلقك من نوره ، فلما خلق آدمعليه‌السلام أودع ذلك النور في صلبه ، فلم نزل أنا وأنت شيئا واحدا ثم افترقنا في صلب عبد المطلب ، ففيّ النبوّة والرسالة ، وفيك الوصيّة والإمامة».

٨٩٤

ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ٩ / ١٧١ ط دار إحياء التراث / الخبر الرابع عشر : «كنت أنا وعليّ نورا بين يدي الله عزّ وجلّ قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق آدم قسّم ذلك فيه وجعله جزءين ، فجزء أنا وجزء عليّ» قال ابن أبي الحديد : رواه أحمد في المسند وفي كتاب فضائل عليّعليه‌السلام ، وذكره صاحب كتاب الفردوس ، وزاد فيه : «ثم انتقلنا حتى صرنا في عبد المطلب ، فكان لي النبوّة ولعليّ الوصيّة».

وروى الحافظ القندوزي في كتابه ينابيع المودّة في الباب الأول روايات كثيرة في الموضوع عن جمع الفوائد ، ومناقب ابن المغازلي وعن الفردوس للديلمي وفرائد السمطين للحمويني ومناقب الخوارزمي نعم روى أبو المؤيّد الخوارزمي في الفصل الرابع من كتابه المناقب وأيضا في الفصل الرابع من كتابه مقتل الحسينعليه‌السلام روايات شتى في الموضوع.

وكذلك روى في الموضوع سبط ابن الجوزي في التذكرة / ٥٠ ط مؤسسة أهل البيت بيروت ، وابن الصبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة ، والعلاّمة الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب / الباب ٨٧ نقل عن محدّث الشام ابن عساكر وعن محدّث العراق وعن معجم الطبراني بإسنادهم بطرق شتى وعنوانه (الباب السابع والثمانون : في أنّ عليا خلق من نور النبي (ص)) وحيث انّ الروايات في الموضوع منقولة بألفاظ شتى وكلمات مختلفة والمعنى واحد ، فأقول : ربما صدرت الروايات من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيان هذا الموضوع كرّات ومرّات عديدة لأهميّته.

٨٩٥

أجداد الإمام عليعليه‌السلام وآباؤه مؤمنون

ولقد ثبت أنّ أجداد الامام عليّعليه‌السلام كلهم كانوا مؤمنين ولم يشركوا بالله طرفة عين ، فانّ الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة التي حملته وتناقلته هي الأصلاب والأرحام التي حملت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد طهّرها الباري عزّ وجلّ من درن الشرك وأقذار الجاهليّة ، فهو عليّ ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ابن أدّ بن أدد بن اليسع بن الهميس بن بنت ، بن سلامان بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الله بن تارخ بن تاحور بن شاروع ابن أبرغو بن تالغ بن عابر بن شالح بن ارفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوه بن بارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشرعليهم‌السلام هؤلاء كلهم كانوا مؤمنين بالله تعالى ، يعبدونه ولا يشركون به شيئا.

الشيخ عبد السلام : ولكنّ القرآن الحكيم يصرّح بخلاف هذا الكلام ، فقد قال تعالى في سورة الأنعام آية ٧٤ :( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

آزر عم إبراهيمعليه‌السلام

قلت : كلام الشيخ واصل إليه من أسلافه ، وهم لمّا رأوا نسب شيوخهم وزعمائهم من الصحابة ينتهي إلى الكفر والشرك ، أرادوا دفع

٨٩٦

هذا النقص ورفع العيب عنهم ، فتفوّهوا بهذا الكلام وعابوا على خير الأنام ، وقالوا بأنّ آزر أبا إبراهيم الخليل كان يعبد الأصنام ، وكلكم تعلمون أنّ علماء الأنساب أجمعوا على أنّ والد إبراهيم الخليلعليه‌السلام كان تارخ ، وآزر كان عمه.

الشيخ عبد السلام ـ متعجبا ـ : إنّكم تقابلون القرآن الحكيم بكلام علماء الأنساب!! فإنّ الله سبحانه يصرّح بأنّ آزر أبا إبراهيم كان يعبد الأصنام ونحن نأخذ بظاهر القرآن ونترك قول من خالفه ، لأنّ الظاهر نصّ وخلافه اجتهاد.

قلت : نحن لا نجتهد في مقابل النصّ ، وإنّما نقابل النصّ بالنصّ ونستخرج المعنى المعقول المفهوم من النّصّين ، فإنّ القرآن في كثير من الأمور يفسّر بعضه بعضا. وما اشتبه علينا تفسيره فنرجع به إلى قول العترة الهادية الذين عيّنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك إذ قال «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي».

وهم قالوا بأنّ آزر كان عم إبراهيم الخليل ، فلما توفّي تارخ والد ابراهيم ، تزوّجت أمّه بآزر ، فكان إبراهيم يناديه بالأب ، وهو شيء شائع في العرف.

الشيخ عبد السلام : نحن لا نترك ظاهر الآية الشريفة :( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ ) إلاّ أن تأتوا بآية من القرآن الحكيم تفسّر كلمة الأب بالعم ، وهذا لا يوجد في القرآن.

قلت : لا تنفي ذلك ، لأنّ علمك ناقص بمفاهيم القرآن الحكيم ، وما تجهله من هذا الكتاب العظيم أكثر مما تعلمه.

ولكي يتّضح لك أنّ كلمة الأب جاءت بمعنى العم في القرآن

٨٩٧

الحكيم ، فراجع سورة البقرة / الآية ١٣٣ في قوله تعالى :

( إِذْ قالَ (١) لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً ) .

الشاهد والدليل في الآية «اسماعيل» لأنه كان عم يعقوب واسحاق هو أبو يعقوب. ولكنّ أولاد يعقوب عدوّا إسماعيل أبا ليعقوب في عداد أبويه إبراهيم وإسحاق.

دليل آخر

وعندنا دليل آخر من القرآن الحكيم في أنّ آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلهم كانوا مؤمنين بالله سبحانه يسجدون له وحده ويعبدونه إلها واحدا وهو قوله تعالى مخاطبا لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) (٢) روى الحافظ الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة / الباب الثاني / وغيره أيضا من علمائكم رووا عن ابن عباس حبر الأمّة وهو من تعلمون مقامه في المفسرين ، قال [اي تقلّبه (ص) من أصلاب الموحّدين ، نبيّ إلى نبيّ ، حتى أخرجه الله من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم.]

وروى العلاّمة القندوزي حديثا آخر في الباب ورواه أيضا جمع من علمائكم منهم الثعلبي في تفسيره ، عن رسول الله (ص) قال : «أهبطني الله إلى الأرض في صلب آدم وجعلني في صلب نوح في السفينة وقذف بي في صلب إبراهيم ثم لم يزل الله ينقلني من

__________________

(١) أي : إذ قال يعقوب.

(٢) الشعراء ، الآية ٢١٩.

٨٩٨

الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة حتى أخرجني من بين أبوين لم يلتقيا على سفاح قطّ».

وفي رواية أخرى قال (ص) «لم يدنّسني بدنس الجاهلية».

وروى القندوزي أيضا في الباب الثاني قال : وفي كتاب أبكار الأفكار للشيخ صلاح الدين بن زين الدين الشهير بابن الصلاحقدس‌سره قال جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنهما) سألت رسول الله (ص) عن أول شيء خلقه الله تعالى ، قال (ص) «هو نور نبيك يا جابر». ـ والرواية مفصلة وطويلة لا مجال لذكرها كلها ، وجاء في آخرها ـ «وهكذا ينقل الله نوري من طيّب إلى طيب ، ومن طاهر إلى طاهر إلى أن أوصله إلى صلب أبي عبد الله بن عبد المطلب ، ومنه أوصله الله إلى رحم أمي آمنة ، ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين ، ومبعوثا إلى كافّة الناس أجمعين ورحمة للعالمين وقائد الغر المحجّلين ، هذا كان بدء خلقة نبيّك يا جابر.

ثم قال القندوزي : وفي شرح الكبريت الأحمر للشيخ عبد القادر روى الحديث المذكور عن جابر بن عبد الله أيضا إلى آخره».

فقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «وهكذا ينقل الله نوري من طيّب إلى طيب ، ومن طاهر إلى طاهر. دليل على أنهم كانوا مؤمنين بالله وموحّدين له.

فبرّأهم الله تعالى من الكفر والشرك ، إذ يقول الله سبحانه :( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (١) ».

وكذلك روى القندوزي في الباب الثاني من ينابيع المودّة عن ابن عباس عن النبي (ص) أنه قال «ما ولدني في سفاح الجاهلية شيء وما

__________________

(١) التوبة ، الآية ٢٨.

٨٩٩

ولدني إلاّ نكاح كنكاح الاسلام».

وفي نهج البلاغة / خطبة رقم ٩٤ يصف بها الأنبياء الكرام لا سيّما خاتمهم وسيدهم ، فقال : «.. فاستودعهم في أفضل مستودع وأقرّهم في خير مستقر. تناسختهم [تناسلتهم] كرائم الأصلاب إلى مطهّرات الأرحام حتى أفضت كرامة الله سبحانه وتعالى إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخرجه من أفضل المعادن منبتا ، وأعزّ الأرومات مغرسا ، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه وانتخب منها أمناءه».

ولو أردنا جمع الأخبار والروايات الواردة عن طرقنا وطرقكم الخ مجلّدا ضخما ، ولكن في المنقول كفاية لمن أراد الهداية واتباع احق ، فإنّ الحق الذي يظهر من هذه الروايات والآيات يدلّ على أن آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأجداده كانوا موحّدين لله سبحانه ومؤمنين به عزّ وجلّ ، ومنه يثبت هذا الأمر لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أيضا ، لأنهما صلوات الله عليهما وآلهما من شجرة واحدة ونور واحد ، كما تواتر عن طرق الشيعة ورواه أيضا كثير من أعلامكم وكبار علمائكم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «أنا وعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتّى».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «خلقت أنا وعليّ من نور واحد». الخ ، وقد ذكر بعض مصادره من كتب أعلامكم.

فبحكم العقل ورأي العقلاء ، فإنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أحق من غيره بخلافة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه أقرب الناس إليه في المقام والمنزلة ، مع هذه المشابهات والمقارنات بينهما عليهما السّلام(١) .

__________________

(١) من المناسب نقل بعض الأبيات من قصيدة بليغة في الموضوع للمرحوم الشيخ علي الشفهيني الحلي من اعلام القرن السادس الهجري :

٩٠٠