وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى الجزء ٣

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى0%

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى مؤلف:
المحقق: خالد عبد الغني محفوظ
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 2-7451-381-8-0
الصفحات: 237

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى

مؤلف: نور الدين علي بن أحمد السّمهودي
المحقق: خالد عبد الغني محفوظ
تصنيف:

ISBN: 2-7451-381-8-0
الصفحات: 237
المشاهدات: 9258
تحميل: 1178


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 237 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 9258 / تحميل: 1178
الحجم الحجم الحجم
وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى الجزء 3

مؤلف:
ISBN: 2-7451-381-8-0
العربية

وقد روى ابن شبة عن خالد بن رياح أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد راتج ، وشرب من جاسوم ، وهي بئر هناك.

وروى ابن زبالة صلاتهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في مسجد راتج عن خالد بن رباح عن رجل من بني حارثة. وسيأتي أن جاسوم بئر أبي الهيثم بن التيهان ، وأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في حائطه. وراتج تقدم في المنازل أنه أطم سميت به الناحية ، وأن بني الشطية كانوا إحدى قبائل راتج الثلاث ، وأن ممن كان به بني زعوراء إخوة بني عبد الأشهل ومنهم أبو الهيثم بن التّيهان ؛ ولهذا نقل الأقشهري عن المحب الطبري أنه ذكر المساجد التي كانوا يصلون فيها بأذان بلال فقال : ومسجد بني راتج من بني عبد الأشهل.

قلت : وصواب العبارة «مسجد راتج» وقد سبق ذكر راتج أيضا في منازل مزينة من المهاجرين حيث قال فيها : ونزلت بنو ذكوان من بني سليم مع أهل راتج من اليهود ما بين دار قدامة إلى دار حسن بن زيد بالجبانة. وسيأتي ذكر الجبانة في ترجمة ذباب. وسيأتي لراتج ذكر في ترجمة الخندق ، ومنه يؤخذ أنه كان في شرقي ذباب الذي عليه مسجد الراية جانحا إلى جهة الشام ، وبعده في المشرق منزل بني عبد الأشهل.

وقال المطري : إن في غربي وادي بطحان من جهة مساجد الفتح جبلين صغيرين : أحدهما يقال له راتج ، ويقال للذي إلى جنبه جبل أبي عبيد.

قلت : وإن صحّ ما ذكره فليس هو المراد هنا ؛ لأن تلك الجهة ليست في منازل بني عبد الأشهل وإخوتهم المذكورين. والذي صرح به ابن زبالة وغيره أنه اسم أطم كما قدمناه ، فهو المعتمد والله أعلم.

مسجد واقم

ومنها : مسجد بني عبد الأشهل من الأوس ، ويقال له : مسجد واقم.

روى أبو داود والنسائي عن كعب بن عجرة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى مسجد بني عبد الأشهل فصلّى فيه المغرب ، فلما قضوا صلاتهم رآهم يسجدون بعدها ، فقال : هذه صلاة البيوت ، وإسناده جيد ، إلا أن فيه إسحاق بن كعب بن عجرة مجهول الحال.

وروى ابن شبهة عن محمود بن لبيد قال : صلّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة المغرب في مسجد بني عبد الأشهل ، فلما فرغ من صلاته قال : صلّوا هاتين الركعتين في بيوتكم ، ومحمود بن لبيد من صغار الصحابة ، وجلّ روايته عن الصحابة ، وفي إسناده عنعنة ابن إسحاق ، ورواه أحمد برجال ثقات ، ولفظه : أتانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في مسجدنا فصلّى بنا المغرب ، فلما سلّم منها قال : اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم ، للسبحة بعد المغرب ، ورواه ابن ماجه عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج قال : أتانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في بني عبد الأشهل ، فصلّى بنا المغرب في المسجد ، الحديث ، وفي إسناده متروك.

٦١

وروى ابن شبة وابن ماجه عن عبد الله بن عبد الرحمن قال : جاءنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فصلّى بنا في بني عبد الأشهل ، فرأيته واضعا يديه على ثوبه إذا سجد وعبد الله بن عبد الرحمن ليست له صحبة ، قال الذهبي : وصوابه عن أبيه عن جده.

وقد روى ابن ماجه عقبه عن عبد الله بن عبد الرحمن بن ثابت بن الصامت عن أبيه عن جده أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في بني عبد الأشهل ، وعليه كساء ملتف به يضع يديه عليه يقيه برد الحصى.

ورواه ابن شبة بنحوه ، وفي إسناد كل منهما ضعيف.

وروى ابن شبة عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة ـ وهو ضعيف ـ عن أبيه معضلا قال : صلّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو في مسجد واقم في بني عبد الأشهل وعليه برنكان لم يفض بيديه من البرنكان إلى الأرض.

وعن أمر عامر أنها رأت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو في مسجد بني عبد الأشهل أتى بعرق فتعرّقه ، ثم صلى ولم يمسّ ماء.

ورواه ابن زبالة إلا أنه قال : إنها قالت : أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعرق فتعرقه وهو في مسجد بني عبد الأشهل ، ثم قام فصلى ولم يتوضأ.

وروى يحيى عن بكر بن عبد الوهاب عن محمد بن عمر قال : قالوا : كان بالمدينة تسعة مساجد يسمعون فيها مؤذن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فيصلون في مساجدهم ، ولا يأتون مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلا يوم الجمعة فإنهم كانوا يجمعون فيه ، وربما خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا صلّى الظهر إلى مسجد بني عبد الأشهل فيصلي العصر والمغرب في مسجد بني عبد الأشهل ، ولم تكن دار كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أكثر لها غشيانا من دار بني عبد الأشهل قبل وفاة سعد بن معاذ وبعد وفاته.

قلت : والأخبار في الصلاة في هذا المسجد كثيرة ، وهو غير معروف اليوم ، وتقدم أن المطري قال : إن دار بني عبد الأشهل قبلى دار بني ظفر مع طرف الحرة الشرقية المعروفة بحرّة واقم ، وكأنه أخذه من قول يحيى في مسجد بني ظفر : إنه دون مسجد بني الأشهل ، ولا دلالة في ذلك على ما قاله ، والصواب ما قدمناه في منازلهم من أنها كانت في شامي بني ظفر بالحرّة المذكورة وما والاها بين بني ظفر وبني حارثة ، وسيأتي في ترجمة الخندق ما يصرح بذلك. ويؤيده ما سيأتي في مسجد القرصة من أنها ضيعة لسعد بن معاذ ، والقرصة معروفة اليوم بالجهة التي ذكرناها. وبنو عبد الأشهل هم رهط سعد بن معاذ وأسيد بن حضير ، وقد رأيت قرب القرصة آثار منازل كثيرة الظاهر أنها منازلهم ، ويؤيده أن فيما نقله الواقدي عن كتاب مسرف بن عقبة إلى يزيد بعد مقتلة الحرّة «إني فرقت أصحابي على أفواه

٦٢

خنادقهم ؛ فوليت الحصين بن نمر ناحية ذباب وما والاها ، ووجهت حبيش بن دلجة إلى ناحية بقيع الغرقد ، وكنت ومن معي من قواد أمير المؤمنين في وجه بني حارثة ، فأدخلنا عليهم الخيل حين ارتفع النهار من ناحية بني عبد الأشهل ، فما صليت الظهر إلا في مسجدهم ، وإنا أوقعنا بهم السيوف فقتلنا من أشرف لنا منهم ، وتبعنا مدبرهم ، وأجهزنا على جريحهم ، وانتهبناها ثلاثا» انتهى.

وقد تقدم في الفصل الخامس عشر من الباب الثاني أن بعض بني حارثة فتح لأهل الشام طريقا من قبلهم ، وأنهم أتوا من قبل بني حارثة. ونقل الواقديّ أن أول ما انتهبت والحرب بعد لم تنقطع دار بني عبد الأشهل ، أي لأنها التي كانت تليهم بعد الدخول من بني حارثة ، والله أعلم.

مسجد القرصة

ومنها : مسجد القرصة ، روى رزين عن يحيى بن قتادة عن مشيخة قومه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يأتي دور الأنصار فيصلي في مساجدهم ، فصلى في مسجد القرصة ، والقرصة : ضيعة لسعد بن معاذ ، قال الزين المراغي : فلعلها القرصة المعروفة اليوم بطرف الحرة الشرقية من جهة الشمال ؛ لأنها قريبة من منازل بني عبد الأشهل رهط سعد ، غير أن المسجد لا يعرف فيها اليوم.

قلت : رأيت بها قرب البئر على رابية أثر مسجد ، والله أعلم.

مسجد بني حارثة

ومنها : مسجد بني حارثة من الأوس روى ابن شبة عن الحارث بن سعد بن عبيد الحارثي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد بني حارثة.

وروى ابن زبالة عن إبراهيم بن جعفر عن أبيه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد بني حارثة ، وقضى فيه في شأن عبد الرحمن بن سهل ، يعني المقتول بخيبر ، أخي عبد الله بن سهل بني عم حويصة ومحيصة.

وتقدم في المنازل أن بني حارثة تحوّلوا قبل الإسلام من دار بني عبد الأشهل إلى دارهم في سند الحرّة التي بها الشيخان شاميّ بني عبد الأشهل ، خلاف ما ذكره المطري من أن منازلهم بيثرب.

مسجد الشيخين (البدائع)

ومنها : مسجد الشيخين ، ويقال له : «مسجد البدائع».

روى ابن شبة عن المطلب بن عبد الله أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في المسجد الذي عند الشيخين ، وبات فيه ، وصلّى فيه الصبح يوم أحد ، ثم غدا منه إلى أحد.

٦٣

وعن ابن عباس عن سعد أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في المسجد الذي عند البدائع عند الشيخين ، وبات فيه حتى أصبح ، والشيخان : أطمان.

وعن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت : أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في مسجد البدائع بشواء ، فأكله ، ثم بات حتى غدا إلى أحد.

وروى ابن زبالة عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في المسجد الذي عند الشيخين ، وأنه عدل من ثمّ يوم أحد إلى أحد.

ورواه يحيى من طريق ابن زبالة ، قال ابنه طاهر بن يحيى عقبه : ويعرف اليوم بمسجد العدوة.

وروى يحيى أيضا عن محمد بن طلحة قال : المسجد الذي صلى فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الجمعة حين راح أي إلى أحد من هاهنا هو المسجد الذي على يمينك إذا أردت قناة ، أي وادي الشطاة ، صلى فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم العصر والعشاء والصبح ، ثم غدا إلى أحد يوم السبت.

وسيأتي في الشيخين قول المطري : إنه موضع بين المدينة وجبل أحد على الطريق الشرقية مع الحرّة إلى جبل أحد. وتقدم قول ابن زبالة : وكان لبعض من هناك من اليهود الأطمان اللذان يقال لهما الشيخان بمفضاهما المسجد الذي صلى فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حين سار إلى أحد.

مسجد بني دينار

ومنها : مسجد بني دينار بن النجار من الخزرج روى ابن شبة عن يحيى بن النضر الأنصاري أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد بني دينار ، وعن عبد الله بن عقبة بن عبد الملك أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان كثيرا ما يصلّي في مسجد بني دينار عند الغسالين.

وروى ابن زبالة عن أيوب بن صالح الديا ناري أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه تزوّج امرأة منهم فاشتكى ، فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يعوده ، فكلّموه أن يصلي لهم في مكان يصلون فيه ، فصلى في المسجد الذي يا بني دينار عند الغسالين.

وتقدم في المنازل عن المطري أن دارهم بين دار بني جديلة التي عند بيرحاء وبين دار بني معاوية أهل مسجد الإجابة ، وأن ابن زبالة صرح بخلافه ، حيث قال : نزلوا دارهم التي خلف بطحان الذي في شقه الغربي مما يلي الحرة.

قلت : ويؤيده ما سيأتي في الخندق ، أنهم خندقوا من مسجد القبلتين إلى دار ابن أبي الجنوب بالحرة ، وذلك لأن منازلهم في تلك الجهة ، ولأن ابن زبالة قال : إن بني سواد من بني سلمة نزلوا عن مسجد القبلتين إلى أرض ابن عبيد الديا ناري ، وسيأتي أن نقب بني دينار هو طريق العقيق بالحرة الغربية ، وبه السقيا كما قال الواقدي ، فإنما كانوا بالحرة الغربية ، وقد سمى الأسدي مسجدهم بمسجد الغسالين ؛ لما تقدم من أنه كان عند الغسالين.

٦٤

وفي غربي وادي بطحان بالحرة موضع يعرف اليوم بالمغسلة ، قال المجد : كان يغسل فيها ، قال : وهي اليوم حديقة كثيرة النخيل من أقرب الحدائق إلى المدينة ، انتهى. فلعل ذلك في موضع منازلهم.

وقد رأيت هناك حجرا عليه كتابة كوفية فيها ما لفظه : مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . وعنده آثار يظهر أنها من آثار المسجد ، وقد بنى صاحب المغسلة هناك مسجدّا في تلك الآثار ، وجعل الحجر فيه.

مسجد بني عدي ، ومسجد دار النابغة

ومنها : مسجد بني عدي بن النجار ، ومسجد دار النابغة في بني عدي أيضا روى ابن شبة عن يحيى بن عمارة المازني أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في دار النابغة ، واغتسل في مسجد بني عدي.

وعن يحيى بن النضر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد دار النابغة ومسجد بني عدي.

وعن هشام بن عروة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد بني عدي وفي بيت صرمة في بني عدي.

ورواه ابن زبالة عند بلفظ : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد دار النابغة وفي مسجد بني عدي.

وتقدم عن المطري أن منازل بني عدي غربي المسجد النبوي ، ولم أر لغيره ما يوافقه ولا ما يخالفه ، إلا أن النضر والد أنس خادم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان منهم.

وسيأتي في بئره ما يبين أن داره كانت شامي المسجد النبوي عند بني جديلة.

ودار النابغة : هي المرادة بما رواه ابن شبة عن أبي زيد النجاري قال : قبر عبد الله بن عبد المطلب يعني والد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ـ دار النابغة قال عبد العزيز : ووصفه لي محمد بن عبد الله بن كريم فقال : تحت عتبة البيت الثاني على يسار من دخل دار النابغة.

وقال ابن عبد البر : توفي عبد الله والد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة ، وقبره بها في دار من دور عدي بن النجار ، قال ابن الجوزي : هي دار النابغة.

مسجد بني مازن

ومنها : مسجد بني مازن بن النجار ـ روى ابن زبالة عن يعقوب بن محمد أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم خطّ مسجد بني مازن ولم يصل فيه.

وفي رواية عنه : وضع مسجد بني مازن بيده ، وصلّى في بيت أم بردة في بني مازن.

٦٥

قلت : أم بردة هذه هي مرضعة إبراهيم ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتوفي عندها ، وحضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وفاته في بيتها ، وظاهر ما سيأتي في بقيع الزبير من قول ابن شبة في بعض دوره على يسارك إذا أردت بني مازن ، وكذا ما قدمناه عنه في منازل مزينة ومن حل معها أن منازل بني مازن قرب منازل بني زريق مما يلي القبلة والمشرق ؛ لأنه قال بعد ذكر منازل بني زريق ما لفظه : إلى أن يلقى بني مازن بن عدي بن النجار ، لكن قوله ابن عدي خطأ في النسخة لأن مازنا هو ابن النجار نفسه ، وعدي أخوه.

وتقدم عن المطري أن منازل بني مازن قبلي بئر البصة في الناحية المسماة اليوم بأبي مازن ، قال : وكان إبراهيم ابن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مسترضعا فيها عند امرأة أبي سيف العين.

مسجد بني عمرو

ومنها : مسجد بني عمرو بن مبذول بن مالك بن النجار روى ابن زبالة وابن شبة عن هشام بن عروة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد بني عمرو بن مبذول.

وروى ابن شبة عن يحيى بن النضر نحوه ، ولم يذكر المطري ومن تبعه هذا المسجد ، ولم يعد بني مبذول في بطون بني النجار.

وتقدم في المنازل أن منزلهم كان عند بقيع الزبير ؛ فتؤخذ جهته من المسجد بعده.

مسجد بقيع الزبير

ومنها : مسجد بقيع الزبير روى ابن زبالة عن عطاء بن يسار أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى الضحى في بقيع الزبير ركعتين ، فقال له أصحابه : إن هذه الصلاة ما كنت تصليها ، قال : إنها صلاة رغب ورهب فلا تدعوها.

وسيأتي في بقيع الزبير أنه في شرقي بني زريق ، مجاور لدور بني غنم إلى جانب البقال.

مسجد صدقة الزبير

ومنها : مسجد صدقة الزبير ببني محمم ـ روى ابن زبالة عن هشام بن عروة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في المسجد الذي وضعه الزبير في بني محمم.

ورواه ابن شبة عنه بلفظ : في صدقة الزبير في بني محمم.

قلت : وذلك بالجزع المعروف بالزبيريات ، غربي مشربة أم إبراهيم ، وقبلتها بقرب خنافة والأعواف ، وهما من أموال بني محمم.

وقال الشافعيرحمه‌الله : وصدقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قائمة عندنا ، وصدقة الزبير قريب منها.

٦٦

ونقل ابن شبة عن أبي غسان أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أقطع الزبير ماله الذي يقال له بنو محمم من أموال بني النضير ، فابتاع إليه الزبير أشياء من أموال بني محمم ، فتصدق بها على ولده.

وفي سنن أبي داود عن أسماء بنت أبي بكر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أقطع الزبير نخلا.

وعن ابن عمر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أقطع الزبير حضر فرسه ، فأجرى فرسه حتى قام ، ثم رمى سوطه ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أعطوه حيث بلغ السوط.

وفي الصحيح قصة الرجل الذي نازع الزبير في السقي بشراج الحرة ، وسنبين أنها حرة بني قريظة.

وروى الطبراني أن ذلك الرجل من بني أمية بن زيد ، ومنازلهم وأموالهم عند هذه الحرة.

وفي حديث أسماء في قصة حملها النوى من أرض الزبير أنها كانت على ميلين من المدينة ، وكله مؤيد لكونها الموضع المعروف اليوم بالزبيريات.

ويؤيده أيضا أن كثيرا منها بأيدي جماعة من ذرية الزبير بن العوام يعرفون اليوم بالكماة.

مسجد بني خدرة

ومنها : مسجد بني خذرة إخوة بني خدارة من الخزرج روى ابن زبالة عن هشام بن عروة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد بني خدرة.

وعن يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في بعض منازل بني خدرة ؛ فهو المسجد الصغير الذي في بني خدرة مقابل بيت الحية.

وروى ابن شبة عن ربيع بن عثمان أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في بيت إلى جنب مسجد بني خدرة.

وروى هو وابن زبالة عن ربيع بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يصل في مسجد بني خدرة.

وتقدم في المنازل أن بني خدرة ابتنوا بدارهم أطما يقال له الأجرد ، ويقال لبئره البصة ، كان لجد أبي سعيد الخدري ، قال المطري : وبعضه باق إلى اليوم

قلت : وهو الذي ابتنى عليه الزكوى بن صالح المنزل الذي عند بئر البصة التي اتخذ لها الدرجة الآتي ذكرها.

وقوله في رواية ابن زبالة «مقابل بيت الحية» كأنه يشير إلى البيت الذي اتفقت به قصة الحية المذكورة في صحيح مسلم عن أبي السائب أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته ، قال : فوجدته يصلي ، فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته ، فسمعت تحريكا في عراجين في

٦٧

ناحية البيت ، فالتفتّ فإذا هي حية ، فوثبت لأقتلها ، فأشار إليّ أن أجلس ، فجلست ، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال : أترى إلى هذا البيت؟ فقلت : نعم ، قال : كان فتى منا حديث عهد بعرس ، قال : فخرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الخندق ؛ فكان ذلك الفتى يستأذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله ، فاستأذنه يوما ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة ، فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع ، فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها الرمح ليطعنها به ، وأصابته غيرة ، فقالت له : اكفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني ، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفرش ، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها ، ثم خرج فركزه في الدار ، فاضطربت عليه فما يدري أيهما كان أسرع موتا الحية أم الفتى ، قال : فجئنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكرنا ذلك له ، وقلنا : ادع الله يحيه لنا ، فقال : استغفروا لصاحبكم ، ثم قال : إن بالمدينة جنّا قد أسلموا ، فإذا رأيتم منهم شيئا فاذنوه ثلاثة أيام ، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان.

مسجد بني الحارث

ومنها : مسجد بني الحارث بن الخزرج ، ومسجد السنح ـ روى ابن شبة عن هشام بن عروة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد بني خدارة وبالحبلى وبالحارث بن الخزرج ومسجد السنح ، ورواه ابن زبالة بلفظ : مسجد بني الحارث بن الخزرج ومسجد السنح.

قلت : تقدم أن منازل بني الحارث شرقي بطحان وتربة صعيب ، ويعرف اليوم بالحارث بإسقاط بني ، وبالقرب منه السنح ، كان على ميل من المسجد النبوي ، وهو منازل جشم وزيد ابني الحارث بن الخزرج ، وبه منزل أبي بكر رضي الله تعالى عنه بزوجته بنت خارجة.

مسجد بني الحبلى

ومنها : مسجد بني الحبلى رهط عبد الله بن أبيّ بن سلول من الخزرج ـ روى ابن زبالة وابن شبة عن هشام بن عروة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد بني الحبلى. ورواه ابن شبة أيضا عن سعد بن إسحاق بن كعب.

وتقدم عن المطري أن دارهم بين قباء وبين دار بني الحارث التي في شرقي بطحان ، مع ما قاله ابن حزم في منازلهم فراجعه.

مسجد بني بياضة

ومنها : مسجد بني بياضة من الخزرج روى ابن شبة ويحيى عن سعيد بن إسحاق أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد بني بياضة. وروى ابن زبالة عنه نحوه ، وعن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال : كنت أخرج أقود أبي بعد أن عمي إلى المسجد يوم الجمعة ، قال : فيسمع الأذان بالطريق ، فإذا سمعه قال : يرحم الله أسعد بن زرارة ، كان أول من جمّع بنا بهذه القرية ، ونحن يومئذ أربعون في هزمة من حرة بني بياضة.

٦٨

وتقدم في الفصل الثامن من الباب الثالث نحوه من رواية أبي داود.

وروى ابن زبالة أيضا عن ربيعة بن عثمان أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى في الحرة في الرحابة.

وتقدم في منازل بني بياضة أن الرحابة مزرعة في شاميها أطمهم المسمى بعقرب ، وكانت لآل عاصم بن عطية بن عامر بن بياضة.

وذكر ابن زبالة أطما آخر كان بين المزرعتين الرحابة والحيرة.

وتقدم أيضا أن دار بني بياضة شامي دار بني سالم أهل مسجد الجمعة إلى وادي بطحان قبلي دار بني

مازن بن النجار ، ممتدة في تلك الحرة وبعضها في السبخة.

وروى ابن زبالة عن إبراهيم بن عبد الله بن سعد عن أبيه عن جده قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : وقعت هذه الليلة رحمة؟ فيما بين بني سالم وبني بياضة ، فقالت بنو سالم وبنو بياضة : أننتقل إليها؟ قال : لا ، ولكن أقبروا فيها.

مسجد بني خطمة

ومنها : مسجد بني خطمة من الأوس ، ومسجد العجوز.

روى ابن زبالة عن الحارث بن الفضل وهشام بن عروة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد بني خطمة.

ورواه ابن شبة عن هشام وعبد الله بن الحارث ، وروى أيضا عن مسلمة بن عيد الله الخطمي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد العجوز في بني خطمة عند القبر ، ومسجد العجوز الذي عند قبر البراء بن معرور ، وكان ممن شهد العقبة ، فتوفي قبل الهجرة ، وأوصى للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بثلث ماله ، وأمر بقبره أن يستقبل به الكعبة.

وروى ابن زبالة عن أفلح بن سعيد وغيره من أهل العلم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد العجوز ببني خطمة ، وهي امرأة من بني سليم ثم من بني ظفر بن الحارث.

وسيأتي في الآبار عن عبد الله بن الحارث أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ من ذرع بئر بني خطمة التي بفناء مسجدهم ، وصلى في مسجدهم.

وتقدم عن المطري أن الأظهر عنده أن منازلهم في شرقي مسجد الشمس بالعوالي ، وأن الأظهر عندنا أنهم كانوا بقرب الماجشونية ؛ لقول ابن شبة في سيل بطحان : إنه يصبّ في جفاف ، ويمر فيه حتى يفضي إلى فضاء بني خطمة والأغرس ، وقوله في مذينب : إنه يلتقي هو وسيل بني قريظة بالمشارف فضاء بني خطمة ، وسيأتي أن ذلك عند تنور النورة الذي في شامي الماجشونية ، وقد رأيت آثار القرية والآطام هناك.

مسجد بني أمية الأوسي

ومنها : مسجد بني أمية بن زيد من الأوس ـ روى ابن شبة عن عمر بن قتادة أن النبي

٦٩

صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد لهم في بني أمية من الأنصار ، وكان في موضع الكبابين الخربتان عند مال نهيك ، وعن محمد بن عبد الرحمن بن وائل أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في تلك الخربة ، وكان قريبا من مصلّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم هناك أجم ، فانهدم ، فسقط على المكان الذي فيه ، فترك وطرح عليه التراب حتى صار كباء.

وروى ابن زبالة عن سعيد بن عمران أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في بني أمية في موضع الكباء عند مال نهيك بن أبي نهيك.

قال المطري : ودارهم شرقي دار بني الحارث بن الخزرج ، وفيهم كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه نازلا بامرأته الأنصارية حين كان يتناوب النزول إلى المدينة هو وجاره من الأنصار.

قلت : الذي يتحرر مما سبق في المنازل أنهم كانوا قرب النواعم وبئر العهن ، وهي من أموالهم كما سنبينه في الآبار ، ويمر سيل مذينب من بيوتهم ثم يسقي الأموال. وبالحرة الشرقية قريبا من الموضع المذكور آثار قرية يمر بها سيل مذينب الظاهر أنها قريتهم. ويشهد لذلك أن ابن إسحاق ذكر في مقتل كعب بن الأشرف ـ وكان في بني النضير ـ أن محمد بن مسلمة ومن معه انتهوا إلى حصنه في ليلة مقمرة فهتف به أبو نائلة ، ثم ذكر قتله ، وأن محمد بن مسلمة قال : فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد ، ثم على بني قريظة ، ثم على بعاث حتى أسندنا في حرة العريض.

مسجد بني وائل الأوسي

ومنها : مسجد بني وائل من الأوس ـ روى ابن زبالة عن الحارث بن الفضل أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد بني وائل.

وروى ابن شبة عن سلمة بن عبد الله الخطمي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في بيت القعدة عند مسجد بني وائل ، وعنه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد بني وائل بين العمودين المقدمين خلف الإمام بخمسة أذرع أو نحوها ، قال : وضربنا ثمّ وتدا.

قال المطري : والظاهر أن منازلهم كانت في شرق مسجد الشمس.

قلت : الظاهر أنها بقباء ، وأن هذا المسجد هو المراد بقول ابن النجار : إن بالمدينة عدة مساجد خراب فيها المحاريب وبقايا الأساطين وتنقض وتؤخذ حجارتها فيعمر بها الدور : أحدها مسجد بقباء قريب من مسجد الضّرار فيه أسطوان قائمة ، انتهى ؛ فكأنه فيما بين زمان المطري وزمانه نقضت بقيته بحيث لم يدرك له المطري أثرا.

مسجد بني واقف

ومنها : مسجد بني واقف من الأوس ـ روى ابن زبالة عن الحارث بن الفضل أن النبي

٧٠

صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد بني واقف. قال المطري وتبعه من بعده حتى المجد : مسجد بني واقف موضع بالعوالي ، كانت فيه منازل بني واقف من الأوس رهط هلال بن أمية الواقفي أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم في تخلفهم عن غزوة تبوك ، ولا يعرف مكان دارهم اليوم ، إلا أنها بالعوالي.

قلت : لا دار أعرف من دارهم ؛ لما تقدم في المنازل من أنهم نزلوا عند مسجد الفضيخ ، وابتنوا أطما كان موضعه في قبلة مسجد الفضيخ ، وهذا من فوائد الاعتناء بذكر المنازل ، والمطري لم يعتن بها ، لكن العجب من المجد فإنه ذكر ما قدمناه في المنازل ، ثم قلد المطري عند ذكر المساجد.

مسجد بني أنيف

ومنها : مسجد بني أنيف ، تصغير أنف حي من بلى ، ويقال : إنهم بقية من العماليق كما تقدم في منازل اليهود ، وبينا في منازل بني عمرو بن عوف من الأوس أنهم كانوا حلفاء لهم. وروى ابن زبالة عن عاصم بن سويد عن أبيه قال : سمعت مشيخة بني أنيف يقولون : صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما كان يعود طلحة بن البراء قريبا من أطمهم ، قال عاصم : قال أبي : فأدركتهم يرشّون ذلك المكان ويتعاهدونه ثم بنوه بعده ؛ فهو مسجد بني أنيف بقباء.

قلت : طلحة بن البراء منهم. وقال المتكلمون في أسماء الصحابة : إنه من بلىّ وكان حليفا للأوس ، وذلك هو السبب كما قدمناه فيما وقع للمطري ومن تبعه من أن بني أنيف بطن من الأوس ، قال : ودارهم بين بني عمرو بن عوف بقباء وبين العصبة.

قلت : المعتمد ما قدمناه ، ودارهم بقباء عند المال المعروف اليوم بالقائم في جهة قبلة مسجد قباء من جهة المغرب ، وعند بئر عذق كما سبق.

مسجد دار سعد بن خيثمة

ومنها : مسجد دار سعد بن خيثمة بقباء ذكر ابن زبالة فيما نقله المطري أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في المسجد الذي في دار سعد بن خيثمة رضي الله تعالى عنه بقباء ، وجلس فيه ، قال المطري : وبيت سعد بن خيثمة أحد الدور التي قبلي مسجد قباء ، يدخلها الناس إذا زاروا مسجد قباء ويصلون فيها.

وهناك أيضا دار كلثوم بن الهدم ، وفي تلك العرصة كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم نازلا قبل خروجه إلى المدينة ، وكذلك أهلهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأهل أبي بكر رضي الله تعالى عنه حين قدم بهم علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بعد خروج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة ، وهن : سودة ، وعائشة وأمّها ، وأختها أسماء ، وهي حامل بعبد الله بن الزبير ، فولدته بقباء قبل نزولهم المدينة ، فكان أول مولود ولد من المهاجرين بالمدينة ، انتهى.

٧١

قلت : وفي قوله «إن عليا قدم ومعه من ذكر» نظر ؛ فقد قدمنا أن عليا رضي الله تعالى عنه لحق النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بقباء ، وأنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة بعد ذلك فقدما عليه بأهله ، وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر. وحديث أسماء في ولادتها عبد الله بن الزبير متفق عليه. وفيه أنه كان أول مولود ولد في الإسلام ، ففرحوا به ؛ لأنه كان قد قيل لهم : إن اليهود سحرتكم فلا يولد لكم. وفيه دلالة على تأخر ولادته عن مقدم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بمدة. وقال الذهبي تبعا للواقدي : إن ولد في سنة اثنتين ، وقال الحافظ ابن حجر : المعتمد أنه ولد في السنة الأولى ؛ للحديث المتفق عليه ، وسبق في سني الهجرة عن أبي حاتم ما يوافقه.

وتقدم في ذكر مسجد قباء أن دار سعد بن خيثمة هي التي تلي المسجد في قبلته.

مسجد التوبة

ومنها : مسجد التوبة بالعصبة منازل بني جحجبا من بني عمرو بن عوف من الأوس ـ روى ابن زبالة عن أفلح بن سعد وغيره أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد التوبة بالعصبة ببئر هجيم ، قال المطري : وليست بمعروفة اليوم ، يعني البئر. والعصبة : في غربي مسجد قباء فيها مزارع وآبار كثيرة.

قلت : يستفاد مما ذكرناه في المنازل من أنهم ابتنوا أطما يقال له الهجيم عند المسجد الذي صلّى فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن بئر هجيم مضافة للأطم المذكور ؛ فيطلب المسجد عند ذلك ، وما علمت السبب في تسميته بمسجد التوبة.

مسجد النور

ومنها : مسجد النور ـ قال ابن زبالة : حدثنا محمد بن فضالة عن أبيه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في موضع مسجد النور. قال المطري : ولا يعلم اليوم مكانه.

قلت : وما علمت سبب تسميته بذلك ، ورأيت الأسدي في منسكه ذكر في المساجد التي تزار في ناحية مسجد قباء مسجد النور ، ثم ذكر في المساجد التي تزار بناحية المدينة وما حولها مسجد النور أيضا ، ولعل هذا المسجد هو الموضع الذي انتهى إليه أسيد بن حضير وعباد بن بشر ، وهما من بني عبد الأشهل ، وكانا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ليلة ظلماء ، فتحدثا عنده حتى إذا خرجا أضاءت لهما عصا أحدهما ، فمشيا على ضوئها ، فلما تفرق بهما الطريق أضاءت لكل واحد منهما عصاه فمشى في ضوئها ، كما أخرجه البخاري ؛ فيكون المسجد المذكور بدار بني عبد الأشهل.

وروى أحمد برجال الصحيح حديث قتادة بن النعمان الظفري في إعطاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم له العرجون في ليلة مظلمة فأضاء له من بين يديه عشرا ومن خلفه عشرا ـ الحديث.

٧٢

وروى أبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعمر رضي الله تعالى عنه سهرا عند أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يتحدثان عنده ، حتى ذهب ثلث الليل ، ثم خرجا وخرج أبو بكر رضي الله تعالى عنه معهما في ليلة مظلمة ومع أحدهما عصا ، فجعلت تضيء لهما وعليها نور حتى بلغوا المنزل.

مسجد عتبان بن مالك

ومنها : مسجد عتبان بن مالك بأصل أطمه المسمى بالمزدلف بدار بني سالم بن الخزرج روى ابن زبالة عن إبراهيم بن عبد الله بن سعد أن عتبان بن مالك قال : يا رسول الله إن السيل يحول بيني وبين الصلاة في مسجد قومي ، قال : فصلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيته ، فهو المسجد الذي بأصل المزدلف. ورواه يحيى وقال : فهو المسجد الذي بأصل المزدلف أطم مالك بن العجلان.

قلت : تقدّم في مسجد الجمعة أن المزدلف هو الأطم الخراب الذي في شامي مسجد الجمعة ، عند عدوة الوادي الشرقية ، وأن صلاتهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بدار عتبان في الصحيح ، وأن الظاهر أن مسجد قومه الذي يحول السيل بينه وبينهم هو مسجدهم الأكبر الذي كان بمنازلهم بالحرة في عدوة الوادي الغربية.

وروى ابن شبة عن عتبان بن مالك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في بيته سبحة الضحى ، فقاموا وراءه فصلوا.

وعن سعد بن إسحاق أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يصل في مسجد بني سالم الأكبر. وروى ابن زبالة نحوه عن كعب بن عجرة.

مسجد ميثب (صدقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم )

ومنها : مسجد ميثب صدقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ روى ابن زبالة وابن شبة ويحيى عن محمد بن عقبة بن أبي مالك أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد صدقته ميثب ، وسيأتي في الصدقات أن الميثب مجاور لبرقة وغيره من الصدقات الآتية.

مسجد المنارتين

ومنها : مسجد المنارتين روى ابن زبالة ويحيى من طريقه عن حرام بن سعد بن محيصة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في المسجد الذي بأصل المنارتين في طريق العقيق الكبير ، قال المطري : وهذا المسجد لا يعرف ، وهو يلي طريق العقيق كما ذكر.

قلت : روى ابن زبالة عن عبد الله بن البولا أن أربعة رهط من المهاجرين الأولين كلهم يخبره أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «خرج إلى الجبل الأحمر الذي بين المنارتين ، فإذا بشاة ميتة قد أنتنت ، فأمسكوا على أنفهم ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ترون كرامة هذه الشاة على صاحبها؟

٧٣

فقالوا : يا رسول الله ما تكرم هذه على أحد ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : للدّنيا أهون على الله من هذه على صاحبها».

وعن إبراهيم بن محمد عن أبيه أن اسم الجبل الأنعام ، وهو الجبل الذي بنى عليه المزني وجابر بن علي الزمعي ثم أورد قول الشاعر :

لمن الديار غشيتها بالأنعام

البيت الآتي في الأنعام.

قلت : وهو الجبل الأحمر الذي على يسارك إذا مررت من أوائل الرقيقين قاصدا العقيق ؛ لانطباق الوصف عليه ، ولأني خرجت إليه وصعدته فرأيت عليه أساس البناء الذي أشار إليه ، وظهر بذلك أن المنارتين بقربه عند الرقيقين ؛ فهناك موضع هذا المسجد.

مسجد فيفاء الخبار

ومنها : مسجد فيفاء الخبار قال ابن إسحاق في غزوة العشيرة : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سلك على نقب بني دينار من بني النجار ، ثم على فيفاء الخبار ، فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها «ذات الساق» فصلّى عندها فثمّ مسجد ، وصنع له طعام عندها ، فأكل منه وأكل الناس معه ، فموضع آثاره في البرمة معلوم هناك ، واستسقى له من ماء يقال له المشيرب ، انتهى. والمشيرب : تصغير مشرب ما بين جبال في شامي ذات الجيش.

قال المطري : وفيفاء الخبار غربي الجماوات ، وهي أي الجماوات الأجبل التي في غربي وادي العقيق ، وتوهم المجد أن الضمير في قوله «وهي» لفيفاء الخبار فقال فيه : الصحيح أنه الأجبل التي في غربي وادي العقيق ، انتهى.

وسيأتي في رابع فصول الباب السابع عن الهجري أن جمّاء أم خالد في مهبّ الشمال من جماء تضارع ، وأن فيفاء الخبار من جماء أم خالد.

ونقل ابن سعد عن ابن عقبة أن فيفاء الخبار من وراء الجماء ، والخبار بفتح المعجمة والموحدة كسحاب ـ ما لان من الأرض واسترخى ، والأرض ذات الجحرة والحفائر. والفيفاء بفاءين بينهما مثناة تحتية ـ هي الصخرة الملساء.

قال المطري : وبهذا الموضع كانت ترعى إبل الصدقة ولقاح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر قصة العرنيين التي قدمناها في محلها. وينبغي لمن تيسر له الوصول إلى هذه الجهة أن يتبرك بالجماوات ؛ لما سيأتي فيها ، وكذلك جبل عظم لما سيأتي فيه أيضا.

مسجد بين الجثجاثة وبئر شداد

ومنها : مسجد بين الجثجاثة وبئر شداد ، بطرف وادي العقيق مما يلي البقيع ؛ لأن ابن زبالة روى في سياق ذلك عن عمر بن القاسم وعبد الملك بن عمر قال : صلّى رسول الله

٧٤

صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مسجد بين الجثجاثة وبين بئر شداد في تلعة هناك ، قال : وكان عبد الله بن سعد بن ثابت قد اقتطع قريبا منه وبناه.

وقال الهجري : الجثجاثة صدقة عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير ، وبها قصور وميدا ، واقتضى كلامه أنها بين ثنية الشريد والحليفة.

وهذا آخر ما وقفنا عليه في مساجد المدينة التي لا تعلم بعينها في زماننا ، وعدتها نحو الأربعين.

الدور التي صلى بها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم

تتمة ـ تقدم ذكر بعض الدور التي صلى فيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو جلس ولم يتخذ محل لها ، ولنذكر ما وقفنا عليه من بقيتها تتميما للفائدة :

روى يحيى عن محمد بن طلحة بن طويل قال : سمعت غير واحد ممن أدركت يقول : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا جاء مربده ، وهو مربد الحكم بن أبي العاص ، فكان إذا خرج منه وقف عند بابه ، ودعا.

دار الشفاء

قال محمد بن طلحة : وأخبرني محمد بن جعفر عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في دار الشفاء في البيت الذي على يمين من دخل الدار.

دار الضمري

قال محمد : وصلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في دار عمرو بن أمية الضمري عن يمين من دخل الدار.

دار بسرة

قال محمد : وصلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في دار بسرة بنت صفوان.

قلت : أما دار عمرو بن أمية الضمري فتقدم ما يبين جهتها في ذكر دار السوق وغيرها.

وأما دار الشفاء فقال ابن شبة في دور بني عدي بن كعب : واتخذت الشفاء بنت عبد الله دارها التي في الحكاكين الشارعة في الخط ، فخرجت طائفة من أيدي ولدها فصارت للفضل ، وبقيت بأيديهم منها طائفة ، انتهى.

وروى أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يأتي الشفاء هذه ويقيل عندها ، وسبق في مصلى الأعياد أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى العيد عند دار الشفاء ؛ فالظاهر أنها كانت قرب سوق المدينة والمصلى. ودار بسرة لم أعرفها ، وكذا المربد المذكور.

وتقدم في ذكر البلاط ما جاء في دار بنت الحارث.

٧٥

وأخرج أبو داود والنسائي واللفظ له عن عبد الرحمن بن طارق عن أبيه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا جاز مكانا من دار يعلي استقبل القبلة ودعا ، ولم أعرف جهة دار يعلي.

دار أم سليم

وفي صحيح البخاري عن ثمامة عن أنس أن أمّ سليم كانت تبسط لنبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم نطعا فيقيل عندها على ذلك النّطع ، قال فإذا قامصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة ثم جمعته في سك ، وقال : فلما حضرت أنس بن مالك الوفاة أوصى أن يجعل في حنوطه من ذلك السك ، قال : فجعل في حنوطه.

وفيه أيضا حديث أنس في تكثير الطعام ، ولفظه : قال أبو طلحة لأم سليم : لقد سمعت صوت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع ، فهل عندك من شيء؟ قالت : نعم ، فأخرجت أقراصا من شعير ، ثم أخرجت خمارا لها فلفّت الخبز ببعضه ، ثم دسته تحت يدي ، ولاثتني ببعضه ، ثم أرسلتني إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فذهبت به فوجدته في المسجد ومعه الناس ، فقمت عليهم ، فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أرسلك أبو طلحة؟ فقلت : نعم ، فقال لمن معه : قوموا ، فانطلقوا وانطلقت بين أيديهم حتى جئنا إلى أبي طلحة ، فأخبرته ، قال أبو طلحة : يا أم سليم قد جاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالناس ، وليس عندنا من نطعمهم ، فقالت : الله ورسوله أعلم ، فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأقبل وأبو طلحة معه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : هلمي يا أم سليم ما عندك ، فأتت بذلك الخبز ، فأمر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ففتّ وعصرت أم سليم عكّة فأدمته ، ثم قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ما شاء الله أن يقول ، ثم قال : ائذن لعشرة ، الحديث ، وفي آخره : فأكل القوم كلهم وشبعوا ، والقوم سبعون أو ثمانون رجلا.

قلت : وأم سليم والدة أنس وزوجة أبي طلحة ، فذلك إما في دار أنس وإما في دار أبي طلحة ، وكلاهما بجهة بني جديلة.

دار أم حرام

وفي الصحيح من حديث أنس : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه ، وكانت تحت عبادة بن الصامت ، فدخل يوما فأطعمته ، فنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم استيقظ يضحك ، الحديث.

قلت : أم حرام هي خالة أنس أخت أم سليم المتقدم ذكرها ، وزوجها عبادة بن الصامت ، كان ببني سالم ؛ لأنه من بني نوفل إخوة بني سالم ، ويدل لذلك قوله «إذا ذهب إلى قباء» فإن بني سالم بطريق قباء ، فيندفع ما توهمه بعضهم من أن دار أم سليم وأم حرام واحدة لكونهما أختين ، والله أعلم.

٧٦

الفصل الخامس :

في فضل مقابرها ، وإتيان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم البقيع ، وسلامه على أهله واستغفاره لهم

خروج النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلا إلى البقيع.

روينا في صحيح مسلم والنسائي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : لما كان ليلتي التي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها عندي انفلت فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع ، فلم يلبث إلا ريثما ظن أني قد رقدت ، فأخذ إزاره رويدا ، وانتعل رويدا ، وفتح الباب ، فخرج ، ثم أجافه رويدا ، وجعلت درعي في رأسي ، واختمرت ، وتقنعت إزاري ، ثم انطلقت على أثره حتى جاء البقيع فأقام ، فأطال القيام ، ثم رفع يديه ثلاث مرات ، ثم انحرف فانحرفت ، فأسرع فأسرعت ، فهرول فهرولت ، فأحضر فأحضرته ، فسبقته ، فدخلت ، فليس إلا أن اضطجعت فدخل فقال : مالك يا عائش حشيا رابية ، قلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، فأخبرته ، قال : فأنت السّواد الذي رأيت أمامي؟ قلت : نعم ، فلهزني في صدري لهزة أوجعتني ، ثم قال : أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت : مهما يكتم الناس يعلمه الله ، قال : نعم ، قال : فإن جبريلعليه‌السلام أتاني حين رأيت فناداني فأخفاه منك فأخفيته منك ، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك ، وظننت أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك ، وخشيت أن تستوحشيني ، فقال : إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم ، قال : قلت كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال : قولي السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين والمستأخرين.

وفي رواية له أيضا قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كلما كانت ليلتي منه يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون ، غدا مؤجلون ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد.

وخرجه في الموطأ بلفظ : قالت عائشة : قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة ، فلبس ثيابه ، ثم خرج ، فأمرت جاريتي بريرة تتبعه ، فتبعته حتى جاء البقيع ، فوقف في أدناه ما شاء الله أن يقف ، ثم انصرف فسبقته ، فأخبرتني ، فلم أذكر شيئا حتى أصبح ، ثم ذكرت له ، فقال : إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم.

وفي رواية للنسائي : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا وإياكم متواعدون غدا ومواكلون.

وفي رواية لابن شبة قالت : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من عندي ، فظننت أنه خرج إلى بعض نسائه ، فتبعته ، حتى جاء البقيع ، فسلم ودعا ثم انصرف ، فسألته : أين كنت؟ فقال : إني أمرت أن آتي أهل البقيع فأدعو لهم.

٧٧

وفي رواية له أنه قال في دعائه : اللهم لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنّا بعدهم.

وفي رواية للبيهقي قالت : دخل عليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فوضع عنه ثوبيه ، ثم لم يستتم أن قام فلبسهما ، فأخذتني غيرة شديدة ظننت أنه يأتي بعض صويحباتي ، فخرجت أتبعه ، فأدركته بالبقيع بقيع الغرقد يستغفر للمؤمنين والمؤمنات والشهداء ، الحديث ، وفيه بيان أن ذلك كان في ليلة النصف من شعبان

وفي جامع الترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ بقبور أهل المدينة ، فأقبل عليهم بوجهه فقال : السلام عليكم يا أهل القبور ، ويغفر الله لنا ولكم ، وأنتم لنا سلف ونحن بالأثر.

وروى ابن شبة عن أبي موهبة مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أهبّني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من جوف الليل ، فقال : إني أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي ، فانطلقت معه ، فلما وقف بين أظهرهم قال السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولى ، ثم استغفر لهم طويلا.

وفي رواية : ثم استغفر لهم ، ثم قال : يا أبا موهبة إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، فخيرات بين ذلك وبين لقاء ربي ثم الجنة ، قلت : بأبي وأمي خذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة ، قال : لا والله يا أبا موهبة ، لقد اخترت لقاء ربي ثم الجنة ، ثم رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فبدئ به وجعه الذي قبض فيه.

وعن عطاء بن يسار قال : أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم البقيع فقال : السلام عليكم قوم موجلون ، أتانا وأتاكم ما توعدون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد.

وعن الحسن قال : أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم على بقيع الغرقد فقال : السلام عليكم يا أهل القبور ، ثلاثا ، لو تعلمون ما الذي نجاكم الله منه مما هو كائن بعدكم ، قال : ثم التفت فقال : هؤلاء خير منكم ، قالوا : يا رسول الله إنما هم إخواننا آمنّا كما آمنوا ، وأنفقنا كما أنفقوا ، وجاهدنا كما جاهدوا ، وأتوا على أجلهم ونحن ننتظر ، فقال : إن هؤلاء قد مضوا لم يأكلوا من أجورهم شيئا ، وقد أكلتم من أجوركم ، ولا أدري كيف تصنعون بعدي.

وروى ابن زبالة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج إلى المقبرة فقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، وددت أني قد رأيت إخواننا ، قالوا : يا رسول الله ألسنا إخوانك؟ قال : أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد ، وأنا فرطهم على الحوض ، قالوا : يا رسول الله كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال : أرأيت لو كان لرجل خيل غرّ محجلة في خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا : بلى ،

٧٨

قال : فإنهم يأتون يوم القيامة غرّا محجّلين من الوضوء ، وأنا فرطهم على الحوض ، وليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال ، فأناديهم : ألا هلم ، ألا هلم ، ألا هلمّ ، فيقال : إنهم قد بدّلوا ، فأقول : فسحقا ، فسحقا ، فسحقا.

من فضل البقيع

وروى الطبراني في الكبير ومحمد بن سنجر في مسنده وابن شبة في أخبار المدينة من طريق نافع مولى حمنة عن أم قيس بنت محصن ، وهي أخت عكّاشة ، أنها خرجت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى البقيع ، فقال : يحشر من هذه المقبرة سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ، وكأن وجوههم القمر ليلة البدر ، فقام رجل فقال : يا رسول الله وأنا ، فقال : وأنت ، فقام آخر فقال : يا رسول الله وأنا ، قال : سبقك بها عكّاشة ، قال : قلت لها : لم لم يقل للآخر؟ فقالت : أراه كان منافقا.

وذكر الهيثمي تخريج الطبراني له وقال : في إسناده من لم أعرفه.

وذكره الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ، وسكت عليه.

ودخول سبعين ألفا الجنة بغير حساب من هذه الأمة من غير تقييد بالبقيع موجود في الصحيح ، بل جاء أزيد منه.

فروى أحمد والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا : سألت ربيعزوجل ، فوعدني أن يدخل الجنة من أمتي ، وذكر نحو رواية الصحيح ، وزاد : فاستزدت ربي ، فزادني مع كل ألف سبعين ألفا ، قال الحافظ ابن حجر : وسنده جيد ، قال : وفي الباب عن أبي أيوب عند الطبراني ، وعن حذيفة عند أحمد ، وعن أنس عند البزار ، وعن ثوبان عند أبي عاصم ، قال : فهذه طرق يقوي بعضها بعضا في الزيادة المذكورة.

قال : وجاء في أحاديث أخرى أكثر من ذلك أيضا ، فأخرج الترمذي وحسّنه والطبراني وابن حبان في صحيحه عن أبي أمامة رفعه : وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا مع كل ألف سبعين ألفا ، لا حساب عليهم ولا عذاب ، وثلاث حثيات من حثيات ربي.

وفي صحيح ابن حبان والطبراني بسند جيد نحوه.

ثم ذكر الحافظ ابن حجر ما يقتضي زيادة على ذلك أيضا ، وأن مع كل واحد سبعين ألفا ؛ فيتأيد بذلك رواية اختصاص البقيع بسبعين ألفا لا حساب عليهم ؛ فالكرم عميم ، والجاه عظيم.

وروى ابن شبة عن ابن المنكدر رفعه مرسلا : يحشر من البقيع سبعين ألفا على صورة القمر ليلة البدر ، كانوا لا يكتوون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون.

قال : وكان أبي يخبرنا أن مصعب بن الزبير دخل المدينة من طريق البقيع ومعه ابن رأس

٧٩

الجالوت ، فسمعه مصعب وهو خلفه حين رأى المقبرة يقول : هي هي ، فدعاه مصعب فقال : ما ذا تقول؟ فقال : نجد هذه المقبرة في التوراة بين حرّتين محفوفة بالنخل اسمها كفتة ، يبعث الله منها سبعين ألفا على صورة القمر. وسيأتي من رواية ابن زبالة عن المقبري نحوه.

وروى ابن زبالة عن جابر مرفوعا : يبعث من هذه المقبرة ـ واسمها كفتة ـ مائة ألف كلهم على صورة القمر ليلة البدر ، لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتداوون ، وعلى ربهم يتوكلون.

وعن المطلب بن حنطب رفعه مرسلا : يحشر من مقبرة المدينة ـ يعني البقيع ـ سبعون ألفا لا حساب عليهم ، تضيء وجوههم غمدان اليمن.

وجاء ما يقتضي أن هذا العدد يبعث من مقبرة بني سلمة ، وهي عند منزل بني حرام منهم ، فروى ابن شبة عن أبي سعيد المقبري أن كعب الأحبار قال : نجد مكتوبا في الكتاب أن مقبرة بغربي المدينة على حافة سيل يحشر منها سبعون ألفا ليس عليهم حساب.

وقال أبو سعيد المقبري لابنه سعيد : إن أنا هلكت فادفنّي في مقبرة بني سلمة التي سمعت من كعب ، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : مقبرة بغربي المدينة يعترضها السيل يسارا يبعث منها كذا وكذا لا حساب عليهم ، قال عبد العزيز بن مبشر : لا أحفظ العدد.

وعن عقبة بن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ، وعن ابن أبي عتيق وغيرهما من مشيخة بني حرام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : مقبرة ما بين سيلين غربية يضئ نورها يوم القيامة ما بين السماء إلى الأرض.

وروى ابن زبالة عن سهل عن أبيه عن جده قال : دفن قتلى من قتلى أحد في مقبرة بني سلمة.

وعن يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة قال : أصيب أبو عمرة بن سكن يوم أحد ، فأمر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فنقل ، فكان أول من دفن في مقبرة بني حرام.

وفي الكبير للطبراني ـ وفيه يعقوب بن محمد الزهري فيه كلام كثير ، وقد وثق ـ عن سعد بن خيثمة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : رأيت كأن رحمة وقعت بين بني سالم وبني بياضة ، قالوا : يا رسول الله أفننتقل إلى موضعها ، قال : لا ، ولكن اقبروا فيها ، فقبروا فيها موتاهم.

قلت : وهذه المقبرة لا تعرف اليوم ، وكذا مقبرة بني سلمة ، لكن تعرف جهتهما مما تقدم في المنازل.

وتقدم في الحث على الموت بالمدينة حديث «ما على الأرض بقعة أحبّ إلى من أن يكون

٨٠