أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم37%

أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مؤلف:
المحقق: الشيخ طالب عوّاد
الناشر: دار الكتاب العربي
تصنيف: مكتبة القرآن الكريم
ISBN: 9953-27-352-9
الصفحات: 147

أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
  • البداية
  • السابق
  • 147 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55162 / تحميل: 5821
الحجم الحجم الحجم
أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب العربي
ISBN: ٩٩٥٣-٢٧-٣٥٢-٩
العربية

أقضية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم

١
٢

أقضية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم

للمحدث محمّد بن فرج المالكي القرطبي

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ترجمة المؤلف

هو الإمام الحجّة محمد بن فرج ، أبو عبد الله مولى محمد بن يحيى ، المعروف بابن الطّلّاع ، القرطبي الفقيه المالكي ، مفتي الأندلس ومسندها في الحديث.

ولد في سلخ ذي القعدة سنة أربع وأربعمائة.

ذكره ابن بشكوال فقال : بقية الشيوخ الأكابر في وقته ، وزعيم المفتين بحضرته.

روى عن : يونس بن عبد الله القاضي ، ومكي بن أبي طالب ، وأبي عبد الله بن عابد ، وحاتم بن محمد ، وأبي عليّ الحدّاد الأندلسيّ ، وأبي عمرو المرشانيّ ، ومعاوية بن محمد العقيليّ ، وأبي عمر ابن القطّان.

قال : وكان فقيها عالما ، حافظا للفقه ، حاذقا بالفتوى ، مقدّما في الشّورى ، مقدّما في علل الشّروط ، مشاركا في أشياء ، مع دين وخير وفضل ، وطول صلاة ، قوّالا بالحقّ وإن أوذي فيه ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، معظّما عند الخاصّة ، والعامّة يعرفون له حقّه. ولي الصّلاة بقرطبة ، وكان مجوّدا لكتاب الله. أفتى النّاس بالجامع ، وأسمع الحديث ، وعمّر حتّى سمع منه الكبار والصّغار ، وصارت الرّحلة إليه. ألّف كتابا في أحكام النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأته على أبيرحمه‌الله عنه.

تفقه على مذهب الإمام مالك وأصحابه حتى حذق الفتوى وبرع فيها ، وصار مقدما في الشورى ، عارفا بعقد الشروط وعللها ، ذاكرا لأخبار شيوخ بلده وفتاويهم ، مشاركا في أشياء من العلم ، مع خير وفضل ودين.

وقال القاضي عياض : كان صالحا قوّالا بالحقّ ، شديدا على أهل البدع ، غير هيوب للأمراء ، شوّر عند موت ابن القطّان ، إلى أن دخل المرابطون فأسقطوه من الفتيا لتعصّبه عليهم ، فلم يستفت إلى أن مات.

سمع منه عالم كثير ، ورحل النّاس إليه من كلّ قطر لسماع «الموطّأ» ولسماع «المدوّنة» لعلوّه في ذلك.

وحدّث عنه أبو عليّ بن سكّرة ، وقال في مشيخته الّتي خرّجها له عياض : سمع يونس بن عبد الله بن مغيث ، وحمل عنه «الموطّأ» و «سنن النّسائيّ». وكان أسند من بقي ، صحيحا ،

٥

فاضلا ، عنده بله تامّ بأمر دنياه وغفلة. ويؤثر عنه في ذلك طرائف. وكان شديدا على أهل البدع ، مجانبا لمن يخوض في غير الحديث.

وروى اليسع بن حزم عن أبيه قال : كنّا مع ابن الطّلّاع في بستانه ، فإذا بالمعتمد بن عبّاد يجتاز من قصره ، فرأى ابن الطّلّاع ، فنزل عن مركوبه ، وسأل دعاءه ، وتذمّم وتضرّع ، ونذر وتبرّع ، فقال له : يا محمد انتبه من غفلتك وسنتك.

توفيرحمه‌الله لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ٤٩٧ ه‍ ، وشهده جمع عظيم.

من تصانيفه : نوازل الأحكام النبوية ، وكتاب في الوثائق ، وكتاب في الأقضية وهو كتابنا هذا الذي نقدمه في ثوبه الجديد متمنين على الله أن ينفع به إنه على ما يشاء قدير ، وبالإجابة جدير ، والحمد لله رب العالمين(١) .

__________________

(١) انظر عن محمد بن فرج : الصلة لابن بشكوال (٢ / ٥٦٤) رقم (١٢٣٩) ، والمغرب في حلى المغرب (١٦٥) ، والمعين في طبقات المحدثين (١٤٦) رقم (١٥٨٨) ، وسير أعلام النبلاء (١٩ / ١٩٩ ـ ٢٠٢) رقم (١٢١) ، وشذرات الذهب (٣ / ٤٠٧) ، وشجرة النور الزكية لابن مخلوف (١ / ١٢٣).

٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله كما حمد نفسه وأضعاف ما حمده خلقه حتى يفنى حمدهم ويبقى حمده ، لا إله إلا هو وحده. هذا كتاب أذكر فيه ـ إن شاء الله تعالى ـ ما انتهى إليّ من أقضية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم التي قضى بها ، أو أمر بالقضاء فيها ، إذ لا يحل لمن تقلّد الحكم بين الناس أن يحكم إلا بما أمر الله بهعزوجل في كتابه ، أو بما ثبت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه حكم بها ، أو بما أجمع العلماء عليه ، أو بدليل من هذه الوجوه الثلاثة.

واتفق مالك وأبو حنيفة والشافعي ـرحمهم‌الله تعالى ـ على أنه لا يجوز لحاكم أن يحكم بين الناس حتى يكون عالما بالحديث والفقه معا مع عقل وورع.

وكان مالكرحمه‌الله يقول في الخصال التي لا يصلح القضاء إلا بها : لا أراها تجتمع اليوم في أحد ، فإذا اجتمع منها في الرجل خصلتان رأيت أن يولّى العلم والورع.

قال عبد الملك بن حبيب ـرحمه‌الله تعالى ـ : فإن لم يكن فعقل وورع ، فبالعقل يسأل وبه تصلح خصال الخير كلها ، وبالورع يعف. وإن طلب العلم وجده ، وإن طلب العقل إذا لم يكن فيه لم يجده.

وأبدأ في ذلك بأقضيتهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في الدماء لما جاء في الحديث الصحيح الذي ذكره مسلم وغيره : «إن أول ما يقضي الله تبارك وتعالى بين الناس يوم القيامة في الدماء». وأول ما ينظر فيه من عمل العبد الصلاة ، فمن وجدت له صلاة نظر في سائر عمله ، ومن لم توجد له صلاة لم ينظر في شي من(١) عمله.

وليس بعد الشرك باللهعزوجل أعظم من قتل النفس(٢) .

روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «زوال الدنيا بجميع ما فيها أهون على اللهعزوجل من

__________________

(١) رواه البخاري (٦٥٣٣) و (٦٨٦٤) ، ومسلم (١٦٧٨) ، والترمذي (١٣٩٦) مختصرا على الفقرة الأولى.

ورواه النسائي (٣٩٩١) مطولا ، من حديث عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه مالك في الموطأ (١ / ١٧٣) في قصر الصلاة. باب جامع الصلاة. بلاغا. وإسناده منقطع. وله شواهد.

٧

قتل امرئ مسلم»(١) . رواه ابن الأحمر في مسنده.

وفي مسند بقي والبزار أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لو أن أهل السموات والأرض اجتمعوا على قتل مسلم لأدخلهم الله النار أجمعين»(٢)

وقالعليه‌السلام : «من أعان في قتل امرئ مسلم بنصف كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله»(٣) .

وفي البخاري قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما»(٤) ، هكذا رواه الأصيلي : من دينه ، ورواه القابسي : من ذنبه.

وفي كتاب الخطابي : قال سفيان بن عيينة : نصف كلمة هو أن يقول أق أي : اقتل ، وهذا كقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كفى بالسيف شا»(٥) أي شاهدا.

وفي غير كتاب الخطابي وقالعليه‌السلام : «من لقي الله لم يشرك به شيئا ولم يتندّ بدم مسلم كان حقا على الله أن يغفر له»(٦) .

وفي الخطابى وقالعليه‌السلام : «لا يزال المؤمن صالحا معنقا ما لم يصب دما حراما ، فإذا أصاب دما حراما بلّح»(٧) .

وقال الخطابي : معنى بلح أعيا. ويقال : أعيا الفرس إذا انقطع جريه ، وبلّح الغريم إذا أفلس.

__________________

(١) رواه بن ماجه (٢٦١٩) من حديث البراء بن عازبرضي‌الله‌عنه . وإسناده صحيح. ورواه الترمذي (١٣٩٥) من حديث عبد الله بن عمرو. مرفوعا وموقوفا. وقال الترمذي والأصح موقوفا.

(٢) رواه الترمذي (١٣٩٨) من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وقال هذا حديث غريب. ورواه الطبراني في الصغير (٥٦٦). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٢٩٧) وقال : رواه الطبراني في الصغير. وفيه جسر بن فرقد ضعيف.

(٣) رواه ابن ماجه (٢٦٢٠) والبيهقي في السنن (٨ / ٢٢) ، والعقيلي في الضعفاء (٤٥٧) وفي إسناده يزيد بن زياد الشامي. قال البخاري : منكر الحديث. وقال البيهقي : يزيد منكر الحديث. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (٢ / ١٠٤) من حديث أبي هريرة ، وعمر ، وأبي سعيد. وأعلها كلها.

(٤) رواه البخاري (٦٨٦٢) من حديث ابن عمررضي‌الله‌عنهما .

(٥) رواه أبو داود (٤٤١٧) ، وابن ماجه (٢٦٠٦) من حديث عبادة بن الصامترضي‌الله‌عنه وإسناده ضعيف.

(٦) رواه الطبراني في الكبير (١٧ / ٣٣٩ و ٣٥١). وقال البيهقي في مجمع الزوائد (١ / ١٩) : رواه الطبراني في الكبير. وإسناده حسن. من حديث جرير بن عبد الله البجليرضي‌الله‌عنهما .

(٧) رواه أبو داود (٤٢٧٠) ، والبيهقي في السنن (٨ / ٢٢) من حديث أبي الدرداءرضي‌الله‌عنه . وهو حديث صحيح.

٨

قال مالك ـرحمه‌الله ـ : من لقي الله (تعالى) ولم يشرك في دم مسلم لقي الله خفيف الظهر.

ونبدأ بأول أسباب الحكم في القتل : وهو السجن. اختلف أهل الأمصار هل سجن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكررضي‌الله‌عنه أحدا أم لا؟ فذكر بعضهم أنه لم يكن لهما سجن ، ولا سجنا أحدا ، وذكر بعضهم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سجن في المدينة في تهمة دم. رواه عبد الرزاق والنسائي في مصنفيهما من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.

وذكر أبو داود عنه في مصنفه قال : حبس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ناسا من قومي في تهمة بدم(١) .

وبهز بن حكيم مجهول عند بعض أهل العلم ، وأدخله البخاري في كتاب الوضوء ، فدل أنه معروف.

وفي غير المصنف عن عبد الرزاق بهذا السند أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلى عنه(٢) .

ووقع في أحكام ابن زياد عن الفقيه أبي صالح أيوب بن سليمان : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سجن رجلا أعتق شركا له في عبد فأوجب عليه استتمام عتقه ، وقال في الحديث : حتى باع غنيمة له(٣) .

وفي كتاب ابن شعبان عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن رجلا قتل عبده متعمدا ، فجلده النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم مائة جلدة ، ونفاه سنة ، ولم يقده به ، وأمره أن يعتق رقبة(٤) .

وقال ابن شعبان في كتابه : وقد رويت عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه حكم بالضرب والسجن. ومن غير كتاب ابن شعبان.

وثبت عن عمر بن الخطاب ـرضي‌الله‌عنه ـ أنه كان له سجن ، وأنه سجن الحطيئة على الهجو ، وسجن صبيغا التميمي على سؤاله عن الذاريات والمرسلات والنازعات وشبههن ، وأمر الناس بالتفقه ، وضربه مرة بعد مرة ، ونفاه إلى العراق وقيل : إلى البصرة ، وكتب أن لا يجالسه أحد.

__________________

(١) رواه أبو داود (٣٦٣٠) ، والترمذي (١٤١٧) ، والنسائي (٨ / ٦٧) من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جدهرضي‌الله‌عنه وإسناده حسن.

(٢) رواه الحاكم في المستدرك (٤ / ١٠٢) وصححه. وقال في التلخيص : إبراهيم بن خثيم متروك ؛ والعقيلي (١ / ٥٣) من حديث أبي هريرةرضي‌الله‌عنه . وإسناده ضعيف.

(٣) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (٦ / ٤٨٦) ، وعبد الرزاق في المصنف رقم (١٦٧١٦) ، والبيهقي في السنن (١٠ / ٢٧٦) وهو حديث حسن.

(٤) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (٩ / ٢٥٤) ، والدارقطني (٣ / ١٤٣ و ١٤٤) وفي إسناده إسماعيل بن عياش وهو ضعيف.

٩

قال المحدث : فلو جاءنا ونحن مائة لتفرقنا عنه. ثم كتب أبو موسى إلى عمر أنه قد حسنت توبته ، فأمره عمر فخلى بينه وبين الناس(١) .

وسجن عثمان بن عفان ـرضي‌الله‌عنه ـ ضابئ بن الحارث وكان من لصوص بني تميم وفتاكهم حتى مات في السجن.

وسجن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه بالكوفة.

وسجن عبد الله بن الزبير بمكة ، وسجن أيضا في سجن دارم : محمد ابن الحنفية إذ امتنع من بيعته.

ووقع في كتاب الخطّابي عن علي بن أبي طالب ـرضي‌الله‌عنه ـ أنه سجن ، وأنه بنى سجنا من قصب ، فسماه : نافعا ، ففتقته اللصوص ، ثم بنى سجنا من مدر وسماه : مخيسا ، ثم قال : ألا تراني كيسا مكيسا بنيت بعد نافع مخيسا حصنا حصينا وأميرا كيسا.

وفي مصنف أبي داود عن النضر بن شميل عن هرماس بن حبيب عن أبيه عن جده قال : أتيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم بغريم لي فقال لي : «الزمه». ثم قال : «يا أخا بني تميم ما تريد أن تصنع بأسيرك»(٢) .

واحتج بعض العلماء ممن يرى السجن بقول للهعزوجل :( فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) [النّساء : الآية ١٥].

وبقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم في الذي أمسك رجلا للآخر حتى قتله : «اقتلوا القاتل واصبروا الصابر»(٣) . وقال أبو عبيد : قوله اصبروا الصابر يعني احبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت. وكذلك ذكره عبد الرزاق في مصنفه عن علي بن أبي طالب : يحبس الممسك في السجن حتى يموت.

«باب حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في المحاربين من أهل الكفر»

في البخاري ومسلم عن أنس بن مالك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قدم عليه نفر من عكل ، أو من عرينة ، وفي مصنف عبد الرزاق من بني فزارة ، قد ماتوا هزالا. وفي حديث آخر من بني سليم فأسلموا واجتووا المدينة فأمرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها ، ففعلوا وصحّوا وسمنوا ، فارتدوا وقتلوا الراعي ، واستاقوا الإبل ، فبعث في آثارهم فما ترجّل

__________________

(١) رواه البزار (٢٢٥٩) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ١١٣) وقال : رواه البزار وفيه أبو بكر بن أبي سبرة متروك.

(٢) رواه أبو داود (٣٦٢٩) في الأقضية ، وابن ماجه (٢٤٢٨) وإسناده ضعيف.

(٣) رواه أبو عبيد في الغريب عن إسماعيل بن أمية مرسلا ، والدارقطني في السنن (٣ / ١٤٠) من حديث إسماعيل بن أمية مرسلا. وهو ضعيف.

١٠

النهار حتى جيء بهم ، فأمر بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : فقطّعت أيديهم وأرجلهم ، وسملت أعينهم ، ثم أمر بحبسهم حتى ماتوا(١) .

وفي حديث آخر : أمر بمسامير فأحميت ، فكحّلهم ، وقطع أيديهم وأرجلهم وما حبسهم ، وألقوا في الحرّة يستسقون فما سقوا حتى ماتوا(٢) .

وفي حديث آخر : سمل أعينهم. قال أبو قلابة : سرقوا وقتلوا ، وكفروا بعد أيمانهم ، وحاربوا الله ورسوله(٣) .

قال سعيد بن جبير في مصنف عبد الرزاق ، ومحمد بن سيرين في كتاب أبي عبيد : كان هذا قبل أن ينزل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم في المائدة :( إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) [المائدة : الآية ٣٣].

وفي البخاري ومسلم : كانوا ثمانية نفر ، وسملوا أعين الرعاء. قاله أنس(٤) .

وفي مصنف عبد الرزاق : قلت لأنس : ما سمل؟ قال : تحرّ مرآة الحديد ثم تقرّب إلى عينيه حتى تذوبا(٥) .

«باب كيف يساق القاتل إلى السلطان وكيف يقرره على القتل»

في كتاب مسلم وعن سماك بن حرب أن علقمة بن وائل حدّثه أن أباه قال : إني لقاعد مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة فقال : يا رسول الله هذا قتل أخي ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أقتلته؟» فقال : إنه إن لم يعترف أقمت عليه البينة ، قال : نعم قتلته. قال : «كيف قتلته؟» ، قال : كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبّني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هل لك من شيء تؤدّيه عن نفسك؟» ، قال : ما لي مال إلا كسائي وفأسي. قال : «أفترى قومك يشترونك؟». قال : أنا أهون على قومي من ذلك. فرمي إليه بنسعته وقال : «دونك صاحبك». فانطلق به الرجل فلما ولّيا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن قتله فهو مثله». فبلغ الرجل ذلك فرجع فقال : يا رسول الله بلغني أنك قلت : «إن قتله فهو مثله» ، وإنما أخذته بأمرك. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك؟» قال : يا نبيّ الله! لعلّه قال بلى ، قال : «فإن ذاك كذاك». قال : فرمى بنسعته ، وخلّى سبيله(٦) .

__________________

(١) رواه البخاري (٢٣٣) و (١٥٠١) ، ومسلم (١٦٧١ و ١٠ و ١٢) ، وأبو داود (٤٣٦٤) ، والترمذي (٧٢).

(٢) رواه البخاري (٦٨٠٤) من حديث أنسرضي‌الله‌عنه .

(٣) رواه البخاري (٣٠١٨) من حديث أنسرضي‌الله‌عنه .

(٤) رواه البخاري (٣٠١٨).

(٥) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٧١٣٢) من حديث أنسرضي‌الله‌عنه موقوفا.

(٦) رواه مسلم (١٦٨٠).

١١

وفي حديث آخر نحوه وقال فيه : فلما أدبر به الرجل قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «القاتل والمقتول في النار». قال : فأتى رجل الرجل فأخبره بمقالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فخلى عنه(١) .

قال إسماعيل بن سالم : فذكرت ذلك لحبيب بن أبي ثابت قال : حدثني بن أشرع أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما سأله أن يعفو عنه فأبى.

وفي مسند ابن أبي شيبة في حديث وائل بن حجر الحضرمي كذلك أيضا وقال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لوليّ المقتول : «أتعفو عنه؟» قال : لا ، قال : «أتأخذ الدية؟» قال : لا. قال : «فتقتله؟» قال : نعم. فأعاد عليه ثلاثا ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن عفوت عنه يبوء بإثمه»(٢) .

وفي المسند أيضا في حديث أبي هريرة قال : قتل رجل على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فرفع ذلك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فدفعه إلى وليّ المقتول فقال القاتل : يا رسول الله ما أردت قتله. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم للولي : «أما إنه إن كان صادقا ثم قتلته دخلت النار». قال : فخلّى سبيله ، وكان مكتوفا بنسعة قال : فخرج يجر نسعته قال : فسمي : ذا النسعة(٣) .

وفي غير المسند قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عمد يد وخطأ قلب» وقع هذا في الواضحة.

وفي مصنف النسائي : والله يا رسول الله ما أردت قتله. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم للولى : «إن كان صادقا فقتلته دخلت النار». وكذلك ذكر النسائي : أن القاتل قال : يا رسول الله ما أردت قتله. ثم ذكر باقي الحديث كما في حديث أبي هريرة.

وذكر ابن إسحاق أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم سار إلى الطائف على نخلة اليمانية ثم على قرن ثم على المليح ثم على حرة الرعاء من لبة فابتنى بها مسجدا وصلى فيه. وحدثني عمرو بن شعيب أنه أقاد يومئذ بحرة الرعاء بدم ، وهو أول دم أقيد به في الإسلام رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل فقتله به.

قال في الواضحة : إنما قتله بالقسامة. وفي الواضحة والسير : أن محلم بن جثامة قتل عامر ابن الأضبط الأشجعي فأقسم ولاته ثم دعاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الدية فأجابوا فوداه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بمائة من الإبل.

قال في السير : بخمسين. وقال : خمسين في سفرنا وخمسين إذا رجعنا. فلم يلبث محلّم إلا قليلا.

__________________

(١) رواه مسلم رقم (١٦٨٠ / ٣٣).

(٢) رواه أبو داود (٤٤٩٩) والنسائي (٤٧٢٤) ، والبيهقي في السنن (٨ / ٦٠) وهو حديث صحيح.

(٣) رواه أبو داود رقم (٤٤٩٨) ، والترمذي (١٤٠٧) ، وابن ماجه (٢٦٩٠) ، من حديث أبي هريرةرضي‌الله‌عنه . وهو حديث صحيح.

١٢

قال في السير : أقل من سبع حتى مات فدفن فلفظته الأرض.

قال في السير : وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد قال : «اللهم لا تغفر لمحلّم» ثلاثا ، فلفظته الأرض ثلاث مرات(١) ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الأرض لتقبل من هو شر منه ولكن الله أراد أن يجعله لكم عبرة». فألقوه بين ضوجي جبل فأكلته السباع(٢) .

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيمن قتل أحدا بحجر»

في البخاري عن أنس بن مالك أن يهوديا رضّ رأس جارية بين حجرين(٣) ، وفي حديث آخر : خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة فرماها يهودي بحجر ، فجيء بها إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم وبها رمق فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أقتلك فلان؟» فأشارت برأسها : أن لا ، ثم قال الثانية فأشارت برأسها : أن لا ، ثم سألها الثالثة فأشارت برأسها أن نعم ، فجيء باليهودي فلم يزل به حتى أقر ، فرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم رأسه بالحجر.

وفي حديث آخر فقتله بين حجرين(٤) .

وفي كتاب مسلم ومصنف عبد الرزاق : فأمر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يرجم (فرجم) حتى مات(٥) .

في هذا الحديث من الفقه أن يقتل القاتل بمثل ما قتل من حجر أو عصا أو خنق أو شبهه وهو قول مالك ، بخلاف قول أهل العراق الذين يقولون : لا قود إلا بحديدة. وفيه أن الإشارة المفهومة كالكلام ، وفيه أن يقتل الرجل بالمرأة.

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيمن ضرب امرأة

حاملا فطرحت جنينها»

من الموطأ والبخاري ومسلم عن مالك عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة : أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها ، فقضى فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بغرة(٦) عبد أو وليدة(٧) .

__________________

(١) رواه أحمد في المسند (٦ / ١٠) ، وأبو داود (٤٥٠٣) ، والبيهقي في السنن (٩ / ٨١٦) وإسناده ضعيف.

(٢) رواه ابن كثير في البداية والنهاية (٤ / ٢٢٥ و ٢٢٦) وإسناده ضعيف.

(٣) رواه البخاري (٢٤١٣) من حديث أنسرضي‌الله‌عنه .

(٤) رواه البخاري (٦٨٧٧) ، وأبو داود (٤٥٢٧ و ٤٥٢٨) ، والترمذي (١٣٩٤) من حديث أنس.

(٥) رواه مسلم (١٦٧٢ / ١٦) ، من حديث أنسرضي‌الله‌عنه .

(٦) الغرة عند الفقهاء ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد والإماء.

(٧) رواه البخاري (٥٧٥٨ و ٥٧٥٩ و ٥٧٦٠) ، ومسلم (١٦١٨) ، والموطأ (٢ / ٨٥٥) ، والترمذي (١٤١٠) ، وأبو داود (٤٥٧٦ و ٤٥٧٧) ، والنسائي (٨ / ٤٧ و ٤٨).

١٣

وفي حديث آخر في كتاب مسلم : فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها ، وفي حديث آخر : ضربتها بعمود فسطاطا وهي حبلى ، وكانت ضرّتها فقتلتها فجعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم دية المقتولة على عصبة القاتلة وغرة لما في بطنها. وفي كتاب النسائي : ضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها ، فقضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل بها. وكذلك ذكر غير النسائي أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قتلها مكانها. وقيمة الغرة التي قضى بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسون دينارا أو ستمائة درهم قاله قتادة وغيره ، وبه قال مالك بن أنس ، وفي مصنف عبد الرزاق عن عكرمة : أن اسم الهذلي الذي قتلت إحدى امرأتيه الأخرى : حمل بن مالك بن النابغة. واسم القاتلة : أم عفيف ابنة مسروح من بني سعد بن هذيل ، والمقتولة : مليكة بنت عويمر من بني لحيان بن هذيل(١) .

وفي البخاري ما يدل أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يقتل الضاربة ، وذلك أنه قال : حدثنا عبد الله بن يوسف عن الليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد أو وليدة ثم إن المرأة التي عليها بالغرة توفيت فقضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها(٢) .

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في القسامة فيمن لم يعرف قاتله»

من موطأ مالك بن أنس عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة : أنه أخبره رجال من كبراء قومه : أن عبد الله بن سهل ، ومحيّصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهما ، فأتي محيصة ، فأخبر أن عبد الله بن سهل قتل وطرح في فقير بئر بئر أو عين ، فأتى يهود ، فقال : أنتم والله قتلتموه ، فقالوا : والله ما قتلناه ، فأقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك ، ثم أقبل هو وأخوه حويصة ، وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل : أخوه المقتول ، فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لمحيصة : «كبّر كبّر» ، يريد السن ، فتكلم حويصة ثم تكلّم محيصة فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إما أن يدوا(٣) صاحبكم أو يأذنوا بحرب من الله» ، فكتب إليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك ، فكتبوا : إنا والله ما قتلناه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن : «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟» كذا روى يحيى بن يحيى(٤) .

وفي حديث ابن أبي ليلى وفي حديث يحيى بن سعيد خاصة : «وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم». وفي البخاري : «وتستحقون دم قاتلكم أو صاحبكم». وفي مصنف أبي داود : «دم

__________________

(١) رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (١٨٣٥٦) من كلام عكرمةرضي‌الله‌عنه .

(٢) رواه البخاري (٦٧٤٠) من حديث أبي هريرةرضي‌الله‌عنه .

(٣) يدوا : أي يعطوا الدية.

(٤) رواه مالك في الموطأ (٢٣٥٢ و ٢٣٥٣) في القسامة وإسناده صحيح.

١٤

صاحبكم» وتكرر فقالوا : لا. وفي حديث آخر : لم نشهد ولم نحضر ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فتحلف لكم يهود» ، وفي حديث آخر : «فتبريكم يهود بخمسين يمينا». فقالوا : يا رسول الله ليسوا بمسلمين. وفي حديث آخر : كيف نقبل أيمان قوم كفار ، فوداه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من عنده فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار. قال سهل : لقد ركضتني منها ناقة حمراء. وتكرر الحديث في كتاب مسلم وقال فيه : «تستحقون صاحبكم أو قاتلكم» ، وذكر من طريق مالك : «دم صاحبكم» مثل رواية يحيى ، وفي حديث آخر قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته». وفي البخاري ومسلم : فوداه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من إبل الصدقة ، وفي كتاب أبي داود والمصنف : فألقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ديته على اليهود لأنه وجد بينهم. وفي البخاري أيضا فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تأتون بالبينة على من قتله» ، قالوا : ما لنا بينة ، قال : «يحلفون» ، قالوا : لا نرضى بأيمان اليهود. فكره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبطل دمه فوداه من إبل الصدقة ، وفي مصنف عبد الرزاق : أن النبيّ بدأ بيهود فأبوا أن يحلفوا فرد القسامة على الأنصار ، فأبوا أن يحلفوا فجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم العقل على اليهود وحويصة ومحيصة ابنا عم القتيل وعبد الرحمن أخوه ، وفي مصنف عبد الرزاق : وهو أول من كانت فيه القسامة في الإسلام(١) .

في هذا من الفقه : القتل بالقسامة لقولهعليه‌السلام : «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم». وفي الحديث الآخر في كتاب مسلم : «فيدفع برمته» ، وفيه تبدية المدعين بالأيمان بخلاف الحقوق ، وفيه أن لا يقضى بالنكول دون رد الأيمان ، وفيه محاربة أهل الذمة إذا منعوا حقا ، وفيه أن من بعد عن السلطان أن لا يشخص ويكتب إلى الموضع الذي هو به ، وفيه إباحة كتاب القاضي بغير شهود ، وفيه القضاء على الغائب بخلاف قول أهل العراق ، وفيه أن لا يحلف في القسامة رجل واحد ، وفيه الحكم على أهل الذمة بحكم الإسلام وإنما أعطى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم الدية من إبل الصدقة من حق الغارمين الذين جعل اللهعزوجل لهم سهما في الصدقة إذا لم يتيقن أن يهوديا قتله ، وفيه أن يعطي الرجل من الزكاة أكثر من نصاب.

واتفق مالك والشافعيرحمهما‌الله تعالى على تبدية المدعين الدم بالقسامة إلا أنه لا يقسم عند الشافعي بقول الميت : دمي عند فلان وقال : إذا كانت بين المدعين والمدعى عليهم عداوة كما كانت بين اليهود والمسلمين وجبت القسامة وإلا فلا. وقال ابن لبابة : قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم «لو يعطى الناس بدعواهم لا دعى قوم دماء قوم وأموالهم»(٢) يبطل التدمية.

وفي مسند البزار : أن قوما احتفروا بئرا بأرض اليمن فسقط فيها الأسد فأصبحوا ينظرون

__________________

(١) رواه البخاري (٣١٧٣) و (٦١٤٣) و (٦٨٩٨) ومسلم (١٦٦٩) ، وأبو داود (٤٥٢٠ و ٤٥٢١ و ٤٥٢٣) ، والترمذي (١٤٢٢) ، والنسائي (٨ / ٥ و ١٢) باب تبرئة أهل الدم في القسامة.

(٢) رواه البخاري (٤٥٥٢) ، ومسلم (١٧١١) ، وأبو داود (٣٦١٩) ، والنسائي (٨ / ٢٤٨) ، والترمذي (١٣٤٣) من حديث ابن عباسرضي‌الله‌عنهما .

١٥

فوقع رجل في البئر فتعلق برجل آخر فتعلق الآخر بآخر حتى كانوا أربعة ، فسقطوا جميعا فجرحهم الأسد فقتله رجل برمحه فقال الناس للأول : أنت قتلت أصحابنا وعليك ديتهم فأبى ، فتحاكموا إلى علي بن أبي طالب فقال : اجمعوا ممن حفر البئر من الناس ربع دية. وثلث دية. ونصف دية ودية كاملة ، للأول ربع دية لأنه هلك فوقه ثلاثة. وللثاني ثلث دية لأنه هلك فوقه اثنان ، وللثالث نصف دية لأنه هلك فوقه واحد ، وللآخر الدية تامة ، فأتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم العام المقبل فقصّوا عليه فقال رجل منهم : إن عليّ بن أبي طالب قضى بيننا بكذا ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هو ما قضى بينكم»(١) .

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيمن تزوج امرأة أبيه»

وإرساله عليّ بن أبي طالب إلى ابن عم مارية ليقتله

إن وجده عندها ، فوجده مجبوبا لا ذكر له فتركه

وفي كتاب النسائي ومسند ابن أبي شيبة قال البراء : لقيت خالي أبا بردة ومعه الراية فقال : أرسلني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى من تزوج امرأة أبيه ، وفي كتاب النسائي : إلى رجل يأتي امرأة أبيه أن أقتله(٢) . وفي غير الكتابين أن جئ برأسه واستفئ ماله. وفي كتاب الصحابة لابن السكن ، وذكره أيضا ابن أبي خيثمة : أن خالد بن أبي كريمة حدث عن معاوية بن قرة عن أبيه : أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث أباه جد معاوية إلى رجل عرّس بامرأة أبيه ، فضرب عنقه وخمّس ماله ، قال يحيى بن معين : هذا حديث صحيح(٣) .

وفي كتاب ابن السكن وكتاب ابن أبي خيثمة أن ابن عم مارية أم ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتهم بها فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي بن أبي طالب : «اذهب فإن وجدته عند مارية فاضرب عنقه». فأتاه علي فإذا هو في ركيّ يتبرّد فيها ، فقال له عليّ : هات يدك ، فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب لبس له. ذكر فكفّ عنه علي ثم أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إنه مجبوب ما له ذكر(٤) . رواه

__________________

(١) رواه البزار (١٥٣٢) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٢٨٧) وقال رواه البزار. وقال في آخره لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد. قلت ولم يقل عن علي يعني أن حنشا لم يقل عن علي. وفي إسناده حنش بن المعتمر قال البخاري ـ يتكلمون في حديثه. وقال النسائي ليس بالقوي. وقال أبو حاتم ليس أراهم يحتجون بحديثه.

(٢) رواه أحمد في المسند (١٨٥٥٧) ، وابن أبي شيبة (١٠ / ١٠٤ و ١٠٥) ، والنسائي (٦ / ١٠٩) ، والترمذي (١٣٦٢) ، وأبو داود (٤٤٥٧) من حديث البراء رضي‌الله‌عنه. وإسناده حسن.

(٣) رواه النسائي في الكبرى (٧٢٧٤) ، والبيهقي في السنن (٨ / ٢٠٨) ، وابن ماجه (٢٦٠٨) من حديث معاوية بن قرة عن أبيه رضي‌الله‌عنه. وإسناده صحيح.

(٤) رواه أحمد في المسند (٣ / ٢٨١) (١٣٩٨٩) ، ومسلم (٢٧٧١ و ٥٩) من حديث أنس رضي‌الله‌عنه.

ورواه الطحاوي في مشكل الآثار (٤٩٥٣) ، وأبو نعيم في الحلية (٧ / ٩٣) من حديث علي رضي‌الله‌عنه. وإسناده حسن.

١٦

ثابت البناني عن أنس ، وفي حديث آخر فوجده في نخلة يجمع تمرا وهو ملفوف بخرقة فلما رأى السيف ارتعد وسقطت الخرقة فإذا هو مجبوب لا ذكر له.

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في القتيل يوجد بين قريتين»

في مسند ابن أبي شيبة عن أبي سعيد قال : وجد قتيل بين قريتين فأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم فذرع ما بينهما فوجد إلى أحدهما أقرب فكأني أنظر إلى شبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم فألقاه على أقربهما(١) ، وفي مصنف عبد الرزاق قال عمر بن عبد العزيز : قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما بلغنا في القتيل يوجد بين ظهراني ديار قوم أن الأيمان على المدّعى عليهم ، فإن نكلوا حلف المدّعون واستحقوا ، فإن نكل الفريقان ، كانت الدية على المدعى عليهم وبطل النصف إذا لم يحلفوا(٢) .

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقصاص بالجرح»

وقوله : أن لا يقاد من جرح إلا بعد البرء في مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال : قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في رجل طعن آخر بقرن في رجله فقال : يا رسول الله أقدني ، فقال : «حتى تبرأ جراحك» ، فأبى الرجل إلا أن يستقيد ، فأقاده النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فصح المستقاد منه وعرج المستقيد فقال : عرجت وبرأ صاحبي : فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألم آمرك أن لا تستقيد حتى تبرأ جراحك فعصيتني فأبعدك اللهعزوجل ، وبطل عرجك». ثم أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من كان به جرح بعد الرجل الذي عرج أن لا يستفاد منه حتى يبرأ جرح صاحبه فالجرح على ما بلغ حتى يبرأ ، فما كان من شلل أو عرج فلا قود فيه ، وهو عقل ، ومن استقاد بجرح فأصيب المستقاد منه فعقل ما فضل من ديته على جرح صاحبه له(٣)

قال عطاء بن أبي رباح : الجروح قصاص. وليس للإمام أن يضربه ولا يسجنه إنما هو القصاص ، وما كان ربك نسيا ، ولو شاء لأمر بالضرب والسجن.

وقال مالك : يقتص منه ويعاقب لجراءته.

« حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في السن وما لم ير فيه قصاصا»

في البخاري ومسلم عن أنس بن مالك : أن ابنة النضر أخت الرّبيّع لطمت جارية فكسرت

__________________

(١) رواه أحمد في المسند (٣ / ٣٩) و (١١٣٤١) ، والبزار (١٥٣٤) ، والعقيلي في الضعفاء (١ / ٧٦) ، والبيهقي في السنن (٨ / ١٢٦). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٢٩٠) وقال : رواه أحمد والبزار.

وفيه عطية العوفي ضعيف. نقول : وفي إسنادهما أيضا أبو إسرائيل الملائي الكوفي ضعيف.

(٢) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٨٢٩٠) عن ابن جريج ، قال : أخبرني عبد العزيز بن عمر أن عمر وذكره بلاغا.

(٣) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٧٩٩١) ، والبيهقي في السنن (٨ / ٦٨) ، والدارقطني (٣ / ٨٨) من طريق محمد بن حمدان ، عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وسنده حسن.

١٧

ثنيتها. وفي حديث آخر في كتاب مسلم : سحلت أسنانها ، فاختصموا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمر بالقصاص ، فقالت أم الربيع : يا رسول الله أيقتص من فلانة؟ والله لا يقتص منها. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سبحان الله يا أم الربيع القصاص في كتاب الله». قالت : والله لا يقتص منها أبدا ، قالت : فما زالت حتى قبلوا الدية ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره»(١) .

وفي الكتابين : أن رجلا عضّ يد رجل ، فنزع يده من فيه فوقعت ثنّيتاه ، فاختصموا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «يعص أحدكم أخاه كما يعض الفحل؟ لا دية لك»(٢) .

وفي مصنف أبي داود قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية(٣) . وفي المدونة والموطأ عن زيد بن ثابت بمائة دينار(٤) ، وقال مالك : ليس فيها إلا الاجتهاد(٥)

« حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيمن أقر بالزنا وهو محصن»

في موطأ مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، أنه قال : إن رجلا من أسلم جاء إلى أبي بكر الصديق ، فقال له : إن الآخر قد زنى ، فقال له أبو بكر : هل ذكرت ذلك لأحد غيري؟ فقال : لا. فقال له أبو بكر : فتب إلى الله واستتر يستر الله عليك ، فإن الله يقبل التوبة عن عباده. فلم تقرره نفسه حتى جاء إلى عمر بن الخطاب ، فقال له مثل ما قال لأبي بكر ، فقال له عمر مثل ما قال له أبو بكر ، فلم تقرره نفسه حتى أتى إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : إن الآخر زنى ، قال سعيد : فأعرض عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث مرات. كل ذلك يعرض عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى إذا أكثر عليه ، بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أهله : «أجنة يشتكي؟ أبه جنون؟» فقالوا : لا والله يا رسول الله إنه لصحيح. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أبكر أم ثيب؟» فقال : بل ثيب يا رسول الله. فأمر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فرجم(٦) .

ووقع في البخاري ، أخبرنا محمود ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري عن أبي سلمة ، عن جابر : أن رجلا من أسلم جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فاعترف بالزنا ، فأعرض عنه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى شهد على نفسه أربع مرات ، فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أبك جنون؟» قال : لا ، قال :

__________________

(١) رواه البخاري رقم (٢٧٠٣) و (٢٨٠٦) ، ومسلم (١٦٧٥).

(٢) رواه البخاري (٦٨٩٢) ، ومسلم (١٦٧٣) من حديث عمران بن حصينرضي‌الله‌عنه .

(٣) رواه أبو داود (٤٥٦٧) ، والنسائي (٨ / ٥٥) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وسنده حسن.

(٤) رواه مالك في الموطأ (٢٢٦٦) في القسامة من كلام زيد بن ثابترضي‌الله‌عنه موقوفا.

(٥) رواه مالك في الموطأ (٢٢٦٧) من كلام مالك بن أنسرحمه‌الله موقوفا عليه.

(٦) رواه مالك في الموطأ (١٧٥٦) في الحدود ، وهو حديث مرسل. ويشهد له ما بعده.

١٨

«أحصنت؟» قال : نعم ، فأمر به فرجم في المصلّى ، فلما أذلقته الحجارة فرّ فأدرك فرجم حتى مات فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم خيرا وصلّى عليه. ولم يقل يونس ولا ابن جريج عن الزهري : وصلى عليه(١) .

وفي كتاب مسلم : فرده أربع مرات ، وفي حديث آخر : فرده مرتين. وفي حديث آخر : فرده مرتين أو ثلاثا ، ثم قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم خطيبا من العشي قال : «أو كلما انطلقنا غزاة في سبيل الله تخلّف رجل في عيالنا له نبيب كنبيب التيس ، عليّ ألّا أوتي برجل فعل ذلك إلا نكلت به». قال : فما استغفر ولا سبه(٢) .

وفي حديث آخر فلبثوا يومين أو ثلاثة ثم جاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم والناس جلوس فقال : «استغفروا لماعز بن مالك». فقالوا : غفر الله لماعز بن مالك ، قال : فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم». وفي مصنف أبي داود : «والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها»(٣) .

وفي الموطأ لمالك ، عن يعقوب بن زيد ، بن طلحة عن أبيه زيد بن طلحة عن عبد الله بن أبي مليكة ، أنه أخبره : أن امرأة جاءت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته أنها زنت ، وهي حامل. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اذهبي حتى تضعيه» ، فلما وضعته جاءت ، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اذهبي حتى ترضعيه». فلما أرضعته جاءته فقال : «اذهبي فاستودعيه». ثم قال : فاستودعته ثم جاءت فأمر بها فرجمت(٤) .

وفي كتاب مسلم فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فحفر لها حفرة إلى صدرها ، ثم رجمت وصلى عليها فقال له عمر : تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت! قال : «لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم. وهل أفضل من أن جادت بنفسها لله». وفي كتاب النسائي : وحضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم رجمها ورماها بحجر قدر الحمصة وهو راكب على بغلته(٥) .

وفي حديث الموطأ من الفقه : أن من أقر بالزنا مرة واحدة أقيم عليه الحد ، ولا ينتظر أن يقر أربع مرات ، وأن لا يجلد من وجب رجمه ، وأن المجنون لا يلزمه إقراره بدليل قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أبه جنة؟».

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على اليهود بالرجم في الزنا»

في الموطأ مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه قال : إن اليهود جاءوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) رواه البخاري (٦٨٢٠) ، ومسلم (١٧٠١) من حديث جابر بن عبد اللهرضي‌الله‌عنهما .

(٢) رواه مسلم (١٦٩٢) ، وأبو داود (٤٤٢٢) من حديث جابر بن سمرةرضي‌الله‌عنه .

(٣) رواه مسلم (١٦٩٥) ، وأبو داود (٤٤٣٣) من حديث بريدةرضي‌الله‌عنه .

(٤) رواه مالك في الموطأ (٢ / ٨٢١) و (١٧٥٩) في الحدود ، وهو مرسل ولكن يشهد له ما بعده.

(٥) رواه مسلم (١٦٩٦). وأبو داود (٤٤٤٠) من حديث عمران بن الحصينرضي‌الله‌عنه .

١٩

فذكروا أن رجلا منهم وامرأة قد زنيا ، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما تجدون في التوراة في شأن الرجم». فقالوا : نفضحهم ويجلدون. فقال عبد الله بن سلام : كذبتم إن فيها آية الرجم ، فأتوا بالتوراة ، فأتوا بالتوراة فنشروها ، فوضع أحدهم يده على آية الرجم ، ثم قرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك ، فرفع يده ، فإذا فيها آية الرجم ، فأمر بهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فرجما ، فقال عبد الله بن عمر : فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة. قال مالك : معنى يحني ظهره : يكب عليها حتى تقع الحجارة عليه(١) .

وذكر البخاري ومسلم نحوه(٢) وفي كتاب النسائي عن ابن عباس أنه قال : الرجم في كتاب اللهعزوجل حق ، ولا يغوص عليه إلا غوّاص(٣) قوله تعالى( يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ ) [المائدة : الآية ٦٥]. وقال مالك في غير الموطأ : لم يكن اليهوديان أهل ذمة. وذكر البخاري أنهما أهل ذمة ، ووقع في معاني القرآن للزجاج : أن الزنا كثر في أشراف اليهود بخيبر ، وكان في التوراة أن على المحصنين الرجم ، فزنى رجل وامرأة فطمعت اليهود أن يكون نزل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم الجلد على المحصنين ، وهي تأويل قول اللهعزوجل :( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ ) [المائدة : الآية ٤١]. يقولون : إن أوتيتم هذا فخذوه أي أوتيتم هذا الحكم المحرّف فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا.

وفي مصنف أبي داود ، نا يحيى بن موسى البلخي ، نا أبو أسامة عن مجالد ، عن عامر ، عن جابر بن عبد الله قال : جاءت يهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال : «ايتوني بأعلم الرجلين منكم» ، فأتوه بابني صوريا ، فناشدهما الله كيف تجدان أمر هذين في التوراة فقالا : نجد في التوراة أنه إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما ، قال : «فما يمنعكما أن ترجموهما» ، قالا : ذهب سلطاننا فكرهنا القتل. فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالشهود فجاء أربعة فشهدوا فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم برجمهما. وفي حديث آخر بأربعة منهم ، وفي رواية أخرى قال لليهود : «ايتوني بأربعة منكم» ، ويقال إن مجالدا غير مقبول الحديث وإنما رجمهما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم بغير شهادة اليهود إما بوحي أو بشهادة مسلمين أو بإقرارهما(٤) .

في مسند البزار أنهم أتوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم بابني صوريا فقال لهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنتما أعلم من وراءكما؟» فقالا : كذلك يزعمون ، فناشدهما بالله الذي أنزل التوراة على موسى كيف تجدان أمر

__________________

(١) رواه مالك في الموطأ (١٧٥٥) في الحدود وهو حديث صحيح.

(٢) رواه البخاري (٦٨١٩) ، ومسلم (١٦٩٩) من حديث ابن عمررضي‌الله‌عنهما .

(٣) رواه الحاكم في المستدرك (٤ / ٣٥٩) وصححه الحاكم. وقال في التلخيص : صحيح.

(٤) رواه أبو داود (٤٤٥٢) من حديث جابررضي‌الله‌عنه . وهو حديث صحيح.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

والفهم وصحة الإِدراك »(١) .

٤ - الأسنوي: « أبو الحجّاج جمال الدين أحفظ أهل زمانه لا سيّما للرجال المتقدمين، وانتهت إليه الرحلة من أقطار الأرض لروايته ودرايته. وكان إماماً في اللغة والتصريف، ديّناً خيّراً، منقبضاً عن الناس، طارحاً للتكلّف »(٢). .

٥ - ابن الوردي: « شيخ الإِسلام الحافظ جمال الدين. منقطع القرين في معرفة أسماء الرّجال مشاركاً في علوم »(٣) .

٦ - السبكي: « شيخنا واُستأذنا وقدوتنا: الشيخ جمال الدين أبو الحجاج المزي، حافظ زماننا، حامل راية السنّة والجماعة، والقائم بأعباء هذه الصناعة، والمتدرّع جلباب الطاعة، إمام الحفّاظ كلمة لا يجحدونها وشهادة على أنفسهم يؤدّونها ورتبة لو نشر أكابر الأعداء لكانوا يؤدونها. واحد عصره بالإجماع وشيخ زمانه الذي تصغى لما يقوله الأسماع، والذي ما جاء بعد ابن عساكر مثله وإنْ تكاثرت جيوش هذا العلم فملأت البقاع

أقول: ما رأيت أحفظ من ثلاثة: المزي والذهبي والوالد

وبالجملة: كان شيخنا المزي أعجوبة زمانه، يقرأ عليه القارئ نهاراً كاملاً والطرق تضطرب والأسانيد تختلف وضبط الأسماء يشكل، وهو لا يسهو ولا يغفل وكان قد انتهت إليه رياسة المحدّثين في الدنيا .. »(٤). .

٧ - ابن حجر العسقلاني: « المزّي، أبو الحجاج جمال الدين المزّي سمع: بالشام والحرمين، ومصر، وحلب، والإِسكندرية، وغيرها، وأتقن اللّغة والتصريف، وكان كثير الحياء والإِحتمال والقناعة والتواضع والتودّد

__________________

(١). تذهيب التهذيب. مقدمة الكتاب

(٢). طبقات الشّافعية ٢ / ٢٥٧.

(٣). تتمة المختصر حوادث ٧٤٢.

(٤). طبقات الشّافعية ٦ / ٢٥١ - ٢٥٢.

٦١

إلى الناس مع الانجماع عنهم، قليل الكلام جدّاً حتى يسأل فيجيب ويجيد قال الذهبي: ما رأيت أحداً في هذا الشأن أحفظ منه وصنف تهذيب الكمال فاشتهر في زمانه وحدّث به خمس مرار، وحدّث بكثير من مسموعاته الكبار والصغار عالياً ونازلاً، وغالب المحدثين من دمشق وغيرها قد تلمّذوا واستفادوا منه، وسألوه عن المعضلات فاعترفوا بفضيلته وعلوّ ذكره. بالغ أبو حيان في القطر الحبي في تقريظه والثناء عليه، وكذلك ابن سيد الناس وقال الذهبي: كان خاتمة الحفّاظ وكان لا يكاد يعرف قدره إلّا من أكثر مجالسته، وكان خيّراً ذا ديانةٍ وتصوّن من الصّغر وسلامة باطن »(١). .

٨ - ابن قاضي شهبة: « الإِمام العلّامة الحافظ الكبير، شيخ المحدثين عمدة الحفاظ، اُعجوبة الزمان أقرّ له الحفاظ من مشايخه وغيرهم بالتقديم، وحدّث بالكثير نحو خمسين سنة، فسمع منه الكبار والحفاظ، وولي دار الحديث الأشرفية ثلاثاً وعشرين سنة. وقال الذهبي وقد بالغ في الثناء عليه أبو حيان وابن سيد الناس وغيرهما من علماء العصر، توفي في صفر سنة ٧٤٢ »(٢) .

٩ - السيوطي: « المزي، الإِمام العالم الحبر الحافظ الأوحد محدّث الشام »(٣) .

١٠ - ابن تغري بردي: « الحافظ الحجة جمال الدين كان إماماً في عصره، وأحد الحفاظ المشهورين »(٤) .

١١ - الشوكاني: « الإِمام الكبير الحافظ قال الذهبي وقد أخذ عنه الأكابر وترجموا له وعظّموه جدّاً. قال ابن سيد الناس في ترجمته: إنّه أحفظ

__________________

(١). الدرر الكامنة ٤ / ٤٥٧.

(٢). طبقات الشّافعية ٣ / ٧٤.

(٣). طبقات الحفّاظ: ٥٢١.

(٤). النجوم الزاهرة ١٠ / ٧٦.

٦٢

الناس للتراجم وأعلمهم بالرواة من أعارب وأعاجم. وأطال الثناء عليه ووصفه بأوصاف ضخمة. وقال الصفدي »(١) .

الكلمات في وثاقة رجال سند الطيالسي

وإذا عرفت صحة سند رواية أبي داود الطيالسي بنص أكابر الحفّاظ كابن عبد البرّ والمزي فلا بأس بأنْ نورد بعض كلمات علماء الجرح والتعديل في كلّ واحدٍ من رجال السند المذكور:

١ - أبو عوانة

فأمّا أبو عوانة - وهو وضّاح بن عبد الله اليشكري - فيكفي في وثاقته كونه من رجال الصّحاح الستّة كما نصّ عليه الذهبي وابن حجر العسقلاني بجعلهما علامة الكتب الستة على اسمه عند ترجمته.

قال الذهبي: « ٦ - وضّاح بن عبد الله، الحافظ أبو عوانة اليشكري، مولى يزيد بن عطا، سمع قتادة وابن المنكدر. وعنه: عفان وقتيبة ولوين. ثقة متقن الكتابة. توفّي ١٧٦ »(٢). .

قال الذهبي: « ٦ - وضاح - بتشديد المعجمة ثم مهملة - بن عبد الله اليشكري - بالمعجمة - الواسطي البزّاز، أبو عوانة، مشهور بكنيته. ثقة ثبت. من السابعة. مات سنة خمس أو ست وسبعين »(٣). .

__________________

(١). البدر الطّالع ٢ / ٣٥٣.

(٢). الكاشف عن أسماء رجال الستّة ٣ / ٢٠٧.

(٣). تقريب التهذيب ٢ / ٣٣١.

٦٣

ولا يخفى أن مراده من الطبعة السابعة: طبقة كبار أتباع التابعين كمالك والثوري، كما نص عليه في مقدمة كتابه.

٢ - أبو بلج

وأمّا أبو بلج - وهو يحيى بن سليم - فسليم عن المعايب وبرئ عن المثالب، مدحه الأكابر ووثّقه الأئمة.

قال المزّي: « أبو بلج الفزاري الواسطي - ويقال الكوفي - وهو الكبير: إسمه يحيى بن سليم بن بلج روى عنه: إبراهيم بن المختار، وأبو يونس حاتم بن أبي صغيرة، وحصين بن نمير، وزائدة بن قدامة، وزهير بن معاوية، وسفيان الثوري، وسويد بن عبد العزيز، وشعبة بن الحجاج، وشعيب بن صفوان، وهشيم بن بشير، وأبو حمزة السكري، وأبو عوانة.

قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: ثقة.

وكذلك قال محمّد بن سعد. والنسائي. والدار قطني.

وقال البخاري: فيه نظر.

وقال أبو حاتم: صالح الحديث لا بأس به.

وقال محمّد بن سعد قال يزيد بن هارون: قد رأيت أبا بلج، وكان جاراً لنا، وكان يتّخذ الحمام يستأنس بهنّ، وكان يذكر الله كثيراً وقال: لو قامت القيامة لدخلت الجنة، يقول لذكر الله عزّ وجلّ.

روى له الأربعة »(١). .

فالأربعة - وهم أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة - يصحّحون حديثه ويخرّجون له في صحاحهم

__________________

(١). تهذيب الكمال ٣٣ / ١٦٢.

٦٤

وابن معين وابن سعد والنسائي والدار قطني ينصّون على وثاقته.

وأبو حاتم يقول: صالح الحديث لا بأس به.

وكبار الأئمة أمثال شعبة وسفيان الثوري يروون عنه.

هذا، وليس في المقابل إلّا قول البخاري: « فيه نظر » وهذا ممّا لا ينظر إليه ولا يعبأ به في المقام وفي أشباهه ونظائره ولنذكر منها نموذجاً:

قال العيني: بشرح الحديث: « إجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً »:

« فيه دلالة على وجوب الوتر. واختلف العلماء فيه:

فقال القاضي أبو الطّيب: إن العلماء كافةً قالت: إنّه سنّة حتّى أبو يوسف ومحمّد، وقال أبو حنيفة وحده: هو واجب وليس بفرض.

وقال أبو حامد في تعليقه: الوتر سنّة مؤكدة وليس بفرض ولا واجب، وبه قالت الاُمة كلّها إلّا أبا حنيفة، وقال بعضهم. وقد استدل بهذا الحديث بعض من قال بوجوبه، وتعقّب بأنّ صلاة الليل ليست واجبة، إلى آخره. وبأن الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليله.

وقال الكرماني أيضاً ما يشبه هذا.

قلت: هذا كلّه من آثار التعصّب، فكيف يقول القاضي أبو الطّيب وأبو حامد - وهما إمامان مشهوران - بهذا الكلام الذي ليس بصحيح ولا قريبٍ من الصحة؟ وأبو حنيفة لم ينفرد بذلك، هذا القاضي أبو بكر بن العربي ذكر عن سحنون وأصبغ بن الفرج وجوبه. وحكى ابن حزم أن مالكاً قال: من تركه اُدّب وكانت جرحةً في شهادته، وحكاه ابن قدامة في المغني عن أحمد، وفي المصنَّف عن مجاهد بسندٍ صحيح: هو واجب ولم يكتب، وعن ابن عمر بسند صحيح: ما اُحب - اني تركت الوتر - وأنّ لي حمر النعم. وحكى ابن بطّال وجوبه عن أهل القرآن عن ابن مسعود وحذيفة وإبراهيم النخعي، وعن يوسف بن خالد السمتي شيخ الشافعي وجوبه، وحكاه ابن أبي شيبة أيضاً عن سعيد بن المسيب وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود والضحاك. انتهى.

٦٥

فإذا كان الأمر كذلك كيف يجوز لأبي الطّيب ولأبي حامد أن يدّعيا هذه الدعوى الباطلة؟ فهذا يدل على عدم إطّلاعهما فيما ذكرنا، فجهل الشخص بالشيء لا ينفي علم غيره به.

وقول من ادّعى التعقب بأنّ صلاة الليل ليست بواجبة. إلى آخره، قول واه، لأنّ الدلائل قامت على وجوب الوتر، منها:

ما رواه أبو داود: نا محمّد بن المثنى. نا اُبو إسحاق الطالقاني نا الفضل ابن موسى، عن عبيد الله بن عبد الله العتكي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا.

وهذا حديث صحيح، ولهذا أخرجه الحاكم في مستدركه وصحّحه.

فإنْ قلت: في إسناده أبو المنيب عبيد الله بن عبد الله، وقد تكلّم فيه البخاري وغيره.

قلت: قال الحاكم: وثّقه ابن معين. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: هو صالح الحديث، وأنكر على البخاري إدخاله في الضعفاء. فهذا ابن معين إمام هذا الشأن، وكفى حجة في توثيقه إيّاه »(١). .

أقول: وكذا الأمر في المقام، فقد وثق ابن معين أبا بلج، وكفى حجةً وكذا وثّقه غيره من أئمة هذا الشأن

موجز تراجم الموثّقين لأبي بلج

فقد عرفت أن يحيى بن معين، والنّسائي، والدار قطني، ومحمّد بن سعد يوثّقون أبا بلج فأما ابن معين، والنسائي، والدار قطني وغيرهم

__________________

(١). عمدة القاري ٧ / ١١.

٦٦

من الأئمة الموثّقين له، فسنذكر تراجمهم بإيجاز فيما سيأتي. وأمّا ابن سعد فهذا موجز ترجمته:

١ - السمعاني: « أبو عبد الله محمّد بن سعد بن منيع الكاتب الزهري كان من أهل الفضل والعلم، وصنّف كتاباً كبيراً في طبقات الصحابة والتّابعين والصالحين إلى وقته، فأجاد فيه وأحسن. روى عنه: الحارث بن أبي اُسامة، والحسين بن فهم، وأبو بكر ابن أبي الدنيا. وحكي عن يحيى بن معين أنّه رماه بالكذب. ولعلّ الناقل غلط أو وهم، لأنّه من أهل العدالة وحديثه يدل على صدقه، فإنّه يتحرى في كثير من رواياته. وقال ابن أبي حاتم الرازي: سألت أبي عن محمّد بن سعد فقال: يصدّق روايته، جاء إلى القواريري وسأله عن أحاديث فحدّثه. وحكى إبراهيم الحربي قال: كان أحمد ابن حنبل يوجّه في كلّ جمعة بحنبل بن إسحاق إلى ابن سعد يأخذ منه جزئين من حديث الواقدي ينظر فيهما إلى الجمعة الاُخرى ثم يردّهما ويأخذ غيرهما. قال إبراهيم: ولو ذهب وسمعها كان خيراً له.

ومات في جمادى الآخرة سنة ٢٣٠ »(١). .

٢ - ابن خلكان: « كان أحد الفضلاء الأجلاّء، وكان صدوقاً ثقة، وكان كثير العلم، غزير الحديث والرواية، كثير الكتب، كتب الحديث والفقه وغيرهما.

وقال الحافظ أبو بكر صاحب تاريخ بغداد في حقّه: ومحمّد بن سعد عندنا من أهل العدالة، وحديثه يدل على صدقه، فإنّه يتحرّى في كثير من رواياته »(٢). .

٣ - الذهبي: « محمّد بن سعد الحافظ العلّامة قال ابن فهم: كان

__________________

(١). الأنساب ١٠ / ٣٠٧.

(٢). وفيات الأعيان ٤ / ٣٥١.

٦٧

كثير العلم، كثير الكتب، كتب الحديث والفقه والغريب »(١). .

٤ - الذهبي أيضاً: « الإِمام الحبر أبو عبد الله محمّد بن سعد الحافظ

قال أبو حاتم: صدوق »(٢). .

٥ - الذهبي أيضا: « محمّد بن سعد الكاتب مولى بني هاشم. عن هشيم وابن عينة وخلق. مات سنة ٢٣٠. د حكاية »(٣). .

٦ - ابن حجر: « صدوق فاضل. من العاشرة. مات سنة ٢٣٠ وهو ابن ٦٢ »(٤). .

٧ - السيوطي: « محمّد بن سعد بن منيع البصري الحافظ »(٥). .

٣ - عمرو بن ميمون

وأمّا عمرو بن ميمون فثقة مأمون نصَّ عليه المتقدّمون والمتأخرون:

١ - ابن عبد البر: « عمرو بن ميمون الأودي أبو عبد الله. أدرك النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - وصدّق إليه، وكان مسلماً في حياته وعلى عهد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وهو معدود في كبار التابعين من الكوفيين. وروي أن عمرو بن ميمون حج ستين مرةً ما بين حجة وعمرة. ومات سنة ٧٥ »(٦). .

٢ - ابن الأثير: « أسلم في زمان النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - وحج مائة حجة وقيل: سبعون حجة، وأدّى صدقته إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٤٢٥.

(٢). العبر ١ / ٣٢٠.

(٣). الكاشف ٣ / ٤١.

(٤). تقريب التهذيب ٢ / ١٦٣.

(٥). طبقات الحفّاظ: ١٨٦.

(٦). الإِستيعاب ٢ / ٥٤٢ - ٥٤٤.

٦٨

معدود في كتاب التابعين من الكوفيين. وتوفي سنة ٧٥. أخرجه الثلاثة »(١). .

٣ - الذهبي: « عمرو بن ميمون الأودي، عن عمر ومعاذ وطائفة. وعنه: زياد بن علاقة وأبو إسحاق ومحمد بن سوقة وآخرون. كان كثير الحج والعبادة، وهو الذي رجم القردة. مات ٧٤»(٢). .

٤ - ابن حجر: « ثقة عابد، نزل الكوفة، مات سنة أربع وسبعين، وقيل بعدها »(٣). .

٥ - ابن حجر أيضاً: « أدرك الجاهلية ولم يلق النبيّ قال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وقال أبو بكر بن عيّاش عن أبي إسحاق: كان أصحاب النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - يرضون بعمرو بن ميمون وقال ابن معين والنسائي: ثقة وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب فقال: أدرك النبيّ وصدّق إليه وكان مسلماً في حياته. وذكره ابن حبان في ثقات التابعين »(٤). .

٦ - ابن حجر أيضاً: « أدرك الجاهلية وأسلم في حياة النبيّ على يد معاذ وصحبه » ثم ذكر توثيقه، وخبر رجمه القردة الذي استنكره غير واحد مع كونه في البخاري(٥). .

إخراج أبي داود في مسنده دليل الثبوت

ثم إنّه بالإضافة إلى وثاقة رجال السند وصحّة الطريق كما عرفت، فإنّ مجرد إخراج أبي داود الطيالسي هذا الحديث في مسنده دليل على ثبوته

__________________

(١). اُسد الغابة ٣ / ٧٧٢.

(٢). الكاشف ٢ / ٢٩٦.

(٣). تقريب التهذيب ٢ / ٨٠.

(٤). تهذيب التهذيب ٨ / ٩٦.

(٥). الإِصابة في معرفة الصحابة ٣ / ١١٨.

٦٩

واعتباره، وهو موجود فيه كما عرفت، وعنه نقل العلماء المتأخّرون قال الوصّابي: « عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: إن علياً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي. أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، والحسن بن سفيان في فوائده، وأبو نعيم في فضائل الصحابة »(١). .

تقديم ابن حزم مسند الطيالسي على موطأ مالك

وقد بلغت جلالة مسند أبي داود الطيالسي حدّاً قدّمه ابن حزم الأندلسي على موطّأ مالك، قال الذهبي: « قد ذكر لابن حزم قول من يقول: أجلّ المصنفات الموطّأ. فقال: بل أولى الكتب بالتعظيم: الصحيحان، وصحيح سعيد بن السّكن، والمنتقى لابن الجارود، والمنتقى لقاسم بن أصبغ، ومصنّف الطّحاوي، ومسند البزار، ومسند ابن أبي شيبة، ومسند أحمد بن حنبل، ومسند ابن راهويه، ومسند الطيالسي، ومسند الحسن بن سفيان وما جرى مجرى هذه الكتب التي أفردت لكلام رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - صرفاً.

ثم بعدها التي فيها كلامه وكلام غيره مثل: مصنّف عبد الرزاق وموطأ ابن أنس، وموطأ ابن أبي ذئب »(٢). .

ترجمة ابن حزم

وابن حزم - الذي قدّم سند الطّيالسي على موطأ مالك - ترجم له:

__________________

(١). الإِكتفاء في فضائل الأربعة الخلفاء - مخطوط.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٣ / ١١٥٣.

٧٠

١ - الذهبي: « أبو محمد ابن حزم العلامة علي بن أحمد صاحب المصنفات، مات مشرّداً عن بلده وكان إليه المنتهى في الذكاء وحدّة الذهن وسعة العلم، بالكتاب والسنّة والمذاهب والملل والنحل والعربية والأدب والمنطق والشعر، مع الصّدق والأمانة والدّيانة والحشمة »(١). .

٢ - السيوطي: « ابن حزم الإِمام العلّامة الحافظ الفقيه مات في جمادى الاُولى سنة ٤٥٧»(٢). .

والجدير بالذكر ما ذكره ابن عربي في ( الفتوحات المكية ) من أنّه:

« رأيت النبيّ في المنام وقد عانق أبا محمّد ابن حزم المحدّث، فغاب الواحد في الآخر فلم ير إلّا واحد وهو رسول الله. فهذه غاية الوصلة، وهو المعبّر عنه بالاتّحاد ».

مسند الطيالسي في كتب الأسانيد

ومسند أبي داود الطيالسي من الكتب المشهورة المعتبرة، ولذا ذكره ( الدهلوي ) في كتابه ( بستان المحدثين ) الذي صنّفه في الكتب المعروفة المشهورة

وهو أيضاً من الكتب التي يذكر العلماء أسانيدهم إليها في رسائلهم المصنّفة في ذكر الأسانيد إلى الكتب الجليلة وهذا سند رواية أبي مهدي عيسى بن محمّد الثعالبي كما جاء في ( مقاليد الأسانيد ) والثعلبي - كما هو معروف - من المشايخ السبعة الذين يفتخر والد ( الدهلوي ) باتّصال أسانيده إليهم، وهو من العلماء الأعيان في القرن الحادي عشر(٣). :

__________________

(١). العبر ٢ / ٣٠٦.

(٢). طبقات الحفّاظ: ٤٣٥.

(٣). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ٣ / ٢٤٠.

٧١

« مسند أبي داود الطيالسي. قال الحافظ ابن حجر: هو القدر الذي جمعه بعض الأصفهانيّين من رواية يونس بن حبيب. أخبرني - أي علي بن محمّد بن عبد الرحمن الأجهوري به، قراءةً منّي عليه بجملة المسند من حديث أبي بكر الصّديق إلى حديث عمر، وإجازة لسائره - عن الشمس الرملي، عن زكريا. - ح - وعن البرهان العلقمي، عن عبد الحق السنباطي. كلاهما عن الحافظ أبي الفضل ابن حجر قال: قراءة على أبي الفرج عبد الرحمن بن المبارك الغزي ثم القاهري. - ح - وعن النور القرافي والكرخي وابن الجاتي عن الجلال السيوطي، سماعاً لكثير منه على أبي الفضيل محمّد بن عمر بن حصن الملتوتي، وإجازةً لسائره عن أبي الفرج الغزّي سماعاً وإجازةً لما فات عن أبي العباس أحمد بن منصور الجوهري. - ح - قال الجلال السيوطي: وأخبرني به عالياً محمّد بن محمّد بن مقبل الحلبي، عن الصّلاح بن أبي عمر قال هو والجوهري: أخبرنا به الفخر ابن البخاري قال الجوهري سماعاً وقال الآخر إجازةً قال: أخبرنا أبو المكارم أحمد بن محمّد بن اللبّان وأبو جعفر الصّيدلاني إجازة قال: أخبرنا أبو علي الحداد - قال الأول: سماعا، وقال الثاني: حضورا - قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ. قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس سماعاً قال: حدّثنا يونس بن حبيب قال: حدّثنا أبو داود الطيالسي فذكره »

عبارة ابن عبد البر كاملة

ولنذكر عبارة الحافظ ابن عبد البر كاملةً لبعض الفوائد المستفادة من سياق كلامه، فإنه قال بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« روي عن: سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وحذيفة، وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم: إن علي بن أبي طالب أوّل من أسلم، وفضّله هؤلاء على غيره.

٧٢

قال ابن إسحاق: أوّل من آمن بالله ورسوله محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - خديجة ومن الرجال علي بن أبي طالب. وهو قول ابن شهاب إلّا أنّه قال من الرجال بعد خديجة، وهو قول الجميع في خديجة.

حدّثنا أحمد بن محمّد، حدّثنا أحمد بن الفضل، حدّثنا محمّد بن جرير قال قال أحمد بن عبد الله الدقاق: حدّثنا مفضل بن صالح، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لعلي أربع خصال ليست لأحدٍ غيره: هو أول عربي وعجمي صلّى مع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم فرّ عنه غيره، وهو الذي غسّله وأدخله في قبره.

وقد مضى في باب أبي بكر ذكر من قال إن أبا بكر أول من أسلم.

وروي عن سلمان الفارسي أنّه قال: أول هذه الاُمة وروداً على نبيّها الحوض أوّلها إسلاماً علي بن أبي طالب.

وروي هذا الحديث مرفوعاً عن سلمان الفارسي عن النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - أنّه قال: أول هذه الأمة وروداً على الحوض أوّلها إسلاماً علي بن أبي طالب. ورفعه أولى، لأنّ مثله لا يدرك بالرأي.

حدّثنا أحمد بن قاسم، حدّثنا قاسم بن أصبغ، حدّثنا الحارث بن أبي اُسامة، حدّثنا يحيى بن هاشم، حدّثنا سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن حنش بن المعتمر، عن عليم الكندي، عن سلمان الفارسي قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: أوّلكم وروداً على الحوض أوّلكم إسلاماً علي بن أبي طالب.

وروى أبو داود الطيالسي: حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس: إن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال لعلي: أنت ولي كل مؤمنٍ بعدي.

وبه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - إنه قال: أول من صلّى مع النبي

٧٣

- صلّى الله عليه وسلّم - بعد خديجة علي بن أبي طالب.

حدّثنا عبد الوارث بن سفيان، حدّثنا قاسم بن أصبغ، حدّثنا أحمد بن زهير بن حرب، حدّثنا الحسن بن حماد، حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان علي أوّل من آمن بالله من الناس بعد خديجة.

قال أبو عمر: هذا إسناد لا مطعن فيه لأحدٍ لصحته وثقة نقلته »(١). .

اعتبار كتاب الإِستيعاب

وقد وصف ابن عبد البر كتابه ( الاستيعاب ) بما يدلُّ على اعتباره حيث قال في مقدّمته:

« واعتمدت في هذا الكتاب على الكتب المشهورة عند أهل العلم بالسّير والأنساب، وعلى التواريخ المعروفة التي عليها عوّل العلماء في معرفة أيام الإِسلام وسير أهله ».

وقال ابن الأثير في مقدمة ( أسد الغابة ): « وقد جمع الناس في أسمائهم كتباً كثيرةً، ومنهم من ذكر كثيراً من أسمائهم في كتب الأنساب والمغازي وغير ذلك، واختلفت مقاصدهم فيها، إلّا أن الذي انتهى إليه جمع أسمائهم الحافظان أبو عبد الله ابن مندة وأبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهانيان، والإِمام أبو عمر ابن عبد البر القرطبي، رضي الله عنهم، وأجزل ثوابهم، وحمد سعيهم، وعظّم أجرهم، وأكرم مآبهم، فلقد أحسنوا فيما جمعوا، وبذلوا جهدهم، وأبقوا بعدهم ذكراً جميلاً، فالله تعالى يثيبهم أجراً جزيلاً، فإنّهم جمعوا ما تفرّق منه ».

__________________

(١). الاستيعاب ٣ / ٢٧ - ٢٨.

٧٤

وقال ابن خلكان بترجمة ابن عبد البر: « وجمع في أسماء الصحابة كتاباً جليلاً سمّاه كتاب الإِستيعاب »(١). .

وقال الذهبي بترجمته: « وله تواليف لا مثل لها في جميع معانيها

ومنها كتاب الإِستيعاب في الصحابة ليس لأحدٍ مثله »(٢). .

وقال أيضاً: « وجمع كتاباً جليلاً مفيداً وهو الاستيعاب في أسماء الصحابة »(٣). .

وقال كاشف الظنون: « الإستيعاب في معرفة الأصحاب، مجلد، للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد الله المعروف بابن عبد البر النمري القرطبي المتوفى سنة ٤٦٣. وهو كتاب جليل القدر ...»(٤). .

وقال ( الدهلوي ) في ( بستان المحدّثين ): « الإِستيعاب في معرفة الأصحاب لأبي عمر ابن عبد البر، كتاب مشهور ومعروف ».

ونصّ تلميذه الرشيد الدهلوي في ( إيضاحه ) على أن ( الإستيعاب ) من الكتب المعتبرة.

ونص ابن الوزير الصنعاني في مقدمة كتابه ( الروض الباسم ) في ذكر ما الّف في الصحابة على أنّ ( الاستيعاب ) من مصادر كتاب ( اسد الغابة ) لابن الأثير ثم قال: « وأنفس كتاب فيهم كتاب عز الدين ابن الأثير ».

هذا، ولقد اعتمد علماء الكلام في غير موضع من بحوثهم على كتاب ( الإِستيعاب ) واستندوا إلى رواياته عند المناظرة مع الإِماميّة، فلاحظ كتاب ( التحفة ) لمؤلّفه ( الدهلوي ) وكتاب ( الإِيضاح ) لتلميذه الرشيد، وكتاب ( منتهى

__________________

(١). وفيات الأعيان ٧ / ٦٧.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٣ / ١١٢٩.

(٣). سير أعلام النبلاء ١٨ / ١٥٨.

(٤). كشف الظّنون ١ / ٨١.

٧٥

الكلام ) لحيدر علي الفيض آبادي وغيرها.

* و أخرجه أبو داود الطّيالسي بسندٍ صحيحٍ كذلك عن عمران بن حصين، وهذا نصّ روايته:

« حدّثنا جعفر بن سليمان الضبعي، حدّثنا يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن عمران بن حصين: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث علياً في جيش، فرأوا منه شيئاً فأنكروه، فاتّفق أربعة نفر وتعاقدوا أنْ يخبروا النبي صلّى الله عليه وسلّم بما صنع علي. قال عمران: وكنا إذا قدمنا من سفر لم نأت أهلنا حتى نأتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وننظر إليه، فجاء النفر الأربعة، فقام أحدهم فقال:

يا رسول الله، ألم تر أنّ علياً صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

ثم قام الثالث فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

ثم قام الرابع فقال مثل ذلك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

ما لهم ولعلي! إنّ علياً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(١). .

وأمّا صحّة هذا الإِسناد فستعلم عند ما نذكر تراجم رواته في الكلام على رواية أحمد بن حنبل.

(٢)

رواية ابن أبي شيبة

وأخرجه الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمّد المعروف بابن أبي شيبة في ( المصنّف ) وهذا نص روايته:

__________________

(١). مسند الطيالسي: ١١١ رقم: ٨٢٩.

٧٦

« ١٢١٧٠ - حدّثنا عفّان قال: ثنا جعفر بن سليمان قال: حدّثني يزيد الرشك، عن مطرف، عن عمران بن حصين قال:

بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرية، واستعمل عليهم عليّاً، فصنع علي شيئاً أنكروه، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يعلموه، وكانوا إذا قدموا من سفرٍ بدأوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسلّموا عليه ونظروا إليه ثم ينصرفون إلى رحالهم. قال: فلما قدمت السرية سلّموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله: ألم تر أنّ علياً صنع كذا وكذا؟ فأقبل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - يعرف الغضب في وجهه - فقال:

ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ علي منّي وأنا من علي، وعلي وليّ كلّ مؤمن بعدي»(١). .

أمّا أنّه قد صحّحه، فقد نصَّ على ذلك الحافظ السيوطي حيث قال:

« الحديث الأربعون - عن عمران بن حصين: إن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: علي منّي وأنا من علي وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي.

أخرجه ابن أبي شيبة وصحّحه »(٢). .

ترجمة أبي بكر ابن أبي شيبة

ولنذكر بعض كلماتهم في مدح ابن أبي شيبة:

١ - عبد الغني المقدسي: « قال أبو زرعة الرازي: ما رأيت أحفظ من أبي بكر ابن أبي شيبة. وقال صالح بن محمد: أعلم من أدركت بالحديث

__________________

(١). المصنّف ١٢ / ٧٩ - ٨٠.

(٢). القول الجلي في مناقب علي: ٦٠.

٧٧

وعلله علي بن المديني، وأعلمهم بتصحيف المشايخ يحيى بن معين، وأحفظهم عند المذاكرة أبو بكر ابن أبي شيبة

... سمعت أبا جعفر محمّد بن صالح بن هاني يقول: سمعت يحيى ابن معين - وسألته عن سماع أبي بكر ابن أبي شيبة من شريك - فقال: أبو بكر عندنا صدوق، ولو ادّعى السماع ممّن هو أجلّ من شريك لكان مصدّقاً

... أخبرنا أبو طاهر السّلفي حدّثني محمد بن إبراهيم مربّع الحافظ قال: قدم علينا أبو بكر ابن أبي شيبة فانقلبت به بغداد، ونصب له منبر في جامع الرصافة

... سمعت عمرو بن علي يقول: ما رأيت أحفظ من ابن أبي شيبة، قدم علينا مع علي بن المديني

... حدّثني أبو زيد العلقي قلت لأحمد بن حميد: من أحفظ أهل الكوفة؟ فقال: أبو بكر ابن أبي شيبة. فذكرت ذلك لأبي بكر فقال: ما ظننته يقرّ لي. قال أحمد بن علي: أحمد بن حميد، يعرف بدار ام سلمة، وكان من شيوخ الكوفيّين ومفتيهم وحفّاظهم.

وقال أحمد بن حنبل: أبو بكر ابن أبي شيبة صدوق.

وقال أبو حاتم: كوفي ثقة.

قال البخاري: مات في المحرم سنة ٢٣٥ »(١). .

٢ - الذهبي: « الإِمام العلم سيّد الحفّاظ وصاحب الكتب الكبار: المسند والمصنف والتفسير وهو من أقران: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن المديني، في السنّ والمولد والحفظ، ويحيى بن معين أسن منهم بسنوات

وكان بحراً من بحور العلم، وبه يضرب المثل في قوة الحفظ.

__________________

(١). الكمال في أسماء الرجال - مخطوط.

٧٨

حدّث عنه: الشيخان، وأبو داود، وابن ماجة

وقال أحمد بن حنبل: أبو بكر صدوق، وهو أحبّ إليَّ من أخيه عثمان.

وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان أبو بكر ثقةً حافظاً للحديث.

وقال عمرو بن علي الفلّاس: ما رأيت أحداً أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة

قال الحافظ أبو العباس ابن عقدة: سمعت عبد الرحمن بن خراش يقول: سمعت أبا زرعة يقول: ما رأيت أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة

قال الخطيب: كان أبو بكر متقناً حافظاً »(١). .

٣ - الذهبي أيضاً: « أبو بكر بن أبي شيبة، الحافظ، عديم النظير، الثبت النحرير قال أحمد: أبو بكر صدوق هو أحب إليَّ من أخيه عثمان. وقال العجلي: ثقة حافظ وقال الفلاس: ما رأيت أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة، وكذا قال أبو زرعة الرازي.

وقال أبو عبيد: انتهى الحديث إلى أربعة: فأبو بكر بن أبي شيبة أسردهم له، وأحمد أفقههم فيه، وابن معين أجمعهم له، وابن المديني أعلمهم به.

وقال صالح بن محمد: أعلم من أدركت بالحديث وعلله ابن المديني، وأحفظهم له عند المذاكرة أبو بكر بن أبي شيبة.

وعن أبي عبيد قال: أحسنهم وضعاً للكتاب أبو بكر بن أبي شيبة. وقال الخطيب: كان أبو بكر متقناً حافظاً، صنف المسند والأحكام والتفسير.

قال البخاري: مات في سنة ٢٣٥ »(٢). .

٤ - ابن حجر: « روى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجة، وروى له النسائي بواسطة أحمد بن علي القاضي وزكريا السّاجي

__________________

(١). سير أعلام النبلاء ١١ / ١٢٢.

(٢). تذكرة الحفاظ ٢ / ٤٣٢.

٧٩

وأحمد بن حنبل ومحمد بن سعد، وأبو زرعة وأبو حاتم »(١). .

نقل السيوطي تصحيحه وموافقته له

ولقد نقل السيوطي الحافظ في رسالته ( القول الجلي ) تصحيح أبي بكر ابن أبي شيبة هذا الحديث الشريف، وسكت عليه كما عرفت، والسكوت في هكذا موضع قبول وموافقة.

وقد ذكر الحافظ السيوطي في خطبة رسالته المذكورة ما يدل على اعتبار أحاديثها حيث قال: « وبعد، فهذه نبذة من قطرة من قطرات بحار زاخرة، أوردت فيها يسيراً من المناقب الباهرة، لسيدنا علي كرّم الله وجهه، ملقبة بالقول الجلي في فضائل علي، وضمّنتها أربعين حديثاً متبعة بالعزو لمخرجيها، وبيان بعض عريب ألفاظها ومشكل معانيها. والله أسأل أنْ يتحفني بالقبول، وأن يرزقني ببركة الإِستمساك بحبّ أهل البيت أشرف مأمول ».

حكم السيوطي بصحة الحديث

بل إنّ السيوطي نفسه يرى صحّة هذا الحديث، حيث ينصّ على ذلك في كتابه ( جمع الجوامع ) فيقول: « علي منّي وأنا من علي وعلي ولي كلّ مؤمن بعدي. ش في المصنف عن عمران بن حصين. صحيح »(٢). .

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٦ / ٣.

(٢). جمع الجوامع - انظر ترتيبه: كنز العمال ١١ / ٣٢٩٤١.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147