الإصابة في تمييز الصحابة الجزء ١

الإصابة في تمييز الصحابة0%

الإصابة في تمييز الصحابة مؤلف:
المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الناشر: دار الكتب العلميّة
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 805

الإصابة في تمييز الصحابة

مؤلف: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الناشر: دار الكتب العلميّة
تصنيف:

الصفحات: 805
المشاهدات: 6544
تحميل: 1727


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 805 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 6544 / تحميل: 1727
الحجم الحجم الحجم
الإصابة في تمييز الصحابة

الإصابة في تمييز الصحابة الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار الكتب العلميّة
العربية

١٦١
١٦٢

١٦٣
١٦٤

مقدمة

[قال شيخنا الإمام شيخ الإسلام ، ملك العلماء الأعلام ، حافظ العصر وممليه ، وحامل لواء السنّة فيه ، إمام المعدلين والمخرجين : أبو الفضل شهاب الدّين أحمد بن عليّ ابن محمّد بن محمّد بن عليّ بن أحمد بن حجر العسقلانيّ الشّافعيّ. أبقاه الله(١) في خير وعافية](٢) .

الحمد لله الّذي أحصى كلّ شيء عددا ، ورفع بعض خلقه على بعض ، فكانوا طرائق قددا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ولا يكون أبدا ، وأشهد أن(٣) محمدا عبده ورسوله وصفيّه(٤) وخليله. أكرم به عبدا سيّدا ، وأعظم به حبيبا مؤيدا ، فما أزكاه أصلا ومحتدا ، وأطهره مضجعا ومولدا ، وأكرمه أصحابا ، كانوا نجوم الاهتداء ، وأئمة الاقتداء ، صلى الله عليه وعليهم صلاة خالدة(٥) ، وسلاما مؤبّدا [وسلّم تسليما](٦) .

أما بعد ، فإن من أشرف العلوم الدينية علم الحديث النبويّ ، ومن أجلّ معارفه تمييز أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ممن خلف بعدهم.

وقد جمع في ذلك جمع من الحفاظ تصانيف(٧) بحسب ما وصل إليه اطلاع كل منهم ، فأول من عرفته صنف في ذلك أبو عبد الله البخاريّ : أفرد في ذلك تصنيفا ، ينقل منه أبو القاسم البغويّ وغيره ، وجمع أسماء الصحابة مضموما إلى من بعدهم جماعة من طبقة مشايخه ، كخليفة بن خيّاط ، ومحمّد بن سعد ، ومن قرنائه كيعقوب بن سفيان ، وأبي بكر ابن أبي(٨) خيثمة ، وصنف في ذلك جمع بعدهم كأبي القاسم البغويّ ، وأبي بكر بن أبي

__________________

(١) في د تعالى.

(٢) ما بين المعقوفين سقط في أ ، ج ، ت ، ه.

(٣) في ت سيدنا.

(٤) في أ ، د وحبيبه.

(٥) سقط في ه.

(٦) سقط في أ ، ب ، ج ، ه.

(٧) في د في تصانيف.

(٨) سقط في أ ، د.

١٦٥

داود ، وعبدان ، ومن قبلهم بقليل كمطين ، ثم كأبي عليّ بن السّكن ، وأبي حفص بن شاهين ، وأبي منصور الماورديّ ، وأبي حاتم بن حبّان ، وكالطّبرانيّ ضمن معجمه الكبير ، ثم كأبي عبد الله بن مندة ، وأبي نعيم ، ثم كأبي عمر بن عبد البرّ ، وسمّى كتابه «الاستيعاب» ، لظنه أنه استوعب ما في كتب من قبله ، ومع ذلك ففاته شيء كثير ، فذيّل عليه أبو بكر بن فتحون ذيلا حافلا ، وذيل عليه جماعة في تصانيف لطيفة ، وذيل أبو موسى المديني على ابن مندة ذيلا كبيرا.

وفي أعصار هؤلاء خلائق يتعسّر حصرهم ممن صنف في ذلك أيضا إلى أن كان في أوائل القرن السابع ، فجمع عزّ الدّين بن الأثير كتابا حافلا سماه «أسد الغابة» جمع فيه كثيرا من التصانيف المتقدمة ، إلا أنه تبع من قبله ، فخلط من ليس صحابيا بهم ، وأغفل كثيرا من التنبيه على كثير من الأوهام الواقعة في كتبهم ، ثم جرّد الأسماء التي في كتابه مع زيادات عليها الحافظ أبو عبد الله الذّهبيّ ، وعلم لمن ذكر غلطا(١) ولمن لا تصح صحبته ، ولم يستوعب ذلك ولا قارب.

وقد وقع لي بالتّتبّع كثير من الأسماء التي ليست في كتابه ولا أصله على شرطهما ، فجمعت كتابا كبيرا في ذلك ميزت فيه الصحابة من غيرهم ، ومع ذلك فلم يحصل لنا [من ذلك](٢) جميعا الوقوف(٣) على العشر من أسامي الصحابة بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زرعة الرّازيّ ، قال : توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة ، كلهم قد روى عنه سماعا أو رؤية.

قال ابن فتحون في ذيل «الاستيعاب» ـ بعد أن ذكر ذلك : أجاب أبو زرعة بهذا سؤال من سأله عن الرّواة خاصة ، فكيف بغيرهم؟ ومع هذا فجميع من [في الاستيعاب يعني ممن(٤) ذكر فيه](٥) باسم أو كنية(٦) ، وهما ثلاثة آلاف وخمسمائة ، وذكر أنه استدرك عليه على شرطه قريبا ممن ذكره.

قلت : وقرأت بخط الحافظ الذهبي من ظهر كتابه «التجريد» : لعل الجميع ثمانية آلاف إن لم يزيدوا لم ينقصوا ، ثم رأيت بخطه أنّ جميع من [في «أسد الغابة» سبعة آلاف](٧) وخمسمائة [وأربعة وخمسون نفسا](٨) .

__________________

(١) في د غلط.

(٢) سقط في ج.

(٣) في ج من له الوقوف.

(٤) في ج بمن.

(٥) ما بين المعقوفين بياض في ت.

(٦) في أكنيته.

(٧) ما بين المعقوفين بياض في ت.

(٨) سقط في أ ، د.

١٦٦

ومما يؤيد قول أبي زرعة ما ثبت في [الصحيحين عن كعب بن مالك في قصة](١) تبوك : والناس كثير لا يحصيهم ديوان.

وثبت عن الثّوريّ فيما [أخرجه الخطيب بسنده الصحيح إليه(٢) ، قال :](٣) من قدّم عليا على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفا [مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو عنهم راض ،](٤) فقال النووي : وذلك بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم باثني عشر عاما بعد أن مات في خلافة أبي بكر في الردّة والفتوح ـ الكثير ممن لم يضبط أسماؤهم ، ثم مات في خلافة عمر في الفتوح وفي الطاعون العام وعمواس وغير ذلك من لا يحصى كثرة.

وسبب خفاء أسمائهم أن أكثرهم أعراب ، وأكثرهم حضروا حجّة الوداع. والله أعلم.

وقد كثر سؤال جماعة من الإخوان في تبييضه ، فاستخرت الله تعالى في ذلك ، ورتبته على أربعة أقسام في كل حرف منه : فالقسم الأول ـ فيمن وردت صحبته بطريق الرواية عنه ، أو عن غيره ، سواء كانت الطريق صحيحة ، أو حسنة ، أو ضعيفة ، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان.

وقد كنت أولا رتبت هذا القسم الواحد على ثلاثة أقسام ، ثم بدا لي أن أجعله(٥) قسما واحدا ، وأميّز ذلك في كل ترجمة.

القسم الثاني : من ذكر في الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لبعض الصحابة(٦) من النساء والرجال ، ممن ماتصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو في دون سن التمييز ، إذ ذكر أولئك في الصحابة إنما هو على سبيل الإلحاق ، لغلبة الظنّ على أنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم رآهم لتوفّر(٧) دواعي أصحابه على إحضارهم أولادهم عنده عند ولادتهم ليحنّكهم ويسمّيهم ويبرّك عليهم ، والأخبار بذلك كثيرة شهيرة : ففي صحيح مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم «كان يؤتى بالصبيان فيبرّك عليهم»(٨) .

__________________

(١) بياض في ت.

(٢) سقط في ج.

(٣) بياض في ت.

(٤) بياض في ت.

(٥) في ج أجمعه.

(٦) في د أصحابه.

(٧) في أ ، د لتوفير.

(٨) أخره مسلم في الصحيح ١ / ٢٣٧ عن عائشة كتاب الطهارة (٢) باب حكم بول للطفل الرضيع وكيفية ـ

١٦٧

وأخرجه الحاكم في كتاب «الفتن»(١) في المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف قال : ما كان يولد لأحد مولود إلا أتي به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا له ـ الحديث. وأخرج ابن شاهين(٢) في كتاب الصحابة في ترجمة محمد بن طلحة بن عبد الله من طريق محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة(٣) عن ظئر محمد بن طلحة ، قال : لما ولد محمد بن طلحة أتيت به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ليحنّكه ويدعو له ، وكذلك كان يفعل بالصبيان(٤) ، لكن أحاديث هؤلاء عنه من قبيل المراسيل عند المحققين من أهل العلم بالحديث ، ولذلك أفردتهم عن أهل القسم الأول.

القسم الثالث ـ فيمن ذكر في الكتب المذكورة من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ، ولم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا رأوه ، سواء أسلموا في حياته أم لا ، وهؤلاء ليسوا أصحابه باتفاق من أهل العلم بالحديث ، وإن كان بعضهم قد ذكر بعضهم في كتب معرفة الصحابة فقد أفصحوا بأنهم لم يذكروهم إلا بمقاربتهم لتلك الطبقة ، لا أنهم من أهلها.

وممن أفصح بذلك ابن عبد البرّ ، وقبله أبو حفص بن شاهين ، فاعتذر عن إخراجه ترجمة النجاشي بأنه صدق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم في حياته وغير ذلك ، ولو كان من هذا(٥) سبيله يدخل عنده في الصحابة ما احتاج إلى اعتذار.

وغلط من جزم في نقله عن ابن عبد البر بأنه يقول بأنهم صحابة ، بل مراد ابن عبد البر بذكرهم واضح في مقدمة كتابه بنحو مما(٦) قررناه ، وأحاديث هؤلاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مرسلة بالاتفاق بين أهل العلم بالحديث ، وقد صرح ابن عبد البر نفسه بذلك في التمهيد وغيره من كتبه.

القسم الرابع ـ فيمن ذكر في الكتب المذكورة على سبيل الوهم والغلط ، وبيان ذلك

__________________

ـ غسله (٣١) حديث رقم (١٠١ / ٢٨٦) وابن أبي شيبة في المصنف ٧ / ٣٧٨ ، والتبريزي في مشكاة المصابيح حديث رقم ٤١٥٠.

(١) في ج ، د من.

(٢) في أ ، د وروينا.

(٣) في ج الطلحة.

(٤) أورده الهيثمي في الزوائد ٨ / ٥٢ عن ظئر محمد بن طلحة وقال رواه الطبراني وفيه إبراهيم بن عثمان أبو شيبة وهو متروك.

(٥) في ج من كان هذا.

(٦) في د ما.

١٦٨

البيان الظاهر الّذي يعوّل عليه على طرائق أهل الحديث ، ولم أذكر فيه إلا ما كان الوهم فيه بيّنا. وأما مع احتمال عدم الوهم فلا ، إلّا أن كان ذلك الاحتمال يغلب على الظن بطلانه.

وهذا القسم الرابع لا أعلم من سبقني إليه ، ولا من حام طائر فكره عليه ، وهو الضالة المطلوبة في هذا الباب الزاهر ، وزبدة ما يمخضه [من هذا](١) الفن اللبيب الماهر.

والله تعالى أسأل أن يعين على إكماله ، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، ويجازيني به خير الجزاء في دار إفضاله ، إنه قريب مجيب.

وقبل الشروع في الأقسام المذكورة أذكر فصولا مهمّة يحتاج إليها في هذا النوع.

__________________

(١) سقط في ج.

١٦٩

الفصل الأول

في تعريف الصحابي

وأصحّ ما وقفت عليه من ذلك [أن](١) الصحابيّ : من لقي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم مؤمنا به ، ومات على الإسلام ، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت ، ومن روى عنه أو لم يرو ، ومن غزا معه أو لم يغز ، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه ، ومن لم يره لعارض كالعمى.

ويخرج بقيد «الإيمان» من لقيه كافرا ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى.

وقولنا : «به» يخرج من لقيه مؤمنا بغيره ، كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة. وهل يدخل من لقيه منهم وآمن بأنه سيبعث أو لا يدخل؟ محلّ احتمال. ومن هؤلاء بحيرا الراهب ونظراؤه.

ويدخل في قولنا : «مؤمنا به» كلّ مكلف من الجن والإنس ، فحينئذ يتعيّن ذكر من حفظ ذكره من الجن الذين آمنوا به بالشرط المذكور. وأما إنكار ابن الأثير على أبي موسى تخريجه لبعض الجن الذين عرفوا في كتاب الصحابة فليس بمنكر لما ذكرته.

وقد قال ابن حزم في «كتاب الأقضية» من «المحلّى» : من ادّعى الإجماع فقد كذب على الأمة ، فإن الله تعالى قد أعلمنا أن نفرا من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهم صحابة فضلاء ، فمن أين للمدّعي إجماع أولئك؟.

وهذا الّذي ذكره في مسألة الإجماع لا نوافقه عليه ، وإنما أردت نقل(٢) كلامه في كونهم صحابة.

وهل تدخل الملائكة؟ محلّ نظر ، قد قال بعضهم : إن ذلك يبنى على أنه هل كان مبعوثا إليهم أم لا؟ وقد نقل الإمام فخر الدين في أسرار التنزيل الإجماع على أنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن مرسلا إلى الملائكة ، ونوزع في هذا النقل ، بل رجح الشيخ تقي الدين السبكي أنه كان مرسلا إليهم. واحتج بأشياء يطول شرحها. وفي صحة بناء هذه المسألة على هذا الأصل نظر لا يخفى.

وخرج بقولنا : «ومات على الإسلام» من لقيه مؤمنا به ثم ارتدّ ، ومات على ردّته

__________________

(١) سقط في د.

(٢) في د نقل.

١٧٠

والعياذ بالله. وقد وجد من ذلك عدد يسير ، كعبيد الله بن جحش الّذي كان زوج أم حبيبة ، فإنه أسلم معها ، وهاجر إلى الحبشة ، فتنصّر هو ومات على نصرانيته. وكعبد الله بن خطل الّذي قتل وهو متعلّق بأستار الكعبة ، وكربيعة بن أميّة بن خلف على ما سأشرح خبره في ترجمته في القسم الرابع من حرف الراء.

ويدخل فيه من ارتدّ وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت ، سواء اجتمع بهصلى‌الله‌عليه‌وسلم مرة أخرى أم لا ، وهذا هو الصحيح المعتمد.

والشقّ الأول لا خلاف في دخوله. وأبدى بعضهم في الشق الثاني احتمالا ، وهو مردود لإطباق أهل الحديث على عدّ الأشعث بن قيس في الصحابة ، وعلى تخريج أحاديثه في الصحاح والمسانيد ، وهو ممن ارتدّ ثم عاد إلى الإسلام في خلافة أبي بكر.

وهذا التعريف مبنيّ على الأصح المختار عند المحققين ، كالبخاري ، وشيخه أحمد ابن حنبل ، ومن تبعهما ، ووراء ذلك أقوال أخرى شاذّة ، كقول من قال : لا يعدّ صحابيا إلّا من وصف بأحد أوصاف أربعة : من طالت مجالسته ، أو حفظت روايته ، أو ضبط أنه غزا معه ، أو استشهد بين يديه ، وكذا من اشترط في صحة الصحبة بلوغ الحلم ، أو المجالسة ولو قصرت.

وأطلق جماعة أنّ من رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم [فهو صحابي. وهو محمول على من بلغ سنّ التمييز ، إذ من لم يميز لا تصحّ نسبة الرؤية إليه. نعم يصدق أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم رآه فيكون صحابيا من هذه الحيثية ، ومن حيث الرواية يكون تابعيا ، وهل يدخل من رآه ميتا قبل أن يدفن كما وقع ذلك لأبي ذؤيب الهذلي الشاعر؟ إن صح محل نظر. والراجح عدم الدخول. ومما جاء عن الأئمة من الأقوال(١) المجملة في الصفة التي يعرف بها كون الرجل صحابيا وإن لم يرد التنصيص على ذلك ـ ما أورده ابن أبي شيبة في «مصنّفه» من طريق لا بأس به ، أنهم كانوا في الفتوح لا يؤمّرون إلا الصحابة. وقول ابن عبد البر : لم يبق بمكة(٢) ، ولا الطائف(٣) أحد

__________________

(١) في أ ، د الأفعال.

(٢) مكة : علم على جميع البلدة وهي البلدة المعروفة المعظمة المحجوجة غير مصروفة للعلمية والتأنيث وقد سماها الله تعالى في القرآن أربعة أسماء مكة ، والبلدة ، والقرية ، وأم القرى قال ابن سيده : سميت مكة لقلة مائها وذلك أنهم كانوا يمكون الماء فيها أي يستخرجونه وقيل : لأنها كانت تمك من ظلم فيها أي تهلكه وأما بكة بالباء ففيها أربعة أقوال. أحدها : أنهم اسم لبقعة البيت والثاني : أنها ما حول البيت ومكة ما وراء ذلك والثالث أنها اسم للمسجد والبيت ومكة للحرم كله والرابع : أن مكة هي بكة قاله الضحاك واحتج بأن الباء والميم يتعاقبان يقال سمد رأسه وسبده وضربه لازم ولازب. انظر : المطلع / ١٨٦ ، ١٨٧.

(٣) الطائف : بعد الألف همزة مكسورة ثم فاء : كانت تسمّى قديما وج وسميت الطائف لما أطيف عليها ـ

١٧١

في سنة عشر إلا أسلم ، وشهد مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حجّة الوداع. ومثل ذلك قول بعضهم في الأوس والخزرج : إنه لم يبق منهم في آخر عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا من دخل في الإسلام ، وما مات النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأحد منهم يظهر الكفر. والله أعلم.

الفصل الثاني

في الطريق إلى معرفة كون الشخص صحابيا

وذلك بأشياء : أولها أن يثبت بطريق التواتر أنه صحابي ، ثم بالاستفاضة والشهرة ، ثم بأن يروى عن آحاد(١) من الصحابة أن فلانا له صحبة مثلا ، وكذا عن آحاد التابعين ، بناء على قبول التزكية من واحد ، وهو الراجح ثم بأن يقول هو إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة : أنا صحابي.

أما الشرط الأول ـ وهو العدالة ـ فجزم به الآمديّ وغيره ، لأن قوله قبل أن تثبت عدالته: أنا صحابي أو ما يقوم مقام ذلك ـ يلزم من قبول قوله إثبات عدالته ، لأن الصحابة كلهم عدول ، فيصير(٢) بمنزلة قول القائل : أنا عدل ، وذلك لا يقبل.

وأما الشرط الثاني ـ وهو المعاصرة ـ فيعتبر بمضيّ مائة سنة وعشر سنين من هجرة(٣) النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في آخر عمره لأصحابه : «أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإنّ على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممّن هو اليوم عليها أحد». رواه البخاريّ ، ومسلم من حديث ابن عمر.زاد مسلم من حديث جابر أن ذلك كان قبل موتهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بشهر. ولفظه : سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول قبل أن يموت بشهر : «أقسم بالله ، ما على الأرض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة وهي حيّة يؤمئذ»(٤) .

__________________

ـ الحائط وهي ناحية ذات نخيل وأعناب ومزارع وأودية وهي على ظهر جبل غزوان وبها عقبة مسيرة يوم للطالع من مكة ونصف يوم للهابط إلى مكة يمشي فيها ثلاثة أجمال بأحمالها. انظر : مراصد الاطلاع ٢ / ٨٧٧.

(١) في د آحاد الصحابة.

(٢) في أ ، د فيكون.

(٣) في أ ، وفاة.

(٤) أخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ١٩٦٦ عن جابر بلفظ متقارب كتاب فضائل الصحابة (٤٤) باب قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم حديث رقم (٢١٧ / ٢٥٣٧ ، ٢١٨ / ٢٥٣٨ ، ٢١٩ / ٢٥٣٩ ، ٢٢٠ / ٢٥٣٩) وأخرجه الحاكم في المستدرك ٤ / ٤٩٩ عن جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ما من ـ

١٧٢

ولهذه النكتة لم يصدق الأئمة أحدا ادعى الصحبة بعد الغاية المذكورة. وقد ادعاها جماعة فكذّبوا ، وكان آخرهم رتن الهندي على ما سنذكر تراجمهم كلهم في القسم الرابع ، لأن الظاهر كذبهم في دعواهم على ما قررته.

ثم من لم يعرف حاله إلا من جهة نفسه فمقتضى كلام الآمديّ الّذي سبق ومن تبعه ألا تثبت صحبته. ونقل أبو الحسن بن القطّان فيه الخلاف ورجّح عدم الثبوت. وأما ابن عبد البر فجزم بالقبول بناء على أن الظاهر سلامته من الجرح ، وقوي ذلك بتصرف أئمة الحديث في تخريجهم أحاديث هذا الضرب في مسانيدهم. ولا ريب في انحطاط رتبة من هذا سبيله عمن مضى. ومن صور هذا الضرب أن يقول التابعي : أخبرني فلان [مثلا](١) أنه سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ، سواء أسماء أم لا. أما إذا قال أخبرني رجل ، مثلا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بكذا فثبوت الصحبة بذلك بعيد ، لاحتمال الإرسال. ويحتمل التفرقة بين أن يكون القائل من كبار التابعين ، فيرجح القبول ، أو صغارهم فيرجح الرد. ومع ذلك فلم يتوقف من صنّف في الصحابة في إخراج من هذا سبيله في كتبهم. والله تعالى أعلم(٢) .

ضابط :(٣) يستفاد من معرفته صحبة جمع كثير يكتفى فيهم بوصف يتضمّن أنهم صحابة ، وهو مأخوذ من ثلاثة آثار : الأول : أخرج [ابن أبي شيبة](٤) من طريق قال : كانوا لا يؤمّرون في المغازي إلا الصحابة ، فمن تتبع الأخبار الواردة في الردّة والفتوح وجد من ذلك شيئا كثيرا ، وهم من القسم الأول.

الثاني : أخرج الحاكم من حديث عبد الرحمن بن عوف قال : كان لا يولد لأحد مولود. إلا أتي به النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فدعا له ، وهذا يؤخذ منه شيء كثير أيضا ، وهم من القسم الثاني.

[الثالث](٥) : وأخرج [ابن عبد البر](٦) من طريق [....](٧) قال : لم يبق بمكة والطائف [أحد في سنة عشر](٨) إلّا أسلم ، وشهد حجة الوداع. هذا وهم في نفس الأمر

__________________

ـ نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة عام وهي حية يومئذ. قال الحاكم قد أخرج مسلم هذا الحديث بهذا الإسناد في الصحيح ووافقه الذهبي.

(١) سقط في د.

(٢) في د والله تعالى أعلم.

(٣) هذا الضابط كله سقط في أ ، د.

(٤) بياض في ه.

(٥) سقط في ج ، ه.

(٦) ، (٧) ، (٨) بياض في ج ، ه.

الإصابة/ج١/م١١

١٧٣

عدد لا يحصون ، لكن يعرف الواحد منهم بوجود ما يقتضي أنه كان في ذلك الوقت موجودا ، فيلحق بالقسم الأول أو الثاني لحصول رؤيتهم بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم يرهم هو. والله أعلم.

الفصل الثالث

في بيان حال الصحابة من العدالة

اتفق أهل السنّة على أنّ الجميع عدول ، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة.وقد ذكر الخطيب في «الكفاية» فصلا نفيسا في ذلك ، فقال : عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، وإخباره عن طهارتهم ، واختياره لهم ، فمن ذلك قوله تعالى :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) [آل عمران : ١١٠]. وقوله :( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) [البقرة : ١٤٣].وقوله :( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ ) [الفتح : ١٨]. وقوله :( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) [التوبة : ١٠٠]. وقوله :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) [الأنفال : ٦٤]. وقوله :( لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً ، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) إلى قوله :( إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) [الحشر : ٨ : ١٠] ـ في آيات كثيرة يطول ذكرها ، وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها ، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ، ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق ، على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ، ونصرة الإسلام. وبذل المهج والأموال ، وقتل الآباء والأبناء(١) ، والمناصحة في الدين ، وقوة الإيمان واليقين ـ القطع على تعديلهم ، والاعتقاد لنزاهتهم ، وأنهم أفضل من جميع الخالفين بعدهم ، والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم.

هذا مذهب كافة العلماء ، ومن يعتمد قوله.

ثم روى بسنده إلى أبي زرعة الرّازيّ ، قال : إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول حقّ ، والقرآن حق ، وما جاء به حق ،

__________________

(١) في ج ، ه الأولاد.

١٧٤

وإنما أدى إلينا ذلك كلّه الصحابة ، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا](١) ليبطلوا الكتاب والسنّة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة. انتهى.

والأحاديث الواردة في تفضيل الصحابة كثيرة ، من أدلها على المقصود ما رواه الترمذي وابن حبان في «صحيحه» ، من حديث عبد الله بن مغفّل ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الله الله في أصحابي لا تتّخذوهم غرضا ، فمن أحبّهم فبحبي أحبّهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه»(٢) .

وقال أبو محمّد بن حزم : الصحابة كلّهم من أهل الجنة قطعا ، قال الله تعالى :( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى ) [الحديد : ١٠]. وقال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ) [الأنبياء : ١٠١]. فثبت أن الجميع من أهل الجنة ، وأنه لا يدخل أحد منهم النار ، لأنهم المخاطبون بالآية السابقة.

فإن قيل : التقييد بالإنفاق والقتال يخرج من لم يتصف بذلك ، وكذلك التقييد بالإحسان في الآية السابقة ، وهي(٣) قوله تعالى :( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ ) [التوبة : ١٠٠] الآية ـ يخرج من لم يتصف بذلك ، وهي من أصرح ما ورد في المقصود ، ولهذا قال المازري في «شرح البرهان» : لسنا نعني بقولنا : الصحابة عدول ـ كلّ من رآه صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوما ما ، أو زاره لماما(٤) ، أو اجتمع به لغرض وانصرف عن كثب ، وإنما نعني به الذين لازموه وعزّروه ونصروه ، واتبعوا النور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون. انتهى.

والجواب عن ذلك أن التقييدات المذكورة خرجت مخرج الغالب ، وإلا فالمراد من اتصف بالإنفاق والقتال بالفعل أو القوّة. وأما كلام المازري فلم يوافق عليه ، بل اعترضه

__________________

(١) من أول وأطلق جماعة أن من رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى هنا سقط في ب ، ت.

(٢) أخرجه الترمذي في سننه ٥ / ٦٥٣ كتاب المناقب باب ٥٨ في فضل من بايع تحت الشجرة حديث رقم ٣٨٦٢ وقال أبو عيسى الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وأحمد في المسند ٥ / ٥٤ ، ٥٧. وأبو نعيم في الحلية ٨ / ٢٨٧ ، وابن حبان في صحيح حديث رقم ٢٢٨٤ ، وابن عدي في الكامل ٤ / ١٤٨٥ وابن حجر في لسان الميزان ٣ / ١٢٦٩.

(٣) سقط في ه.

(٤) في ج لحالة.

١٧٥

جماعة من الفضلاء. وقال الشيخ صلاح الدين العلائي : هو قول غريب يخرج كثيرا من المشهورين بالصحبة والرواية عن الحكم بالعدالة ، كوائل بن حجر ، ومالك بن الحويرث ، وعثمان بن أبي العاص ، وغيرهم ، ممن وفد عليهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يقم عنده إلا قليلا وانصرف ، وكذلك من لم يعرف إلا برواية الحديث الواحد ، ولم يعرف مقدار إقامته من أعراب القبائل. والقول بالتعميم هو الّذي صرح به الجمهور ، وهو المعتبر. والله سبحانه وتعالى أعلم.

وقد كان تعظيم الصحابة ـ ولو كان اجتماعهم بهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قليلا ـ مقررا عند الخلفاء الراشدين وغيرهم ، فمن ذلك ما قرأت في كتاب «أخبار الخوارج» تأليف محمد بن قدامة المروزي بخط بعض من سمعه منه(١) في سنة سبع وأربعين ومائتين ، قال : حدثنا علي بن الجعد ، حدثنا زهير ـ هو الجعفي ـ عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي ، قال : كنت عند أبي سعيد الخدريّ ، وقرأت على أبي الحسن علي بن أحمد المرادي بدمشق(٢) ، عن زينب بنت الكمال سماعا ، عن يحيى بن القميرة ، إجازة ، عن شهدة الكاتبة سماعا. قالت : أخبرنا الحسين بن أحمد بن طلحة ، أخبرنا أبو عمر بن مهدي ، حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب ، حدثنا جدي يعقوب بن شيبة. حدثنا محمد بن سعيد القزويني أبو سعيد ، حدثنا أبو خيثمة زهير بن معاوية الجعفي ، عن الأسود ـ يعني ابن قيس ـ عن نبيح ـ يعني العنزي ـ عن أبي سعيد الخدريّ ، قال : كنا عنده وهو متّكئ ، فذكرنا عليا ومعاوية ، فتناول رجل معاوية ، فاستوى أبو سعيد الخدريّ جالسا ، ثم قال : كنا ننزل رفاقا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكنّا في رفقة فيها أبو بكر ، فنزلنا على أهل أبيات ، وفيهم امرأة حبلى ، ومعنا رجل من أهل البادية ، فقال للمرأة الحامل : أيسرّك أن تلدي غلاما؟ قالت : نعم. قال : إن أعطيتني شاة ولدت غلاما. فأعطته. فسجع لها أسجاعا ، ثم عمد إلى الشاة فذبحها وطبخها ، وجلسنا نأكل منها ، ومعنا أبو بكر ، فلما علم بالقصة قام فتقيّأ كل شيء أكل. قال : ثم رأيت ذلك البدويّ أتي به عمر بن الخطاب وقد هجا الأنصار ، فقال لهم عمر : لو لا أن له صحبة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أدري ما نال فيها [لكفيتكموه](٣) ولكن له صحبة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

__________________

(١) في أعنه.

(٢) دمشق بالكسر ، ثم الفتح وشين معجمة وآخره قاف : البلدة المشهورة قصبة الشام ، هي جنة الشام ، لحسن عمارتها وبقعتها وكثرة أشجارها وفواكهها ومياهها المتدفقة في مساكنها وأسواقها وجامعها ومدارسها قيل : سمّيت بذلك لأنهم دمشقوا في بناءها أي أسرعوا وقيل : هو اسم واضعها وهو دمشق بن كنعان وقيل غير ذلك وهي مشهورة. انظر : مراصد الاطلاع ٢ / ٥٣٤.

(٣) بياض في ج.

١٧٦

لفظ عليّ بن الجعد : ورجال هذا الحديث ثقات ، وقد توقف عمررضي‌الله‌عنه عن معاتبته فضلا عن معاقبته. لكونه علم أنه لقي النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

وفي ذلك أبين شاهد على أنهم كانوا يعتقدون أنّ شأن الصحبة لا يعدله شيء. كما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدريّ من قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والّذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه(١) ».

وتواتر عنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قوله : «خير النّاس قرني ثمّ الّذين يلونهم»(٢) .

قال بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنتم توفون سبعين أمّة أنتم خيرها وأكرمها على اللهعزوجل »(٣) .

وروى البزّار في مسندة بسند رجاله موثقون من حديث سعيد بن المسيب. عن جابر(٤) ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الله اختار أصحابي على الثّقلين(٥) سوى النّبيّين والمرسلين»(٦) .

وقال عبد الله بن هاشم الطّوسيّ : حدثنا وكيع ، قال : سمعت سفيان يقول في قوله تعالى :( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى ) [النمل : ٥٩] ـ قال : هم أصحاب

__________________

(١) أخرجه البخاري ٧ / ٢١ (٣٦٧٣) ومسلم ٤ / ١٩٦٧ في فضائل الصحابة (٢٢٢ / ٢٥٤١). وأخرجه أحمد في المسند ٦ / ٦ عن عبد الله بن سلام وابن أبي عاصم في السنة ٢ / ٤٧٨. وأورده السيوطي في الدرر المنثور ٦ / ١٧٢. والهيثمي في الزوائد ١٠ / ١٩ عن أبي هريرة ولفظه دعوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا لم يبلغ من أحدهم ولا نصيفه. قال الهيثمي رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير عاصم بن أبي النجود وقد وثق ، والمتقى للهندي في كنز العمال حديث رقم ٣٢٥٢٢.

(٢) أخرجه البخاري في ٣ / ٢٢٤ ، ٨ / ١١٣. ومسلم في صحيحه ٤ / ١٩٦٣ كتاب فضائل الصحابة باب ٥٢ فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم حديث رقم ٢١١ / ٢٥٣٣ ، ٢١٢ / ٢٥٣٣. والترمذي في السنة ٥ / ٦٥٢ كتاب المناقب باب ٥٧ ما جاء في فضل من رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وصحبه حديث رقم ٣٨٥٩ قال أبو عيسى الترمذي هذا حديث حسن صحيح ، وأحمد في المسند ١ / ٤١٧ ، ٣٧٨ والطبراني في الكبير ٢ / ٣٢٠ ، وكنز العمال حديث رقم ٣٢٤٤٩.

(٣) أخرجه أحمد في المسند ٤ / ٤٤٧ ، ٥ / ٣ ، والحاكم في المستدرك ٤ / ٨٤ وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي والطبراني في الكبير ١٩ / ٤١٩ ، ٤٢٢ ، ٤٢٤ ، ٤٢٦ قال الهيثمي في الزوائد ١٠ / ٤٠٠ رواه أحمد ورجاله ثقات وعند الترمذي وغيره بعضه أ. ه.

(٤) في ج عن جابر قال.

(٥) في أالعالمين.

(٦) قال الهيثمي في الزوائد ١٠ / ٢٠ رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه وأبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٣ / ١٦٢ ، كنز العمال حديث رقم ٣٣٠٩٤ ، ٣٦٧٠٨.

١٧٧

محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم . والأخبار في هذا كثيرة جدا فلنقتصر(١) على هذا القدر ففيه مقنع.

فائدة

أكثر الصحابة فتوى مطلقا سبعة : عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وزيد بن ثابت ، وعائشة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

قال ابن حزم : يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد من هؤلاء مجلد ضخم ، قال : ويليهم عشرون وهم : أبو بكر ، وعثمان ، وأبو موسى ، ومعاذ ، وسعد بن أبي وقّاص ، وأبو هريرة ، وأنس ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وسلمان ، وجابر ، وأبو سعيد ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعمران بن حصين ، وأبو بكرة ، وعبادة بن الصامت ، ومعاوية ، وابن الزبير ، وأم سلمة. قال : يمكن أن يجمع من فتيا كلّ واحد منهم جزء صغير.

قال : وفي الصحابة نحو من مائة وعشرين نفسا مقلّون في الفتيا جدا ، لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والثلاث ، يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير بعد البحث ، كأبيّ بن كعب ، وأبي الدّرداء ، وأبي طلحة ، والمقداد وغيرهم [وسرد الباقين](٢) .

قلت : وسأذكر في ترجمة كل من ذكره من هذا القسم أن ابن حزم ذكر أنه من فقهاء الصحابة ، فإن ذلك من جملة المناقب.

وقد جعلت على كل اسم أوردته زائدا على ما في تجريد الذهبي وأصله [وعلى ما في أصله فقط](٣) (ز). والله المسئول أن يهدينا سواء الطريق ، وأن يسلك بنا مسالك أولى التحقيق ، وأن يرزقنا التسديد والتوفيق ، وأن يجعلنا في الذين أنعم عليهم مع خير فريق وأعلى رفيق آمين آمين.

__________________

(١) في ج فليقتصر.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

١٧٨

حرف الألف

القسم الأول

باب الهمزة بعدها ألف(١)

١ ـ آبي اللحم الغفاريّ (٢) : صحابي مشهور ، روى حديثه الترمذي ، والنسائي ، والحاكم ، وروى بسنده عن أبي عبيدة ، قال : آبي اللحم اسمه عبد الله بن عبد الملك بن عبد الله بن غفار ، وكان شريفا شاعرا ، وشهد حنينا(٣) ومعه مولاه عمير ، وإنما سمّي آبي اللحم ، لأنه كان يأبى أن يأكل اللّحم. وقال الواقدي : كان ينزل «الصّفراء»(٤) ، وكذا قال خليفة بن خيّاط في اسمه ونسبه. وقال الهيثم بن عدي ، وهشام بن الكلبي : اسمه خلف بن عبد الملك ، وقال غيرهما. اسمه عبد الله بن عبد الله بن مالك. وقيل : اسمه الحويرث بن عبد الله بن خلف بن مالك. وقال المرزباني : اسمه عبد الله بن عبد ملك ، كان شريفا شاعرا أدرك الجاهلية.

قلت : رأيته بخط الرضيّ الشاطبي عبد ملك بفتح اللام مجردا عن الألف واللام. وروى مسلم في صحيحه حديث عمير مولى آبي اللحم ، قال : أمرني مولاي أن أقدّد لحما ، فجاءني مسكين فأطعمته الحديث. وفيه : قلت : يا رسول الله ـ أتصدق من مال سيّدي

__________________

(١) في د حرف الألف بعدها باء.

(٢) تجريد أسماء الصحابة ، أسد الغابة ت (١) الاستيعاب (١٣٧) ، تهذيب الكمال ١ / ٧١ تهذيب التهذيب ١ / ١٨٨ ، تقريب التهذيب ١ / ٢٩ ، تلقيح فهوم أهل الأثر ص ٣٧٨ ، تصحيفات المحدثين ص ٢٣.

(٣) حنين : وهو موضع قريب من مكة وقيل هو وادي قبل الطائف وقيل واد بجنب ذي المجاز. انظر معجم البلدان ٢ / ٣٥٩.

(٤) الصفراء : بالتأنيث وادي الصفراء : من ناحية المدينة وهو واد كثير النخل والزّرع في طريق الحاج بينه وبين بدر مرحلة وماؤها عيون كلها. وماؤها يجري إلى ينبع ورضوى غريبها. انظر : مراصد الاطلاع ٢ / ٨٤٤.

١٧٩

بشيء؟ قال : «نعم ، والأجر بينكما»(١) . وقال ابن عبد البر : هو من قدماء الصحابة وكبارهم ، ولا خلاف أنه شهد حنينا وقتل بها.

باب الألف بعدها موحدة(٢)

٢ ـ أبان بن سعيد : بن العاص(٣) بن أمية بن عبد مناف القرشي الأموي. قال البخاريّ ، وأبو حاتم الرّازيّ ، وابن حبّان : له صحبة ، وكان أبوه من أكابر قريش ، وله أولاد نجباء ، أسلم منهم قديما خالد ، وعمرو ، فقال فيهما أبان الأبيات المشهورة التي أولها :

ألا ليت ميتا بالظّريبة(٤) شاهد

لما يفتري في الدّين عمرو وخالد(٥)

[الطويل] ثم كان عمرو وخالد ممن هاجرا إلى الحبشة ، فأقاما بها ، وشهد أبان بدرا مشركا ، (٦) فقتل بها أخواه العاص وعبيدة على الشرك ، ونجا هو ، فبقي بمكّة حتى أجار عثمان زمن الحديبيّة (٧) ، فبلّغ رسالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال له أبان :

__________________

(١) أخرجه مسلم في الصحيح عن يزيد بن أبي عبيد بزيادة في أول كتاب الزكاة (١٢) باب ما أنفق العبد من مال مولاه (٢٦) حديث رقم (٨٣ / ١٠٢٥) والبيهقي في السنن الكبرى ٤ / ١٩٤ ، والتبريزي في مشكاة المصابيح حديث رقم ١٩٥٣.

(٢) في د القسم الأول باب الأول.

(٣) نسب قريش : ١٧٤ ، ١٧٥ ، طبقات خليفة : ٢٩٨ ، تاريخ خليفة ١٢٠ ، ١١٣١ ، التاريخ الكبير ١ / ٤٥٠ ، التاريخ الصغير ١ / ٣٥ ، ٥٢ ، الجرح والتعديل ٢ / ٢٩٥ ، مشاهير علماء الأمصار ت : ٧٠ تاريخ الإسلام ١ / ٣٧٦ ـ ٣٧٨ ، تهذيب تاريخ ابن عساكر ٢ / ١٢٧ ، ١٣٣ ، أسد الغابة ت (٢).

(٤) ظريبة : تصغير ظربة : موضع بالطائف. قال أبان بن سعيد :

ألا ليت ميتا بالظريبة شاهد

لما يفتري في الدين عمرو بن خالد

انظر : مراصد الاطلاع ٢ / ٩٠٤.

(٥) ينظر في معجم البلدان «ظريبة ، أسد الغابة ترجمة «٢» ، والاستيعاب في ترجمة أبان بن سعيد «٤» والإصابة.

(٦) بدر : ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادي الصّفراء ويقال إنه ينسب إلى قريش بن الحارث بن يخلد ويقال مخلّد بن النضر بن كنانة ، به سميت قريش فغلبت عليها لأنه كان دليلها وصاحب ميرتها فكانوا يقولون : جاءت عير قريش وخرجت عير قريش قال : وابنه بدر بن قريش به سميت بدر التي كانت بها الوقعة المباركة لأنه كان احتفرها ، انظر معجم البلدان ١ / ٤٢٥.

(٧) الحديبيّة : بضم الحاء وفتح الدال وياء ساكنة وباء موحدة مكسورة وياء اختلفوا فيها فمنهم من شددها ومنهم من خففها وهي قرية متوسطة وليست كبيرة سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله تحتها وقال الخطابي في أماليه : سميت الحديبيّة بشجرة حدباء كانت في ذلك الموضع وبين الحديبيّة ـ

١٨٠