مرآة العقول الجزء ٣

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 403

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 403
المشاهدات: 43555
تحميل: 6778


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43555 / تحميل: 6778
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أنت شريكي فيه وأنا شريكك فيه قال :فلم يعلم والله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرفاً ممّا علمه الله عزّ وجلّ إلّا وقد علمه عليّاً ثمّ انتهى العلم إلينا ، ثمَّ وضع يده على صدره.

( باب )

( جهات علوم الأئمّة عليهم‌السلام )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عمّه حمزة بن بزيع ، عن عليّ السائي ، عن أبي الحسن الأوّل موسىعليه‌السلام قال :قال :مبلغ علمنّا على ثلاثة وجوه ماض وغابرّ وحادث فأمّا الماضي فمفسّر ، وأمّا الغابرّ فمزبور وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو أفضل علمنا ولا نبيَّ بعد نبيّنا.

________________________________________________________

الإجمال والتفصيل ، والإشارة إلى الصدر للتأكيد ولبيان عدم شركة الغير فيه ، أو كونه محفوظا في صدورهم لم يفتهم منه شيء.

باب جهات علوم الأئمة عليهم‌السلام

الحديث الأوّل : صحيح على الظاهر ، والسّائيّ منسوب إلى قرية من المدينة يقال :لها الساية.

« مبلغ علمنا » أي غايته وكماله أو محلّ بلوغه ومنشأه.

« ماض » أي ما تعلّق بالأمور الماضية و « غابرّ » أي ما تعلق بالأمور الآتية ، قال :في القاموس : غبرّ الشيء غبرا أي بقي والغابرّ الباقي والماضي وهو من الأضداد « فأمّا الماضي فمفسّر » أي فسّره لنا رسول الله « وأمّا الغابر » أي العلوم المتعلقة بالأمور الآتية المحتومة « فمزبور » أي مكتوب لنا في الجامعة ومصحف فاطمة وغيرهما ، والشرائع والأحكام يمكن إدخالهما في الأوّل أو في الثاني أو بالتفريق « وأما الحادث » وهو ما يتجدد من الله حتمه من الأمور البدائيّة ، أو العلوم والمعارف الربانيّة أو تفصيل المجملات أو الأعمّ « فقذف في القلوب » بالإلهام من الله تعالى بلا توسط ملك أو نقر في الإسماع ، بتحديث الملك وكونه من أفضل علومهم لاختصاصه بهم ولحصولهم

١٤١

٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن عليّ بن موسى ، عن صفوان بن يحيى ، عن الحارث بن المغيرة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :قلت أخبرني عن علم عالمكم قال :وراثة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن عليّعليه‌السلام قال :قلت إنا نتحدّث

________________________________________________________

بلا واسطة بشر ، أو لعدم اختصاص الأولين بهم إذ قد اطّلع على بعضهما بعض خواصّ الصّحابة مثل سلمان وأبي ذر بإخبار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل قدر أي بعض أصحابهمعليهم‌السلام بعض مواضع تلك الكتب ، أو لأنّها من المعارف الرّبانية التي هي أشرف العلوم كما مرّ تفصيله ، ولـمّا كان هذا القول منهعليه‌السلام يوهم إدّعاء النبوَّة فإن الإخبار عن الملك عند النّاس مخصوص بالأنبياء ، نفىعليه‌السلام ذلك الوهم بقوله : « ولا نبيّ بعد نبينا » وذلك لأن الفرق بين النبيّ والمحدّث إنما هو برؤية الملك عنه إلقاء الحكم وعدمها بالإسماع منه وعدمه كما مرّ.

الحديث الثاني : مجهول.

« وراثة » أي بعض منه كذلك ، وإنّما اكتفي به أوّلاً تقيّة أو لقصور فهم السّائل لئلّا يتوهّم فهم النبوة ، فلـمّا سأل السّائل قال :عليه‌السلام : أو ذاك ، أي علمنّا إما وارثة أو ذاك الذي ذكرت ، ولم يكن غرضي الحصر بل ذكر نوع منه ، أو العلم الذي لا بد منه في بدو الإمامة ، أو المراد يحتمل ذلك ، وعدم الجزم للمصلحة وهو بعيد ، أو يكون « أو » بمعنى بل كما ذكر في المغني وغيره ردّاً لإنكاره ، أي بل ذاك أي الوراثة واقع البتة ، أو يكون الألف للاستفهام أي أو يكون ذلك؟ على الإنكار للمصلحة ، والأوّل أظهر ، ويحتمل أن يكون في الأصل : ذاك أو ذاك ، فسقط الأوّل من النسّاخ ، أو يكون : ذاك وذاك ، كما في سائر الرّوايات عن النضري.

فقد روي في البصائر عن أحمد بن محمّد عن البرقي عن النّضر بن سويد عن يحيى بن عمران عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : إن الأرض لا تترك بغير عالم؟ قلت : الذي يعلمه عالمكم ما هو؟ قال : وراثة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام علم يستغني عن النّاس ولا يستغني النّاس عنه ، قلت : وحكمة يقذف في صدره أو ينكت في أذنه؟ قال : ذاك وذاك.

١٤٢

أنّه يقذف في قلوبكم وينكت في آذانكم قال :أو ذاك.

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عمّن حدّثه ، عن المفضل بن عمر قال :قلت لأبي الحسنعليه‌السلام روينا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال :إن علمنّا غابرّ ومزبور ونكتُ في القلوب ونقر في الأسماع فقال :أمّا الغابر فما تقدّم من علمنّا وأما المزبور فما يأتينا وأما النكتُ في القلوب فإلهامٌ وأما النقرُ في الأسماع فأمر الملك.

________________________________________________________

وبسند آخر عن النضري مثله ، وبسند آخر مثل ما في المتن ، وفي آخره قال : ذاك وذاك ، وبسند آخر عن أبان عمّن رواه عنهعليه‌السلام بغير عبارة المتن وفي آخره قال : أو ذاك.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« روينا » على المعلوم من باب ضرب أو المجهول من هذا الباب أو من باب التفعيل ، وعلى الأخير أكثر المحدّثين يقال :رواه الحديث تروية إذا حمله على روايته « فما تقدّم من علمنّا » أي معلومنّا أي العلم بالأمور الماضية ، أو المراد ما سمعه من الإمام المتقدّم في حال حياته وعند موته ، وهو متقدّم على الإمامة ، فالمراد بالمزبور ما يقرأه بعد الإمامة في الكتب التي دفعها إليه الإمام المتقدّم ، والمراد بالغابرّ في هذا الخبر الماضي.

وقال :في البصائر بعد رواية هذا الخبر : وروى زرارة مثل ذلك عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قلت : كيف يعلم أنّه كان من الملك ولا يخاف أن يكون من الشيطان إذا كان لا يرى الشخص؟ قال : أنّه يلقى عليه السكينة فيعلم أنّه من الملك ، ولو كان من الشيطان اعتراه فزع ، وإن كان الشيطان يا زرارة لا يتعرّض لصاحب هذا الأمر.

أقول : قال :الشيخ المفيدقدس‌سره في كتاب شرح العقائد : « القول في سماع الأئمّةعليهم‌السلام كلام الملائكة الكرام وإن كانوا لا يرون منهم الأشخاص » أقول بجواز هذا من جهة العقل ، وأنّه ليس بممتنع في الصديقين من الشيعة المعصومين من الضلال وقد جاءت بصحته وكونه للأئمّةعليهم‌السلام ومن أسميت من شيعتهم الصالحين الأبرار الأخيار واضحة الحجّة والبرهان ، وهو مذهب فقهاء الإماميّة وأصحاب الآثار منهم ، وقد أباه بنو نوبخت وجماعة من الإمامية لا معرفة لهم بالأخبار ، ولم يتعمّقوا النظر ولا سلكوا طريق الصواب.

١٤٣

( باب )

( أن الأئمة عليهم‌السلام لو ستر عليهم لأخبروا كل امريء بما له وعليه )

١ - عدَّةُ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الواحد بن المختار قال :قال :أبو جعفرعليه‌السلام لو كان لألسنتكم أوكية لحدَّثت كلّ امرئ بما له وعليه.

٢ - وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن سنان ، عن عبد الله بن مسكان قال :سمعت أبا بصير يقول قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام من أين أصاب أصحاب عليّ ما أصابهم مع علمهم بمنايأهمّ وبلايأهمّ قال :فأجابني شبه المغضب : ممّن ذلك

________________________________________________________

باب أن الأئمة عليهم‌السلام لو ستر عليهم لأخبروا كلّ امرئ بما له وعليه

الحديث الأول : مجهول.

وفي القاموس : الوكاء ككساء : رباط القربة ، وكلّ ما شدّ رأسه من وعاء « بما له » أي من المنافع « وبما عليه » من البلايا والمضارّ.

الحديث الثاني : ضعيف.

« من أين أصاب أصحاب عليّعليه‌السلام ما أصابهم » أي من البلاء والشدّة والقتل.

والحاصل أن السائل استبعد إصابة العالم بمناياه وبلاياه وما يصيبه ، لأن العلم يوجب الحذر عمّا ينتهي إليه.

والجواب أنّ العلم لا يوجب الحذر بوجوه : « الأوّل » أنهم لم يكونوا مكلفين بالعمل بذلك العلم كما مر تحقيقه « والثاني » أنّه ربما لم يكن الحذر مع وجود العلم وذلك ظاهر « والثالث » أنّه ربما كان العلم سبباً لوقوعه لا رفعه بأن أخبروا بذلك فصار سبباً لوقوعه.

وجوابهعليه‌السلام يومئ إلى الأخير ، حيث قال : ممّن ذلك إلّا منهم ، أي لم يكن

١٤٤

إلّا منهم ؟! فقلت : ما يمنعك جعلت فداك قال :ذلك بابٌ اُغلق إلّا أنَّ الحسين بن عليّ صلوات عليهما فتح منه شيئاً يسيراً ثمَّ قال :يا أبا محمّد ! إنَّ أولئك كانت على أفواههم أوكية.

________________________________________________________

ذلك إلّا منهم ، وإنما أصابهم البلايا والفتن لأخبارهم بما علموا من ذلك ، فما زعمت مانعاً صار مؤيداً ، أو المعنى لم ينفعهم العلم لدفعه لأنّهم فعلوا ما استحقّوا بذلك نزول البلاء عليهم من عدم إطاعتهعليه‌السلام كما ينبغي ، ولا ينافي ذلك علو مرتبتهم ، لأنّ المقرّ بين قد يؤاخذون بشيء قليل فيكون إشارة إلى قوله تعالى : «ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ »(١) .

وقيل : المراد بما أصابهم القرب والمنزلة عند الإمامعليه‌السلام ، واطلاعهم على العلوم الغريبة والأسرار العجيبة ، منضمّاً إلى ما علموا من علم المنايا والبلايا ، والجواب حينئذ أنّه لم يكن ذلك إلّا منهم لكونهم قابلين مستعدّين لذلك « فقلت : ما يمنعك »؟ أي من أن تخبرّ أصحابك بمنايأهمّ وبلايأهمّ كما أخبرّ عليّعليه‌السلام ؟ فأجابعليه‌السلام بأن ذلك باب مغلق عليهم لم يؤذن لهم في فتحه إلّا يسيراً ، وهو ما أخبرّ به الحسينعليه‌السلام أصحابه من ذلك « إن أولئك » أي أصحاب الحسينعليه‌السلام « كانت على أفواههم أوكية » وكانوا كاتمين للإسرار فلذا أخبرهم ، وأنتم مذيعون لها فلذا لم يخبركم ، أو المراد أعمّ من أصحاب الحسين وأصحاب عليّعليهما‌السلام ، فالمعنى أنهم كانوا قادرين على ضبط الأسرار وكتمها ، ولم يكتموا حتّى قتلوا بذلك فكيف أنتم ولا تقدرون على الكتم ، أو هم كانوا كاتمين لبعض الأسرار وأنتم لا تكتمون شيئاً.

__________________

(١) سورة الشورى : ٣٠.

١٤٥

( باب )

( التفويض إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلى الأئمّة عليهم‌السلام )

( في أمر الدين )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن عليّ بن إسماعيل ، عن صفوان بن يحيى ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي إسحاق النحوي قال :دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فسمعته يقول إنّ الله عزّ وجلّ أدَّب نبيّه على محبّته فقال :«وَإِنَّكَ لَعَلى

________________________________________________________

باب التفويض إلى رسول الله وإلى الأئمّة عليهم‌السلام في أمر الدين

أقول : لعلّ مراده إثبات التفويض للتقييد بالّدين احترازاً عن التفويض في الخلق.

الحديث الأوّل : مجهول بالسند الأوّل صحيح بالثاني.

والتأديب تعليم الأدب وهو ما يدعو إلى المحامد من الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة ، قال :في المصباح المنير : أدبته أدبا من باب ضرب علمته رياضة النفس ومحاسن الأخلاق ، وأدبته تأديبا مبالغة وتكثيراً ، ومنه قيل : أدبته تأديبا مبالغة وتكثيراً ، ومنه قيل : أدبته تأديباً إذا عاقبته على إساءته ، لأنّه سبب يدعو إلى حقيقة الأدب ، انتهى.

« على محبته » أي على النحو الذي أحبّ وأراد ، فيكون قائما مقام المفعول المطلق ، أو متعلق بأدب ، و « على » للتعليل أي لمحبة الله ، أو لأن يصير محبّاً له أو علمه طريق المحبّة أو حال عن فاعل أدب أو مفعوله ، أي كائناً على محبته ، وعلى بعض الوجوه الضمير راجع إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقيل : يعني علمه وفهمه ما يوجب تأدبه بأدب الله ، وتخلقه بأخلاق الله لحبه إياه ، أو حالكونه محبّاً له وهذا مثل قوله سبحانه : «وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ »(١) أو علمه ما يوجب محبّة الله له أو محبّة لله التي هي سبب لسعة

__________________

(١) سورة الإنسان : ٨.

١٤٦

خُلُقٍ عَظِيمٍ »(١) ثمَّ فوَّض إليه فقال :عزَّ وجلَّ : «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »(٢) وقال :عزَّ وجلَّ : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ »(٣) قال :ثمّ قال :وإن نبيّ الله فوض إلى عليّ وائتمنه فسلمتم وجحد النّاس فو الله لنحبكم أن تقولوا إذا قلنا وأن تصمتوا إذا صمتنا ونحن فيما بينكم وبين الله عزّ وجلّ ما جعل الله لأحد خيراً في خلاف أمرنا.

عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي إسحاق قال :سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول ثمّ ذكر نحوه.

________________________________________________________

الخلق وعظم الحلم ، انتهى.

والخلق بالضمّ وبضمّتين : السجيّة والطبع ، والمراد هنا استجماع كمال العلم وكمال العمل.

«ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ » أي ما أمركم به أو إباحة لكم فاقبلوه واعملوا به «وَما نَهاكُمْ عَنْهُ » أي تحريما أو الأعمّ منه ومن التنزيه «فَانْتَهُوا » أي فاتركوه وجوباً أو الأعمّ.

وقال :الطّبرسي (ره) أي ما أعطاكم الرّسول من الفيء فخذوه وارضوا به وما أمركم به فافعلوه وما نهاكم عنه فانتهوا ، فأنّه لا يأمر ولا ينهى إلّا عن أمر الله ، وهذا عام في كلّ ما أمر به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونهى عنه ، وإن نزل في آية الفيء ، انتهى.

« نحن فيما بينكم وبين الله » أي لا واسطة بينكم وبينه تعالى إلّا نحن ولا يقبل منكم الأقوال والأفعال إلّا بمتابعتنا.

ثمّ اعلم أنّ التفويض يطلق على معان بعضها منفيّ عنهمعليهم‌السلام ، وبعضها مثبت لهم.

فالأوّل التفويض في الخلق والرّزق والترّبية والإماتة والإحياء فإن قوما قالوا

__________________

(١) سورة القلم : ٤.

(٢) سورة الحشرّ : ٧.

(٣) سورة النساء : ٨٠.

١٤٧

________________________________________________________

إنّ الله تعالى خلقهم وفوّض إليهم أمر الخلق فهم يخلقون ويرزقون ويحيون ويميتون وهذا يحتمل وجهين :

« أحدهما » أن يقال : أنّهم يفعلون جميع ذلك بقدرتهم وإرادتهم وهم الفاعلون لها حقيقة فهذا كفر صريح ، دلت على استحالته الأدلة العقليّة والنقليّة ، ولا يستريب عاقل في كفر من قال :به.

وثانيها : أنّ الله تعالى يفعلها مقارناً لإرادتهم كشقّ القمر وإحياء الموتى وقلب العصاحيّة وغير ذلك من المعجزات ، فإنّ جميعها إنمّا تقع بقدرته سبحانه مقارناً لإرادتهم لظهور صدقهم فلا يأبى العقل من أن يكون الله تعالى خلقهم وأكملهم وألهمهم ما يصلح في نظام العالم ، ثمّ خلق كلّ شيء مقارناً لإرادتهم ومشيتهم ، وهذا وإن كان العقل لا يعارضه كفاحاً(١) لكن الأخبار الكثيرة ممّا أوردناها في كتاب بحار الأنوار يمنع من القول به فيما عدا المعجزات ظاهراً بل صريحا ، مع أن القول به قول بما لا يعلم ، إذ لم يرد ذلك في الأخبار المعتبرة فيما نعلم ، وما ورد من الأخبار الدالة على ذلك كخطبة البيان وأمثالها فلم توجد إلّا في كتب الغلاة وأشباههم ، مع أنّه يمكن حملها على أن المراد بها كونهم علة غائبة لإيجاد جميع المكنونات(٢) وأنّه تعالى جعلهم مطاعا في الأرضين والسماوات ، ويطيعهم بإذن الله تعالى كلّ شيء حتّى الجمادات ، وأنهم إذا شاءوا أمرا لا يرد الله مشيتهم ، لكنهم لا يشاءون إلّا أن يشاء الله.

وما ورد من الأخبار في نزول الملائكة والرّوح لكلّ أمر إليهم ، وأنّه لا ينزل من السماء ملك لأمر إلّا بداً بهم فليس لمدخليّتهم في تلك الأمور ، ولا للاستشارة بهم فيها ، بل له الخلق والأمر تعالى شأنّه ، وليس ذلك إلّا لتشريفهم وإكرامهم وإظهار رفعة مقامهم.

وقد روى الطّبرسي (ره) في الاحتجاج عن عليّ بن أحمد القمّي قال : اختلف

__________________

(١) أي مواجهة.

(٢) في نسخة « الممكنات » وهو الظاهر.

١٤٨

________________________________________________________

جماعة من الشيعة في أنّ الله عزّ وجلّ فوّض إلى الأئمّة صلوات الله عليهم أن يخلقوا ويرزقوا ، فقال :قوم : هذا محال لا يجوز على الله ، لأنّ الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عزّ وجلّ ، وقال :آخرون : بل الله عزّ وجلّ أقدر الأئمّة على ذلك وفوض إليهم فخلقوا ورزقوا ، وتنازعوا في ذلك تنازعاً شديداً ، فقال :قائل : ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان فتسألونه عن ذلك ليوضح لكم الحقّ فيه ، فأنّه الطريق إلى صاحب الأمرعليه‌السلام ، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلمت وأجابت إلى قوله ، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه ، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته : أن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسم الأرزاق لأنّه ليس بجسم ولا حال في جسم ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، فأما الأئمّةعليهم‌السلام فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ، ويسألونه فيرزق إيجابا لمسألتهم ، وإعظاما لحقهم.

وروى الصدوق في العيون عن الرضاعليه‌السلام في معنى قول الصادقعليه‌السلام : لا جبرّ ولا تفويض بل أمر بين أمرين ، قال : من زعمّ أن الله تعالى يفعل أفعالنا ثمّ يعذبنا عليها فقد قال :بالجبرّ ، ومن زعمّ أن الله عزّ وجلّ فوض أمر الخلق والرزق إلى حججهعليهم‌السلام فقد قال :بالتفويض ، والقائل بالجبرّ كافر ، والقائل بالتفويض مشرك ، الخبر.

الثاني : التفويض في أمر الدين ، وهذا أيضاً يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون الله تعالى فوّض إلى النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم عموما أن يحلوا ما شاءوا ويحرموا ما شاءوا من غير وحي وإلهام ، أو يغيروا ما أوحى إليهم بآرائهم وهذا باطل لا يقول به عاقل ، فإن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينتظر الوحي أيّاماً كثيرة لجواب سائل ولا يجيبه من عنده ، وقد قال :تعالى : «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحى »(١) .

وثانيهما : أنّه تعالى لـمّا أكمل نبيّه بحيث لم يكن يختار من الأمور شيئاً إلّا ما يوافق الحقّ والصواب ، ولا يحل بباله ما يخالف مشيّته سبحانه في كلّ باب ، فوّض إليه

__________________

(١) سورة النجم : ٤.

١٤٩

________________________________________________________

تعيين بعض الأمور كالزيادة في ركعات الفرائض وتعيين النوافل من الصّلاة والصّيام ، وطعمة الجد ، وغير ذلك ممّا سيأتي بعضها في هذا الكتاب إظهاراً لشرفه وكرامته عنده ، ولم يكن أصل التعيين إلّا بالوحي ، ولا الاختيار إلّا بالإلهام ، ثمّ كان يؤكّد ما اختارهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالوحي ، ولا فساد في ذلك عقلا ، وقد دلت النصوص المستفيضة عليه ، وظاهر الكليني وأكثر المحدّثين القول به ، والصدوق (ره) وإن أوهم كلامه نفي ذلك يمكن تأويله بما يرجع إلى نفي المعنى الأوّل ، لأنّه قد أورد في كتبه أكثر الأخبار الدالة على المعنى الثاني ، لا سيما في كتاب علل الشرائع ، ولم يردها ولم يتعرّض لتأويلها وقال :في الفقيه : وقد فوّض الله عزّ وجلّ إلى نبيّه أمر دينه ولم يفوّض إليه تعدى حدوده.

الثالث : تفويض أمور الخلق إليهم من سياستهم وتأديبهم وتكميلهم وتعليمهم وأمر الخلق بإطاعتهم فيما أحبوا وكرهوا وفيما علموا جهة المصلحة فيه وما لم يعلموا وهو المراد بهذا الخبر ، وهذا معنى حقّ دلت عليه الآيات والأخبار وأدلة العقل.

الرابع : تفويض بيان العلوم والأحكام إليهم بما أرادوا ورأوا المصلحة فيها بسبب اختلاف عقولهم وإفهامهم ، أو بسبب التقية فيفتون بعض النّاس بالأحكام الواقعية ، وبعضهم بالتقية ، ويسكتون عن جواب بعضهم للمصلحة ، ويجيبون في تفسيّر الآيات وتأويلها وبيان الحكم والمعارف بحسب ما يحتمله عقل كلّ سائل(١) كما سيأتي ، ولهم أن يجيبوا ولهم أن يسكتوا كما ورد في أخبار كثيرة : عليكم المسألة وليس علينا الجواب ، كلّ ذلك بحسب ما يريهم الله من مصالح الوقت كما سيأتي في خبرّ ابن أشيم وغيره.

ولعلّ تخصيصه بالنبيّ والأئمّة صلوات الله عليه وعليهم لعدم تيسرّ هذه التوسعة لسائر الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، بل كانوا مكلّفين بعدم التقيّة في بعض الموارد وإن أصابهم الضرر ، وإن كانوا مكلفين بأن يكلموا النّاس على قدر عقولهم ، والتفويض بهذا المعنى أيضاً حقّ ثابت بالأخبار المستفيضة ، وتشهد له الأدلة العقلية أيضاً.

__________________

(١) وفي بعض النسخ « بحسب ما يحتمله عقلهم ».

١٥٠

________________________________________________________

الخامس : الاختيار في أن يحكموا بظاهر الشريعة أو بعلمهم وبما يلهمهم الله تعالى من الواقع ومخّ الحقّ في كلّ واقعة ، وهو أحد محامل خبرّ ابن سنان الآتي ، ودلّ عليه غيره من الأخبار.

السادس : التفويض في الإعطاء والمنع ، فإن الله تعالى خلق لهم الأرض وما فيها ، وجعل لهم الأنفال والخمس والصفايا وغيرها ، فلهمعليهم‌السلام أن يعطوا من شاءوا وأن يمنعوا من شاءوا ، وهذا المعنى أيضاً حقّ يظهر من كثير من الأخبار.

فإذا أحطت خبرا بما ذكرنا من معاني التفويض سهل عليك فهم أخبار هذا الباب ، وعرفت ضعف قول من نفي التفويض مطلقاً ، ولـمّا يحط بمعانيه.

قال :الصّدوقرضي‌الله‌عنه في رسالة العقائد : اعتقادنا في الغلاة والمفوضة أنهم كفار بالله جل جلاله ، وأنهم شرّ من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية ومن جميع أهل البدع والأهواء المضلة ، وأنّه ما صغر الله جل جلاله تصغيرهم شيء ، إلى قولهرحمه‌الله : وكان الرضاعليه‌السلام يقول في دعائه : الّلهم إني بريء إليك من الحول والقوة ، ولا حول ولا قوة إلّا بك ، الّلهم إني أبرأ إليك من الذّين ادعوا لنا ما ليس لنا بحقّ ، الّلهم إني أبرأ إليك من الذّين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا ، الّلهم لك الخلق ومنك الرزق وإيّاك نعبد وإيّاك نستعين ، الّلهم أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولين وآبائنا الآخرين ، الّلهم لا تليق الربوبيّة إلّا بك ، ولا تصلح الإلهية إلّا لك فالعن النصارى الذّين صغروا عظمتك ، والعن المضاهئين لقولهم من بريتك الّلهم إنا عبيدك لا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضراً ، ولا موتا ولا حياة ولا نشوراً ، الّلهم من زعمّ أنا أرباب فنحن منه براء ، ومن زعمّ أن إلينا الخلق وعلينا الرزق فنحن منه براء كبراءة عيسى بن مريمعليهما‌السلام من النصارى ، الّلهم إنا لم ندعهم إلى ما يزعمون فلا تؤاخذنا بما يقولون ، واغفر لنا ما يدعون ولا تدع على الأرض منهم دياراً إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلّا فاجراً كفاراً.

وروي عن زرارة أنّه قال : قلت للصّادقعليه‌السلام : إن رجلاً من ولد عبد الله بن

١٥١

________________________________________________________

سنان يقول بالتفويض ، فقال : وما التفويض؟ قلت : إن الله تبارك وتعالى خلق محمداً وعليّاً صلوات الله عليهما ففوّض إليهما فخلقا ورزقا وأماتا وأحييا؟ فقال :عليه‌السلام : كذب عدوّ الله إذا انصرفت إليه فاتل عليه هذه الآية في سورة الرعد : «أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كلّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ »(١) فانصرفت إلى الرجل فأخبرته فكأني ألقمته حجراً أو قال : فكأنّما خرس.

وقد فوّض الله عزّ وجلّ إلى نبيّه أمردينه ، فقال :عزّ وجلّ : «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »(٢) وقد فوّض ذلك إلى الأئمّةعليهم‌السلام ، وعلامة المفوضة والغلاة وأصنافهم نسبتهم مشايخ قم وعلماءهم إلى القول بالتقصير ، وعلامة الحلاجية من الغلاة دعوى التجلي مع العبادة ، مع تركهم الصلاة وجميع الفرائض ، ودعوى المعرفة بأسماء الله العظمى ، ودعوى انطباع الحقّ لهم ، وأن الولي إذا خلص وعرف مذهبهم فهو عندهم أفضل من الأنبياءعليهم‌السلام ، ومن علامتهم دعوى علم الكيمياء ولم يعلموا منه إلّا الدغل ونفيف الشبه والرصاص على المسلمين ، انتهى.

وقال :الشيخ المفيد قدس الله روحه في شرح هذا الكلام : الغلو في اللّغة هو تجاوز الحد والخروج عن القصد ، قال :الله تعالى : «يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إلّا الْحقّ »(٣) الآية فنهى عن تجاوز الحد في المسيح وحذر من الخروج عن القصد في القول ، وجعل ما ادعته النصارى فيه غلوا لتعدية الحد على ما بيناه ، والغلاة من المتظاهرين بالإسلام هم الذّين نسبوا أمير المؤمنين والأئمّة من ذرّيّتهعليهم‌السلام إلى الإلهية والنبوَّة ، ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحد وخرجوا عن القصد ، وهم ضلال كفار ، حكم فيهم أمير المؤمنين صلوات - الله عليه بالقتل والتحريق بالنار وقضت الأئمّةعليهم‌السلام فيهم بالإكفار والخروج عن الإسلام.

والمفوضة صنف من الغلاة ، وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة ،

__________________

(١) الآية : ١٦.

(٢) سورة الحشرّ : ٧.

(٣) سورة النساء : ١٧١.

١٥٢

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن يحيى بن أبي عمران ، عن يونس ، عن بكار بن بكر ، عن موسى بن أشيم قال :كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فسأله رجل عن آية من كتاب الله عزّ وجلّ فأخبره بها ثمّ دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرّ به الأوّل فدخلني من ذلك ما شاء الله حتّى كأن قلبي يشرح بالسكاكين فقلت في نفسي تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في الواو وشبهه وجئت إلى هذا يخطئ هذا الخطأ كلّه فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبرّ صاحبي فسكنت نفسي فعلمت

________________________________________________________

إعترافهم بحدوث الأئمّة وخلقهم ، ونفي القدم عنهم ، وإضافة الخلق والرزق مع ذلك إليهم ، ودعواهم أن الله تعالى تفرّد بخلقهم خاصّة ، وأنّه فوّض إليهم خلق العالم بما فيه وجميع الأفعال.

والحلاجيّة ضرب من أصحاب التصوّف وهم أصحاب الإباحة والقول بالحلول ، وكان الحلاج يتخصص بإظهار التشيع وإن كان ظاهر أمره التصوف ، وهم قوم ملاحدّة وزنادقة يموهّون بمظاهرة كلّ فرقة بدينهم ، ويدعون للحلاج الأباطيل ويجرون في ذلك مجرى المجوس في دعوأهمّ لزرادشت المعجزات ، ومجرى النصارى في دعوأهمّ لرهبانهم الآيات والبيّنات ، والمجوس والنّصارى أقرب إلى العمل بالعبادات منهم ، وهم أبعد من الشرائع والعمل بها من النصارى والمجوس.

الحديث الثاني : ضعيف.

« حتّى كأنّ قلبي » في البصائر : حتّى كاد قلبي ، والشرح : القطع ، قال :الجوهري : الشرح : الكشف ومنه تشريح اللحم. وأبو قتادة العدوي بفتح القاف من التابعين من علماء المخالفين اسمه تميم بن نذير « بخلاف ما أخبرني » كأنّه كان شريكاً للسائل الأوّل فيما أخبره به في الاستماع والتوجه ، ولذا نسبه إلى نفسه أو يكون السائل أيضاً سأل عن الآية أولا فأخبره ، فيكون « صاحبيّ » بتشديد الياء على التثنية.

ولعلّ فيه سقطاً أو تصحيفاً فأنّه روى الصفّار بسند آخر عن موسى بن أشيم

١٥٣

أنّ ذلك منه تقيّة ، قال :ثمَّ التفت إليَّ فقال لي : يا ابن أشيم إنّ الله عز وجلَّ فوَّض إلى سليمان بن داود فقال : «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ »(١) وفوّض إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »(٢) فما فوّض إلى

________________________________________________________

هكذا : قال : دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فسألته عن مسألة فأجابني ، فبينا أنا جالس إذ جاءه رجل فسأله عنها بعينها فأجابه بخلاف ما أجابني ، ثمّ جاء آخر فسأله عنها بعينها فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ، ففزعت من ذلك وعظم عليّ ، إلى آخر الخبر.

وبسند آخر عن أديم بن الحرّ قال : سأله موسى بن أشيم يعني أبا عبد اللهعليه‌السلام عن آية من كتاب الله فخبرّ بها فلم يبرح حتّى دخل رجل فسأله عن تلك الآية بعينها فأخبره بخلاف ما أخبره ، قال :ابن أشيم : فدخلني من ذلك ما شاء الله إلى قوله : فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية بعينها فأخبره بخلاف ما أخبرني والذي سأله ، الخبر.

قوله : إنّ ذلك منه تقيّة ، في بعض النسخ بالتاء المثناة الفوقانية وهو ظاهر وفي بعضها بالباء الموحدّة أي إبقاء وشفقة على النّاس كما قال :تعالى : «أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ »(٣) والإبقاء إما لئلّا يتضرروا من المخالفين بأخبارهم بخلاف قولهم ، أو لعدم قابليتهم لفهم بعض المعاني فكلمهم على قدر عقلهم ، وفي البصائر في هذه الرواية « منه تعمد » وفي رواية أخرى « تعمد منه » وهو أصوب.

«هذا عَطاؤُنا » قال :الطبرسيّ : أي الذي تقدّم ذكره من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعدك «فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ » أي فأعط من النّاس من شئت وامنع من شئت «بِغَيْرِ حِسابٍ » أي لا تحاسب يوم القيامة على ما تعطي وتمنع ، فيكون أهنأ لك ، وقيل : بغير جزاء أي أعطيناه تفضلا لا مجازاة ، انتهى.

__________________

(١) سورة ص : ٣٩.

(٢) سورة الحشرّ : ٧.

(٣) سورة هود : ١١٦.

١٥٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد فوّضّه إلينا.

٣ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحجال ، عن ثعلبة ، عن زرارة قال :سمعت أبا جعفر وأبا عبد اللهعليه‌السلام يقولان إن الله عزّ وجلّ فوَّض إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم ثمّ تلا هذه الآية : «ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ».

٤ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة ، عن فضيل بن يسار قال :سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لبعض أصحاب قيس الماصر إن الله عزَّ وجلَّ أدَّب نبيّه فأحسن أدبه فلـمّا أكمل له الأدب قال : «إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ

________________________________________________________

وأقول : التشبيه في أصل التفويض لا في نوعه ، فإنّ ما فوّض إلى سليمان إعطاء الأمور الدنيويّة ومنعها ، وما فوّض إليهمعليهم‌السلام بذل العلوم والمعارف والأمور الدينيّة ومنعها بحسب المصالح ، وبالجملة التفويض الوارد في هذا الخبر هو المعنى الرابع من المعاني المتقدّمة.

الحديث الثالث صحيحٌ والحجال بيّاع الحجل وهو الخلخال « لينظر كيف طاعتهم » أي لله أو للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أظهر ، والمراد بالتفويض هنا الوجه الثاني من المعنى الثاني ، لأن قبول ما كان بتعيين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصعب على الخلق فكان التكليف فيه أشد والثواب أعظم ، أو الوجه الثالث لأن طاعة بني نوع واحد بعضهم لبعض ممّا يكبرّ في الصّدور ، وتشمئزّ منه النفوس ، وإذا تحقّق ذلك كما ينبغي دل عليه إخلاص النية في الطّاعة لله عز وجلّ.

الحديث الرابع : حسن.

وقد تقدّم أن قيساً تعلّم الكلام من عليّ بن الحسينعليهما‌السلام وأنّه كان فيمن ناظر الشامي عند الصادقعليه‌السلام ، والسياسة الإرشاد بالأمر والنّهي والتأديب والزجر ، قال :الجوهري : سست الرعيّة سياسة ، وسوّس الرّجل أمور النّاس على ما لم يسمّ فاعله إذا ملك أمرهم.

١٥٥

عَظِيمٍ »(١) ثمّ فوّض إليه أمر الدين والأمّة ليسوس عباده فقال :عزّ وجلّ : «ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مسدداً موفقاً مؤيداً بروح القدس لا يزل ولا يخطئ في شيء ممّا يسوس به الخلق فتأدب بآداب الله ثمّ إن الله عزّ وجلّ فرض الصلاة ركعتين ركعتين عشرّ ركعات فأضاف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الركعتين ركعتين وإلى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة - لا يجوز تركهن إلّا في سفر وأفرد الركعة في المغرب فتركها قأئمّة في السفر والحضر فأجاز الله عزّ وجلّ له ذلك كلّه فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة ثمّ سن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النوافل أربعا وثلاثين ركعة مثلي الفريضة فأجاز الله عزّ وجلّ له ذلك والفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعد بركعة مكان الوتر وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان وسن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صوم شعبان وثلاثة أيّام في كلّ شهر مثلي الفريضة فأجاز الله عزّ وجلّ له ذلك وحرم الله عزّ وجلّ الخمر بعينها وحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسكر من كلّ شراب فأجاز الله له ذلك كلّه وعاف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : تعدّ بركعة ، ضمير تعدّ راجع إلى الركعتين باعتبار أنّهما في حكم ركعة ، أو بتأويل الصلاة ، وقال :الفاضل الأسترآباديرحمه‌الله : توضيح المقام أنّه وقع التصريح في الأحاديث المذكورة في كتاب العلل وغيره بأن الله تعالى لاهتمامه بصلاة الوتر وضع الوتيرة لتكون بدلا عن الوتر في حقّ من يفوته الوتر بنوم أو غيره ، وبأنّه ما صلى النبيّ الوتيرة أصلاً لعلمه بأنّه لا تفوته أصلاً ، وبأنها لا تسقط في السفر لأنها ليست من نوافل صلاة العشاء وبأنها في أصل وضعها كانت ركعتين من جلوس لتعد بركعة قائماً ، وتوافق المبدل في كونه وتراً ، ثمّ رخص الله تعالى في الإتيان بها قائما ، انتهى.

ويدلّ الخبر على أنّ الخمر هو المأخوذ من عصير العنب فقط.

وقال :الجوهري : عاف الرّجل الطعام والشراب يعافه عيافاً أي كرهه فلم يشربه فهو عاف ، انتهى.

__________________

(١) سورة القلم : ٤.

١٥٦

أشياء وكرهها ولم ينه عنها نهي حرام إنمّا نهى عنها نهي إعافة وكراهة ثمّ رخص فيها فصار الأخذ برخصه واجبا على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه ولم يرخّص لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما نهأهمّ عنه نهي حرام ولا فيما أمر به أمر فرض لازم فكثير المسكر من الأشربة نهأهمّ عنه نهي حرام لم يرخص فيه لأحد ولم يرخص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحد تقصير الركعتين اللتين ضمّهما إلى ما فرض الله عزّ وجلّ بل ألزمهم ذلك إلزاماً واجباً لم يرخص لأحد في شيء من ذلك إلّا للمسافر وليس لأحد أن يرخص شيئاً ما لم يرخصه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوافق أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر الله عزّ وجلّ ونهيه نهي الله عزّ وجلّ ووجب على العباد التسليم له كالتسليم لله تبارك وتعالى.

________________________________________________________

« نهي إعافة » لـمّا كان أعاف أيضاً بمعنى عاف أتى بالمصدر هكذا ، وفي بعض النسخ عافة وكأنّه تصحيف عيافة ، أو جاء مصدر المجرد هكذا أيضاً.

قولهعليه‌السلام : فصار الأخذ برخصه يدلّ على أن الأخذ بالمكروه والمندوب من حيث أنّه مكروه أو مندوب أي قبول حكمهما والانقياد له واجب « فكثير المسكر » أي عدد كثير من أفراد المسكر يعني سوى الخمر من المسكرات ، لأن الخمر حرّمت بتحريم الله تعالى لا بتحريم الرّسول ، وقال :بعض الأفاضل : يستفاد من فحوى هذا الكلام أن القليل من الأشربة ليس بحرام ، وإنّما تحريم القليل مختص بالخمر بعينها وفيه إشكال لـمّا سيأتي أن قليلها وكثيرها حرام كالخمر ، ولعلّهعليه‌السلام اكتفى بذكر الكثير ، لأن المخاطب لا يحتمل حرمة القليل ، لأنّه كان من المخالفين الذّين يحلون القليل منه الّذي لا يسكر ، انتهى.

وعلى ما ذكره لا حاجة إلى هذه التكلّفات وهذا الخبر صريح في الوجه الثاني من المعنى الثاني كما لا يخفى.

١٥٧

٥ - أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن زرارة أنّه سمع أبا جعفر وأبا عبد اللهعليه‌السلام يقولان إن الله تبارك وتعالى فوّض إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم ثمّ تلا هذه الآية : «ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ».

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحجال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن زرارة مثله.

٦ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :إن الله تبارك وتعالى أدب نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلـمّا انتهى به إلى ما أراد قال :له «إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » ففوّض إليه دينه فقال :«وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » وإن الله عزّ وجلّ فرض الفرائض ولم يقسم للجد شيئاً وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطعمه السدس فأجاز الله جل ذكره له ذلك وذلك قول الله عزّ وجلّ : «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ »(١)

________________________________________________________

الحديث الخامس : موثق كالصحيح ، وقد تقدّم باختلاف في أوّل السّند ، وسنده الثاني صحيح ومطابق لـمّا مر إلّا أن فيما مر مكان محمّد بن يحيى العدَّة ، فإن كان أحمد ، ابن محمّد بن عيسى كما هو الظاهر فمحمّد بن يحيى داخل في عدته ، فلا وجه لا عادة السند ناقصاً بعد إيراده كاملاً ، وإن كان ابن محمّد بن خالد ، فيحصل اختلاف أيضاً في أوّل السند لكنه بعيد.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور ، معتبرّ عندي.

« فلـمّا انتهى به إلى ما أراد » الباء للتعدية أي أوصله إلى ما أراد من الدّرجات العالية والكمالات الإنسانية « ولم يقسم للجد » أي مع الأبوين ، وسيأتي تفصيله في كتاب المواريث.

« وذلك قول الله » أي نظيره إن حملنا هذا عطاؤنا على الأمور الدنيوية كما مر وإن عممناه فالاختلاف بمحض المخاطب لا الخطّاب ، وهذا الخبر أيضاً صريح في الوجه الثاني من المعنى الثاني.

__________________

(١) سورة ص : ٣٩.

١٥٨

٧ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن حمّاد بن عثمان ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال :وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دية العين ودية النفس وحرم النبيذ وكلّ مسكر فقال :له رجل وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير أن يكون جاء فيه شيء قال :نعمّ ليعلم من يطيع الرّسول ممّن يعصيه.

٨ - محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسن قال :وجدت في نوادر محمّد بن سنان ، عن عبد الله بن سنان قال :قال :أبو عبد اللهعليه‌السلام لا والله ما فوّض الله إلى أحد من خلقه إلّا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلى الأئمّة قال :عزّ وجلّ : «إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحقّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاس بِما أَراكَ اللهُ »(١) وهي جارية في الأوصياءعليهم‌السلام .

________________________________________________________

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

« من غير أن يكون جاء فيه شيء » أي على الخصوص فلا ينافي الوحي إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أصل الوضع مجملاً.

« من يطع الرسول » أي إطاعة كاملة « ممّن يعصيه » من للتميز كما في قوله تعالى «وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ »(٢) على ما قاله ابن مالك ، وهذا الخبر أيضاً في الدلالة مثل السابق.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

«بِما أَراكَ اللهُ » ذهب أكثر المفّسرين إلى أنّ المراد به بما عرفك الله وأوحى إليك ، ومنهم من زعمّ أنّه يدلّ جواز الاجتهاد عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يخفى وهنه ، وظاهر الخبر أنّهعليه‌السلام فسّر الإرادة بالإلهام ، وما يلقي الله في قلوبهم من الأحكام ، فيدلّ على التفويض إما بالمعنى الخامس ، أو بالثاني من الثاني ، لكن جريانه في الأوصياء محتاج إلى تكلف ، أو بالمعنى الثالث وإن كان بعيداً ، فيكون المعنى : ما فوّض الله إلى أحد الحكم بين النّاس ورجوع النّاس إليه في جميع الأحكام ، وتطبيق الآية عليه غير خفيّ بعد التأمّل.

__________________

(١) سورة النساء : ١٦٠.

(٢) سورة البقرة : ٢٢٠.

١٥٩

٩ - محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسن ، عن يعقوب بن يزيد ، عن الحسن بن زياد ، عن محمّد بن الحسن الميثمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :سمعته يقول إن الله عزّ وجلّ أدب رسوله حتّى قومه على ما أراد ثمّ فوّض إليه فقال :عز ذكره «ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » فما فوّض الله إلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد فوّضه إلينا.

١٠ - عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ، عن الحسين بن عبد الرحمن ، عن صندل الخياط ، عن زيد الشحام قال :سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى : «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ » قال :أعطى سليمان ملكا عظيماً ثمّ جرت هذه الآية في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان له أن يعطي ما شاء من شاء ويمنع من شاء وأعطاه الله أفضل ممّا أعطى سليمان لقوله «ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ».

________________________________________________________

الحديث التاسع : مجهول ، وهو مثل السابق في الاحتمالات.

الحديث العاشر : مجهول.

« وأعطاه الله أفضل » إلخ ، وجه الأفضليّة أنّ ما أعطي سليمان كان في الرئاسة الدنيوية وأضيف إلى ذلك تفويض الأمور الدينية أيضاً للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأخير وحده أفضل ، لأنّه متعلق بالأمور الباقية الأخروية ، والأوّل بالأمور الفانية الدنيوية ، واجتمع لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الأفضل مع الأوّل ، وهذا أظهر ففيه دلالة على التفويض بالمعنى السادس ، والثاني من الثاني أو الرابع أو الخامس.

ثمّ اعلم أنّ بعض من أنكر التفويض في الأحكام مطلقا حمل الأخبار المتقدّمة الدالة عليه على أن التفويض عبارة عن استنباط الأحكام من بطون القرآن ، أي ما يظهر بالدلالات الالتزاميّة دون ظواهرها التي هي المدلولات المطابقية والتضمنيّة ، وقد علمت أنّه لا داعي إلى ارتكاب هذه التكلفّات ، والله يعلم درجات أوليائه ومراتبهم.

١٦٠