مرآة العقول الجزء ٣

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 403

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 403
المشاهدات: 43526
تحميل: 6778


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43526 / تحميل: 6778
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

«وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاس » فصدع بأمر الله تعالى ذكره فقام بولاية عليّعليه‌السلام يوم غدير خم فنادى الصلاة جامعة وأمر النّاس أن يبلّغ الشاهد الغائب قال :عمر بن أذينة قالوا جميعاً غير أبي الجارود وقال :أبو جعفرعليه‌السلام وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض فأنزل الله عزّ وجلّ «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » قال :أبو

________________________________________________________

فبادر النّاس بنعمّ نعمّ ، سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله ، آمنّا به بقلوبنا وتداكّوا(١) على رسول الله وعليّ بأيديهم إلى أن صليت الظهر والعصر في وقت واحد ، وباقي ذلك اليوم إلى أن صليت العشاءان في وقت واحد ، ورسول الله يقول كلـمّا أتى فوج : الحمد لله الذي فضلنا على العالمين.

أقول : قال :السيد - روح الله روحه - اعلم أن موسى نبيّ الله راجع الله تعالى في إبلاغ رسالته وقال :في مراجعته : «إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ » وإنما كان قتل نفسا واحدة وأما عليّ بن أبي طالب فأنّه كان قد قتل من قريش وغيرهم من القبائل قتلي كثيرة ، كلّ واحد منهم يحتمل مراجعة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شفيقا على أمته كما وصفه الله جل جلاله ، فأشفق عليهم من الامتحان بإظهار ولاية عليّعليه‌السلام في أوان ، ويحتمل أن يكون الله جل جلاله أذن للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مراجعته لتظهر لأمته أنّه ما آثر عليّاً وإنما الله جل جلاله آثره كما قال : «ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحى »(٢) انتهى.

وفي القاموس : صدع بالحقّ تكلم به جهارا ، انتهى.

والصلاة منصوبة على الإغراء و « جامعة » حال أو هما مرفوعان بالابتدائية والخبرية ، فيكون خبرا في معنى الأمر.

«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ »(٣) قال :الطّبرسي : قيل فيه أقوال :

__________________

(١) أي ازدحموا.

(٢) سورة القصص : ٣٣.

(٣) سورة النجم : ٤.

٢٦١

جعفرعليه‌السلام يقول الله عزّ وجلّ لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة قد أكملت لكم الفرائض.

________________________________________________________

أحدها : أن معناه أكملت لكم فرائضي وحدودي وحلالي وحرامي بتنزيلي ما أنزلت ، وبياني ما بينت لكم ، فلا زيادة في ذلك ولا نقصان منه بالنسخ بعد هذا اليوم ، وكان ذلك يوم عرفة عام حجّة الوداع عن ابن عباس والسدي واختاره الجبائي والبلخي ، قالوا : ولم ينزل بعد هذا على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من الفرائض في تحليل ولا تحريم فأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضى بعد ذلك بإحدى وثمانين ليلة.

وثانيها : أن معناه اليوم أكملت لكم حجكم وأفردتكم بالبلد الحرام تحجونه دون المشركين عن ابن جبير وقتادة ، واختاره الطبري قال : لأن الله أنزل بعده : «يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ » قال :الفراء : هي آخر آية نزلت ، وهذا لو صح لكان لهذا القول ترجيح لكن فيه خلاف.

وثالثها : أن معناه اليوم كفيتكم خوف الأعداء وأظهرتكم عليهم ، كما تقول :

الآن كمل لنا الملك ، والمروي عن الإمامين أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام أنّه إنما نزل بعد نصب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً علـماً للأنام يوم غدير خم ، عند منصرفه عن حجّة الوداع ، قإلّا : وهي آخر فريضة أنزلها الله تعالى ثمّ لم تنزل بعدها فريضة.

ثمّ روي عن الحسكاني بإسناده عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لـمّا نزلت هذه الآية قال : الله أكبرّ الله أكبرّ على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي وولاية عليّ بن أبي طالب من بعدي ، وقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، الّلهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله ، انتهى.

أقول : قد دل على الأوّل الأخبار المتواترة من طرق الخاصة والعامة وروى السيد في الطرائف عن ابن المغازلي وتاريخ بغداد للخطيب وروى الصدوق أيضاً في مجالسه بأسانيدهم عن أبي هريرة قال : من صام يوم ثمانية عشرّ من ذي الحجّة كتب الله له صيام ستين شهراً وهو يوم غدير خم لـمّا أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد عليّ بن أبي طالب

٢٦٢

________________________________________________________

عليه‌السلام وقال : ألست أولى بالمؤمنين؟ قالوا : نعمّ يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، فقال :له عمر : بخ بخ يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم ، فأنزل الله : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ».

وروى ابن بطريق في المستدرك عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا النّاس إلى عليّ في غدير خم وأمر بما تحت الشجر من شوك فقم ، وذلك في يوم الخميس ، فدعا عليّاً فأخذ بضبعيه(١) فرفعهما حتّى نظر النّاس إلى بياض أبطئ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ لم يتفرقوا حتّى نزلت هذه الآية : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » الآية. فقال :رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله أكبرّ الله أكبرّ على كمال الدين(٢) وتمام النعمة ورضا الرب برسالتي ، وبالولاية لعليّ من بعدي ، ثمّ قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه الّلهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله.

ورواه في الطرائف عن ابن مردويه بإسناده عن الخدري.

وروى السيوطي في در المنثور عن ابن مردويه وابن عساكر بإسنادهما عن الخدري قال : لـمّا نصب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط جبرئيل عليه بهذه الآية : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » وروي عن أبي هريرة أيضاً مثله ، والأخبار في ذلك كثيرة أوردتها في الكتاب الكبير.

ومع قطع النظر عن الرواية يمكن أن يكون المراد بإكمال الدين بالولاية أن دين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما يحفظ ويبقى ويوضح بالوصيّ ، فمع عدم تعيين الوصيّ يكون الدين ناقصا في معرض الزوال والضياع ، وأيضاً لـمّا كان قبول الأعمال مشروطاً بالولاية فمع عدم تعيين الإمام يكون ناقصا ، وبه يكمل جميع أمور الدين وبه يتمّ النعمة على الخلق بتلك الوجوه ، والأخبار في كون نعمة الله الولاية كثيرة ، وبه يتمّ دين

__________________

(١) الضبع : العضد.

(٢) وفي بعض النسخ « إكمال الدين » كما مرّ آنفا في رواية الخدري.

٢٦٣

٥ - عليّ بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال :كنت عنده جالسا فقال :له رجل حدّثني عن ولاية عليّ أمن الله أو من رسوله فغضب ثمّ قال :ويحك كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخوف لله من أن يقول ما لم يأمره به الله بل افترضه كما افترض الله الصلاة والزكاة والصوم والحج.

٦ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن الحسين جميعاً ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن منصور بن يونس ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال :سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول فرض الله عزّ وجلّ على العباد خمساً أخذوا أربعا وتركوا وأحداً قلت أتسميهن لي جعلت فداك فقال :الصلاة وكان النّاس لا يدرون كيف يصلون فنزل جبرئيلعليه‌السلام فقال :يا محمّد أخبرهم بمواقيت صلاتهم ثمّ نزلت الزكاة فقال :يا محمّد أخبرهم من زكاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم ثمّ نزل الصوم فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كان يوم عاشوراء بعث إلى ما حوله من القرى فصاموا ذلك اليوم فنزل شهر

________________________________________________________

الإسلام إذ الاعتقاد بالإمام ركن عظيم من أركأنّه ، فظهر أن تتمة الآية إنما يناسب المعنى الأول.

الحديث الخامس : مجهول.

الحديث السادس : ضعيف بسنديه.

« أخذوا أربعاً » أي المخالفون « ثمّ نزل الصوم » أي في غير القرآن أو بالآيات المجملة نحو : «وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ »(١) وأنّه نزل أو لا «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الذّين مِنْ قَبْلِكُمْ »(٢) ثمّ في تتمة الآيات عين كونه في شهر رمضان ، وعلى التقادير يدلّ على أنّه كان قبل نزول صوم شهر رمضان صوم عاشوراء ثمّ نسخ به.

قال :الطّبرسي : في قوله : «أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ »(٣) اختلف في هذه الأيّام على

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٥.

(٢) سورة البقرة : ١٨٣.

(٣) سورة البقرة : ١٨٤.

٢٦٤

رمضان بين شعبان وشوال ثمّ نزل الحج فنزل جبرئيلعليه‌السلام فقال :أخبرهم من حجهم ما أخبرتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم.

ثمّ نزلت الولاية وإنما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة أنزل الله عز وجل

________________________________________________________

وجهين :

أحدهما : أنها غير شهر رمضان وكانت ثلاثة أيّام من كلّ شهر ثمّ نسخ عن معاذ وعطاء عن ابن عباس ، وروي ثلاثة أيّام من كلّ شهر ، وصوم عاشوراء عن قتادة ، ثمّ قيل : أنّه كان تطوعا ، وقيل : بل كان واجبا ، واتفق هؤلاء على أن ذلك منسوخ بصوم شهر رمضان.

والآخر : أن المعنى بالمعدودات شهر رمضان ، انتهى.

« بين شعبان وشوال » الظاهر أنّه لم يكن اشتهار الشهر بهذا الاسم في أوّل الأمر كاشتهاره اليوم ، فرفع بذلك توهم كونه غيره ، أو لأنّه لـمّا كان المشهور أن رمضان من الرمض وهو شدّة وقع الشمس على الرمل وغيره ، وإنما سموه رمضان لأنّهم كانوا يسمون الشهور بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق رمضان أيّام رمض الحرّ فربما يتوّهم أنّه إنما يسمى بهذا الاسم إذا وقع في ذلك الفصل ، فرفع بهذا القول ذلك التوهم.

وقال :المحدّث الأسترآبادي : يعني الشهر الذي بين شعبان وشوال لم يكن اسمه شهر رمضان لأن رمضان اسم الله ، انتهى.

وقيل : إنما سمي رمضان لأنّه يرمض الذنوب أي يحرقها وقيل : الغرض رفع توهم كون المراد الشهر العددي أي ثلاثين يوماً كما زعمه بعض.

قولهعليه‌السلام : « وإنما أتاه ذلك » أي الأمر بالولاية بقوله : «يا أيّها الرَّسُولُ بلّغ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » وقوله : أنزل الله ، أي بعد التبليغ في غدير خم ، وقوله : فقال :عند ذلك رجوع إلى أوّل الكلام وتفصيل لذلك الإجمال ، مع أنّه يحتمل أن يكون نزل بعد تبليغ يوم عرفة وبعد تبليغ يوم الغدير أيضاً ، وبالجملة في الخبر تشويش ،

٢٦٥

«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » وكان كمال الدين بولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فقال :عند ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمتي حديثو عهد بالجاهلية ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي يقول قائل ويقول قائل فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني فأتتني عزيمة من الله عزّ وجلّ بتلة أوعدني إن لم أبلّغ أن يعذبني فنزلت «يا أيّها الرَّسُولُ بلّغ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاس إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ » فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد عليّعليه‌السلام فقال :أيّها النّاس أنّه لم يكن نبيّ من الأنبياء ممن كان

________________________________________________________

ومخالفة ظاهر لـمّا ورد في الأخبار الكثيرة أن الآية نزلت يوم الغدير أو بعده وهو أوفق بظاهر الآية ، ولـمّا رواه الصدوق في الخصال بسند صحيح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : يوم غدير أفضل الأعياد ، وهو يوم الثامن عشرّ من ذي الحجّة وكان يوم الجمعة ، الخبر.

وهذا الخبر مع صحته صريح في كون الغدير يوم الجمعة ، ويؤيده ما رواه ابن شهرآشوب في المناقب عن ابن عباس أنّه قال : اجتمعت في ذلك اليوم خمسة أعياد : الجمعة ، والغدير ، وعيد اليهود والنصارى والمجوس ، ولم يجتمع هذا فيما سمع قبله وكان كمال الدين بولاية عليّ لـمّا عرفت أنّه لـمّا نصب للناس وليا وأقيم لهم إماما صار معولهم على أقواله وأفعاله في جميع ما يحتاجون إليه في أمر دينهم ، ثمّ على خليفته من بعده ، وهكذا إلى يوم القيامة فلم يبق لهم من أمر دينهم ما لا يمكنهم الوصول إلى علمه ، فكمل الدين بهم وتمت النعمة بوجودهم وأحداً بعد واحد.

« حديثوا عهد » قريبوا عهد « بالجاهلية » والكفر « يقول قائل » أنّه صادق « ويقول قائل » أنّه كاذب ، والمعنى يقول قائل : أنّه نصبه للقرابة ، ويقول قائل نصبه لحمايته له في جميع أحواله وأشباه هذا الكلام ، « فقلت في نفسي » أي كان هذا الكلام السابق كلاما نفيسا لم أنطق به « فاتتني عزيمة من الله » أي آية حتم لا رخصة فيها « بتلة » أي جازمة مقطوع بها ، يقال : بتلة كنصره وضربه إذا قطعه :

٢٦٦

قبلي إلّا وقد عمره الله ثمّ دعاه فأجابه فأوشك أن ادّعى فأجيب وأنا مسئول وأنتم مسئولون - فما ذا أنتم قائلون فقالوا نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت ما عليك فجزاك الله أفضل جزاء المرسلين فقال :الّلهم اشهد ثلاث مرات ثمّ قال :يا معشرّ المسلمين هذا وليكم من بعدي فليبلّغ الشاهد منكم الغائب.

قال :أبو جعفرعليه‌السلام كان والله عليّعليه‌السلام أمين الله على خلقه وغيبه ودينه الذي ارتضاه لنفسه ثمّ إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حضره الذي حضر فدعا عليّاً فقال :يا عليّ إني أريد أن أئتمنك على ما ائتمنني الله عليه من غيبه وعلمه ومن خلقه ومن دينه الذي ارتضاه لنفسه فلم يشرك والله فيها يا زياد أحداً من الخلق ثمّ إن عليّاًعليه‌السلام حضره الذي حضره فدعا ولده وكانوا اثني عشرّ ذكرا فقال :لهم يا بني إن الله

________________________________________________________

« إلّا وقد عمره الله » من باب نصر أو باب التفعيل ، أي أبقاه مدّة « فأوشك » على المعلوم أي قرب و « ما ذا » مفعول « قائلون » قدم عليه.

« كان والله » أي رسول الله أو عليّ صلى الله عليهما ، والأوّل أظهر « حضره الذي حضره » أي الموت.

« فلم يشرك والله » أي رسول الله « فيها » أي في الإمامة أو في الخلافة أو في الوصية أو في الأشياء المذكورة وهي غيبة وخلقه ودينه و « زياد » اسم أبي الجارود وهو المنذر.

قوله : وكانوا اثنا عشرّ ، قال :المفيد قدس الله روحه : أولاد أمير المؤمنينعليه‌السلام سبعة وعشرون ولدا ذكرا وأنثى : الحسن ، والحسين ، وزينب الكبرى ، وزينب الصغرى - المكناة بأم كلثوم - أمهم فاطمة البتول سيدة نساء العالمين.

ومحمّد المكنى أبو القاسم ، أمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية.

وعمر ورقية كانا توأمين أمهما أم حبيب بنت ربيعة.

والعبّاس وجعفر وعثمان وعبد الله الشهداء مع أخيهم الحسينعليهم‌السلام بطف كربلاء أمهم أم البنين بنت حزام بن خالد بن دارم.

ومحمّد الأصغر المكنى بأبي بكر ، وعبيد الله ، الشهيدان بالطف أمهما ليلى بنت

٢٦٧

عزّ وجلّ قد أبى إلّا أن يجعل في سنة من يعقوب وإن يعقوب دعا ولده وكانوا اثني عشرّ ذكرا فأخبرهم بصاحبهم إلّا وإني أخبركم بصاحبكم إلّا إن هذين ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - الحسن والحسينعليه‌السلام فاسمعوا لهما وأطيعوا ووازروهما فإني قد ائتمنتهما على ما ائتمنني عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا ائتمنه الله عليه من خلقه ومن غيبه ومن دينه الذي ارتضاه لنفسه فأوجب الله لهما من عليّعليه‌السلام ما أوجب لعليّعليه‌السلام من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يكن لأحد منهما فضل على صاحبه إلّا بكبره وإن الحسين كان إذا حضر الحسن لم ينطق في ذلك المجلس حتّى يقوم ثمّ إن الحسنعليه‌السلام حضره الذي حضره فسلم ذلك إلى الحسينعليه‌السلام ثمّ إن حسينا حضره الذي

________________________________________________________

مسعود الدارمية.

ويحيى وعون أمهما أسماء بنت عميس.

وأم الحسن ، ورملة ، أمهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي.

ونفيسة وزينب الصغرى وأم هاني وأم الكرام وجمانة المكناة أم جعفر وإمامة وأم سلمة وميمونة وخديجة وفاطمة رحمة الله عليهن لأمهات شتى.

وفي الشيعة من يذكر أن فاطمة صلوات الله عليها أسقطت بعد النبيّ ذكرا كان سماه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو حمل : محسنا ، فعلى قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين ثمانية وعشرون ولدا ، انتهى.

« وإن يعقوب دعا ولده » إشارة إلى قوله تعالى : «أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قال :لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً وأحداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ »(١) .

« فأخبرهم بصاحبهم » أي يوسفعليه‌السلام « ووازروهما » أي عاونوهما « إنما وجب الله(٢) » هو كلام أبي جعفرعليه‌السلام « من على » أي بسببه أو من جهته « لم ينطق » أي من الأحكام الشرعية أو لم يقض بين الناس.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٣٣.

(٢) وفي المتن « فأوجب الله ».

٢٦٨

حضره فدعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصية ظاهرة وكان عليّ بن الحسينعليه‌السلام مبطوناً لا يرون إلّا أنّه لـمّا به فدفعت فاطمة الكتاب إلى عليّ بن الحسين ثمّ صار والله ذلك الكتاب إلينا.

الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن منصور بن يونس ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام مثله.

٧ - محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى ، عن صباح الأزرق ، عن أبي بصير قال :قلت لأبي جعفرعليه‌السلام إن رجلا من المختارية لقيني فزعمّ أن محمّد بن الحنفيّة إمام فغضب أبو جعفرعليه‌السلام ثمّ قال :

________________________________________________________

« فدعا ابنته » قال :المفيدرحمه‌الله : كان للحسينعليه‌السلام ستّة أولاد : عليّ بن الحسين الأكبر أبو محمّد وأمه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد ، وعليّ بن الحسين الأصغر قتل مع أبيه في الطف ، وأمه ليلى بنت أبي مرّة ، وجعفر بن الحسين لا بقية له وأمة قضاعية ، وكان وفاته في حياة الحسينعليه‌السلام ، وعبد الله بن الحسين قتل مع أبيه صغيرا في حجره ، وسكينة وأمها الرباب بنت امرئ القيس ، وهي أم عبد الله بن الحسين ، وفاطمة وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله ، انتهى.

« و وصيّة ظاهرة » عطف تفسيّر ، أو الكتاب الملفوف كان فيه الإسرار الذي لا ينبغي أن يطلّع عليها المخالفون بل غير أهل البيتعليهم‌السلام ، والوصيّة الظاهرة كتب فيها أنّه وصيّه وهو أولى بأموره من غيره وسائر ما لا ينبغي إخفاؤه ، وهو حجّة إمامته كما مر ، والأوّل أظهر ، وعلى الثاني المراد بالكتاب الجنس أو الكتاب الملفوف لأنّه أهمّ ، وعلى التقديرين هذا غير ما دفعه إلى أم سلمة قبل ذهابه إلى العراق من ودائع الإمامة كما سيأتي.

« لا يرون » أي لا يعلمون « إلّا أنّه » متوجه ومهيئ « لـمّا ينزل به » أي الموت ، وهو كناية عن الإشراف على الموت ، وقيل : اللام لام العاقبة نحو : « لدوا للموت ».

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

« من المختارية » أي أتباع مختار بن أبي عبيدة الثقفي الذي خرج يدعي طلب

٢٦٩

أفلا قلت له ؟ قال :قلت لا والله ما دريت ما أقول قال :أفلا قلت له إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصى إلى عليّ والحسن والحسين فلـمّا مضى عليّعليه‌السلام أوصى إلى الحسن والحسين ولو ذهب يزويها عنهما لقالا له نحن وصيان مثلك ولم يكن ليفعل ذلك وأوصى الحسن إلى الحسين ولو ذهب يزويها عنه لقال :أنا وصيُّ مثلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن أبي ولم يكن ليفعل ذلك قال :الله عزّ وجلّ : «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ » هي فينا وفي أبنائنا.

( باب )

(الإشارة والنص على أمير المؤمنين عليه‌السلام )

(٨)١ - محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن زيد بن الجهم الهلالي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :سمعته يقول لـمّا نزلت ولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وكان من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلّموا على عليّ

________________________________________________________

دم الحسين ، وأظهر أنّه بأمر محمّد بن الحنفيّة ، فزعم أصحابه أنّه الإمام بعد الحسينعليه‌السلام « أفلا قلت له » المفعول مقدر أي ما يكون حجّة عليه ، وفي المصباح : دريت الشيء : علمته « قال :الله عزّ وجلّ » استئناف لبيان كون عليّ بن الحسين الإمام دون ابن الحنفيّة كما مرّ.

الحديث الثامن (١) : مجهول ، وفي رجال الشيخ زيد بن جهيم الهلالي.

« وكان » عطف على نزلت « والإمرّة » بالكسر الولاية فكان جواب لـمّا ، وذكر الفاء لطول الفصل ، وضمير عليهما لأبي بكر وعمر ، لم يصرّح بهما تقيّة ، والتأكيد باعتبار تخصيصهما بالأمر بعد دخولهما في التعميم ، وسؤالهما يدلّ على عدم إيمانهما

__________________

(١) كذا في جميع النسخ ، وكأن الشارح (ره) جعل البابين باباً وأحداً أو كانت نسخته كذلك ، ولذا جعل هذا الحديث الحديث الثامن ، وما بعده الحديث التاسع وهكذا إلى آخر الباب ونحن أثبتنا كلتا الرقمتين قبل كلّ حديث لئلّا يشتبه على القارى فلا تغفل.

٢٧٠

بامرة المؤمنين ، فكان ممّا أكّد الله عليهما في ذلك اليوم يا زيد قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما قوما فسلّـما عليه بإمرّة المؤمنين فقالا أمن الله أو من رسوله يا رسول الله؟ فقال :لهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الله ومن رسوله فأنزل الله عزّ وجلّ «وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ »(١) يعني به قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما وقولهما أمن الله أو من رسوله «وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها

________________________________________________________

بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإتّهامهما لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ ما يقوله في وصيّه إنّما يقوله من قبل نفسه ، ولم يؤمنّا بقوله تعالى : «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحى »(٢) .

« فأنزل الله » إشارة إلى آيات سورة النحل وهي هكذا : «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ »(٣) قال :البيضاوي : يعني البيعة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإسلام ، لقوله تعالى : «إِنَّ الذّين يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ »(٤) وقيل : كلّ أمر يجب الوفاء به ، ولا يلائمه قوله : إذا عاهدتم ، وقيل : النذر ، وقيل : الإيمان بالله «وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ » أيمان البيعة أو مطلق الأيمان «بَعْدَ تَوْكِيدِها » توثيقها بذكر الله ومنه أكد بقلب الواو همزة «وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً » شاهداً بتلك البيعة ، فإن الكفيل مراع لحال المكفول به رقيب عليه «إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ » في نقض الأيمان والعهود «وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها » أي ما غزلته مصدر بمعنى المفعول «مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ » متعلق بنقضت أي نقضت غزلها بعد إبرام وإحكام «أَنْكاثاً » طاقات نكثت فتلها جمع نكث ، وانتصابه على الحال من غزلها ، والمفعول الثاني لنقضت ، فأنّه بمعنى صيرت ، والمراد به تشبيه الناقض بما هذا شأنّه وقيل : بريطة بنت سعد بن تيم القرشية فإنها كانت خرقاء(٥) تفعل ذلك «تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ » حال من الضمير في لا تكونوا أو في الجار الواقع موقع الخبر ، أي ولا تكونوا متشبهين بامرأة هذا شأنها متخذي أيمانكم مفسدة ودخلا ، وأصل الدَّخل ما يدخل الشيء ولم يكن منه «أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى

__________________

(١) سورة النحل : ٩١.

(٢) سورة النجم : ٣.

(٣) سورة النحل : ٩١.

(٤) سورة الفتح : ١٠.

(٥) أي حمقاء.

٢٧١

مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ » أئمّة هي أزكى من أئمتكم قال :قلت جعلت فداك أئمّة قال :إي والله أئمّة قلت فإنا نقرأ «أَرْبى » فقال :ما أربى وأومأ بيده فطرحها «إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ ( يعني بعليّعليه‌السلام ) «وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ .*وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً

________________________________________________________

مِنْ أُمَّةٍ » بأن تكون جماعة أزيد عدداً وأوفر مالا من جماعة ، والمعنى لا تغدروا بقوم لكثرتكم وقلتهم أو لكثرة منابذتهم وقوتهم كقريش ، فإنهم كانوا إذا رأوا شوكة في أعادي حلفائهم نقضوا عهدهم وحالفوا أعداءهم.

«إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ » الضمير لأن تكون أمة ، لأنّه بمعنى المصدر أي يختبركم بكونكم أربى لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وبيعة رسول الله أم تغترون بكثرة قريش وشوكتهم وقلة المؤمنين وضعفهم ، وقيل : الضمير للربا ، وقيل للأمر بالوفاء « وليبينن لكم ما كنتم فيه تختلفون » إذا جازاكم على أعمالكم بالثواب والعقاب «وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحدة » متفقة على الإسلام «وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ » بالخذلان «وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ » بالتوفيق «وَلَتُسْئَلُنَّ عمّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » سؤال تبكيت ومجازاة «وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ » تصريح بالنهي عنه بعد التضمين تأكيداً ومبالغة في قبح المنهي «فَتَزِلَّ قَدَمٌ » أي عن محجّة الإسلام «بَعْدَ ثُبُوتِها » عليها والمراد أقدامهم ، وإنما وحد ونكر للدلالة على أن زلل قدم واحدة عظيم فكيف بإقدام كثيرة «وَتَذُوقُوا السُّوءَ » العذاب في الدنيا «بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ » بصدودكم عن الوفاء أي صدودكم غيركم عنه ، فإن من نقض البيعة وارتد جعل ذلك سنة لغيره «وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ » في الآخرة.

وقال :الطّبرسيقدس‌سره في قوله تعالى : «كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها » هي امرأة حمقاء من قريش كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ثمّ تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ، ولا تزال ذلك دأبها ، واسمها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة وكانت تسمى خرقاء مكّة ، انتهى.

٢٧٢

وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَ » يوم القيامة «عمّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها » يعني بعد مقالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

________________________________________________________

وفي تفسير العياشي عن زيد بن الجهم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سمعته يقول : لـمّا سلموا على عليّ بإمرّة المؤمنين قال :رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأوّل : قم فسلم على عليّ بإمرّة المؤمنين ، فقال : أمن الله أو من رسوله؟ فقال : نعمّ من الله ومن رسوله ، ثمّ قال :لصاحبه : قم وسلم على عليّ بإمرّة المؤمنين ، فقال : أمن الله ومن رسوله؟ فقال : نعمّ من الله ومن رسوله ، ثمّ قال : يا مقداد قم فسلم على عليّ بإمرّة المؤمنين ، قال : فلم يقل ما قال :صاحباه ، ثمّ قال : يا أبا ذر فسلم على عليّ بإمرّة المؤمنين فقام وسلم ، ثمّ قال : قم يا سلمان وسلم على عليّ بإمرّة المؤمنين فقام وسلم ، قال : حتّى إذا خرجا وهما يقولان : لا والله لا نسلم له ما قال :أبداً ، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيّه : «وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً » بقولكم أمن الله ومن رسوله «إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ » إلى آخر الخبر.

قولهعليه‌السلام : يعني به ، أي بقوله : «وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً » أو «ما تَفْعَلُونَ » والأوّل أظهر لـمّا مر في رواية العياشي.

قوله : أن تكون أئمّة ، لعله على هذا التأويل مفعول له لقوله « تتخذون » أي تضمرون نقض العهد لأن تكون أئمّة من أئمّة الضلال أزكى من أئمتكم أئمّة الهدى ، والمعنى تفعلون ذلك كراهة أن تكون أئمّة الحقّ أزكى من أئمتكم الضالة والظاهر أن في قرآنهمعليهم‌السلام كانت الآية هكذا ، وقد يأوّل بأن المراد أن أربى هنا معناه أزكى ، والمراد بالأمة في الموضعين الأئمّة وهو بعيد ، والإيماء باليد وطرحها لتقوية الإنكار « يعني بعليّ » رجوعه إليهعليه‌السلام بقرينة نزول الآية فيه وفي خلافته ، أو هو بيان لحاصل المعنى والضمير راجع إلى أن يكون أئمّة لأنّه بمعنى المصدر ، أو عوده إليه باعتبار أنّه مفهوم من أئمّة أنّه واحد منهم ، أو إلى أئمّة باعتبار أن المراد بها عليّعليه‌السلام والجمع للتعظيم كما قيل ، والأوّل أظهر « يعني بعد مقالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » لعلهعليه‌السلام فسّر الثبوت بما يوجب الثبوت ويقتضيه من النص الصريح عليهعليه‌السلام

٢٧٣

في عليّعليه‌السلام «وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ » يعني به عليّاًعليه‌السلام «وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ».

(٩)٢ - محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين وأحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال :سمعته يقول لـمّا أن قضى محمّد نبوته واستكمل أيامه أوحى الله تعالى إليه أن يا محمّد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم

________________________________________________________

« يعني به » أي سبيل الله « عليّاًعليه‌السلام » لأن بسلوك سبيل متابعته يوصل إلى الله وثوابه وقربه.

الحديث التاسع : مجهول.

« قضى » على بناء المعلوم ، والمجهول بعيد ، وكذا استكمل و « أن » في قوله : « أن قضى » زائدة لتأكيد اتصال لـمّا بمدخولها ، وفي قوله « أن يا محمّد » مفسرة وفي النهاية قضاء الشيء إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه « فاجعل العلم » إشارة إلى قوله تعالى : «وَقال :الذّين أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ »(١) وإلى قوله سبحانه : «ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ »(٢) فالمراد بالعلم العلوم التي أوحى الله إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالإيمان التصديق بها مع الانقياد المقرون بالإيقان أو العلوم المتعلقة بأصول الدين فيكون تعميما بعد التخصيص ، وربّما يقرأ بفتح الهمزة إلى العهود والمواثيق وهو بعيد ، والمراد بالاسم الأكبر إما الاسم الأعظم أو القرآن التام الذي عندهم ، أو هو مع سائر كتب الأنبياء كما سيأتي في الخبر الآتي ، فالمراد بالاسم صاحب الاسم ، أو هو بمعنى العلامة والمراد بميراث العلم ما في الجفر الأبيض من كتب الأنبياء السابقين ، فيكون على بعض الوجوه المتقدمة تأكيدا أو كتب العلماء السابقين سوى الكتب المنزلة.

وقيل : الإضافة لامية والمراد به الخلافة الكبرى وقيل : المراد به التخلق بأخلاق

__________________

(١) سورة الروم : ٥٦.

(٢) سورة الشورى : ٥٢.

٢٧٤

وآثار علم النبوَّة في أهل بيتك عند عليّ بن أبي طالب فإني لن أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوَّة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من ذريات الأنبياء.

(١٠)٣ - محمّد بن الحسين وغيره ، عن سهل ، عن محمّد بن عيسى ومحمّد بن يحيى ومحمّد بن الحسين جميعاً ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابرّ وعبد الكريم بن عمرو ، عن عبد الحميد بن أبي الديلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :أوصى موسىعليه‌السلام إلى يوشع بن نون وأوصى يوشع بن نون إلى ولد هارون ولم يوص إلى ولده ولا إلى ولد موسى إن الله تعالى له الخيرة يختار من يشاء ممن يشاء وبشرّ موسى ويوشع بالمسيحعليه‌السلام فلـمّا أن بعث الله عزّ وجلّ المسيحعليه‌السلام قال :المسيح لهم أنّه سوف يأتي من بعدي نبيّ اسمه أحمد من ولد إسماعيلعليه‌السلام يجيء بتصديقي وتصديقكم

________________________________________________________

الله أي ما أورثه العلم والمراد بآثار علم النبوَّة جميع علم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأكيدا أو كتب الأنبياء تأكيدا أو تأسيسا أو آثار الأنبياء - سوى العلم - من السلاح والعصا وغيرهما ، وقيل : هي علم الشرائع والأحكام.

أقول : يحتمل أن يكون إشارة إلى ما تتجدد لهم من العلوم في ليلة القدر وغيرها ، فإنها من آثار علم النبوَّة المترتبة عليه ، فالمراد بجعلها عنده جعله قابلاً ومهيئا لذلك ، وربّما يقرأ العقب بضم العين وشد القاف المفتوحة جمع عاقب وهو الخليفة في الخير.

الحديث العاشرّ : ضعيف على المشهور.

والخيرة بالكسر وكعنبة مصدر باب ضرب : التفضيل ، أو اسم مصدر باب الافتعال كما قيل.

قوله : لهم ، أي للمبعوث إليهم « بتصديقي » أي في الرّسالة وصحّة الولادة كما نطقت به سورة مريم وغيرها « وتصديقكم » في الإيمان والمتابعة كما في سورة المائدة : «وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمنّا » الآية ، وغير

٢٧٥

وعذري وعذركم وجرت من بعده في الحواريين في المستحفظين وإنما سمأهمّ الله تعالى المستحفظين لأنّهم استحفظوا الاسم الأكبر وهو الكتاب الذي يعلم به علم كل

________________________________________________________

ذلك من الآيات والأخبار « وعذري وعذركم » أي حجتي وحجتكم من قولهم أعذر إذا احتج لنفسه ، أو براءتي ممّا رميت به من ادعاء الألوهية والولدية وبراءتكم من القول في ذلك ، أو براءتي ممّا رماني به اليهود وبراءتكم من متابعة من كان كذلك.

والحواريون هم خواص عيسى على نبينا وآله وعليه السلام وأنصاره ، من التحوير بمعنى التبييض ، قيل : إنهم كانوا قصارين يبيضون الثياب وينقونها من الأوساخ ، وقيل : بل كانوا ينقون نفوس الخلائق من الكدورات وأوساخ صفات الذميمة ، وقال :الأزهري : هم خلصان الأنبياء وتأويله : الذّين خلصوا ونقوا من كلّ عيب ، وتسمية الله إيأهمّ بالمستحفظين كأنّها إشارة إلى قوله عزّ وجلّ في شأن التوراة : «فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الذّين أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ »(١) .

« وجرت » أي الوصيّة أو الخيرة أو السنة ، وقيل : المراد بالميزان الشرع ، وقيل : هو عطف تفسيّر للكتاب.

قال :المحدّث الأسترآبادي : مقصودهعليه‌السلام أن المشهور بين النّاس في هذا الزمان ممّا يسمى بالكتاب الكتب الثلاثة ومن جملة الكتب كتاب نوحعليه‌السلام وكتاب صالح وكتاب شعيب وإبراهيمعليهم‌السلام ، وقد أخبر الله أن ما جاء به محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مذكور في صحف إبراهيم وموسى وكانتا عنده ، فإذا كانتا محفوظتين إلى زمانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف لا يحفظهما هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يدفعهما إلى أحد ، فالذي دفعهما إليه هو صاحب الشريعة ، انتهى.

وأقول : فيه أيضاً رد على من زعمّ أن المستحفظين علماء اليهود والنصارى ، لعدم وجدان هذه الكتب عندهم ، فالمراد بالعقب من المستحفظين الأوصياء أي أولادهم بل ظاهره أن العقب لم يكونوا من بني إسرائيل ، فالمراد بهم أبو طالب وأمير المؤمنينعليهما‌السلام ، وكلمة « من » يحتمل التبعيض والابتداء والبيان أيضاً على بعد.

__________________

(١) سورة المائدة : ٤٤.

٢٧٦

شيء الذي كان مع الأنبياء صلوات الله عليهم يقول الله تعالى : «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ »(١) الكتاب الاسم الأكبر وإنما عرف ممّا يدعى الكتاب التوراة والإنجيل والفرقان فيها كتاب نوح وفيها كتاب صالح وشعيب وإبراهيمعليه‌السلام فأخبر الله عزّ وجلّ : «إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى »(٢) فأين صحف إبراهيم إنما صحف إبراهيم الاسم الأكبر وصحف موسى الاسم الأكبر فلم تزل الوصيّة في عالم بعد عالم حتّى دفعوها إلى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

________________________________________________________

قال :بعض المحققين : استحفاظهم الاسم الأكبر الذي هو الكتاب الجامع للعلوم الغير المنفك عن الأنبياء ، لعله كناية عن انتقاش قلوبهم الصافية المصيقلة بنور الله ، بما في اللوح المحفوظ ، وصيرورتهم العقل بالفعل ، وبلوغهم رتبة الشهود التام وإلى قابلية الإنسان لهذه الرتبة أشار أمير المؤمنين صلوات الله عليه بقوله :

دواؤك فيك وما تشعر

وداؤك منك وما تبصر

وتزعم أنّك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

وأنت الكتاب المبين الذي

بأحرفه يظهر المضمر

والعالم الأكبر هو الاسم الأكبر ، إذا العالم ما يعلم به الشيء كالاسم ما يعلم به المسمى ، ومن الأنبياء والأوصياء من أوتي علم الكتاب كلّه ، ومنهم من أوتي بعضه ، وإلى الأوّل أشير بقوله عزّ وجلّ : «قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ »(٣) يعني به أمير المؤمنينعليه‌السلام وإلى الثاني بقوله : «قال :الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ »(٤) حيث أتى بمن التبعيضيّة ، يعني به آصف بن برخيا.

والمراد بقوله : إنمّا عرف ممّا يدّعى الكتاب ، أنّ المعروف ممّا يسمى بالكتاب ليس سوى هذه الثلاثة مع أن كثيراً من الأنبياء كان معهم كتب غير هذه ، منها كذا ومنها كذا ، وقد أخبر الله عن بعضها وليس ذلك بمعروف بين النّاس ، فإذا انحصرت

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المصحف في سورة الحديد : ٢٥ «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا ».

(٢) سورة الأعلى : ١٨.

(٣) سورة الإسراء : ٩٦.

(٤) سورة النحل : ٤٠.

٢٧٧

فلـمّا بعث الله عزّ وجلّ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسلم له العقب من المستحفظين وكذبه بنو إسرائيل ودعا إلى الله عزّ وجلّ وجاهد في سبيله ثمّ أنزل الله جل ذكره عليه أن أعلن فضل وصيك فقال :رب إن العرب قومٌ جفاةُ ، لم يكن فيهم كتاب ولم يبعث إليهم نبيّ ولا يعرفون فضل نبوات الأنبياءعليهم‌السلام ولا شرفهم ولا يؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي فقال :الله جل ذكره «وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ »(١) «وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ

________________________________________________________

الكتب فيما عرف فأين صحف إبراهيم الذي أخبر الله عنها ، والغرض من هذا الكلام الرد على من زعمّ أن المراد بالمستحفظين لكتاب الله ، علماء اليهود الحافظين للتوراة ومن يحذو حذوهم في حفظ الألفاظ والقصص.

فبيّنعليه‌السلام أن المراد بكتاب الله الاسم الأكبر المشتمل على كلّ ما في العالم من شيء الذي كتبه الرحمن بيده كما قال :سبحانه : «أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ »(٢) وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أن صحف إبراهيم كانت عشرين صحيفة وصحف إدريس ثلاثين ، وصحف شيث خمسين ، يعني ما كان يتلى من الاسم الأكبر على الناس.

وعن أبي ذررضي‌الله‌عنه أنّه قال :لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كان صحف إبراهيم؟ قال : اقرأ يا أبا ذر «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى » إلى قوله : «صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى »(٣) يعني فيها أمثال هذه الكلمات.

« إن العرب قوم جفاة » أي بعداء عن الآداب والأخلاق الحسنة ، قال :في المغرب : الجفاء هو الغلظ في العشرة والخرق في المعاملة وترك الرفق ، انتهى.

« ولا تخزن عليهم » أقول : هذه الآية بهذا الوجه ليست في المصاحف المشهورة ، إذ في سورة الحجر «لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ »(٤) وفي سورة النحل : «وَاصْبرّ وَما صَبْرُكَ إلّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ ممّا يَمْكُرُونَ »(٥) وفي سورة الزخرف «فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ

__________________

(١) سورة النحل : ١٢٧.

(٢) سورة المجادلة : ٢٢.

(٣) سورة الأعلى : ١٩.

(٤) الآية : ٨٨.

(٥) الآية : ١٢٧.

٢٧٨

يَعْلَمُونَ »(١) فذكر من فضل وصيّه ذكرا فوقع النفاق في قلوبهم فعلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك وما يقولون فقال :الله جل ذكره يا محمّد «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ »(١) ولكنّهم يجحدون(٢)

________________________________________________________

فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ »(٣) فيحتمل أن يكونعليه‌السلام ذكر الآيتين إحدى السوابق مع الأخيرة فسقط من الرواة أو النسّاخ ، أو أشارعليه‌السلام إلى الآيتين بذكر صدر إحداهما وعجز الأخرى ، أو يكون نقلاً لهما بالمعنى ، أو يكون في مصحفهمعليهم‌السلام كذلك ، والحزن عليهم التأسف على كونهم هالكين.

« سلام » أي ما أدعوكم إليه سلامة لكم من النار ، أو تسلم منكم ، ومتاركة.

« ذكراً » أي قليلاً من الذكر بدون إعلان ذلك أي وقوع النفاق في قلوب المنافقين من العرب.

«وَلَقَدْ نَعْلَمُ » أقول : في المصاحف المشهورة في سورة الحجر «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ »(٤) وفي سورة الأنعام «قَدْ نَعْلَمُ أنّه لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ »(٥) الآية والكلام فيه كالكلام فيما مرّ.

«فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ » قيل : معناه أنّ تكذيبك أمر راجع إلى الله لأنك جئت من عنده بالمعجزات والآيات ، فهم لا يكذبونك في الحقيقة وإنما يكذبون الله بجحود آياته ، أو المراد أنهم لا يكذبونك بقلوبهم ولكنهم يجحدون بألسنتهم ، أو أنهم لا يكذبونك ولا يجحدونك ولكنهم يجحدون بآيات الله ، وذلك أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسمى عندهم بالأمين ، يعرفون أنّه لا يكذب في شيء ، وكان أبو جهل يقول ما تكذب وإنك عندنا لصدوق وإنّما نكذب ما جئتنا به.

وروي أنّ الأخنس بن شريق قال :لأبي جهل : يا أبا الحكم أخبرني عن محمّد

__________________

(١) سورة الزخرف : ٨٩.

(٢) راجع كلام الشارح في الآية.

(٣) سورة الزخرف : ٨٩.

(٤) الآية : ٩٧.

(٥) الآية : ٣٣.

٢٧٩

بغير حجّة لهم وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتألفهم ويستعين ببعضهم على بعض ولا يزال يخرج لهم شيئاً في فضل وصيّه حتّى نزلت هذه السورة فاحتج عليهم حين أعلم بموته ونعيت إليه نفسه فقال :الله جل ذكره «فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ »(١)

________________________________________________________

أصادق هو أم كاذب فأنّه ليس عندنا أحد غيرنا؟ فقال :له : والله إن محمداً لصادق وما كذب قط ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوَّة فما ذا يكون لسائر قريش؟

وسيأتي في الروضة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قرأ رجل على أمير المؤمنين صلوات الله عليه هذه الآية فقال : بلى والله لقد كذبوه أشد التكذيب ولكنها مخففة «فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ » لا يأتون بباطل يكذبون به حقك ، وهذا التفسيّر موافق لـمّا فسرهاعليه‌السلام به هيهنا بقوله : ولكنهم يجحدون بغير حجّة لهم ، والمخففة من أكذبه إذا ألفاه(٢) كاذبا ، والمشددة أيضاً لا يبعد عن هذا المعنى على ما في كتب اللّغة ، قال :الفيروزآبادي : أكذبه ألفاه كاذبا وحمله على الكذب وبين كذبه ، وكذب بالأمر تكذيبا وكذابا أنكره ، وفلانا جعله كاذبا ، انتهى.

وإنما وضع الظالمين موضع الضمير للتنصيص بظلمهم في إنكار آياته وتمرنهم(٣) على جحدها ، ويقال : تألفه إذا داراه وآلفة بالتكليف.

« هذه السورة » أي سورة ألم نشرح كما يظهر ممّا بعده ، وجملة « فاحتج عليهم » معترضة وكأنّه أشير بها إلى ما فعل بغدير خم أو إلى أعمّ منه ومن غيره من المواطن ، وفي بعض النسخ « هذه الآية » أي آية : «فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ».

« ونعيت » على بناء المجهول والنعي خبر الموت «فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ » في القرآن المشهورة بفتح الصاد من النصب بمعنى التعب والاجتهاد ، يعني إذا فرغت من عبادة عقبها بأخرى وواصل بعضها ببعض ، وقيل : إذا فرغت من الغزو فانصب في العبادة ،

__________________

(١) سورة الانشراح : ٨.

(٢) أي وجده.

(٣) من التمرين.

٢٨٠