مرآة العقول الجزء ٣

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 403

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 403
المشاهدات: 43537
تحميل: 6778


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43537 / تحميل: 6778
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يقول إذا فرغت فانصب علمك ، وأعلن وصيّك فأعلمهم فضله علانية ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

________________________________________________________

أو فإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء كما ورد في الخبر أيضاً ، والمستفاد من هذا الحديث أنّه بكسر الصاد من النصب بالتسكين بمعنى الرفع والوضع ، أي إذا فرغت من أمر تبليغ الرّسالة فانصب علمك بفتح اللام ، أي ارفع علم هدايتك للناس ، وضع من يقوم به خلافتك موضعك حتّى يكون قائماً مقامك من بعدك بتبليغ الأحكام وهداية الأنام ، لئلّا تنقطع خيط الهداية والرّسالة بين الله وبين عباده ، ويكون ذلك مستمراً بقيام إمام مقام إمام إلى يوم القيامة فلعلّ في مصحفهمعليهم‌السلام كان بالكسر ، أو يقال : لعله ورد بالفتح أيضاً بمعنى النصب وإن لم يذكر في الكتب المتداولة في اللّغة ، ويحتمل أن يكون تفسيرهعليه‌السلام بياناً لحاصل المعنى ، ويكون المقصود أتعب نفسك في نصب وصيّك بما تسمع من المنافقين في ذلك.

والعجب من المتعصّب الناصب الزمخشري أنّه قال :في الكشاف : ومن البدع ما روي عن بعض الرافضة أنّه قرأ فانصب بكسر الصاد أي فانصب عليّاً للإمامة ، قال : ولو صحّ هذا للرافضي لصحّ للناصبيّ أن يقرأ هكذا ويجعله أمراً بالنصب الذي هو بغض على وعداوته ، فانظر إلى هذا المتعصّب المتعنت كيف عمى الله بصيرته بغشاوة العصبية حتّى أتى بمثل هذا الكلام الذي يليق باللئام في هذا المقام.

ولا يخفى فساده على ذوي الأفهام من وجوه :

الأوّل : أن المناسبة بين الفراغ من تبليغ الرّسالة ونصب الإمام لحفظ الشريعة بين ظاهر ، لئلّا يكون النّاس بعده في حيرة وضلالة ، ولتجري سنة الله تعالى في الأولين ولا مناسبة بين الفراغ وما ذكره بوجه.

والثاني : أن إبداء احتمال مخالف لـمّا ذهب إليه جميع فرق المسلمين لا يكون مساويا لاحتمال ذهب إليه أكثر المتورعين من المؤمنين.

والثالث : أنّ ما ذكره الإماميّة ليس بمحض التشهي والاختراع بل نقلوه عن أئمتهم الذّين لا خلاف بين المسلمين في فضلهم وعلوّ شأنهم ، وهذا الناصب أيضاً

٢٨١

من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، الّلهم وال من والاه وعاد من عاداه ثلاث مرات ثمّ قال :لأبعثن

________________________________________________________

كثيراً ما ينقل القراءات والتفاسير عنهم ، وجميع المفّسرين يعتمدون على ما نقل عنهم ، فلا يكون ما نقل عنهم بأدون ممّا رووا عن قتادة وكعب وابن مسعود وغيرهم.

والفاء في قوله : « فقال :الله » للبيان وقوله : ثلاث مرات متعلق بقوله : « الّلهم » إلى آخر الكلام ، أو الجميع « ثمّ قال :» : أي في يوم غزوة خيبرّ بعد ما مضى أبو بكر مع أصحابه ، فلـمّا رأوا مرحبا اليهودي خرج للمبارزة فروا ثمّ في اليوم الثاني مضى عمر وأصحابه وفروا وكلمة « ثمّ » للتراخي بحسب الرتبة لا الزمان إن حملنا الكلام السابق على ما ذكر في يوم الغدير ، وإلّا فيمكن حمله على الزماني أيضاً.

وهذا الخبر مذكور في كتب العامة بطرق كثيرة ، منها : ما رواه مسلم في صحيحه بإسناده عن سلمة بن الأكوع قال : كان عليّعليه‌السلام قد تخلف عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خيبرّ وكان رمدا فقال : أنا أتخلف عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرج فلحقّ بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلـمّا كان مساء الليلة التي فتحها الله في صبيحتها قال :رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ، أو قال : يحب الله ورسوله يفتح الله عليه ، فإذا نحن بعليّ وما نرجوه فقالوا : هذا عليّ فأعطاه رسول الله الراية ففتح الله عليه.

وروي أيضاً بإسناده عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله قال :يوم خيبرّ : لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، فبات النّاس يدوكون(١) ليلتهم أيهم يعطاها؟ قال : فلـمّا أصبح النّاس غدوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّهم يرجو أن يعطاها ، قال :صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أين عليّ بن أبي طالب؟ فقالوا : هو يا رسول الله يشتكي عينيه ، قال : فأرسلوا إليه فأتى به فبصق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عينيه ودعا له ، فبرأ حتّى كان لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية فقال :عليّ : يا رسول الله أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟ قال : أنفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ثمّ ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيهم ، فو الله لئن يهدي الله بك رجلا وأحداً خير

__________________

(١) أي يخوضون ويتحدّثون في ذلك.

٢٨٢

رجلاً يحبُّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، ليس بفرّار - يعرض بمن رجع يجبن أصحابه ويجبنونه وقال :صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ سيد المؤمنين وقال :عليّ عمود الدين وقال :هذا هو الذي يضرب النّاس بالسيف على الحقّ بعدي وقال :الحقّ مع عليّ أينما مال

________________________________________________________

لك من أن يكون لك حمر النعمّ(١) وروي عن أبي هريرة أيضاً مثله(٢) .

« معرضاً(٣) » حال عن فاعل قال :، والتعريض نفي عيب عن أحد لإثباته لآخر ، والمراد أن أبا بكر وعمر لا يحبان الله ورسوله ولا يحبهما الله ولا رسوله وهما فراران ، وإنّما ذكرعليه‌السلام الجبّن فقط ليعلم عدم المحبّة أيضاً مع نوع تقية إذ العلة مشتركة ، ولا خفاء في أن سياق هذا الكلام يدلّ على اختصاص جميع تلك الأوصاف بالمبعوث أخيراً وإلّا فلا فائدة في ذكرها.

« يجبّن » حال عن فاعل رجع أي يخوف أصحابه ويدعوهم إلى الجبن عند الحرب ، أو ينسبهم إلى الجبن عند الرجوع ويلومهم به ، يقال :جبّنه تجبيناً أي نسبه إلى الجبن « على سيد المؤمنين » أي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما أن السيد أولى بعبده منه ، أو أشرفهم وأفضلهم لأنّه فاق جميعهم في جميع الكمالات « عمود الدين » أي لا يقوم الدين إلّا به كما لا تقوم الخيمة إلّا بالعمود.

« هو الذي » التركيب يدلّ على الحصر أي كلّ من يضرب النّاس بالسيف بعدي فهو على الباطل غيره وغير أوصيائه ، وضمير مال لعليّ أو للحقّ أي سواء قام أو قعد وفي جميع أقواله وأفعاله ، وهذا الحديث رواه ابن مردويه في مناقبه بعدَّة طرق عن عائشة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الحقّ مع على وعلى مع الحقّ لن يفترقا حتّى يرداً عليّ الحوض ، وادّعى ابن أبي الحديد صحّة هذا الحديث بل تواتره.

__________________

(١) قال :النووي : هي الإبل وهي أنفس أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشىء وأنّه ليس هناك أعظم منه.

(٢) صحيح مسلم باب فضائل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

(٣) كذا في النسخ لكن في المتن « يعرض » بدل « معرضاً ».

٢٨٣

وقال :إني تارك فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا - كتاب الله عزّ وجلّ وأهل بيتي عترتي أيّها النّاس اسمعوا وقد بلغت إنكم ستردون عليّ الحوض فأسألكم عمّا فعلتم في الثقلين والثقلان كتاب الله جل ذكره وأهل بيتي فلا تسبقوهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.

فوقعت الحجّة بقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالكتاب الذي يقرأه النّاس فلم يزل يلقي فضل أهل بيته بالكلام ويبيّن لهم بالقرآن : «إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » وقال :عز ذكره : «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى »(١) ثمّ قال : «وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ »(٢) فكان عليّعليه‌السلام

________________________________________________________

« وقال :إني تارك فيكم أمرين » هذا الخبر متواتر اتفقت الأمة على قبوله ونقله ، وقد مر الكلام فيه « كتاب الله » مرفوع بتقديرهما كتاب الله أو منصوب بدل تفصيل لأمرين والعترة العشيرة : الأدنون « وقد بلغت » على صيغة المعلوم أي بلغت ما يلزمني تبليغه في أهل بيتي ، أو على المجهول أي بلغني جبرئيل عن الله بالوحي « لا تسبقوهم » أي في الإمامة أو في شيء من الأمور «فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ » المشهور في القراءة فتح الهمزة على حذف المبتدأ ، أي فحكمه أن لله خمسه وقيل : على حذف الخبر أي فثابت أن لله خمسه ، وقرئ بكسرها أيضاً والمعنى أن الذي أخذتموه من مال الكفّار قهرا ممّا يطلق عليه اسم الشيء قليلاً كان أو كثيراً فحكمه أن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، وسيأتي أحكامه في محله إنشاء الله.

ولا يخفى ما في تخصيص ذي القربى بالذكر وإعادة اللام وتشريكه مع الرسول في التسأهمّ من التعظيم والاهتمام بشأنه.

« فكان على » أي ذا القربى على حذف الخبر أو كان تامة ، وهذا أحد تأويلات الآية ، وقد ورد في أخبار كثيرة من طريق الخاصة والعامة أنها نزلت في فدك ، فرووا عن أبي سعيد الخدري وغيره أنّه لـمّا نزلت الآية أعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة فدك ،

__________________

(١) سورة الأنفال : ٤٢.

(٢) سورة الإسراء : ٢٦.

٢٨٤

وكان حقه الوصيّة التي جعلت له والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوَّة فقال : «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى »(١) ثمّ قال : «وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ

________________________________________________________

ولا تنافي بينهما فإن حقّ فاطمةعليها‌السلام من ذوي القربى كان فدك ، وحقّ أمير المؤمنين الوصيّة ، وقال :البيضاوي : و «آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ » ، من صلة الرحم وحسن المعاشرة والبرّ عليهم ، وقيل : المراد بذي القربى أقارب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

«إلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » قال :الطّبرسيرحمه‌الله : اختلف في معناه على أقوال :

أحدهما : لا أسألكم في تبليغ الرّسالة أجرا إلّا التواد والتحاب فيما يقرب إلى الله تعالى.

وثانيها : أن معناه إلّا أن تودوني في قرابتي منكم وتحفظوني لها فهو لقريش خاصة.

وثالثها : أن معناه إلّا أن تؤدوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم ، عن عليّ بن الحسين وابن جبير وعمرو بن شعيب وجماعة ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام .

ثمّ أورد أخباراً كثيرة في ذلك ثمّ قال : وعلى التقادير ففي المودة قولان :

أحدهما : أنّه استثناء منقطع لأن هذا إنما يجب بالإسلام فلا يكون أجرا للنبوة.

والآخر أنّه استثناء متصل والمعنى لا أسألكم إلّا هذا فقد رضيت به أجرا كما أنك تسأل غيرك حاجة فيعرض المسؤول عليك برا فتقول : اجعل بري قضاء حاجتي ، وعلى هذا يجوز أن يكون المعنى : لا أسألكم أجرا إلّا هذا فقد رضيت به أجرا ، ونفعه أيضاً عائد إليكم فكأني لم أسألكم أجرا ، انتهى.

وقال :إمامهم الرازي في تفسيره : روى الكلبي عن ابن عباس قال : إن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لـمّا قدم المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق وليس في يده سعة فقال :الأنصار : إن

__________________

(١) سورة الشورى : ٢٣.

٢٨٥

بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ »(١) يقول أسألكم عن المودة التي أنزلت عليكم فضلها مودة القربى

________________________________________________________

هذا الرجل قد هداكم الله على يده وهو ابن أختكم وجاركم في بلدكم فاجمعوا له طائفة من أموالكم ففعلوا ثمّ أتوه به فرده عليهم ونزل قوله تعالى : «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً » أي على الإيمان إلّا أن تؤدوا أقاربي ، فحثهم على مودة أقاربه ، ثمّ قال :بعد نقل خبر طويل عن صاحب الكشاف في مودة آل الرسول صلوات الله عليهم وذم بغضهم : وأنا أقول آل محمّد هم الذّين يؤول أمرهم إليه ، وكلّ من كان أوّل أمرهم أشد وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شك أن فاطمة وعليّاً والحسن والحسينعليهم‌السلام كان التعلق بينهم وبين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشد التعلقات ، وهذا كالمعلوم المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل.

وأيضاً اختلف النّاس في الآل فقيل : هم الأقارب. وقيل : هم أمته فإن حملناه على القرابة فهم الآل ، وإن حملناه على الأمة الذّين قبلوا دعوته فهم أيضاً آل ، فثبت أن على جميع التقديرات هم آل ، وأما غيرهم هل يدخلون تحت لفظ الآل فمختلف فيه ، فثبت على جميع التقديرات أنهم آل محمّدعليهم‌السلام .

وروى صاحب الكشاف أنّه لـمّا نزلت هذه الآية قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذّين وجبت علينا مودتهم؟ فقيل : على وفاطمة وابناهما ، فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ، ثمّ ذكر الرازي دلائل كثيرة على وجوب محبّة الآل.

وأقول : هذه الرواية التي رواها الزمخشري رواها الثعلبي والبيضاوي وغيرهما من المفسرين.

قوله : «وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ » أقول : القراءة المشهورة : الموءودة بالهمزة ، قال :الطّبرسي : الموءودة هي الجارية المدفونة حيا وكانت المرأة إذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة وقعدت على رأسها ، فإن ولدت بنتا رمتها في الحفرة وإن ولدت غلاما حبسته ،

__________________

(١) راجع كلام الشارح في تفسيّر الآية.

٢٨٦

بأي ذنب قتلتموهم وقال :جل ذكره «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ »(١) قال :الكتاب هو الذكر وأهله آل محمّدعليهم‌السلام أمر الله عزّ وجلّ بسؤالهم ولم يؤمروا بسؤال الجهال وسمى الله عزّ وجلّ القرآن ذكرا فقال :تبارك وتعالى «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ »(٢) وقال :عزّ وجلّ «وَأنّه لَذِكْرٌ

________________________________________________________

أي تسأل فيقال :لها : بأي ذنب قتلت؟ ومعنى سؤالها توبيخ قاتلها ، وقيل : المعنى يسأل قاتلها بأي ذنب قتلت؟ وروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام : وإذا المودة سئلت بفتح الميم والواو ، وروي عن ابن عباس أنّه قال : هو من قتل في مودتنا أهل البيت ، وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال : يعني قرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن قتل في جهاد ، وفي رواية أخرى قال : هو من قتل في مودتنا وولايتنا ، انتهى.

وأقول : الظاهر أن أكثر تلك الأخبار مبنية على تلك القراءة الثانية إما بحذف المضاف أي أهل المودة يسألون بأي ذنب قتلوا أو بإسناد القتل إلى المودة مجازا ، والمراد قتل أهلها أو بالتجوّز في القتل والمراد تضييع مودة أهل البيتعليهم‌السلام وإبطالها وعدم القيام بها وبحقوقها ، وبعضها على القراءة الأولى المشهورة بأن يكون المراد بالموؤودة النفس المدفونة في التراب مطلقا أو حيا ، إشارة إلى أنهم لكونهم مقتولين في سبيل الله تعالى ليسوا بأموات بل أحياء عند ربهم يرزقون ، فكأنّهم دفنوا حيا ، وفيه من اللطف ما لا يخفى ، وهذا الخبر يؤيد الوجه الأوّل لقوله قتلتموهم.

« قال :الكتاب الذكر » شبيه بالقلب أي الذكر هو الكتاب [ وعكس لكون الكتاب ] ذاتا ، والذكر صفة أو أن وصف كونه كتاباً أشهر من كونه ذكرا وقد مر الكلام في هذه الآيات في باب أن أهل الذكر هم الأئمّةعليهم‌السلام ، وقد مر وجه آخر وهو أن الذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهمعليهم‌السلام أهله ، وسمى الله هذا بيان لصحّة إطلاق الذكر على الكتاب ووقوعه.

«وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ » أي ما فيه من المواعظ والعبرّ والزواجر والثواب والعقاب ،

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٧.

(٢) سورة النحل : ٤٦.

٢٨٧

لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ »(١) وقال :عزّ وجلّ «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(٢) وقال :عزّ وجلّ «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى » الله وإلى «الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذّين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ »(٣) فرد الأمر أمر النّاس إلى أولي الأمر منهم الذّين أمر بطاعتهم وبالرد إليهم.

فلـمّا رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجّة الوداع نزل عليه جبرئيلعليه‌السلام فقال : «يا أيّها الرَّسُولُ بلّغ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ

________________________________________________________

فتحصل لهم الدواعي على فعل الحسنات وترك السيئات «وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ » الخطّاب إلى الرسول وقومه أي يسألكم النّاس عمّا فيه فتجيبون أو يسألكم عن مراقبته ومحافظته وتبليغه ، وسبق الكلام في آية أولي الأمر عن قريب «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ » كذا في المصاحف وفي أكثر النسخ ولو ردوه إلى الله وإلى الرسول فيكون نقلا بالمعنى ، للإشعار بأن الرد إلى الرسول رد إلى الله ، والذّين يستنبطونه عبارة عن بعض الرادين إلى أولي الأمر وهم المستمعون المنصتون للجواب حقّ الإنصات والاستماع ، و « من » في منهم للابتداء ، والضمير لأولي الأمر ، أو للتبعيض والضمير للرادين إلى أولي الأمر ، أو الذّين يستبطونه عبارة عن أولي الأمر والضمير راجع إلى أولي الأمر ، والغرض التنصيص بأنهم هم أهل العلم والاستخراج والاستنباط « أمر النّاس » بدل من الأمر ، أي دلت الآيتان على أن الله تعالى فوّض أمر النّاس إلى أهل بيته وأمرهم بطاعتهم والرد إليهم فيما اختلفوا فيه.

«بلّغ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ » أي الوصيّة والولاية كما مر «إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ » دل على أن كلّ من أنكر ولاية عليّعليه‌السلام فهو كافر ، والسمرات جمع سمرّة وهي بفتح السين وضم الميم شجرة شائكة يقال :لها أم غيلان « فقم شوكهن » على بناء المجهول أي كنس « وأولى بكم » عطف تفسيّر للإشعار بأن الولي في «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ » والأولى في قوله : «النبيّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » بمعنى واحد.

__________________

(١) سورة الزخرف : ٤٤.

(٢) سورة النساء : ٥٩.

(٣) سورة النساء : ٨٢.

٢٨٨

يَعْصِمُكَ مِنَ النّاس إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ »(١) فنادى النّاس فاجتمعوا وأمر بسمرات فقم شوكهن ثمّ قال :صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا أيّها النّاس من وليكم وأولى بكم من أنفسكم فقالوا الله ورسوله فقال :من كنت مولاه فعليّ مولاه الّلهم وال من والاه وعاد من عاداه ثلاث مرات فوقعت حسكة النفاق في قلوب القوم وقالوا ما أنزل الله جل ذكره هذا على محمّد قط وما يريد إلّا أن يرفع بضبع ابن عمه.

فلـمّا قدم المدينة أتته الأنصار فقالوا يا رسول الله إن الله جل ذكره قد أحسن إلينا وشرفنا بك وبنزولك بين ظهرانينا فقد فرح الله صديقنا وكبت عدونا وقد يأتيك وفود فلا تجد ما تعطيهم فيشمت بك العدو فنحب أن تأخذ ثلث أموالنا حتّى إذا قدم عليك وفد مكّة وجدت ما تعطيهم فلم يرد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم شيئاً وكان ينتظر ما يأتيه من ربه فنزل جبرئيلعليه‌السلام وقال :- «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » ولم يقبل أموالهم فقال :المنافقون ما أنزل الله هذا على محمّد وما يريد إلّا أن يرفع بضبع ابن عمه ويحمل علينا أهل بيته يقول أمس من كنت مولاه فعلي

________________________________________________________

والحسكة بفتح المهملتين شوك صلب شبه به النفاق ، قال :الجوهري : قولهم في صدره حسكة وحساكة أي ضغن وعداوة ، والقوم : المنافقون المتقلبون ، والضبع بفتح المعجمة وسكون الموحدّة العضد كلها أو وسطها بلحمها ، أو الإبط أو ما بين الإبط إلى نصف العضد من أعلاه ، ذكره الفيروزآبادي ، ورفعها كناية عن إعلاء قدره وإشادة ذكره وجعله مسلطاً عليهم « بين ظهرانينا » أي بيننا على سبيل الاستظهار والاستناد إلينا كان ظهرا منّا قدامك وظهرا وراءك فأنت مكنوف من جانبيك ، وفي القاموس : كبته يكبته : صرعه وأخزاه وصرفه وكسره ورد العدو بغيظ وأذله ، انتهى.

والوفود جمع الوفد بالفتح وهم الطوائف الواردون على الملوك لحاجة ، والشماتة الفرح ببلية العدو.

« يقول أمس » أي يوم الغدير و الفيء : الغنيمة « وتعرف به ولايتي » أي محبتي

__________________

(١) سورة المائدة : ٦٨.

٢٨٩

مولاه واليوم «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » ثمّ نزل عليه آية الخمس فقالوا يريد أن يعطيهم أموالنا وفيئنا ثمّ أتاه جبرئيل فقال :يا محمّد إنك قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوَّة عند عليّعليه‌السلام فإني لم أترك الأرض إلّا ولي فيها عالم تعرف به طاعتي وتعرف به ولايتي ويكون حجّة لمن يولد بين قبض النبيّ إلى خروج النبيّ الآخر قال :فأوصى إليه بالاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوَّة وأوصى إليه بألف كلمة وألف باب يفتح كلّ كلمة وكلّ باب ألف كلمة وألف باب.

(١١) ٤ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وصالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن يحيى بن معمر العطار ، عن بشير الدهان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :قال :رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي توفي فيه ادعوا لي خليلي فأرسلتا إلى أبويهما فلـمّا نظر

________________________________________________________

أو إمارتي وخلافتي المدلول عليها بقوله : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ » في هذه الآية.

وقوله : ألف باب ، تفسيّر لألف كلمة أو أحدهما متعلق بالأحكام والآخر بغيرها ، ويحتمل أن يكون المراد بألف كلمة وألف باب بقواعد كلية أصولية وقوانين مضبوطة جملة أمكنه أن يستنبط منها أحكاما جزئية ومسائل فرعية تفصيلية لكن لا كاستنباطناً بالظنّ والتخمين بل استخراجا بالعلم واليقين ، ويؤيده ما رواه الصفار في بصائر الدّرجات بإسناده عن موسى بن بكر قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : الرجل يغمى عليه اليوم واليومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك كم يقضي من صلاته؟ فقال : إلّا أخبرك بما ينتظم به هذا وأشباهه؟ فقال : كلـمّا غلب الله عليه من أمر فالله أعذر لعبده ، وزاد فيه غيره قال : قال :أبو عبد اللهعليه‌السلام : وهذا من الأبواب التي يفتح كلّ باب منها ألف باب.

الحديث الحادي عشرّ : مجهول.

« ادعوا لي خليلي » قيل : أصل الخلّة الانقطاع ، وقيل الاختصاص ، وقيل : الاصطفاء ، وقيل صفاء المودّة وخلوصها وإطلاقه على أمير المؤمنينعليه‌السلام بكلّ الوجوه مناسب ، وقيل : الخلّة من تخلل الشيء في القلب ، واختلف في أن الخلّة أشدّ وأرفع

٢٩٠

إليهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعرض عنهما ثمّ قال :ادعوا لي خليلي فأرسل إلى عليّ فلـمّا نظر إليه أكب عليه يحدّثه فلـمّا خرج لقياه فقالا له ما حدثك خليلك فقال :حدّثني ألف باب يفتح كلُّ باب ألف باب.

________________________________________________________

أم المحبّة ولكلّ وجوه « فأرسلتا » أي عائشة وحفصة « فأرسل إلى عليّ » على بناء المجهول والظرف نائب الفاعل ، وضمير أكب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضمير عليه لعليّعليه‌السلام وفي القاموس أكب عليه أقبل ولزم كانكب ، وضمير لقياه لأبويهما.

وقال :الشيخ المفيدقدس‌سره : قد تعلق قوم من ضعفة العامة بهذا الخبر على صحّة الاجتهاد والقياس ، ثمّ أجاب عن ذلك بوجوه ، ثمّ ذكر في تأويل الخبر وجوها : منها : أن المعلم له الأبواب هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتح له بكلّ باب منها ألف باب ووقفه على ذلك ، ومنها أن علمه بكلّ باب أوجب فكره فيه فبعثه الفكر على المسألة عن شعبه ومتعلقاته ، فاستفاد بالفكر فيه علم ألف باب بالبحث عن كلّ باب ، ومثل هذا قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم ، ومنها : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نص له على علامات تكون عندها حوادث ، كلّ حادثة تدلّ على حادث إلى أن تنتهي إلى ألف حادثة ، فلـمّا عرف الألف علامة عرفه بكلّ علامة منها ألف علامة ، والذي يقرب هذا من الصواب أنّهعليه‌السلام أخبرنا بأمور تكون قبل كونها ثمّ قال :عقيب أخباره بذلك : علمني رسول الله ألف باب ، فتح لي من كلّ باب ألف باب.

وقال :بعض الشيعة : إن معنى هذا القول أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نص على صفة ما فيه الحكم على الجملة دون التفصيل ، كقوله : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، فكان هذا باباً استفيد منه تحريم الأخت من الرضاعة ، والأم من الرضاعة ، والخالة والعمة وبنت الأخ وبنت الأخت ، وكقول الصادقعليه‌السلام : الربا في المكيل والموزون ، فاستفيد بذلك الحكم في أصناف المكيلات والموزونات والأجوبة الأولة لي وأنا أعتمدها ، انتهى كلامه رفع مقامه.

وأقول : ينافي الثالث ما صرح به في بعض الروايات حيث قال : وعلمني ألف باب من الحلال والحرام ، وممّا كان وممّا هو كائن إلى يوم القيامة ، ويؤيد الأخير رواية

٢٩١

(١٢) ٥ - أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال :علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألف حرف كلّ حرف يفتح ألف حرف.

(١٣) ٦ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :كان في ذؤابة سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صحيفة صغيرة فقلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أي شيء كان في تلك الصحيفة قال :هي الأحرف التي يفتح كلّ حرف ألف حرف.

قال :أبو بصير قال :أبو عبد اللهعليه‌السلام فما خرج منها حرفان حتّى الساعة.

(١٤) ٧ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصر ، عن فضيل بن سكرة قال :قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام جعلت فداك هل للماء الذي يغسّل به الميّت

________________________________________________________

موسى بكر المتقدمة ، والظاهر أن المراد أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علمه ألف نوع من أنواع استنباط العلوم ، يستنبط من كلّ منها ألف مسألة أو ألف نوع ، والاجتهاد إنما يمنع منه لابتنائه على الظنّ وهو لا يغني من الحقّ شيئاً فإذا علم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيفية الاستخراج على وجه يحصل به العلم واليقين بحكمه(١) تعالى فليس من الاجتهاد في شيء.

الحديث الثاني عشرّ : حسن موثق ، والحرف عبارة عن الكلمة والكلام.

الحديث الثالث عشرّ : موثق.

وذؤابة كلّ شيء أعلاه ، وأصله الهمزة قلبت واوا والمراد هنا قبضته أو ما يعلق من قبضته ويجعل فيه بعض الضروريات ، تشبيها بذؤابة المرأة « فما خرج منها » أي لم يظهر للناس « منها حرفان » أي جزءان من ألف جزء أو من ألف ألف جزء.

الحديث الرابع عشرّ : مجهول.

وفي القاموس : بئر غرس ، في المدينة ، ومنه الحديث في غرس عين من عيون الجنّة ، وغسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها ، انتهى.

__________________

(١) في نسخة : « بحكمته تعالى ».

٢٩٢

حدٌّ محدود ؟ قال :إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :لعليّعليه‌السلام إذا متُّ فاستق ست قرب من ماء بئر غرس فغسلني وكفني وحنطني فإذا فرغت من غسلي وكفني فخذ بجوامع كفني وأجلسني ثمّ سلني عمّا شئت فو الله لا تسألني عن شيء إلّا أجبتك فيه.

________________________________________________________

والجوامع جمع الجامعة وهي المواضع التي جمعت طرفي الثوب الملفوف على شيء. وفي بعض الروايات بمجامع كفني بهذا المعنى « ثمّ سلني » هذا السؤال والجواب إما على الحقيقة بإعادة الروح إلى جسده المقدس أو على المجاز باتصال روحاني بين روحيهما المقدسين وانتقاش أحدهما من الآخر كالمرءاتين المتقابلتين ، أو على نحو آخر لا تصل إليه عقولنا القاصرة.

قال :الغزالي في رسالة العلم اللدني : قال :أمير المؤمنينعليه‌السلام إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أدخل لسأنّه في فمي فانفتح في قلبي ألف باب من العلم ، وفتح لي كلّ باب ألف وقال :أيضاً : لو ثنيت لي الوسادة وجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم ولأهل الفرقان بفرقانهم ، وهذه المرتبة لا تنال بمجرد التعلم بل يتمكن المرء في هذه المرتبة بقوة العلم اللدني ، وكذا قال :عليه‌السلام لـمّا حكى عن عهد موسىعليه‌السلام : إن شرح كتابه كان أربعين وقرأ ، قال :الغزالي : وهذه الكثرة والسعة والانفتاح في العلم لا يكون إلّا من لدن إلهي سماوي ، انتهى.

لا يقال : قد مر في الأخبار أنّه لم يخرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدنيا إلّا وعليّعليه‌السلام علم جميع علمه ، فهذا أي علم؟

لأنا نقول : يحتمل أن يكون المراد بجميع علمه ما تحتاج الأمة إليه من أمور الدين والدنيا ويكون هذا غيره ، أو يكون المراد بالموت ما يشمل ما يقرب منه من الأزمان ، أو يراد به الموت بعد هذه الحياة ، مع أنّه يمكن أن تكون هذه العلوم لم تكن لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حال حياته بل ممّا أفيض عليه بعد قطع تعلقه عن العلائق الجسمانية واتصاله بعالم القدس بالكلية كما مر أنّه يفاض عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علم ما يحدث بالليل والنهار للأئمّةعليهم‌السلام ، والله يعلم غرائب أسرارهم وأحوالهم.

٢٩٣

(١٥)٨ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن ابن أبي سعيد ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :لـمّا حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الموت دخل عليه عليّعليه‌السلام فأدخل رأسه ثمّ قال :يا عليّ إذا أنا مت فغسلني وكفني ثمّ أقعدني وسلني واكتب.

(١٦) ٩- عليُّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الوليد شباب الصيرفي ، عن يونس بن رباط قال :دخلت أنا وكامل التمار على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال :له كامل جعلت فداك حديث رواه فلان فقال :اذكره فقال :حدّثني أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حدث عليّاًعليه‌السلام بألف باب يوم توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ باب يفتح ألف باب فذلك ألف ألف باب فقال :لقد كان ذلك قلت جعلت فداك فظهر ذلك لشيعتكم ومواليكم فقال :يا كامل باب أو بابان فقلت له جعلت فداك فما يروى من فضلكم من ألف ألف

________________________________________________________

الحديث الخامس عشرّ : ضعيف.

« فأدخل رأسه » الضميران في أدخل وفي رأسه للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي أدخل رأسه تحت الإزار لئلّا يواجهه بإخبار موته التي كان يعلم أنّه أصعب الأمور عليه ، أو ضمير أدخل للرسول وضمير رأسه لعليّعليه‌السلام أي أدخل رأس على تحت لحافه ليودعه الأسرار كما يدلّ عليه غيره من الأخبار ، أو الضميران لعليّعليه‌السلام والأوسط أظهر كما روى الصدوق في الخصال بإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : جلل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًعليه‌السلام ثوبا ثمّ علمه ، وذلك ما يقال :أنّه علمه ألف كلمة كلّ كلمة تفتح ألف كلمة.

الحديث السادس عشرّ : ضعيف.

« باب أو بابان » : قال :المحدّث الأسترآبادي (ره) : ليس من باب شك الراوي فالمقصود ثمّ باب ووقع الشروع في الآخر ، انتهى ، والحاصل أنّه إذا كان باباً وكسرا فيجوز إسقاط الكسر فيكون باباً أو إتمامه فيكون بابين كما هو الشائع عند المنجمين والمحاسبين في الكسور.

« من فضلكم » قيل : أي من علمكم ، والظاهر أن الراوي توهم أن ما حدث

٢٩٤

باب إلّا باب أو بابان قال :فقال :وما عسيتمّ أن ترووا من فضلنا ما تروون من فضلنا إلّا ألفا غير معطوفة.

________________________________________________________

به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك اليوم عليّاًعليه‌السلام كان فضل أهل البيتعليهم‌السلام ، أو أن انتشار الفضل بنسبة انتشار سائر العلوم ، فبينعليه‌السلام أن انتشار الفضل أقل من انتشار سائر العلوم لقصور عقل أكثر الخلق عن فهمها ، بل لم ينتشرّ من فضائلهم بين النّاس إلّا أقل من جزء من ألف ألف جزء.

قولهعليه‌السلام : إلّا ألفا غير معطوفة ، يعني إلّا حرفاً وأحداً ناقصا أي أقل من حرف واحد ، وإنما اختار الألف لأنها أوّل الحروف من حروف التهجي وأبسطها وأخفها مؤنة في الكتاب والتكلّم وعدم عطفها كناية عن نقصانها فإنها تكتب في رسم الخط الكوفي القديم هكذا فإذا كان طرفها غير مائل كانت ناقصة ، هذا هو المعنى الحقّ المسموع عن المشايخ الكبار قدس الله أرواحهم.

وقال :المحدّث الأسترآبادي (ره) احتراز عن الهمزة كناية عن الوحدّة ، ويمكن أن يكون إشارة إلى ألف منقوشة ليس قبلها صفرا وغيره ، انتهى.

ومن حمل الفضل فيما مر على العلم توهم المنافاة بين باب أو بابين ، وبين الحرف الناقص الدالّ على عدم إتمام باب واحد ، فتصدى لدفع ذلك بحمل البابين على أبواب الفروع ، وهذا على باب من أبواب الأصول وقد عرفت ضعف مبنى الاعتراض ، وربّما يقرأ لذلك ألفا بسكون اللام أي باباً وأحداً ينحل إلى ألف ، فالمراد بقوله : غير معطوفة أنّه لم يعطف عليه شيء آخر.

وأقول : على هذا يمكن أن يكون بناء الأوّل على الظهور في الجملة ، والثاني على الظهور التام ، أو الأوّل على الخواص ، والثاني على سائر الشيعة.

٢٩٥

( باب )

( الإشارة والنص على الحسن بن عليّ عليهما‌السلام )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن أذينة ، عن أبان ، عن سليم بن قيس قال :شهدت وصيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام حين أوصى إلى ابنه الحسنعليه‌السلام وأشهد على وصيته الحسينعليه‌السلام ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ثمّ دفع إليه الكتاب والسلاح وقال :لابنه الحسنعليه‌السلام يا بني أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أوصيّ إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودفع إلي كتبه وسلاحه وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسينعليه‌السلام ثمّ أقبل على ابنه الحسينعليه‌السلام فقال :وأمرك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تدفعها إلى ابنك هذا ثمّ أخذ بيد عليّ بن الحسينعليه‌السلام ثمّ قال :لعليّ بن الحسين - وأمرك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تدفعها إلى ابنك محمّد بن عليّ وأقرئه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومني السلام.

٢ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الصمد بن بشير ، عن

________________________________________________________

باب الإشارة والنص على الحسن بن عليّ عليهما‌السلام

الحديث الأوّل حسن على الظاهر ، بل صحيح.

إذ كتاب سليم مقبول عند القدماء ، اعتمد عليه الكليني والصدوق وغيرهما ، وهم أعرف بأحوال الرجال ممن تأخر عنهم ، والكتاب معروض على الباقرعليه‌السلام وهو عندنا موجود.

والمراد بالكتاب الجنس ، أي جميع ما في الجفر الأبيض من الكتب ، وكذا المراد بالسلاح جميع ما في الجفر الأحمر من الأسلحة « أن تدفعها » أي الكتب والسلاح و « اقرأ » من باب منع أو الأفعال.

الحديث الثاني : ضعيف

٢٩٦

أبي الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال :إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه لـمّا حضره الذي حضره قال :لابنه الحسن ادن مني حتّى أسر إليك ما أسر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلي وأئتمنك على ما ائتمنني عليه ففعل.

٣ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي قال :حدّثني الأجلح وسلمة بن كهيل وداود بن أبي يزيد وزيد اليمامي قالوا حدَّثنا شهر بن حوشب أن عليّاًعليه‌السلام حين سار إلى الكوفة استودع أم سلمة كتبه والوصيّة فلـمّا رجع الحسنعليه‌السلام دفعتها إليه.

٤ - وفي نسخة الصفوانيّ أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن سيف ، عن أبي بكر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن عليّاً صلوات الله عليه حين سار إلى الكوفة استودع أم سلمة كتبه والوصيّة فلـمّا رجع الحسن دفعتها إليه.

٥ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن عمرو بن شمر ، عن جابرّ ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال :أوصى أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الحسن وأشهد على وصيته الحسينعليه‌السلام ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ثمّ دفع إليه الكتاب والسلاح ثمّ قال :لابنه الحسن يا بني أمرني رسول الله أن أوصيّ إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي رسول الله ودفع إلي

________________________________________________________

والأسرار أبداًع السر.

الحديث الثالث : مجهول.

« كتبه » لعلّ المراد بعض الكتب ، والمراد بالوصيّة الصحيفة المختومة التي نزلت من السماء وقد مر ذكرها ، « وفي نسخة الصفواني » أي الخبر الآتي كان في نسخة الصفواني ولم يكن في نسخة النعماني وغيرها.

الحديث الرابع حسن.

الحديث الخامس : ضعيف

٢٩٧

كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعه إلى أخيك الحسين ثمّ أقبل على ابنه الحسين وقال :أمرك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تدفعه إلى ابنك هذا ثمّ أخذ بيد ابن ابنه عليّ بن الحسين ثمّ قال :لعليّ بن الحسين يا بني وأمرك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تدفعه إلى ابنك محمّد بن عليّ وأقرئه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومني السلام ثمّ أقبل على ابنه الحسن فقال :يا بنيّ أنت ولي الأمر ووليُّ الدم فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تأثم.

٦ - الحسين بن الحسن الحسنيّ رفعه ومحمّد بن الحسن ، عن إبراهيم بن إسحاق

________________________________________________________

« أنت ولّي الأمر » أي أمر الخلافة والإمامة « ووليّ الدم » أي إليك اختيار القصاص.

« فلك » أي فهو جائز لك « فضربة » مبتدأ خبره الظرف ، أو خبر مبتدإ محذوف ، أي فالواجب ضربة والظرف نعته « ولا تأثمّ » إمّا نهي أو نفي ، فعلى الأوّل أي لا تفعل ما يوجب الإثمّ - بالمثلّثة - بالقاتل أو الزيادة على الضربة الواحدة ، أو قتل غير القاتل كما كان شائعا بين العرب ، لا سيما في الأمراء فإنهم قد كانوا يقتلون بواحد قبيلة ، ويؤيّده ما رواه السيدرضي‌الله‌عنه في نهج البلاغة حيث قال :في كلام له يوصيّ به الحسنينعليهما‌السلام : يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون : قتل أمير المؤمنين! إلّا لا تقتلن بي إلّا قاتلي ، انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ، ولا يمثل الرجل ، فإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور ، والنهي لتعليم الأمة فإن الحسنينعليهما‌السلام كانا مستغنيين عن ذلك ، وعلى الثاني المعنى لا تأثمّ بالضربة لأنّه قصاص ، أو بالزيادة فأنّه مستحقّ لها وهما بعيدان ، ويمكن أن يقرأ على الأوّل لا تأثمّ نهيا من باب التفعل أي لا تزد فتكون عند النّاس منسوباً إلى الإثم.

الحديث السادس مرسل ، وروى الرضيرضي‌الله‌عنه في نهج البلاغة بعضه.

٢٩٨

الأحمريّ رفعه قال :لـمّا ضرب أمير المؤمنينعليه‌السلام حف به العواد وقيل له يا أمير المؤمنين أوص فقال :اثنوا لي وسادة ثمّ قال :الحمد لله حقّ قدره متبعين أمره وأحمده كما أحب ولا إله إلّا الله الواحد الأحد «الصَّمَدُ » كما انتسب أيّها النّاس كلّ امرئ لاق في فراره ما منه يفر والأجل مساق النفس إليه والهرب منه موافاته كم

________________________________________________________

« حفّ به » أي أحاط ، والعوّاد جمع عائد وهم الزائرون للمريض « أثنوا لي وسادة » يقال :ثنى الشيء كسمع أي رد بعضه على بعض ، والوسادة بالكسر ما يتكأ عليه في المجلس ، وتثنيها إما للجلوس عليها ليرتفع ويظهر للسامعين أو للاتكاء عليها لعدم قدرته على الجلوس مستقلا « الحمد لله قدره » أي حمدا يكون حسب قدره(١) وكما هو أهله ، قائم مقام المفعول المطلق أو منصوب بنزع الخافض أي على قدره ، وقيل : يحتمل كونه مفعولا عند من لم يشترط كونه شريكاً لعامله في الفاعل كما اختاره الرضي (ره) ، والقدر مصدر باب ضرب : التعظيم ، ومنه ما قدروا الله حقّ قدره ، انتهى.

« متبعين أمره » حال عن فاعل الحمد لأنّه في قوة أحمده « كما أحب » أي حمدا يكون محبوبة وموافقا لرضاه « كما انتسب » أي كما نسب نفسه إليه في سورة التوحيد ، ولذا تسمى نسبة الرب « في قراره » متعلق بلاق « ما منه يفر » أي من الأمور المقدرة الحتمية كالموت كما قال :تعالى : «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَأنّه مُلاقِيكُمْ »(٢) واللقاء في مدّة الفرار وهي الحياة الدنيا ، فإن الإنسان يفر من الموت ما دام حيا وإن كان تعبداً.

والأجل منتهى العمر ، وهو مبتدأ و « مساق النفس » مبتدأ ثان « وإليه » خبره والجملة خبر المبتدأ الأوّل ، وليس في النهج كلمة إليه ، فيحتمل أن يكون المراد بالأجل منتهى العمر ، والمساق بمعنى ما يساق إليه ، وأن يكون المراد به المدّة المضروبة لبقاء الإنسان ، وبالمساق زمان السوق والهرب منه موافاته ، لأن الهرب إنما يكون بعلاج وحركة يفنى بهما بعض المدّة ، وإفناء المدّة هو الموافاة ، أو

__________________

(١) وفي المتن « حقّ قدره » وعليه يسقط ما ذكره الشارح (ره) من الاحتمالات.

(٢) سورة الجمعة : ٨.

٢٩٩

أطّردت الأيّام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله عزَّ ذكره إلّا إخفاءه ، هيهات

________________________________________________________

المعنى أنّه إذا قدر زوال عمر أو دولة فكلّ تدبير يدبره الإنسان يصير سببا لحصول ما يهرب منه كما أن كلّ دواء ومعالجة إذا صادف قرب مجيء الأجل كان مضرا بالبدن وإن كان بحيث إذا لم يصادفه كان نافعاً مجرّباً عند الأطباء ، مع أن المرض والمزاج في كلتا الصورتين واحد ، بناء على إبطال أفعال الطبيعة ، وإن نفع الأدوية إنما هو فعل الله عند الدواء ، ومع قطع النظر عن ذلك إذا صادف الدواء الأجل يصير أحذق الأطباء جاهلا غافلا عمّا ينفع المريض ، فيعطيه ما يضرّه ، وإذا لم يصادف يلهم أجهل الأطبّاء بما ينفعه كما هو المجرب.

« كم أطّردت الأيّام » الطرد الإبعاد ، تقول : طردته أي نفيته عني والطريدة ما طردته من صيد وغيره ، وأطردت الرجل على صيغة الأفعال إذا أمرت بإخراجه ، وبحث عن الأمر كمنع أي فتش ، وقيل : الإطراد أدل على العز والقهر من الطرد.

وأقول في تأويله وجوه :

الأوّل : ما ذكره شراح النهج حيث قالوا : كأنّهعليه‌السلام جعل الأيّام أشخاصا يأمر بإخراجهم وإبعادهم عنه ، أي ما زلت أبحث عن كيفية قتلي وأي وقت يكون بعينه ، وفي أي أرض يكون يوماً يوماً ، فإذا لم أجده في يوم طردته واستقبلت يوماً آخر فأبحث فيه أيضاً فلا أعلم فأبعده وأطرده واستأنف يوماً آخر وهكذا ، حتّى وقع المقدر ، قالوا : وهكذا الكلام يدلّ على أنّهعليه‌السلام لم يكن يعرف حال قتله مفصلة من جميع الوجوه ، وأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلمه بذلك مجملا ، لأنّه قد ثبت أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :له : ستضرب على هذه وأشار إلى هامته(١) فتخضب منها هذه وأشار إلى لحيته ، وثبت أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :له : أتعلم من أشقى الأولين؟ قال : نعمّ عاقر الناقة ، فقال :له : أتعلم من أشقى الآخرين؟ قال : لا ، فقال : من يضرب هيهنا فتخضب هذه ، وكلام أمير المؤمنين يدلّ على أنّه بعد ضرب ابن ملجم له لا يقطع على أنّه يموت من ضربته إلّا تراه يقول : إن ثبتت الوطأة(٢) فذاك « إلخ » وقال :بعضهم : ذلك البحث إما بالسؤال

__________________

(١) الهامّة : الرأس وسيأتي في كلام الشارح (ره) أيضاً.

(٢) وفي المتن « أن تثبت الوطأة ».

٣٠٠