مرآة العقول الجزء ٣

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 403

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 403
المشاهدات: 43541
تحميل: 6778


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43541 / تحميل: 6778
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

علمٌ مكنون ، أمّا وصيّتي فأن لا تشركوا بالله جلّ ثناؤه شيئاً ومحمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا تضيعّوا

________________________________________________________

عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدّة حياته أو بالفحص والتفرّس من قرائن أحواله في سائر أوقاته مع النّاس ، و « مكنون هذا الأمر » أي المستور من خصوصيات هذا الأمر ، والمستور الذي هو هذا الأمر ، فالمشار إليه شيء مستور متعلّق بوفاتهعليه‌السلام ، و « هيهات » أي بعد الاطلاع عليه ، فأنّه علم مخزون ، ومن خواص المخزون ستره والمنع من أن يناله أحد.

الثاني : أن يكون المراد بهذا الأمر إخفاء الحقّ ومظلوميّة أهله وظهور الباطل وغلبة أصحابه وكثرة أعوأنّه ، لأنّهعليه‌السلام سعى في أوّل الأمر في أخذ حقه غاية السعي فلم يتيسرّ وجرت أمور لم يكن يخطر ببال أحد وقوع مثله ، وفي آخر الأمر لـمّا انتهى إليه وحصل له الأنصار والأعوان ، وجاهد في الله حقّ الجهاد ، وغلب على المنافقين سنحت فتنة التحكيم التي كانت من غرائب الأمور ، ثمّ بعد ذلك لـمّا جمع العساكر وأعاد الخروج إليهم وقعت الطامة الكبرى ، فالمراد بالمكنون سر ذلك وسببه ، فظهر لي وأبى الله إلّا إخفائه عنكم لضعف عقولكم عن فهمه ، إذ هي من غوامض مسائل القضاء والقدر.

الثالث : ما ذكره بعض أفاضل المعاصرين حيث قرأ أطردت على صيغة المعلوم من باب الأفعال يقال : أطرد الشيء إذا تبع بعضه بعضاً وجرى ، والأنهار أطردت أي جرت ، وقال : وهذا الأمر إشارة إلى الأجل ومكنونه لمه وسره من المصالح التي جعل الله الآجال كلا في وقته بسببها ، وهو مخالف لـمّا هو المضبوط في نسخ نهج البلاغة فإن أطردت فيها على نسخة المتكلم من باب الأفعال ، والأوسط أحسن الوجوه.

وفي النهج « علم مخزون(١) » ومحمداً منصوب بالإغراء بتقدير ألزموا والفاء للتفريع وفي النهج أما وصيّتي فالله لا تشركوا به شيئاً ، ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا تضيعوا سنته يقال : ضيّع الشيء تضييعا أي أهمله ، وعمود الفسطاط والبيت : الخشبة التي يقوم بها ،

__________________

(١) أي بدل « علم مكنون ».

٣٠١

سنّته ، أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين ، وخلاكم ذمُّ ما لم تشردوا حمل كلّ امرئ مجهوده وخفف عن الجهلة ربُّ رحيمٌ ، وإمامٌ عليمٌ ،ودينٌ قويم.

________________________________________________________

والعمودان التوحيد والنبوَّة ، وإقامتهما الاعتقاد بهما والعمل بمقتضيات الإيمان بهما ، وقيل : المراد بهما الحسنانعليهما‌السلام ، وقيل : هما المراد بالمصباحين.

« وخلاكم ذمّ » أي سقط عنكم وأعذرتم فلا ذم عليكم « ما لم تشردوا » كتضربوا يقال : شرد البعير أي نفر وذهب في الأرض ، والغرض النهي عن التفرق واختلاف الكلمة أي لا ذم يلحقكم ما دمتم متفقين في أمر الدين متمسكين بحبل الأئمّة الطاهرين أو المراد النهي عن الرجوع عن الدين وإقامة سننه ، وقرأ بعضهم ذم بالكسر أي مضى لكم ذمّة وأمان ما لم تشردوا ، ولا يخفى بعده.

« حمل كلّ امرئ منكم مجهوده » في بعض نسخ النهج « حمل » على صيغة الماضي المجهول من باب التفعيل ، ورفع كلمة « كلّ » وفي بعضها على المعلوم ونصب كلّ فالفاعل هو الله سبحانه ، وفي بعضها حمل كضرب على المعلوم ورفع كلّ والأوّل أظهر ، والمجهود مبلّغ الوسع والطاقة « وخفف عن الجهلة » على بناء المجهول ولعلّه استدراك لـمّا يتوّهم من ظاهر الكلام من أنّه سبحانه كلف كلّ أحد بما هو مبلّغ طاقته ونهاية وسعه ، فبينعليه‌السلام أن التكليف على حسب العلم ، والجهال ليسوا بمكلفين بما كلف به العلماء وقد قال :الله سبحانه : «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثمّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ »(١) ويدلّ ظاهره على أن الجاهل معذور في أكثر الأحكام « رب رحيم » خبر مبتدإ محذوف ، أي ربكم رب رحيم ، أو مبتدأ محذوف الخبر ، أي لكم رب رحيم ، وفي أكثر نسخ النهج خفف على بناء المعلوم ، فقوله : رب فاعله ، ولا يضر عطف الدين والإمام عليه لشيوع التجوّز في الإسناد ، قال :ابن أبي الحديد : ومن النّاس من يجعل رب رحيم فاعل خفف على رواية من رواها فعلا معلوماً ، وليس بمستحسن

__________________

(١) سورة النساء : ١٧.

٣٠٢

أنا بالأمس صاحبكم وأنا اليوم عبرةٌ لكم ، وغداً مفارقكم إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك المراد وإن تدحض القدم فإنّا كنّا في أفياء أغصان وذرى رياح

________________________________________________________

لأنّ عطف الدين عليه يقتضي أن يكون الدين أيضاً مخففاً وهذا لا يصح ، انتهى.

والمراد بالإمام الإمام في كلّ زمان ، ويحتمل شموله للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أيضاً تغليباً ، وربّما يخصّ بالرسول.

« أنا بالأمس صاحبكم » أي كنت صحيحا مثلكم نافذ الحكم فيكم ، أو صاحبكم الذي كنتم تعرفونني بقوّتي وشجاعتي « واليوم عبرة لكم » العبرة بالكسر ما يتعظ به الإنسان ويعتبره ليستدلّ به على غيره ، والمعنى اليوم تعتبرون بإشرافي على الموت وضعفي عن الحراك بعد ما كنت أميرا لكم ، أتصرف في الأمور على حسب إرادتي أو بأن ترونني صريعاً بينكم بعد قتل الأقران وصرع الإبطال « إن ثبت الوطأة » في بعض النسخ بصيغة الماضي ، والوطأة بالفتح موضع القدم ، والمرّة من الوطء وهو الدوس بالرجل ، والمراد ثبات القدم بالبقاء في الدنيا بأن كان يؤدي الجرح إلى الهلاك ، ودحضت القدم كمنعت أي زلقت وزلت ، وهذا كناية عن الموت « فذاك المراد » أي مرادكم فأنّهعليه‌السلام كان آنس بالموت من الطفل بثدي أمه ، أو مرادي لأنّه صلوات الله عليه كان راضيا بقضاء الله تعالى ، فمع قضاء الله حياته لا يريد غير ما أراده سبحانه.

ثمّ الظاهر من سائر الأخبار أنّهعليه‌السلام كان عالـماً بشهادته ووقتها وكان ينتظرها ويخبر بوقوعها ويستنبطها في الليلة التي وعدها ، ويقول : ما منع قاتلي؟ فهذا الكلام من قبيل تصوير العالم نفسه بصورة الشاك لبعض المصالح نحو قوله تعالى «أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ »(١) .

والأفياء جمع فيء بالفتح وهو الظلّ الحادث منه بعد الزوال ، لأن أصله الرجوع « وذرى رياح » أي ما ذرته وجمعته ، شبّه ما فيه الإنسان في الدنيا من الأمتعة والأموال بما ذرته الرياح في عدم ثباتها وقلة الانتفاع ، فإنها تجمعها ساعة وتفرقها أخرى ،

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٤٢.

٣٠٣

وتحت ظلّ غمامة اضمحلِّ في الجوّ متلفّقها ، وعفا في الأرض محطها وإنما كنت

________________________________________________________

أو المراد محال ذروها ، كما أن في النهج ومهب رياح ، قال :الفيروزآبادي : ذرت الريح الشيء ذروا وأذرته وذرته أطارته وأذهبته ، وذرى هو بنفسه وذراوة النبت بالضمّ ما ارفتّ(١) من يابسه فطارت به الريح ، وما سقط من الطعام عند التذري ، وما ذرأ من الشيء كالذري بالضمّ ، انتهى.

واضمحلّ السحاب : تقشع ، والشيء ذهب وفنى ، والجو : ما بين السماء والأرض و « متلفقها » بكسر الفاء أي ما انضم واجتمع ، يقال : تلفق أي انضم والتأم ، ولفق الثوب كضرب أي ضم شقه إلى أخرى فخاطهما ، أو بفتح الفاء مصدرا ميميا ، وعفا أي درس وانمحى ولم يبق له أثر « ومخطها » في أكثر نسخ الكتاب وفي النهج بالخاء المعجمة وهو ما يحدث في الأرض من الخط الفاضل بين الظل والنور ، وانمحاؤها يستلزم انمحاء الظل ، والمخط الأثر والعلامة يقال : خط في الأرض كمد خطأ أي أعلم علامة ، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة أي محط ظلها ، والضميران في متلفقها ومخطها راجعان إلى الغمامة ، وقيل : الضمير في متلفقها راجع إلى الغمامة وفي مخطها إلى ذرى الرياح ، لأن العلامة إنما تحصل من هبوب الرياح ولا يخفى بعده.

والحاصل أني إن مت فلا عجب فإنا كنّا في أمور فانية شبيهة بتلك الأمور ، أو لا أبالي فإني كنت في الدنيا غير متعلق بها كمن كان في تلك الأمور ، وفيه حث أيضاً للقوم على الزهد في الدنيا وترك الرغبة في زخارفها ، وقيل : أراد على وجه الاستعارة بالأغصان الأركان من العناصر الأربعة ، وبالأفياء تركيبها المعرض للزوال ، وبالرياح الأرواح ، وبذراها الأبدان الفائضة هي عليها بالجود الإلهي ، وبالغمامة الأسباب القوية من الحركات السماوية والاتصالات الكوكبية ، والأرزاق المفاضة على الإنسان في هذا العالم التي هي سبب بقائه ، وكنى باضمحلال متلفقها في الجو عن تفرق تلك الأسباب وزوالها ، وبعفاء مخطها في الأرض عن فناء آثارها في الأبداًن.

__________________

(١) ارفتّ : انكسر. اندقّ.

٣٠٤

جاراً جاوركم بدني أيّاماً وستعقبون مني جثّة خلاء ، ساكنة بعد حركة وكاظمة بعد نطق ليعظكم هدوي وخفوت إطراقي وسكون أطرافي فأنّه أوعظ لكم من الناطق

________________________________________________________

قوله : كنت جاراً ، أي مجاوراً جاوركم بدني ، إنّما خصّ المجاورة بالبدن لأنها من خواص الأجسام ، أو لأن روحه صلوات الله عليه كانت معلقة بالملأ الأعلى وهو بعد في هذه الدنيا كما قال :عليه‌السلام في وصف إخوأنّه الذّين تأوه شوقا إلى لقائهم : كانوا في الدنيا بأبداًن أرواحها معلقة بالملأ الأعلى « وستعقبون » على بناء المفعول من الأعقاب وهو إعطاء شيء بعد شيء ، ويقال : أكلّ أكلة أعقبه سقما أي أورثه ، والحاصل : يبقى فيكم بعد رحلتي ، وجثة الإنسان بالضمّ شخصه وجسده « خلاء » أي خالية من الروح والحواس « بعد حركة » في النهج : بعد حراك ، كسحاب بمعناها « وكاظمة بعد نطق » قال :الفيروزآبادي كظم غيظه رده والباب أغلقه وكظم كعني كظوما سكت ، وقوم كظم كركع ساكنون ، وفي النهج : وصامتة بعد نطوق.

« ليعظكم » بكسر اللام والنصب كما ضبط في أكثر نسخ النهج ، ويحتمل الجزم لكونه أمرا ، وفتح اللام والرفع أيضاً ، وهدأ كمنع هداء وهدوءا بالضمّ ، أي سكن ، وهدؤى ، في بعض نسخ النهج بالهمزة على الأصل ، وفي بعضها بتشديد الواو بقلب الهمزة واوا ، وفي الصحاح خفت الصوت خفوتا سكن ولهذا قيل للميت خفت إذا انقطع كلامه وسكت ، و « إطراقي » إما بكسر الهمزة كما هو المضبوط في النهج من أطرق إطراقا أي أرخى عينيه إلى الأرض ، كناية عن عدم تحريك الأجفان ، أو بفتحها جمع طرق بالكسر بمعنى القوة كما ذكره الفيروزآبادي ، أو بالفتح وهو الضرب بالمطرقة ، وقيل : جمع طرقة بالفتح أي صنائع الكلام ، يقال : هذه طرقته أي صنعته والأوّل أظهر وأضبط.

والأطراف جمع طرف بالتحريك كجمل وإجمال والمراد بها الأعضاء والجوارح كاليدين والرجلين أو جمع الطرف بالتسكين وهو تحريك العين والجفن ، إلّا أن جمعه لم يثبت إلّا عند القتيبي ، وقال :الزمخشري : الطرف لا يثني ولا يجمع لأنّه مصدر ، وكذا ذكره الجوهري.

٣٠٥

البليغ ، ودّعتكم وداع مرصد للتلاقي ، غداً ترون أيّامي ، ويكشف الله عزّ وجلّ عن

________________________________________________________

« ودّعتكم » على صيغة المتكلم من باب التفعيل ، « وداع » بالفتح اسم من قولهم ودعته توديعا ، وأما الوداع بالكسر فهو الاسم من قولك وادعته موادعة أي صالحته ، وهو منصوب بالمصدرية ، وفي أكثر نسخ النهج : وداعيكم وداع ، بإضافة وداعي إلى ضمير المفعول ، أي وداعي إياكم وتجوّز في مثله الفصل والوصل ، و « وداع » مرفوع بالخبرية ، ورصدته : إذا قعدت له على طريقه تترقبه وأرصدت له العقوبة إذا أعددتها له وحقيقتها جعلتها على طريقه كالمترقبة له ، و « مرصد » في بعض نسخ النهج على صيغة اسم المفعول فالفاعل هو الله تعالى أو نفسهعليه‌السلام كأنّه أعد نفسه بالتوطين للتلافي ، وفي بعضها على صيغة اسم الفاعل ، فالمفعول نفسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو ما ينبغي إعداده وتهيئة ، ويوم التلاقي يوم القيامة ويحتمل شموله للرجعة أيضاً.

« غداً » أي زمان مفارقتي إياكم وهو ظرف للأفعال الآتية أي بعد أن أفارقكم ويتولى بنو أمية وغيرهم أمركم « ترون » وتعرفون فضل أيّام خلافتي وإني كنت على الحقّ ويكشف الله لكم أني ما أردت في حروبي وسائر ما أمرتكم به إلّا وجه الله عزّ وجلّ ، وتعرفون عدلي وقدري بعد قيام غيري مقامي بالأمارة.

قيل : والسر فيه أن الكمل إنما يعرف قدرهم بعد فقدهم إذ مع شهودهم لا يخلو من يعرفهم عن حسد منه لهم ، فكمال قدرهم مخبوء عن عين بصيرته لغشاوة حسده التي عليها « ويكشف الله عن سرائري » لأن بالموت ينكشف بعض ما يستره الإنسان عن النّاس من حسناته المتعدية إليهم.

أقول : ويحتمل أن يكون المراد بقوله : غدا أيّام الرجعة ويوم القيامة فإن فيهما تظهر شوكتهم ورفعتهم ونفاذ حكمهم في عالم الملك والملكوت ، فهوعليه‌السلام في الرجعة ولي انتقام العصاة والكفّار ، وتمكين المتقين والأخيار في الأصقاع والأقطار وفي القيامة ولي الحساب وقسيم الجنّة والنار وغير ذلك ممّا يظهر من درجاتهم ومراتبهم السنية فيهما ، فالمراد بخلو مكأنّه خلو قبره عن جسده في الرجعة ، أو نزوله عن منبر

٣٠٦

سرائري ، وتعرفوني بعد خلوّ مكاني وقيام غيري مقامي ،إن أبق فأنا ولي دمي

________________________________________________________

الوسيلة وقيامه على شفير جهنم يقول للنار : خذي هذا واتركي هذا في القيامة.

وفي أكثر نسخ الكتاب : وقيامي غير مقامي ، وهو أنسب بالأخير ، وعلى الأوّل يحتاج إلى تكلف شديد ، كان يكون المراد قيامه عند الله تعالى في السماوات وتحت العرش وفي الجنان في الغرفات وفي دار السلام كما دلت عليه الروايات ، وفي نسخ النهج وفي بعض نسخ الكتاب : وقيامي غير مقامي ، فهو بالأوّل أنسب ، ويحتاج في الأخير إلى تكلف تام بأن يكون المراد بالغير القائمعليه‌السلام ، فأنّه إمام الزمان في الرجعة وقيام الرسول مقامه للمخاصمة في القيامة.

ويخطر بالبال أيضاً أنّه يمكن الجمع بين المعنيين فيكون أسد وأفيد بأن يكون : ترون أيامي ، ويكشف الله عن سرائري ، في الرجعة والقيامة لاتصاله بقوله « وداع مرصد للتلاقي » وقولهعليه‌السلام : وتعرفوني ، كلاما آخر إشارة إلى ظهور قدره في الدنيا كما مر في المعنى الأوّل ، هذا أظهر الوجوه لا سيما على النسخة الأخيرة.

« إن أبق فأنا ولي دمي » صدق الشرطية لا يستلزم وقوع المقدم وقد مر الكلام فيه فلا ينافي ما مر من قوله : وغدا مفارقكم « فالفناء ميعادي » كما قال :جل شأنّه : «كلّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ »(١) وقال : «كلّ شَيْءٍ هالِكٌ إلّا وَجْهَهُ »(٢) وفي بعض النسخ : العفو لي قربة ولكم حسنة ، فيحتمل أن يكون استحلإلّا من القوم كما هو الشائع عند الموادعة ، أي عفوكم عني سبب مزيد قربي وحسناتكم ، أو عفوي لكم قربة وعفوكم عني حسنة لكم ، فيكون طلب العفو على سبيل التواضع من غير أن يكون منه إليهم جناية ، وفي أكثر النسخ وإن أعف فالعفو لي قربة ، أي إن أعف عن قاتلي ، فقوله : ولكم حسنة أي عفوي لكم حسنة لصعوبة ذلك عليكم حيث تريدون التشفي منه وتصبرون على عفوي بعد القدرة على الانتقام ، أو عفوكم عمّن فعل مثل ذلك لكم حسنة لا عفوكم من قاتلي ، فأنّه لا يجوز وإن احتمل أن يكون قال :ذلك على

__________________

(١) سورة الرحمن : ٢٧.

(٢) سورة القصص : ٨٨.

٣٠٧

وإن أفن فالفناء ميعادي وإن أعف فالعفو لي قربة ولكم حسنة «فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا » «إلّا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ » فيا لها حسرة على كلّ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة أو تؤديه أيامه إلى شقوة جعلنا الله وإياكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله رغبة أو تحلّ به بعد الموت نقمة فإنما نحن له وبه ثمّ أقبل على الحسنعليه‌السلام فقال :يا بني ضربة مكان ضربة ولا تأثم.

________________________________________________________

وجه المصلحة.

«فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا » أي عني على الوجه الأوّل أو عن غير قاتلي ممن له شركة في ذلك كما مر في رواية النهج : لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين ، أو عن جرائم إخوانكم وزلاتهم وظلمهم عليكم ، أو إذا جني عليكم بمثل هذه الجناية ، لئلّا يناقض قولهعليه‌السلام : ضربة مكان ضربة ، مع أنّه يحتمل أن يكون معناه إن لم تعفو فضربة ، لكن الأمر بالعفو عن مثل هذا الملعون بعيد.

« فيا لها حسرة » النداء للتعجّب والمنادي محذوف وضمير لها مبهم ، وحسرة تميز للضمير المبهم ، نحو ربه رجلا ، وأن يكون خبر مبتدإ محذوف والتقدير لأن يكون ، أي يا قوم أدعوكم لأمر تتعجبون منه وهي الحسرة على ذي غفلة ، وهي كون العمر عليه حجّة لتضييعه فيما لا يعنيه ، والشقوة بالكسر سوء العاقبة.

« ممن لا يقصر به » الباء للتعدية و « رغبة » فاعل لم يقصر ، وضمير « به » راجع إلى الموصول أي لا تجعله رغبة من رغبات النفس وشهوة من شهواتها قاصرا عن طاعة الله ، هذا هو الظاهر ، وقيل : رغبة تميز عن النسبة وضمير به راجع إلى الله أي ممن لا يقصر بتوفيق الله عن طاعة الله لأجل الرغبة عنها وهو بعيد ، وقد يتوّهم تعلق عن طاعة الله بالرعية وهو أبعد « أو تحل » عطف على « يقصر » فينسحب عليه النفي ، والنقمة العقوبة والعذاب.

« فإنما نحن له وبه » أي لله ومملوكه ، ولا نفعل شيئاً إلّا بعونه أو الضمير للموت أي خلقنا للموت ونحن متلبسون به.

٣٠٨

٧ - محمّد بن يحيى ، عن عليّ بن الحسن ، عن عليّ بن إبراهيم العقيلي يرفعه قال :قال :لـمّا ضرب ابن ملجم أمير المؤمنينعليه‌السلام قال :للحسن يا بني إذا أنا مت فاقتل ابن ملجم واحفر له في الكناسة ووصف العقيلي الموضع على باب طاق المحامل موضع الشواء والرؤاس ثمّ ارم به فيه فأنّه واد من أودية جهنم.

( باب )

( الإشارة والنص على الحسين بن عليّ عليهما‌السلام )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح قال :الكليني وعدَّة من أصحابنا ، عن ابن زياد ، عن محمّد بن سليمان الديلمي ، عن هارون بن الجهم ، عن محمّد بن مسلم قال :سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول لـمّا حضر الحسن بن عليّعليه‌السلام الوفاة قال :للحسينعليه‌السلام يا أخي إني أوصيك بوصيّة فاحفظها إذا أنا مت فهيئني ثم

________________________________________________________

الحديث السابع مرفوع ، والكناسة بالضمّ موضع بالكوفة وكذا طاق المحامل سوق أو محلة بها ، و « وصف » كلام عليّ بن الحسين والشواء بضم الشين وتشديد الواو جمع الشاوي وهم الذّين يشوون اللحم ، وكذا الرؤاس بضم الراء وتشديد الهمزة جمع الرأس وهم الذّين يطبخون الرؤوس أو يبيعونها ، ويحتمل فتح الشين والراء فيهما أي بياع الشواء والرؤوس وقد يقرأ الرواس بالواو ، ورده الجوهري حيث قال : يقال :لبائع الرؤوس رءاس ، والعامة تقول : رواس « فأنّه واد » لعله إنما صار من أودية جهنم لكونه مدفنا لذلك الخبيث عليه لعنة الله أبد الآبدين.

( باب )

( الإشارة والنص على الحسين بن عليّ صلوات الله عليهما‌السلام )

الحديث الأوّل : ضعيف.

« وقال :الكليني » كلام تلامذته وهو في هذا الموضع غريب ، ولعلّ بكراً أيضاً روي عن ابن الجهم أو عن ابن سليمان واحتمال إرسال الأوّل كما قيل بعيد ، وابن زياد هو سهل.

٣٠٩

وجهّني إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحدث به عهدا ثمّ اصرفني إلى أميعليها‌السلام ثمّ ردني فادفني بالبقيع واعلم أنّه سيصيبني من عائشة ما يعلم الله والنّاس صنيعها وعداوتها لله ولرسوله وعداوتها لنا أهل البيت فلـمّا قبض الحسنعليه‌السلام ووضع على السرير ثمّ انطلقوا به إلى مصلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كان يصلي فيه على الجنائز فصلى عليه الحسينعليه‌السلام وحمل وأدخل إلى المسجد فلـمّا أوقف على قبرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذهب ذو العوينين(١) إلى عائشة فقال :لها إنهم قد أقبلوا بالحسن ليدفنوا مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرجت مبادرة على بغل بسرج فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجا فقالت نحوا ابنكم عن بيتي فأنّه لا يدفن في بيتي ويهتك على رسول الله حجابه فقال :لها

________________________________________________________

« ثمّ ردّني » يدلّ على أنّ فاطمةعليها‌السلام ليست مدفونة بالبقيع ، ويمكن أن يستدلّ به على شرعية ما هو الشائع في هذه الأعصار في الروضات المقدسات من تزوير الأموات « ما يعلم الله والنّاس صنيعها » أي به ، أو ما يعلمه الله ، فصنيعها خبر مبتدإ محذوف ، والمراد بالصنيع الفعل القبيح ، في القاموس : صنع به صنيعا قبيحا فعله ، انتهى.

وفي بعض النسخ صنعها بهذا المعنى وفي بعضها « بغضها ».

« ثمّ انطلقوا » قرأ بعض الأفاضل ثمّ إشارة للمكان ، أي في بيته فقوله : انطلقوا جزاء « لـمّا » ويحتمل أن يكون بالضمّ ويكون قوله فصلى جواب لـمّا أدخل الفاء عليه للفاصلة ، وظاهره كون مصلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خارجا من المسجد ، ويمكن حمله على المسجد الذي كان في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو ما هو الآن مسقف ويصلي النّاس فيه ، وهما متقاربان وذو العوينتين الجاسوس ، قال :الجوهري : ذو العينتين الجاسوس ، ولا تقل ذو العوينتين ، وفي القاموس : وذو العينين الجاسوس ، انتهى.

وهذا الخبر يدلّ على أنّه سيجيء بالواو أيضاً ويمكن أن يكونعليه‌السلام تكلم باللّغة الشائعة بينهم ، ويظهر من بعض الأخبار أنّه كان مروان بن الحكم لعنه الله.

__________________

(١) الظاهر « ذو العوينين » كما في الشرح.

٣١٠

الحسينعليه‌السلام قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأدخلت عليه بيته من لا يحب قربه وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة.

٢ - محمّد بن الحسن وعليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن سليمان الديلمي ، عن بعض أصحابنا ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :لـمّا حضرت الحسن بن عليّعليه‌السلام الوفاة قال :يا قنبرّ انظر هل ترى من وراء بابك مؤمنّا من غير آل محمّدعليهم‌السلام فقال :الله تعالى ورسوله وابن رسوله أعلم به مني قال :ادع لي محمّد بن عليّ فأتيته فلـمّا دخلت عليه قال :هل حدث إلّا خير قلت أجب أبا محمّد فعجل على شسع نعله فلم يسوه وخرج معي يعدو فلـمّا قام بين يديه سلم

________________________________________________________

قوله : قديماً ، ظرف « هتكت » وهتكت الحجاب لإدخال أبي بكر وأبه بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير إذنه.

ثمّ اعلم أن ذكر الخبر في باب النص من جهتين « الأولى » اشتماله على الوصيّة وقد مر في الأخبار أنها من علامات الإمام « والثانية » أنّهعليه‌السلام صلى على أخيه وهي أيضاً من علامات الإمامة كما سيأتي ، ولذا ذكره المصنف في هذا الباب ، ثمّ أن الخبر يدلّ على مرجوحية ركوب الفروج على السروج.

الحديث الثاني : ضعيف.

قوله : الله ورسوله وابن رسوله أعلم به مني ، أي لا تحتاج إلى أن أذهب وأرى أنت تعلم ذلك بعلومك الربانيّة ، ويحتمل أن يكون المراد بالنظر النظر الباطني لأنّه كان من أصحاب الأسرار ، ولذا قال : أنت أعلم ، أي أنت أحرى بهذا النحو من العلم ومنكم أخذت ما عندي ، ويحتمل أن يكون أراد بقوله : مؤمنّا ، ملك الموت ، فأنّه كان يقف ويستأذن ، ويمكن أن يكون أتاه الملك بصورة بشرّ فسأل قنبرا ليعلم أنّه يراه أم لا ، أو ليعلم أنّه ملك الموت أم لا ، فجوابه أراد به أني لا أرى أحداً وأنت أعلم بما تقول ، وترى ما لا أرى ، وهذا مع بعده أشد انطباقا على ما بعده ، وعلى الأوّل السؤال كان ليبعثه لطلب محمّد بن عليّ أي أخيه ابن الحنفية ، فلـمّا لم يكن غيره بعثه « فعجل على شسع نعله » وفي بعض النسخ عن شسع أي صار تعجيله مانعا عن عقد شسع نعله ،

٣١١

فقال :له الحسن بن عليّعليه‌السلام اجلس فأنّه ليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيا به الأموات ويموت به الأحياء كونوا أوعية العلم ومصابيح الهدى فإن ضوء النهار بعضه أضوأ من بعض.

________________________________________________________

بل لم يعقده ، وعداً معي.

قولهعليه‌السلام « كلام » أي الوصيّة والنص على الخليفة « يحيي به الأموات » أي سبب لحياة الأموات بالجهل والضلالة بحياة العلم والإيمان إن قبلوا « ويموت به الأحياء » بالحياة الظاهرة أو بالحياة المعنوية أيضاً إن لم يقبلوه ، وموتهم بكفرهم وجهلهم وضلالتهم ، فإن من لا ينتفع به غيره بل يضل غيره فهو في قوة الأموات بل أخس منهم ، أو المعنى أنّه كلام يصير الإقرار به سببا للحياة الأبدي ، فالأموات أيضاً أحياء به كما قال :تعالى : «وَلا تَحْسَبَنَّ الذّين قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ »(١) وروى : المؤمن حي في الدارين « ويموت به الأحياء » أي بإنكاره يصير الأحياء بمنزلة الأموات ، وقيل : يحيي به الأموات أي أموات الجهل ويموت به الأحياء أي بالموت الإرادي عن لذات هذه النشأة الذي هو حياة أخروية في دار الدنيا.

« كونوا أوعية العلم » بالإقرار والتعلم منه « ومصابيح الهدى » بهداية غيركم فالأمر لغير الإمام ، ويحتمل شموله له بضبط العلم ومنعه عن غير أهله ، وهداية من يستحقه أو هو تحريص على استماع الوصيّة وقبولها ونشرها.

« فإن ضوء النهار اه » هذا رفع ودفع لـمّا استقر في نفوس الجهلة من أن المتشعبين عن أصل واحد في الفضل سواء ، ولذا يستنكف بعض الأخوة عن متابعة بعضهم وكان الكفّار يقولون للأنبياء إنما أنتم بشرّ مثلنا ، فأزال تلك الشبهة بالتشبيه بضوء النهار في ساعاته المختلفة ، فإن كلّه من الشمس لكن بعضه أضوء من بعض ، كأوّل الفجر ووقت طلوع الشمس ووقت الزوال وهكذا ، فباختلاف الاستعدادات والقابليات تختلف إفاضة الأنوار على المواد ، ولا مدخلية للانشعاب من أصل واحد ،

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٦٩.

٣١٢

أما علمت أن الله جعل ولد إبراهيمعليه‌السلام أئمّة وفضل بعضهم على بعض وآتى «داوُدَ زَبُوراً » وقد علمت بما استأثر به محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا محمّد بن عليّ إني أخاف عليك الحسد وإنما وصف الله به الكافرين فقال :الله عزّ وجلّ : «كُفَّاراً حَسَداً

________________________________________________________

كذا خطر بالبال وقيل : أي لا تستنكفوا من التعلم وإن كنتم علماء ، فإن فوق كلّ ذي علم عليم.

وقيل : هذا بيان لـمّا سبق بتشبيه المصدّق للإمام بالظل في النهار ، والإمام بالضحى فإن كليهما ضوء والأوّل مستضيء بالثاني ، وخارج من الظلمات إلى النور ، والثاني أضوء من الأول.

« أما علمت » تمثيل لـمّا ذكر سابقاً وتقرير له ، وتنبيّه على أنّه كما كان بين أولاد الخليلعليه‌السلام تفاوت في العلم والفضل حتّى صار الأفضل مستحقّاً للخلافة ، وكان بين المستحقين لها أيضاً تفاوت في الفضل ، فكذا بين أولاد سيد الأوصياء أيضاً تفاوت فيه حتّى صار بعضهم مستحقّاً للإمامة دون بعض.

وقوله : جعل ولد إبراهيم أئمّة ، إشارة إلى قوله تعالى : «وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ ، وَجَعَلْنأهمّ أئمّة يَهْدُونَ بِأَمْرِنا »(١) وقوله : وفضل « إلخ » إشارة إلى قوله سبحانه : «وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النبيّين عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً »(٢) .

« وقد علمت بما استأثر الله به(٣) » الباء لتقوية التعدية وليس « به » في إعلام الورى وهو أظهر ، والاستئثار التفضيل يعني قد علمت أن الله فضل محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جميع خلقه بوفور علمه وعمله ومكارم أخلاقه ، لا بنسبة وحسبه وأنت تعلم أن الحسينعليه‌السلام أفضل منك بهذه الجهات « إني أخاف » في إعلام الورى إني لا أخاف وهو أظهر وأنسب بحال المخاطب بل المخاطب أيضاً «كُفَّاراً حَسَداً » فالآية هكذا : «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٧٣.

(٢) سورة الإسراء : ٥٥.

(٣) وفي المتن « استأثر » به

٣١٣

مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحقّ »(١) ولم يجعل الله عزّ وجلّ للشيطان عليك سلطانا يا محمّد بن عليّ إلّا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك قال :بلى قال :سمعت أباكعليه‌السلام يقول يوم البصرة من أحب أن يبرني في الدنيا والآخرة فليبرّ محمداً ولدي يا محمّد بن عليّ لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك يا محمّد بن عليّ أما علمت أن الحسين بن عليّعليه‌السلام بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي وعند الله جل اسمه في الكتاب وراثة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

________________________________________________________

لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً » لو يردونكم مفعول ود ، ولو بمعنى أن المصدرية أي أن يردوكم «كُفَّاراً » حال عن ضمير المخاطبين «حَسَداً » مفعول له لود «مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ » صفة لقوله : حسدا ، أي حسدا منبعثا من عند أنفسهم ، أو متعلق بود «مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحقّ » بالمعجزات والنعوت المذكورة في كتبهم.

« ولم يجعل الله » جملة دعائية إنشائية أو خبرية ، والغرض قطع عذره أي ليس للشيطان عليك سلطان واستيلاء يجبرك على إنكار الحقّ ، فإن أنكرت فمن نفسك ، ولا ينافي ذلك قوله سبحانه : «إِنَّما سُلْطأنّه عَلَى الذّين يَتَوَلَّوْنَهُ وَالذّين هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ »(٢) لأن ذلك بجعل أنفسهم لا بجعل الله ، أو السلطان في الآية بمعنى لا يتحقق معه الجبرّ ، أو المعنى أنك من عباد الله الصالحين ، وقد قال :الله تعالى : «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إلّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ »(٣) .

« فليبرّ محمداً » أي يحسن إليه ويكرمه ولا يدلّ على الطاعة حتّى يتكلف بأن المراد الطاعة في هذا اليوم حيث أعطاه الراية وبعث معه جماعة من عسكره فكان عليهم أن يطيعوه.

« وعند الله جل اسمه » لعله عطف على قوله : من بعدي ، أي وإمام عند الله في الكتاب أي في اللوح أو في القرآن أو في الوصيّة المنزلة من السماء كما مر ، والعطف في قوله : ومفارقة روحي ، للتفسيّر وقوله : من بعدي تأكيد وتصريح باتصال الإمامة

__________________

(١) سورة البقرة : ١٠٩.

(٢) سورة النحل : ١٠٠.

(٣) سورة الحجر : ٤٢.

٣١٤

أضافها الله عزّ وجلّ له في وراثة أبيه وأمه فعلم الله أنكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واختار محمّد عليّاًعليه‌السلام واختارني عليّعليه‌السلام بالإمامة واخترت أنا الحسينعليه‌السلام فقال :له محمّد بن عليّ أنت إمام وأنت وسيلتي إلى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والله لوددت أن نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام إلّا وإن في رأسي كلاما لا تنزفه

________________________________________________________

بالوفاة ، وفيه تذكير لـمّا سمعه من أبيهعليه‌السلام حين أحضره وسائر إخوته عند الوصيّة إلى الحسنينعليهما‌السلام ، وأشهدهم على ذلك وقد روي أنّه نظر بعد الوصيّة إلى محمّد بن الحنفية وقال :له : هل حفظت ما أوصيت به إخوتك؟ قال : نعمّ ، قال : فإني أوصيك بتوقير أخويك لعظم حقهما عليك.

وضمير « أضافها » للوراثة و « في » بمعنى إلى ، والحاصل أنّه إمام مثبت إمامته في الكتاب ، وقد ذكر الله تعالى وراثته مع وراثة أبيه وأمه كما سبق في وصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحتمل أن تكون « في » للسببية أي أضاف الله تعالى الوراثة له بسبب وراثة أمه وأبيه وبتوسطهما أو بمعنى « مع » أي وراثة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أضيفت إلى وراثة أبيه وأمه ، إشارة إلى حضوره عند وصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصيّة إليه على الخصوص ، وفي إعلام الورى وعند الله في الكتاب الماضي وراثة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصابها في وراثة أبيه وأمه.

« علم الله أنكم خيرة خلقه اه » والخيرة بالكسر وكعنبة المختار والاختيار للإمامة بأمر الله سبحانه.

« هذا الكلام » أي الكلام الدالّ على وفاتك أو المشعر بحسدي « إلّا » بفتح الهمزة حرف استفتاح « وإن في رأسي كلاما » النسبة إلى الرأس إما إشارة إلى أنّه حصل بالسماع أو إلى أن القوة الحافظة في الدماغ أو لأن الأبداًء باللسان وتنوين « كلاما » للتعظيم وهو عبارة عمّا يدلّ على فضل الحسنينعليهما‌السلام ومناقبهما ، وشبهه بالماء لكثرته وغزارته ، وكونه سببا لحياة الأرواح كما أن الماء سبب لحياة الأبدان ، ونسبة النزف تخييلية ، والنزف : النزح ، تقول : نزفت ماء البئر نزفا إذا نزحت كلّه ، فهو كناية عن كثرته.

٣١٥

الدلاء ولا تغيره نغمة الرياح كالكتاب المعجم في الرق المنمنم أهمّ بأبداًئه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل أو ما جاءت به الرسل وأنّه لكلام يكلّ به لسان

________________________________________________________

« ولا تغيره نغمة الرياح » كناية عن ثباته أو عذوبته ترشيحا للتشبيه السابق ، والنغمة : الصوت الخفي ، عبرّ بالرياح عن الشبهات التي تخرج من أفواه المخالفين الطاعنين في الحقّ ، كما قال :تعالى : «يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ »(١) والمقصود أنّه على كلام يقيني لا يتطرق إليه الشبه والشكوك « كالكتاب المعجم » اسم مفعول من باب الأفعال أي المختوم ، كناية عن أنّه من الأسرار ، في القاموس : باب معجم كمكرم مقفل ، أو من قولهم : أعجمت الكتاب فهو معجم أي أزلت عجمته وهي عدم الإفصاح ، والتعجيم أيضاً بهذا المعنى ، أي كالكتاب الذي أزيلت عجمته وعدم إفصاحه بالنقط والإعراب ، بحيث يكون المقصود منه واضحا عكس المعنى الأوّل ، أو من قولهم أعجمه إذا لم يفصحه لا لقصور فيه بل للطف معانيه وقصور أكثر العقول عن إدراكه فيرجع إلى الأوّل ، والرق بالفتح ويكسر : جلد رقيق يكتب فيه والصحيفة البيضاء ، ويقال : نمنمه أي زخرفه ورقشة ، والنبت المنمنم : الملتف المجتمع ، أي الرق المزين بولاء الأئمّة وسائر المعارف ، أو المشتمل على العلوم الجمة ، وفي بعض النسخ المنهم بالهاء إما بفتح النون وتشديد الهاء المفتوحة من النهمة أي بلوغ الهمة في الشيء كناية عن كونه ممتلئا بحيث لم يبق شيء غير مكتوب ، أو سكون النون وفتح الهاء وتشديد الميم من قولهم إنهم البرد والشحم أي ذابا كناية عن إغلاقه وبعده عن الأفهام كأنّه قد ذاب ومحي ، فلا يمكن قراءته إلّا بعسر.

« أهمّ بأدائه » الضمير للكلام « بأدائه » بالفتح والتخفيف ، أي بأداء حقوق هذا الكلام ، قال :الجوهري : أدى دينه تأدية أي قضاه ، والاسم الأداء ، وفي بعض النسخ بأبداًئه أي إظهاره « فأجدني » من أفعال القلوب ، ومن خواصها جواز كون فاعلها ومفعولها وأحداً « سبقت » على بناء المجهول « سبق » على صيغة الماضي والجملة استئنافية و « الكتاب المنزل » القرآن.

__________________

(١) سورة الصفّ : ٨.

٣١٦

الناطق ويد الكاتب حتّى لا يجد قلـمّا ويؤتوا بالقرطاس حممّا فلا يبلّغ إلى فضلك وكذلك يجزي الله المحسنين و «لا قُوَّةَ إلّا بِاللهِ » الحسين أعلمنّا علـماً وأثقلنا حلـمّا وأقربنا

________________________________________________________

وما خلت(١) أي مضت به الرسل سائر الكتب أو المراد بالكتاب الجنس ليشملها وما خلت به الرسل ما ذكره الأنبياءعليهم‌السلام ويمكن أن يقرأ « سبق » بصيغة المصدر مضافا إلى الكتاب ليكون مفعولا مطلقا للتشبيه ، والحاصل أني كلـمّا أقصد أن أذكر شيئاً ممّا في رأسي من فضائلك أو فضائلك ومناقب أخيك أجده مذكورا في كتاب الله وكتب الأنبياء وقيل : أي سبقني إليه أنت وأخوك لذكره في كتاب الله وكتب الأنبياءعليهم‌السلام و « أنّه » أي ما في رأسي « حتّى لا يجد » أي الكاتب « قلـمّا ».

ويؤتى(٢) « على بناء المجهول والضمير للكاتب أيضاً أو للذي يكتب له الكتاب ليقرأه وهو معطوف على لا يجد ، والحمم بضم الحاء وفتح الميم : جمع الحمة أي الفحمة يشبه بها الشيء الكثير السواد ، وضمير » يبلّغ « للكاتب » ويحتمل القرطاس والأوّل أظهر.

والحاصل أنّه كلام من كثرته يكلّ به يد الكاتب لكثرة الحركة حتّى تفنى الأقلام فلا توجد لصرف كلها في الكتابة ، وحتّى يؤتي أي الكاتب أو من يؤتي من جانب الكتاب بالقراطيس كلها مسودة مملوءة بفضائلك ، فلا يبلّغ الكاتب الدرجة التي تستحقها من الفضائل والمناقب ، بل المكتوب قليل من كثير كما قال :تعالى : «قُلْ لَوْ كانَ الْبَحرّ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي »(٣) الآية وقد ورد أنهم كلمات الله.

« أعلمنّا علـماً » قوله علـماً تميز للنسبة على المبالغة والتأكيد ، والحلم العقل أو الرزانة وعدم السرعة أي الطيش « قبل أن يخلق » أي بدنه الشريف كما روي أن أرواحهم المقدسة قبل تعلقها بأبداًنهم المطهرة كانت عالمة بالعلوم اللدنية معلمة للملائكة ، وقيل : المعنى أنّه كان في علم الله أنّه يكون فقيها ولا يخفى بعده.

__________________

(١) سورة وفي المتن « ما جائت ».

(٢) وفي المتن « ويؤتوا » بصيغة الجمع.

(٣) سورة الكهف : ١٠٩.

٣١٧

من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رحما كان فقيها قبل أن يخلق وقرأ الوحي قبل أن ينطق ولو علم الله في أحد خيراً ما اصطفى محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلـمّا اختار الله محمداً واختار محمّد عليّاً واختارك عليّ إماما واخترت الحسين سلمنّا ورضينا من هو بغيره يرضى ومن غيره كنّا نسلم به من مشكلات أمرنا.

٣ - وبهذا الإسناد ، عن سهل ، عن محمّد بن سليمان ، عن هارون بن الجهم ، عن محمّد بن مسلم قال :سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول لـمّا احتضر الحسن بن عليّعليه‌السلام قال :للحسين يا أخي إني أوصيك بوصيّة فاحفظها فإذا أنا مت فهيئني ثمّ وجهني إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحدث به عهدا ثمّ اصرفني إلى أمي فاطمةعليها‌السلام ثمّ ردني فادفني بالبقيع واعلم أنّه سيصيبني من الحميراء ما يعلم النّاس من صنيعها وعداوتها لله ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعداوتها لنا أهل البيت فلـمّا قبض الحسنعليه‌السلام ووضع على سريره فانطلقوا به إلى مصلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كان يصلي فيه على الجنائز فصلى

________________________________________________________

« قبل أن ينطق » أي بين النّاس كما ورد أنّه أبطأ عن الكلام أو مطلقا إشارة إلى علمه في عالم الأرواح وفي الرحم ، كالفقرة السابقة « من بغيره يرضى » الاستفهام للإنكار والظرف متعلق بما بعده ، وضمير يرضى راجع إلى من ، وفي بعض النسخ بالنون وهو لا يستقيم إلّا بتقدير الباء في أوّل الكلام ، أي بمن بغيره ترضى ، وفي بعض النسخ من بعزة ترضى أي هو من بعزة وغلبته ترضى ، أو الموصول مفعول رضينا « ومن كنّا نسلم به » هذا أيضاً إما استفهام إنكار بتقدير غيره ، ونسلم إما بالتشديد فكلمة من تعليلية أو بالتخفيف أي نصير به سالـمّا من الابتلاء بالمشكلات ، وعلى الاحتمال الأخير في الفقرة السابقة معطوف على الخبر أو على مفعول رضينا ويؤيد الأخير فيهما أن في إعلام الورى هكذا : رضينا بمن هو الرضا وبمن نسلم به من المشكلات.

الحديث الثالث : ضعيف.

« لـمّا احتضر » على بناء المجهول أي أحضره الموت والحميراء تصغير الحمراء لقب عائشة « فصلي » على بناء المجهول ويحتمل المعلوم فالمرفوع راجع إلى الحسين

٣١٨

على الحسنعليه‌السلام فلـمّا أن صلى عليه حمل فأدخل المسجد فلـمّا أوقف على قبرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلّغ عائشة الخبر وقيل لها إنهم قد أقبلوا بالحسن بن عليّ ليدفن مع رسول الله فخرجت مبادرة على بغل بسرج فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجا فوقفت وقالت نحوا ابنكم عن بيتي فأنّه لا يدفن فيه شيء ولا يهتك على رسول الله حجابه فقال :لها الحسين بن عليّ صلوات الله عليهما قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله وأدخلت بيته من لا يحب رسول الله قربه وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة إن أخي أمرني أن أقربه من أبيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليحدث به عهدا واعلمي أن أخي أعلم النّاس بالله ورسوله وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول

________________________________________________________

عليه‌السلام ، وكذا قوله : فلـمّا أن صلى ، يحتمل الوجهين وأن زائدة لتأكيد الاتصال.

« وأعلم بتأويل كتابه » قيل : أفعل ليس هنا للتفضيل بل للتبعيد ، وقيل : المراد أعلم النّاس بتأويل كتابه مكرها أن يهتك ، والحاصل أن وفور علمه مانع من ذلك ، وظاهره أنّه لم يكن ذلك جائزا بالنسبة إلى الحسنعليه‌السلام أيضاً ، ولعلّه على سبيل المصلحة إلزاما عليها لبيان سوء صنيعها في دفن الملعونين غير المأذونين ، وإشكال إثبات الفرق بين الفعلين ، وإلّا فهوعليه‌السلام كان مأذونا في ذلك في حياته وبعد وفاته.

ويؤيده ما رواه الشيخ في مجالسه بأسانيد جمة عن ابن عباس قال : دخل الحسين بن عليّعليهما‌السلام على أخيه الحسن بن عليّعليه‌السلام في مرضه الذي توفي فيه فقال :له : كيف تجدك يا أخي؟ قال : أجدني في أوّل يوم من أيّام الآخرة وآخر يوم من أيّام الدنيا ، واعلم أنّه لا أسبق أجلي وإني وارد على أبي وجديعليهما‌السلام على كره مني لفراقك وفراق إخوتك وفراق الأحبة وأستغفر الله من مقالتي هذه وأتوب إليه ، بل على محبّة مني للقاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وأمي فاطمةعليها‌السلام ، وحمزة وجعفرعليهما‌السلام ، وفي الله عزّ وجلّ خلف من كلّ هالك ، وعزاء من كلّ مصيبة ، ودرك من كلّ ما فات ، رأيت يا أخي كبدي في الطشت ، ولقد عرفت من دهاني ومن أين أتيت فما أنت صانع به يا أخي؟ فقال :الحسينعليه‌السلام أقتله والله ، قال : فلا

٣١٩

______________________________________________________________________________

أخبرك به أبداً حتّى تلقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن أكتب يا أخي : هذا ما أوصى به الحسن بن عليّ إلى أخيه الحسين بن عليّ ، أوصى أنّه يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّه يعبده حقّ عبادته لا شريك له في الملك ، ولا ولي له من الذل وأنّه خلق كلّ شيء فقدرة تقديرا ، وأنّه أولى من عبد وأحقّ من حمد ، من أطاعه رشد ، ومن عصاه غوى ، ومن تاب إليه اهتدى ، فإني أوصيك يا حسين بمن خلفت من أهلي وولدي وأهل بيتك أن تصفح عن مسيئهم وتقبل من محسنهم ، وتكون لهم خلفا ووالدا وأن تدفنني مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإني أحقّ به وببيته ممن أدخل بيته بغير إذنه ولا كتاب جاءهم من بعده ، قال :الله فيما أنزله على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتابه : «يا أيّها الذّين آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النبيّ إلّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ »(١) فو الله ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه ، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته ، ونحن مأذون لنا في التصرف فيما ورثناه من بعده فإن أبت عليك الامرأة فأنشدك الله بالقرابة التي قرب الله عزّ وجلّ منك والرحم الماسة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تهريق في محجمة من دم حتّى نلقى رسول الله فنختصم إليه ونخبره بما كان من النّاس إلينا بعده ثمّ قبضعليه‌السلام .

قال :ابن عباس : فدعاني الحسين بن عليّعليهما‌السلام وعبد الله بن جعفر وعليّ بن عبد الله بن العبّاس فقال : اغسلوا ابن عمكم فغسلناه وحنطناه وألبسناه أكفأنّه ثمّ خرجنا به حتّى صلينا عليه في المسجد ، وإن الحسينعليه‌السلام أمر أن يفتح البيت فحال دون ذلك مروان بن الحكم وآل أبي سفيان ومن حضر هناك من ولد عثمان بن عفان ، وقالوا : يدفن أمير المؤمنين الشهيد ظلـمّا بالبقيع بشرّ مكان ، ويدفن الحسن مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يكون ذلك أبداً حتّى تكسر السيوف بيننا وتنقصف الرماح(٢) وينفذ النبل ، فقال :الحسينعليه‌السلام أم والله الذي حرم مكّة ، للحسن بن عليّ بن فاطمة أحقّ برسول الله وببيته ممن أدخل بيته بغير إذنه ، وهو والله أحقّ به من حمال الخطايا ،

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٥٣.

(٢) انقصف : انكسر.

٣٢٠