مرآة العقول الجزء ٣

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 403

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 403
المشاهدات: 43545
تحميل: 6778


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43545 / تحميل: 6778
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فاطمةعليها‌السلام ؟ قال :قلت وما مصحف فاطمةعليها‌السلام قال :مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرفٌ واحدٌ ، قال :قلت هذا والله العلم قال :أنّه لعلم وما هو بذاك.

ثمَّ سكت ساعة ثمّ قال :إنَّ عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة قال :قلت جعلت فداك هذا والله هو العلم قال :أنّه لعلم وليس بذاك.

قال :قلت جعلت فداك فأي شيء العلم قال :ما يحدث بالليل والنهار الأمر من بعد الأمر والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة.

٢ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن حمّاد بن

________________________________________________________

علم بما كان وما يكون.

فإن قلت : في القرآن أيضاً بعض الأخبار؟

قلت : لعله لم يذكر فيه ما في القرآن.

فإن قلت : يظهر من بعض الأخبار اشتمال مصحف فاطمةعليها‌السلام أيضاً على الأحكام؟

قلت : لعلّ فيه ما ليس في القرآن.

فإن قلت : قد ورد في كثير من الأخبار اشتمال القرآن على جميع الأحكام والأخبار ممّا كان أو يكون؟

قلت : لعلّ المراد به ما نفهم من القرآن لا ما يفهمونعليهم‌السلام منه ، ولذا قال :عليه‌السلام : قرآنكم ، على أنّه يحتمل أن يكون المراد لفظ القرآن ، ثمّ الظاهر من أكثر الأخبار اشتمال مصحفهاعليها‌السلام على الأخبار فقط ، فيحتمل أن يكون المراد عدم اشتماله على أحكام القرآن.

« علم ما كان وما هو كائن » أي من غير جهة مصحف فاطمةعليها‌السلام أيضاً.

الحديث الثاني : ضعيف

٦١

عثمان قال :سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة وذلك أني نظرت في مصحف فاطمةعليها‌السلام قال :قلت وما مصحف فاطمة قال :إن الله تعالى لـمّا قبض نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على فاطمةعليها‌السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلّا الله عزّ وجلّ فأرسل الله إليها ملكاً يسلّي غمّها ويحدّثها فشكت ذلك إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال :إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي فأعلمته بذلك فجعل أمير المؤمنينعليه‌السلام يكتب كلّما سمع حتّى أثبت من ذلك مصحفاً قال :ثمّ قال :أما أنّه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون.

٣ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال :سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن عندي الجفر الأبيض قال :قلت فأي شيء فيه قال :زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيمعليه‌السلام والحلال والحرام ومصحف فاطمة ما أزعم أنَّ فيه قرآناً وفيه ما يحتاج النّاس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتّى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة

________________________________________________________

« تظهر الزنادقة » يخطر بالبال أنّ المراد بهم ابن أبي العوجاء وابن المقفع وأضرابهما ممّن ناظر الصادقعليه‌السلام معهم ، وهذا التاريخ قبل وفاتهعليه‌السلام بعشرين سنة ، وكان هذا الوقت وقت طغيانهم وكثرتهم كما يظهر من الروايات والتواريخ ، وقيل : المراد بهم خلفاء بني العباس فإنّهم روّجوا كتب الفلاسفة والزنادقة ، وفي السنة المذكورة كتب أوّلهم إبراهيم السفاح كتاباً إلى أهل خراسان وجعل أبا مسلم المروزي أميراً عليهم ، وكان ذلك مادة شوكة بني العباس.

والملك : جبرئيلعليه‌السلام كما سيأتي أو غيره ، بأن يكونا اتيامعاً أو كلّ منهما في زمان ، والمراد بالشكاية مطلق الإخبار أو كانت الشكاية لعدم حفظهاعليها‌السلام جميع كلام الملك ، وقيل : لرعبهاعليها‌السلام من الملك حال وحدتها به وانفرادها بصحبته ولا يخفى بعد ذلك عن جلالتها ، ويقال : جعل يفعل كذا ، أي أقبل وشرع.

الحديث الثالث : حسن

« وفيه ما يحتاج الناس إليه » لعلّ الضمائر كلّها أو الأخيرين راجعة إلى الخبر

٦٢

وأرش الخدش.

وعندي الجفر الأحمر ، قال :قلت وأيّ شيء في الجفر الأحمر قال :السلاح وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل فقال :له عبد الله بن أبي يعفور أصلحك الله أيعرف هذا بنو الحسن فقال :إي والله كما يعرفون الليل أنّه ليل والنهار أنّه نهارٌ ولكنّهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار ولو طلبوا الحقَّ بالحقِّ لكان خيراً لهم.

٤ - عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس عمن ذكره ، عن سليمان بن خالد قال :قال :أبو عبد اللهعليه‌السلام إن في الجفر الذي يذكرونه لـمّا يسوؤهم لأنّهم لا يقولون الحقّ والحقّ فيه فليخرجوا قضايا عليّ وفرائضه إن كانوا صادقين وسلوهم عن الخالات والعمات وليخرجوا مصحف فاطمةعليها‌السلام فإن فيه وصية فاطمةعليها‌السلام ومعه سلاح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الله عزّ وجلّ يقول : «فأتوا بِكِتابٍ

________________________________________________________

لا المصحف ، فلا ينافي الأخبار الدالة على أنّه ليس في مصحفها الأحكام « ولو طلبوا الحقّ » أي أنهم يدعون أنا نطلب ثار الحسينعليه‌السلام أو رفع المنكرات وإزالة الباطل وأهله ، ويطلبون ذلك بالباطل كادعاء الإمامة بغير الحقّ وإنكار إمامة الأئمّةعليهم‌السلام وحقوقهم ، ولو طلبوا الحقّ بإذن الإمام وفي أوأنّه لكان خيراً لهم.

الحديث الرابع : مرسل.

« إنّ في الجفر الذي يذكرونه » أي الأئمّة الزيديّة من بني الحسن ، ويفتخرون به ويدعون أنّه عندهم « لـمّا يسوؤهم » لاشتماله على مصحف فاطمةعليها‌السلام ، وفيه : أنهم لا يملكون ولا يجوز لهم الخروج ، وأيضاً فيه الأحكام الحقة الواقعية وهم لا يعرفونها ولا يعلمون بها « فليخرجوا قضايا عليّ في الأحكام وفرائضه » في المواريث « إن كانوا صادقين » في أن الجفر عندهم « وسلوهم عن » خصوص مواريث « الخالات والعمات » فإنهم لا يعلمونها ويعلمون بأحكام المخالفين فيها « فإن فيه » أي في مصحفها « وصية فاطمة » في أوقاتها وأولادها أو وصية جبرئيل لفاطمةعليها‌السلام في أمر أولادها وما يقع عليهم

٦٣

مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ »(١)

٥ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة قال :سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام بعض أصحابنا عن الجفر فقال :هو جلد ثور مملوء علـماً قال :له فالجامعة قال :تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم مثل فخذ الفالج فيها كلّ ما يحتاج النّاس إليه وليس من قضية إلّا وهي فيها حتّى أرش الخدش.

قال :فمصحف فاطمةعليها‌السلام قال :فسكت طويلا ثمّ قال :إنكم لتبحثون عما تريدون وعما لا تريدون إن فاطمة مكثت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة وسبعين يوماً وكان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرئيلعليه‌السلام يأتيها فيحسن عزاءها

________________________________________________________

« ومعه » أي مع المصحف « سلاح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وهما في مكان واحد « فأتوا بكتاب من قبل هذا » لعلهعليه‌السلام نقل بالمعنى أو في قراءتهم كذلك ، وفيما عندنا : «ائْتُونِي بِكِتابٍ » والآية في سياق الاحتجاج على المشركين حيث قال : «قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا » أي من قبل القرآن فأنّه ناطق بالتوحيد «أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ » أي بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين هل فيها ما يدلّ على استحقاقهم للعبادة أو الأمر به «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » في دعواكم ، والاستشهاد بالآية لبيان أنّه لا بد في إثبات حقية الدعوى إما إظهار الكتاب من الكتب السماوية أو بقية علوم الأنبياء والأوصياء المحفوظة عند الأئمّةعليهم‌السلام ، وهم عاجزون عن الإتيان بشيء منهما ، أو لبيان أنّه يكون أثارة من علم وهي من عندنا.

الحديث الخامس : صحيح.

« عن الجفر » يعني الأبيض « هو جلد ثور » لعلّ الجلد وعاء الكتب لا أنها مكتوبة فيه ، وفي القاموس : الفالج الجمل الضخم ذو السنامين يحمل من السند للفحلة « إنكم لتبحثون » أي تفتشون « عمّا تريدون » أي عمّا ينبغي لكم أن تريدوه ويتعلق

__________________

(١) سورة الأحقاف : ٣.

٦٤

على أبيها ويطيّب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكأنّه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان عليّعليه‌السلام يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمةعليها‌السلام .

٦ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن صالح بن سعيد ، عن أحمد بن أبي بشرّ ، عن بكر بن كرب الصيرفيّ قال :سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن عندنا ما لا نحتاج معه إلى النّاس وإن النّاس ليحتاجون إلينا وإن عندنا كتاباً إملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخط عليّعليه‌السلام صحيفة فيها كلُّ حلال وحرام وإنّكم لتأتونا بالأمر فنعرف إذا أخذتم به ونعرف إذا تركتموه.

٧ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن فضيل بن يسار وبريد بن معاوية وزرارة أن عبد الملك بن أعين قال :لأبي عبد اللهعليه‌السلام إنّ الزيديّة والمعتزلة قد أطافوا بمحمّد بن عبد الله فهل له سلطانٌ ، فقال :والله إنّ

________________________________________________________

غرضكم به ، وعمّا لا ينبغي لكم إرادته ولم يتعلق غرضكم به ، وفيه تنبيّه على أنّه ينبغي للإنسان أن يتعلّم ما ينفعه ولا يتكلّف علم ما لم يؤمر به ولا ينفعه في العقائد الضرورية والأعمال المطلوبة.

الحديث السادس : مجهول

« إملاء رسول الله » بالرفع أي هو إملاؤه وكذا « خطّ » مرفوع « وصحيفة » منصوب بالبدليّة من قوله « كتاباً » أو مرفوع أيضاً بالخبريّة « لتأتونا بالأمر » أي من الأمور التي تأخذونها عنّا من الشرائع والأحكام فنعلم أيّكم يعمل به وأيّكم لا يعمل به.

الحديث السابع : حسن.

ومحمّد هو ابن عبد الله بن الحسن من أئمّة الزيديّة الملقّب بالنفس الزكية خرج على الدوانيقي وقتل كما سيأتي قصّته ، ولعلّ الكتابين الجفر ومصحف فاطمةعليها‌السلام « في واحد منهما » أي من الكتابين ، أو من الأنبياء والملوك ، وذكر الأنبياء على المبالغة أو على التهكّم وقيل : هما جزءان من المصحف أحدهما متعلّق بالنبيّ والآخر بالملك

٦٥

عندي لكتابين فيهما تسمية كلّ نبي وكلّ ملك يملك الأرض لا والله ما محمّد بن عبد الله في واحد منهما.

٨ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد ، عن عبد الصمد بن بشير ، عن فضيل بن سكرة قال :دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال :يا فضيل أتدري في أيّ شيء كنت أنظر قبيل قال :قلت لا قال :كنت أنظر في كتاب فاطمةعليها‌السلام ليس من ملك يملك الأرض إلّا وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه وما وجدت لولد الحسن فيه شيئاً.

( باب )

( في شأن انا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها )

١ - محمّد بن أبي عبد الله ومحمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى

________________________________________________________

وقال : النبيّ : من خرج من بلد [ إلى بلد ] بقصد السلطنة إذا لم يتمّ له ما قصد ، في القاموس : نبأ من أرض إلى أرض : إذا خرج ونفى كونه نبيّاً لأنّه قتل في المدينة قبل خروجه إلى أرض أخرى ، ولا يخفى ما فيه.

الحديث الثامن : (١)

« قبيل » أي قبيل هذا الوقت ، وفيه(٢) قدح لنسب خلفاء مصر ، إلّا أن يقال : المراد ولد الحسن الموجودون في ذلك الزمان(٣) .

باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها

الحديث الأول : ضعيف. على المشهور بالحسن بن العباس ، لكن يظهر من كتب

__________________

(١) كذا في النسخ.

(٢) على فرض صحّة الحديث ولكنه مجهول بفضيل بن سكرة.

(٣) ولا يبعد أن يكون مرادهعليه‌السلام - على فرض صحّة الخبر - أنّهم لا يملكون الأرض كما ملكه ساير الخلفاء من بني العباس ولا ينالون الخلافة العامة.

٦٦

عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن الحسن بن العبّاس بن الحريش ، عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام قال :قال :أبو عبد اللهعليه‌السلام بينا أبيعليه‌السلام يطوف بالكعبة إذا رجلٌ معتجر قد قيض له فقطع عليه أسبوعه حتّى أدخله إلى دار جنب الصفا فأرسل إلي فكنا ثلاثة فقال :مرحباً يا ابن رسول الله ثمّ وضع يده على رأسي وقال :بارك الله فيك يا أمين الله بعد آبائه.

يا أبا جعفر إن شئت فأخبرني وإن شئت فأخبرتك وإن شئت سلني وإن شئت سألتك وإن شئت فاصدقني وإن شئت صدقتك قال :كلّ ذلك أشاء قال :فإيّاك أن ينطق لسانك عند مسألتي بأمر تضمر لي غيره قال :إنما يفعل ذلك من في قلبه علمان

________________________________________________________

الرجال أنّه لم يكن لتضعيفه سبب إلّا رواية هذه الأخبار العالية الغامضة التي لا يصل إليها عقول أكثر الخلق ، والكتاب كان مشهوراً عند المحدّثين وأحمد بن محمّد روى هذا الكتاب مع أنّه أخرج البرقي عن قم بسبب أنّه كان يروي عن الضعفاء ، فلو لم يكن هذا الكتاب معتبراً عنده لـمّا تصدى لروايته والشواهد على صحته عندي كثيرة.

« والاعتجار » التنقب ببعض العمامة ، ويقال : قيّض الله فلاناً لفلان أي جاء به وأتاحه له « فقطع عليه أسبوعه » أي طوافه « فقال :مرحبا » أي لقيت رحبا وسعة ، وقيل : أي رحب الله بك مرحبا ، فجعل المرحب موضع الترحيب ، وقيل : أتيت سعة « بارك الله فيك » أي زاد الله في علمك وكمالك.

قولهعليه‌السلام « يا با جعفر » أي ثمّ التفت إلى أبي وقال :يا أبا جعفر ، : قوله : « بأمر تضمر لي غيره » أي لا تخبرني بشيء يكون في علمك شيء آخر يلزمك لأجله القول بخلاف ما أخبرت كما في أكثر علوم أهل الضلال ، فأنّه يلزمهم أشياء لا يقولون بها ، أو المعنى أخبرني بعلم يقيني لا يكون عندك احتمال خلافه ، فقوله : « علمان » أي احتمالان متناقضان أو أراد به لا تكتم عني شيئاً من الأسرار ، فقولهعليه‌السلام : « إنّما يفعل ذلك » أي في غير مقام التقية ، وقيل : إشارة إلى بطلان طريقة أهل الاجتهاد ، فإنهم يقولون ظنّ المجتهد يفضي به إلى علم ، وظنّية الطريق لا ينافي علميّة الحكم ، فيضمرون في جميع

٦٧

يخالف أحدهما صاحبه وإنَّ الله عزّ وجلّ أبى أن يكون له علمٌ فيه اختلاف قال :هذه مسألتي وقد فسّرت طرفاً منها.

أخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه اختلاف من يعلمه قال :أما جملة العلم فعند الله جلَّ ذكره وأما ما لا بدَّ للعباد منه فعند الأوصياء قال :ففتح الرجل عجيرته واستوى جالساً وتهلل وجهه وقال :هذه أردت ولها أتيت زعمت أن علم ما لا اختلاف فيه من العلم عند الأوصياء فكيف يعلمونه قال :كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلمه إلّا أنهم لا يرون ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرى لأنّه كان نبيّاً وهم محدّثون وأنّه كان يفد إلى الله عزّ وجلّ فيسمع الوحي وهم لا يسمعون فقال :صدقت يا ابن رسول الله سآتيك بمسألة صعبة.

أخبرني عن هذا العلم ما له لا يظهر كما كان يظهر مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :فضحك أبيعليه‌السلام وقال :أبى الله عزّ وجلّ أن يطلّع على علمه إلّا ممتحناً للإيمان

________________________________________________________

أحكامهم الاجتهاديّة أنّه إذا تعلق ظنّهم بخلاف ما حكموا به رجعوا عن ذلك الحكم وحكموا بخلافه ، وادعوا العلم في كلتا الصورتين.

« ففتح الرجل عجيرته » أي اعتجاره أو طرف العمامة الذي اعتجر به ، والتهلل الإضاءة والتلألؤ بالسرور « إن علم ما لا اختلاف فيه » مصدر مضاف إلى المفعول « من العلم » من إما للبيان والعلم بمعنى المعلوم ، أو للتبعيض أي من جملة العلوم.

قولهعليه‌السلام : « كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلمه » أي بعض علومهم كذلك ، وإلّا فجل علومهم كان عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو يعلمون على هذا الوجه أيضاً وإن كانوا سمعوا من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقال : وفد إليه أي قدم وورد « فضحك أبي » لعلّ ضحكهعليه‌السلام كان لهذا النوع من السؤال الذي ظاهره الامتحان تجاهلا مع علمه بأنّه عارف بحاله ، أو لعدّه المسألة صعبة وليست عندهعليه‌السلام كذلك ، وحاصل الجواب أن ظهور هذا العلم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دائما في محلّ المنع ، فأنّه كان في سنين من أوّل بعثته مكتتماً إلّا عن أهله ، لخوف عدم قبول الخلق منه حتّى أمر بإعلأنّه ، وكذلك الأئمّة

٦٨

به كما قضى على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصبرّ على أذى قومه ولا يجاهدهم إلّا بأمره فكم من اكتتام قد اكتتم به حتّى قيل له «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ » وايم الله أن لو صدع قبل ذلك لكان آمنّا ولكنه إنّما نظر في الطاعة وخاف الخلاف فلذلك كف فوددت أن عينك تكون مع مهدي هذه الأمة والملائكة بسيوف آل داود بين السماء والأرض تعذب أرواح الكفرة من الأموات وتلحقّ بهم أرواح أشباههم من الأحياء.

ثمَّ أخرج سيفاً ثمَّ قال :ها إنَّ هذا منها قال : فقال : أبي إي والذي اصطفى محمداً على البشرّ قال :فرد الرجل اعتجاره وقال :أنا إلياس ما سألتك عن أمرك وبي منه جهالة غير أني أحببت أن يكون هذا الحديث قوَّة لأصحابك وسأخبرك بآية أنت تعرفها إن خاصموا بها فلجوا.

________________________________________________________

عليهم‌السلام يكتمون عمّن لا يقبل منهم حتّى يؤمروا بإعلأنّه في زمن القائمعليه‌السلام «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ » أي تكلّم به جهاراً «وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ » ولا تلتفت إلى ما يقولون من الاستهزاء وغيره « وأيم » مخفف أيمن جميع يمين ، وهو مبتدأ محذوف الخبر أي أيمن الله يميني ، « إنما نظر في الطاعة » أي طاعة الأمة أو طاعته « وخاف الخلاف » أي مخالفة الأمة.

قوله : تعذّب أرواح الكفرة ، قيل : إشارة إلى الذّين أحيأهمّ في الرجعة « ثمّ أخرج » أي إلياسعليه‌السلام « سيفاً ثمّ قال : ها » وهو حرف تنبيّه ، أو بمعنى خذ « إن هذا منها » أي من تلك السيوف الشاهرة في زمانهعليه‌السلام ، لأن اليأس من أعوأنّهعليهما‌السلام ولعلّ رد الاعتجار لأنّه مأمور بأن لا يراه أحد بعد المعرفة الظاهرة.

وقوله : « قوّة لأصحابك » أي بعد أن تخبرهم به أنت وأولادك المعصومونعليهم‌السلام « إن خاصموا بها » أي أصحابك أهل الخلاف « فلجوا » أي ظفروا وغلبوا.

٦٩

________________________________________________________

ثمّ اعلم أنّ حاصل هذا الاستدلال هو أنّه قد ثبت أن الله سبحانه أنزل القرآن في ليلة القدر على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّه كان ينزل الملائكة والروح فيها من كلّ أمر ببيان وتأويل سنة فسنة ، كما يدلّ عليه فعل المستقبل الدالّ على التجدد الاستمراري ، فنقول : هل كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طريق إلى العلم الذي يحتاج إليه الأمة سوى ما يأتيه من السماء من عند الله سبحانه إمّا ليلة القدر أو في غيرها أم لا ، والأوّل باطل لقوله تعالى : «إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحى »(١) فثبت الثاني ، ثمّ يقول : فهل يجوز أن لا يظهر هذا العلم الذي يحتاج إليه الأمة أم لا بد من ظهوره لهم ، والأوّل باطل لأنّه إنما يوحى إليه ليبلّغ إليهم ويهديهم الله عزّ وجلّ ، فثبت الثاني ثمّ نقول : فهل لذلك العلم النازل من السماء من عند الله إلى الرسول اختلاف بأن يحكم في زمان بحكم ثمّ يحكم في ذلك الأمر بعينه في ذلك الزمان بعينه بحكم آخر أم لا؟ والأوّل باطل لأن الحكم إنما هو من عند الله عزّ وجلّ ، وهو متعالي عن ذلك كما قال :تعالى : «وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كثيراً »(٢) ثمّ نقول فمن حكم بحكم فيه اختلاف كالاجتهادات المتناقضة هل وافق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فعله ذلك أم خالفه ، والأوّل باطل لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن في حكمه اختلاف ، فثبت الثاني ، ثمّ نقول : فمن لم يكن في حكمه اختلاف فهل له طريق إلى ذلك الحكم من غير جهة الله إما بغير واسطة أو بواسطة ، ومن دون أن يعلم تأويل المتشابه الذي يقع بسببه الاختلاف أم لا؟ والأوّل باطل فثبت الثاني ثمّ نقول : فهل يعلم تأويل المتشابه إلّا الله والراسخون في العلم الذّين ليس في علمهم اختلاف أم لا؟ والأوّل باطل لقوله تعالى : «وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ »(٣) ثمّ نقول فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو من الراسخين هل ماتصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذهب بعلمه ذلك ولم يبلغ طريق علمه بالمتشابه إلى خليفته أم بلغه؟ والأوّل باطل ، لأنّه لو فعل ذلك

__________________

(١) سورة النجم : ٤.

(٢) سورة النساء : ٨٢.

(٣) سورة آل عمران : ٧.

٧٠

قال :فقال :له أبي إن شئت أخبرتك بها قال :قد شئت قال :إن شيعتنا إن قالوا لأهل الخلاف لنا إن الله عزّ وجلّ يقول لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » إلى آخرها فهل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلم من العلم شيئاً لا يعلمه في تلك الليلة أو يأتيه به جبرئيلعليه‌السلام في غيرها فإنهم سيقولون لا فقل لهم فهل كان لـمّا علم بد من أن يظهر فيقولون لا فقل لهم فهل كان فيما أظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من علم الله عزَّ ذكره اختلاف فإن قالوا لا فقل لهم فمن حكم بحكم الله فيه اختلاف فهل خالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقولون نعمّ فإن قالوا لا فقد نقضوا أوّل كلامهم

________________________________________________________

فقد ضيّع من في أصلاب الرجال ممّن يكون بعده فثبت الثاني ، ثمّ نقول : فهل خليفته من بعده كسائر آحاد النّاس يجوز عليه الخطأ والاختلاف في العلم أم هو مؤيد من عند الله بحكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يأتيه الملك فيحدّثه من غير وحي ورؤية أو ما يجري مجرى ذلك وهو مثله إلّا في النبوَّة والأوّل باطل لعدم إغنائه حينئذ لأن من يجوز عليه الاختلاف لا يؤمن عليه الاختلاف في الحكم ، ويلزم التضييع من ذلك أيضاً فثبت الثاني.

فلا بدّ من خليفة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راسخ في العلم عالم بتأويل المتشابه مؤيد من عند الله لا يجوز عليه الخطأ ولا الاختلاف في العلم ، يكون حجّة على العباد وهو المطلوب.

هذا إن جعلنا الكلّ دليلاً واحداً ، ويحتمل أن يكون دلائل كما سنشير إليه ولعلّه أظهر.

قولهعليه‌السلام « أو يأتيه » معطوف على « لا يعلمه » فينسحب عليه النفي ، والمعنى : هل له علم من غير تينك الجهتين كما عرفت « فقد نقضوا أوّل كلامهم » حيث قالوا لا اختلاف فيما أظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من علم الله فهذا يقتضي أن لا يكون في علم من لا يخالفه في العلم أيضاً اختلاف.

وبهذا يتمّ دليل على وجود الإمام ، لأن من ليس في علمه اختلاف ليس إلّا المعصوم المؤيّد من عند الله تعالى.

٧١

فقل لهم :ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ

فإن قالوا من الراسخون في العلم فقل من لا يختلف في علمه فإن قالوا فمن هو ذاك فقل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب ذلك فهل بلغ أو لا فإن قالوا قد بلغ فقل فهل ماتصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخليفة من بعده يعلم علـماً ليس فيه اختلاف فإن قالوا لا فقل إن خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤيد ولا يستخلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا من يحكم بحكمه وإلّا من يكون مثله إلّا النبوَّة - وإن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستخلف في علمه أحدا فقد ضيع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده.

فإن قالوا لك فإن علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من القرآن فقل «حم .وَالْكِتابِ الْمُبِينِ .إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ [إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها ] إلى قوله :إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ »(١) فإن قالوا لك لا يرسل الله عزّ وجلّ إلّا إلى نبيّ فقل : هذا الأمر الحكيم

________________________________________________________

قوله : « فقل لهم ما يعلم تأويله » هذا إمّا دليل آخر سوى مناقضة كلامهم على أنهم خالفوا رسول الله أو على أصل المدعى ، وهو إثبات الإمام.

قولهعليه‌السلام : « فقل من لا يختلف في علمه » لعله استدلّ عليه على ذلك بمدلول لفظة الرسوخ ، فأنّه بمعنى الثبوت ، والمتزلزل في علمه المنتقل عنه إلى غيره ليس بثابت فيه.

قولهعليه‌السلام : « فإن قالوا لك إن علم رسول الله كان من القرآن » لعلّ هذا إيراد على الحجّة وتقريره : أن علم رسول الله لعله كان من القرآن فقط وليس ممّا يتجدد في ليلة القدر شيء؟ فأجابعليه‌السلام بأن الله عزّ وجلّ يقول : «فِيها يُفْرَقُ كلّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » فهذه الآية تدل على تجدد الفرق والإرسال في تلك الليلة المباركة بإنزال الملائكة والروح فيها من السماء إلى الأرض دائماً ، ولا بد من وجود من يرسل إليه الأمر دائماً.

ثمّ قوله : « فإن قالوا لك » سؤال آخر تقريره : أنّه يلزم ممّا ذكرتم جواز إرسال الملائكة إلى غير النبيّ مع أنّه لا يجوز ذلك ، فأجاب عنه بمدلول الآية التي

__________________

(١) سورة الدخان : ٢ - ٤.

٧٢

الّذي يفرق فيه هو من الملائكة والرُّوح التّي تنزل من سماء إلى سماء أو من سماء إلى أرض فإن قالوا من سماء إلى سماء فليس في السماء أحدٌ يرجع من طاعة إلى معصية فإن قالوا من سماء إلى أرض وأهل الأرض أحوج الخلق إلى ذلك فقل فهل لهم بد من سيد يتحاكمون إليه فإن قالوا فإن الخليفة هو حكمهم فقل «اللهُ وَلِيُّ الذّين آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » إلى قوله «خالِدُونَ »(١) لعمري ما في الأرض ولا في السماء ولي لله عز ذكره إلّا وهو مؤيّدٌ ، ومن أيد لم يخط وما في الأرض عدو لله عز ذكره إلّا وهو مخذول ومن خذل لم يصب كما أن الأمر لا بد من تنزيله من السماء يحكم به أهل الأرض كذلك لا بدّ

________________________________________________________

لا مردّ لها ، وقوله : « وأهل الأرض » جملة حاليّة.

قوله : « فهل لهم بدّ » لعله مؤيّد للدليل السابق بأنّه كما أنّه لا بد من مؤيد ينزل إليه في ليلة القدر فكذلك لا بد من سيد يتحاكم العباد إليه ، فإن العقل يحكم بأن الفساد والنزاع بين الخلق لا يرتفع إلّا به ، فهذا مؤيد لنزول الملائكة والروح على رجل ليعلم ما يفصل به بين العباد ، ويحتمل أن يكون استئناف دليل آخر على وجود الإمام. « فإن قالوا فإن الخليفة التي في كلّ عصر هو حكمهم » بالتحريك « فقل » إذا لم يكن الخليفة مؤبداً معصوما محفوظا من الخطإ فكيف يخرجه الله ويخرج به عباده من الظلمات إلى النور ، وقد قال :سبحانه : «اللهُ وَلِيُّ الذّين آمَنُوا » الآية ، والحاصل أن من لم يكن عالـماً بجميع الأحكام وكان ممّن يجوز عليه الخطأ فهو أيضاً محتاج إلى خليفة آخر لرفع جهله ، والنزاع الناشئ بينه وبين غيره.

وأقول : يمكن أن يكون الاستدلال بالآية من جهة أنّه تعالى نسب إخراج المؤمنين من ظلمات الجهل والكفر إلى نور العلم إلى نفسه ، فلا بد من أن يكون من يهديهم منصوباً من قبل الله تعالى مؤيّداً من عنده ، والمنصوب من قبل النّاس طاغوت يخرجهم من النور إلى الظلمات.

« لعمري » بالفتح قسم بالحياة « إلّا وهو مؤيّد » لقوله : «يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٨.

٧٣

من وال ، فإن قالوا : لا نعرف هذا فقل لهم قولوا ما أحببتم أبى الله عزّ وجلّ بعد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يترك العباد ولا حجّة عليهم.

قال :أبو عبد اللهعليه‌السلام ثمّ وقف فقال :هاهنا يا ابن رسول الله باب غامض أرأيت إن قالوا حجّة الله القرآن قال :إذن أقول لهم إن القرآن ليس بناطق يأمر وينهى ولكن للقرآن أهل يأمرون وينهون وأقول قد عرضت لبعض أهل الأرض مصيبة

________________________________________________________

إِلَى النُّورِ » ولـمّا قلنا : من أنّه لو لم يكن كذلك لكان محتاجاً إلى إمام آخر « كذلك لا بدّ من وال » أي من يلي الأمر ويتلقّاه من الملائكة والروح ، ويدلّ النّاس على الأمر الحكيم.

« فإن قالوا لا نعرف هذا » أي الوالي أو الاستدلال المذكور ونفى معرفتهم إياه نظير قوله تعالى : «قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كثيراً ممّا تَقُولُ »(١) و « قولوا ما أحببتم » نظير قوله تعالى : «اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ »(٢) وقوله : «تَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ »(٣) وهذا الكلام متعارف بعد مكابرة الخصم « قال :ثمّ وقف » أي ترك أبي الكلام « فقال :» أي إلياس ، وقيل : ضمير وقف أيضاً لا ليأس ، أي قام تعظيماً والأوّل أظهر.

« باب غامض » أي شبهة مشكلة استشكلها المخالفون لقول عمر عند إرادة النبيّ الوصية : حسبنا كتاب الله ، وقيل : الغامض بمعنى السائر المشهور من قولهم : غمض في الأرض إذا ذهب وسار. « إن القرآن ليس بناطق » أي ليس القرآن بحيث يفهم منه الأحكام كلّ من نظر فيه ، فإن كثيراً من الأحكام ليست في ظاهر القرآن ، وما فيه أيضاً تختلف فيه الأمة وكلّ منهم يستدل بالقرآن على مذهبه ، فظهر أن القرآن إنّما يفهمه الإمام ، وهو دليل له على معرفة الأحكام ، والمراد أن القرآن لا يكفي بسياسة الأمة وإن سلم أنّهم يفهمون معانيه ، بل لا بد من آمر وناه وزاجر يدعوهم إلى العمل بالقرآن ، ويحملهم عليه ، ويكون هو معصوماً عاملاً بجميع ما أمر به فيه منزجرا عن كلّ ما نهى عنه فيه.

فقوله : « وأقول قد عرضت » مشيراً إلى ما ذكرنا أولا دليل آخر والحكم

__________________

(١) سورة هود : ٩١.

(٢) سورة فصلت : ٤٠.

(٣) سورة المرسلات : ٤٦.

٧٤

ما هي في السنّة والحكم الذي ليس فيه اختلاف وليست في القرآن أبى الله لعلمه بتلك الفتنة أن تظهر في الأرض وليس في حكمه رادّ لها ومفرّجُ عن أهلها.

فقال :هاهنا تفلجون يا ابن رسول الله أشهد أنَّ الله عزَّ ذكره قد علم بما يصيب الخلق من مصيبة في الأرض أو في أنفسهم

________________________________________________________

الذي ليس فيه اختلاف » أي الضروريّات أو السنّة المتواترة أو ما أجمعت عليه الأمّة « وليست في القرآن » أي في ظاهر القرآن وما يفهمه منه علماء الأمة إذ جميع الأحكام في القرآن ، ولكن لا يمكن استنباطه إلّا للإمام « أن تظهر » أي الفتنة وهو مفعول « أبى » وقوله : « وليس في حكمه » جملة حالية والضمير في حكمه راجع إلى الله « في الأرض » أي في غير أنفسهم كالمال « أو في أنفسهم » كالدين أو القصاص ، إشارة إلى قوله تعالى : «ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إلّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ »(١) .

قال :البيضاوي : في الأرض كجدب وعاهة «وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ » كمرض وآفة «إلّا فِي كِتابٍ » أي إلّا مكتوبة في اللوح ، مثبتة في علم الله «مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها » أي نخلقها ، والضمير للمصيبة أو للأرض أو للأنفس «إِنَّ ذلِكَ » أي إن ثبته في كتاب «عَلَى اللهِ يَسِيرٌ » لاستغنائه فيه عن العدَّة والمدة «لِكَيْلا تَأْسَوْا » أي أثبت وكتب لئلّا تحزنوا «عَلى ما فاتَكُمْ » من نعمّ الدنيا «وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » بما أعطاكم الله منها ، فإن من علم أنّ الكلّ مقدر هان عليه الأمر.

ولعلّ حاصل كلامهعليه‌السلام أنّه كثيراً ما يعرض للناس شبهة في أمر من أمور الدين ممّا يتعلق بأنفسهم وأموالهم ، وليس في ظاهر الكتاب والسنة ما يزيل تلك الشبهة ، وهذه مصيبة عرضت لهم ، ولا بد أن تكون تلك المصيبة في علمه سبحانه قبل وقوعها ، لأن المصيبة الواقعة في الآية نكرة في سياق النفي يفيد العموم ، والمصيبة أعمّ من أن تكون

__________________

(١) سورة الحديد : ٢٣.

٧٥

من الدّين أو غيره فوضع القرآن دليلاً - قال :فقال :الرّجل هل تدري يا ابن رسول الله دليل ما هو قال :أبو جعفرعليه‌السلام نعمّ فيه جمل الحدود وتفسيرها عند الحكم فقال :أبى الله أن يصيب عبداً بمصيبة في دينه أو في نفسه أو في ماله ليس في أرضه من حكمه قاض بالصواب في تلك المصيبة.

قال :فقال :الرّجل أما في هذا الباب فقد فلجتهم بحجّة إلّا أن يفتري خصمكم على الله فيقول : ليس لله جلّ ذكره حجّةٌ ولكن أخبرني عن تفسيّر «لِكَيْلا

________________________________________________________

في أمور الدين أو الدنيا ، فلا يختصّ بالبلايا والأمراض والآفات ، بل يعمّ المصائب الدينية وما أشكلّ عليهم من الأحكام ، وإليه أشارعليه‌السلام بقوله : « من الدين أو غيره » وإذا ثبت علمه تعالى بعروض تلك الشبهة لهم فلا بد في حكمته ولطفه أن يرفع تلك الشبهة عنهم إما بصريح الكتاب والسنةّ أو بإمام يزيح علتهم ويكون عالـماً بحكم جميع ما يعرض لهم ، والأولان مفقودان فتعيّن الثالث.

« فوضع القرآن دليلاً » أي للإمام فأنّه يمكنه أن يستنبط منه تفاصيل الأحكام ، أو لسائر الخلق إلى جمل الأحكام ولا بد في علمهم بتفاصيلها من الرجوع إلى الإمام ، ويمكن أن يكونعليه‌السلام فسر الكتاب في الآية بالقرآن ، وأفاد أنّه لا يعلم ذلك من القرآن إلّا الإمام ، فثبت الاحتياج إليه ، والأوّل أظهر.

قوله : « من حكم » بالتحريك وفي أكثر النسخ من حكمه ، فربما يقرأ بالفتح اسم موصول فحكمه مبتدأ وقاض خبره ، والجملة صلة للموصول ، والمجموع اسم ليس ، ونسبة القضاء إلى الحكم على المبالغة نحو جدّ جدّه ، أو بالكسر فيكون صلة للخروج الذي يتضمنه معنى القضاء في قاض ، أي قاض خارج من حكمه بالصواب ، والمراد بالفلج بالحجّة أما إتمام الحجّة فالاستثناء منقطع ، أو إلزام المخالفين وإسكاتهم فالاستثناء متّصل « إلّا أن يفتري خصمكم على الله » أي يكابرّ ويعاند بعد إتمام الحجّة « ويقول ليس لله جل ذكره حجّة » أي إمام ليعيد مدّعاه بعد إتمام الحجّة على نقيضه ، أو ينكر وجوب اللطف على الله واشتراط التكليف بالعلم.

٧٦

تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ »(١) مما خصَّ به عليٌّعليه‌السلام «وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » قال :في أبي

________________________________________________________

قوله : « ممّا خص عليّعليه‌السلام به ، هذا من كلام أبي جعفرعليه‌السلام ، ففي الكلام حذف يعني قال : ممّا خص عليّ به ، يعني الخلافة والإمامة ، وكأنّه سقط من النّساخ ، ويحتمل أن يكون من كلام إلياسعليه‌السلام .

قوله : قال :في أبي فلان وأصحابه ، أقول : هذا الكلام يحتمل وجوها من التأويل :

الأوّل : ما خطر ببالي القاصر وهو أن الآية نزلت في أبي بكر وأصحابه يعني عمر وعثمان. والخطّاب معهم ، فقوله : «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ » أي لا تحزنوا على ما لكم من النص والتعيين للخلافة والإمامة ، وخص عليّعليه‌السلام به حيث نص الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخلافة عليه وحرمكم عنها «وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » من الخلافة الظاهرية بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي خلاكم وإرادتكم ولم يجبركم على تركها ، ومكنكم من غصبها من مستحقها « واحدة مقدمة » أي قوله : لا تأسوا ، إشارة إلى قضية متقدمة وهي النص بالخلافة في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « وواحدة مؤخرة » أي قوله : ولا تفرحوا ، إشارة إلى واقعة مؤخّرة وهي غصب الخلافة بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يخفى شدّة انطباق هذا التأويل على الآية فأنّه يصير حاصلها هكذا : ما تحدث مصيبة وقضية في الأرض وفي أنفسكم إلّا وقد كتبناها والحكم المتعلق بها في كتاب من قبل أن تخلق المصيبة أو الأنفس لكيلا تأسوا على ما فاتكم من الخلافة وتعلموا أن الخلافة لا يستحقها إلّا من تنزل عليه الملائكة والروح بالوقائع والأحكام المكتوبة في ذلك الكتاب ، ولا تفرحوا بما يتيسرّ لكم من الخلافة وتعلموا أنكم لا تستحقونه وأنّه غصب ، وسيصيبكم وباله ، فظهر أن ما ذكره الباقرعليه‌السلام قبل ذلك السؤال أيضاً كان إشارة إلى تأويل صدر تلك الآية ، فلذا سئل إلياسعليه‌السلام عن تتمة الآية ، ويحتمل وجها آخر مع قطع النظر عمّا أشار إليه أو لا بأنا قدرنا المصائب الواردة على الأنفس قبل خلقها ، وقدرنا الثواب على من وقعت عليه والعقاب على من تسبب لها ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم وتعلموا أنها لم تكن مقدرة لكم فلذا لم يعطكم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » للعقاب

__________________

(١) سورة الحديد : ٢٣.

٧٧

________________________________________________________

المترتّب عليه.

الثاني : ما أفاده والدي العلامة قدّس الله روحه وهو أنّ السؤال عن هذه الآية لبيان أنّه لا يعلم علم القرآن غير الحكم إذ كلّ من يسمع تلك الآية يتبادر إلى ذهنه أن الخطابين لواحد ، لاجتماعهما في محلّ واحد ، والحال أن الخطّاب في قوله لكيلا تأسوا ، لعليّعليه‌السلام لـمّا فاته من الخلافة ، وفي قوله : ولا تفرحوا ، لأبي بكر وأصحابه لـمّا غصبوا الخلافة فقوله : « واحدة مقدمة وواحدة مؤخّرة » لبيان إتّصالهما وانتظامهما في آية واحدة ، فلذا قال :الرجل : أشهد أنّكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه ، حيث تعلمون بطون الآيات وتأويلاتها وإسرارها وموارد نزولها.

الثالث : ما ذكره الفاضل الأسترآبادي حيث قال : لا تأسوا ، خطاب مع أهل البيتعليهم‌السلام ، ولا تحزنوا على مصيبتكم للذي فات عنكم ، ولا تفرحوا خطاب مع المخالفين ، أي لا تفرحوا بالخلافة التي أعطاكم الله إياها بسبب سوء اختياركم ، وإحدى الآيتين مقدّمة والأخرى مؤخرة فاجتمعتا في مكان واحد في تأليف عثمان.

الرابع : ما قيل أنّ قوله : لكيلا تأسوا ، خطاب للشيعة حيث فاتهم خلافة عليّعليه‌السلام ، ولا تفرحوا بما آتاكم ، خطاب لمخالفيهم حيث أصابتهم الخلافة المغصوبة وإحدى القضيّتين مقدمة على الأخرى.

الخامس : ما ذكره بعض الأفاضل حيث قال : من في « ممّا » للتبعيض ، والظرف حال تفسيّر وما عبارة عن التفسيّر الذي خص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًعليه‌السلام به ، ولا تفرحوا بما آتاكم بتقدير : وعن تفسيّر لا تفرحوا بما آتاكم ، والمقصود السؤال عن تفسيرهما الذي خص رسول الله عليّاًعليه‌السلام به ، قال : في أبي فلان أي في أبي بكر ، وهذا تفسيّر الكلمة الثانية وهي ولا تفرحوا بما آتاكم ، قدّمه للاهتمام به وهو مبني على أن المخاطبين بالثانية غير المخاطبين بالأولى ، نظير «يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ » وعلى أنّه أهل دولة الباطل إن علموا أن أهل الحقّ لا يأسون على ما فاتهم

٧٨

فلان وأصحابه واحدةٌ مقدّمة وواحدة مؤخّرة : «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ » ممّا خص به عليّعليه‌السلام «وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » من الفتنة التي عرضت لكم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :الرجل أشهد أنكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه ثمّ قام الرجل وذهب فلم أره.

٢ - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :بينا أبي جالس وعنده نفر إذا استضحك حتّى اغرورقت عيناه دموعا ثمّ قال :هل تدرون ما أضحكني قال :فقالوا لا قال :زعم ابن عبّاس أنّه من «الذّين قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثمّ اسْتَقامُوا » فقلت له هل رأيت الملائكة يا ابن عبّاس

________________________________________________________

لعلمهم بكلّ مصيبة قبل وقوعه وكرامتهم عند الله تكدرت عليهم دولتهم وما آتأهمّ ، وكثرت آلامهم في أنفسهم ، وتأنيث « واحدة » باعتبار الكلمة أو الفقرة « مقدمة » بشد المهملة المكسورة وصف الأولى بأنها لإعزاز المخالفين بها « مؤخرة » بشد المعجمة المكسورة وصف للثانية بأنها لإذلال المخاطبين فيها «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ » مبتدأ خبره « ممّا خص به عليّعليه‌السلام » والجملة استيناف بياني ، والمراد أنّه ممّا نزل في عليّعليه‌السلام وأوصيائه ، وهذا تفسيّر للكلمة الأولى ، وتغيير الأسلوب في «وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » من الفتنة إلى آخره لأن كونها ممّا خص به أبو بكر وأصحابه معلوم ممّا مر ، ولا يحسن إعادته ، فمن في قوله « من الفتنة » لبيان « ما آتاكم » والمراد بالفتنة الامتحان بدولة الدنيا كما في قوله تعالى : «اتّقوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الذّين ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً »(١) ولا يخفى بعد تلك الوجوه وظهور ما ذكرنا أو لا على المتدبّر.

الحديث الثاني : سنده كما تقدم.

والاستضحاك كأنّه مبالغة في الضحك وفي القاموس : اغرورقت عيناه ، أي دمعتا كأنهما غرقا في دمعهما « انتهى ».

و « دموعاً » تميز وقيل : هو مصدر دمعت عينه كمنع إذا ظهر منه الدمع ، وهو مفعول له أو جمع دمع بالفتح وهو ماء العين ، فهو بتقدير « من » مثل : الحوض ملآن ماء ، أو هو مفعول فيه.

« هل رأيت الملائكة » إشارة إلى تتمّة الآية ، إذ هي هكذا : «إِنَّ الذّين قالُوا

__________________

(١) سورة الأنفال : ٢٥.

٧٩

تخبرك بولايتها لك في الدنيا والآخرة مع الأمن من الخوف والحزن قال :فقال :إن الله تبارك وتعالى يقول «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ »(١) وقد دخل في هذا جميع الأمة فاستضحكت.

ثمَّ قلت صدقت يا ابن عبّاس أنشدك الله هل في حكم الله جل ذكره اختلاف قال :فقال :لا فقلت ما ترى في رجل ضرب رجلا أصابعه بالسيف حتّى سقطت ثمّ ذهب وأتى رجل آخر فأطار كفه فأتي به إليك وأنت قاض كيف أنت صانع قال :أقول لهذا القاطع أعطه دية كفه وأقول لهذا المقطوع صالحه على ما شئت وأبعث به إلى ذوي عدل قلت جاء الاختلاف في حكم الله عز ذكره ونقضت القول الأول

________________________________________________________

رَبُّنَا اللهُ ثمّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ إلّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجنّة الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ »(٢) فيظهر منه أنّهعليه‌السلام فسّر الآية بأن هذا الخطّاب من الملائكة يكون في الدنيا بحيث يسمعون كلامهم ، وذهب جماعة إلى أن الخطاب في الدنيا وهم لا يسمعون ، أو عند الموت وهم يسمعون وما ذكرهعليه‌السلام ألصق بالآية فالمراد بالاستقامة الاستقامة على الحقّ في جميع الأقوال والأفعال ، وهو ملزوم العصمة.

قولهعليه‌السلام : « صدقت » أي في قولك «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ » لكن لا ينفعك إذ الأخوة لا يستلزم الاشتراك في جميع الكمالات ، أو قال :ذلك على سبيل المماشاة والتسليم ، أو على سبيل التهكم ، وضحكهعليه‌السلام لوهن كلامه وعدم استقامته.

قوله « وابعث به إلى ذوي عدل » أقول : سيأتي هذا الجزء من الخبر في كتاب الديات ، وفيه « أو ابعث إليها ذوي عدل » ولعلّ البعث للأرش كما قال :به ابن إدريس وبعض أصحابنا حيث رد والخبر بالضعف وقالوا بثبوت الأرش ، بأن يفرض كونه عبداً مقطوع الأصابع ، ثمّ عبداً مقطوع اليد وينسب التفاوت إلى دية الحرّ ، فحكمه أولا على القاطع بإعطاء تمام الدية على الاحتياط من طرف الجاني ، أو البعث لتقويم الأصابع ليسقط من دية اليد ، فيكون قولا آخر لم يقل به أحد ، والاختلاف إما بين

__________________

(١) سورة فصلت : ٣.

(٢) سورة فصلت : ٣٠.

٨٠