ارشاد القلوب الجزء ٢

ارشاد القلوب0%

ارشاد القلوب مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: كتب الأخلاق
ISBN: ( دورة ) 2 ـ 42 ـ 8073 ـ 964
الصفحات: 395

ارشاد القلوب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: ISBN: ( دورة ) 2 ـ 42 ـ 8073 ـ 964
الصفحات: 395
المشاهدات: 25471
تحميل: 8126


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 395 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25471 / تحميل: 8126
الحجم الحجم الحجم
ارشاد القلوب

ارشاد القلوب الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
ISBN: ( دورة ) 2 ـ 42 ـ 8073 ـ 964
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أحد عشر رجلاً من ولدي أئمّة هدىً مهديّون محدّثون ، قلت : يا أمير المؤمنين ومن هم؟

قال : ابنيَّ الحسن والحسين ، ثمّ ابني هذا ـ وأخذ بيد عليّ بن الحسين وهو رضيع ـ ثمّ ثمانية من ولده واحد بعد واحد ، وهم الذين أقسم الله بهم فقال : ( وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ) (١) [ فالوالد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما ولد ] (٢) يعني هؤلاء الأحد عشر وصيّاً صلوات الله عليهم ، قلت : يا أمير المؤمنين يجتمع إمامان ؟ قال : لا إلاّ أحدهما صامت لا ينطق حتّى يهلك الأوّل .

تمّ حديث موتهم ، والحمد لله وحده وصلّى الله على خير خلقه محمد وآله وسلّم (٣) .

 [بيانهعليه‌السلام في سبب قعوده عن القتال]

[في الفتن عن كتاب سليم بن قيس بعد خطبة لعليّ عليه‌السلام استنفر بها القوم ووبّخهم على تقاعدهم عن الجهاد ، قال الأشعث بن قيس : فهلاّ فعلت كما فعل عثمان بن عفّان ، فأجابه وكان ممّا أجابه أن قال : إنّ هذه الأمة تفترق على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون في النار ، وشرّها وأبعدها وأبغضها السامرة الذين يقولون لا قتال ، وكذبوا ، قد أمر الله بقتال الباغين في كتابه وسنّة نبيّه ، وكذلك المارقة .

فقال ابن قيس وقد غضب من قوله عليه‌السلام : فما منعك يا ابن أبي طالب حين بويع فلان وفلان أن تضرب بسيفك ؟ فأجابه بما يشبه هذا الكلام أو هو ،

ـــــــــــــــــ

(١) البلد : ٣ .

(٢) أثبتناه من "ج" والبحار .

(٣) عنه البحار ٣٠ : ١٢٧; ومعالم الزلفى : ٣٢٩ و٤٣٩; ومدينة المعاجز ٢ : ٨٩ ح٤١٩; وروي نحوه في كتاب سليم : ١٨٢ .

٢٨١

فراجع الفتن حتّى تطّلع على حقيقة الحال] (١) .

قال الأشعث بن قيس : يا أمير المؤمنين ، لم لا ضربت بسيفك وأخذت حقّك ، وأنت لم تخطب خطبة إلاّ قلت فيها : إني لأولى الناس بالناس ، وما زلت مظلوماً منذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك؟

قال عليّ عليه‌السلام : قد قلت يا ابن قيس فاسمع ، لم يمنعني من ذلك الجبن ولا كراهية الباري ، وأن لا أكون أعلم (٢) أن ما عند الله خير من الدنيا والبقاء فيها ، بل منعني من ذلك أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونهيه إيّاي وعهده إليّ ، وأخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما الأُمّة صانعة بعده .

ولم أكن حين عاينته أعلم به ولا أشدّ استيقاناً منّي به قبل ذلك ، بل أنا بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشدّ يقيناً منّي بما عاينته وشهدته ، فقلت : يا رسول الله ، فما تعهد إليّ إذا كان ذلك؟ قال : إن وجدت أعواناً فانتدب إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً فكفّ يدك واحقن دمك حتّى تجد على إقامة كتاب الله وسنّتي أعواناً .

وأخبرني أنّه ستخذلني الناس وتبايع (٣) غيري ، وأخبرني أني منه بمنزلة هارون من موسى ، وأنّ الأمة من بعدي سيصيرون بمنزلة هارون ومن تبعه والعجل ومن تبعه ، إذ قال له موسى : ( يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) (٤) .

يعني أن موسى أمره حين استخلفه عليهم إن ضلّوا فوجدت أعواناً عليهم

ـــــــــــــــــ

(١) أثبتنا ما بين المعقوفتين من "ج" ولم ترد في "ألف" و "ب" ، وفي كتاب سليم بعد قول الأشعث "فما منعك ..." هكذا : فما يمنعك يا ابن أبي طالب حين بويع أبو بكر أخو بني تيم ، وأخو بني عدي بن كعب ، وأخو بني أمية بعدهم أن تقاتل .

(٢) في "ج" : وأنّي لأعلم أن ما عند الله .

(٣) في "ج" : يبايعون .

(٤) طه : ٩٢ـ٩٤ .

٢٨٢

فجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً فكف يدك واحقن دمك ولا تفرّق بينهم ، وأنّي خشيت أن يقول ذلك أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويقول : لم فرّقت بين الأمة ولم ترقب قولي ، وقد عهدت إليك إن لم تجد أعواناً أن تكفّ يدك وتحقن دمك ودماء أهل بيتك وشيعتك .

فلمّا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مال الناس إلى أبي بكر فبايعوه ، واستنصرت الناس فلم ينصروني غير أربعة : سلمان والمقداد وأبو ذر والزبير بن العوام ، ولم يكن أحد من أهل بيتي أصول به ولا أقوى به ، أما حمزة فقتل يوم أُحد ، وأمّا جعفر فقتل يوم مؤتة ، وبقيت في خليفتين (١) خائفين ذليلين حقيرين قريبي عهد بالإسلام : عباس وعقيل ، فأكرهوني وقهروني ، فقلت كما قال هارون لأخيه : يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ، ولي في هارون أسوة حسنة ، ولي بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجّة قويّة .

قال الأشعث : كذلك فعل عثمان لما استغاث ودعا الناس إلى نصرته ، فلمّا لم يجد أعواناً كفّ يده حتّى قتل ، قال : ويلك يا ابن قيس ! إن القوم حين قهروني واستضعفوني وكادوا يقتلونني لو قالوا : نقتلك البتة لامتنعت من قتلهم إيّاي ولو لم أجد أحداً غير نفسي ، ولكنّهم قالوا : إن بايعت كففنا عنك وأكرمناك وفضّلناك وقدّمناك ، وإن لم تفعل قتلناك ، فلمّا لم أجد أعواناً بايعتهم ، وبيعتي لهم لما لاحق لهم فيه لا توجب لهم حقّاً ولا يلزمني لهم رضى .

ولو أنّ عثمان لمّا قالوا اخلعها وإلاّ نحن قاتلوك فكفّ يده حتّى قتلوه ، ولعمري خلعه إيّاها كان خيراً له لأنّه أخذها بغير حق ، فلم يكن له فيها نصيب ، لأنّه ادّعى ما ليس له وتناول حقّ غيره .

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : رجلين .

٢٨٣

يا ابن قيس ، إنّ عثمان لم يعد (١) أن يكون أحد رجلين ، إما أن يكون دعا الناس إلى نصرته فلم ينصروه ، وإما أن يكون القوم دعوه إلى نصرتي (٢) فلم يحل له أن ينهى المسلمين أن يعبدوا الله ويطيعوه بنصرة إمامهم ، وسيهدي الله الذي لم يحدث به حدثاً ، فبئس ما صنع حيث نهاهم ، وبئس ما صنعوا حيث أطاعوه .

وإما أن يكون قد بلغ من حدّته وسوء سيرته ما لم يروه أهلاً لنصرته ، وحكم بخلاف الكتاب والسنّة ، وكان وراءه من أهل بيته ومواليه وأصحابه أكثر من أربعة آلاف فارس ليمتنع بهم ، ولم ينه أصحابه عن نصرته ، ولو كنت وجدت يوم بويع أخو تيم (٣) أربعين رجلاً يطيعون لجاهدتهم (٤) فأمّا يوم بويع عمر وعثمان فلا ، لأنّي كنت بايعت ومثلي لا ينكث بيعته .

ويلك يا ابن قيس ! كيف رأيتني صنعت يوم قتل عثمان ، لو وجدت أعواناً هل رأيت منّي فشلاً أو جبناً أو تقصيراً ، وإنّك لتعرفني يوم البصرة وهم في جَمَلهم الملعون [ مَن معه ] (٥) ، والملعون مَن قُتل حوله ، والملعون مَن ينصره ، والملعون مَن ركبه ، والملعون مَن بقي بعده غير راجع ولا تائب ولا مستغفر ، قتلوا أنصاري ، ونكثوا بيعتي ، ومثّلوا بعاملي ، وبغوا عليّ ، فسعيت إليهم باثني عشر ألفاً وهم نيف وعشرون ومئة ألف ، فنصرنا الله عليهم بأيدينا وشفى صدور قوم مؤمنين .

وكيف رأيت يا ابن قيس وقعتنا بصفين ، إنّ الله قتل بأيدينا في صعيد واحد خمسين ألفاً إلى النار ، وكيف رأيتنا يوم النهروان ، لقينا المارقين وهم مستبصرون بين يدي الذين (٦) ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً ،

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : لابد .

(٢) في "ج" : دعوه أن ينصروه .

(٣) في "ج" : بويع أبو بكر بالخلافة .

(٤) في "ج" : لما قعدت عن القتال .

(٥) أثبتناه من "ج" .

(٦) في "ج" : متديّنون قد ضلّ .

٢٨٤

قتلهم الله في صعيد واحد أربعة آلاف ، ولم يبق منهم عشرة ولم يقتلوا منّا عشرة .

يا ابن قيس ، أرأيت لي لواء ردّ أو راية رُدّت بجبن ، يا ابن قيس وأنا صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع مواطنه ومشاهده المتقدّمة ، في الشدائد بين يديه لا أفرّ ولا ألوي ولا أتنحّى ولا أمنح العدوّ دبري ، إنّه لا ينبغي لنبي ولا لوصي نبي إذا لبس لامة أو برز لعدو أن يرجع ، ولا ينثني حتّى يقتل أو يقتل بين يديه (١) .

ويلك يا ابن قيس ! هل سمعت لي بفرار أو نبوة ، يا ابن قيس أما أنا ـ والذي فلق الحبّة وبرئ النسمة ـ لو وجدت أعواناً (٢) ما كففت يدي ولناهضت القوم ، ولكن لم أجد خامساً ، [قال الأشعث : من كان هؤلاء] (٣) الأربعة؟ قال : سلمان والمقداد وأبو ذر وابن صفية ، ثمّ رجع ابن صفية بعد بيعته إيّاي بعد قتل عثمان .

أمّا بيعته التي أتاني فيها مخلوفاً فقد وفى بها ، وهي البيعة الأولى التي بويع فيها عتيق ، وذلك أنّه أتاني أربعون رجلاً من المهاجرين والأنصار فبايعوني فيهم الزبير ، أمرتهم أن يصبحون عند بابي محلقين [ رؤوسهم ] (٤) عليهم السلاح ، فما وفوا ولا صحبني منهم إلاّ أربعة ، وأمّا بيعته الأخرى فإنّه أتاني هو وصاحبه طلحة بعد قتل عثمان بن عفّان طائعين غير مكرهين ، ثم رجعا عن دينهما مرتدّين ناكثين باغين معاندين خاسرين ، فقتلهما الله إلى النار وأمّا الثلاثة ـ أبو ذر والمقداد وسلمان ـ فثبتوا على دين محمد وملّته وملّة إبراهيم حتّى لقوا الله يرحمهم الله .

فقال الأشعث : إن كان الأمر كما تقول لقد هلكت الأمة غيرك وغير شيعتك .

قال : فإنّ الحقّ والله كما أقول (٥) ، وما هلك من الأمة إلاّ الماضين (٦) المكابرين

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : أو يفتح الله له .

(٢) وزاد في "ج" : على مثل بصيرة الأربعة الذين وجدت .

(٣) أثبتناه من "ج" .

(٤) أثبتناه من "ج" .

(٥) في "ب" : كما تقول .

(٦) في "ج" : الناصبون .

٢٨٥

الجاحدين المعاندين ، فأما من تمسّك بالتوحيد والإقرار بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يخرج من الملّة ، ولم يظاهر علينا الظلمة ، وينصب لنا العداوة ، ويشك في الخلافة ، ولم يعرف أهلها وولاتها ، ولم ينكر لنا ولاية ولم ينصب لنا عداوة ، فإنّ ذلك مسلم ضعيف يُرجى له الرحمة من ربّه ويتخوّف (١) عليه ذنوبه .

قال : فلم يبق يومئذٍ من شيعته أحد إلاّ تهلهل (٢) وفرح بمقالته إذ شرح أمير المؤمنين عليه‌السلام الأمر وباح به وكشف الغطاء وترك التقية ، ولم يبق أحد من العرب كان شاكّاً أو يكفّ ويدع البراءة منهم إلاّ استيقن واستبصر وترك الشك والوقوف ، ولم يبق أحد ممّن كان حوله ممّن بايعه على وجه ما بويع عثمان إلاّ عرف ذلك في وجهه وترك مقالته ثمّ استبصروا وذهب شكّهم .

قال أبو عبد الله (٣) سليم بن قيس : فما شهد الناس يوماً قط على [رؤوس] (٤) العامة كان أقر للأعين من ذلك اليوم لمَا كشف للناس من الغطاء ، وأجهر فيه من الحق ، وشرح فيه من الأمر ، وألقى فيه من التقيّة والكتمان ، وكثرت الشيعة من ذلك اليوم وتكلّموا ، وقد كانوا أهل عسكره وسائر الناس يقاتلون معه على غير علم بمكانه من الله ومن رسوله ، وصارت الشيعة بعد ذلك اليوم وذلك المجلس أجلّ الناس وعظماؤهم ، وذلك بعد وقعة النهروان وهو يأمرهم بالتهيّؤ والمسير معه إلى معاوية ، قال قيس : ثمّ لم يلبث أن قتله ابن ملجم عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

قال : وأقبل عليّ عليه‌السلام على الناس ممّن كان حوله فقال : أوليس قد ظهر لكم رأيي ، وحملهم علينا أهل البيت من كلّ جانب ووجه ، لا يألون به إبعاداً

ـــــــــــــــــ

(١) في "ب" : ولا يتخوّف .

(٢) في "ج" : تهلل وجهه .

(٣) في "ج" : قال أبان عن سليم بن قيس .

(٤) أثبتناه من "ج" .

٢٨٦

وتقاصياً وأخذ حقوقنا ، أليس العجب بحبسه وصاحبه عنّا سهم ذي القربى الذي فرض لنا في القرآن ، وقد علم الله أنهم سيظلمونا وينزعوه منّا ، قال الله تبارك وتعالى : ( إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) (١) .

ثمّ العجب لهدمه منزل أخي جعفر وإدخاله في المسجد ، ولم يعطني منه قليلاً ولا كثيراً ، ولم تعب عليه الناس كأنّه يأخذ منزل رجل من الديلم ، والعجب من جهله وجهل الأمناء (٢) إذ كتب إلى عمّاله : أن الجنب إذا لم يجد الماء فليس له أن يتيمّم بالصعيد حتّى يجد الماء وإن لم يجده حتّى يلقى الله ، ثمّ قبل ذلك منه الناس ورضوا به ، وقد علم الناس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر عماراً وأبا ذر أن يتيمّما من الجنابة ، وقد شهدا به عنده وغيرهما ، فما قبل ولا رفع به رأس .

والعجب لما قد خلط أنصاباً مختلفة في الجَدّ بغير علم تعسّفاً وجهلاً ، وادّعى ما لم يعلم خبره على الله قلّة ورع ، [ وادّعى ] (٣) أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقض للجد شيئاً ، ولم يدع أحداً يعطي للجد من الميراث ، ثمّ تابعوه على ذلك وصدّقوه ، وعتق أمهات الأولاد وأخذ الناس بقوله وتركوا أمر الله تبارك وتعالى وأمر رسوله .

والعجب لما صنع بنصر بن الحجاج وبجعدة بن سليمان وبابن زيد ، وأعجب من ذلك أنّه لمّا أتاه العبدي فقال له : إنّي طلّقت امرأتي وأنا غائب ، فوصل إليها الطلاق ثمّ راجعتها وهي في عدّتها فكتبت إليها فلم يصل إليها كتابي حتّى تزوّجت .

فكتب له : إن كان هذا الذي تزوّج بها قد دخل بها فهي امرأته ، وإن كان لم

ـــــــــــــــــ

(١) الأنفال : ٤١ .

(٢) في "ج" : الاُمّة .

(٣) أثبتناه من "ج" .

٢٨٧

يدخل بها فهي امرأتك ، فكتب بذلك وأنا شاهد لم يشاورني ولم يسألني استغناءً بجهله ، فأردت أن أنهاه ثمّ قلت لا أبالي أن يفضحه الله ، ثمّ لم تعيبه الناس بذلك ، استحسنوا قوله واتّخذوه سنّة ورأوه صواباً ، فقضى في ذلك قضاءً لو قضى به مجنون لحمّق منه (١) .

وقضيّة المفقود زوجها أجّلها أربع سنين ثمّ تتزوّج ، فإذا جاء زوجها خيّر بين امرأته وبين الصداق ، ثمّ استحسنه الناس واتّخذوه سنّة ، وقبلوا منه جهالته بكتاب الله وقلّة بصيرة لسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإخراجه كلّ أعجمي من المدينة وإرساله إلى عمّاله بحبل خمسة أشبار ، وأمرهم في من بلغ من الأعاجم وكان في طول مثله يضرب عنقه ، وردّه سبايا المشركين حبالى وقبله الناس .

وأعجب منه إن كذّاباً رجم بكذبه ما قبله هو وقبله كلّ جاهل ، وزعموا أن الملك ينطق على لسانه ويلقّنه ، وإعتاقه سبايا أهل اليمن ، وتخلّفه وصاحبه عن جيش أسامة ، وتسليمه عليه بالإمرة .

ثمّ أعجب من ذلك أنه قد علم وعلم الذين معه وحوله أنه الذي صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، قال : وانّه الذي قال مثل محمد في قومه كنخلة نبتت في كناسة ، ثمّ قال كما قال صاحبه : الحمد لله الذي كفانا عن قتل الرجل ، حين أمرهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتله فلم يقتلاه وتركا أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك ، فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ردّهما أمره وأمرني بعدما رجعا أن أقتله ، فقال في ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال ، وأمر رسول الله صاحبه أن ينادي في الناس : أنه من مات دخل الجنّة من موحّد لا يشرك بالله شيئاً .

وردّ طاعته وطاعة رسوله ولم ينفذ أمره حتّى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : لعيب عليه .

٢٨٨

في ذلك ما قال ، ومساوئه ومساوئ صاحبه أكثر من أن تُحصى أو تُعد ، ولم يبغضهما (١) عند ذلك الجهلة بل هما أحبّ إلى الناس من أنفسهم ، وأنهم ليغضبون لهما ما لا يغضبون لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويتورعون عن ذكرهما ما لا يتورعون عن ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

 [سؤال الخضرعليه‌السلام عن ثلاث مسائل]

قيل : أقبل ذات يوم رجل حسن الهيئة فسلّم على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فجلس وقال : يا أمير المؤمنين ، أسألك عن ثلاث مسائل إن أجبتني علمت أن القوم ركبوا (٣) من أمرك ما أقضي عليهم أنهم ليس بمأمومين (٤) في دنياهم ولا في آخرتهم ، وإن كانت الأخرى علمت أنّك وهم شرع سواء ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سلني عمّا بدا لك .

قال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه ، وعن الرجل كيف يذكر وينسى ، وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال .

فالتفت أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى ولده أبي محمد الحسن فقال : يا أبا محمد أجبه ، فقال عليه‌السلام : أمّا ما ذكرت من أمر الرجل ينام أين تذهب روحه ، فإنّ روحه متعلّقة بالروح ، والروح (٥) متعلّق بالهواء إلى وقت ما يتحرّك صاحبها لليقظة ، فإن أذن الله تعالى بردّ الروح جذبت تلك الروح الروح ، وجذب الروح الهواء فرجعت الروح فأُسكنت في بدن صاحبها ، وإن لم يأذن الله تعالى بردّ الروح

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : لم ينقصهما .

(٢) راجع كتاب سليم : ٩٠ وفيه اختلاف كثير .

(٣) في "ج" : تركوا .

(٤) في "ب" : بمؤمنين .

(٥) في "ج" : متعلّقة بالريح والريح .

٢٨٩

جذب الهواء الروح وجذب الروح تلك الروح فلم ترد على صاحبها .

وأمّا ما ذكرت من أمر الذكر والنسيان ، فإنّ قلب الرجل في حق وعلى الحق طبق ، فإن صلَّى عند ذلك على محمد وآل محمد صلاة تامة انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحق ، فأضاء القلب وذكر الرجل ما كان نسي ، وإن هو لم يصلّ وأنقص (١) من الصلاة عليهم انطبق ذلك الطبق على ذلك الحق ، فأُظلم القلب ونسى الرجل ما كان ذكره .

وأمّا ما ذكرته من أمر المولود الذي يشبه أعمامه وأخواله ، فإنّ الرجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن ، وعروق هادئة ، وبدن غير مضطرب أسكنت تلك النطفة في جوف الرحم فخرج الرجل يشبه أباه ، وإن أتاها بقلب غير ساكن اضطربت النطفة فوقعت على بعض العروق ، فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه ، وإن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه أخواله .

فقال الرجل عند ذلك : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ثمّ قام فمضى ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام لولده : أتبعه فانظر أين يقصد فخرج في أثره ، قال : فما كان إلاّ أن وضع رجله خارج المسجد فما علمت أين أخذ من أرض الله ، فأعلمت أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أبا محمد أتعرفه؟ فقلت : الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم ، فقال : هو الخضر عليه‌السلام (٢) .

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : أو نقص .

(٢) راجع كمال الدين : ٣١٣ ح١ باب ١٩; عنه البحار ٣٦ : ٤١٤ ح١; وفي علل الشرائع : ٩٦ ح٦; والاحتجاج ٢ : ٩ ح١٤٨ .

٢٩٠

 [ باب : فيه بعض قضايا أمير المؤمنينعليه‌السلام ]

في أخذ الحد : روي أن رجلاً وافى (١) إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، خذ حدّ الله في جنبي ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : ماذا صنعت ؟ قال : لطت بغلام ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : لم توقب ، قال : بل أوقبت يا أمير المؤمنين ، فقال له : اختر من إحدى ثلاث (٢) ، ضرباً بالسيف أخذ السيف منك ما أخذ ، أم هدم جدار عليك ، أو حرقاً بالنار .

فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ، وأيّها أشدّ تمحيصاً لذنوبي؟ فقال عليّ عليه‌السلام : الحرق بالنار ، فقال : إنّي قد اخترته ، [فنادى أمير المؤمنين بقنبر و] (٣) قال : يا قنبر اضرم له ناراً ، فأضرم له النار فقال : يا أمير المؤمنين ، أتأذن لي أن أُصلي ركعتين وأحسن؟ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : صلّ .

ـــــــــــــــــ

(١) في "ب" : أتى .

(٢) في "ج" : واحداً من ثلاث .

(٣) أثبتناه من "ج" .

٢٩١

قال : فتوضّأ الغلام وأسبغ ثمّ صلَّى ركعتين وأحسن ، فلمّا فرغ من صلاته سجد سجدة الشكر ، وجعل يبكي في سجوده ويدعو ويقول : (اللّهمّ إنّي عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، مذنب خاطئ ارتكبت من ذنبي كيت وكيت ، وقد أتيت حجّتك في أرضك وخليفتك في بلادك وكشفت له عن ذنبي ، فعرّفني أن تمحيصي في إحدى ثلاث خصال : ضرباً بالسيف ، أو هدم جدار ، أو حرقاً بالنار ، اللّهمّ وقد سألته عن أشدّها تمحيصاً لذنبي فعرّفني أن الحرق بالنار ، اللّهمّ وإنّي قد اخترته ، وصلّ على محمد وآل محمد ، واجعله تمحيصاً لي من النار) .

قال : فبكى أمير المؤمنين صلوات الله عليه ثمّ التفت إلى أصحابه وقال : من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا ، ثمّ قال له : قم يا هذا الرجل فقد غفر الله لك ذنبك ، ودرأ عنك الحد ، فقال له أصحابه : يا أمير المؤمنين فحدّ الله في جنبه لا تقيمه؟ فقال : الحدّ الذي عليه لله هو للإمام ، فإن شاء أقامه وإن شاء وهبه (١) .

مرفوعاً إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : كنت جالساً عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد إذ دخل العباس بن عبد المطلب ، فسلّم فردّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورحّب به ، فقال : يا رسول الله ، بما فضل علينا عليّ بن أبي طالب أهل البيت والمعادن واحدة؟

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذن أُخبرك يا عم ، إن الله خلقني وخلق علياً ولا سماء ولا أرض ولا جنّة ولا نار ولا لوح ولا قلم ، فلمّا أراد الله عَزَّ وجَلَّ بدء خلقنا تكلّم بكلمة فكانت نوراً ، ثمّ تكلّم بكلمة ثانية فكانت روحاً ، فمزج فيما بينهما واعتدلا فخلقني وعلياً منهما ، ثمّ فتق من نوري نور العرش فأنا أجلّ من العرش ، ثمّ فتق من نور عليّ نور السماوات فعليّ أجلّ من السماوات ، ثمّ فتق من نور الحسن

ـــــــــــــــــ

(١) عنه البحار ٧٩ : ٧٣ ح٢٩ .

٢٩٢

نور الشمس ومن نور الحسين نور القمر فهما أجلّ من نور الشمس والقمر .

وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه وتقول في تسبيحها : سبّوح قدّوس من أنوارٍ ما أكرمها على الله ، فلمّا أراد الله عَزَّ وجَلَّ أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة ، وكانت الملائكة لا تنظر أوّلها من آخرها ولا آخرها من أوّلها ، فقالت الملائكة : إلهنا وسيّدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه ، فنسألك بحقّ هذه الأنوار إلاّ ما كشفت عنّا .

فقال الله : وعزّتي وجلالي لأفعلنّ ، فخلق الله نور فاطمة عليها‌السلام يومئذٍ كالقنديل وعلّقه في قرط العرش ، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع ، ومن أجل ذلك سمّيت فاطمة الزهراء ، وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه فقال الله عَزَّ وجَلَّ : وعزّتي وجلالي لأجعلنّ ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبّي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها .

قال سلمان : فخرج العباس فلقيه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه وقال : بأبي عترة المصطفى من أهل بيت ما أكرمكم على الله (١) .

يرفعه إلى أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : افتخر إسرافيل على جبرئيل فقال : أنا خير منك ، قال : ولم أنت خير منّي؟ قال : لأنّي صاحب الثمانية حملة العرش ، وأنا صاحب النفخة في الصور ، وأنا أقرب الملائكة إلى الله عَزَّ وجَلَّ .

قال جبرئيل : أنا خير منك ، فقال : بما أنت خير منّي؟ قال : لأنّي أمين الله على وحيه ، وأنا رسوله إلى الأنبياء والمرسلين ، وأنا صاحب الخسوف والقذوف (٢) ، وما

ـــــــــــــــــ

(١) عنه البحار ٤٣ : ١٧ ح١٦ .

(٢) في "ج" : الكسوف والخسوف .

٢٩٣

أهلك الله أُمّة من الأمم إلاّ على يديّ ، فاختصما إلى الله تبارك وتعالى ، فأوحى الله إليهما : اسكتا ! فوعزّتي وجلالي لقد خلقت من هو خير منكما ، قالا : يا ربّ أوتخلق مَن هو خير منّا ونحن خلقتنا من نور؟

قال الله تعالى : نعم ، وأوحى (١) إلى القدرة أن انكشفي فانكشفت ، فإذا على ساق العرش الأيمن مكتوب : لا إله إلاّ الله ، محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين [ عليهم‌السلام أحبّاء الله ] (٢) ، فقال جبرئيل : يا ربّ فإنّي أسألك بحقّهم عليك إلاّ جعلتني خادمهم ، قال الله تعالى : قد فعلت ، فجبرئيل عليه‌السلام من أهل البيت وإنّه لخادمنا (٣) .

يرفعه إلى محمد بن ثابت قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : أنا رسول الله والمبلغ عنه ، وأنت وجه الله والمؤتمّ به ، فلا نظير لي إلاّ أنت ولا مثلك إلاّ أنا .

وبهذا الإسناد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : يا عليّ ، إن الله تبارك وتعالى خلقني وإيّاك من نوره الأعظم ، ثمّ رشّ من نورنا على جميع الأنوار من بعد خلقه لها ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلينا ، ومن أخطأه ذلك النور ضلّ عنّا ، ثمّ قرأ : ( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ) (٤) يهتدي إلى نورنا (٥) .

وروي مسنداً إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد ، من عادانا عادى الله ، ومن والانا وائتمّ بنا وقبل منّا ما أوحى الله

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : أومأ .

(٢) أثبتناه من "ج" .

(٣) عنه البحار ١٦ : ٣٦٤ ح٦٨ .

(٤) النور : ٤٠ .

(٥) عنه البحار ٦٨ : ٤٤ ح٩٠ .

٢٩٤

إلينا ، وعلّمنا الله إيّاه ، وأطاع الله فينا فقد وإلى الله ، ونحن خير البريّة ، وولدنا منّا ومن أنفسنا ، وشيعتنا [ معنا ] (١) ، من آذاهم آذانا ومن أكرمهم أكرمنا ، ومن أكرمنا كان من أهل الجنّة (٢) .

يرفعه إلى محمد بن زياد قال : سأل ابن مهران عبد الله بن العباس في تفسير قول الله : ( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) (٣) .

قال : كنّا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فلمّا رآه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبسّم في وجهه وقال : مرحباً بمن خلقه الله تعالى قبل أبيه آدم (٤) بأربعين ألف عام ، فقلت : يا رسول الله ، أكان الابن قبل الأب ؟ فقال : نعم ، انّ الله تعالى خلقني وخلق علياً قبل أن يخلق آدم بهذه المدّة ، خلق نوراً فقسّمه نصفين ، فخلقني من نصفه وخلق علياً من النصف الآخر قبل الأشياء ، فنورها من نوري ونور عليّ ثمّ جعلنا عن يمين العرش ، ثمّ خلق الملائكة فسبّحنا فسبّحت الملائكة ، وهلّلنا فهلّلت الملائكة ، وكبّرنا فكبّرت الملائكة ، وكان ذلك من تعليمي وتعليم عليّ ، وكان ذلك في علم الله السابق انّ الملائكة تتعلّم منّا التسبيح والتهليل والتكبير ، وكلّ شيء سبّح الله وكبّره وهلّله بتعليمي وتعليم عليّ .

وكان في علم الله السابق أن لا يدخل النار محبّ لي ولعليّ ، وكذا كان في علمه أن لا يدخل الجنّة مبغض لي ولعليّ ، ألا وإنّ الله عَزَّ وجَلَّ خلق ملائكة بأيديهم أباريق اللجين مملوّة من ماء الجنّة من الفردوس ، فما أحد من شيعة عليّ إلاّ وهو طاهر الوالدين تقي نقي مؤمن بالله ، فإذا أراد أبو أحدهم أن يواقع أهله جاء ملك من الملائكة الذين بأيديهم أباريق الجنّة ، فطرح من ذلك الماء في إنائه الذي يشرب

ـــــــــــــــــ

(١) أثبتناه من "ج" .

(٢) عنه البحار ٦٨ : ٤٥ ح٩٠ .

(٣) الصافات : ١٦٥ـ١٦٦ .

(٤) في "ج" : خلقه الله تبارك وتعالى قبل كلّ شيء ، خلقني الله وعلياً قبل أن يخلق آدم .

٢٩٥

به فيشرب ، وذلك الماء ينبت الإيمان في قلبه كما ينبت الزرع ، فهم على بيّنة من ربّهم ، ومن نبيّهم ، ومن وصيّي عليّ ، ومن ابنتي الزهراء ، ثمّ الحسن ثمّ الحسين والأئمة من ولد الحسين صلوات الله عليهم أجمعين .

قلت : يا رسول الله ومن هم (١) ؟ قال : أحد عشر منّي أبوهم عليّ بن أبي طالب ، ثمّ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحمد لله الذي جعل محبّة عليّ والإيمان سببين (٢) .

مرفوعاً إلى مسعدة قال : كنت عند الصادق عليه‌السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى ظهره متّكئاً على عصاه ، فسلّم عليه فردّ عليه‌السلام ، ثمّ قال الشيخ : يا ابن رسول الله ناولني يدك لأقبلها ، فأعطاه يده فقبّلها ثمّ بكى ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما يبكيك يا شيخ؟

فقال : جعلت فداك أقمت [أنتظر] (٣) على قائمكم منذ مئة سنة ، أقول هذا الشهر وهذه السنة ، وقد كبر سنّي ، ودقّ عظمي ، واقترب أجلي ، ولا أرى فيكم ما أحبّ ، أراكم مقتولين مشرّدين ، وأرى أعداؤكم يطيرون بالأجنحة ، وكيف لا أبكي .

فدمعت عينا أبي عبد الله عليه‌السلام ثمّ قال : يا شيخ ، إن أبقاك الله حتّى ترى قائمنا كنت في السنام الأعلى ، وإن حلّت بك المنيّة جئت يوم القيامة مع ثقل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن ثقله فقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مخلف فيكم الثقلين فتمسّكوا بهما فلن تضلّوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي .

فقال الشيخ : لا أبالي بعدما سمعت هذا الخبر ، ثمّ قال الشيخ : يا سيّدي

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : كم هم .

(٢) عنه البحار ٢٦ : ٣٤٥ ح١٨ .

(٣) أثبتناه من "ج" .

٢٩٦

بعضكم أفضل من بعض؟ قال : لا نحن في الفضل سواء ولكن بعضنا أعلم من بعض ، ثمّ قال : يا شيخ ، ألا إنّ شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته ، هناك يثبت على هداه المخلصون ، اللّهمّ أعِنْهُم على ذلك (١) .

مرفوعاً إلى محمد بن يعقوب النهشلي قال : حدّثني الإمام عليّ بن موسى الرضا ، عن آبائه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عن جبرئيل ، عن ميكائيل ، عن اسرافيل ، عن الله تعالى ، قال الله : أنا الله الذي لا إله إلاّ أنا ، خالق الخلق بقدرتي ، واخترت منهم من شئت نبيّاً ، واخترت من جملتهم (٢) محمداً حبيباً وخليلاً وصفيّاً ، وبعثته رسولاً إلى سائر خلقي ، وجعلته سيّدهم وخيرهم وأحبّهم إليّ .

واصطفيت عليّاً فجعلته أخاً له ووزيراً ووصيّاً ومؤدّياً عنه بعده إلى خلقي ، وخليفته على عبادي يبيّن لهم كتابي ، ويسير فيهم بحجّتي ، وجعلته العلم الهادي من الضلالة ، وبابي الذي أوتي منه ، وبيتي الذي من دخله كان آمناً من ناري ، وحصني الذي من لجأ إليه حصنته من مكروه الدنيا والآخرة ، ووجهي الذي من توجّه به لم أصرف وجهي عنه ، وحجّتي في أهل السماوات والأرض على جميع من فيهنّ من خلقي .

لا أقبل عمل عامل منهم إلاّ بالإقرار بولايته مع نبوّة أحمد ، فهو يدي المبسوطة على عبادي ، وعيني الناظرة إلى خلقي بالرحمة ، وهو النعمة التي أنعمت بها على من أحببت من عبادي ، فمن أحبّه وتولاّه أنعمت عليه بولايته ومعرفته ، فبعزّتي حلفت وبجلالي أقسمت أنه لا يتولاّه أحد من عبادي إلاّ حرّمت عليه النار وأدخلته الجنّة ، ولا أبغضه أحد من عبادي أو عدل عن ولايته إلاّ أبغضته وأدخلته النار (٣) .

ـــــــــــــــــ

(١) راجع البحار ٣٦ : ٤٠٨ ح١٧ عن كفاية الأثر .

(٢) في "ج" : جميعهم .

(٣) أمالي الصدوق : ١٨٤ ح١٠ مجلس ٣٩; عنه البحار ٣٨ : ٩٨ ح١٧ .

٢٩٧

 [في جوابهعليه‌السلام عن حبر اليهود]

يرفعه إلى الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : حدّثني أبي جعفر ، عن أبيه قال : حدّثني أبي قال : حدّثني أبي الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : بينما أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جلوس في مسجده بعد وفاته يتذاكرون فضل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ دخل علينا حبر من أحبار اليهود من أهل الشام ، قد قرأ التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم والأنبياء عليهم‌السلام ، وعرف دلائلهم ، فسلّم علينا وجلس ثمّ لبث هنيئة ثمّ قال : يا أُمّة محمد ، ما تركتم لنبيّ درجة ولا لمرسل فضيلة إلاّ وقد نحلتموها لنبيّكم ، فهل عندكم جواب إن أنا سألتكم ؟

فقال له أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : سل يا أخا اليهود ما أحببت فإنّي أجيبك عن كلّ ما تسأل بعون الله ومشيئته (١) ، فوالله ما أعطى الله عَزَّ وجَلَّ نبيّاً ولا مرسلاً درجة ولا فضيلة إلاّ وقد جمعها لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وزاده على الأنبياء والمرسلين أضعافاً مضاعفة ، ولقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا ذكر لنفسه فضيلة قال : ولا فخر ، وأنا ذاكر لك اليوم من فضله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير إزراء على أحد من الأنبياء ما يقرّ الله به أعين المؤمنين ، شكراً لله على ما أعطى محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ وزاده عليهم ] (٢) الآن .

فاعلم يا أخا اليهود أنه كان من فضله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ربّه تبارك وتعالى وشرفه ما أوجب المغفرة والعفو لمن خفض الصوت عنده ، فقال جلّ ثناؤه في كتابه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ

ـــــــــــــــــ

(١) في "ب" : ومَنِّه .

(٢) أثبتناه من "ج" .

٢٩٨

قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ) (١) .

ثمّ قرن طاعته بطاعته فقال : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ) (٢) ثمّ قرّبه من قلوب المؤمنين وحبّبه (٣) إليهم ، وكان يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حبّي خالط دماء أمتي ، فهم يؤثروني على الآباء والأمهات وعلى أنفسهم ، ولقد كان أقرب الناس وأرأفهم ، فقال تبارك وتعالى : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) (٤) ، وقال عَزَّ وجَلَّ : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (٥) .

والله لقد بلغ من فضله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الدنيا ومن فضله في الآخرة ما تقصر عنه الصفات ، ولكن أخبرك بما يحمله قلبك ولا يدفعه عقلك ، ولا تنكره بعلم إن كان عندك ، لقد بلغ من فضله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أهل النار يهتفون ويصرخون بأصواتهم ندماً أن لا يكونوا أجابوه في الدنيا ، فقال الله عَزَّ وجَلَّ : ( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ) (٦) .

والله ، لقد ذكره الله تبارك وتعالى مع الرسل ، فبدأ به وهو آخرهم لكرامته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال جلّ ثناؤه : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ) (٧) وقال : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (٨) والنبيّون قبله فبدأ به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخرهم .

ـــــــــــــــــ

(١) الحجرات : ٣ .

(٢) النساء : ٨٠ .

(٣) في "ألف" : أحبّه .

(٤) التوبة : ١٢٨ .

(٥) الأحزاب : ٦ .

(٦) الأحزاب : ٦٦ .

(٧) الأحزاب : ٧ .

(٨) النساء : ١٦٣ .

٢٩٩

والله لقد فضّله الله على جميع الأنبياء ، وفضّل أمته على جميع الأمم ، فقال عَزَّ وجَلَّ : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (١) .

فقال اليهودي : إنّ آدمعليه‌السلام أسجد الله عَزَّ وجَلَّ له ملائكته ، فهل فضل لمحمّد مثل ذلك ؟

فقال عليّ عليه‌السلام : قد كان ذلك ، ولئن أسجد الله لآدم ملائكته فإنّ ذلك لما أودع الله عَزَّ وجَلَّ صلبه من الأنوار والشرف إذ كان هو الوعاء ، ولم يكن سجودهم عبادة له وإنّما كان سجودهم طاعة لأمر الله وتكرمة وتحيّة ، مثل السلام من الإنسان على الإنسان ، واعترافاً لآدم عليه‌السلام بالفضيلة .

وقد أعطى الله محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من ذلك ، وهو أن الله عَزَّ وجَلَّ صلَّى عليه وأمر ملائكته أن يصلّوا عليه ، وتعبّد (٢) جميع خلقه بالصلاة عليه إلى يوم القيامة ، فقال جلّ ثناؤه : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٣) فلا يصلّي عليه أحد في حياته ولا بعد وفاته إلاّ صلَّى الله عليه بذلك عشراً ، وأعطاه من الحسنات عشراً بكلّ صلاة صلَّى عليه ، ولا أحد يصلّي عليه بعد وفاته إلاّ وهو يعلم ذلك ، ويرد على المصلّي والمسلّم مثل ذلك .

ثمّ إن الله عَزَّ وجَلَّ جعل دعاء أمته فيما يسألون ربّهم جلّ ثناؤه موقوفاً عن الإجابة حتّى يصلّوا فيه عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهذا أكبر وأعظم ممّا أعطى الله لآدم عليه‌السلام ، ولقد أنطق الله عَزَّ وجَلَّ صمّ الصخور والشجر بالسلام والتحيّة له ، وكنّا نمرّ معه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يمرّ بشعب ولا شجرة إلاّ قالت : السلام عليك يا رسول الله ، تحيّة له وإقراراً بنبوّته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــــــ

(١) آل عمران : ١١٠ .

(٢) في "ج" : أمر .

(٣) الأحزاب : ٥٦ .

٣٠٠