ارشاد القلوب الجزء ٢

ارشاد القلوب0%

ارشاد القلوب مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: كتب الأخلاق
ISBN: ( دورة ) 2 ـ 42 ـ 8073 ـ 964
الصفحات: 395

ارشاد القلوب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: ISBN: ( دورة ) 2 ـ 42 ـ 8073 ـ 964
الصفحات: 395
المشاهدات: 25477
تحميل: 8128


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 395 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25477 / تحميل: 8128
الحجم الحجم الحجم
ارشاد القلوب

ارشاد القلوب الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
ISBN: ( دورة ) 2 ـ 42 ـ 8073 ـ 964
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يوازي محلّه منّي محلّ الحسين عليه‌السلام ، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ثمّ افجعني به كما تفجع محمداً حبيبك ، وكان حمل يحيى ستة أشهر وكان الحسين عليه‌السلام كذلك ، وله قصة طويلة (١) .

مرفوعاً إلى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : يا عليّ شيعتك هم الفائزون يوم القيامة ، من أهان واحد منهم فقد أهانك ، ومن أهانك فقد أهانني ، ومن أهانني أدخله الله نار جهنّم خالداً فيها وبئس المصير .

يا عليّ ، أنت منّي وأنا منك ، روحك من روحي ، وطينتك من طينتي ، وشعيتك خلقوا من فضل طينتنا ، فمن أحبّهم فقد أحبّنا ، ومن أبغضهم فقد أبغضنا ، ومن عاداهم فقد عادانا ، ومن ردّهم فقد ردّنا يا عليّ ، إنّ شيعتك مغفور لهم على ما كان منهم من ذنوب وعيوب يا عليّ ، أنا الشفيع لشيعتك غداً إذا قمت المقام المحمود فبشّرهم بذلك يا عليّ ، سعد من تولاّك وشقي من عاداك يا عليّ ، لك كنز في الجنّة وأنت ذو قرنيها (٢) (٣) .

يرفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن الحسين بن عليّ عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فاطمة بهجة (٤) قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها أمناء ربّي ، وحبله

ـــــــــــــــــ

(١) كمال الدين : ٤٦١ ضمن حديث ٢١ ، عنه البحار ٥٢ : ٨٠ ح١ .

(٢) أمالي الصدوق : ٢٣ ح٨ مجلس ٤ ، عنه البحار ٦٨ : ٧ ح١ ، وانظر أيضاً بشارة المصطفى : ١٨ .

(٣) قال الشيخ الصدوق رحمه الله في معاني الأخبار ص٢٠٦ : وقد سمعت بعض المشايخ يذكر أن هذا الكنز هو ولده المحسنعليه‌السلام ، وهو السقط الذي ألقته فاطمةعليها‌السلام لما ضغطت بين البابين ، واحتجّ في ذلك بما روي في السقط من أنّه يكون محبنطأً على باب الجنّة ، فيقال له : اُدخل الجنّة ، فيقول : لا حتى يدخل أبواي قبلي وأمّا قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "وأنت ذو قرنيها" فإنّ قرني الجنّة الحسن والحسين لما روي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ الله عَزَّ وجَلَّ يزيّن بهما جنّته كما تزين المرأة بقرطيها وفي خبر آخر : يزين الله بهما عرشه ، وفي وجه آخر معنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "وأنت ذو قرنيها" أي إنّك صاحب قرني الدنيا وإنّك الحجّة على شرق الدنيا وغربها وصاحب الأمر فيها والنهي فيها .

٤ـ في "ألف" : مهجة .

٣٢١

الممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم بهم نجا ، ومن تخلّف عنهم هوى (١) .

وروى الشيخ المفيد رحمه الله عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه ذكر في خبر طويل من جملته قال : إن لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة قبل الحساب مقاماً يقوم فيه ، وهو المقام المحمود الذي ذكره الله عَزَّ وجَلَّ ، يقوم فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن أحد من قبله ، ثمّ تثني عليه الملائكة فلا يبقى ملك إلاّ أثنى على محمد وآل محمد .

ثمّ تثني عليهم الرسل ، ثمّ يثني عليهم كلّ مؤمن ومؤمنة ، يبدأ بالصدّيقين والشهداء والصالحين ، ثمّ تحمده أهل السماوات والأرض ، وذلك قوله تعالى : ( عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) (٢) فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظّ ونصيب ، وويل لمن لم يكن له فيه حظّ ولا نصيب (٣) .

يرفعه إلى أبي حمزة قال : قدم قتادة على أبي جعفر عليه‌السلام وحوله أهل خراسان وغيرهم يسألونه عن مناسك الحجّ وغيره فجلس قريباً منه ، فلمّا قضى أبو جعفر عليه‌السلام حوائج القوم وانصرفوا التفت إلى الرجل فقال له : من أنت؟ قال : أنا قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : فقيه أهل البصرة؟ قال : نعم .

قال : ويحك يا قتادة إن الله تعالى خلق خلقاً من خلقه فجعلهم حججاً على عباده ، أوتاداً في أرضه ، قواماً بأمره ، نجباء في علمه ، اصطفاهم قبل خلقه أظلّة عن يمين عرشه ، قال : فسكت قتادة طويلاً ثمّ قال : أصلحك الله ، والله لقد جلست بين يدي العلماء والفقهاء وبين يدي ابن عباس ، فما اضطرب قلبي قدام أحد منهم

ـــــــــــــــــ

(١) فضائل ابن شاذان : ١٤٦ ، ومائة منقبة : ١٠٠ ح٤٤ ، عنهما البحار ٢٣ : ١٤٢ ح٩٥ .

(٢) الإسراء : ٧٩ .

(٣) انظر التوحيد للصدوق : ٢٦١ ح٥ باب ٣٦ ، عنه البحار ٧ : ١١٩ ح٥٥ ، وانظر الاحتجاج ١ : ٥٦٧ ح١٣٦ ، ولم نعثر عليه في كتب الشيخ المفيد رحمه الله .

٣٢٢

اضطرابه قدامك .

فقال أبو جعفر : ويحك أتدري بين يدي من أنت ، أنت بين يدي ( بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ * رِجالٌ لا تُلْهيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإيتاءِ الزَّكاةِ ) ، فأنت ثمّ ونحن أولئك ، قال قتادة : صدقت والله جعلني الله فداك يابن رسول الله ، ما هي بيوت حجارة ولا بيوت طين (١) .

مرفوعاً إلى الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحبّ أن يركب سفينة النجاة ، ويتمسّك بالعروة الوثقى ، ويعتصم بحبل الله المتين فليتوال علياً من بعدي ولياً ، وليعادي عدوّه ، ثمّ يتوال (٢) الأئمة الهداة من ولده ، فإنّهم خلفائي ، وأوصيائي ، وحجج الله على الخلق بعدي ، وسادة أُمتي ، وقادة الأتقياء إلى الجنّة ، حزبهم حزبي وحزبي حزب الله ، وحزب أعدائهم حزب الشيطان (٣) .

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن الله عَزَّ وجَلَّ يقول : يا عبادي أوليس من كان له إليكم حاجة من كبار الحوائج لا تجودون (٤) بها إلاّ إذا تحمل عليكم بأحبّ الخلق إليكم تقضونها كرامة لشفيعهم ، ألا فاعلموا أن أكرم الخلق عليّ ، وأحبّهم إليّ ، وأفضلهم لديّ محمد وأخوه عليّ من بعده والأئمة الذين هم الوسائل ، ألا فليدعني من أهمّته حاجة يريد نفعها ، أو دهمته داهية يريد كشف ضرّها (٥) بمحمد وآله الطاهرين أقضها أحسن ما

ـــــــــــــــــ

(١) الكافي ٦ : ٢٥٦ ح١ ، عنه البحار ٤٦ : ٣٥٧ ح١١ .

(٢) في "ج" : ثمّ ليأتمّ بالأئمة .

(٣) أمالي الصدوق : ٢٦ ح٥ مجلس ٥ ، عنه البحار ٣٨ : ٩٢ ح٥ .

(٤) في "ج" : لا تجدون .

(٥) في "الف" : ضررها .

٣٢٣

يقضيها من يتشفّعون إليه بأحبّ الخلق إليه .

فقال له قوم من المنافقين والمشركين ـ وهم يستهزؤون : يا أبا عبد الله ، ما لك لا تقترح (١) على الله وتتوسّل بهم أن يجعلك أغنى أهل المدينة؟ فقال لهم سلمان رضي الله عنه : قد دعوت الله وسألته بهم ما هو أجل وأنفع وأعظم وأفضل من الدنيا بأسرها ، سألته بهم صلَّى الله عليهم أن يهب لي لساناً بحمده وثنائه ذاكراً ، وقلباً لآلائه شاكراً ، وبدناً على الدواهي الداهية لي صابراً ، وهو عَزَّ وجَلَّ قد أجابني إلى ملتمسي من ذلك ، وهو أفضل من ملك الدنيا بحذافيرها ، وما يشتمل عليه من خيراتها بمئة ألف ألف مرّة (٢) .

وعن الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام أنّه قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام : أنّ أبا ذر الغفاري جاء ذات يوم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وكان من خيار أصحابه ـ فقال : يا رسول الله ، إن لي غنيمات قدر ستين شاة أكره أن أبدو فيها وأفارق حضرتك وخدمتك ، وأكره أن أكلها إلى راعٍ فيظلمها ويسيء إليها في رعايتها ، فكيف أصنع؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ابد فيها ، فبدا فيها ، فلمّا كان اليوم السابع جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أبا ذر فقال : لبّيك يا رسول الله ، فقال : ما فعلت غنمك؟ فقال : يا رسول الله ، إنّ لها قصّة عجيبة ، فقال : وما هي؟ فقال : يا رسول الله ، بينا أنا في صلاتي إذا عدا على غنمي الذئب ، فقلت في قلبي : يا ربّ صلاتي يا ربّ غنمي ، فأخطر الشيطان على بالي : يا أبا ذر ، أين أنت إن عدت الذئاب على غنمك وأنت تصلّي ، فأهلكتها جميعاً ، وما يبقى لك في الدنيا ما تعيش به .

ـــــــــــــــــ

(١) في "الف" : تقرح .

(٢) راجع البحار ٢٢ : ٣٦٩ ح٩ عن تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام .

٣٢٤

فقلت للشيطان : يبقى لي توحيد الله والإيمان بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وموالاة أخيه سيد الخلق بعده عليّ بن أبي طالب ، وموالاة الأئمة الطاهرين من ولده عليهم‌السلام ، ومعاداة أعدائهم وكلّ ما فات من الدنيا بعد ذلك باطل ، وأقبلت على صلاتي ، فجاء الذئب فأخذ حملاً وذهب ، وأنا أحس به إذ أقبل على الذئب أسد فقطعه نصفين واستخلص الحمل وردّه إلى القطيع ، ثمّ نادى : يا أبا ذر ، أقبل على صلاتك فإنّ الله سبحانه قد وكّلني بغنمك إلى أن تصلّي .

فأقبلت على صلاتي وقد غشيني من العجب ما لا يعلمه إلاّ الله ، فجاءني الأسد وقال لي : امض إلى محمد واقرأه عنّي السلام ، وأخبره أن الله قد أكرم صاحبك الحافظ لشريعتك ، ووكّل أسداً بغنمه يحفظها ، فسرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعجب من كان حوله لما سمعوا ذلك (١) .

مرفوعاً إلى سماعة قال : قال لي أبو الحسن عليه‌السلام : إذا كان يا سماعة لك حاجة إلى الله فقل : "اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ محمد وعلي (٢) فإنّ لهما عندك شأناً من الشأن ، وقدراً من القدر ، فبحقّ ذلك الشأن وبحقّ ذلك القدر أن تصلّي على محمد وآل محمد ، وأن تفعل بي كذا وكذا" فإنّه إذا كان يوم القيامة لم يبق ملك مقرّب ، ولا نبي مرسل ، ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان إلاّ وهو محتاج إليهما في ذلك اليوم (٣) .

مرفوعاً إلى الحسن بن عليّ العسكري قال : إنّ الله تعالى قال : يا عبادي ، اعملوا أفضل الطاعات وأعظمها لأسامحكم إن قصّرتم فيما سواها ، واتركوا أعظم المعاصي وأقبحها لئلاّ أناقشكم في ركوب ما عداها ، إنّ أعظم الطاعات توحيدي وتصديق نبيّي ، والتسليم لمن ينصبه بعده ، وهو عليّ بن أبي طالب والأئمة الطاهرين من نسله ، وإن أعظم المعاصي عندي الكفر بي وبنبيّي ، ومنابذة وليّ محمد بعده عليّ

ـــــــــــــــــ

(١) راجع البحار ٢٢ : ٣٩٣ ح١ ، عن تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ٧٣ ح٣٧ .

(٢) زاد في "ب" : وفاطمة .

(٣) دعوات الراوندي : ٥١ ح١٢٧ ، عنه البحار ٨ : ٥٩ ح٨١ .

٣٢٥

بن أبي طالب وأوليائه من بعده .

وإن أردتم أن تكونوا عندي في المنظر الأعلى والشرف الأشرف ، فلا يكون أحد من عبادي آثر عندكم من محمد وبعده من أخيه عليّ ، وبعدهما أبناؤهما (١) القائمين بأمر عبادي بعدهما ، فإنّ من كان ذلك عقيدته جعلته من أشرف ملوك جناني .

واعلموا أن من أبغض عبادي من الخلق إليّ من تمثّل بي وادّعى ربوبيّتي ، وأبغضهم إليّ بعده من تمثّل بمحمّد ونازعه في محلّه وشرفه وادّعاهما ، وأبغض الخلق لهؤلاء المدّعون لما هم (٢) به لسخطي متعرّضون ، ومن كان لهم على ذلك من المعاونين ، وأبغض الخلق إليّ بعد هؤلاء مَنْ كان مِن الراضين وإن لم يكن لهم من المعاونين .

كذلك أحبّ الخلق إليّ القوّامون بحقّي ، وأفضلهم لديّ وأكرمهم عليّ سيّد الورى ، وأكرمهم وأفضلهم بعده عليّ أخو المصطفى المرتضى ، ثمّ من بعده القوّامون بالقسط من أئمة الحق ، وأفضل الناس بعدهم من أعانهم على حقّهم ، وأحبّ الخلق إليّ بعدهم من أحبّهم وأبغض أعداءهم وإن لم يمكنه معرفتهم (٣) .

ثمّ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : إن رجلاً قال للصادق عليه‌السلام : يا ابن رسول الله ، إنّي عاجز ببدني عن نصرتكم ولم أملك إلاّ البراءة من أعدائكم واللعن عليهم ، فكيف حالي؟ فقال له الصادق عليه‌السلام : حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من ضعف عن نصرتنا أهل البيت فلعن في صلاته أعداءنابلغ الله صوته جميع الأملاك من الثرى إلى العرش ، وكلّما لعن هذا الرجل أعداءنا

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" :ابناهما .

(٢) في البحار : وأبغض الخلق إليّ بعد هؤلاء المدّعين لما هم به .

(٣) إلى هنا البحار ٢٧ : ٩٦ ح٥٩ ، عن تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ٤٢ ح١٩ .

٣٢٦

ساعدوه فلعنوا من يلعنه ، ثمّ ثنّوا (١) وقالوا : اللّهمّ صلّ على عبدك هذا بَذَلَ ما في وسعه ، ولو قدر على أكثر منه لفعل ، فإذا النداء من قبل الله عَزَّ وجَلَّ : قد أجبت دعاءكم وسمعت نداءكم ، وصلّيت على روحه في الأرواح ، وجعلته عندي من المصطفين الأخيار (٢) .

وجميع هذه الأخبار تدلّ على أن آل محمد هم أشرف خلق الله تعالى ، وهم الوسائل إليه لا يقبل الله عملاً إلاّ بولايتهم والبراءة من أعدائهم ، حتّى الملائكة والأنبياء والرسل لا شرف للجميع إلاّ بهم ، وأن فضلهم عليهم‌السلام لا يحصى ، كما ورد عنهم عليهم‌السلام : انفوا عنّا الربوبيّة وقولوا ما شئتم ، ولا سيّما أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه فإنّ فضائله لا تحصيها البشر ، فلنقتصر على هذا القدر .

من رام أن يحصي فضائلكم

رام المحال وحاول التلفا

إنّي وفضل الله ليس له

عدّ وأنتم فضله وكفى

وقد ذكرنا في الكتاب ما يتضمّن حصول الفضائل له قبل وجوده وولادته ، فلنذكر أيضاً بعض ما له من الفضائل بعد مضيّه وحياته ، ونختم الكتاب بذكر شيء من صفات أعدائه بعد إيراد هذين الحديثين .

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : أثنوا .

(٢) تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ٤٧ ح٢١ ، عنه البحار ٢٧ : ٢٢٢ ح١١ .

٣٢٧

 [ باب : الفضائل الثابتة لهعليه‌السلام بعد مضيّه ووفاته ]

منقول من كتاب الأربعين للشيخ القدوة ، أخطب الخطباء ، موفق الدين بن أحمد المكي ، بالإسناد عن سليمان بن مهران الأعمش رحمه الله قال : بينا أنا ذات ليلة إذ أيقظني صياح الحرس وصك الباب عليّ ، فقمت مرعوباً وناديت الغلام : ما هذا؟ فقال : رسل أبي جعفر المنصور ، فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون وفتحت الباب ، فقال الرسول : أجب أمير المؤمنين .

فدخلت لألبس ثيابي وقلت في نفسي : ما بعث إليّ هذا الظالم في هذا الوقت إلاّ ويسألني (١) عن شيء من فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، إن قلت ما عندي من الحق قتلني لا محالة ، وإن ملت إلى هواه تبوّأت جهنّم ، فأيست من الحياة والحرس يستحثّوني ، فلبست تحت ثيابي كفناً محنّطاً كنت قد أعددته لوفاتي ، ثمّ ودّعت أهلي وأطفالي ، وخرجت معهم ولم أعقل شيئاً حتّى أدخلت عليه ، فسلّمت سلام خائف ذاهل اللب .

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : ليسألني .

٣٢٨

فأومأ إليّ بالجلوس فلم أجلس رعباً ، ونظرت فإذا عمرو بن عبيدة عنده ، فرجع إليّ ذهني حين رأيته ثمّ سلّمت ثانياً ثمّ جلست ، فعلم إنّي رعبت (١) منه فقال لي : اُدن منّي ، فقمت ودنوت منه ، فشمّ منّي رائحة الحنوط فقال : ويلك يا ابن مهران لتصدّقني أمرك وإلاّ أمرت بك (٢) ، فقلت : سل والله لا أكذبك .

فقال : ويحك ما هذا الحنوط ، وما حدّثتك به نفسك حتّى فعلت هذا ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين الصدق أنجا ، وأخبرته بجميع ما خطر ببالي ، وما حدّثت نفسي به حتّى لبست كفني ، وودعت قومي وصيّتي (٣) ، فلمّا سمع كلامي وثبت في نفسه صدقي قال : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم ، فلمّا سمعت حوقلته سكن روعي ، وذهب بعض ما بي لما أعرف من سطوته .

ثمّ قال : يا سليمان أخبرني كم تروي حديثاً في فضائل عليّ عليه‌السلام ، قلت : عشرة آلاف حديث ، فقال : والله لأُحدّثنّك بحديثين في فضل عليّ عليه‌السلام ، إن يكونا ممّا سمعت ورويت فعرّفني وإلاّ فاروهما عنّي ، قلت : نعم يا أمير المؤمنين .

قال : إنّي أيّام كنت هارباً من بني مروان لا تسعني منهم بلد ، ولا تحويني دار ولا ينالني قرار ، كلّما دخلت بلداً خالطت (٤) أهل ذلك البلد فيما يحبّون لأنال من نفعهم بما يطعموني ويزوّدوني إذا خرجت إلى بلد آخر ، حتّى قدمت بلاد الشام متنكراً وعليّ كساء لا يواريني غيره ، فبينا أنا أدور إذ سمعت الأذان في المسجد ، فدخلت ذلك المسجد وركعت ركعتين ، وأقيمت (٥) الصلاة فصلّيت معهم العصر ،

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : انّ بي رعباً منه .

(٢) في "ب" : بقتلك .

(٣) في "ج" : ودّعت عيالي وأطفالي ووصّيت .

(٤) في "ألف" و "ب" : خالفت .

(٥) في "ألف" و "ب" : أقمتُ .

٣٢٩

وفي نفسي إذا قضيت الصلاة أسأل من القوم عشاء ليلتي تلك .

ولمّا سلّم الإمام وجلس إذا هو شيخ ذو وقار ونعمة ظاهرة ، فأقبل إليه صبيّان وضيئان ذوا جمال وبهجة فسلّما ، فقال الشيخ : مرحباً بكما ومن سمّيتما باسمهما ، وكان إلى جانبي فتى فقلت له : ما هذان الصبيّان مِنْ هذا الشيخ ؟ فقال : هو جدّهما ، وليس في هذه البلدة رجل يحبّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام غيره ، وإنّه من حبِّهِ عليّاً سمّى سبطيه بالحسن والحسين عليهما‌السلام .

فقلت في نفسي : الله أكبر ، وقمت فرحاً مسروراً ودنوت منه وقلت : أيّها الشيخ هل لك أن أحدثك بحديث تقرّ به عينك ؟ قال : نعم ، فقلت : أخبرني والدي عن أبيه عن جدّه قال : كنّا جلوساً عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أتت فضّة جارية فاطمة عليها‌السلام فقالت ـ وهي باكية العين : إن الحسن والحسين خرجا من عند سيّدتي فاطمة آنفاً وما تدري أين ذهبا وهي باكية [حزينة] (١) .

فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ساعته حتّى دخل منزل فاطمة فوجدها باكية حزينة ، فقال : لا تبكي يا فاطمة ولا تحزني فوالذي نفسي بيده إن الله هو ألطف بهما منك وأرحم ، ورفع يده إلى السماء وقال : اللّهمّ إنّهما ولداي وقرّتا عيني وثمرة فؤادي ، وأنت أرحم بهما وأعلم بموضعهما ، يا لطيف بلطفك الخفي احفظهما لي ، وسلّمهما أين كانا من الأرض .

فما استتمّ كلامه ودعاءه حتّى هبط الأمين جبرئيل عليه‌السلام وقال : يا محمد ، لا تحزن ولا تغتمّ فإنّ ولديك وجيهان عند الله في الدنيا والآخرة وأبوهما خير منهما ، وهما الآن نائمان في حظيرة بني النجار ، وقد وكّل الله عَزَّ وجَلَّ بهما ملكاً يحفظهما .

فلمّا سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك مضى ومن حضر معه حتّى انتهى

ـــــــــــــــــ

(١) أثبتناه من "ب" .

٣٣٠

إليهما ، فوجدهما نائمان وهما متعانقان ، والملك الموكّل بهما قد وضع أحد جناحيه وطاءً لهما (١) والآخر قد جلّلهما به وقاية من حرّ الشمس ، فهوى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهما يقبّلهما واحداً واحداً ويمسح بيده عليهما حتّى استيقضا .

فحمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسن وحمل جبرئيل عليه‌السلام الحسين حتّى خرجنا من الحظيرة وهو يقول : والله لأشرفكما اليوم كما شرّفكما الله من لدنه ، وكان جبرئيل يتمثّل بدحية الكلبي دائماً ، فصادفهما أبو بكر فقال : يا رسول الله ناولني أحد الصبيّين اُخفّف عنك أو عن صاحبك ، فقال : دعهما فنعم الحاملان ونعم الراكبان وأبوهما خير منهما .

ومضيا بهما حتّى دخلا المسجد ثمّ أقبل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بلال فقال : هلمّ عليّ بالناس فنادِ فيهم واجمعهم ، ثمّ قام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قدميه خطيباً ، فخطب الناس خطبة أبلغ فيها بحمد الله عَزَّ وجَلَّ والثناء عليه بما هو مستحقّه ، ثمّ قال : معاشر المسلمين هل أدلّكم على خير الناس جدّاً وجدّه ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الحسن والحسين ، جدّهما رسول الله ، وجدّتهما خديجة سيّدة نساء أهل الجنّة ، وأوّل من سارعت إلى الإيمان بالله تعالى ، والتصديق بما أنزل الله على نبيّه .

ثمّ قال : ألا أدلّكم على خير الناس أباً وأُماً؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الحسن والحسين أبوهما (٢) أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، وأمهما فاطمة بضعة رسول الله التي شرّفها الله عَزَّ وجَلَّ في سمائه وأرضه ، يرضى الله برضاها ويغضب لغضبها ، ثمّ قال : ألا أدلّكم على خير الناس خالاً وخالة؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الحسن والحسين ، خالهما القاسم بن رسول الله ، وخالتهما زينب بنت رسول الله .

ثمّ قال : ألا أدلّكم على خير الناس عمّاً وعمّة؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال :

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : وظلّلهما .

(٢) زاد في "ج" : أبوهما إمام المتّقين ، ومن افترض الله طاعته على الخلائق أجمعين .

٣٣١

الحسن والحسين ، عمّهما جعفر الطيّار ذو الجناحين يطير مع الملائكة في الجنّة حيث يشاء ، وعمّتهما أم هاني بنت أبي طالب المقبولة الإيمان ، ثمّ قال : اللّهمّ إنّك تعلم أن الحسن والحسين في الجنّة ، وجدّهما وجدّتهما في الجنّة ، وأبوهما في الجنّة ، وأمهما في الجنّة ، وخالهما في الجنّة ، وخالتهما في الجنّة ، وعمّهما في الجنّة ، وعمّتهما في الجنّة ، ومن يحبّهما في الجنّة ، ومن يبغضهما في النار .

قال : فتهلّل وجه الشيخ وقال : أنشدك الله تعالى من أنت؟ قلت : رجل من أهل الكوفة ، فقال : عربي أم مولى ، قلت : بل عربي شريف ، قال : تحدّث بمثل هذا الحديث وتكون في مثل هذا الكساء الرث ، قلت : نعم ، أنا هارب من بني مروان على هذه الحالة ولو غيّرتها ربّما عُرفت ، فلا آمن على نفسي منهم القتل ، فقال : لا خوف عليك إن شاء الله ، وكساني خلعتين (١) وحملني على بغلته إلى منزله وقال : أقرّ الله عينك كما قررت عيني بروايتك ، ولأرشدك إلى فتى يقرّ الله به عينك .

ثمّ بعث معي رجلاً بعد أن [أكرمني و] (٢) أكرم ضيافتي ، فأتى بي ذلك الرجل إلى باب دار وقرع الباب واستأذن لي ، فخرج الخادم إليّ وأدخلني الدار ، وإذا بفتى جالس على سرير منجّد (٣) ، فسلّمت فأحسن الردّ وأخذ بيدي وأجلسني قريباً منه ، وكان صبيح الوجه حسن الخلقة ، فقال ـ وقد نظر إلى ملبوسي : قد عرفت هذه الكسوة والخلعة والبغلة ، وما كان أبو محمد ليكسوك خلعته ويحملك على مركوبه إلاّ بأنّك من محبّي أهل بيت رسول الله وعترته ، وأحب رحمك الله أن تحدّثني بشيء من فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام .

قلت : نعم ، حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : دخلت يوماً إلى فاطمة فقامت إليّ والحسن على كتفها وهي تكفكف عبرتها ،

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : حلّتين .

(٢) أثبتناه من "ج" .

(٣) المنجّد : المزيّن (أقرب الموارد)

٣٣٢

فقلت : ما يبكيك لا أبكى الله عينك ، قالت : يا أبه سمعت إن نساء قريش قد عيّرتني في المحافل فقلن : زوجها معدوماً لا مال له .

فقال لها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لتقرّ عينك يا فاطمة ، والله ما أنا زوّجتك ولكنّ الله عَزَّ وجَلَّ زوّجك من فوق سبع سماوات ، وأشهد جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، وإنّ الله سبحانه اطلع إلى الأرض إطلاعة فاختار من الخلائق أباك لرسالته ، ثمّ اطلع ثانية فاختار علياً لولايته وزوّجك إيّاه فاتّخذته وصيّاً ، فعليّ منّي وأنا منه .

ألا وأنّ علياً أوفر الناس علماً ، وأعظمهم حلماً ، وأقدمهم سلماً ، والحسن والحسين ولداه سيّدا شباب أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين ، وسمّاهما الله تعالى في التوراة على لسان موسى عليه‌السلام شبّراً وشبيراً يا فاطمة ، أبشري فإنّي إذا دُعيت غداً إلى ربّ العالمين فعليّ معي ، وإذا جئت (١) فمعي عليّ ، وهو صاحب لواء الحمد في موقفي يا فاطمة ، إنّ علياً وشيعته الفائزون يوم القيامة بالجنّة يوم لا ينفع مال ولا بنون .

قال : فلمّا سمع الفتى حديثي بدت عليه البهجة وتلألأ وجهه مسرّة وقال : أنشدتك الله من تكون؟ قلت : رجل من أهل الكوفة ، فلم يزد على ذلك ، ثمّ أمر لي بثلاثين ثوباً مع عشرة آلاف درهم ، ثمّ قال : أقرّ الله عينك بما بشّرتنا ، ثمّ قال : ولي إليك حاجة ، قلت : قضيت إن شاء الله ، قال : إذا كان السحر (٢) فآت مسجد فلان لكي ترى أخي الشقي .

قال : فوالله ما بتّ ليلتي من الحرص لأن أرى أخاه ، فلمّا كان الصبح أتيت ذلك المسجد للصلاة ، فقمت في الصف الأوّل ، فلمّا قضيت أداء الفرض نظرت وإلى جانبي (٣) شاب معتم بعمامة كبيرة وقد أهوى للسجود عجلاً ، فسرحت العمامة عن

ـــــــــــــــــ

(١) في "ب" : وإذا أجبت .

(٢) في "ج" : الفجر .

(٣) في "ج" : وإذا بجانبي .

٣٣٣

نصف رأسه وهو على هيئة رأس خنزير ، وبان صفحة وجهه وجه خنزير .

فدهشت ممّا عاينت حتّى لم أعقل في يقظة أنا أم في نوم ، وإنّ الرجل ابتدرها عجلاً فردّها على رأسه ولاحت منه التفاتة نحوي ، فاستبان منّي أني قد عاينته ، فقلت له : يا فتى ، ما هذا الذي لمحت منك؟ فأخذ بيدي وقال : أظنّك غريباً فصر معي إلى منزلي لأضيّفك وأخبرك ، وأتى بي إلى منزله وإلى جانب داره دكان خراباً ، فأومأ إليه وقال : رأيته؟ قلت : نعم .

فأدخلني الدار وجلسنا واستدعى بمأكول فأكلت ، ثمّ قلت : هل تخبرني؟ فصعد نفساً طويلاً وبكى حتّى كادت نفسه تزهق ، ثمّ قال : اعلم إني كنت أؤذِّن في المسجد على أهل هذا الدكان وأؤم في المسجد ، وكنت أشتم عليّاً عليه‌السلام عقيب كلّ أذان مئة مرّة حتّى إذا كان يوم الجمعة أذّنت وأقمت [الصلاة] (١) ولعنت بينهما ألف مرّة ، ولمّا خرجت من المسجد أتيت هذا الدكان الذي أريتك ، فجلست على طرفه متّكئاً على جانب الحائط إذ أخذتني رقدة ، فرأيت في منامي كأنّما قد فتح باب من الجنّة مقابل هذا الدكان ، فبان لي منه قبة خضراء مكلّلة بالاستبرق والديباج .

وكان النبي وعلياً والحسن والحسين عليهم‌السلام قد أقبلوا فدخلوها ، وجبرئيل عن يمين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده إبريق فضّة بيضاء يشرق نوره ، وعن يساره عليّ عليه‌السلام بيده كأس يتلألأ نوراً ، وكأنّما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للحسين : خذ الكأس واسق أباك ، فسقاه ثمّ سقى النبي ومن معه ، وكأنّما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسين : اسق هذا الذي على هذا الدكان ، فدمعت عينه وقال : يا جدّاه أتأمرني أن أسقي من يلعن أبي عقيب كلّ أذان مئة مرّة في كلّ يوم ، وفي هذا يوم الجمعة قد لعنه ألف مرّة .

ـــــــــــــــــ

(١) أثبتناه من "ب" .

٣٣٤

فإذا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول بأعلى صوته : ما لك عليك لعنة الله ـ قالها ثلاثاً ـ ويلك أتشتم علياً وهو منّي وأنا منه ـ قالها ثلاثاً ـ ما لك عليك غضب الله ـ قالها ثلاثاً ـ ويلك أتسبّ علياً وعليّ منّي ، ثمّ تفل في الهواء نحوي وقال : بدّل الله خلقك ، وسوّد وجهك ، وجعلك عبرة لغيرك ، قال : والله قد أحسست برأسي وكأنّه انفطر ، فانزعجت مرعوباً فإذا رأسي ووجهي على ما رأيت .

ثمّ قال المنصور : يا ابن مهران ، إن هذين الحديثين رويتهما على ما ترى ؟! (١) فقلت : لا والله يا أمير المؤمنين ، فقال : هذا من ذخائر الأحاديث ونوادره ، ثمّ قال : حبّ عليّ إيمان وبغضه نفاق ، فقلت : الأمان يا أمير المؤمنين ، فقال : لك الأمان ، قلت : ما تقول في قاتل الحسين عليه‌السلام ؟ قال : في النار أخزاه الله ، فقلت : وكذلك من قتل من ولدهم أحداً ، قال : فحرّك رأسه قليلاً ثمّ قال : ويحك يا سليمان الملك عقيم ـ قالها ثلاثاً تمّ الحديثان والحمد لله المنّان (٢) .

وأمّا الفضائل الثابتة بعد مضيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكثيرة يطول بذكرها الكتاب ، فلنذكر منها شيئاً يسيراً .

روي : أن الشاعر الببغا وفد على بعض الملوك ، وكان يفد عليه في كلّ سنة فوجده في الصيد ، فكتب وزير الملك يخبره بقدومه ، فأمره أن يسكنه في بعض دوره ، وكان على باب تلك الدار غرفة كان الببغا يبيت ليله فيها ولها مطلع إلى الدرب ، وكان على الحارس أن يخرج كلّ ليلة بعد نصف الليل فيصيح بأعلى صوته : يا غافلين اذكروا الله ، على باغض معاوية لعنة الله .

وكان الببغا الشاعر ينزعج لصوته ، فاتّفق في بعض الليالي أن الشاعر رأى في منامه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد جاء هو وعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام إلى

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : فيما تروي .

(٢) راجع مناقب الخوارزمي : ٢٨٤ ، ومناقب ابن المغازلي : ١٤٣ ، وفضائل ابن شاذان : ١١٦ ، وانظر أيضاً أمالي الصدوق : ٣٥٣ ح١ مجلس ٦٧ ، عنه البحار ٣٧ : ٨٨ ح٥٥ ، ولم نعثر على كتاب أربعين الخوارزمي .

٣٣٥

ذلك الدرب ، فوجدا الحارس ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [لعليّ بن أبي طالب] (١) : اصفعه بيدك فإنّه يسبّك ، فضربه أمير المؤمنين عليه‌السلام بين كتفيه ، وانتبه الشاعر منزعجاً من المنام .

ثمّ انتظر الصوت الذي كان يسمعه من الحارس كلّ ليلة فلم يسمعه فعجب من ذلك ، ثمّ سمع صياحاً ورأى رجالاً قد أقبلوا إلى دار الحارس ، فسألهم الخبر فقالوا : إن الحارس قد حصل له بين كتفيه ضربة بقدر الكف وهي تتشقّق وتمنعه القرار ، فلم يكن وقت الصباح حتّى مات وشاهده بذلك الحال أربعون نفساً (٢) .

وروي أيضاً : أنّه كان لأبي دلف ولد ، فتحادث أصحابه في حبّ عليّ عليه‌السلام وبغضه ، فروى بعضهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : يا عليّ ، ما يحبّك إلاّ مؤمن تقيّ ، ولا يبغضك إلاّ كافر منافق شقي ولد زنية أو حيضة .

فقال ولد أبي دلف : ما تقولون في الأمير هل يؤتى في أهله ؟ فقالوا : لا ، فقال : أنا أبغض عليّاً وليس كما روى هذا الرجل ، فخرج أبوه وهم في التشاجر فقال : ما تقولون ؟ فقالوا : كذا ، وحكوا كلام ولده ، فقال : والله إن هذا الخبر حق ، وإنّه لولد زنية وحيضة معاً ، إنّي كنت مريضاً في دار أخي فتماثلت ودخلت عليّ جاريته لقضاء حاجة ، فدعتني نفسي إليها ، فأبت وقالت : إني حائض ، فكابرتها على نفسها ووطأتها ، فحملت بهذا الذي يبغض علياً فهو لزنية وحيضة (٣) .

وروي أيضاً : أنّه كان ببلد الموصل شخص يقال له حمدان بن حمدون العدوي ، وكان شديد العناد كثير البغض لمولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأراد بعض أعيان أهل الموصل الحج ، فجاء إليه يودّعه وقال : إني قد عزمت على

ـــــــــــــــــ

(١) أثبتناه من "ج" .

(٢) راجع كشف اليقين : ٤٧٨ ، عنه البحار ٤٢ : ٩ ح١٢ .

(٣) كشف اليقين : ٤٨٢ ، عنه البحار ٣٩ : ٢٨٧ ح٨٠ .

٣٣٦

الخروج إلى الحجّ ، فإن كان لك حاجة هناك فعرفني حتّى أقضيها (١) ، فقال : إنّ لي حاجة مهمّة وهي عليك سهلة ، فقال له : مرني حتّى أفعلها .

قال : إذا وردت المدينة وزرت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخاطبه عنّي وقل له : يا رسول الله ، ماذا أعجبك من عليّ بن أبي طالب حتّى زوّجته ابنتك ؟ عظم بطنه ، أم دقة ساقيه ، أم صلعة رأسه ؟! وحلّفه وعزم عليه أن يبلغ هذا الكلام .

فلمّا بلغ الرجل المدينة وقضى أمره نسى تلك الوصيّة ، فرأى أمير المؤمنين عليه‌السلام في منامه وهو يقول : لِمَ لا تبلّغ وصيّة فلان ؟ فانتبه ومضى لوقته إلى القبر المقدّس ، وخاطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما أوصاه ذلك الرجل ، ثمّ نام فرأى أمير المؤمنين عليه‌السلام قد أخذه ومشى هو وإيّاه إلى منزل ذلك الرجل ، وفتح الأبواب وأخذ مدية (٢) فذبحه أمير المؤمنين عليه‌السلام بها ، ثمّ مسح المدية بملحفة كانت عليه ، ثمّ جاء إلى سقف باب الدار فرفعه بيده ووضع المدية تحته وخرج .

فانتبه الحاج منزعجاً من ذلك وكتب صورة المنام هو وأصحابه ، وانتهى الخبر إلى سلطان الموصل في تلك الليلة ، فأخذ الجيران والمشتبهين ورماهم في السجن ، واستعجب (٣) أهل الموصل من قتله حيث لم يجدوا نقباً ، ولا أثر تسلّق على حائط ، ولا باباً مفتوحاً .

وبقي السلطان متحيّراً في أمره ما يدري ماذا يصنع في قضيّته ، ولم يزل الجيران وغيرهم في السجن حتّى ورد الحاج من مكة ، فلقى الجيران في السجن فسأل عن سبب ذلك ، فقيل له : إن في الليلة الفلانية وجد فلان في داره مذبوحاً ولم نعرف قاتله ، فكبّر هو وأصحابه وقال لأصحابه : اخرجوا صورة المنام المكتوبة

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : حتّى نجيبها لك .

(٢) المدية : الشفرة (القاموس)

(٣) في "ج" : تعجب .

٣٣٧

عندكم ، فأخرجوها فوجدوا ليلة المنام هي ليلة القتل .

ثمّ مضى هو وأصحابه إلى دار المقتول ، وأمرهم بإخراج الملحفة ، وأخبرهم بالدم الذي كان فيها ، فوجدوها كما قال ، ثمّ أمر برفع المردم (١) فرفع فوجدوا السكين تحته فعرفوا صدق منامه ، وأُفرج عن المسجونين (٢) ورجع أهل المقتول وكثير من أهل البلد إلى الإيمان ، وكان ذلك من لطف الله سبحانه وتعالى في حقّهم (٣) ، وهذه القصة مشهورة وهي من الغرائب ، فماذا تقول في فضل هذا الرجل وعظم شأنه ، وارتفاع منزلته ، وعلوّ مكانه تمّ الخبر .

 [في فضائل مشهده الشريفعليه‌السلام ]

ومن فضائله ما خصّ الله تعالى مشهده الشريف ، وحرمه المقدّس من الفضل والمزيّة التي ليست لمكان آخر من الأمكنة الشريفة ، وما جاء في فضل زيارتهعليه‌السلام .

الأوّل : في ذكر قبره ، وكيفية دفنهعليه‌السلام ، وما يتعلّق بذلك .

اعلم إن عمره عليه‌السلام المبارك كان ثلاثاً وستّين سنة ، وقبض بالكوفة ليلة الجمعة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلاً بالسيف ، قتله ابن ملجم المرادي لعنه الله في مسجد الكوفة وهو في الصلاة ، وحمل إلى الغري ودفن حيث الآن قبره ، والغري يقال بالإفراد للتخفيف ، والمسموع الغريّان ، قال الجوهري : بناءان طويلان (٤) .

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : السقف .

(٢) في "ج" : فأخرج المحبوسين .

(٣) كشف اليقين : ٤٨٠ ، عنه البحار ٤٢ : ١٠ ح١٢ .

(٤) الصحاح ٤ : ٢٤٤٥ / غرا .

٣٣٨

وأمّا كيفية دفنه ، فهو لمّا قبض عليه‌السلام وغسل وكفن ، أُخرج إلى مسجد الكوفة أربع توابيت وصلّى عليها ، ثمّ أُدخل تابوت إلى البيت ، والثلاثة الباقية منها ما بُعث إلى جهة بيت الله الحرام ، ومنها ما بعث إلى مدينة الرسول ، ومنها ما نقل إلى بيت المقدس ، وفعل ذلك لإخفائه عليه‌السلام ، ويأتي سبب ذلك .

وكان عليه‌السلام قال لولديه الحسن والحسين عليهما‌السلام عند الوفاة : إذا أنا متّ فاحملاني على سريري ، وانتظرا حتّى إذا ارتفع لكما مقدّم السرير فاحملا مؤخّره ، فلمّا مضى هزيع من الليل قام الحسن والحسين عليهما‌السلام وخواصّهما وارتفع مقدّم السرير وحملا مؤخّره .

قال من حضر من خواصّهم : كنّا حال حمل الجنازة نسمع دوي الملائكة بالتسبيح والتكبير والتهليل ، وناطقاً لنا بالتعزية يقول : أحسن الله لكم العزاء في سيّدكم وحجة الله على خلقه ، حتّى أتينا الغريين فإذا صخرة بيضاء تلمع نوراً ، فوضع المقدّم عندها فوضعنا المؤخّر ، وحفرنا الصخرة فإذا ساجة مكتوب عليها : "هذا قبر ادّخره نوح النبي لوصيّ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الطوفان بسبعمئة عام" فدفنّاه هناك وأُخفي قبره الشريف ، وبقي مخفيّاً إلى زمان الرشيد ، وظهر في زمانه .

و [أمّا] (١) كيفيّة ظهوره ، ما روي عن عبد الله بن حازم قال : خرجنا يوماً مع الرشيد من الكوفة وهو يتصيّد ، فصرنا إلى ناحية الغريين فرأينا ضباء ، فأرسلنا عليها الصقور والكلاب فجاولتها ساعة ، ثمّ لجأت الضباء إلى أكمة فسقطت عليها ، فتراجعت الصقور والكلاب عنها ، فتعجّب الرشيد من ذلك .

ثمّ إن الضباء هبطت من الأكمة فسقطت الطيور والكلاب عليها ، فرجعت الضباء إلى الأكمة فتراجعت الكلاب عنها مرّة ثانية ، ثمّ فعلت ذلك مرّة أخرى ،

ـــــــــــــــــ

(١) أثبتناه من "ج" .

٣٣٩

فقال الرشيد : اركضوا إلى الكوفة فأتوني بأكبرها سنّاً ، فأتي بشيخ من بني أسد فقال له الرشيد : أخبرني ما هذه الأكمة ، فقال : حدّثني أبي عن آبائه أنهم كانوا يقولون : إن هذه الأكمة قبر عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، جعله الله تعالى حرماً لا يأوي إليه شيء إلاّ أمن .

فنزل هارون الرشيد ودعا بماء وتوضّأ وصلّى عند الأكمة ، وجعل يدعو ويبكي ويمرغ عليها وجهه ، وأمر أن يبنى فيه [قبّة] (١) بأربعة أبواب ، فبني وبقي إلى أيّام السلطان عضد الدولة رحمه الله ، فجاء وأقام في ذلك الطرف قريباً من سنة هو وعساكره ، فبعث فأتي بالصنّاع والأساتذة من الأطراف ، وخرّب تلك العمارة وصرف أموالاً كثيراً جزيلة ، وعمّر عمارة جليلة حسنة ، وهي العمارة التي كانت قبل عمارة اليوم (٢) .

وأمّا الدليل الواضح والبرهان اللاّئح على أن قبره الشريفعليه‌السلام بالغري فمن وجوه :

الأوّل : تواتر الإمامية الاثنا عشرية يروونه خلفاً عن سلف .

الثاني : إجماع الشيعة والإجماع حجة .

و[الثالث] (٣) منها : ما حصل عنده من الأسرار والآيات وظهور المعجزات ، ومنها : ما ذكر في كيفية ظهوره في أيام الرشيد ، ومنها : ما حصل فيه من قيام الزمن وردّ بصر الأعمى ومنها : ما حكي عن جماعة خرجوا بليل مختفين إلى الغري لزيارة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قالوا : فلمّا وصلنا إلى القبر الشريف ـ وكان يومئذٍ قبراً حوله حجارة ولا بناء عنده ، وذلك بعد أن أظهره الرشيد وقبل أن يعمّره ـ فبينما نحن عنده بعضنا يقرأ وبعضنا يصلّي وبعضنا يزور ، وإذا نحن بأسد مقبل نحونا ، فلمّا قرب منّا

ـــــــــــــــــ

(١) أثبتناه من "ب" .

(٢) فرحة الغري : ١١٩ ، عنه البحار ٤٢ : ٣٢٩ ح١٦ .

(٣) أثبتناه من "ج" .

٣٤٠