ارشاد القلوب الجزء ٢

ارشاد القلوب0%

ارشاد القلوب مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: كتب الأخلاق
ISBN: ( دورة ) 2 ـ 42 ـ 8073 ـ 964
الصفحات: 395

ارشاد القلوب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: ISBN: ( دورة ) 2 ـ 42 ـ 8073 ـ 964
الصفحات: 395
المشاهدات: 25496
تحميل: 8132


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 395 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25496 / تحميل: 8132
الحجم الحجم الحجم
ارشاد القلوب

ارشاد القلوب الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
ISBN: ( دورة ) 2 ـ 42 ـ 8073 ـ 964
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قدر رمح قال بعضنا لبعض : ابعدوا عن القبر لننظر ما يصنع .

فتباعدنا عن القبر الشريف ، فجاء الأسد وجعل يمرغ ذراعيه على القبر ، فمضى رجل منّا فشاهده وعاد فأعلمنا ، فزال الرعب عنّا فجئنا فأجمعنا فشاهدناه يمرغ ذراعيه على القبر وفيه جراح ، فلم يزل يمرغه ساعة ثمّ انزاح عن القبر ومضى ، وعُدنا إلى ما كنّا عليه لإتمام الزيارة والصلاة وقراءة القرآن (١) .

ومنها : ما روي عن كمال الدين بن عنان (٢) القمي قال : دخلت حضرة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام فزرت وتحوّلت إلى المسألة ودعوت وتوسّلت بمولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثمّ قمت فعلق مسمار من الضريح المقدّس سلام الله على مشرفه في قبائي فمزّقه ، فقلت مخاطباً لأمير المؤمنين عليه‌السلام : ما أعرف عوض هذا القباء إلاّ منك .

وكان إلى جانبي رجل رأيه غير رأيي ، فقال لي مستهزئاً : ما يعطيك عوضه إلاّ قباء وردياً (٣) ، وانفصلنا من الزيارة وجئنا إلى الحلّة ، وكان جمال الدين بن قشتم (٤) الناصري قد هيّأ لشخص يريد أن ينفذه إلى بغداد قباء وردياً (٥) ، فخرج الخادم على لسان ابن قشتم وقال : اُطلبوا كمال الدين القمي .

فجئت وأخذ بيدي ودخل الخزانة وألبسني قباء وردياً (٦) ، فخرجت ودخلت حتّى أُسلّم على ابن قشتم وأُقبّل كفّه ، فنظر نظراً شزراً عرفت الكراهية في وجهه ، والتفت إلى الخادم كالمغضب وقال له : طلبت فلان فأين هو ؟ فقال الخادم : إنّما طلبت كمال الدين القمي ، وشهد الجماعة الذين كانوا جلساء الأمير أنّه أمر

ـــــــــــــــــ

(١) فرحة الغري : ١٤١ ، عنه البحار ٤٢ : ٣١٥ ح٢ .

(٢) في "ج" : غياث .

(٣) في "ج" : قباءً ورداءً .

(٤) في "ج" : قشم ، وفي فرحة الغري : قشتمر .

(٥و٦) في "ج" : قباء ورداء .

٣٤١

بحضور كمال الدين القمي .

فقلت : أيّها الأمير ، ما خلعت أنت عليّ هذه الخلعة بل أمير المؤمنين عليه‌السلام خلعها عليّ ، فالتمس منّي الحكاية فحكيت له ، فخرّ ساجداً وقال : الحمد لله إذ كانت الخلعة على يدي (١) .

ومنها : ما روي عن عليّ بن يحيى بن الحسن بن الطحال المقدادي قال : أخبرني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ـ وكان من الملازمين للقبّة الشريفة صلوات الله على مشرفها ـ أنّه أتاه رجل مليح الصورة نقي الأثواب ودفع إليه مثقالين (٢) وقال له : اغلق عليّ باب القبّة وذرني وحدي أعبد الله .

فأخذهما منه وأغلق عليه الباب ، فنام فرأى أمير المؤمنين عليه‌السلام في منامه وهو يقول : اُقعد أخرجه عنّي فإنّه نصراني فنهض عليّ بن طحال فأخذ حبلاً فوضعه في عنق الرجل وقال له : اُخرج تخدعني بالمثقالين وأنت نصراني ، فقال : لست بنصراني ، قال : بلى إن أمير المؤمنين عليه‌السلام أتاني في المنام وأخبرني إنّك نصراني ، وقال : أخرجه عنّي .

فقال الرجل : امدد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، وأنّ علياً أمير المؤمنين خليفة الله والله ، ما علم أحد بخروجي من الشام ، ولا عرفني أحد من أهل العراق ثمّ حسن إسلامه (٣) .

ومنها : ما حكي أن عمران بن شاهين من أهل العراق عصى على السلطان عضد الدولة ، فطلبه طلباً شديداً فهرب منه إلى المشهد الشريف متخفيّاً (٤) ، وقصد أمير المؤمنين عليه‌السلام ودعا عنده وسأله السلامة .

ـــــــــــــــــ

(١) فرحة الغري : ١٤٢ ، عنه البحار ٤٢ : ٣١٦ ح٣ .

(٢) في "ج" : دينارين .

(٣) فرحة الغري : ١٤٦ ، عنه البحار ٤٢ : ٣١٩ ح٦ .

(٤) في "ج" : مستخفياً .

٣٤٢

فرأى أمير المؤمنين عليه‌السلام في منامه وهو يقول : يا عمران ، إنّ في غد يأتي فناخسرو إلى مشهدي للزيارة ، فتقف أنت هاهنا ـ وأشار إلى زاوية من زوايا القبّة ـ وإنهم لا يرونك ، ويدخل هو إلى الضريح ويزور ويصلّي ويبتهل في الدعاء والقسم بمحمد وآله أن يظفر بك ، فادن منه وقل له : أيّها الملك ما هذا الذي قد ألجأت (١) بالقسم بمحمد وآله أن يظفرك به؟ فيقول : رجل عصاني ونازعني في سلطاني ، فقل له : ما لمن يظفرك به ؟ فيقول : إن طلب منّي العفو عنه قبلت منه ، فأعلمه بنفسك فإنّك تجد منه ما تريد .

قال : فكان ما قاله أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : أنا عمران بن شاهين (٢) ، قال له : من أوقفك هاهنا؟ فقال : هذا مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام أوقفني هاهنا ، وقال لي في منامي : غداً يحضر فناخسرو إلى هاهنا ، وأعاد عليه القول ، فقال له السلطان : بحقّه عليك قال لك فناخسرو؟ قلت : إي وحقّه .

فقال عضد الدولة : إنّه لحق والله ، ما عرف أحد أن اسمي فناخسرو إلاّ أمي والقابلة وأنا ، ثمّ خلع عليه خلع الوزارة وطلع بين يديه إلى الكوفة .

وكان عمران هذا قد نذر عليه أنّه متى عفى عنه عضد الدولة أن يأتي إلى زيارة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام حافياً حاسراً ، فلمّا جنّه الليل خرج من الكوفة وحده ، فرأى بعض من كان في الحضرة الشريفة من القوّام ـ وهو عليّ بن طحال المقدادي ـ مولانا وسيّدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام في منامه وهو يقول : اقعد وافتح لوليّي عمران بن شاهين الباب .

فقعد وفتح الباب فإذا بالرجل قد أقبل ، فلمّا وصل قال له : بسم الله يا مولانا ، فقال له : ومن أنا ؟ فقال : عمران بن شاهين ، فقال : لست بعمران بن شاهين (٣) ،

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : ألحت .

(٢) زاد في "ج" : فقال : من أنت؟ قال : أنا عمران .

(٣) في "ج" : من أين علمت انّي عمران بن شاهين .

٣٤٣

فقال : بلى إن أمير المؤمنين عليه‌السلام أتاني في منامي فقال لي : اقعد وافتح الباب لوليّي عمران بن شاهين .

قال له : بحقّه هو قال لك ؟ فقال : إي وحقّه هو قال لي ، فوقع على العتبة الشريفة يقبّلها ويبكي ، وأحال لذلك الرجل بستّين مثقالاً ، وبنى الرواق المعروف برواق عمران في المشهدين الشريفين ـ الغروي والحائري على مشرفهما أفضل الصلاة والسلام ـ والأخبار الواردة في هذا المعنى كثيرة (١) .

وأمّا السبب الموجب لإخفاء قبره ، فهو أنّه قد تحقّق وعلم ما جرى لأمير المؤمنين عليه‌السلام من الوقائع العظيمة والحروب الكثيرة زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده ، وأوجب ذلك حقد المنافقين المارقين عليه حتّى ابن ملجم لعنه الله لمّا أُخذ ليُقتل قال للحسن (٢) عليه‌السلام : إني أريد أن أُسارّك (٣) بكلمة يا ابن رسول الله ، فأبى الحسن (٤) عليه‌السلام وقال : إنّه يريد أن يعضّ أذني ، فقال ابن ملجم لعنه الله : والله لو أمكنني منها لأخذتها من صماخه (٥) .

فإذا كان هذا فعال هذا الكافر وحقده إلى هذه الغاية ، وهو على تلك الحال وقد أتي به للقتل ، فكيف يكون حال معاوية وأصحابه وبني أمية والدولة لهم والملك بيدهم ، وكانوا يبالغون في إطفاء نور أهل البيت وإخفاء آثارهم ، فلهذا السبب أوصى عليه‌السلام أن يدفن سرّاً خوفاً من بني أمية وأعوانهم ، والخوارج وأمثالهم أن يتهجّموا على قبره الشريف لو كان ظاهراً .

وأيضاً : ربّما لو نبشوه مع العلم بمكانه لحمل ذلك بني هاشم على المحاربة

ـــــــــــــــــ

(١) فرحة الغري : ١٤٧ ، عنه البحار ٤٢ : ٣١٩ ح٧ باختلاف .

(٢) في "ألف" : للحسينعليه‌السلام .

(٣) في "ب" : أشاورك .

(٤) في "ألف : للحسينعليه‌السلام .

(٥) انظر فرحة الغري : ١٩ .

٣٤٤

والمشاقة (١) التي أغضى عنها عليه‌السلام في حال حياته فكيف لا يرضى بترك ما فيه مادة النزاع بعد وفاته ، ولمّا عرف أهل بيته عليهم‌السلام أنهم متى أظهروه لم يتوجّه له إلاّ التعظيم والتبجيل ، لا جرم أنهم دلّوا عليه وأظهروه .

الثاني : فضل مشهده الشريف الغروي على مشرفه أفضل الصلاة والسلام وما لتربته والدفن فيها من المنزلة والشرف .

روي عن أبي عبد الله (٢) عليه‌السلام أنّه قال : الغريّ قطعة من الجبل الذي كلّم الله عليه موسى تكليماً ، وقدّس عليه تقدسياً ، واتّخذ عليه إبراهيم خليلاً ، ومحمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حبيباً ، وجعله للنبيّين مسكناً (٣) .

وروي أن أمير المؤمنين عليه‌السلام نظر إلى الكوفة فقال : ما أحسن منظرك ، وأطيب قعرك ، اللّهمّ اجعل قبري بها (٤) .

ومن خواص تربته إسقاط عذاب القبر ، وترك محاسبة منكر ونكير للمدفون هناك ، كما وردت به الأخبار الصحيحة عن أهل البيت عليهم‌السلام .

وروي عن القاضي ابن بدر الهمداني الكوفي ـ وكان رجلاً صالحاً متعبّداً ـ قال : كنت في جامع الكوفة ذات ليلة وكانت ليلة مطيرة ، فدقّ باب مسلم جماعة ففتح لهم ، وذكر بعضهم أن معهم جنازة ، فأدخلوها وجعلوها على الصفة التي تجاه باب مسلم بن عقيل رضي الله عنه .

ثمّ إن أحدهم نعس فنام ، فرأى في منامه قائلاً يقول لآخر : ما نبصره (٥) حتّى نبصر هل لنا معه حساب أم لا ؟ فكشف عن وجه الميّت وقال لصاحبه : بل لنا معه

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : المناقشة .

(٢) في "ج" : ابن عباس ، والظاهر أنّه خطأ .

(٣و٤) عنه البحار ١٠٠ : ٢٣٢ .

(٥) في البحار : ما تبصره .

٣٤٥

حساب وينبغي أن نأخذه منه معجلاً قبل أن يتعدّى الرصافة ، فما يبقى لنا معه طريق ، فانتبه وحكى لهم المنام وقال : خذوه عجلاً ، فأخذوه ومضوا به في الحال إلى المشهد الشريف صلوات الله وسلامه على مشرفه (١) .

إذا متّ فادفنّي إلى جنب حيدر

أبي شبّر أكرم به وشبير

فلستُ أخاف النار عند جواره

ولا أتّقي من منكر ونكير

فعار على حامي الحمى وهو في الحمى

إذا ضلّ(٢) في المرعى عقال بعير

وروى جماعة من صلحاء المشهد الشريف الغروي (صلَّى الله على مشرفه) أنّه رأى أنّ كلّ واحد من القبور التي في المشهد الشريف وظاهره ، قد خرج منه حبل ممتد متصل بالقبة الشريفة صلوات الله على مشرفها (٣) .

وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه كان إذا أراد الخلوة بنفسه أتى إلى طرف الغري ، فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النجف وإذا رجل قد أقبل من البرية راكباً على ناقة وقدّامه جنازة ، فحين رأى علياً عليه‌السلام قصده حتّى وصل إليه وسلّم عليه ، فردّ عليه‌السلام وقال له : من أين ؟ قال : من اليمن .

قال : وما هذه الجنازة التي معك ؟ قال : جنازة أبي أتيت لأدفنه في هذه الأرض ، فقال له عليه‌السلام : لِمَ لا دفنته في أرضكم ؟ قال : أوصى إليّ بذلك وقال : إنّه يُدفن هناك رجل يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر ، فقال له عليه‌السلام : أتعرف ذلك الرجل ؟ قال : لا ، فقال عليه‌السلام : أنا والله ذلك الرجل ، أنا والله ذلك الرجل ، أنا والله ذلك الرجل ، قم فادفن أباك ، فقام فدفنه (٤) .

ومن خواص ذلك الحرم الشريف أن جميع المؤمنين يحشرون فيه ، روي عن

ـــــــــــــــــ

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٢٣٢ .

(٢) في "ج" : ضاع .

(٣) عنه البحار ١٠٠ : ٢٣٣ .

(٤) عنه البحار ١٠٠ : ٢٣٣ ، ومستدرك الوسائل ٢ : ٣١٠ ح٢٠٥٦ .

٣٤٦

أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : ما من مؤمن يموت في شرق الأرض وغربها إلاّ حشر الله روحه إلى وادي السلام .

قال : ما جاء في ذلك من الأخبار والآثار : أنه (١) بين وادي النجف والكوفة ، كأنّي بهم حلق قعود يتحدّثون على منابر من نور (٢) والأخبار في هذا المعنى كثيرة .

الثالث : في فضل زيارتهعليه‌السلام وما جاء في ذلك من الأخبار والآثار .

روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال للحسين عليه‌السلام : تزوركم طائفة من أُمتي تريد برّي وصلتي ، إذا كان يوم القيامة زرتها في الموقف ، وأخذت بأعضادها فأنجيتها من أهواله وشدائده (٣) .

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لعليّ عليه‌السلام : والله لتقتلنّ بأرض العراق فتدفن بها ، قلت : يا رسول الله ما لمن زار قبورنا وعمّرها وتعاهدها؟ فقال لي : يا أبا الحسن انّ الله تعالى جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنّة ، وعرصة من عرصاتها ، وانّ الله تعالى جعل قلوباً من خلقه وصفوة من عباده تحنّ اليكم ، وتحمل الأذى فيكم ، فيعمرون قبوركم تقرّباً منهم إلى الله ومودّة لرسوله ، اُولئك يا عليّ المخصوصون بشفاعتي ، الواردون حوضي ، وهم زوّاري غداً في الجنّة .

يا عليّ من زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام ، وخرج من ذنوبه حين يخرج (٤) من زيارتكم كيوم ولدته اُمّه ، فأبشر وبشّر أولياءك ومحبّيك من النعيم وقرّة العين بما لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ولكن حثالة من الناس يعيّرون زوّار قبوركم بزيارتكم كما تعيّر

ـــــــــــــــــ

(١) هكذا في "ألف" و "ب" والبحار ، وفي "ج" : قيل : وأين وادي السلام؟ قال : بين وادي النجف .

(٢) عنه البحار ١٠٠ : ٢٣٣ ، ونحوه في الكافي ٣ : ٢٤٣ ح٢ ، عنه البحار ٦ : ٢٦٨ ح١١٨ .

(٣) البحار ١٠ : ٤٤١ ، ومستدرك الوسائل ١٠ : ٢٢٨ ح١١٩١٠ عن الفصول للسيد المرتضى .

(٤) في "ج" : حين يرجع .

٣٤٧

الزانية بزناها ، اُولئك شرار أُمتي لا تنالهم شفاعتي ولا يردون حوضي (١) .

وروي عن صفوان الجمال قال : لما وافيت مع مولاي جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام الغريّ (٢) يريد أبا جعفر المنصور ، قال لي : يا صفوان ، أنخ الناقة فإنّ هذا حرم جدّي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأنختها فنزل واغتسل وغيّر ثوبه وتحفّى وقال لي : افعل مثل ما أفعل .

ففعلت ثمّ قال : خُذ نحو الذكوات ، وقال لي : قصّر خطاك ، وألق ذقنك (٣) الأرض ، فإنّ لك بكلّ خطوة مائة ألف حسنة ، ويمحى عنك [ مئة ] (٤) ألف سيّئة ، ويرفع لك مئة ألف درجة ، ويقضى لك مائة ألف حاجة ، ويكتب لك ثواب كلّ صدّيق وشهيد مات أو قتل .

ثمّ مشى ومشيت معه [حافياً] (٥) وعلينا السكينة والوقار ، نسبّح الله ونقدّس ونهلل إلى أن بلغنا الذكوات ، فوقف عليه ونظر يمنة ويسرة وخط بعكازه وقال لي : اطلب ، فطلبت فإذا أثر القبر في الخط ، ثمّ أرسل دمعه وقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ثمّ قال :

"السلام عليك أيّها الوصي البرّ التقي ، السلام عليك أيّها النبأ العظيم ، السلام عليك أيّها الصديق الشهيد ، السلام عليك أيّها الوصي (٦) الزكي ، السلام عليك يا وصيّ [ رسول ] (٧) ربّ العالمين ، السلام عليك يا خيرة الله من الخلائق أجمعين ، أشهد أنّك حبيب الله وخاصته وخالصته ، السلام عليك يا وليّ الله وموضع سرّه ،

ـــــــــــــــــ

(١) فرحة الغري : ٧٧ ، عنه البحار ١٠٠ : ١٢٠ ح٢٢ .

(٢) في "ب" : الكوفة .

(٣) في "ج" : عينيك .

(٤) أثبتناه من "ج" .

(٥) أثبتناه من "ج" .

(٦) في "ج" : الرضي .

(٧) أثبتناه من "ج" .

٣٤٨

وعيبة علمه ، وخازن وحيه" .

ثمّ انكبّ على القبر وقال :

"بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين ، بأبي أنت وأمي يا حجّة الخصام ، بأبي أنت وأمي يا باب المقام ، بأبي أنت وأمي يا نور الله التام ، أشهد أنّك قد بلغت عن الله وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما حمّلت ، ورعيت ما استحفظت ، وحفظت ما استودعت ، وحلّلت حلال الله ، وحرّمت حرام الله ، وأقمت أحكام الله ، ولم تتعدّ حدود الله ، وعبدت الله مخلصاً حتّى أتاك اليقين ، صلَّى الله عليك وعلى الأئمة من بعدك" .

ثمّ قام فصلّى ركعتين عند الرأس الكريم ، ثمّ قال : يا صفوان! من زار أمير المؤمنين عليه‌السلام بهذه الزيارة ، وصلّى هذه الصلاة ، رجع إلى أهله مغفوراً ذنبه ، مشكوراً سعيه ، ويكتب له ثواب كلّ من زاره من الملائكة ، وانّه ليزوره في كلّ ليلة سبعون قبيلة ، قلت : وكم القبيلة؟ قال : مائة ألف .

ثمّ خرج القهقرى وهو يقول : "يا جدّاه يا سيّداه يا طيّباه يا طاهر ، لا جعله الله آخر العهد منك (١) ورزقني العود إليك ، والمقام في حرمك ، والكون معك ومع الأبرار من ولدك ، صلَّى الله عليك وعلى الملائكة المحدقين بك" ، قلت : يا سيّدي أتأذن لي أن أُخبر أصحابنا (٢) من أهل الكوفة؟ فقال : نعم ، وأعطاني درهم فأصلحت القبر (٣) .

وقال الصادق عليه‌السلام : من ترك زيارة أمير المؤمنين عليه‌السلام لم ينظر الله إليه ، ألا تزوروا من تزوره الملائكة والنبيّون عليهم‌السلام ، وإنّ أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام أفضل من كلّ الأئمة ، وله مثل ثواب أعمالهم وعلى قدر

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : من زيارتك .

(٢) في "ج" : أصحابك .

(٣) فرحة الغري : ٩٤ ، عنه البحار ١٠٠ : ٢٧٩ ح١٥ .

٣٤٩

أعمالهم فضّلوا (١) .

وقال عليه‌السلام : إن أبواب السماء لتفتح عند دخول الزائر لأمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) .

وقال عليه‌السلام : إن بظاهر الكوفة قبر ما زاره مهموم إلاّ فرّج الله همّه .

وحكى بعضهم قال : كنت عند الصادق عليه‌السلام فذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : (٣) يا ابن مارد ، من زار جدّي عارفاً بحقّه كتب الله له بكلّ خطوة حجة مقبولة ، وعمرة مبرورة ، والله يا ابن مارد ما يطعم الله النار قدماً تغبّرت في زيارة أمير المؤمنين عليه‌السلام ماشياً كان أو راكباً يا ابن مارد ، اكتب هذا الحديث بماء الذهب (٤) والأخبار في هذا المعنى كثيرة .

الرابع : إيتاء ذي القربى .

وهو صلة الذرية العلوية ، فإنّ الله تعالى أكّد الوصية فيهم ، وجعل مودّتهم أجر الرسالة بقوله تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٥) .

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الأرض ، رجل نصر ذريتي (٦) ، ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق ، ورجل سعى في قضاء حوائج ذريتي إذا طردوا وشردوا ، ورجل أحبّ ذريتي باللسان والقلب (٧) .

ـــــــــــــــــ

(١) الخصائص للرضي : ٤٠ ، عنه مستدرك الوسائل ١٠ : ٢١٢ ح١١٨٨٣ .

(٢) عنه البحار ١٠٠ : ٢٦٢ ح١٦ .

(٣) زاد في "ج" : فقال ابن مارد لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ما لمن زار جدّك أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟ فقال : .

(٤) فرحة الغري : ٧٥ ، عنه البحار ١٠٠ : ٢٦٠ ح١٠ .

(٥) الشورى : ٢٣ .

(٦) في "ب" : ديني .

(٧) الكافي ٤ : ٦٠ ح٩ ، من لا يحضره الفقيه ٢ : ٦٥ ح١٧٢٦ .

٣٥٠

وقال الصادق عليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أيّها الخلائق انصتوا فإنّ محمّداً يكلّمكم ، فتنصت الخلائق فيقوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول : يا معاشر الخلائق ، من كان له عندي يداً أو منّة أو معروفاً فليقم حتّى أكافيه ، فيقولون : وأيّ يد ، وأيّ منّة ، وأيّ معروف لنا ؟! بل اليد والمنّة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق .

فيقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من آوى أحداً من أهل بيتي ، أو برّهم ، أو كساهم من عرى ، أو أشبع جائعهم فليقم حتّى أكافيه ، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك ، فيأتي النداء من عند الله : يا محمّد ، يا حبيبي ، قد جعلت مكافأتهم إليك ، فأسكنهم حيث شئت من الجنّة ، فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمّد وأهل بيته صلوات الله عليهم (١) .

وذكر ابن الجوزي ـ وكان حنبلي المذهب ـ في كتاب تذكرة الخواص أن عبد الله بن المبارك كان يحجّ سنة ويغزو سنة وداوم على ذلك خمسين سنة ، فخرج في بعض سنيّ الحج وأخذ معه خمسمئة دينار إلى موقف الجمال بالكوفة ليشتري جمالاً للحج ، فرأى امرأة علويّة على بعض المزابل تنتف ريش بطة ميتة .

قال : فتقدّمت إليها فقلت : لِمَ تفعلين [هذا] (٢) ؟ فقالت : يا عبد الله ، لا تسأل عمّا لا يعنيك (٣) ، قال : فوقع من كلامها في خاطري شيء فألححت عليها ، فقالت : يا عبد الله ، قد ألجأتني أن أكشف سرّي إليك : أنا امرأة علوية ولي أربع بنات يتامى مات أبوهنّ من قريب ، وهذا اليوم الرابع ما أكلنا شيئاً وقد حلّت لنا الميتة ، فأخذت هذه البطة أصلحها وأحملها إلى بناتي ليأكلنها .

قال : فقلت في نفسي : ويحك يا ابن المبارك أين أنت من هذه الفرصة ،

ـــــــــــــــــ

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ : ٦٥ ح١٧٢٧ ، والوسائل ١١ : ٥٥٦ ح٣ .

(٢) أثبتناه من "ج" .

(٣) زاد في "ب" : تقع في ما لا يرضيك .

٣٥١

 [قلت :] (١) افتحي إزارك ، فصببت الدنانير في طرف إزارها وهي مطرقة لا تلتفت ، قال : ومضيت إلى المنزل ونزع الله من قلبي شهوة الحج في ذلك العام ، ثمّ تجهّزت إلى بلادي وأقمت حتّى حجّ الناس وعادوا ، فخرجت أتلقّى جيراني وأصحابي ، فجعلت كلّ من أقول له : قبل الله حجّك وسعيك ، يقول : وأنت قبل الله حجّك وشكر سعيك ، إنّنا قد اجتمعنا بك في مكان كذا وكذا ، وأكثر عليّ الناس في هذا القول .

فبتّ متفكّراً فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وهو يقول : يا عبد الله أغثت ملهوفة من ولدي ، فسألت الله عَزَّ وجَلَّ أن يخلق على صورتك ملكاً يحجّ عنك كلّ عام إلى يوم القيامة ، فإن شئت أن تحجّ وإن شئت أن لا تحج (٢) .

وذكر ابن الجوزي أيضاً قال : كان ببلخ رجل من العلويين نازلاً بها وله زوجة وبنات فتوفى ، قالت المرأة : فخرجت بالبنات إلى سمرقند خوفاً من شماتة الأعداء ، واتّفق وصولي في شدّة البرد ، فأدخلت البنات مسجداً ومضيت لأحتال في القوت .

فرأيت الناس مجتمعين على شيخ فسألت عنه فقيل : هذا شيخ البلد ، فشرحت له الحال فقال : أقيمي البيّنة إنّك علوية ولم يلتفت إليّ ، فيئست منه وعُدت إلى المسجد فرأيت في طريقي شيخاً جالساً على دكّة وحوله جماعة ، فقلت : من هذا ؟ فقيل : ضامن البلد وهو مجوسي ، فقلت : [أمضي إليه] (٣) عسى أن يكون لنا عنده فرج .

[فجئت إليه] (٤) فحدّثته حديثي وما جرى لي مع شيخ البلد ، فصاح بخادم له فخرج فقال : قل لسيّدتك تلبس ثيابها ، فدخل وخرجت امرأته ومعها جوارها ،

ـــــــــــــــــ

(١) أثبتناه من "ج" .

(٢) تذكرة الخواص : ٣٨١ ، عنه كشف اليقين : ٤٨٥ ، والبحار ٤٢ : ١١ ح١٢ ، وينابيع المودّة : ٤٦٧ .

(٣) أثبتناه من "ج" .

(٤) أثبتناه من "ج" .

٣٥٢

فقال لها : اذهبي مع المرأة إلى المسجد الفلاني واحملي بناتها إلى الدار ، فجاءت معي وحملت البنات ، فجئنا وقد أفرد لنا مقاماً في داره وأدخلنا الحمّام وكسانا ثياباً فاخرة ، وجاءنا بألوان الطعام ، وبتنا بأطيب ليلة .

فلمّا كان نصف الليل رأى شيخ البلد المسلم في منامه كأنّ يوم القيامة قد قامت واللواء على رأس محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإذا بقصر من الزمرد الأخضر ، فقال : لمن هذا القصر؟ فقيل : لرجل مسلم موحّد ، فتقدّم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأعرض عنه فقال : يا رسول الله ، تعرض عنّي وأنا رجل مسلم ؟! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقم البيّنة عندي أنّك مسلم ، فتحيّر الشيخ ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نسيت قولك للعلوية ، وهذا القصر للشيخ الذي هي في داره .

فانتبه الشيخ وهو يلطم ويبكي ، وبعث غلمانه إلى البلد وخرج بنفسه يدور على العلوية ، فأُخبر أنها في دار المجوسي فجاء إليه وقال له : أين العلوية (١) ؟ قال : عندي ، قال : أريدها ، فقال : ما إلى هذا من سبيل ، قال : هذه ألف دينار وسلمهنّ (٢) إليّ ، فقال : لا والله ولا مئة ألف دينار .

فلمّا ألحّ عليه قال : المنام الذي رأيته أنت رأيته أنا أيضاً ، والقصر الذي رأيته لي أُعدّ وأنت تدلّ عليّ بإسلامك ، والله ما نمت أنا ولا أحد في داري حتّى أسلمنا على يد العلوية ، وعادت بركتها علينا ، ورأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول لي : القصر لك ولأهلك بما فعلت مع العلوية ، وأنت من أهل الجنّة ، خلقكم الله عَزَّ وجَلَّ مؤمنين في القدم (٣) .

والأخبار في هذا المعنى كثيرة لا نطوّل بذكرها الكتاب .

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج" : ألك علم بالعلوية .

(٢) في "ج" : خذها وسلّمها إليّ .

(٣) تذكرة الخواص : ٣٨٣ ، عنه كشف اليقين : ٤٨٦ ، والبحار ٤٢ : ١٢ ح١٢ ، وينابيع المودّة : ٤٦٨ .

٣٥٣

 [ باب : في صفات أعدائه ] (١)

وأمّا صفات أعدائه وما نُسب إليهم من المثالب وكثرة الخطايا والمعايب فكثيرة جداً ، مرّ بعضها في الكتاب ونذكر أيضاً منها جملة يسيرة نختم بها الكتاب .

فمنها : ما تضمّنه خبر وفاة الزهراء عليها‌السلام ، قرّة عين الرسول ، وأحبّ الناس إليه ، مريم الكبرى ، والحوراء التي أفرغت من ماء الجنّة من تفاحة من صلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) التي قال في حقّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله يرضى لرضاك يا فاطمة ويغضب لغضبك (٣) ، وقال عليه وآله السلام : فاطمة

ـــــــــــــــــ

(١) إن هذا الباب حُذف من النسخة المطبوعة الموجودة في الأسواق ، وجاءت في جميع النسخ الخطية ، وكذلك أورده العلاّمة المجلسي في البحار ٣٠ : ٣٤٧ ح١٦٤ فلاحظ ، وقال في ذيل الحديث : إنّما أوردت هذا الكلام لاشتماله على بعض الأخبار الغريبة ، وإن كان في بعض ما احتجّ به وهن أو مخالفة للمشهور ، فسيتّضح لك حقيقة الأمر في الأبواب الآتية ، والله الموفّق .

(٢) ورد هذا الخبر بطرق مختلفة في عدّة مصادر ، منها : ميزان الاعتدال ٢ : ٥١٨ ، نظم درر السمطين : ١٧٧ ، ذخائر العقبى : ٣٦ ، فرائد السمطين ١ : ٥٠ تحت رقم ٣٨١ ، الدر المنثور ٤ : ١٥٣ في سورة الإسراء ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٦٩ .

(٣) قد ورد هذا الحديث بطرق مختلفة في مصادر الشيعة والسنة ، منها : مستدرك الحاكم ٣ : ١٦٧ ح٤٧٣٠ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام للمغازلي : ٣٥١ ح٤٠١ ، ذخائر العقبى للمحبّ الطبري : ٣٩ ، المعجم الكبير للطبراني ٢٢ : ٤٠١ ح١٠٠١ ، وغيرها .

٣٥٤

بضعة منّي من آذاها فقد آذاني (١) .

وروي أنّه لمّا حضرتها الوفاة قالت لأسماء بنت عميس : إذا أنا متّ فانظري إلى الدار فإذا رأيت سجفاً (٢) من سندس من الجنّة قد ضرب فسطاطاً في جانب الدار ، فاحمليني وزينب وأم كلثوم فاجعلوني من وراء السجف وخلّوني وبين نفسي (٣) .

فلمّا توفّيت عليها‌السلام وظهر السجف حملتها وجعلتها وراءه ، فغسلت وكفنت وحنطت بالحنوط ، وكان كافوراً أنزله جبرئيل عليه‌السلام من الجنّة في ثلاث صرر ، فقال : يا رسول الله ، ربّك يقرؤك السلام ويقول لك : هذا حنوطك وحنوط ابنتك وحنوط أخيك عليّ مقسوم أثلاثاً ، وإنّ أكفانها وماءها وأوانيها من الجنّة ، وإنها أكرم على الله تعالى أن يتولّى ذلك منها أحد غيرها .

وروي أنها توفّيت عليها‌السلام بعد غسلها وتكفينها وحنوطها لأنّها طاهرة لا دنس فيها ، وأنّه لم يحضرها إلاّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والحسن ، والحسين ، وزينب ، وأم كلثوم ، وفضّة جاريتها ، وأسماء بنت عميس ، وأنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أخرجها ومعه الحسن والحسين في الليل وصلّوا عليها ، ولم يعلم بها أحد ولا حضروا وفاتها ، ولا صلَّى عليها أحد من سائر الناس غيرهم ، لأنّها عليها‌السلام أوصت بذلك وقالت : لا تصلّي عليّ أمّة نقضت عهد الله وعهد أبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمير المؤمنين عليّ ، وظلموني حقّي ، وأخذوا

ـــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٤ : ٢١٠ باب فضائل أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الجامع الصحيح للترمذي ٥ : ٣٥٩ ح٣٩٥٩ ، المسند لأحمد بن حنبل ٤ : ٣٢٦ ، المعجم الكبير للطبراني ٢٢ : ٤٠٥ ح١٠١٤ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٩٥ ح١٠١٣ .

(٢) السجف : الستر .

(٣) في البحار : خلّوا بيني وبين نفسي .

٣٥٥

ارثي ، وحرقوا صحيفتي التي كتبها إليّ أبي بملك فدك ، وكذبوا شهودي ، وهم ـ والله ـ جبرئيل وميكائيل وأمير المؤمنين وأم أيمن .

وطِفْتُ عليهم في بيوتهم وأمير المؤمنين يحملني ومعي الحسن والحسين ليلاً ونهاراً ، آتي منازلهم أُذكّرهم الله بالله وبرسوله ألاّ تظلمونا ولا تغصبونا حقّنا الذي جعله الله لنا ، فيجيبونا ليلاً ويقعدون عن نصرتنا نهاراً ثمّ ينفذون إلى دارنا قنفذاً ومعه عمر وخالد بن الوليد ليخرجوا ابن عمّي علياً إلى سقيفة بني ساعدة لبيعتهم الخاسرة ، فلا يخرج إليهم متشاغلاً بوصاة (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبأزواجه وبتأليف القرآن ، وقضى ثمانين ألف درهم وصّاه بقضائها عنه عداتاً وديناً ، فجعلوا الحطب الجزل على بابنا وأتوا بالنار ليحرقونا (٢) .

فأخذت (٣) بعضادة الباب وناشدتهم بالله وبأبي عليه‌السلام أن يكفّوا عنّا وينصرفوا (٤) ، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي ، فالتوى السوط على عضدي حتّى صار كالدملج ، وركل الباب برجله فردّه عليّ وأنا حامل ، فسقطت لوجهي والنار تستعر ، وسفع (٥) وجهي بيده حتّى انتثر قرطي من أذني ، فجاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم (٦) ، فهذه أمّة تصلّي عليّ

ـــــــــــــــــ

(١) في البحار : بما أوصاه به .

(٢) في البحار : ليحرقوه ويحرقونا .

(٣) في البحار : فوقفت .

(٤) في البحار : وينصرونا .

(٥) سَفَعَ فلانٌ فلاناً : لطمه وضربه (القاموس)

(٦) وفي ذلك كلّه يقول العلاّمة محمد حسين الأصفهاني :

لكنَّ كسر الضلع ليس ينجبر

إلا بصمصام عزيز مقتدر

إذ رضُّ تلك الأضلع الزكيّة

رزيّة لا مثلها رزيّة

ومن نبوع الدم من ثدييها

يعرب عظم ما جرى عليها

وجاوزوا الحدّ بلطم الخدّ

شلّت يد الطغيان والتعدي

فاحمرّت العين وعين المعرفة

تذرف بالدمع على تلك الصفة

ولا تزيل حمرة العين سوى

بيض السيوف يوم ينشر اللوى

وللسياط رنّة صداها

في مسمع الدهر فما أشجاها

والأثر الباقي كمثل الدملج

في عضد الزهراء أقوى الحجج

ولست أدري خبر المسمار

سل صدرها خزانة الأسرار

والباب والجدار والدماء

شهود صدق ما به خفاء

٣٥٦

وقد تبرّأ الله ورسوله منهم وتبرّأت منهم (١) .

فعمل أمير المؤمنين عليه‌السلام بوصيّتها ولم يعلم أحداً بها ، فأصبح في البقيع ليلة دفنت فاطمة عليها‌السلام أربعون قبراً جدداً .

ثمّ إن المسلمين لمّا علموا بوفاة فاطمة عليها‌السلام ودفنها جاءوا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام يعزّونه لها وقالوا : يا أخا رسول الله ، أمرت (٢) بتجهيزها وحفر تربتها ؟ فقال عليه‌السلام : قد ورِّيت ولحقت بأبيها صلوات الله عليه وآله ، فقالوا : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، تموت ابنة نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يخلّف فينا ولداً غيرها ولا يصلّى عليها ، إنّ هذا لشيء عظيم .

فقال عليه‌السلام : حسبكم ما جنيتم على الله وعلى رسوله في أهل بيته ، ولم أكن والله لأعصيها في وصيّتها التي أوصت بها في أن لا يصلّي عليها أحد منكم ، وما بعد العهد فأغدر ، فنفض القوم أثوابهم وقالوا : لابدّ لنا من الصلاة على ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومضوا من فورهم إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبراً جدداً ، فاشتبه عليهم قبرها عليها‌السلام بين تلك القبور ، فضجّ الناس ولام بعضهم بعضاً وقالوا : لم تحضروا وفاة بنت نبيّكم ولا الصلاة عليها ، ولا تعرفوا

ـــــــــــــــــ

(١) إن حديث الدار والباب والضرب وإسقاط محسن وكسر الضلع ورد في كثير من مصادر الخاصة والعامة ، منها : دلائل الإمامة للطبري : ٤٥ ، وأمالي الصدوق : ١١٦ ح٢ مجلس ٢٨ ، أمالي الطوسي ١ : ١٩١ ، كامل الزيارات لابن قولويه : ٣٣٢ـ٣٣٣ ، تفسير العيّاشي ٢ : ٣٠٧ـ٣٠٨ ، إقبال الأعمال لابن طاووس : ٦٢٥ ، إثبات الوصية : ٢٣ـ٢٤ ، المناقب لابن شهر آشوب ٣ : ٣٥٨ على ما نقله عن كتاب المعارف لابن قتيبة ، الملل والنحل للشهرستانى ١ : ٥٧ ، الفرق بين الفرق للإسفرائيني : ١٠٧ ، الوافي بالوفيات ٥ : ٣٤٧ على ما نقله المحدّث القمي في سفينة البحار ، وغيرها من المصادر الكثيرة .

(٢) في البحار : لو أمرت .

٣٥٧

قبرها فتزوروه ، فقال أبو بكر : هاتوا من ثقاة المسلمين ينبش هذه القبور حتّى تجدوا قبرها ، فنصلّي عليها ونزورها .

فبلغ ذلك أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فخرج من داره مغضباً وقد احمرّ وجهه وقامت عيناه ودرّت أوداجه ، وعلى يده قباه الأصفر الذي لم يكن يلبسه إلاّ في كلّ كريهة ، يتوكّأ على سيفه ذي الفقار حتّى ورد البقيع ، فسبق الناس النذير فقال لهم : هذا عليّ قد أقبل كما ترون ، يقسم بالله لأن بحث من هذه القبور حجر واحد لأضعنّ السيف على غابر الأُمة ، فولّى القوم هاربين قطعاً قطعاً .

ومنها : ما فعله الأوّل من التآمر على الأُمة من غير أن أباح الله له ذلك ولا رسوله ، ولا مطالبته جميعهم بالبيعة له والانقياد إلى طاعته طوعاً وكرهاً ، وكان ذلك أوّل ظلم ظهر في الإسلام بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ كان هو وأولياؤه جميعاً مقرّين بأنّ الله عَزَّ وجَلَّ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يولّياه ذلك ، ولا أوجبا طاعته ولا أمرا ببيعته (١) .

وطالب الناس بالخروج إليه ممّا كان يأخذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأخماس والصدقات والحقوق الواجبات ، ثمّ تسمّى بخلافة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد علم هو ومن معه من الخاص والعام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستخلفه ، فقد جمع بين الظلم والمعصية والكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار (٢) .

ـــــــــــــــــ

(١) وممّا يدلّ على عدم أهليّته للخلافة قول صاحبه الثاني : "كانت بيعة أبي بكر فلتة ، وقى الله المسلمين شرّها ، فمن عاد مثلها فاقتلوه" ، ورد هذا النص أو ما يقاربه في عدّة مصادر ، منها : تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٦٧ ؛ صحيح البخاري ، باب رجم الحبلى ٥ : ٢٠٨ ؛ السيرة الحلبية ٣ : ٣٦٣ ؛ الصواعق المحرقة ٥ : ٥ و٨ و٢١ ؛ تاريخ الطبري ٣ : ٢١٠ .

(٢) كنز العمال : ح٢٩١٦٨ .

٣٥٨

ولمّا امتنع طائفة من الناس في دفع الزكاة إليه وقالوا : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأمر بدفع ذلك إليك ، فسمّاهم أهل الردة وبعث إليهم خالد بن الوليد في جيش ، فقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم واستباح أموالهم ، وجعل ذلك فيئاً للمسلمين ، وقتل خالد بن الوليد رئيس القوم مالك بن نويرة ، وأخذ امرأته فوطأها من ليلته تلك ، واستحلّ الباقون فروج نسائهم من غير استبراء .

وقد روى أهل الحديث جميعاً بغير خلاف عن القوم الذين كانوا مع خالد أنهم قالوا : أذّن مؤذّننا وأذّن مؤذّنهم ، وصلّينا وصلّوا وتشهّدوا ، فأي ردة هاهنا مع ما رووه جميعاً أن عمر قال لأبي بكر : كيف تقاتل قوماً يشهدون أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، وقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا : (لا إله إلاّ الله وأنّي محمد رسول الله) ، فإذا قالوها حقنوا دماءهم وأموالهم ؟!

فقال : لو منعوني عقالاً ممّا كانوا يدفعونه إلى رسول الله لقاتلتهم ـ أو قال لجاهدتهم ـ وكان هذا فعلاً فضيعاً في الإسلام وظلماً عظيماً ، فكفى بذلك خزياً وكفراً وجهلاً ، وإنّما أخذ عليه عمر بسبب قتل مالك بن نويرة ، لأنّه كان [بين عمر و] (١) بين مالك خلّة أوجبت العصبيّة له من عمر (٢) .

ثمّ رووا جميعاً أن عمر لما ولّي جمع من بقى من عشيرة مالك ، واسترجع ما وجد عند المسلمين من أموالهم وأولادهم ونسائهم ، وردّ ذلك جميعاً عليهم ، فإن كان فعل أبي بكر بهنّ خطأ فقد أطعم المسلمين الحرام من أموالهم ، وملكهم العبيد الأحرار من أبنائهم ، وأوطأهم فروجاً حراماً من نسائهم ، وإن كان ما فعله حقّاً

ـــــــــــــــــ

(١) أثبتناه من البحار .

(٢) راجع تاريخ الطبري ٣ : ٢٨٠ ؛ والفتوح لابن أعثم ١ : ٢٥ ؛ والصراط المستقيم للبياضي : ٢٧٩ الباب الثاني عشر ؛ والغدير ٧ : ١٥٩ ؛ والملل والنحل ١ : ٢٥ ؛ الإمامة والسياسة ١ : ٢٣ .

٣٥٩

فقد أخذ عمر نساء قوم ملكوهنّ بحق ، فانتزعهنّ من أيديهم غصباً وظلماً ، وردّهم إلى قوم لا يستحقّونهنّ بوطئهنّ حراماً من غير مباينة وقعت ، ولا أثمان دفعت إلى من كنّ عنده في تملّكه فعلى كلا الحالين قد أخطئا جميعاً أو أحدهما ، لأنّهما أباحا للمسلمين فروجاً حراماً ، وأطعماهم طعاماً حراماً من أموال المقتولين على دفع الزكاة إليه ، وليس له ذلك على ما تقدّم ذكره .

ومنها : تكذيبه لفاطمة صلوات الله عليها في دعواها فدك (١) ، وردّ شهادة أم أيمن مع أنهم رووا جميعاً أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أم أيمن امرأة من أهل الجنّة ، وردّ شهادة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقد رووا جميعاً أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : عليّ مع الحق والحق مع عليّ يدور معه حيث ما دار ، وأخبرهم أيضاً بتطهير عليّ وفاطمة من الرجس عن الله تعالى ، فمن توهّم أن علياً وفاطمة يدخلان ـ بعد هذه الأخبار عن الله عَزَّ وجَلَّ ـ في شيء من الكذب والباطل فقد كذّب الله ، ومن كذّب الله كفر بغير خلاف .

ومنها : قوله في الصلاة : لا يفعل خالد ما أمر (٢) ، فهذه بدعة يقارنها كفر ، وذلك أنّه أمر خالداً بقتل أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا هو سلّم من صلاة الفجر ، فلمّا قام في الصلاة ندم على ذلك وخشى إن فعل خالد ما أمر به من قتل عليّ عليه‌السلام أن تهيج عليه فتنة لا يقومون لها ، فقال : لا يفعل خالد ما أمر قبل أن يسلّم ، وكان الكلام في الصلاة بدعة والأمر بقتل عليّ عليه‌السلام كفر .

ومنها : أنّهم رووا عنه بغير خلاف أنّه قال وقت وفاته : ثلاث فعلتها ووددت أني لم أفعلها ، وثلاث لم أفعلها ووددت أنّي فعلتها ، وثلاث أغفلت المسألة عنها

ـــــــــــــــــ

(١) راجع شرح النهج لابن أبي الحديد ٤ : ٨٠ و٨٢ ؛ والصواعق : ٢٢ ؛ السيرة الحلبية ٣ : ٣٦٢ ؛ على ما في نهج الحق : ٢٦٥ ؛ والصراط المستقيم : ٢٨٢ باب١٢ ؛ مجمع الزوائد للهيثمي ٩ : ٣٩ .

(٢) راجع كتاب سليم : ٢١٤ ؛ عنه البحار ٢٨ : ٣٠٥ ؛ مناقب ابن شهر آشوب ٢ : ٢٩٠ .

٣٦٠