ارشاد القلوب الجزء ٢

ارشاد القلوب0%

ارشاد القلوب مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: كتب الأخلاق
ISBN: ( دورة ) 2 ـ 42 ـ 8073 ـ 964
الصفحات: 395

ارشاد القلوب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: ISBN: ( دورة ) 2 ـ 42 ـ 8073 ـ 964
الصفحات: 395
المشاهدات: 25484
تحميل: 8131


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 395 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25484 / تحميل: 8131
الحجم الحجم الحجم
ارشاد القلوب

ارشاد القلوب الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
ISBN: ( دورة ) 2 ـ 42 ـ 8073 ـ 964
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال الله تعالى: ( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً ) (١) .

ولما قتله عليّ عليه‌السلام احتزّ رأسه وأقبل نحو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووجهه يتهلل ، فألقى الرأس بين يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقبّل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأس عليّ عليه‌السلام ووجهه ، وقام أكابر الصحابة فقبّلوا أقدامه عليه‌السلام ، وقال له عمر بن الخطاب: هلاّ سلبته درعه فما لأحد درع مثلها؟ فقال: إنّي استحييت أن أكشف سوءة ابن عمّي (٢) ، وكان ابن مسعود يقرأ من ذلك اليوم كذا : ( وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ (بعلي) وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ) .

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك اليوم في حقّه عليه‌السلام : لمبارزة عليّ عمرو بن عبد ود العامري أفضل من عبادة أمتي إلى يوم القيامة .

وقال ربيعة السعدي: أتيت حذيفة بن اليمان فقلت: يا أبا عبد الله ، أنا لنتحدّث عن عليّ عليه‌السلام ومناقبه ، فيقول لنا أهل البصرة: إنّكم تفرطون في عليّ ، فهل أنت محدّثي (٣) بحديث؟ فقال حذيفة: يا ربيعة ، وما تسألني عن عليّ عليه‌السلام ، والذي نفسي بيده لو وضع جميع أعمال اُمّة (٤) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كفّة ميزان منذ بُعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يوم يقوم الناس ، ووضع عمل عليّ عليه‌السلام في الكفّة الأخرى (٥) لرجح عمل عليّ على جميع أعمالهم .

فقال ربيعة: هذا الذي لا يُقام له ولا يُقعد له ، فقال حذيفة: يا لكع ! وأين كان أبو بكر وعمر وحذيفة وجميع أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم عمرو بن

ـــــــــــــــــ

(١) الأحزاب: ٢٥ .

(٢) ارشاد المفيد: ٥٥; عنه البحار ٢٠: ٢٥٧ ح١٩; وكشف الغمة ١: ٢٠٥ .

(٣) في "ب" و "ج": تحدّثني .

(٤) في "ج": أصحاب .

(٥) في "ج": الثانية .

٦١

عبدود وقد دعا إلى المبارزة فأحجم الناس كلّهم ما خلا علياً عليه‌السلام ، فإنّه برز إليه فقتله والذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجراً من عمل أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يوم القيامة (١) .

وقالت أخت عمرو ـ وقد نُعي إليها أخوها ـ : من ذا الذي اجترأ عليه؟ فقالوا: عليّ بن أبي طالب ، فقالت: لم يعد يومه (٢) إلاّ على يد كفو كريم ، لا رقأت دمعتي إن هرقتها عليه ، قتل الأبطال ، وبارز الأقران ، وكانت منيّته على يد كريم قومه ، وما سمعت أفخر من هذا يا بني عامر ، وأنشدت:

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

لكنت أبكي عليه دائم الأبد

لكنَّ قاتله من لا نظير له

وكان يُدعى قديماً بيضة البلد(٣)

الرابعة : غزاة خيبر .

وكان الفتح فيها بأمير المؤمنين عليه‌السلام أيضاً ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاصر اليهود بخيبر بضعاً وعشرين ليلة ، ففي بعض الأيّام فتحوا الباب وكان قد خندقوا على أنفسهم خندقاً ، وخرج مرحب بأصحابه يتعرّض للحرب .

فدعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر وأعطاه الراية في جمع من المسلمين والمهاجرين فانهزم فلمّا كان من الغد أعطاها عمر ، فسار بها غير بعيد ، فأقبل عليه مرحب ثمّ انهزم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : آتوني بعليّ ، فقيل: إنّه أرمد العين ، قال: أرونيه تروني رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، كرّار غير فرّار (٤) .

ـــــــــــــــــ

(١) الإرشاد للمفيد: ٥٤; عنه البحار ٢٠: ٢٥٦ ح١٩; وكشف الغمة ١: ٢٠٤ .

(٢) في "ب" و "ج": موته .

(٣) الإرشاد للمفيد: ٥٧; عنه البحار ٢٠: ٢٦٠ ح١٩; وكشف الغمة ١: ٢٠٦ .

(٤) قال حسّان بن ثابت في ذلك:

وكان عليّ أرمد العين يبتغي

دواءً فلمّا لم يحسّ مداويا

شفاه رسول الله منه بتفلة

بورك مرقيّاً وبورك راقيا

وقال سأعطي الراية اليوم صارماً

كميّاً محبّاً للرسول مواليا

يحبّ إلهي والإله يحبّه

به يفتح الله الحصون الأوابيا

فأصفى بها دون البريّة كلّها

عليّاً وسمّاه الوزير المواخيا

٦٢

فجاءه عليّ عليه‌السلام فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما تشتكي يا عليّ؟ قال: رمد ما أُبصر معه وصداع برأسي ، فقال: اجلس وضَعْ رأسك على فخذي ، ثمّ تفل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يده ومسح بها عينيه ورأسه ودعا له ، ففتحت عيناه وسكن الصداع وأعطاه الراية وقال له: امض بها ، جبرئيل معك والنصر أمامك .

فمضى عليّ عليه‌السلام حتّى أتى الحصن ، فخرج مرحب وعليه درع ومغفر وحجر قد نقبه (١) مثل البيضة على رأسه ، فاختلفا ضربتين ، فضربه عليّ عليه‌السلام فقدّ الحجر والمغفر ورأسه حتّى وقع السيف على أضراسه وخرّ صريعاً ، وانهزم من كان مع مرحب وأغلقوا باب الحصن ، وعالجه جماعة كثيرة من المسلمين فلم يتمكّنوا من فتحه فجاء أمير المؤمنين عليه‌السلام فقلعه وأخذه وجعله (٢) جسراً على الخندق حتّى عبر المسلمون عليه ، فظفروا بالحصن وأخذوا الغنائم ولما انصرفوا دحا به (٣) بيمناه سبعين ذراعاً ، وكان يغلقه عشرون رجلاً ورام المسلمون حمل ذلك فلم ينقله (٤) إلاّ سبعون رجلاً ، وقال عليه‌السلام : والله ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانيّة ، ولكن بقوّة ربّانيّة (٥) .

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج": ثقبه .

(٢) في "ج": اتخذه .

(٣) في "ج": رمى باب الحصن بيمناه .

(٤) في "ج": فلم يستطع قلبه .

(٥) راجع البحار ١٠٢: ١٣٨ .

٦٣

الخامسة : غزاة [ذات] السلسلة .

وخبر هذه الغزاة أنّه جاء أعرابي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله ، إنّ جماعة من العرب اجتمعوا بوادي الرمل على أن يبيّتوك بالمدينة ، فأمر بالصلاة جامعة فاجتمعوا وعرّفهم وقال: من لهم ؟ فابتدرت جماعة من أهل الصفة وغيرهم عدّتهم ثمانون وقالوا: نحن ، فَوَلِّ (١) علينا من شئت .

فاستدعى أبا بكر [وقال: امض] (٢) فمضى وتبعه القوم ، فهزموه وقتلوا جمْعاً كثيراً من المسلمين ، وانهزم أبو بكر وجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فبعث عمر فهزموه أيضاً ، فساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك ، فقال عمرو بن العاص: ابعثني يا رسول الله فإنّ الحرب خدعة ولعلّي أخدعهم ، فأنفذه مع جماعة فلمّا صاروا (٣) إلى الوادي خرجوا إليه ، فهزموه وقتلوا من أصحابه جماعة .

ثمّ دعا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثمّ بعثه إليهم ودعا له وخرج معه مشيّعاً له إلى مسجد الأحزاب ، وأنفذ معه جماعة منهم أبو بكر وعمر وعمرو بن العاص ، فسار بهم نحو العراق منكبّاً عن الطريق حتّى ظنّوا أنّه يريد بهم غير ذلك الوجه ، ثمّ أخذهم (٤) على طريق غامضة ، واستقبل الوادي من فمه .

وكان عليه‌السلام يسير الليل ويكمن النهار فلمّا قرب من الوادي أمر أصحابه أن يخفوا حسّهم (٥) ، وأوقفهم مكاناً وتقدّم أمامهم ناحية فلمّا رأى عمرو بن العاص فعله لم يشك في كون الفتح له ، فخوّف أبا بكر وقال: إنّ هذه أرض ذات ضباع وذئاب ، كثيرة الحجارة ، وهي أشد علينا من بني سليم ، والمصلحة أن نعلوا

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج": أمّر .

(٢) أثبتناه من "ج" .

(٣) في "ب": صعدوا .

(٤) في "ج": اتّجه بهم .

(٥) في "ج": يخفوا أصواتهم .

٦٤

الوادي ، وأراد فساد الحال على أمير المؤمنينعليه‌السلام حسداً له وبغضاً ، وأمره أن يقول ذلك لأمير المؤمنينعليه‌السلام .

فقال له أبو بكر فلم يجبه أمير المؤمنين عليه‌السلام بحرف واحد ، فرجع أبو بكر وقال: والله ما أجابني بحرف واحد ، فقال عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب: امض أنت إليه فخاطبه ، ففعل فلم يجبه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال عمرو: أنضيّع أنفسنا؟! انطلقوا بنا نعلوا الوادي ، فقال المسلمون: إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرنا أن لا نخالف علياً ، فكيف نخالفه ونسمع قولك؟ .

ما زالوا حتّى طلع الصبح (١) ، فكبس القوم وهم غافلون ، فأمكنه الله منهم ونزل جبرئيل عليه‌السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسورة ( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً ) (٢) السورة ، قسماً منه تعالى بخيل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعرّفه الحال .

ففرح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبشّر أصحابه بالفتح وأمرهم باستقبال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فخرجوا والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقدمهم ، فلمّا رأى أمير المؤمنين عليه‌السلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترجّل عن فرسه ، فوقف بين يديه وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لولا أنني أشفق أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمرّ بملأ منهم إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك [للبركة] (٣) ، اركب فإنّ الله ورسوله عنك راضيان (٤) .

وسمّيت هذه الغزاة (ذات السلاسل) لأنّه أسّر منهم وقتل منهم ، وأتى بالأسارى منهم مكتفين بالحبال كأنّهم في السلاسل .

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج": الفجر .

(٢) سورة العاديات .

(٣) أثبتناه من "ج" .

(٤) إرشاد المفيد: ٨٦; عنه البحار ٢١: ٧٧ و٧٩ ح٥; وكشف الغمة ١: ٢٣٠ .

٦٥

وأمّا الثاني : وهو مواطن جهاده بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه ابتلى وامتحن بحرب الناكثين والمارقين والقاسطين كما أمره (١) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وبيان هذه الحروب على سبيل الاختصار : أنّه بعد أن آل الأمر إليه (صلوات الله عليه) وبايعه المسلمون ، نهض طلحة والزبير ونكثا بيعته وانحازا (٢) إلى عائشة ، واجتمعوا إلى قتاله وتوجّهوا إلى البصرة ، وانضمّ إليهم منها خلق كثير وخرجوا ليحاربوه .

فخرج عليه‌السلام وردعهم فلم يرتدعوا ، ووعظهم فلم ينزجروا (٣) ، بل أصرّوا على القتال ، فقاتلهم حينئذٍ حتّى قتل منهم ستة عشر ألف وسبعمئة وتسعين ، وكانوا ثلاثين ألفاً ، وقُتل من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ألف وسبعون رجلاً وكانوا عشرين ألفاً ، وهذه الواقعة تُسمّى (واقعة الجمل) ، وهي حربه للناكثين ، وبعد ذلك اشتغل بوقعة صفين وحربه مع معاوية ، وهي (جهاد القاسطين) .

وهذه الحروب من الوقائع العظام التي يكاد أن يضطرب لها فؤاد الجليد (٤) ، ويشيب منها رأس اللبيب (٥) ، وبقي عليه‌السلام يكابد هذه الواقعة ثمانية عشر شهراً ، وقتل فيها من الفريقين على أقلّ الروايات مئة ألف وخمسة وسبعون ألفاً من أهل الشام ، وعشرون ألفاً (٦) من أهل العراق .

وفي ليلة الهرير من هذه الوقعة ـ وهي أشدّ أوقاتها ـ قُتل من الفريقين ستّة وثلاثون ألفاً ، وقتل عليه‌السلام بانفراده خمسمئة وثلاثة وعشرون فارساً (٧) ، لأنّه

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج": أخبره .

(٢) في "ب": صارا .

(٣) في "ب" و "ج": فلم يتّعظوا .

(٤) في "ج": الجنين .

(٥) في "ج": الوليد .

(٦) في "ج": خمسة وعشرون ألفاً .

(٧) في "ب": قتيلاً .

٦٦

كانعليه‌السلام كلّما قتل فارساً أعلن بالتكبير ، فأحصيت تكبيراته في تلك الليلة فكانت خمسمئة وثلاث وعشرين تكبيرة ، بخمسمئة وثلاثة وعشرين قتيلا ، وعرفوا قتلاه نهاراً بضرباته فإنّها كانت على وتيرة واحدة ، إن ضرب طولا قدّ أو عرضاً قطّ ، وكانت كلّها مكواة .

وروي أنّه عليه‌السلام في تلك الليلة فتق درعه لثقل ما كان يسيل من الدم على ذراعه (١) ، وفي صبيحة هذه الليلة انتظم أمر أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ولاحت لهم إمارات الظفر ولاحت لهم علامات النصر ، وزحف مالك الأشتر حتّى ألجأهم إلى معسكرهم ، ولم يبق إلاّ أخذهم وقبض معاوية فلما رأى عمرو بن العاص الحال على هذه قال لمعاوية: نرفع المصاحف وندعوهم إلى كتاب الله ، فقال: أصبت ، فرفعوها فرجع القرّاء من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام عن القتال ، وأقبلوا إليه وهم أربعة آلاف فارس كأنّهم السد من الحديد ، وقالوا: ابعث ردّ الأشتر عن قتال هؤلاء .

فقال لهم: إنّها خديعة ابن العاص وشيطنته وهؤلاء ليسوا من رجال القرآن ، فلم يقبلوا وقالوا: لابدّ أن تردّ الأشتر وإلاّ قتلناك أو سلّمناك إليهم ، فأنفذ عليه‌السلام يطلب الأشتر ، فقال : قد أشرفت على الفتح وليس هذا وقت طلبي ، فعرّفه اختلال أصحابه ، فرجع وعنّف القرّاء وسبّهم وسبّوه ، وضرب وجه دوابهم فلم يرجعوا .

ووضعت الحرب أوزارها ، فبعث إليهم أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال لهم: لماذا رفعتم المصاحف؟ قالوا: للدعاء إلى العمل بمضمونها ، وأن نقيم حَكَماً وتقيموا حَكَماً ينظران في هذا الأمر ، ويقرّان الحق مقرّه ، فتبسّم أمير المؤمنين عليه‌السلام تعجباً وقال: يا ابن أبي سفيان أنت تدعوني إلى العمل بكتاب الله ، وأنا كتاب الله (٢)

ـــــــــــــــــ

(١) لاحظ كشف الغمة ١: ٢٥٥ .

(٢) في "ج": كتابه .

٦٧

الناطق ، إنّ هذا لهو العجب العجيب والأمر الغريب .

ثمّ قال لأولئك القرّاء: إنّها حيلة وخديعة فعلها ابن العاص لمعاوية ، فلم يسمعوا وألزموه بالتحكيم ، فعيّن معاوية عمرو بن العاص وعيّن أمير المؤمنين عبد الله بن العباس ، فلم يوافقوا ، قال: فالأشتر ، فأبوا واختاروا أبا موسى الأشعري ، فقال عليه‌السلام : أبو موسى ضعيف العقل وهواه مع غيرنا ، فقالوا: لابدّ منه وحكّموه .

فخدع أبو موسى وحمله على خلع أمير المؤمنين عليه‌السلام وأنّه يخلع معاوية ، وأمره بالتقدّم حيث هو أكبر سنّاً ، فصعد أبو موسى المنبر وخطب ونزع أمير المؤمنين عليه‌السلام من الخلافة ، ثمّ قال: قم يا عمرو فافعل كذلك .

فقام وصعد المنبر وخطب وأقرّ الخلافة في معاوية ، فشتمه أبو موسى وتلاعنا ، فقال علي عليه‌السلام لأصحابه القرّاء العبّاد الذين غلبوا على رأيه بالتحكيم: ألم أقل لكم إنها حيلة فلا تنخدعوا بها ، فلم تقبلوا؟ قالوا لعنهم الله: ما كان ينبغي لك أن تقبل منّا ، فأنت قد عصيت الله بقبولك منّا ولا طاعة لمن عصى الله .

وخرجوا من الكوفة مصرّين على قتاله ، وأمّروا عليهم عبد الله بن وهب وذا الثدية وقالوا: ما نريد بقتالك إلاّ وجه الله والدار الآخرة ، فقرأ عليه‌السلام : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) (١) .

ثمّ التحم القتال ، فحمل عليهم أمير المؤمنين عليه‌السلام حملة واحدة ، فلم يكن (٢) إلاّ ساعة حتّى قتلوا بأجمعهم سوى تسعة أنفس فإنّهم هربوا ، وقتل من أصحاب عليّ عليه‌السلام تسعة ، عدد مَنْ سلم من الخوارج ، وكان عليه‌السلام قد

ـــــــــــــــــ

(١) الكهف: ١٠٣ و ١٠٤ .

(٢) في "ج": فلم تمض .

٦٨

أخبر من قبل القتال بأنّا نقتلهم (١) ولا يُقتل منّا عشرة ولا يسلم منهم عشرة .

فهذه (وقعة النهروان) وهو قتاله عليه‌السلام للخوارج المارقين الذين قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّهم: إنّهم شرّ الخلق والخليقة ، يقتلهم خير الخلق والخليقة ، وأعظمهم عند الله يوم القيامة وسيلة (٢) .

[الجمع بين الفضائل المتضادّات]

ومن فضائله (صلوات الله عليه) التي انفرد بها من المشاركة فيها ، أنّه جمع بين الفضائل المتضادّات ، وألّف بين الكمالات المتباينات (٣) فإنّه كان يصوم النهار ويقوم الليل مع هذه المجاهدات التي ذكرناها ، ويفطر على اليسير من جريش الشعير بغير إدام كما قلناه في صفة زهده ، ومن يكون بهذه الحال يكون ضعيف القوّة ، وأمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) كان مع ذلك أشدّ الناس قوّة ، وأنّه قلع باب خيبر وقد عجز عن حملها سبعون نفراً من المسلمين ، ورمى بها (٤) أذرعاً كثيرة ثمّ أعادها إلى مكانها بعد أن وضعها على الخندق جسراً .

وكان أكثر الوقت في الحروب يباشر قتل النفوس ، ومَنْ هذا حاله يكون شديد اللقاء عبوس الوجه ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام كان مع ذلك رحيماً رقيق القلب ، حسن الأخلاق ، طلق الوجه ، حتّى نسبه بعض المنافقين إلى الدعابة لشرف

ـــــــــــــــــ

(١) في "ب": نقاتلهم .

(٢) راجع البحار ٣٣: ٣٣١ ح٥٧٧; عن كشف الغمة ١: ١٥٨ .

(٣) قال صفيّ الدين الحلي المتوفى في المئة الثامنة:

جُمعت في صفاتك الأضداد

ولهذا عزّت لك الأنداد

زاهد حاكم حليم شجاع

فاتك ناسك فقير جواد

شيم ما جمعن في بشر قط

ولا حاز مثلهنّ العباد

خُلُق يخجل النسيم من اللطف

وبأس يذوب منه الجماد

جلّ معناك أن يحيط به

الشعر ويحصي صفاتك النقاد

(٤) في "ب": دحا بها .

٦٩

أخلاقه صلوات الله عليه .

وهذه الفضائل قد وردت من طريق الخصم ولم يمكنه إخفاؤها لشهرتها من طريقهم وطريقنا (١) ، وجميعها يدلّ على إمامته فكيف من طريق أهل البيت عليهم‌السلام .

إنّ علماء الشيعة (رضوان الله عليهم) قد ألّفوا في فضائله والأدلّة على إمامته كتباً كثيرة لا تُحصى ، من جملتها كتاب واحد من جملة تصانيف الشيخ الأعظم ، والبحر الخضم ، ينبوع الفضائل والحكم ، جمال الإسلام والمسلمين ، الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلي قدّس الله نفسه الزكية ، سمّاه بكتاب "الألفين" فيه ألف دليل من الكتاب العزيز الذي ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ) كما قال سبحانه وتعالى ، وألف دليل من سنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إمامة عليّ بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه) .

ولو لم يكن من الدلائل على إمامته سوى العصمة والنص من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكان كافياً ، وذلك لأنّ الإمام إذا لم يكن معصوماً لجاز عليه الخطأ ، فيحتاج إلى إمام آخر يردّه عن خطئه ، ويلزم التسلسل وهو محال ؛ لأنّ السبب المحوج إلى الإمام جوازُ الخطأ على الأمة ، فلا يجوز أن يكون الإمام كذلك وإلاّ لانتفت الفائدة من إمامته .

ولأنّ الإمام حافظ للشرع ، فلو لم يكن معصوماً لجاز عليه الإخلال بشيء من الشرع والزيادة فيه ، فلا يكون الشرع محفوظاً .

ـــــــــــــــــ

(١) قال الشاعر:

صفات أمير المؤمنين مَنِ اقْتفى

مدارجها أقنته ثوب ثوابه

صفات جلال ما اغتدى بلبانها

سواه ولا حلّت بغير جنابه

تفوّقها طفلاً وكهلاً فأينعت

معاني المعالي فهي ملء إهابه

مناقب من قامت به شهدت له

بإزلافه من ربّه واقترابه

مناقب لطف الله أنزلها له

وشرّف ذكراه بها في كتابه

٧٠

ولأنّ الإمام مع جواز المعصية عليه إما أن يتّبع أو لا ، فإن اتّبع لزم التعاون على الإثم المنفي بقوله تعالى: ( وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوان‏ ) (١) ، أو لا يتّبع فلا يكون إماماً لعدم الفائدة ومع هذا فالإمامة لطف من الله تعالى ، والله تعالى حكيم فلا يختار إلاّ المعصوم ، فحينئذٍ يجب أن يكون الإمام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام للإجماع على عصمته عليه‌السلام دون غيره .

وأمّا النصّ فكثير تواترت به الشيعة خلفاً عن سلف أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّ عليه بالخلافة نصّاً جليّاً ، كقوله: أنت الخليفة من بعدي ، سلّموا عليه بإمرة المؤمنين ، اسمعوا له وأطيعوا إلى غير ذلك من الأخبار .

وأمّا الدلائل على إمامته كقوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقينَ ) (٢) أي المعلوم منهم الصدق ، ولا يعلم الصدق إلاّ من المعصوم ، ولا معصوم ممّن قيل بإمامته إلاّ هو ، فتعيّن للإمامة .

ومنها : أن أبا بكر والعباس كانا كافرين فلا يصلحان للإمامة لقوله تعالى: ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمين‏ ) (٣) فتعيّن هو لها .

ومنها : أن غيره ظالماً لكونه كافراً ، والركون إلى الظالم منهيّ عنه لقوله تعالى: ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٤) فتعيّن هو لها .

ومنها : قوله تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٥) والولي هو الأولى بالتصرّف ، كقولهم: لا نكاح إلاّ بولي ، والسلطان وليّ من لا وليّ له ، فلا يخلو إما أن يكون المراد بـ ( الَّذِينَ

ـــــــــــــــــ

(١) المائدة: ٢ .

(٢) التوبة: ١١٩ .

(٣) البقرة: ١٢٤ .

(٤) هود: ١١٣ .

(٥) المائدة: ٥٥ .

٧١

آَمَنُوا ) الجمع أو البعض ، والأوّل باطل وإلاّ لكان الولي والمولّى عليه واحداً ، ولأنّه قيّده بإيتاء الزكاة حال الركوع وهو وصف له لم يحصل للكل ، فتعيّن أن يكون المراد البعض ، وحينئذٍ يكون هو علياً عليه‌السلام .

لأنّ كلّ من قال المراد بالآية البعض قال إنّه عليّعليه‌السلام ، فلو قيل غيره مع أن المراد به البعض كان خرقاً للإجماع ولأنّ علياًعليه‌السلام مراد بالإجماع ، أما على قول من يقول المراد به الجميع فدخوله ظاهر لأنّه سيّدهم ، وأمّا على قول الآخر فظاهر .

ومنها : خبر الغدير المشهور وسيأتي .

ومنها : قوله تعالى: ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) وليس المراد بذلك الجميع وإلاّ لكان المطاع والمطيع واحداً ، فتعيّن أن يكون البعض وهو المعصوم لاستحالة الترجيح من غير مرجح ، ولا معصوم سواه فيكون هو المطاع .

ومن أعجب الأشياء أن علياً عليه‌السلام ما زال في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أميراً والياً مستخلفاً مطاعاً ، وولاّه المدينة ، واستقضاه على اليمن ، وأخذ (٢) الراية واللواء في جميع الحروب ، ولم يكن في عسكر غاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه إلاّ كان هو الأمير عليه ، واستخلفه حين هاجر في مكة في قضاء ديونه ، وردّ ودائعه ، وحمل نسائه وأهله وبات على فراشه ، وبذل نفسه وقاية له مع أن غيره لم يستصلح لشيء من ذلك في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع كونه ظهيراً له ، وعزل عن تبليغ براءة ولم يستصلح لها ، ولما استخلفته عائشة في الصلاة سأل من المصلّي؟ فقيل له: أبو بكر ، فخرج متّكئاً على عليّ والفضل بن العباس فزحزحه وصلّى ، وكان أسامة أميراً

ـــــــــــــــــ

(١) النساء: ٥٩ .

(٢) في "ج": وأعطاه .

٧٢

عليه وعلى عمر وعثمان ، ولم يكن عليّ فيه .

فليت شعري كيف يفوّض إليه أمر الأمة مع أنّه لم يصلح لتفويض البعض اليسير ، ويترك من استصلحه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأكثر الأمور وشدائد الوقائع؟ ( إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ) ، أعاذنا الله وإيّاكم من اتّباع الهوى ، والاغترار بالأباطيل والمنى بمحمد وآله الطاهرين .

فصل : يذكر فيه طرف من فضائلهعليه‌السلام من طرق أهل البيتعليهم‌السلام

روي عن ابن عباس قال: سأل رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عمل يدخل به الجنّة ، قال: صلّ المكتوبات ، وصم شهر رمضان ، واغتسل من الجنابة ، وأحب عليّاً وأولاده ، وادخل الجنّة من أيّ باب شئت فوالذي بعثني بالحقّ لو صلّيت ألف عام ، وصمت ألف عام ، وحججت ألف حجة ، وغزوت ألف غزوة ، وعتقت ألف رقبة ، وقرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، ولقيت الأنبياء كلّهم ، وعبدت الله مع كلّ نبيّ ألف عام ، وجاهدت معهم ألف غزوة ، وحججت مع كلّ نبيّ ألف حجّة ، ثمّ مت ولم يكن في قلبك حبّ علي وأولاده أدخلك [الله] النار مع المنافقين ألا فليبلغ الشاهد الغائب قولي في عليّ عليه‌السلام ، فإنّي لم أقل في عليّ إلاّ بأمر جبرئيل عليه‌السلام ، وجبرئيل لا يخبرني إلاّ عن الله (عَزَّ وجَلَّ) ، وإنّ جبرئيل عليه‌السلام لم يتّخذ أخاً في الدنيا إلاّ عليّاً ، ألا من شاء فليحبّ ومن شاء فليبغض ، فإنّ الله سبحانه اتّخذ (١) على نفسه أن لا يخرج مبغض عليّ بن أبي طالب من النار أبداً .

ـــــــــــــــــ

(١) في "ج": حتم .

٧٣

وروي عن الصادق عليه‌السلام يقول: من أحبّنا لله وأحبّ محبّنا لا لغرض دنيا يصيبه منه ، وعادى عدوّنا لا لإحنّة كانت بينه وبينه ، ثمّ جاء يوم القيامة وعليه من الذنوب مثل رمل عالج وزبد البحر غفرها الله تعالى له (١) .

وعنه عليه‌السلام : أن الله تعالى ضمن للمؤمن (٢) ضماناً ، قال : قلت : وما هو؟ قال: ضمن له إنْ أقرّ لله بالربوبيّة ، ولمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة ، ولعليّ عليه‌السلام بالإمامة ، وأدّى ما افترض الله عليه ، أن يسكنه في جواره ، قال: قلت: والله هذه الكرامة التي لا تشبهها كرامة الآدميين ، ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : اعملوا قليلاً تنعموا كثيراً (٣) .

وبإسناده عن الرضا عليّ بن موسى ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حبّنا أهل البيت يكفّر الذنوب ، ويضاعف الحسنات ، والله تعالى ليتحمّل عن محبّينا أهل البيت ما عليهم من مظالم العباد إلاّ من كان منهم على إصرار وظلم للمؤمنين ، فيقول للسيّئات: كوني حسنات (٤) .

وروي عن الحسين بن عليّ عليهما‌السلام قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألزموا مودّتنا أهل البيت فإنّه من لقى الله يوم القيامة وهو يودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلاّ بمعرفته حقّنا (٥) .

وروي بإسناده إلى ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــــــ

(١) أمالي الطوسي: ١٥٦ ح٢٥٩; عنه البحار ٢٧: ٥٤ ح٧ .

(٢) في "ب" و "ج": للمؤمنين .

(٣) أمالي الطوسي: ١٥٠ ح٢٦٦; عنه البحار ٦٧: ١٤٦ ح٢ .

(٤) أمالي الطوسي: ١٦٤ ح٢٧٤; عنه البحار ٦٨: ١٠٠ ح٥ .

(٥) أمالي الطوسي: ١٨٦ ح٣١٤; عنه البحار ٢٧: ١٧٠ ح١٠; ونحوه في المحاسن ١: ١٣٤ ح١١٨ .

٧٤

يقول: أعطاني الله خمساً وأعطى علياً خمساً ، أعطاني جوامع الكلم وأعطى علياً جوامع العلم ، وجعلني نبيّاً وجعل عليّاً وصيّاً ، وأعطاني الكوثر وأعطى عليّاً السلسبيل ، وأعطاني الوحي وأعطى علياً الإلهام ، وأسرى بي إليه وفتح له أبواب السماء حتّى رأى ما رأيت ونظر ما نظرت إليه .

ثمّ قال: يا ابن عباس ، من خالف علياً فلا تكوننّ ظهيراً له ولا وليّاً ، فوالذي بعثني بالحق ما يخالفه أحد إلاّ غيّر الله ما به من نعمة ، وشوّه خلقه قبل إدخاله النار يا ابن عباس ، لا تشك في عليّ فإنّ الشك فيه كفر يُخرج عن الإيمان ، ويوجب الخلود في النار (١) .

وروي عن جابر بن عبد الله قال: أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: يا رسول الله من وصيّك؟ قال: فأمسك عنّي عشراً لا يجيبني ، ثمّ قال: يا جابر ، ألا أخبرك عمّا سألتني؟ فقلت: بأبي وأمي أنت [يا رسول الله] (٢) والله لقد سكتّ عنّي حتّى ظننت إنّك وجدت عليَّ فقال: ما وجدت عليك يا جابر ولكن كنت أنتظر ما يأتيني من السماء ، فأتاني جبرئيل فقال: يا محمد ، ربّك يقول لك: "إنّ عليّ بن أبي طالب وصيّك وخليفتك على أهلك وأمتك ، [وأمينك] (٣) والذائد عن حوضك ، وهو صاحب لوائك يقدمك إلى الجنّة" فقلت: يا نبيّ الله ، أرأيت من لا يؤمن بهذا أقتله؟ قال: نعم يا جابر ، ما وضع هذا الموضع إلاّ ليتابع عليه ، فمن تابعه كان معي غداً ، ومن خالفه لم يرد عليّ الحوض أبداً (٤) .

ـــــــــــــــــ

(١) أمالي الطوسي: ١٨٨ ح٣١٧; عنه البحار ١٦: ٣٢٢ ح١٢; ونحوه الخصال: ٢٩٣ ح٥٧ باب الخمسة .

(٢) أثبتناه من "ج" .

(٣) أثبتناه من "ج" .

(٤) أمالي الطوسي: ١٩٠ ح٣٢١; عنه البحار ٣٨: ١١٤ ح٥٢; وأمالي المفيد: ١٠٨ المجلس الحادي والعشرون .

٧٥

وروى أبو ذر رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ضرب كتف عليّ عليه‌السلام بيده وقال: يا عليّ من أحبّنا فهو العربي ومن أبغضنا فهو العلج ، فشيعتنا أهل البيوت والمعادن والشرف وما كان مولده صحيحاً ، وما على ملّة ابراهيم إلاّ نحن وشيعتنا وسائر الناس منها برآء ، وإنّ الله وملائكته يهدمون سيّئات شيعتنا كما يهدم القوم البنيان (١) .

وروي عن الصادق عليه‌السلام قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما أُسري بي إلى السماء وانتهيت إلى سدرة المنتهى ، نوديت: يا محمد ، استوص بعليّ خيراً ، فإنّه سيد المسلمين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين (٢) .

وعن الباقر عليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام على منبر الكوفة: أيّها الناس! إنّه كان لي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشر خصال إحداهن أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس ، قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ ، أنت أخي في الدنيا والآخرة ، وأنت أقرب الخلق إليّ يوم القيامة في الموقف بين يدي الجبّار ، ومنزلك في الجنّة مواجه منزلي كما يتواجه منزل الإخوان في الله (عَزَّ وجَلَّ) وأنت الوارث منّي ، وأنت الوصيّ من بعدي في عدّتي وأسرتي ، وأنت الحافظ لي في أهلي عند غيبتي ، وأنت الإمام لأمتي ، والقائم بالقسط في رعيّتي ، وأنت وليّي ووليّي وليّ الله ، وعدوّك عدوّي وعدوّي عدوّ الله (٣) .

وعن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ ، إن الله أمرني أن أتّخذك أخاً ووصيّاً ، فأنت أخي ووصيّي وخليفتي على أهلي في حياتي وبعد موتي ، من تبعك فقد تبعني ، ومن تخلّف

ـــــــــــــــــ

(١) أمالي الطوسي: ١٩٠ ح٣٢٢; عنه البحار ٦٨: ٢٣ ح٤١; وأمالي المفيد: ١٠٨ المجلس الحادي والعشرون .

(٢) أمالي الطوسي: ١٩٣ ح٣٢٨; عنه البحار ١٨: ٤٠٩ ح١١٩; وأمالي المفيد: ١١١ المجلس الثاني والعشرون .

(٣) أمالي الطوسي: ١٩٣ ح٣٢٩; عنه البحار ٣٨: ١٥٥ ح١٣٠; وأمالي المفيد: ١١١ المجلس الثاني والعشرون .

٧٦

عنك فقد تخلّف عنّي ، ومن كفر بك فقد كفر بي ، ومن ظلمك فقد ظلمني [ومن خادعك فقد خادعني] (١) . يا عليّ أنت منّي وأنا منك ، يا عليّ لولا أنت ما قاتل أهل النهر أحداً ، قال: فقلت له: يا رسول الله ومن أهل النهر؟ قال: قوم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية (٢) .

وقال الصادق عليه‌السلام : ما جاء عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يؤخذ به ، وما نهى عنه ينتهى عنه ، جرى له من الفضل (٣) ما جرى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولرسوله الفضل على جميع من خلق الله ، العائب على أمير المؤمنين عليه‌السلام في شيء كالعائب على الله وعلى رسوله ، والراد عليه في صغير أو كبير على حدّ الشرك بالله .

كان أمير المؤمنين عليه‌السلام باب الله الذي لا يؤتى إلاّ منه ، وسبيله الذي من تمسّك بغيره هلك ، وكذلك جرى حكم الأئمة عليهم‌السلام من بعده واحد بعد واحد ، جعلهم الله أركان الأرض ، وهم الحجة البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى .

أما علمت انّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقول: أنا قسيم بين الجنّة والنار ، وأنا الفاروق الأكبر ، وأنا صاحب العصى والميسم ، ولقد أقرّ لي جميع الملائكة والروح مثل ما أقرّوا لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولقد حملت مثل حمولة محمد وهي حمولة الربّ سبحانه .

وأنّ محمداً يُدعى فيكسى ويُستنطق فينطق ، وأُدعى فأُكسى وأُستنطق فأنطق ، ولقد أعطيت خصالاً لم يعطها أحد قبلي ، علمت المنايا والبلايا والقضايا

ـــــــــــــــــ

(١) أثبتناه من "ب" .

(٢) أمالي الطوسي: ٢٠٠ ح٣٤١; عنه البحار ٣٣: ٣٢٥ ح٥٧٠ .

(٣) في "ب" و "ج": الفضائل .

٧٧

والأنساب وفصل الخطاب ، ولقد نظرت في الملكوت بإذن ربّي فما غاب عنّي ما كان قبلي ولا ما يأتي بعدي ، وإنّ بولايتي أكمل الله لهذه الأمة دينهم (١) .

وروي عن الباقر عليه‌السلام قال: أحبب حبيب آل محمد وإن كان فاسقاً زانياً (٢) ، وابغض مبغض آل محمد وإن كان صوّاماً قوّاماً ، فإنّي سمعت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (٣) ثمّ التفت إلى عليّ عليه‌السلام فقال: والله أنت وشيعتك يا علي ، وميعادك وميعادهم الحوض غداً ، غرّاً محجلين مكحلين متوّجين ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : هكذا هو عياناً في كتاب عليّ عليه‌السلام (٤) .

وعن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال: إذا كان يوم القيامة وكّلنا الله بحساب شيعتنا ، فما كان لله سألنا الله أن يهبه لنا فهو لهم ، وما كان لنا فهو لهم ثمّ قرأ أبو عبد الله عليه‌السلام : ( إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ) (٥) (٦) .

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال: إن الله (عَزَّ وجَلَّ) جعل عليّاً علماً بينه وبين خلقه ليس بينهم علم غيره ، فمن أقرّ بولايته كان مؤمناً ، ومن جحدها كان كافراً ، ومن جهله كان ضالاًّ ، ومن نصب معه كان مشركاً ، ومن جاء بولايته دخل الجنّة ، ومن أنكرها دخل النار (٧) .

وروي عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إذا حُشر الناس يوم القيامة نادى مناد: يا رسول الله إن الله جلّ

ـــــــــــــــــ

(١) أمالي الطوسي: ٢٠٣ ح٣٥٢; عنه البحار ٢٥: ٣٥٢ ح١; ونحوه الكافي ١: ١٩٦ ح١ .

(٢) في "ج": جانياً .

(٣) البيّنة: ٧ .

(٤) أمالي الطوسي: ٤٠٥ ح٩٠٩; عنه البحار ٢٧: ٢٢٠ ح٥ .

(٥) الغاشية: ٢٥ و ٢٦ .

(٦) أمالي الطوسي: ٤٠٦ ح٩١١; عنه البحار ٧: ٢٦٤ ح١٩ .

(٧) أمالي الطوسي: ٤١٠ ح٩٢٢; عنه البحار ٣٨: ١١٧ ح٥٩ .

٧٨

اسمه أمكنك من مجازات محبّيك ومحبّي أهل بيتك الموالين لهم فيك [والمعادين لهم فيك] فكافهم بما شئت ، فأقول: يا ربّ الجنّة ، فأنادى (١) : بوّئهم منها حيث شئت فلك المقام المحمود الذي وعدت به (٢) .

وعن الصادق عليه‌السلام قال: شيعتنا جزء منّا ، خلقوا من فضل طينتنا ، يسوؤهم ما يسوؤنا ويسرّهم ما يسرّنا ، فإذا أرادنا أحد فليقصدهم فإنّهم الباب الذي يوصل منه إلينا (٣) .

وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أول من اتّخذ عليّ بن أبي طالب أخاً من أهل السماء حملة العرش ثمّ جبرئيل ثمّ ميكائيل ثمّ رضوان خازن الجنان ثمّ ملك الموت وإنّ ملك الموت يترحّم على محبّي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام كما يترحّم على الأنبياء ، ولو أنّ عبداً عبد الله ألف عام من بعد ألف عام بين الركن والمقام ثمّ لقى الله مبغضاً لعليّ لأكبّه الله يوم القيامة على منخريه في النار (٤) .

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من صافح علياً كأنّما صافحني ، ومن صافحني فكأنّما صافح أركان العرش ، ومن عانقه فكأنّما عانق الأنبياء كلّهم ، ومن صافح محبّاً لعليّ غفر الله ذنوبه وأدخله الجنّة بغير حساب (٥) .

وقال عليه‌السلام : مكتوب على العرش: لا إله إلاّ الله ، محمد نبيّ الرحمة ، وعليّ مقيم الحجة ، ومن عرف حق علي زكى وطاب ، ومن أنكر حقه لعن وخاب أقسمت (٦) بعزّتي وجلالي أن اُدخل الجنة من أطاعه وإن عصاني ، وأقسمت

ـــــــــــــــــ

(١) في "ب": فأنا الذي أبوّئهم منها .

(٢) أمالي الطوسي: ٢٩٨ ح٥٨٦; عنه البحار ٨: ٣٩ ح٢٠ .

(٣) أمالي الطوسي: ٢١٩ ح٥٨٨; عنه البحار ٦٨: ٢٤ ح٤٣ .

(٤) مائة منقبة: ١١٩ ح٩٤; كشف الغمة ١: ١٠١; عنه البحار ٣٩: ١١٠ ح١٧; المناقب للخوارزمي: ٧١ ح٤٩ .

(٥) راجع البحار ٢٧: ١١٥ ح٩٠; عن مناقب ابن شاذان: ٩٢ ح٣٩ .

(٦) زاد في "ج": وفي الحديث القدسي قال:أقسمت ... .

٧٩

بعزّتي وجلالي أن أدخل النار من عصاه وإن أطاعني (١) .

وقال عليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة ينادون عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بسبعة أسماء: يا صديق ، يا دالّ ، يا عابد ، يا هادي ، يا مهديّ ، يا فتى ، يا عليّ ، أدخل أنت وشيعتك إلى الجنة بغير حساب .

وقال عليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة أقام الله (عَزَّ وجَلَّ) جبرئيل ومحمداً عليهما‌السلام على الصراط ، لا يجوز أحد إلاّ من كان معه براءة من عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (٢) .

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يحشر الشاك في عليّ من قبره في عنقه طوق من نار ، فيه ثلاثمئة شعلة ، على كلّ شعلة شيطان يلطم وجهه حتّى يوقف موقف الحساب (٣) .

وقال عليّ عليه‌السلام : تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنّة ، وهم الذين قال الله تعالى: ( وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) (٤) أنا وشيعتي (٥) .

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقول الله لي ولعليّ بن أبي طالب: أدخلا الجنّة من أحبّكما وأدخلا النار من أبغضكما ، وذلك قوله تعالى: ( أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ) (٦) .

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ إن الله (عَزَّ وجَلَّ) قد غفر لك

ـــــــــــــــــ

(١) البحار ٢٧: ١٠ ح٣; عن مناقب ابن شاذان: ١٠٦ ح٥٠ .

(٢) راجع البحار ٣٩: ٢٠٨ ح٢٧ .

(٣) أمالي المفيد: ٩٤ مجلس ١٨; والبحار ٣٩: ٣٠٤ ح١٢٠ .

(٤) الأعراف: ١٨١ .

(٥) راجع البحار ٢٤: ١٤٦ ح١٨ .

(٦) أمالي الطوسي: ٢٩٠ ح٥٦٣; عنه البحار ٧: ٣٣٨ ح٢٧; والآية في سورة ق: ٢٤ .

٨٠