مرآة العقول الجزء ٤

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 380

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 380
المشاهدات: 19592
تحميل: 7979


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 380 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19592 / تحميل: 7979
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 4

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

________________________________________________________

ساعة طويلة ثمّ مات ، وسلم الرجلّ من القتل.

قال : صاحب المقاتل نقلاً عن المدائني : قال : خرج مع الحسين صاحب الفخّ من أهل بيته يحيى وسليمان وإدريس بنو عبد الله بن الحسن بن الحسن ، وعليّ بن إبراهيم بن الحسن ، وإبراهيم بن إسماعيل طباطبا وحسن بن محمّد بن عبد الله بن الحسن وعبد الله وعمرّ ابنا الحسن بن عليّ بن الحسنّ وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ، وقال : قتل منهم سليمان بن عبد الله والحسن بن محمّد بن عبد الله ، وعبد الله بن إسحاق.

وروى بإسناده عن عمرو بن مساور قال : أخبرني جماعة من موالي محمّد بن سليمان انّه لـمّا حضرته الوفاة جعلوا يلقّونه الشهادة وهو يقول :

ألاليت أمّي لم تلدني ولم أكن

لقيت حسيناً يوم فخّ ولا الحسن

فجعل يردّدها حتّى مات.

وبإسناده عن محمّد بن إسحاق عن أبي جعفر محمّد بن عليّعليه‌السلام قال : مرّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بفخ فنزل فصلّى ركعة ، فلـمّا صلّى الثانية بكى وهو في الصلاة ، فلـمّا رأى الناس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي بكوا ، فلـمّا انصرف قال : ما يبكيكم؟ قالوا : لـمّا رأيناك تبكي بكينا يا رسول الله ، قال : نزل جبرئيل لـمّا صليّت الركعة الأولى فقال : لي : يا محمّد إنّ رجلاً من ولدك يقتل في هذا المكان ، وأجر الشهيد معه أجر شهيدين.

وبإسناده عن النضر بن قرواش قال : أكريت جعفر بن محمّدعليه‌السلام من المدينة ، فلـمّا رحلنا من بطن مرّ قال : لي : يا نضر إذا انتهيت إلى فخ فأعلمني ، قلت : أو لست تعرفه؟ قال : بلى ولكنّي أخشى أن تغلبنيّ عيني ، فلـمّا انتهينا إلى فخّ دنوت من المحمل فإذا هو نائم ، فتنحنحت فلم ينتبه فحركت المحمل فجلس فقلت : قد بلغت ، فقال : حلّ محملي ، ثمَّ قال : صل القطار فوصلته ثمَّ تنحيت به عن الجادة فأنخت بعيره ، فقال : ناولني الإداوة والركوة ، فتوضأ وصلّى ثمَّ ركب ، فقلت له : جعلت فداك رأيتك

١٦١

له : يا ابن عمّ لا تكلفني ما كلف ابن عمك عمك أبا عبد الله فيخرج مني ما لا اُريد كما خرج من أبي عبد الله ما لم يكن يريد فقال : له الحسين انّما عرضت عليك أمرا فإن أردته دخلت فيه وانّ كرهته لم أحملك عليه «وَاللهُ الْمُسْتَعانُ » ثمَّ ودعه فقال : له أبو الحسن موسى بن جعفر حين ودَّعه يا ابن عمّ إنّك مقتول فأجدّ الضراب فإن القوم فساق يظهرون إيماناً ويسترون شركاً و «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » أحتسبكم

________________________________________________________

قد صنعت شيئاً أفهو من مناسك الحج؟ قال : لا ولكن يقتل هيهنا رجلّ من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة ثمَّ ذكر أخباراً كثيرة في سخائه وسائر فضائله.

وروى مؤلف كتاب عمدة الطالب عن أبي نصر البخاري عن محمّد الجواد ابن عليّ الرّضاعليهما‌السلام انّه قال : لم يكن لنا بعد الطّف مصرع أعظم من فخّ.

وروى صاحب معجم البلدان عنهعليه‌السلام مثله.

وأقول : وانّ كان أكثر هذه الأخبار من روايات الزيديّة لكن لم أستبعد صحّة بعضها.

قوله : واحتوى على المدينة أي غلب عليها وأحاط بها « ما كلف ابن عمّك » أي محمّد بن عبد الله ، وسمى أبا عبد اللهعليه‌السلام عمّه مجازا « فأجدّ الضراب » من الإجادة أي أحسن ، يقال : جاد وأجاد أي أتى بالجيد ، وربما يقرأ بتشديد الدال أي اجتهد ، والضراب بالكسرّ مصدر باب المفاعلة القتال « فإن القوم » أي بنيّ العباس وأتباعهم « فساق » أي خارجون من الدّين ويسّرون شركا ، لأنّهم لو كانوا قائلون بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاتبعوه في تقديم أوصيائه ومتابعتهم « أحتسبكم عند الله » أي أطلب أجر مصيبتكم من الله ، وأصبر فيها طلباً للأجر ، أو أظنكم عند الله في الدرجات العالية ، بناء على أن غرضهم النّهي عن المنكر لا دعوى الإمامة ، والأوّل أظهر ، ومن بيان للضمير البارز في أحتسبكم.

١٦٢

عند الله من عصبة ثمَّ خرج الحسين وكان من أمره ما كان قتلوا كلهم كما قال :عليه‌السلام .

١٩ - وبهذا الإسناد ، عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري قال : كتب يحيى بن عبد الله بن الحسن إلى موسى بن جعفرعليه‌السلام أما بعد فأنّي أوصيُّ نفسي بتقوى الله وبها أوصيك فإنّها وصية الله في الأوّلين و وصيّته في الآخرين ، خبّرني من ورد عليَّ من أعوان الله على دينه ونشر طاعته بما كان من تحنّنك مع خذلانك ، وقد

________________________________________________________

وقال الجوهوي : عصبة الرجلّ بنوه وقرابته لأبيه وإنّما سمّوا عصبة لأنّهم عصبوا به أي أحاطوا به ، فالأب طرف ، والابن طرف ، والعم جانب ، والأخ جانب ، انتهى.

ويمكن أن يقرأ بضمّ العين وسكون الصّاد ، كما قال : تعالى حكاية عن إخوة يوسف : «وَنَحْنُ عُصْبَةٌ »(١) قال : الطبرسي (ره) : العصبة الجماعة التي يتعصّب بعضها لبعض ، ويقع على جماعة من عشرة إلى خمسة عشر ، وقيل : ما بين العشرة إلى الأربعين ولا واحد له من لفظه كالقوم والرّهط.

الحديث التاسع عشر ضعيف « فأنّي أوصيُّ » وصية النفس بالتقوى توطين النفس عليها قبل أمرّ الغير بها « فإنّها وصية الله » إشارة إلى قوله تعالى : «وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الّذين أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ »(٢) .

« خبّرني » على بناء التفعيل « من تحننّك » أي ترحمك على وإشفاقك من قتلي مع خذلانك وعدم نصرتك لي ، وتوهّم أن الرحم والحزن على سفاهته المؤدّية إلى قتله ينافي ترك نصرته وهو باطل من وجوه ، إذ الحزن عليه انّما كان لتركه أمرّ الله في الخروج وإعانته على نفسه وهذا لا يوجب أن يرتكبعليه‌السلام ما نهى الله عنه من الخروج

__________________

(١) سورة يوسف : ٨.

(٢) سورة النساء : ١٣١.

١٦٣

شاورت في الدَّعوة للرضا من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد احتجبتها واحتجبها أبوك من قبلك وقديما ادعيتم ما ليس لكم وبسطتم آمالكم إلى ما لم يعطكم الله فاستهويتم وأضللتم وأنا محذرك ما حذرك الله من نفسه.

________________________________________________________

معه وأيضاً مع قطع النظر عن ذلك لو كانعليه‌السلام علم أن نصرته له تنفع لدفع ما يقع فيه لكان فيه توهم تناف ، وهوعليه‌السلام كان يعلم أنّ نصرته له وخروجه معه لا ينفع يحيى ويضرّ نفسه في الدين والدنيا وفي بعض النسخ من رحمتك ويؤل إلى ما ذكرنا.

وقيل من تحنّنك أي شوقك إلى الخلافة ، أو محبّتك وخذلانك لي لذلك أو خذلان الله إياك وعدم تيسرّ ذلك لك ، أو خذلان الناس لك ، وما ذكرنا أظهر كما لا يخفى.

« وقد شاورت » على صيغة المتكلّم أي شاورتك في الدعوة « للرضا » أي لمن هو مرضي « من آل محمّد » أي يجتمعون عليه ويرتضونه لا لنفسي ، ويحتمل أن يريد به ويدعي أن آل محمّد يرتضونه لذلك ، أو المعنى للعمل بما يرضى به آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « وقد احتجبتها » لعلّ فيه حذفاً وإيصإلّا ، أي احتجبت بها والضمير للمشورة كناية عمّا هو مقتضى المشورة من الإجابة إلى البيعة ، أو الضمير راجع إلى البيعة بقرينة المقام أو إلى الدعوة أي إجابتها ، أو المعنى شاورت الناس في الدعوة فاحتجبت عن مشاورتي ولم تحضرها ، وصار ذلك سبباً لتفرق الناس عني.

« واحتجبها أبوك » أي عند دعوة محمّد بن عبد الله كما مرّ « وقديما » ظرف لقوله ادعيتم ، ومراده من زمن عليّ بن الحسينعليه‌السلام بزعمهم الفاسد كما مرّ « ما ليس لكم » أي الإمامة « فاستهويتم » أي ذهبتم بأهواء الناس وعقولهم ، في القاموس : استهوته الشياطين ذهبت بهواه وعقله ، أو استهامته وحيرته أو زينت له هواه.

« ما حذرك الله » إشارة إلى قوله تعالى «وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ »(١) .

__________________

(١) سورة آل عمران : ٢٨.

١٦٤

فكتب إليه أبو الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام من موسى بن أبي عبد الله جعفر وعليّ مشتركين في التذلل لله وطاعته إلى يحيى بن عبد الله بن حسن أما بعد فأنّي أحذرك الله ونفسي وأعلمك أليم عذابه وشديد عقابه وتكامل نقماته وأوصيك ونفسي بتقوى الله فإنها زين الكلام وتثبيت النعم أتأنّي كتابك تذكر فيه أنّي مدع وأبي من قبل وما سمعت ذلك منّي و سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ ولم يدع حرص الدنيا

________________________________________________________

« من موسى بن عبد الله(١) » وفي بعض النّسخ أبي عبد الله و « عليّ » كان المراد به أمير المؤمنين إنتساباً للشرف إلى الأب الأعلى أيضاً « مشتركين » بصيغة الجمع حال عن الجميع ويؤيده ما في بعض النسخ من عبدي الله جعفر وعلى ، وقيل : المراد بعليّ ابنه الرضاعليه‌السلام للإشارة إلى انّه الوصيُّ بعد أبيه ، وقيل : كانّهعليه‌السلام شرك أخاه عليّ بن جعفررضي‌الله‌عنه معه في المكاتبة ليصرف بذلك عنه ما يصرف عن نفسه من الدعوى ، لئلا يظنّ به الظنّ كما ظنّ بهعليه‌السلام مشتركين بصيغة التثنية حال عنهما ، انتهى.

ولعلّ فيه زيادة أو تحريفا من النساخ « في التذلل لله وطاعته » أي لسنا من عصيان الله سبحانّه ومخالفة أمره وادعائنا ما ليس لنا بحقَّ ، وإضلالنا الناس ، وعدم حذرنا ممّا حذر الله في شيء و « أعلمك » من الإعلام أي إنها واقعة لمن يستحقه فاحذرها ، وكانّه إشارة إلى وقوع المذكورات له « وتكامل نقماته » أي نقمات المتكاملة البالغة إلى النهاية ، والنقمة بالفتح والكسرّ كفرحة اسم للانتقام.

« فإنها » أي الوصيّة بالتقوى ، والزين خلاف الشين مصدر مضاف إلى المفعول « وتثبيت النعم » أي سبب له « أنّي مدع » ظاهره إنكار دعوى الإمامة تقية لعلمه بانّه سيقع في يد الرشيد ، وباطنه إنكار ادعاء ما ليس بحقَّ كما زعمّه ، مع انّهعليه‌السلام لم يصرّح بالنفي بل قال : ما سمعت ذلك مني « ويسألون » أي شهادتهم الزور ، هدده بذكر الآية وخوفه بالله تعالى « ومطالبها » بالرفع عطفا على الحرص ، أو بالجر

__________________

(١) وهو الظاهر.

١٦٥

ومطالبها لأهلها مطلبا لآخرتهم حتّى يفسد عليهم مطلب آخرتهم في دنياهم وذكرت أنّي ثبطت الناس عنك لرغبتي فيما في يديك وما منعنّي من مدخلك الّذي أنت فيه لو كنت راغبا ضعف عن سنة ولا قلة بصيرة بحجّة ولكن الله تبارك وتعالى خلق الناس أمشاجا وغرائب وغرائز فأخبرني عن حرفين أسألك عنهما ما العترف في بدنك وما الصهلج في الإنسان ثمَّ اكتب إلي بخبر ذلك وأنا متقدم إليك أحذرك

________________________________________________________

عطفاً على الدّنيا « في دنياهم » في للظرفية أو بمعنى مع.

والحاصل أن حرص الدنيا صار سبباً لأن لا يخلص لهم شيء للآخرة ، فإذا أرادوا عملا من أعمال الآخرة خلطوه بالأغراض الدنيوية والأعمال الباطلة كالأمر بالمعروف الّذي أردت خلطته بإنكار حقَّ أهل الحقَّ ومعارضتهم ، والافتراء عليهم ، فيحتمل أن يكون في سببيّة أيضاً ، وقيل : يعنّي أن حرصك على الدنيا ومطالبها صار سبباً لفساد آخرتك في دنياك.

والتثبيط التعويق والتأخير فيما في يديك ، أي ادعاء الإمامة « ضعف عن سنّه » أي عجز عن معرفتها ، بل صار علمي سبباً لعدم إظهار الأمر قبل أوانه.

« أمشاجاً » أي أخلاطاً شتى « وغرائب » أي ذوي عجائب فإنّك تدّعي هذا الأمر مع جهلك وضلالتك وأنا لا أدعية مع وفور علمي وهداي ، وأي غريبة أغرب من ذلك ، وأيّ أعجوبة أعجب منه « وغرائز » أي طبائع مختلفة أو جعل للإنسان أجزاء وأعضاء مختلفة ، فأخبرني عن هذين العضوين إن كنت صادقا في ادعاء الإمامة ، فإنّ الإمام لا يخفى عليه شيء.

قال : في الجوامع في قوله تعالى : «مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ » مشجه : مزجه يعنّي نطفة قد امتزج فيها الماءان ماء الرجلّ وماء المرأة ، أو أطوارا طورا نطفة وطوراً علقة ، وطوراً مضغة ، وطوراً عظاماً إلى أن صار إنساناً ، انتهى.

وهذان العضوان بهذين الاسمين غير معروفين عند الأطباء ، ويقال : تقدّم إليه

١٦٦

معصية الخليفة وأحثّك على برّه وطاعته وانّ تطلب لنفسك أمانا قبل أن تأخذك الأظفار ويلزمك الخناق من كل مكان فتروح إلى النفس من كل مكان ولا تجدّه حتّى يمن الله عليك بمنه وفضله ورقة الخليفة أبقاه الله فيؤمنك ويرحمك ويحفظ فيك أرحام رسول الله «وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ».

قال : الجعفريّ : فبلغني أنّ كتاب موسى بن جعفرعليه‌السلام وقع في يدي هارون فلـمّا قرأه قال : النّاس يحملوني على موسى بن جعفر وهو بريء ممّا يرمى به.

________________________________________________________

في كذا إذا أمره وأوصاه به « معصية الخليفة » أي خليفة الجور ظاهراً تقية ، وخليفة الحقَّ يعنّي نفسهعليه‌السلام واقعاً وتورية ، مع انّه يجب طاعة خلفاء الجور عند التقية لحفظ النفس ، وانّما كتبعليه‌السلام ذلك لعلمه بانّه سيقع في يد الملعون دفعاً لضرره عن نفسه وعشيرته وشيعته.

« قبل أن تأخذك الأظفار » كناية عن الأسرّ تشبيها بطائر صاده بعض الجوارح بحيث يقع بين أظفاره ولا يمكنه التخلص منه « ويلزمك الخناق » بفتح الخاء مصدر خنقه إذا عصر حلقه ، أو بالكسرّ وهو الحبل الّذي يخنق به ، أو بالضمّ كغراب وهو الداء الّذي يمتنع معه نفوذ النفس إلى الرية والقلب « فتروح » من باب التفعيل بحذف إحدى التائين ، أي تطلب الروح بالفتح وهو النسيم « إلى النفس » أي للنفس « من كل مكان » متعلق بتروح « فلا تجدّه » أي الروح أو النفس ، في القاموس : النفس بالتحريك واحد الأنفاس ، والسعة والفسحة في الأمر ، وأجدّ نفس ربكم من قبل اليمن اسم وضع موضع المصدر الحقيقي ، من نفس تنفيساً ونفساً أي فرح تفريحاً ، انتهى.

« ورقّة الخليفة » عطف على منه « يحملوني » أي يغرونني به ويحملوني على الإضرار به « وهو بريء ممّا يرمى به » أي ينسب إليه ويتّهم به ويطعن فيه.

أقول : ولنذكر بعض أحوال يحيى : اعلم أنّ الزيديّة أثبتوا له مدائح كثيرة

١٦٧

تمَّ الجزء الثاني من كتاب الكافي ويتلوه بمشيئة الله وعونه الجزء الثالث وهو باب كراهية التوقيت «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » والصلاة والسلام على محمّد وآله أجمعين.

________________________________________________________

حتّى رووا أن الصّادقعليه‌السلام لـمّا حضرته الوفاة أوصى إلى يحيى وإلى موسى وإلى أم ولد ، فكان يلي أمرّ تركاته والأصاغر من ولده جاريا على أيديهم ، وهذا باطل لـمّا عرفت من كيفيّة وصيّتهعليه‌السلام وانحراف بنيّ الحسن عن أئمتناعليهم‌السلام كان من أوضح الواضحات ، وانّما وضعوا ذلك تقوية لأمرهم.

وقال : مؤلف كتاب عمدة الطالب : يحيى صاحب الديلم ابن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قد هرب إلى بلاد الديلم وظهر هناك واجتمع عليه الناس وبائعه أهل تلك الأعمال وعظم أمره وخاف الرشيد لذلك وأهمه وانزعج منه غاية الانزعاج ، فكتب إلى الفضل بن يحيى البرمكي أن يحيى بن عبد الله قذاة في عيني فأعطه ما شاء واكفني أمره ، فسار إليه الفضل في جيش كثيف وأرسل إليه بالرفق والتحذير والترهيب ، فرغب يحيى في الأمان ، فكتب له الفضل أمانا مؤكدا وأخذ يحيى وجاء به إلى الرشيد ، ويقال : انّه صار إلى الديلم مستجيراً فباعه صاحب الديلم من الفضل بن يحيى بمائة ألف درهم ، ومضى يحيى إلى المدينة فأقام بها إلى سعي عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير إلى الرشيد إلى آخر ما رواه في ذلك.

وروى أبو الفرج في المقاتل بأسانيد عن جماعة أنّهم قالوا : إن يحيى بن عبد الله ابن الحسن لـمّا قتل أصحاب فخ كان في فلهم فاستتر مدة يجول في البلدان ويطلب موضعا يلجأ إليه ، وعلم الفضل بن يحيى بمكانّه في بعض النواحي فأمره بالانتقال : عنه وقصد الديلم ، وكتب له منشورا لا يعرض له أحد ، فمضى متنكرا حتّى ورد الديلم وبلغ الرشيد خبره وهو في بعض الطريق ، فولى الفضل بن يحيى نواحي المشرق وأمره بالخروج إلى يحيى ، فلـمّا علم الفضل بمكان يحيى كتب إليه أنّي أريد

١٦٨

________________________________________________________

أن أحدث بك عهداً وأخشى أن تبتلي بي وأبتلي بك ، فكاتب صاحب الديلم فأنّي قد كاتبته لك لتدخل إلى بلاده فتمتنع به ففعل ذلك يحيى ، وكان قد صحبه جماعة من أهل الكوفة وفيهم الحسن بن صالح بن حر كان يذهب مذهب الزيديّة في تفضيل أبي بكر وعمرّ وعثمان في ست سنين من إمارته ، وتكفيره في باقي عمره ، ويشرب النبيذ ويمسح على الخفين ، فكان يخالف يحيى في أمره ويفسد أصحابه فحصل بينهما بذلك تنافر ، وولى الرشيد الفضل بن يحيى جميع كور المشرق وخراسان وأمره بقصد يحيى والجدّ به وبذل الأمان له والصّلة إن قبل ذلك فمضى الفضل فيمن ندب معه وراسل يحيى بن عبد الله فأجابه إلى قبوله لـمّا رأى من تفرق أصحابه وسوء رأيهم فيه وكثرة خلافهم عليه ، إلّا أن لم يرض الشرائط التي شرطت له ولا الشهود الّذين شهدوا ، وبعث بالكتاب إلى الفضل ، فبعث به إلى الرشيد فكتب له على ما أراد وأشهد له من التمس.

قالوا : فلـمّا جاء الفضل إلى بلاد الديلم قال : يحيى : اللهم اشكر لي إخافتي قلوب الظالمين ، الّلهم إن تقض لنا النصرة فانّما نريد إعزاز دينك ، وانّ تقض لهم النصر فبما تختار لأوليائك وأبناء أوليائك من كريم المآب وسني الثواب ، فبلغ ذلك الفضل فقال : يدعو الله أن يرزقه السلامة فقد رزقها ، قالوا : فلـمّا ورد كتاب الرشيد على الفضل وقد كتب الأمان على ما رسم يحيى وأشهد الشهود الّذين التمسهم ، وجعل الأمان على نسختين إحداهما مع يحيى والأخرى معه ، ثمَّ شخص يحيى مع الفضل حتّى وافى بغداد ودخلها معادله في عمارية على بغل ، فلـمّا قدم يحيى أجازه الرشيد بجوائز سنية يقال : إن مبلغها مائتا ألف دينار وغير ذلك من الخلع والحملان.

فأقام على ذلك مدة وفي نفسه الحيلة على يحيى والتتبع له وطلب العلل عليه وعلى أصحابه حتّى أخذ رجلاً يقال : له فضالة ، بلغه انّه يدعو إلى يحيى فحبسه ، ثمَّ دعا به فأمره أن يكتب إلى يحيى بانّه قد أجابه جماعة من القواد وأصحاب

١٦٩

________________________________________________________

الرشيد ، ففعل ذلك ووجّه الرسول إلى يحيى فقبض عليه وجاء به إلى يحيى بن خالد فقال : له : هذا جاءني بكتاب لا أعرفه ودفع الكتاب إليه وطابت نفس الرشيد بذلك ، وحبس فضالة فقيل له : إنّك تظلمه في حبسك إياه ، فقال : أنا أعلم ذلك ولكن لا يخرج وأنا حيّ أبداً قال : فضالة : ولا والله ما ظلمني لقد كنت عهدت إلى يحيى إن جاءه منّي كتاب أن لا يقبله وانّ يدفع الرّسول إلى السّلطان وعلمت انّه سيحتال عليه بي.

قالوا : فلـمّا تبين يحيى بن عبد الله ما يراد به استأذن في الحج فأذن له ، وفي رواية أخرى انّه لم يستأذن للحج ولكنّه قال : للفضل ذات يوم : اتق الله في دمي واحذر أن يكون محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله خصمك غداً في فرق له وأطلقه ، وكان على الفضل عين للرشيد فذكر ذلك له فدعاً بالفضل فقال : ما خبر يحيى بن عبد الله؟ قال : في موضعه عندي مقيم ، قال : وحياتي؟ قال : وحياتك أنّي أطلقته ، سألني برحمة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرققت له ، قال : أحسنت قد كان عزمي أن أخلي سبيله ، فلـمّا خرج أتبعه طرفه وقال : قتلني الله إن لم أقتلك.

قالوا : ثمَّ إن نفرا من أهل الحجاز تحالفوا على السعاية بيحيى بن عبد الله والشهادة عليه بانّه يدعو إلى نفسه وأمانّه منتقض ، فوافق ، ذلك لـمّا كان في نفس الرشيد له ، وهم عبد الله بن مصعب الزبيري ، وأبو البختري وهب بن وهب ، ورجلّ من بنيّ زهرة ، ورجلّ من بنيّ مخزوم ، فوافوا الرشيد لذلك واحتالوا إلى أن أمكنهم ذكرهم له ، وأشخصه الرشيد إليه وحبسه عند مسرور الكبير في سرداب ، فكان في أكثر الأيّام يدعو به ويناظره إلى أن مات في حبسه رضوانّ الله عليه.

واختلف النّاس في أمره وكيف كانت وفاته ، فقيل : انّه دعاه يوماً وجمع بينه وبين عبد الله بن مصعب ليناظره فيما رفع إليه ، فجبهه ابن مصعب بحضرة الرّشيد وقال : نعم يا أمير المؤمنين إن هذا دعاني إلى بيعته فقال : له يحيى : يا أمير المؤمنين

١٧٠

________________________________________________________

أتصدق ذلك علىّ وتستنصحه وهو ابن عبد الله بن الزبير الّذي أدخل أباك وولده الشعب وأضرم عليهم النار حتّى تخلصه أبو عبد الله الجدلي صاحب عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهو الّذي بقي أربعين جمعة لا يصلّي على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبته حتّى التاث عليه الناس؟ فقال : إن له أهل بيت سوء إذا ذكرته استرابت نفوسهم إليه وفرحوا بذلك فلا أحبّ أن أقر عينهم بذلك ، وهو الّذي فعل به عبد الله بن العباس ما لا خفاء به عليك وطال الكلام بينهما حتّى قال : يحيى ومع ذلك هو الخارج مع أخي على أبيك ، وقال : في ذلك أبياتا منها :

قوموا ببيعتكم تنهض بطاعتنا

إنّ الخلافة فيكم يا بني حسن

قال : فتغيّر وجه الرشيد عند سماع الأبيات فابتدأ ابن مصعب يحلف بالله الّذي لا إله إلّا هو وبإيمان البيعة إن هذا الشعر ليس له ، فقال : يحيى : والله يا أمير المؤمنين ما قاله غيره وما حلفت كاذباً ولا صادقاً بالله قبل هذا ، وانّ الله إذا مجدّه العبد في يمينه بقوله الرحمن الرحيم الطالب الغالب استحيا أن يعاقبه فدعنّي أحلفه بيمين ما حلف بها أحد قط كاذبا إلّا عوجلّ ، قال : حلفه ، قال : قل برئت من حول الله وقوته ، واعتصمت بحولي وقوتي وتقلدت الحول والقوة من دون الله استكباراً على الله واستغناء عنه واستعلاء عليه إن كنت قلت هذا الشعر ، فامتنع عبد الله من الحلف بذلك ، فغضب الرشيد وقال : للفضل بن الربيع : هنا شيء ما له لا يحلف إن كان صادقا؟ هذا طيلسأنّي عليّ وهذه ثيابي لو حلفني أنها لي لحلفت ، فرفس الفضل عبد الله برجله وصاح به : احلف ويحك وكان له فيه هوى ، فحلف باليمين ووجهه متغير وهو يرعدّ ، فضرب يحيى بين كتفيه ثمَّ قال : يا بن مصعب قطعت والله عمرك ، والله لا تفلح بعدها.

فما برح من موضعه حتّى أصابه الجذام فتقطع ومات في اليوم الثالث ، فحضر الفضل جنازته ومشى معها ومشى الناس معه ، فلـمّا جاءوا به إلى القبر ووضعوه في

١٧١

________________________________________________________

لحده وجعل اللّبن فوقه انخسف القبر به ، وخرجت منه غبرة عظيمة ، فصاح الفضل التراب التراب ، فجعل يطرح وهو يهوي ودعا بأحمال شوك فطرحها فهوت فأمرّ حينئذ بالقبر فسقف بخشب وأصلحه وانصرف منكسراً ، فكان الرشيد بعد ذلك يقول للفضل : رأيت يا عباسي ما أسرع ما أديل يحيى من ابن مصعب؟

قالوا : ثمَّ جمع له الرشيد الفقهاء وفيهم محمّد بن الحسن صاحب أبي يوسف القاضي والحسن بن زياد اللؤلؤي وأبو البختري وهب بن وهب ، فجمعوا في مجلس وخرج إليهم مسرور الكبير بالأمان فبدأ بمحمّد بن الحسن فنظر فيه فقال : هذا أمان مؤكد لا حيلة فيه ، وكان يحيى قد عرضه في المدينة على مالك وابن الدراوردي وغيرهم فعرفوه انّه مؤكّد لا علّة فيه.

قال : فصاح عليه مسرور وقال : هاته فدفعه إلى الحسين بن زياد فقال : بصوت ضعيف : هو أمان واستلبه أبو البختري فقال : هذا باطل منتقض قد شق العصا وسفك الدم فاقتله ودمه في عنقي ، فدخل مسرور إلى الرشيد فأخبره ، فقال : اذهب فقل له خرقه إن كان باطلا بيدك؟ فجاءه مسرور فقال : له ذلك ، فقال : شقه يا أبا هاشم ، قال : له مسرور : بل شقه أنت إن كان منتقضا ، فأخذ سكينا وجعل يشقه ويده يرتعدّ حتّى صيره سيوراً ، فأدخله مسرور على الرشيد فوثب فأخذه من يده وهو فرح. ووهب لأبي البختري ألف ألف وستمائة ألف ، وولاه قضاء القضاة وصرف الآخرين ، ومنع محمّد بن الحسن من الفتيا مدة طويلة ، وأجمع على إنفاذ ما أراد في يحيى بن عبد الله.

قال : أبو الفرج وقد اختلف في مقتله كيف كان ، فروي عن رجلّ كان مع يحيى في المطبق قال : كنت قريباً منه فكان في أضيّق البيوت وأظلمها ، فبينا نحن ذات ليلة كذلك إذ سمعنا صوت الأقفال ، وقد مضى من الليلة هجعة ، فإذا هارون قد أقبل على برذون له ، فوقف ثمَّ قال : أين هذا؟ يعنّي يحيى قالوا : في هذا البيت ، قال : عليّ به فأدنى إليه فجعل هارون يكلمه بشيء لم أفهمه فقال : خذوه فأخذ فضربّه مائة عصا ويحيى يناشده

١٧٢

________________________________________________________

الله والرّحم والقرابة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول : بقرابتي منك ، فيقول : ما بيني وبينك قرابة ، ثمَّ حمل فرد إلى موضعه ، فقال : كم أجريتم عليه؟ قالوا : أربعة أرغفة وثمانية أرطال ماء ، قال : اجعلوه على النصف.

ثمَّ خرج ومكث ليالي ثمَّ سمعنا وقعاً ، فإذا نحن به حتّى دخل فوقف موقفه فقال : عليّ به فاخرج ففعل به مثل فعله ذلك وضربّه مائة عصا أخرى ويحيى يناشده ، فقال : كم أجريتم عليه؟ قالوا : رغيفين وأربعة أرطال ماء ، قال : اجعلوه على النصف ، ثمَّ خرج وعاود الثالثة وقد مرض يحيى وثقل فلـمّا دخل قال : عليّ به قالوا : هو عليل مدنف به ، قال : كم أجريتم عليه؟ قالوا : رغيفا ورطلين ماء قال : اجعلوه على النصف ، ثمَّ خرج فلم يلبث يحيى أن مات ، فأخرج إلى الناس ودفن وعن إبراهيم بن رياح انّه بنى عليه أسطوانة بالرافقة وهو حي.

وعن عليّ بن محمّد بن سليمان انّه دس إليه في الليل من خنقه حتّى تلف ، قال : وبلغني انّه سقاه سما.

وعن محمّد بن أبي الحسناء انّه أجاع السباع ثمَّ ألقاه إليها فأكلته.

وعن عبد الله بن عمرّ العمريُّ قال : دعينا لمناظرة يحيى بن عبد الله بحضرة الرشيد لعنه الله ، فجعل يقول : يا يحيى اتق الله وعرفني أصحابك السبعين لئلا ينتقض أمانك ، وأقبل علينا فقال : إن هذا لم يسم أصحابه فكلـمّا أردت أخذ إنسان بلغني عنه شيء أكرهه ذكر انّه ممن أمنت ، فقال : يحيى : يا أمير المؤمنين أنا رجلّ من السبعين فما الّذي نفعنّي من الأمان؟ أفتريد أن أدفع إليك قوماً تقتلهم معي لا يحل لي هذا.

قال : ثمَّ خرجنا ذلك اليوم ودعانا له يوماً آخر فرأيته أصفر اللون متغيرا ، فجعل الرشيد يكلمه فلا يجيبه ، فقال : إلّا ترون إليه لا يجيبنيّ فأخرج إلينا لسانّه قد صار أسود مثل الفحمة يرينا انّه لا يقدر على الكلام ، فاستشاط الرشيد وقال

١٧٣

________________________________________________________

إنّه يريكم أنّي سقيته السمّ وو الله لو رأيت عليه القتل لضربت عنقه صبراً ، ثمَّ خرجنا من عنده فما صرنا في وسط الدّار حتّى سقط على وجهه لإصر(١) ما به.

وحدَّثني أحمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن قال : كان إدريس بن محمّد بن يحيى بن عبد الله يقول : قتل جدي بالجوع والعطش في الحبس.

وعن الزبير بن البكار عن عمّه أنّ يحيى لـمّا أخذ من الرشيد المائتي ألف دينار قضى بها دين الحسين صاحب الفخّ ، وكان الحسين خلّف مائتي ألف دينار ديناً.

وقال : خرج مع يحيى عامرّ بن كثير السراج ، وسهل بن عامرّ البجلي ، ويحيى بن مساور ، وكان من أصحابه عليّ بن هاشم بن البريد ، وعبد ربّه بن علقمة ، ومخول بن إبراهيم النهدي ، فحبسهم جميعاً هارون في المطبق فمكثوا فيه اثنتي عشرة سنة.

انتهى ما أردت إيراده من كتاب المقاتل ، وإليه انتهى المجلد الثاني من كتاب مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد جمعت فيه ما كنت علقته في سالف الزّمان متفرّقاً على الكتاب ، وأخذه المعاصرون وأدخلوها في زبرهم ونسبوها إلى أنفسهم ، مع زيادات أضفتها إليها ، وكان ذلك في شهر ربيع الثاني من سنة المائة والألف بعد الهجرة المقدّسة النبويّة وكتبه مؤلفه الفقير إلى عفو ربّه الغني محمّد باقر ابن محمّد تقي عفا الله عن هفواتهما ، ويتلوه في المجلد الثالث باب كراهية التّوقيت ، وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين.

__________________

(١) الاصر : الثقل.

١٧٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(باب كراهية التوقيت)

١ - عليُّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعاً ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثماليّ قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول يا ثابت إن الله تبارك وتعالى قد كان وقت هذا الأمر في السبعين ،

________________________________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلام على عباده الّذين اصطفى محمّد وآله خيرة الورى ، أمّا بعد فهذا هو المجلّد الثالث من كتاب مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول صلّى الله عليه وعليهم أجمعين من كتاب الكافي.

باب كراهية التوقيت

أي لظهور القائمعليه‌السلام وكان المراد بالكراهية الحرمة إنّ كان من غير علم

الحديث الأوّل : صحيح.

وفي كتاب الغيبة للشيخ وإكمال الدّين للصّدوق هكذا : قال : قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : إن علياعليه‌السلام كان يقول : إلى السّبعين بلاء ، وكان يقول : بعد البلاء رخاء ، وقد مضت السّبعون ولم نر رخاء؟ فقال : أبو جعفرعليه‌السلام : يا ثابت إن الله تعالى كان وقت ، إلى آخر الخبر.

« وقّت هذا الأمر » أي ظهور الحقَّ وغلبته على الباطل بيد إمام من الأئمّة ، لا ظهور الإمام الثاني عشر « في السّبعين » أي من الهجرة النبويّة أو الغيبة المهدويّة

١٧٥

فلـمّا أن قتل الحسين صلوات الله عليه اشتدَّ غضب الله تعالى على أهل الأرض ، فأخّره إلى

________________________________________________________

والأوّل أظهر ، وهذه من الأمور البدائية كما مرّ تحقيقها مراراً.

قيل : ويؤيّد كون ابتداء المدّة من الهجرة طلب أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام حقّه بحوالي السّبعين وظهور أمرّ أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فيما بعد أربعين ومائة بقليل ، انتهى.

أقول : ما ذكره لا يستقيم بحساب التواريخ المشهورة إذا كانت شهادة الحسينعليه‌السلام في سنة إحدى وستين ، وخروج الرضاعليه‌السلام إلى خراسان في سنة مائتين ، ويمكن أن يكون ابتداء التّاريخ من البعثة ، وكان ابتداء خروج الحسينعليه‌السلام قبل فوت معاوية بسنين ، فإن أهل الكوفة خذلهم الله كانوا يراسلونهعليه‌السلام في تلك الأيّام ، ويكون الثاني إشارة إلى خروج زيد بن عليّ في سنة اثنتين وعشرين ومائة ، فمن ابتداء البعثة مائة وخمس وثلاثون ، وهو قريب ممّا في الخبر وقد مرّ انّه كان يدعو إلى الرضا من آل محمّد ، وانّه كان لو ظفر لوفى.

والأظهر على هذا أن يكون إشارة إلى انقراض دولة بنيّ أمية أو ضعفهم واستيلاء أبي مسلم على خراسان ، وقد كتب إلى الصادقعليه‌السلام كتبا يريد البيعة لهعليه‌السلام فلم يقبل لمصالح كثيرة ، فقد تسببت أسباب رجوع الأمر إليهمعليهم‌السلام لكن بسبب تقصير من كتمان الأمر والمتابعة الكاملة تأخر الأمر ، وقد كانت بيعة السفاح في سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وكان دخول أبي مسلم المرو وأخذ البيعة بها في سنة ثلاثين ومائة ، وخروج أبي مسلم إلى خراسان في سنة ثمان وعشرين ومائة ، كل ذلك من الهجرة ، فإذا انضم ما بين الهجرة والبعثة إليها يوافق ما في الخبر موافقة تامة.

ويمكن أن يكون ابتداؤه من الهجرة كما هو المشهور ، ويكون السبعون إشارة إلى ظهور أمرّ المختار ، فانّه كان مظنة استيصال بنيّ أمية وعود الحقَّ إلى أهله وانّ لم يكن مختار غرضه صحيحاً ، وكان قتله في سنة سبع وستين ، ويكون الثاني لظهور أمرّ الصادقعليه‌السلام في هذا التاريخ وانتشار شيعته في المشارق والمغارب ، وخروج

١٧٦

أربعين ومائة ، فحدّثناكم فأذعتم الحديث فكشفتم قناع الستر ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتاً عندنا و «يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ».

قال : أبو حمزة فحدثت بذلك أبا عبد اللهعليه‌السلام فقال : قد كان كذلك.

٢ - محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرحمن بن كثير قال : كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام إذ دخل عليه مهزم فقال : له جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الّذي ننتظر متى هو فقال : يا مهزم كذب الوقاتون

________________________________________________________

جماعة من أقاربّه على الخلفاء مع انّه لا ضرورة في تصحيح هذا الخبر إلى ظهور أمرّ يدل على ذلك ، ولا موافقة السبعين لشهادة الحسينعليه‌السلام فانّه بيان للتقديرات المكتوبة في كتاب المحو والإثبات ، والتغييرات الواقعة فيها وانّ لم يعلم بكيفيتها وجهتها.

وقيل : هذا من الاستعارة التمثيلية والمقصود انّه لو لا علم الله تعالى الأزلي بقتل الحسينعليه‌السلام في وقت كذا لجعل هذا الأمر في السبعين من الهجرة ، ولو لا علمه تعالى بإذاعة الشيعة الأسرار لجعله في ضعف ذلك ، انتهى.

ولا يخفى عليك ما فيه بعد ما أحطت خبراً بما ذكرنا في تحقيق البداء.

« فحدثناكم » أي بالأوقات البدائية أو بغيرها من الأمور الآتية ، كظهور بنيّ العباس وامتداد دولتهم وأشباه ذلك ، فصار سبباً لطمعهم « وقتاً عندنا » أي لا نعلمه أو لا نخبر به ولم يؤذن لنا في الإخبار بالأمور البدائية فيه.

الحديث الثاني : ضعيف.

« كذب الوقاتون » أي على سبيل الحتم ، فلا ينافي ما ورد من الأخبار البدائية ، ويحتمل أن يكون المراد بالكذب انّه يحصل فيه البداء ، فتوهم الناس انّه كذب فينسبون الكذب إليهم لا أنّهم كاذبون واقعاً ، فيمكن أن يقرأ كذب على بناء المجهول من التفعيل والأوّل أظهر.

قال : الشيخرحمه‌الله في كتاب الغيبة : وأما وقت خروجه فليس بمعلوم لنا على

١٧٧

________________________________________________________

وجه التفصيل بل هو مغيب عناّ إلى أن يأذن الله بالفرج ، ثمَّ ذكر هذه الأخبار وأمثالها ثمَّ قال : فالوجه في هذه الأخبار أن نقول : إن صحت انّه لا يمتنع أن يكون الله تعالى قد وقت هذا الأمر في الأوقات التي ذكرت ، فلـمّا تجدد ما تجدد تغيرت المصلحة واقتضت تأخيره إلى وقت آخر ، وكذلك فيما بعد ، ويكون وقت الأوّل وكل وقت يجوز أن يؤخّر مشروطاً بأن لا يتجدد ما تقتضي المصلحة تأخيره إلى أن يجيء الوقت الّذي لا يغّيره شيء ، فيكون محتوماً.

وعلى هذا يتأوّل ما ورد في تأخير الأعمار عن أوقاتها والزيادة فيها عند الدعاء وصلة الأرحام ، وما روي في تنقيص الأعمار عن أوقاتها إلى ما قبله عند فعل الظلم وقطع الرّحم وغير ذلك وهو تعالى وانّ كان عالـمّا بالأمرين فلا يمتنع أن يكون أحدهما معلوما بشرط والآخر بلا شرط ، وهذه الجملة لا خلاف فيها بين أهل العدل.

وعلى هذا يتأوّل أيضاً ما روي من أخبارنا المتضمنة للفظ البداء ويبين أن معناها النسخ على ما يريده جميع أهل العدل فيما يجوز فيه النسخ أو تغير شروطها إن كان طريقها الخبر عن الكائنات ، لأن البداء في اللغة هو الظهور فلا يمتنع أن يظهر لنا من أفعال الله تعالى ما كنا نظنّ خلافه ، أو نعلم ولا نعلم شرطه ، فأما من قال : بأن الله تعالى لا يعلم الشيء إلّا بعد كونه فقد كفر وخرج عن التوحيد.

وقد روى الفضل بن شاذان عن محمّد بن عليّ عن سعدان عن أبي بصير قال : قلت له : ألهذا الأمر أمرّ تريح إليه أبداننا وننتهي إليه؟ قال : بلى ولكنكم أذعتم فزاد الله فيه.

فالوجه فيه وفي أمثاله ما قدمنا ذكره من تغير المصلحة فيه واقتضائها تأخير الأمر إلى وقت آخر على ما بيناه ، دون ظهور الأمر له تعالى فإنا لا نقول به ولا نجوزه تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً.

١٧٨

وهلك المستعجلون ونجا المسلّمون.

٣ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن القائمعليه‌السلام فقال : كذب الوقّاتون ، إنّا أهل بيت لا نوقّت.

________________________________________________________

فإن قيل : هذا يؤدّي إلى أن لا نثق بشيء من أخبار الله تعالى.

قلنا : الإخبار على ضربين ، ضرب لا يجوز فيه التغير في مخبراته فإنا نقطع عليها لعلمنا بانّه لا يجوز أن يتغيّر المخبر في نفسه كالأخبار عن صفات الله تعالى وعن الكائنات فيما مضى وكالأخبار بانّه يثيب المؤمنين ، والضرب الآخر هو ما يجوز تغيره في نفسه لتغيّر المصلحة عند تغيّر شرطه ، فانّه يجوز جميع ذلك كالأخبار عن الحوادث في المستقبل إلّا أن يراد الخبر على وجه يعلم أن مخبره لا يتغيّر فحينئذ نقطع بكونه ، ولأجلّ ذلك قرن الحتم بكثير من المخبرات ، فأعلمنا انّه ممّا لا يتغيّر أصلاً فعند ذلك نقطع به ، انتهى كلامهقدس‌سره .

وهو في غاية المتانة والاستقامة ، وبه تنحلّ الإشكالات الواردة في هذه الأخبار.

« وهلك المستعجلون » أي الّذين يريدون تعجلّ ظهور الحقَّ ، ويعترضون على الله وعلينا في تأخيره ، ولا يرضون بقضاء الله في ذلك ، وأمّا ترقّب الفرج والدّعاء له فهما مطلوبان ، ولذا قال : « ونجا المسلّمون » بتشديد اللّام أي الرّاضون بقضاء الله ، الّذين لا يعترضون على أئمّتهم فيما يقولون ويفعلون ، أو المراد بالمستعجلين الّذين كانوا يخرجون قبل أوانّ ظهور الحقَّ على أئمّة الجور ، ويقتلون فيهلكون ويهلكون في الدنيا والآخرة ، وقيل : الاستعجال عدّ الشّيء عأجلاً بالخروج على أئمة الضلالة.

الحديث الثالث : صحيح.

« لا نوقّت » أي حتما أو بعد ذلك كما مرّ ، والتوقيت الإخبار بالوقت.

١٧٩

٤ - أحمد بإسناده قال : قال : أبى الله إلّا أن يخالف وقت الموقتين.

٥ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الخزاز ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعميّ ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قلت لهذا الأمر وقت فقال : كذب الوقّاتون كذب الوقّاتون كذب الوقّاتون إن موسىعليه‌السلام لـمّا خرج وافدا إلى ربّه واعدهم ثلاثين يوماً فلـمّا زاده الله على الثلاثين عشرا قال : قومه قد أخلفنا موسى فصنعوا ما صنعوا فإذا حدثناكم الحديث فجاء

________________________________________________________

الحديث الرابع : مرسل.

« إلّا أن يخالف وقت الموقّتين » أي في أمر ظهور الحقَّ أو مطلقاً ، غالباً ، والأوّل أظهر ، و « وقت » يمكن أن يقرأ بالرّفع والنّصب وعلى الأوّل المفعول محذوف ، أي وقت ظهور هذا الأمر.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« وافداً » أي رسولاً وارداً عليه تعالى يعنّي ذاهبا إلى طور سيناء للمناجاة ، قال : الجوهري : وفد فلان على الأمير أي ورد رسولاً فهو وافد ، والجمع وفد ، وأوفدته أنا إلى الأمير أي أرسلته.

« واعدهم ثلاثين يوماً » اعلم انّه تعالى قال : في سورة البقرة : «وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً » وقال : في الأعراف : «وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ ربّه أَرْبَعِينَ لَيْلَةً » فاختلف المفسرون في ذلك فقيل : كان ما أخبر به موسى أربعين ليلة ، وانّما قال : سبحانّه ثَلاثِينَ لَيْلَةً وأفرد العشر لانّه تعالى واعده ثلاثين ليلة ليصوم فيها ويتقرب بالعبادة ، ثمَّ أتمت بعشر إلى وقت المناجاة ، وقيل : هي العشر التي نزلت التوراة فيها ، وقيل : إن موسى قال : لقومه : إنّي أتأخّر عنكم ثلاثين يوماً ليتسهّل عليهم ، ثمَّ زاد عليهم عشراً وليس في ذلك خلف ، لانّه إذا تأخر عنهم أربعين ليلة فقد تأخّر ثلاثين قبلها.

١٨٠