مرآة العقول الجزء ٤

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 380

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 380
المشاهدات: 19590
تحميل: 7979


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 380 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19590 / تحميل: 7979
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 4

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

( باب في النهي عن الاسم )

١ - عليُّ بن محمّد عمّن ذكره ، عن محمّد بن أحمد العلوي ، عن داود بن القاسم الجعفري قال : سمعت أبا الحسن العسكريعليه‌السلام يقول الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعدّ الخلف فقلت ولم جعلني الله فداك قال : إنّكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه فقلت فكيف نذكره فقال : قولوا الحجّة من آل محمّد صلوات الله عليه وسلامه.

٢ - عليُّ بن محمّد ، عن أبي عبد الله الصالحيّ قال : سألني أصحابنا بعدّ مضيّ أبي محمّدعليه‌السلام أن أسأل عن الاسم والمكان فخرج الجواب إن دللتهم على الاسم أذاعوه وإن عرفوا المكان دلّوا عليه.

________________________________________________________

باب في النهي عن الاسم

الحديث الأوّل : مجهول ، وقد مرّ بعينه في آخر باب النص على أبي محمّدعليه‌السلام .

الحديث الثاني : وأبو عبد الله الصالحي هو أبو عبد الله بن الصالح الّذي تكلمنا فيه ، ويدل على أنه كان من السفراء ويحتمل أن يكون السؤال بتوسّط السفراء « أذاعوه » أي أفشوه بحيث يضرّ بالعيال والموالي « دلّوا » أي الأعداء « عليه » وفي التعليل إيماء باختصاص النهي بالغيبة الصغرى.

وهذا الإيماء لا يصلح لمعارضة الأخبار الصّريحة في التّعميم ، مثل ما رواه الصدوق بإسناده عن عبد العظيم الحسني عن أبي الحسن الثالثعليه‌السلام أنه قال : في القائمعليه‌السلام : لا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، الخبر.

وما رواه بسند حسن عن الكاظمعليه‌السلام أنه قال : عند ذكر القائمعليه‌السلام : لا تحل لكم تسميته حتى يظهره الله عزَّ وجلَّ فيملأ به الأرض قسطاً وعدلا « الحديث ».

وبإسناده عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : : فسأل عمر أمير المؤمنينعليه‌السلام عن المهدي؟ فقال : : يا بن أبي طالب أخبرني عن المهدي ما اسمه؟ قال : : أمّا اسمه فلا ،

٢١

٣ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن جعفر بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن الريّان بن الصلت قال : سمعت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يقول وسئل عن القائم فقال : لا يرى جسمه ، ولا يسمّى اسمه.

٤ - محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحسن بن محبوب ، عن ابن رئاب

________________________________________________________

إنّ حبيبي وخليلي عهد إلى أن لا أحدّث باسمه حتّى يبعثه الله عزَّ وجلَّ ، وهو مما استودعه الله عزَّ وجلَّ رسوله في علمه ، والأخبار في ذلك كثيرة.

وما ورد في الأخبار والأدعية من التصريح بالاسم فأكثره معلوم أنه إما من الرواة أو من الفقهاء المجوزين للتسمية في زمان الغيبة الكبرى ، كالشيخ البهائيقدس‌سره في مفتاح الفلاح وغيره ، فإنه لما زعم الجواز صرّح بالاسم وفي سائر الروايات والأدعية إما بالألقاب أو بالحروف المقطعة ، مع أن بعض الأخبار المتضمنّة للاسم إنما يدل على جواز ذلك لهم لا لنا ، وما ورد في الأخبار من الأمرّ بتسمية الأئمةعليهما‌السلام فيمكن أن يكون على التغليب أو التجوز بذكرهعليه‌السلام بلقبه وسائر الأئمة بأسمائهم ، وهذا مجاز شائع تعدل الحقيقة.

الحديث الثالث : موثق على الظاهر إذ الأظهر أن جعفر بن محمّد هو ابن عون الأسدي ، وربما يظنّ أنه ابن مالك فيكون ضعيفا وإن كان في ضعفه أيضاً كلام ، لأن ابن الغضائري إنّما قدح فيه لروايته الأعاجيب ، والمعجز كله عجيب ، وهذا لا يصلح للقدح.

« لا يسمى اسمه » نائب الفاعل الضمير في يسمى الراجع إليهعليه‌السلام « واسمه » منصوب مفعول ثان أو مرفوع نائب الفاعل من قبيل أعطي درهم أو منصوب بنزع الخافض ، يقال : : سميته كذا وسميته بكذا والظاهر أن الاسم في هذه الأخبار لا يشمل الكنية واللقب.

الحديث الرابع : صحيح.

وفيه مبالغة عظيمة في ترك التسمية ، وربما يحمل الكافر على من كان شبيها

٢٢

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : صأحبّ هذا الأمرّ لا يسميه باسمه إلّا كافر.

نادر في حال الغيبة

١ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن خالد عمّن حدثه ، عن المفضل بن عمرّ ومحمّد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمّد بن عيسى ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن المفضل بن عمرّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : أقرب ما يكون العباد من الله جل ذكره وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجّة الله جل وعزَّ ولم يظهر لهم ولم يعلموا

________________________________________________________

بالكافر في مخالفة أوامرّ الله ونواهيه اجتراء ومعاندة ، وهذا كما تقول لا يجترئ على هذا الأمرّ إلّا أسد وستعرف إطلاق الكافر في عرف الأخبار على مرتكب الكبائر ، وقد ورد في بعض الأخبار أن ارتكاب المعاصي التي لا لذة فيها تدعو النفس إليها يتضمن الاستخفاف وهو يوجب الكفر ، إذ بعدّ سماع النهي عن ذلك ليس ارتكابه إلّا لعدم الاعتناء بالشريعة وصاحبها ، وهذا عين الكفر ، وقيل : المراد بصأحبّ هذا الأمرّ مطلق الإمام ، وتسميته باسمه مخاطبته بالاسم كان يقول : يا جعفر ، يا موسى ، وهذا استخفاف موجب للكفر ، ولا يخفى ما فيه من التكلف.

باب نادر في حال الغيبة

الحديث الأوّل : ضعيف على المشهور.

« أقرب ما يكون العباد » لعلّ ما مصدريّة وكان تامّة ومن صلة لأقرب ، أي أقرب أحوال كونهم ووجودهم من الله وأرضى أحوال رضي الله عنهم « إذا افتقدوا » خبر ونسبة القرب والرضا إلى الأحوال مجاز ، وقيل : أقرب مبتدأ مضاف إلى « ما » ومدخولها ، والعباد اسم يكون وخبره محذوف بتقدير قريبين ومن صلة قريبين ، ونسبة القرب إلى كونهم قريبين للمبالغة ، نظير جدّ حدّه « وأرضى ما يكون » بتقدير : أرضي ما يكون راضيّاً ، والضمير المستتر لله « وإذا » ظرف مضاف إلى الجملة وهو خبر المبتدأ « افتقدوا حجّة الله » أي لم يجدوه ولم يظهر لهم ، والعطف للتفسير

٢٣

مكانه وهم في ذلك يعلمون انّه لم تبطل حجّة الله جلّ ذكره ولا ميثاقه ،فعندها فتوقعوا الفرج صباحا ومساء فإن أشد ما يكون غضب الله على أعدائه إذا افتقدوا حجته ولم يظهر لهم وقد علم أن أولياءه لا يرتابون ولو علم أنهم يرتابون ما غيب

________________________________________________________

« وهم » الواو للحال « في ذلك » الزّمان « يعلمون انّه لم تبطل حجّة الله جلّ ذكره » بنصب الإمام « ولا ميثاقه » على الخلق بالإقرار بالإمام ، وقيل : إشارة إلى قوله تعالى «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إلّا الْحقَّ »(١) وانّما كانوا أقرب وأرضى لكون الإيمان عليهم أشدّ والشبه عليهم أقوى لعدم رؤيتهم الأئمةعليهما‌السلام ومعجزاتهم ، وانّما يؤمنون بالنظر في البراهين والتفكر في الآثار والأخبار ، لا سيّما مع امتداد غيبة الإمامعليه‌السلام وعدم وصول خبره عليهم في الغيبة الكبرى ، وكثرة وساوس شياطين الجن والإنس في ذلك « فعندها » أي عند حصول تلك الحالة « توقعوا » أي انتظروا الفرج وهو التفصي من الهم والغم بظهور الإمامعليه‌السلام ، فانّه لما لم يوقت لكم فكل وقت من الأوقات يحتمل ظهوره فلا تيأسوا من رحمة الله ، وادعوا لتعجيل الفرج وانتظروه في جميع الأزمان ، فانّه قد شاع في التعبير عن جميع الأزمان بهذين الوقتين ، ويحتمل أن يكون المراد بالفرج إحدى الحسنيين ، إما لقاء الله أو ظهور الحجّة « فإن أشدّ ما يكون غضب الله » في أكثر نسخ إكمال الدين وغيره « وانّ » بالواو وهو أظهر ، وفي أكثر نسخ الكتاب بالفاء ، فيحتمل أن يكون بمعنى الواو أو يكون للتعقيب الذكري ، ولو كان للتعليل فيحتمل وجوها :

الأوّل : أن يكون التعليل من جهة أن غيبة الإمام للغضب على أعدائه وإذا كانوا مغضوبين فلا جرم يكونون في معرض الانتقام والانتقام منهم انّما يكون بأن يظهر الإمام ويهيئ أسباب غلبته حتّى ينتقم منهم.

الثاني : أن يكون الغرض حصر الغضب على الأعداء كما هو ظاهر السياق ، فيكون قوله : على أعدائه خبراً فالمعنى أن شدة الغضب عند اعتقاد الحجّة انّما هو

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٦٩.

٢٤

حجّته عنهم طرفة عين ولا يكون ذلك إلّا على رأس شرار الناس.

٢ - الحسين بن محمّد الأشعريّ ، عن معلّى بن محمّد ، عن عليّ بن مرداس ، عن صفوان بن يحيى والحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن عمار الساباطي قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أيّما أفضل : العبادة في السرّ مع الإمام منكم المستتر في

________________________________________________________

على الأعداء لا الأولياء ، وأمّا بالنسبة إلى الأولياء فالغيبة رحمة لهم لأن الله يعلم أنّهم لا يرتابون وثوابهم على طاعتهم في الغيبة أكثر فإذا لم يكونوا مغضوبين فينبغي أن يكونوا راجين لرحمة الله ، وأعظم رحمات الله عليهم أن يظهر لهم الإمام ، حيث علم صلاحهم في ذلك.

الثالث : أن يكون المراد بالفرج أعم من لقاء الله وثوابه ، أو ظهور الإمام ، فالتعليل ظاهر بناء على الحصر المستفاد من الكلام.

الرابع : أن يكون المراد بالفرج الخلاص من شر الأعادي ، أعم من أن يكون بظهور الإمام أو بابتلاء المخالفين بما يشغلهم عنهم ، أو بغلبة الشيعة عليهم ، فالتعليل واضح لانّه إذا اشتدّ غضب الله عليهم فسوف يبتليهم ببلايا وآفات يندفع بها ضررهم عن الشيعة ، أو يظهر إمامهم فينتقم لهم منهم.

ثمَّ اعلم أنّ شدّة الغضب عليهم لأنهم صاروا سببا لغيبة الإمامعليه‌السلام بسوء سيرتهم وقبح سريرتهم « ولا يكون ذلك » أي ظهور الإمام إلّا إذا فسد الزمان غاية الفساد كما ورد في أخبار كثيرة انّه يملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدّ ما ملئت ظلماً وجوراً ، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى أنّ الغضب في الغيبة مختصّ بالشرار تأكيداً لما مرّ والأوّل أظهر.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« أيّما أفضل » أيّما مركب من أيّ الاستفهام ، وما معرّفة تامّة بمعنى الشيء أو نكرة تامّة بمعنى الشيء ، وأفضل خبر ، والعبادة أيضاً مبتدأ بتقدير الاستفهام ، وخبره محذوف وهو أفضل ، ولعلّ المراد بالإمام المستتر هنا من كان في التقيّة ولم يكن

٢٥

دولة الباطل ،أو العبادة في ظهور الحقَّ ودولته مع الإمام منكم الظاهر فقال : يا عمار الصدقة في السرّ والله أفضل من الصدقة في العلانية وكذلك والله عبادتكم في السرّ مع إمامكم المستتر في دولة الباطل وتخوُّفكم من عدوّكم في دولة الباطل وحال الهدنة أفضل ممن يعبد الله عزَّ وجلّ ذكره في ظهور الحقَّ مع إمام الحقَّ الظاهر في دولة الحقَّ وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحقَّ واعلموا

________________________________________________________

باسط اليد ، سواء كان ظاهراً أو غائباً وكون الصدقة في السرّ أفضل منها في العلانية إمّا مختص بالصدقة المندوبة كما هو مقتضى الجمع بين الأخبار وورد التفصيل في بعض الأخبار ، وظاهر أكثر الأصحاب أن السرّ مطلقاً أفضل ، وقيل : السرّ أفضل إذا لم يتهم بترك الصدقات وإلّا فالأفضل أن يعطيها علانية والأوّل أوجه ، والظاهر أن ذكر هاهنا للتنظير رفع الاستبعاد لأن القياس باطل.

ويمكن أن يقال : إنّما لا يجوز لنا القياس لعدم علمنا بالعلة الواقعية ، فأما مع العلم بالعلة الواقعية ، فيرجع إلى القياس المنطقي ، لانّه إذا علم الإمامعليه‌السلام أن علة كون صدقة السرّ أفضل كونه أقرب إلى الإخلاص وأبعدّ من الرياء أو كونه أشق وأصعب على النفس ، والعلة في العبادة في التقية وعدم غلبة الحقَّ موجودة فيرتب قياس هكذا : الصدقة في السرّ أشق ، وكلما كان أشق فهو أفضل فالصدقة في السرّ أفضل ، والأوّل أظهر لأنهمعليهم‌السلام غير محتاجين إلى ذكر الدليل ، وقولهم في نفسه حجة.

« حال الهدنة » أي حال المصالحة مع أئمة الجور وترك معارضتهم والتقية منهم بأمرّ الله تعالى للمصلحة ، وفي القاموس : الهدنة بالضم المصالحة كالمهادنة ، والدعة والسكون « ممّن يعبد الله » أي من عبادة من يعبد الله كقوله تعالى «وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى »(١) « وتخوفكم من عدوكم » كان فيه إشعاراً بأن للخوف في نفسه أجرا وثواباً والعبادة إذا انضمت معه يتضاعف ثوابه أيضاً ، فيكون قولهعليه‌السلام : وليست العبادة مع الخوف ، تأسيساً لا تأكيداً.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٩.

٢٦

أنَّ من صلّى منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة مستتر بها من عدوه في وقتها فأتمها كتب الله له خمسين صلاة فريضة في جماعة ومن صلّى منكم صلاة فريضة وحده مستترا بها من عدوه في وقتها فأتمها كتب الله عزَّ وجلّ بها له خمسا وعشرين صلاة فريضة وحدانية ومن صلى منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمها كتب الله له بها عشر صلوات نوافل ومن عمل منكم حسنة كتب الله عزَّ وجلّ له بها عشرين حسنة ويضاعف الله عزَّ وجلّ حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله ودان بالتقية على دينه وإمامه ونفسه وأمسك من لسانّه أضعافاً مضاعفة إن الله عزَّ وجلّ كريم.

________________________________________________________

« أنّ من صلّى منكم اليوم » أي زمانّهعليه‌السلام ، فانّه كان زمان هدنة وتقية فيكون ذكره على التمثيل لا التخصيص ويكون اللام لما عهد سابقاً من زمان الهدنة والتقيّة مطلقاً « في وقتها » أي في وقت فضيلتها ، واللام ظرفية كقوله تعالى : «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (١) » « فأتمها » أي أدى شروطها وواجباتها بل مستحباتها « خمسين صلاة » أي في دولة الحقَّ وكذا « خمسا وعشرين » ويدل على عدم سقوط الجماعة في زمان التقيّة إذا أمن الضرر وانّ تضاعف ثوابها ضعف تضاعف ثواب الصلاة وحداناً.

« وحدانية » قيل : بضمّ الواو نسبة إلى جمع واحد أي صادرة عن واحد واحد ، فهي نعت خمساً وعشرين ، أو بفتح الواو نسبة إلى وحدة بزيادة الألف والنون للمبالغة ، فهي نعت صلاة.

« أمسك من لسانّه » من للتبعيض أي سكت عمّا لا يعلم وعمّا ينافي التقية «أَضْعافاً مُضاعَفَةً » يعنّي أن ما ذكر قبل بيان لأقل مراتب الثواب ، وقد يكون أكثر منه بكثير بحسب مراتب قوة الإخلاص ورعاية الآداب ، وقيل : إذا قال : رجلّ لفلان عليّ دراهم مضاعفة فعليه ستّة دراهم ، فإن قال : أضعاف مضاعفة فله عليه ثمانية عشر ، لأن أضعاف الثلاثة ثلاثة ثلاث مرات ثمَّ أضعفناها مرة أخرى لقوله : مضاعفة ، ثم

__________________

(١) سورة الإسراء : ٧٨.

٢٧

قلت جعلت فداك قد والله رغبّتني في العمل وحثثتني عليه ولكن أحبّ أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمإلّا من أصحاب الإمام الظاهر منكم في دولة الحقَّ ونحن على دين واحد فقال : إنكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله عزَّ وجلّ وإلى الصلاة والصوم والحج وإلى كلّ خير وفقه وإلى عبادة الله عزَّ ذكره سراً من عدوكم مع إمامكم المستتر مطيعين له صابرين معه منتظرين لدولة الحقَّ خائفين على إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة تنتظرون إلى حقَّ إمامكم وحقوقكم

________________________________________________________

اتّسع فاستعمل لزيادة غير محصورة في عدد « إنّ الله » استيناف بيانيّ والحثّ : الحضّ والتحريص.

« فقال : إنّكم سبقتموهم » يمكن إرجاع الوجوه التي أومأعليه‌السلام إليها في تلك الفقرات إلى ثمانية أسباب :

الأوّل : سبقهم بالإيمان بالله وبرسوله ، والدخول في دين الله والإقرار به ، والسابقون أفضل من اللاحقين لقوله تعالى : «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ »(١) «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ »(٢) وقال :عليه‌السلام : لن تلحقَّ أواخر هذه الأمة أوائلها ، وأيضاً : لإيمانهم مدخل في أيمان اللاحقين وهم الحافظون للعلوم والآثار لهم.

الثاني : سبقهم إلى العمل بالأحكام مثل الصلاة والصوم والحج وغيرها من الخيرات على الوجوه المذكورة في الأوّل.

الثالث : عبادتهم سرّاً مع الإمام المستتر وطاعته لذلك خوفاً من الأعداء.

الرابع : صبرهم مع الإمام المستتر في الشدائد.

الخامس : انتظارهم لظهور دولة الحقَّ وهو عبادة.

السادس : خوفهم على إمامهم وأنفسهم من الملوك وخلفاء الجور وبغيهم وعداوتهم.

__________________

(١) سورة الواقعة : ١٠.

(٢) سورة التوبة : ١٠٠.

٢٨

في أيدي الظلمة قد منعوكم ذلك واضطرّوكم إلى حرث الدنيا وطلب المعاش مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف مع عدوّكم ، فبذلك ضاعف الله عزَّ وجلّ لكم الأعمال فهنيئا لكم.

قلت جعلت فداك فما ترى إذا أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحقُّ ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أصحاب دولة الحقَّ والعدل فقال : سبحان الله أما تحبون أن يظهر الله تبارك وتعالى الحقَّ والعدل في البلاد ويجمع الله

________________________________________________________

السابع : نظرهم نظر تأسّف وتحسرّ إلى حقَّ إمامهم وهو الإمامة والفيء والخمس ، وحقوقهم وهي الزكاة والخراج وما غصبوا من الشيعة في أيدي الظلمة الغاصبين الذين منعوهم عن التصرّف فيها وأحوجوهم إلى حرث الدنيا وكسبها وطلب المعاش من وجوه شاقّة شديدة.

الثامن : صبرهم مع تلك البلايا والمصائب على دينهم وعبادتهم وطاعة إمامهم والخوف من عدوهم قتلاً وأسراً ونهبا وعرضاً ومالاً وليس لأصحاب المهديعليه‌السلام بعدّ ظهوره شيء من هذه الأمور ، وفي القاموس : الحرث : الكسب وجمع المال والزرع.

« فهنيئا » قيل : منصوب على الإغراء ، أي أدركوا هنيئاً أو بتقدير حرف النداء والهنيء : ما لا كدورة فيه من وجوه النفع ، وأقول : يحتمل أن يكون منصوباً بعامل محذوف أي ليكن ثوابكم هنيئاً لكم أو اطلبوا هنيئاً لكم أو اطلبوا الثواب حالكونه هنيئاً لكم ، ويقال : لمن شرب الماء : هنيئاً مريئاً ، وقال : تعالى : «فَكُلُوهُ هنيئاً مَرِيئاً »(١) وكل ما يأتيك من غير تعب فهو هنيء.

« فما ترى » ما نافية ، وقيل : استفهامية ، وترى من الرأي بمعنى الترجيح أو التمني ، وقيل : يعنّي ليس من رأينا ولا نتمنى ، وفي رواية الصدوق فما نتمنى إذن وهو أظهر « إذا » أي حينئذ « أن نكون » أن مصدريّة ، والمصدر مفعول ترى « ويظهر » عطف على نكون « ونحن » جملة حالية و « سبحان الله » للتعجب ويحتمل التنزيه وجمع

__________________

(١) سورة النساء : ٤.

٢٩

الكلمة ويؤلّف الله بين قلوب مختلفة ولا يعصون الله عزَّ وجلّ في أرضه وتقام حدوده في خلقه ويرد الله الحقَّ إلى أهله فيظهر حتّى لا يستخفي بشيء من الحقَّ مخافة أحد من الخلق أما والله يا عمّار لا يموت منكم ميّت على الحال الّتي أنتم عليها إلّا كان أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر وأحد فأبشروا.

٣ - عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أسامة ، عن هشام ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة ، عن أبي إسحاق قال : حدَّثني الثقة من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّهم سمعوا أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول في خطبة له اللّهمَّ وإنّي لأعلم أنَّ العلم لا يأرز كلّه

________________________________________________________

الكلمة عبارة عن إتّفاق الخلق على الحقّ ظاهراً ، والتأليف بين القلوب بالاتفاق على الحقَّ واقعاً ، أو المراد التأليف بالمحبة « ولا يعصي الله في أرضه(١) » أي كثيرا « ويرد الله الحقَّ » أي حقَّ الإمامة « إلى أهله » أي أهل البيتعليهما‌السلام ، « فيظهر » أي الحقَّ أو صاحبه « حتّى لا يستخفي » على بناء المعلوم ، أي صأحبّ الحقَّ أو المجهول فيشمله وغيره « فأبشروا » على بناء الأفعال أي كونوا مسرورين بتلك الفضيلة ، في القاموس : أبشر فرح ، ومنه أبشر بخير.

الحديث الثالث : مجهول.

« لا يأرز » أي لا يخفى ولا يخرج من بين الناس ، قال : في النهاية : فيه أن الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها أي ينضم إليها ، ويجتمع بعضه إلى بعض فيها ، ومنه كلام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : حتّى يأرز الأمرّ إلى غيركم « كله » فاعل أو تأكيد للمستتر ، والمراد بمواده إما الأئمة صلوات الله عليهم أو الأعم منهم ومن رواة أخبارهم ، وعلماء شيعتهم الذين يبثّون علومهم في الناس عند غيبتهم أو أصوله من الآيات والأخبار التي يستنبط منها الفقهاء أحكام الدين في زمان غيبتهم.

__________________

(١) وفي المتن « ولا يعصون الله » بصيغة الجمع.

٣٠

ولا ينقطع موادُّه وإنّك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك ظاهر ليس بالمطاع أو خائف مغمور ، كيلا تبطل حججك.

________________________________________________________

« ظاهر ليس بمطاع » أي من الحسن إلى الحسنعليهما‌السلام ، فالمراد تقسيم الأئمّة بعدهعليه‌السلام ، ويحتمل شموله لهعليه‌السلام أيضاً لانّه لم يطع حقَّ الإطاعة « أو خائف مغمور » أي مستور وهو القائمعليه‌السلام ، من غمرة الماء إذا علاه ، وفي نهج البلاغة في حديث كميل بن زياد : اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً ، لئلا تبطل حجج الله وبيّناته.

فالخائف المغمور يحتمل شموله لسائر الأئمّةعليهم‌السلام غير أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويحتمل دخول ما سوى القائمعليه‌السلام في الأوّل ، وقال : الشيخ البهائيرحمه‌الله : ظاهر مشهور كمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام في أيّام خلافته الظاهرة أو مستتر مغمور أي مستتر غير متظاهر بالدعوة إلّا للخواص كما كان من حالهعليه‌السلام في أيّام خلافة من تقدّم عليه ، وكما كان من حال الأئمّة من ولدهعليهم‌السلام وكما هو في هذا الزمان من حال مولانا المهديعليه‌السلام ، انتهى.

« كيلا تبطل حجّتك » إشارة إلى قوله تعالى : «لِئَلاَّ يَكُونَ عَلَى اللهِ حجّة بَعدّ الرُّسُلِ »(١) .

قال : بعض المحقّقين : أن الإماميّةرحمهم‌الله آووا إلى هذا الكلام ليدفعوا ما أورد مخالفوهم عليهم حيث قالوا : يجب نصب الإمام على الله تعالى لانّه إذا لم يكن لهم رئيس قاهر يمنعهم من المحظورات ويحثهم على الواجبات كانوا معه أقرب إلى الطاعة وأبعدّ عن المعاصي منهم بدونه واللطف واجب على الله ، فاعترض عليهم مخالفوهم وقالوا : انّما يكون منفعة ولطفا واجباً إذا كان ظاهراً قاهرا زاجراً عن القبائح ، قادراً على تنفيذ الأحكام وإعلاء لواء كلمة الإسلام ، وهذا ليس بلازم عندكم ، فالإمام الّذي ادعيتم وجوبه ليس بلطف ، والّذي هو لطف ليس بواجب ، فأجابوا : بأن وجود

__________________

(١) سورة النساء : ١٦٥.

٣١

________________________________________________________

الإمام لطف سواء تصرّف أو لم يتصرّف كما نقل عن أمير المؤمنينعليه‌السلام من الكلام المذكور ، وتصرّفه الظاهر لطف آخر.

وتوضيحه ما أورده الشيخ البهائيقدس‌سره في شرح الأربعين : حيث قال : : استقامة ما دلّ عليه هذا الحديث من عدم خلو الأرض من إمام موصوف بتلك الصفات ، وكذا ما يفيده الحديث المتفق عليه بين الخاصة والعامة من قوله : من مات ولم يعرف إمام زمانّه مات ميتة جاهليّة ، ظاهرة على ما ذهب إليه الإماميّة من أن إمام زماننا هذا هو مولانا الإمام الحجّة بن الحسن المهديعليه‌السلام ، ومخالفوهم من أهل السّنة يشنعون عليهم بانّه إذا لم يمكن التوصّل إليه ولا أخذ المسائل الدينية عنه فأي ثمرة تترتب على مجّرد معرفته حتّى يكون من مات وليس عارفاً به فقد مات ميتة جاهلية ، والإماميّة يقولون : ليست الثمرة منحصرة في مشاهدته وأخذ المسائل عنه ، بل نفس التصديق بوجودهعليه‌السلام وانّه خليفة الله في الأرض أمرّ مطلوب لذاته ، وركن من أركان الإيمان كتصديق من كان في عصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بوجوده ونبوته.

وقد روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر المهدي فقال : : ذلك الّذي يفتح الله عزَّ وجلّ على يديه مشارق الأرض ومغاربها يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت فيها إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان ، قال : جابر فقلت : يا رسول الله هل لشيعته انتفاع به في غيبته؟ فقال :صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أي والله الّذي بعثني بالحقَّ إنهم ليستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وانّ علاها السحاب.

ثمَّ قالت الإماميّة أن تشنيعكم علينا مقلوب عليكم ، لأنكم تذهبون إلى أن المراد بإمام الزمان في هذا الحديث صاحب الشوكة من ملوك الدنيا كائناً من كان ، عالماً أو جاهلاً عدلاً أو فاسقاً فأي ثمرة تترتب على معرفة الجاهل الفاسق ليكون من مات ولم يعرفه فقد مات ميتة جاهليّة.

٣٢

ولا يضلَّ أولياؤك بعد إذ هديتهم بل أين هم وكم أولئك الأقلون عددا والأعظمون عند الله جلّ ذكره قدرا المتبعون لقادة الدين الأئمّة الهادين.

________________________________________________________

ولـمّا استشعر هذا بعض مخالفيهم ذهب إلى أنّ المراد بالإمام في هذا الحديث الكتاب ، وقالت الإماميّة : أنّ إضافة الإمام إلى زمان ذلك الشخص يشعر بتبدل الأئمّة في الأزمنة ، والقرآن العزيز لا تبدل له بحمد الله على مرّ الأزمان.

وأيضاً فما المراد بمعرفة الكتاب التي إذا لم تكن حاصلة للإنسان مات ميتة جاهلية؟ إن اُريد بها معرفة ألفاظه أو الاطلاع على معانيه أشكل الأمرّ على كثير من الناس ، وانّ اُريد مجرد التصديق بوجوده فلا وجه للتشنيع علينا إذا قلنا بمثله ، انتهى.

وأقول : قد بسط الكلام في ذلك السيّدرضي‌الله‌عنه في الشافي وغيره وليست هذه التعليقة محل إيراده فليرجع إلى مظانه.

« ولا يضلّ أولياؤك » إشارة إلى قوله سبحانه : «وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعدّ إِذْ هَداهُمْ »(١) الآية كما مرّ آنفاً. « بل أين هم وكم؟ » بل ، إضراب عمّا تتوهم من السابق من كثرة الأولياء « أين » استفهام لبيان الندرة جدا و « كم » بتقدير « هم » كذلك أيضاً ، وما قيل : من انّه إشارة إلى قلة عدد الأئمّة ومستوريتهم بسبب ظلم الأعادي فلا يخفى انّه لا يوافق ما بعده.

وفي النهج : وكم وذا وأين أولئك؟ أولئك والله الأقلون عدداً والأعظمون قدرا ، بهم يحفظ الله حججه وبيناته حتّى يودعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم ، إلخ ، فقولهعليه‌السلام : وكم وذا إشارة إلى طول مدة الغيبة وتبرم من امتداد دولة الباطل ، وعلى هذه الرواية ، الظاهر أن أولئك راجع إلى الأئمّةعليهم‌السلام أو إليهم وإلى خواص أصحابهم.

« المتبعون لقادة الدين » القادة جمع القائد أي القائدين في الدين ، الذين

__________________

(١) سورة التوبة : ١١٥.

٣٣

الّذين يتأدّبون بآدابهم وينهجون نهجهم فعند ذلك يهجم بهم العلم على حقيقة الإيمان

________________________________________________________

يقودون أتباعهم إلى الغاية القصوى من الكمال ، و « الأئمّة » بدل أو بيان للقادة « الّذين » نعت « المتّبعون » وضمير آدابهم للقادة ، والتأدب قبول الأدب ، أي المتخلقون بأخلاقهم ، ولعلّ الاتباع في الأصول والتأدب في الأخلاق ، والنهج والمنهج الطريق الواضح ، يقال : : نهجت الطريق أي سلكته ويقال : أيضاً نهجت الطريق أبنته وأوضحته ، وما هنا يحتملهما وانّ كان الأوّل أظهر.

« فعند ذلك يهجم بهم العلم » يقال : : هجم عليه كنصر أي دخل عليه بغتة ، وقيل : أي دخل عليه بغير إذن وهجم به وأهجمه أي أدخله ، والمعنى أطلعهم العلم بالأصول الدينية « على حقيقة الإيمان » أي الإيمان اليقيني الواقعي الثابت الّذي لا يتغير ، أو ما يحقَّ أن يسمى إيماناً ، وقيل : أي محضة بدون شائبة شك ، ويحتمل أن يراد بحقيقة الإيمان الدلائل التي يتحقق بها الإيمان والتصديق ، أو الأعمال والأفعال التي تدل على حصول الإيمان كما سيأتي في قولهعليه‌السلام : لكل شيء حقيقة فما حقيقة يقينك؟

ويمكن أن يقال : : التعبير بالهجوم لأن علومهم إلهامية أو حدسية ليس فيها من التدريج والتراخي ما في علوم غيرهم.

وقيل : الباء في « بهم » بمعنى على ، أي يدخل عليهم العلم على حقائق الإيمان.

أقول : على هذا يحتمل أن يكون على بمعنى الباء صلة للعلم ، أو تعليلية أو يكون حالاً أي كائنين عليّ حقيقة الإيمان وقيل : أي يرد عليهم العلم وروداً من حيث لا يشعرون ، وفي النهج : هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى ، أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه ، آه آه شوقاً إلى رؤيتهم.

وبرواية الصدوق : هجم بهم العلم على حقائق الأمور ، وقال : الشيخ البهائي

٣٤

فتستجيب أرواحهم لقادة العلم ، ويستلينون من حديثهم ما استوعر على غيرهم

________________________________________________________

(ره) : أي أطلعهم العلم اللدني على حقائق الأشياء ، محسوساتها ومعقولاتها ، وانكشفت لهم حجبها وأستارها ، فعرفوها بعين اليقين على ما هي عليه في نفس الأمرّ من غير وصمة ريب أو شائبة شك فاطمأنت بها قلوبهم ، واستراحت بها أرواحهم ، وهذه هي الحكمة الحقيقة التي من أوتيها فقد أوتي خيراً كثيرا ، وقيل على نسخة النهج : الكلام على القلب ، أي هجمت بهم عقولهم على حقيقة العلم ، والمباشرة في الأصل الملامسة بالبشرة والروح بالفتح : الراحة ونسيم الريح والمراد به وصولهم إلى اليقين حقَّ الوصول وإدراكهم لذته.

« فتستجيبها أرواحهم » استجابة الأرواح لقادة العلم عبارة عن التسليم لهم في كل صغير وكبير ، والإقرار بفضلهم وقبول كل ما سمعوا منهم « يستلينون » أي يعدون لينا « من حديثهم » من للتبعيض « ما استوعر » مفعول يستلينون وفي القاموس : الوعر ضد السهل ، وقد وعر المكان ككرم ووعدّ وولع وتوعر صار وعرا وأوعر به الطريق وعر عليه ، واستوعروا طريقهم : رأوه وعرا كأوعره ، انتهى.

فاستوعر هنا بمعنى وعر كاستقرّ بمعنى قر وما في النهج أظهر أي يسهل عليهم قبول ما صدر عنهم قولا وفعلا ، ممّا يصعب على غيرهم قبوله من العلوم الغامضة والأسرار الخفيّة والأعمال الشاقة وانّما خص المترفين كما في النهج والخصال لأنّهم كما يشق عليهم الأعمال الصعبة لنشوءهم في الرفاهية كذلك يشق عليهم قبول الغوامض والأسرار لبعدهم عن فهمها لعدم سعيهم في كسب العلوم والكمالات ، قال : الشيخ البهائي (ره) : المترف المنعم من الترفه بالضم وهي النعمّة ، أي استسهلوا ما استصعبه المتنعمون من رفض الشهوات البدنية وقطع التعلقات الدنيوية وملازمة الصمت والسهر والجوع والمراقبة ، والاحتراز من صرف ساعة من العمرّ فيما لا يوجب زيادة القرب منه تعالى جلّ شانّه وأمثال ذلك.

٣٥

ويأنسون بما استوحش منه المكذّبون وأباه المسرفون أولئك أتباع العلماء صحبوا أهل الدنيا بطاعة الله تبارك وتعالى وأوليائه ودانوا بالتقيّة عن دينهم والخوف من

________________________________________________________

« ويأنسون » قولا وفعلا كما مرّ « بما استوحش منه المكذبون » من أحاديث أرباب العصمةعليهم‌السلام ، والمكذبون المخالفون الّذين لا يصدقون بأئمة الدين ، والمسرفون : المتنعّمون أو المجرمون الّذين أسرفوا على أنفسهم « أولئك أتباع العلماء » والعلماء : الأئمّةعليهم‌السلام ، وتعريف المسند إليه باسم الإشارة للدلالة على أن اتصافهم بالخير لأجلّ الصفات المذكورة كما قالوا في قوله تعالى : «أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ »(١) وكذا « أولئك » بعدّ ذلك.

« صحبوا » خبر بعدّ خبر أو جملة استينافية « أهل الدنيا » أي المخالفين أو الأعم منهم ومن سائر المغترين بها الراكنين إليها « بطاعة الله » أي بسبب طاعة الله ، لأن الله أمرهم بذلك لهدايتهم أو للتقية منهم ، أو الباء للملابسة والظرف حال عن فاعل صحبوا ، أي لم يدخلوا في باطل أهل الدنيا ولم تشغلهم تلك المصاحبة عن طاعة ربهم « ولأوليائه(٢) » أي بالطاعة لأوليائه واللام زائدة ، وقيل : عطف على « بطاعة » أي لحفظ أوليائه أو الباء واللام كلاهما للسببية أي صحبوهم لطاعة الله ولطاعة أوليائه ، والظاهر أن اللام زيد من النساخ ، وقيل : المعنى مشاركتهم معهم انّما هي في طاعة الله وطاعة أوليائه ظاهراً وأما في الاعتقاد فهم في واد وأولئك في واد.

« ودانوا » أي عملوا أو عبدوا الله « بالتقية عن دينهم » التعدية لتضمين معنى الدفع ، وقيل : أي مصروفين عن دينهم بحسب الظاهر « والخوف » عطف على التقية أي بمقتضى الخوف أو ذلوا بالتقية والخوف.

وفي القاموس : الدين بالكسرّ : الجزاء والعادة والعبادة والطاعة والذل والداء والحساب والقهر والغلبة والاستعلاء والحكم والسيرة والتدبير واسم لجميع ما يتعبد الله

__________________

(١) سورة البقرة : ٥.

(٢) وفي المتن « وأوليائه » وهو الصحيح كما صرّح به الشارح (ره).

٣٦

عدوهم فأرواحهم معلّقة بالمحل الأعلى فعلماؤهم وأتباعهم خرس صمت في دولة الباطل منتظرون لدولة الحقَّوسيُحقَّ اللهُ الْحقَّ بِكَلِماتِهِ ويمحقَّ الباطل ها ، ها ،

________________________________________________________

عزَّ وجلّ به.

أقول : أكثر المعاني مناسبة هنا ، وفي بعض النسخ : وذابوا بالذال المعجمة والباء وهو أظهر.

« وأرواحهم معلّقة بالمحلّ الأعلى » أي متوجهة إلى عالم القدس ، قال : الشيخ البهائيرحمه‌الله في قولهعليه‌السلام في رواية الصدوق (ره) : صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحلّ الأعلى أي نفضوا عن أذيال قلوبهم غبار التعلق بهذه الخربة الموحشة الدنية ، وتوجهت أرواحهم إلى مشاهدة جمال حضرة الربوبية ، فهم مصاحبون بأشباحهم لأهل هذه الدّار وبأرواحهم للملائكة المقربين الأبرار ، وحسن أولئك رفيقاً.

« فعلماؤهم » أي الأئمّةعليهما‌السلام « وأتباعهم » من العلماء التابعين لهم ويكن تعميم الأوّل ليشمل خواص أصحابهم أيضاً ، والثاني بحيث يشمل سائر الشيعة التابعين لعلماء الدين ، والخرس بالضم : جمع الأخرس كالصمت جمع الأصمت ، والثاني تفسير للأوّل والمعنى أنهم يعملون بالتقية ولا يظهرون الحقَّ في غير محله « وسيحقَّ الله الحقَّ » السين للتقريب أو للتحقيق ، وإحقاق الحقَّ إثباته وجعله غالباً(١) على الباطل ، وقد مرّ تأويل الكلمات بالأئمّةعليهم‌السلام ، وفسرها المفسرون بالآيات القرآنية ، أو بتقدير الله تعالى ، وهذا تضمين لقوله سبحانّه : «وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحقَّ الْحقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ ، لِيُحقَّ الْحقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ »(٢) .

« ها » قيل : حرف تنبيه ينبه به المخاطب على ما يساق إليه من الكلام ، وتكريرها للتأكيد وقيل : ها ، ها ، حكاية البكاء بصوت عال.

أقول : ويحتمل أن يكون كناية عن التنفس العالي ليوافق نسخ النهج وغيره

__________________

(١) عالياً ، خ ل.

(٢) سورة الأنفال : ٨.

٣٧

طوبى لهم على صبرهم على دينهم في حال هدنتهم ويا شوقاه إلى رؤيتهم في حال ظهور دولتهم وسيجمعنا الله وإيّاهم في جنّات عدنوَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ .

( باب في الغيبة )

١ - محمّد بن يحيى والحسن بن محمّد جميعاً ، عن جعفر بن محمّد الكوفيّ ، عن الحسن بن محمّد الصيرفي ، عن صالح بن خالد ، عن يمان التمّار قال : كنّا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام جلوساً فقال : لنا إن لصاحب هذا الأمرّ غيبة المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد

________________________________________________________

« وطوبى » مؤنّث أطيب منصوب بتقدير حرف النداء ، أو مرفوع بالابتدائية ، وسيأتي أنّها اسم شجرة في الجنّة.

« ويا شوقاه » الهاء للاستغاثة كانّه طلب من شوقه الإغاثة ، والعدن : الإقامة ، إشارة إلى قوله تعالى : «الّذين يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ ، رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) » قوله «وَمَنْ صَلَحَ » ، هنا عطف على آبائهم.

باب في الغيبة

الحديث الأول : مجهول أو ضعيف على المشهور ، بناء على أن جعفر بن محمّد هو ابن مالك.

والجلوس جمع جالس « المتمسك فيها » الجملة استئناف أو نعت ، والخارط : من يضرب يده على الغصن ثمَّ يمدّها إلى الأسفل ليسقط ورقه ، والقتاد كسحاب : شجر صلب شوكة كالإبر ، وخرط القتاد ، مثل في ارتكاب صعاب الأمور ، قال : الجوهري : وفي المثل ومن دونه خرط القتاد « ثمَّ قال : هكذا بيده » أي أشار بيده تمثيلاً لخرط القتاد ، بأن يأخذ يده الأخرى أو إصبعه بيده ومدّه من الأعلى إلى الأسفل

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨.

٣٨

ثمَّ قال : هكذا بيده فأيّكم يمسك شوك القتاد بيده ثمَّ أطرق مليا ثمَّ قال : إن لصأحبّ هذا الأمرّ غيبة فليتق الله عبد وليتمسك بدينه.

٢ - عليُّ بن محمّد ، عن الحسن بن عيسى بن محمّد بن عليّ بن جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفرعليه‌السلام قال : إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم - لا يزيلكم عنها أحد يا بنيّ انّه لا بد لصأحبّ هذا الأمرّ من غيبة حتّى يرجع عن هذا الأمرّ من كان يقول به انّما هي محنة من الله عزَّ وجلّ امتحن بها خلقه لو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصح من هذا

________________________________________________________

« ثمَّ أطرق » أي سكت ونظر إلى الأرض « مليّاً » أي زماناً طويلاً كمن يتفكر في أمرّ ثمَّ أعادعليه‌السلام الكلام تأكيداً.

الحديث الثاني : مجهول.

« إذا فقد » على بناء المجهول ، أي غاب ، والسابع هو نفسهعليه‌السلام ، والخامس من ولده المهديعليه‌السلام ، ولعلّهعليه‌السلام انّما عبر هكذا تعريضا بالواقفية فإنهم يزعمون أن المهدي صاحب الغيبة هو السابع مع انّه الخامس من ولده « فالله » منصوب على التحذير بتقدير اتقوا ، والتكرار للتأكيد نحو : الأسد ، الأسد ، والجمع في « أديانكم » باعتبار تعدد المخاطبين أو باعتبار أجزاء الدين « يا بنيّ » بضم الباء وفتح النون ، وسمّاه ابنا على وجه اللطف والشفقة ، والأخ الصغير كالابن ، وقد يقرأ بفتح الباء وكسرّ النون بأن يكون الخطاب لأولاده فقط أو لهم مع عليّ تغليباً والأوّل أظهر ، والمحنة بالكسرّ : الاسم من امتحنه إذا اختبره ونسبته إلى الله مجازا « آبائكم » أي رسول الله وأوصياؤهعليهم‌السلام « وأجدادكم » أي الأنبياء المتقدمين من أجدادهم ، أو المراد بالآباء الأب مع الأجداد القريبة ، وبالأجداد الأجداد البعيدة كالرسول وأمير المؤمنين والحسنينعليهم‌السلام فإن الحسنعليه‌السلام أيضاً من أجدادهم من قبل الأم والخطاب إلى عليّ وأضرابه وانّ لم يكونوا حاضر بن تغليباً ، وربمّا يؤيّد

٣٩

لاتّبعوه قال : فقلت يا سيّدي من الخامس من ولد السابع فقال : يا بنيّ عقولكم تصغر عن هذا وأحلامكم تضيق عن حمله ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه.

٣ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نجران ، عن محمّد بن المساور ، عن المفضّل بن عمر قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إياكم والتنويه أما والله ليغيبنَّ إمامكم سنيناً من دهركم ولتمحصن حتّى يقال : مات قتل هلك ، بأيّ

________________________________________________________

الوجه الثاني بهذا.

« أصحّ من هذا » أي القول بوجوب الحجّة في كل زمان أو كون عدد الأئمّةعليهما‌السلام اثنا عشر « من الخامس » لعلّ المراد السؤال عن كيفيّة غيبته وخصوصياتها وامتدادها ولذا لم يجبعليه‌السلام ، فإنها مزلة للعقول والأحلام ، وكانوا لا يصبرون على كتمانها ، وإذاعتها ممّا يضرّ بالإمام بل بأكثر الأنام من الخواصّ والعوامّ ، وما قيل : أن المراد السؤال عن درجات الإمام وصفاته ومنازله فهو بعيد « فسوف تدركونه » أي زمانه أو نفسهعليه‌السلام قبل الغيبة لكونهم من الخواص والأوّل أظهر ، ولا استبعاد في إدراك بعض المقصودين بالخطاب ذلك الزمان ، مع أن صدق الشرطية لا يستلزم وقوع المقدم ولا إمكانه.

الحديث الثالث : مجهول ، وقيل ضعيف.

والتنويه : الرفع والتشهير ، أي تنويه أمر الإمام الثاني عشر وذكر غيبته وخصوصيات أمره عند المخالفين فيصير سبباً لكثرة إصرارهم على إضرار أئمّة الدين وشيعتهم وقيل : كانّه يعنّي لا تشهروا أنفسكم أو لا تدعوا الناس إلى دينكم.

أقول : وفي غيبة النعماني : إياكم والتنويه يعنّي باسم القائمعليه‌السلام .

« سنيناً من دهركم » سنين ظرف زمان وتنوينه على لغة بنيّ عامرّ قال : الأزهري في التصريح شرح التوضيح وبعضهم يجري بنين وباب سنين وانّ لم يكن علماً مجرى غسلين في لزوم الياء والحركات على النون منونة غالباً على لغة بنيّ عامرّ ، انتهى.

وفي بعض الروايات « سبتاً » والسبت : الدهر « ولتمحصنّ » في بعض النسخ بصيغة الخطاب المجهول مؤكّداً بنون الثقيلة من التمحيص وهو الابتلاء والاختبار ،

٤٠