مرآة العقول الجزء ٤

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 380

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 380
المشاهدات: 19606
تحميل: 7979


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 380 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19606 / تحميل: 7979
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 4

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ابن مسكان قال : سألت الشيخ عن الأئمّةعليهم‌السلام قال : من أنكر واحداً من الأحياء فقد أنكر الأموات.

٩ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن أبي وهب ، عن محمّد بن منصور قال : سألته عن قول الله عزَّ وجلّ : «وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا

________________________________________________________

والتعبير بالشيخ للتقيّة ، أي المعظّم المفتدي ، والظّاهر أنّ المراد به الكاظمعليه‌السلام لأن رواية ابن مسكان عن الصّادقعليه‌السلام نادر ، بل قيل : انّه لم يرو عنهعليه‌السلام إلّا حديث المشعر ، لكن رواه الصدوق في إكمال الدّين عن ابن مسكان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام « فقد أنكر الأموات » أي لا ينفعه الإقرار بإمامتهم بدون الإقرار بإمامته وإنكاره مستلزم لإنكارهم ، لأنّهم أخبروا بإمامته أو دلائل الإمامة مشتركة ، فإذا لم يقر بالإمام الحي فلا يعرفهم بالدليل ، فلا ينفعه الإقرار بلا دليل ، أو المعنى أن إنكار الإمام الحي انّما يكون بالقول بإمام آخر غير معصوم جاهل بالأحكام ، فهذا دليل على انّه لم يعرف الأئمّة السابقين بصفاتهم التي لا بد من الإقرار بها.

الحديث التاسع : مجهول.

« وإذا فعلوا فاحشة » قال : الطّبرسيرحمه‌الله : كنى به عن المشركين الّذين كانوا يبدون سوآتهم في طوافهم ، فكان يطوف الرّجال والنساء عراة يقولون نطوف كما ولدتنا أمهاتنا ولا نطوف في الثياب التي قارفنا فيها الذنوب ، وهم الحمس(١) وفي الآية حذف تقديره : وإذا فعلوا فاحشة فنهوا عنها قالوا وجدنا عليها آباءنا ، قيل : ومن أين أخذ آباؤكم؟ قالوا : الله أمرنا بها وقال : الحسن : أنّهم كانوا أهل إجبار ، فقالوا : لو كره الله ما نحن عليه لنقلنا عنه ، فلهذا قالوا : والله أمرنا بها ، فرد الله سبحانه

__________________

(١) قارف الذنب : داناه ، والحمس : لقب قريش وكنانة وجديلة ومن تابعهم في الجاهلية.

٢٠١

عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمرّ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ »(١) قال : فقال : هل رأيت أحداً زعم أن الله أمرّ بالزنا وشرب الخمرّ أو شيء من هذه المحارم فقلت لا فقال : ما هذه الفاحشة التي يدعون أن الله أمرهم بها قلت الله أعلم ووليّه قال : فإنّ هذا في أئمّة الجور ادعوا أن الله أمرهم بالائتمام بقوم لم يأمرهم الله بالائتمام بهم فرد الله ذلك عليهم فأخبر أنّهم قد قالوا عليه الكذب وسمى ذلك منهم فاحشة.

١٠ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن أبي وهب ، عن محمّد بن منصور قال : سألت عبداً صالحاً عن قول الله عزوجلّ «قُلْ انّما حرّم رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ »(٢) قال : فقال : إن القرآن له ظهر وبطن فجميع

________________________________________________________

قولهم بأن قال : «إِنَّ اللهَ لا يَأْمرّ بِالْفَحْشاءِ » ثمَّ أنكر عليهم من وجه آخر فقال : «أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ » لأنّهم إن قالوا لا لنقضوا مذهبهم ، وان قالوا : نعم افتضحوا في قولهم ، انتهى.

« وولّيه » أي من هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، أي أنت في أئمّة الجور أي في ولايتهم ادعوا أي الناس من أتباعهم ، وفي غيبة النعماني هذا في أولياء أئمّة الجور وهو أظهر ، وعلى ما في الكافي يحتمل أن يكون ضمير ادعوا راجعاً إلى أئمّة الجور بأن يكون المراد بهم أئمّة جور يتولون أئمّة جور آخرين كخلفاء بنيّ اميّة وبنيّ العبّاس.

الحديث العاشر : مجهول.

«الْفَواحِشَ » أي المعاصي والقبائح كلها ، «ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ » قيل : أي سرها وعلانيتها ، فأنّهم كانوا لا يرون بالزنا في السرّ بأساً ويمنعون منه علانية فنهى الله سبحانه عنه في الحالتين ، وقيل : ما ظهر : أفعال الجوارح وما بطن : أفعال القلوب ، وظاهر الخبر أن المراد بما ظهر المعاصي التي دلّ ظاهر القرآن عليّ تحريمه ، وبما بطن ما بين أئمّة الهدىعليهم‌السلام من تأويل الفواحش في بطن القرآن وهو ولاية أئمّة

__________________

(١) سورة الأعراف : ٢٧.

(٢) سورة الأعراف : ٣١.

٢٠٢

ما حرّم الله في القرآن هو الظاهر والباطن من ذلك أئمّة الجور ، وجميع ما أحلّ الله تعالى في الكتاب هو الظاهر ، والباطن من ذلك أئمّة الحقّ.

________________________________________________________

الجور ومتابعتهم ، فإنّها أفحش الفواحش وهي الداعية إلى جميعها.

والحاصل أن كلّ ما ورد في القرآن من ذكر الفواحش والخبائث والمحرّمات والمنهيّات والعقوبات المترتّبة عليها ، فتأويله وباطنه أئمّة الجور ومن اتبعهم يعنّي دعوتهم للناس إلى أنفسهم من عند أنفسهم وتأمرّهم عليهم وإضلالهم إيّاهم ، ثمَّ إجابة الناس لهم وتدينهم بدينهم وطاعتهم إيّاهم ومحبتّهم لهم إلى غير ذلك.

وكلّ ما ورد فيه من ذكر الصّالحات والطيّبات والمحللات والأوامرّ والمثوبات المترتبة عليها فتأويله وباطنه أئمّة الحقَّ ومن اتبعهم يعنّي دعوتهم للناس إلى أنفسهم بأمرّ ربهم وإرشادهم لهم وهدايتهم إياهم ، ثمَّ إجابة الناس لهم وتدينهم بدينهم وطاعتهم إياهم ومحبتهم لهم إلى غير ذلك كما ورد عنهم في كثير من الآيات مفصلا.

وجملة القول في ذلك أن الله تعالى أمرّ بالإيمان والإسلام واليقين والتقوى والورع والصّلاة والزكاة والحجّ والصّوم وسائر الطّاعات ، ونهى عن الكفر والنفاق والشرك والزنا وشرب الخمرّ وقتل النفس وأمثالها من الفواحش ، وخلق أئمّة داعين إلى جميع الخيرات ، عاملين بها ، ناهين عن جميع المنكرات منتهين عنها ، فهم أصل جميع الخيرات وكملت فيهم بحيث اتحدت بهم ، بل صارت كأنّها روح لهم كالصّلاة فإنها كملت في أمير المؤمنين صلوات الله عليه حتّى صارت له بمنزلة الروح من الجسد ، وصار آمرا بها معلـمّا لها غيره ، داعيا إليها.

فبهذه الجهات يستعمل لفظ الصّلاة فيهعليه‌السلام كما ورد في قوله تعالى : «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ »(١) إن الصّلاة أمير المؤمنين والأئمّة من ولدهعليهم‌السلام ، ولا ينافي ظاهر الآية فكلاهما مرادان منها ظهراً وبطناً.

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٤٥.

٢٠٣

________________________________________________________

وقال : «إِنَّ اللهَ يَأْمرّ بِالْعَدْلِ وَالْإِحسّان وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى »(١) فهم العدل والإحسّان في بطن القرآن بهذه الجهات المتقدّمة ، ولا ينافي ظاهرها.

وخلق سبحانّه أئمّة «يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ » فهم أصل جميع الفواحش والكفر والشرك والمعاصي ، وكملت فيهم حتّى صارت فيهم بمنزلة الروح من الجسد ، وهم الداعون إليها ، وموالاتهم سبب للإتيان بها ، فبتلك الجهات أطلق عليهم الشرك والكفر ، والفواحش في بطن القرآن وظاهرها أيضاً مراد.

فإذا عرفت ذلك لم تستبعد ما سيقرع سمعك من الأخبار الكثيرة الواردة في هذا الباب.

ويدلّ على جملة ما أومأنا إليه ما رواه الصفّار في بصائر الدّرجات عن عليّ بن إبراهيم عن القاسم بن الرّبيع عن محمّد بن سنان عن صباح المزني عن المفضّل بن عمر انّه كتب إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام فجاءه هذا الجواب من أبي عبد اللهعليه‌السلام :

امّا بعد فانّي أوصيك ونفسي بتقوى الله وطاعته ، فإن من التّقوى الطّاعة والورع والتواضع لله والطّمأنينة والاجتهاد والأخذ بأمره والنصيحة لرسله ، والمسارعة في مرضاته ، واجتناب ما نهى عنه ، فانّه من يتق الله فقد أحرز نفسه من النّار بإذن الله ، وأصاب الخير كلّه في الدّنيا والآخرة ، ومن أمرّ بالتقوى فقد أبلغ الموعظة جعلنا الله من المتقيّن برحمته.

جاءني كتابك فقرأته وفهمت الّذي فيه ، فحمدت الله على سلامتك وعافية الله إيّاك ، ألبسنا الله وإيّاك العافية عافية الدّنيا والآخرة ، كتبت تذكر أنّ قوماً أنا أعرفهم كان أعجبك نحوهم وشأنهم ، وإنّك أبلغت عنهم أموراً تروي عنهم كرهتها لهم ، ولم تر بهم إلّا طريقاً حسناً وورعاً وتخشّعاً ، وبلغك أنّهم يزعمون أنّ الدّين انّما هو معرفة الرّجال ، ثمَّ بعد ذلك إذا عرفتهم فاعمل ما شئت ، وذكرت أنّك

__________________

(١) سورة النحل : ٩٠.

٢٠٤

________________________________________________________

قد عرفت أنّ أصل الدّين معرفة الرّجال ، فوفقك الله.

وذكرت انّه بلغك أنّهم يزعمون أن الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج والعمرّة والمسجدّ الحرام والمشعر الحرام والشهر الحرام هو رجلّ ، وانّ الطهر والاغتسال من الجنابة هو رجلّ ، وكل فريضة افترضها الله على عباده هو رجلّ ، وأنّهم ذكروا ذلك بزعمهم أن من عرف ذلك الرجلّ فقد اكتفى بعلمه من غير عمل ، وقد صلّى وآتى الزكاة وصام وحج واعتمرّ واغتسل من الجنابة وتطهر وعظم حرمات الله والشهر الحرام والمسجدّ الحرام.

وأنّهم ذكروا أن من عرف هذا بعينه وبحده وثبت في قلبه جاز له أن يتهاون وليس له أن يجتهد في العمل ، وزعموا أنّهم إذا عرفوا ذلك الرجلّ فقد قبلت منهم هذه الحدود لوقتها ، وانّ لم يعملوا بها ، وانّه بلغك أنّهم يزعمون أن الفواحش التي نهى الله عنها الخمرّ والميسرّ والربا والدم والميتة ولحم الخنزير هي رجلّ ، وذكروا أن ما حرّم الله من نكاح الأمهات والبنات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت ، وما حرّم على المؤمنين من النساء ممّا حرّم الله انّما عنى بذلك نكاح نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما سوى ذلك مباح كله.

وذكرت انّه بلغك أنّهم يترادفون المرأة الواحدة ويشهدون بعضهم لبعض بالزور ، ويزعمون أن لهذا ظهراً وبطنا يعرفونه ، فالظّاهر ما يتناهون عنه يأخذون به مدافعة عنهم ، والباطن هو الّذي يطلبون وبه أمروا بزعمهم.

وكتبت تذكر الّذي عظم من ذلك عليك حين بلغك وكتبت تسألني عن قولهم في ذلك أحلال هو أم حرام ، وكتبت تسألني عن تفسير ذلك ، وأنا أبينه حتّى لا تكون من ذلك في عمى ولا شبهة ، وقد كتبت إليك في كتابي تفسير ما سألت عنه فاحفظه كله كما قال : الله في كتابه : «وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ »(١) وأصفه لك بحلاله وأنفي عنك

__________________

(١) سورة الحاقة : ١٢.

٢٠٥

________________________________________________________

حرامه إنشاء الله كما وصفت ومعرفكه حتّى تعرفه إن شاء الله فلا تنكره إنشاء الله ، ولا قوة إلّا بالله والقوّة لله جميعاً.

أخبرك أنّ من كان يدين بهذه الصّفة التي كتبت تسألني عنها فهو عندي مشرك بالله تبارك وتعالى ، بيّن الشرك لا شكّ فيه ، وأخبرك أن هذا القول كان من قوم سمعوا ما لم يعقلوه عن أهله ولم يعطوا فهم ذلك ، ولم يعرفوا حد ما سمعوا ، فوضعوا حدود تلك الأشياء مقايسة برأيهم ومنتهى عقولهم ، ولم يضعوها على حدود ما أمروا كذباً وافتراءاً على الله ورسوله ، وجرأة على المعاصي ، فكفى بهذه لهم جهلاً ، ولو أنّهم وضعوها على حدودها التي حدت لهم وقبلوها لم يكن به بأس ، ولكنّهم حرّفوها وتعدوا وكذبوا وتهاونوا بأمرّ الله وطاعته.

ولكن أخبرك أنّ الله حدّها بحدودها لئلّا يتعدّى حدوده أحد ، ولو كان الأمر كما ذكروا لعذر الناس بجهلهم ما لم يعرفوا حد ما حد لهم ، ولكان المقصّر والمتعدي حدود الله معذوراً ، ولكن جعلها حدوداً محدودة لا يتعداها إلّا مشرك كافر ثمَّ قال : «تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعدّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ »(١) فأخبرك بحقائقها.

إنّ الله تبارك وتعالى اختار الإسلام لنفسه دينا ، ورضي من خلقه ولم يقبل من أحد إلّا به ، وبه بعث أنبياءه ورسله ، ثمَّ قال : «وَبِالْحقَّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحقَّ نَزَلَ »(٢) فعليه وبه بعث أنبياءه ورسله ونبيّه محمّد صلّى الله عليه وعليهم فأفضل الدّين معرفة الرسل وولايتهم.

وأخبرك أنّ الله أحلَّ حلالاً وحرّم حراماً إلى يوم القيامة فمعرفة الرّسل

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٢٩.

(٢) سورة الأسرى : ١٠٥.

٢٠٦

________________________________________________________

وولايتهم(١) هو الحلال ، فالمحلل ما أحلّوا والمحرّم ما حرّموا ، وهم أصله ومنهم الفروع الحلال ، وذلك شيعتهم ومن فروعهم أمرهم شيعتهم وأهل ولايتهم بالحلال من أقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت والعمرة وتعظيم حرمات الله وشعائره ومشاعره ، وتعظيم البيت الحرام [ والمسجدّ الحرام ] والشهر الحرام والطّهور والاغتسال من الجناية ومكارم لأخلاق ومحاسنها وجميع البرّ.

ثمَّ ذكر بعد ذلك في كتابه فقال : «إِنَّ اللهَ يَأْمرّ بِالْعَدْلِ وَالْإِحسّان وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ »(٢) فعدوهم هم الحرام المحرّم وأولياؤهم الداخلون في أمرهم إلى يوم القيامة فهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن والخمرّ والميسرّ والزنا والربّا والدّم ولحم الخنزير فهم الحرام المحرّم وأصل كلّ حرام وهم الشرّ ، وأصل كلّ شرّ ، ومنهم فروع الشرّ كلّه ، ومن ذلك الفروع الحرام واستحلالهم إيّاها.

ومن فروعهم تكذيب الأنبياء وجحود الأوصياء وركوب الفواحش الزّنا والسّرقة وشرب الخمرّ وأكل مال اليتيم وأكل الرّبا ، والخدعة والخيانة وركوب الحرام كله وانتهاك المعاصي وانّما يأمرّ الله بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وابتغاء طاعتهم وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، وهم أعداء الأنبياء وأوصياء الأنبياء ، وهم المنهي عن مودتهم وطاعتهم ، يعظكم بهذه لعلكم تذكرون.

وأخبرك أنّي لو قلت لك أن الفاحشة والخمرّ والميسرّ والزنا والميتة والدم ولحم الخنزير هو رجلّ وأنا أعلم أن الله قد حرّم هذا الأصل ، وحرّم فرعه ، ونهى عنه

__________________

(١) وفي المصدر بعد قوله : « وبه بعث أنبياءه ورسله ونبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله » هكذا : فاختل الذين لم يعرفوا الرسل وولايتهم وطاعتهم هو الحلال المحلل اه والظّاهر وقوع السقط والتصحيف فيه.

(٢) سورة النحل : ٩٠.

٢٠٧

________________________________________________________

وجعل ولايته كمن عبد من دون الله وثناً وشركاً ، ومن دعا إلى عبادة نفسه فهو كفرعون إذ قال : أنا ربّكم الأعلى فهذا كلّه على وجه إن شئت قلت هو رجلّ وهوى إلى جهنّم هو ومن شايعه على ذلك فأنّهم مثل قول الله : «انّما حرّم عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ »(١) لصدقت.

ثمّ لو أنّي قلت إنّه فلان ذلك كلّه لصدقت ، إنّ فلاناً هو المعبود المتعدّي حدود الله التي نهى عنها أن يتعدّ ، ثمَّ أنّي أخبرك أنّ الدّين وأصل الدّين هو رجلّ وذلك الرجلّ هو اليقين وهو الإيمان وهو إمام أمته وأهل زمانّه ، فمن عرفه عرف الله ودينه ، ومن أنكره أنكر الله ودينه ، ومن جهله جهل الله ودينه ولا يعرف الله ودينه وحدوده وشرائعه بغير ذلك الإمام.

فذلك معنى أنّ معرفة الرّجال دين الله ، والمعرفة على وجهين معرفة ثابتة على بصيرة يعرف بها دين الله ، ويوصل بها إلى معرفة الله ، فهذه المعرفة الباطنة الثابتة بعينها الموجبة حقها المستوجب أهلها عليها الشكر لله الّذي من عليهم بها من من الله يمن به على من يشاء مع المعرفة الظاهرة ، ومعرفة في الظّاهر ، فأهل المعرفة في الظّاهر الّذين علموا أمرنا بالحقَّ على غير علم لا يلحقَّ بأهل المعرفة في الباطن على بصيرتهم ولا يصلون بتلك المعرفة المقصرة إلى حقَّ معرفة الله كما قال : في كتابه : «وَلا يَمْلِكُ الّذين يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إلّا مَنْ شَهِدَ بِالْحقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ »(٢) .

فمن شهد شهادة الحقَّ لا يعقد عليه قلبه ولا يبصر ما يتكلّم به لا يثاب عليه مثل ثواب من عقد عليه قلبه على بصيرة فيه ، كذلك من تكلّم بجور لا يعقد عليه قلبه لا يعاقب عليه عقوبة من عقد عليه قلبه وثبت على بصيرة.

فقد عرفت كيف كان حال رجال أهل المعرفة في الظّاهر ، والإقرار بالحقَّ على

__________________

(١) سورة النحل : ١١٥.

(٢) سورة الزخرف : ٨٦.

٢٠٨

________________________________________________________

غير علم في قديم الدّهر وحديثه إلى أن انتهى الأمر إلى نبيّ الله وبعده صار إلى أوصيائه وإلى من انتهت إليه معرفتهم ، وانّما عرفوا بمعرفة أعمالهم ودينهم الّذين دان الله به المحسن بإحسانّه والمسيء بإساءته ، وقد يقال : انّه من دخل في هذا الأمر بغير يقين ولا بصيرة خرج منه كما دخل فيه رزقنا الله وإيّاك معرفة ثابتة على بصيرة.

وأخبرك أنّي لو قلت الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج والعمرّة والمسجدّ الحرام والبيت الحرام والمشعر الحرام والطهور والاغتسال من الجنابة وكل فريضة كان ذلك هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي جاء به من عند ربّه لصدقت ، لأن ذلك كله انّما يعرف بالنبيّ ولو لا معرفة ذلك النبيّ والإيمان به والتسليم له ما عرف ذلك ، فذلك من من الله على من يمن عليه ، ولو لا ذلك لم يعرف شيئاً من هذا.

فهذا كله ذلك النبيّ وأصله وهو فرعه ، وهو دعأنّي إليه ودلني عليه وعرفنيه وأمرني به ، وأوجب عليّ له الطّاعة فيما أمرني به ، ولا يسعنّي جهله ، وكيف يسعنّي جهل من هو فيما بيني وبين الله ، وكيف يستقيم لي لو لا أنّي أصف أن ديني هو الّذي أتأنّي به ذلك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أصف أن الدّين غيره ، وكيف لا يكون ذلك معرفة الرجلّ وانّما هو الّذي جاء به عن الله وانّما أنكر الّذين من أنكره بأن «قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رسولاً » ، ثمَّ قالوا «أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا » فكفروا بذلك الرجلّ ، وكذبوا به «وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ »(١) فقال : الله : «قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الّذي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ »(٢) ثمَّ قال : في آية أخرى : «وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الأمر ثمَّ لا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رجلاً »(٣) .

إن الله تبارك وتعالى انّما أحبّ أن يعرف بالرّجال وانّ يطاع بطاعتهم ،

__________________

(١) سورة الأنعام : ٨.

(٢) سورة الأنعام : ٩١.

(٣) سورة الأنعام : ٨. وأقول : الظّاهر وقوع التقدّم والتأخّر في الآيتين ، والله أعلم.

٢٠٩

________________________________________________________

فجعلهم سبيله ووجهه الّذي يؤتى منه ، لا يقبل الله من العباد غير ذلك لا يسأل عمّا يفعل وهم يسئلون ، فقال : فيما أوجب من محبته لذلك : «مَنْ يُطِعِ الرّسول فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً »(١) فمن قال : لك إن هذه الفريضة كلها انّما هي رجلّ ، وهو يعرف حد ما يتكلّم به فقد صدق ، ومن قال : على الصفة التي ذكرت بغير الطّاعة فلا يغني التمسك بالأصل بترك الفروع ، كما لا يغني شهادة أن لا إله إلّا الله بترك شهادة أن محمداً رسول الله ، ولم يبعث الله نبيا قط إلّا بالبر والعدل والمكارم ومحاسن الأخلاق ومحاسن الأعمال والنهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فالباطن منه ولاية أهل الباطل ، والظّاهر منه فروعهم ، ولم يبعث الله نبيا قط يدعو إلى معرفة ليس معها طاعة في أمرّ ولا نهي ، فانّما يقبل الله من العباد العمل بالفرائض التي افترضها الله على حدودها مع معرفة من جاءهم به من عنده ، ودعاهم إليه ، فأوّل ذلك معرفة من دعا إليه ثمَّ طاعته فيما يقر به عن الطّاعة له ، وانّه من عرف أطاع ومن أطاع حرّم الحرام ظاهره وباطنه ، ولا يكون تحريم الباطن واستحلال الظّاهر ، انّما حرّم الظّاهر بالباطن والباطن بالظّاهر معا جميعاً ، ولا يكون الأصل والفروع وباطن الحرام حرام وظاهره حلال ، يحرّم الباطن ويستحل الظاهر.

وكذلك لا يستقيم أن يعرف صلاة الباطن ولا يعرف صلاة الظّاهر ، ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج ولا العمرّة ولا المسجد الحرام وجميع حرمات الله وشعائره ، أن يترك لمعرفة الباطن ، لأن بطنه ظهره ، ولا يستقيم أن يترك واحدة منها إذا كان الباطن حراماً خبيثا ، فالظّاهر منه انّما يشبه الباطن.

فمن زعم أن ذلك انّما هي المعرفة وانّه إذا عرف اكتفى بغير طاعة فقد كذب وأشرك ، ذاك لم يعرف ولم يطع وانّما قيل اعرف واعمل ما شئت من الخير ، فانّه لا

__________________

(١) سورة النساء : ٨٠.

٢١٠

________________________________________________________

يقبل ذلك منك بغير معرفة ، فإذا عرفت فاعمل لنفسك ما شئت من الطّاعة قل أو كثر ، فانّه مقبول منك.

وأخبرك أن من عرف أطاع إذا عرف وصلّى وصام واعتمرّ ، وعظم حرمات الله كلها ، ولم يدع منها شيئاً ، وعمل بالبر كله ومكارم الأخلاق كلها ، وتجنّب سيّئها وكل ذلك هو النبيّ والنبيّ أصله وهو أصل هذا كله ، لانّه جاء به ودل عليه وأمرّ به ، ولا يقبل من أحد شيء منه إلّا به ، ومن عرف اجتنب الكبائر وحرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وحرّم المحارم كلها ، لأن بمعرفة النبيّ وبطاعته دخل فيما دخل فيه النبيّ ، وخرج ممّا خرج منه النبيّ ، ومن زعم انّه يحلل الحلال ويحرّم الحرام بغير معرفة النبيّ لم يحلل الله له حلالاً ولم يحرّم حراماً ، وانّه من صلّى وزكّى وحجّ واعتمرّ وفعل ذلك كله بغير معرفة من افترض الله عليه طاعته لم يقبل منه شيئاً من ذلك ولم يصل ولم يصم ولم يزك ولم يحج ، ولم يعتمرّ ولم يغتسل من الجنابة ولم يتطهر ولم يحرّم الله حراماً ، ولم يحلل الله حالا ، وليس له صلاة وانّ ركع وسجدّ ، ولا له زكاة وانّ أخرج لكلّ أربعين درهماً درهماً ، ومن عرفه وأخذ عنه أطاع الله.

وأمّا ما ذكرت أنّهم يستحلّون نكاح ذوات الأرحام التي حرّم الله في كتابه ، فأنّهم زعموا انّه انّما حرّم علينا بذلك فإن أحقَّ ما بدئ به تعظيم حقَّ الله وكرامة رسوله وتعظيم شانّه ، وما حرّم الله على تابعيه من نكاح نسائه من بعد قوله : «وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً »(١) وقال : الله تبارك وتعالى : «النبيّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ »(٢) وهو أب لهم ثمَّ قال : «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إلّا ما قَدْ

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٥٣.

(٢) » » : ٦.

٢١١

________________________________________________________

سَلَفَ انّه كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً »(١) فمن حرّم نساء النبيّ لتحريم الله ذلك فقد حرّم الله في كتابه من الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت ، وما حرّم الله من الرضاعة ، لأن تحريم ذلك كتحريم نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واستحلّ ما حرّم الله من نكاح سائر ما حرّم الله فقد أشرك إذا اتّخذ ذلك ديناً.

وأمّا ما ذكرت أنّ الشّيعة يترادفون المرأة الواحدة فأعوذ بالله أن يكون ذلك من دين الله ورسوله ، انّما دينه أن يحل ما أحلَّ الله ويحرّم ما حرّم الله وانّ ممّا أحلَّ الله المتعة من النساء في كتابه ، والمتعة من الحج أحلهما ، ثمَّ لم يحرمهما ، فإذا أراد الرجلّ المسلم أن يتمتع من المرأة فعلى كتاب الله وسنته نكاح غير سفاح ، تراضيّاً على ما أحبا من الأجر والأجلّ كما قال : الله : «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بعد الْفَرِيضَةِ »(٢) إن هما أحبا أن يمداً في الأجلّ على ذلك الأجر فآخر يوم من أجلها قبل أن ينقضي الأجلّ قبل غروب الشمس مد أو زاد في الأجلّ على ما أحبا ، فإن مضى آخر يوم منه لم يصلح إلّا بأمرّ مستقبل وليس بينهما عدَّة إلّا من سواه ، فإن أرادت سواه اعتدت خمسة وأربعين يوماً وليس بينهما ميراث ، ثمَّ إن شائت تمتعت من آخر فهذا حلال لهما إلى يوم القيامة إن هي شائت من سبعة ، وانّ هي شائت من عشرين ما بقيت في الدنيا كل ذلك حلال لهما على حدود الله ، ومن يتعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه.

وإذا أردت المتعة في الحج فأحرّم من العقيق واجعلها متعة ، فمتى ما قدمت طفت بالبيت واستلمت الحجر الأسود وفتحت به وختمت به سبعة أشواط ثمَّ تصلي

__________________

(١) سورة النساء : ٢٢.

(٢) سورة النساء : ٢٤.

٢١٢

________________________________________________________

ركعتين عند مقام إبراهيم ، ثمَّ اخرج من البيت فاسع بين الصفا والمروة سبعة أشواط تفتح بالصّفا وتختم بالمروة ، فإذا فعلت ذلك قصرت حتّى إذا كان يوم التروية صنعت ما صنعت بالعقيق ، ثمَّ أحرم بين الركن والمقام بالحج ، فلم تزل محرماً حتّى تقف بالموقف ثمَّ ترمي الجمرات وتذبح وتحلق وتحلّ وتغتسل ، ثمَّ تزور البيت فإذا أنت فعلت ذلك فقد أحللت ، وهو قول الله : «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمرّة إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسرّ مِنَ الْهَدْيِ »(١) أن يذبح.

وأمّا ما ذكرت أنّهم يستحلّون الشهادات بعضهم لبعض على غيرهم ، فإن ذلك ليس هو إلّا قول الله : «يا أَيُّهَا الّذين آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الوصيّة اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ »(٢) إذا كان مسافراً وحضره الموت اثنان ذوا عدل من دينه ، فإن لم يجدوا فآخران ممّن يقرءا القرآن من غير أهل ولايته «تَحْبِسُونَهُما مِنْ بعد الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ ، فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الّذين اسْتَحقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ » من أهل ولايته «فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحقَّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظّالمين ، ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تردّ أَيْمانٌ بعد أَيْمأنّهم وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا ».

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقضي بشهادة رجل واحد مع يمين المدّعي ، ولا يبطل حقَّ مسلم ولا يردّ شهادة مؤمن ، فإذا وجد يمين المدعي وشهادة الرّجل قضى له بحقه ، وليس يعمل بهذا ، فإذا كان لرجلّ مسلم قبل آخر حقَّ يجحده ولم يكن له

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٦.

(٢) سورة المائدة : ١٠٦.

٢١٣

________________________________________________________

شاهد غير واحد ، فانّه إذا رفعه إلى ولاة الجور أبطلوا حقه ولم يقضوا فيها بقضاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان الحقَّ في الجور أن لا يبطل حقَّ رجلّ فيستخرج الله على يديه حقَّ رجلّ مسلم ويأجره الله ويجيء عدلا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعمل به.

وأما ما ذكرت في آخر كتابك أنّهم يزعمون أن الله ربّ العالمين هو النّبي ، وأنك شبهت قولهم بقول الّذين قالوا في عيسى ما قالوا ، فقد عرفت السنن والأمثال كائنة لم يكن شيء فيما مضى إلّا سيكون مثله ، حتّى لو كانت شاة برشاء كان هيهنا مثله.

واعلم انّه سيضلّ قوم على ضلالة من كان قبلهم كتبت تسألني عن مثل ذلك ما هو وما أرادوا به ، أخبرك أنّ الله تبارك وتعالى هو خلق الخلق لا شريك له ، له الخلق والأمر والدنيا والآخرة ، وهو رب كل شيء وخالقه ، خلق الخلق وأحبّ أن يعرفوه بأنبيائه ، واحتج عليهم بهم ، فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الدليل على الله عبد مخلوق مربوب اصطفاه لنفسه برسالاته ، وأكرمه بها فجعله خليفته في خلقه ، ولسانّه فيهم وأمينه عليهم ، وخازنه في السماوات والأرضين ، قوله قول الله ، لا يقول على الله إلّا الحقَّ من أطاعه أطاع الله ، ومن عصاه عصى الله ، وهو مولى من كان الله ربّه وليه ، من أبى أن يقر له بالطّاعة فقد أبى أن يقر لربّه بالطّاعة وبالعبودية ، ومن أقر بطاعته أطاع الله وهداه ، فالنبيّ مولى الخلق جميعاً عرفوا ذلك أو أنكروه ، وهو الوالد المبرور فمن أحبه وأطاعه فهو الولد البار ومجانب للكبائر قد بينت لك ما قد سألتني عنه ، وقد علمت أن قوماً سمعوا صفتنا هذه فلم يعقلوها ، بل حرفوها ووضعوها على غير حدودها على نحو ما قد بلغك ، وقد بريء الله ورسوله من قوم يستحلون بنا أعمالهم الخبيثة ، وقد رمانا الناس بها والله يحكم بيننا وبينهم ، فانّه يقول : «إِنَّ الّذين يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ » أعمالهم السيئة «وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحقَّ الْمُبِينُ »(١) .

__________________

(١) سورة النور : ٢٣.

٢١٤

١١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن ثابت ، عن جابر قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عزَّ وجلّ «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ »(١) قال : هم والله أولياء فلان

________________________________________________________

وأمّا ما كتبت به ونحوه وتخوفت أن تكون صفتهم من صفته فأكرمه الله عن ذلك تعالى ربّنا عمّا يقولون علوّاً كبيراً ، صفتي هذه صفة صاحبنا الّذي وصفناه له ، وعنه أخذناه ، فجزاه الله عنّا أفضل الجزاء ، فإن جزاءه على الله ، فتفهم كتابي هذا والقوّة لله.

وأقول انّما أوردت الخبر بطوله وانّ كان لا يناسب الباب إلّا صدره لكثرة فوائده.

قوله : فجميع ما حرَّم القرآن من ذلك أئمّة الجور ، أقول : في بعض النسخ فجميع ما حرّم الله في القرآن هو الظّاهر والباطن من ذلك أئمّة الجور ، وكذا في البصائر أيضاً وهو الظاهر.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

«مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً » قال : الطبرسيرحمه‌الله : يعنّي آلهتهم من الأوثان التي كانوا يعبدونها ، وقيل : رؤساؤهم الّذين يطيعونهم طاعة الأرباب من الرّجال عن السدي وعلى هذا المعنى ما روى جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام انّه قال : هم أئمّة الظلمة وأشباههم ، وقوله : «يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ » على هذا القول الأخير أدل لانّه يبعد أن يحبوا الأوثان كحبّ الله مع علمهم بأنّها لا تضر ولا تنفع ، ويدلّ أيضاً عليه قوله : «إِذْ تَبَرَّأَ الّذين اتُّبِعُوا مِنَ الّذين اتَّبَعُوا » ومعنى يحبّونهم يحبّون عبادتهم والتقرب إليهم أو الانقياد لهم أو جميع ذلك.

«كحبّ اللهِ » فيه ثلاثة أقوال : أحدهما : كحبّكم الله ، أي كحبّ المؤمنين الله ، والثاني : كحبّهم الله فيكون المعنى به من يعرف الله من المشركين ويعبد معه الأوثان

__________________

(١) سورة البقرة : ١٦٥.

٢١٥

وفلان ، اتّخذوهم أئمّة دون الإمام الّذي جعله الله للناس إماماً فلذلك قال : «وَلَوْ يَرَى الّذين ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جميعاً وانّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ

________________________________________________________

ويستوي بينهما في المحبّة ، والثالث : كحبّ الله أي كالحبّ الواجب عليهم اللازم لهم لا الواقع ، وبعد ذلك : «وَالّذين آمَنُوا أشدّ حُبًّا لِلَّهِ » قال : يعني حبّ المؤمنين فوق حبّ هؤلاء.

وحبّهم أشدّ من وجوه : أحدها : إخلاصهم العبادة والتعظيم له ، والثناء عليه من الإشراك ، وثانيها ، أنّهم يحبّونه عن علم بانّه المنعم ابتداء وانّه يفعل بهم في جميع أحوالهم ما هو الأصلح لهم في التدبير ، وقد أنعم عليهم بالكثير فيعبدونه عبادة الشاكرين ويرجون رحمته على اليقين ، فلا بد أن يكون حبّهم له أشدّ ، وثالثها : أنّهم يعلمون أن له الصفات العليا ، والأسماء الحسنى وانّه الحكيم الخبير الّذي لا مثل له ولا نظير ، يملك النّفع والضرّ والثواب والعقاب ، وإليه المرجع والمآب ، فهم أشدّ حبّاً بذلك ممّن عبد الأوثان.

«وَلَوْ يَرَى الّذين ظَلَمُوا » أي يبصروا ، وقيل : يعلموا ، وقرأ نافع وغيره بالتاء أي ولو ترى أيّها السّامع «أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ » فيه حذف أي رأيت أن القوّة لله جميعاً ، فعلى هذا يكون متّصلاً بجواب لو ، ومن قرء بالياء فمعناه ولو يرى الظّالمون أنّ القوّة لله ، جميعاً لرأوا مضرّة فعلهم وسوء عاقبتهم.

ومعنى قوله : أنّ القوّة لله جميعاً : انّ الله سبحانه قادر على أخذهم وعقوبتهم «إِذْ تَبَرَّأَ الّذين اتُّبِعُوا » وهم القادة والرؤساء من مشركي الإنس ، وقيل : هم الشياطين الّذين اتبعوا بالوسوسة من الجنّ ، وقيل : هم شياطين الإنس والجنّ والأظهر هو الأوّل «مِنَ الّذين اتَّبَعُوا » أي من الاتباع «وَرَأَوُا » أي التابعون والمتّبعون «الْعَذابَ » أي عاينوه حين دخلوا النّار.

وقال : البيضاوي : أنّ القوة لله ، سادّ مسدّ مفعولي يرى وجواب لو محذوف ، أي لو يعلمون أنّ القدرة لله جميعاً إذ عاينوا العذاب لندموا أشدّ الندّم ، وقيل : هو

٢١٦

إِذْ تَبَرَّأَ الّذين اتُّبِعُوا مِنَ الّذين اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ .وَقال : الّذين اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ

________________________________________________________

متعلّق الجواب والمفعولان محذوفان ، والتقدير ولو يرى الّذين ظلموا أندادهم لا ينفعوا لعلموا أن القوّة لله كلها لا ينفع ولا يضرّ غيره ، انتهى.

«وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ » قال : الطبّرسي (ره) فيه وجوه : أحدهما : الوصلات التي كانوا يتواصلون عليها ، الثاني : الأرحام التي كانوا يتعاطفون بها ، الثالث : العهود التي كانوا يتوادون عليها ، الرابع : تقطعت بهم أسباب أعمالهم التي كانوا يوصلونها ، الخامس : تقطّعت بهم أسباب النجاة ، وظاهر الآية يحتمل الكلّ ، فينبغي أن يحمل على عمومه.

«وَقال : الّذين اتَّبَعُوا » يعنّي الاتباع «لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً » أي عودة إلى دار الدنيا وحال التكليف «فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ » أي من القادة في الدنيا «كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا » في الآخرة.

«كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ » فيه أقوال : أحدها : أن المراد المعاصي يتحسرون عليها لم عملوها ، والثاني : المراد الطاعات لم لم يعملوها وضيعوها ، الثالث : ما رواه أصحابنا عن أبي جعفرعليه‌السلام هو الرجلّ يكسب المال ولا يعمل فيه خيراً فيرثه من يعمل فيه عملاً صالحاً ، فيرى الأوّل ما كسبه حسرة في ميزان غيره ، الرابع : أنّ الله سبحانّه يريهم مقادير الثواب التي عرضهم لها لو فعلوا الطاعات ، فيتحسّرون عليه ، لِمَ فَرّطوا فيه ، والأولى العموم «وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ » أي يخلدون فيها ، انتهى.

وأقول : على تأويلهعليه‌السلام المراد بالأنداد أئمّة الضلالة ، فإن المخالفين جعلوهم أمثالاً لله ، حيث يتّبعونهم فيما خالف أمرّ الله ، وشاركوهم مع خليفة الله ويؤيده ضمير « هم » في قوله «يحبّونهم » فإن ظاهره كونّهم ذوي العقول ، وانّ كان قد يستعمل مثله في الأصنام لكنه خلاف الأصل ، ولعلّهعليه‌السلام لذلك لم يتعرض له ، واستشهد بقوله : «وَلَوْ يَرَى الّذين ظَلَمُوا » إذ الظّاهر أن المراد هؤلاء الأنداد وأتباعهم كما أومأ إليه الطبرسيرحمه‌الله .

٢١٧

عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ »(١) ثمَّ قال : أبو جعفرعليه‌السلام هم والله يا جابر أئمّة الظلمة وأشياعهم.

١٢ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أبي داود المسترق ، عن عليّ بن ميمون ، عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة «وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ » من ادّعى إمامة من الله ليست له ومن جحد إماماً من الله ومن زعم أن لهما في الإسلام نصيباً.

( باب )

( فيمن دان الله عز وجل بغير إمام من الله جل جلاله )

١ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصر ، عن أبي الحسنعليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلّ : «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ »(٢) قال : يعني من اتخذ دينه رأيه بغير إمام من أئمّة الهدى.

________________________________________________________

ويحتمل أن يكون المراد بقوله تعالى : «كحبّ اللهِ » كحبّ أولياء الله وبقوله : «أشدّ حُبًّا لِلَّهِ » أقوى حبّاً لهم ، وبقوله : «أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ » أن القوة لأولياء الله كما مرّ أن الله خلطهم بنفسه ، فنسب إلى نفسه ما ينسب إليهم كقوله : «إِنَّ الّذين يُبايِعُونَكَ انّما يُبايِعُونَ اللهَ ».

« أئمة الظلمة » في بعض النسخ أئمّة الظلم كما في النعماني ، ويدل الخبر على كفر المخالفين ، وأئمتهم الضالين وأنّهم مخلدون في النار.

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور ، وقد مرّ بسند آخر عن ابن أبي يعفور ، وكان فيه مكان « لا ينظر الله إليهم » لا يكلّمهم الله.

باب فيمن دان الله عزَّ وجلّ بغير إمام من الله جلّ جلاله

الحديث الأوّل : صحيح.

« من اتّخذ دينه » أي عقايده أو عبادته ، وهو مفعول أوّل لقوله « اتخذ » ورأيه

__________________

(١) سورة البقرة : ١٦٦ - ١٦٧.

(٢) سورة القصص : ٥٠.

٢١٨

٢ - محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول كل من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها فهجمت ذاهبة وجائية يومها فلـمّا جنها الليل بصرت بقطيع مع غير راعيها فحنت إليها واغترت بها فباتت معها في ربضتها فلـمّا أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها فبصرت بغنم مع راعيها فحنّت إليها واغترت بها فصاح بها الراعي الحقي براعيك وقطيعك فإنك تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك فهجمت ذعرة متحيرة نادة لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردها فبينا هي كذلك إذا اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها وكذلك والله يا محمّد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله جلّ وعزَّ ظاهراً عادلا أصبح ضالّاً تائهاً وانّ مات على هذه الحال مات ميتة كفر و

________________________________________________________

مفعول ثان ، وهو تفسير لهواه ، يعنّي أن المراد بهواه ظنونه الفاسدة في تعيين الإمام ، وسائر أصول الدّين ، أو قياساته أو استحساناته في الفروع.

« بغير إمام » تفسير لقوله : بغير هدى ، لبيان أن الهداية من الله لا يكون إلّا من جهة الإمام.

الحديث الثاني : صحيح وقد مرّ في باب معرفة الإمام سندا ومتنا ، ومضى منا شرحه ، وفيما مضى مربضها.

والربض محركة مأوى الغنم ، وفيه : « ذعرة متحيرة تائهة لا راعي » قال : الجوهري : ند البعير نفر وذهب شاردا لوجهه ، قولهعليه‌السلام : ظاهراً عادلاً ، فيما مضى ظاهر عادل ، قال : المحدّث الأسترآباديرحمه‌الله : ظاهراً بالظاء المعجمة أي البين إمامته بنصّ صريح جلي من الله ورسوله ، انتهى.

وانما قال : ذلك لئلا ينتقض بالصاحبعليه‌السلام « مات ميتة كفر » أي مات على ما مات عليه الكفار من الضلال والجهل.

٢١٩

نفاق واعلم يا محمّد إن أئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ ممّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ .

٣ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبدي ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أنّي أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلانا وفلانا لهم أمانة وصدق ووفاء وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء والصدق قال : فاستوى أبو عبد اللهعليه‌السلام جالسا فأقبل عليّ كالغضبان ثمَّ قال : لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر ليس من الله ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله قلت لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء قال : نعم لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء ثمَّ قال : إلّا تسمع لقول الله عزَّ وجلّ «اللهُ وَلِيُّ الّذين آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » يعني

________________________________________________________

الحديث الثالث : ضعيف.

« والعجب » بالتحريك مصدر باب علم التعجب « فلانا وفلانا » أي أبا بكر وعمرّ « لمن دان الله » أي عبد الله وأطاعه ، والعتب بالفتح : الغضب والملامة ، وبفتحتين الأمر الكريهة ، في القاموس : العتبة الشدّة والأمر الكرية ، كالعتب محركة ، والعتب الموجدة والملامة ، والمعاتبة مخاطبة الإذلال ، وفي المغرب : العتب الموجدة والغضب من باب ضرب ، ولعلّ المعنى انّه لا عتب عليهم يوجب خلودهم في النار أو العذاب الشديد ، وعدم استحقاق المغفرة وربما يحمل المؤمنون على غير المصرين على الكبائر.

«اللهُ وَلِيُّ الّذين آمَنُوا » قال : الطبرسيرحمه‌الله : أي نصيرهم ومعينهم في كل ما يهم إليهم الحاجة ، وما فيه لهم الصلاح في أمور دينهم ودنياهم وآخرتهم ، وقال : ولاية الله للمؤمنين على ثلاثة أوجه : أحدها ، انّه يتولاهم بالمعونة على إقامة الحجّة والبرهان لهم في هدايتهم ، كقوله : «وَالّذين اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً »(١) وثانيها : أنه

__________________

(١) سورة محمّد : ١٧.

٢٢٠