مرآة العقول الجزء ٧

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الحديث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 379

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الحديث
تصنيف: الصفحات: 379
المشاهدات: 16888
تحميل: 8203


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 379 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16888 / تحميل: 8203
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دار الحديث
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

٤

حمداً خالداً لوليّ النعم حيث أسعدني بالقيام بنشر

هذا السفر القيم في الملأ الثقافي الديني بهذه الصورة الرائعة.

و لروّاد الفضيلة الذين و ازرونافي انجاز هذا المشروع المقدّس

شكر متواصل.

الشيخ محمد الاخوندي

٥

بسم الله الرحمن الرحيم

[ كتاب الإيمان والكفر من کتاب الکافی ]

[ تصنيف الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني (ره) ]

( باب )

( طينة المؤمن والكافر )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعيّ بن عبد الله ، عن رجل ، عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام قال : إنّ الله عزّ وجلّ خلق النبييّن من طينة

_____________________________________________

الحمد لوليّه والصلاة على خير البرايا محمّد وعترته ، وبعد : فهذا هو المجلّد الرابع من كتاب مرآة العقول لبيان ما في الكافي من أخبار آل الرسول ممّا ألفه أفقر العباد إلى غفران ربّه الغني : محمّد باقر بن محمّد تقي عفا الله عن جرائمهما.

قال قدّس الله روحه أو بعض رواة كتابه : كتاب الإيمان والكفر من كتاب الكافي تصنيف الشيخ أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني رضي ‌الله‌ عنه وأرضاه.

أقول : تلك الفقرات لم تكن في بعض النسخ ، والظاهر أنّه من كلام رواة الكافي وقدّم الإيمان على الكفر لأنه الأصل والأهم أو لأنّه وجوديّ كما قيل ، وفي القاموس كلين كأمير قرية بالرّي منها محمّد بن يعقوب الكليني من فقهاء الشيعة ، انتهى.

وقد يقال : كلين كزبير أيضاً قرية بالريّ ، ومحمّد بن يعقوب منها ، كذا سمعت بعض المشايخ يذكر عن أهل الريّ.

« باب طينة المؤمن والكافر »

الحديث الأول : مرسل.

٦

علّيين : قلوبهم وأبدانهم ، وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة و [ جعل ] خلق أبدان المؤمنين من دون ذلك وخلق الكفّار من طينة سجّين : قلوبهم وأبدانهم فخلط بين الطينتين - فمن هذا يلد المؤمن الكافر ويلد الكافر المؤمن ومن هاهنا يصيب المؤمن السيّئة ومن هاهنا يصيب الكافر الحسنة فقلوب المؤمنين تحنُّ إلى ما خلقوا منه و

_____________________________________________

قوله : خلق النّبييّن ، الخلق يكون بمعنى التكوين وبمعنى التقدير ، وفي النهاية : طين عليه أي جبل ويقال : طانه الله على طينته ، أي خلقه على جبلته وطينة الرجل خلقه وأصله ، وقال : عليّون اسم للسّماء السّابعة وقيل : اسم لديوان الملائكة الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين من العباد ، وقيل : أراد أعلى الأمكنة وأشرف المراتب وأقربها من الله تعالى في الدار الآخرة وتعرب بالحروف والحركات كقنسّرين وأشباهها على أنّه جمع أو واحد ، انتهى.

وإضافة الطينة إمّا بتقدير اللّام أو من أو في « قلوبهم وأبدانهم » بدل النبيين. ويحتمل أن يراد بالقلب هنا العضو المعروف الذي يتعلق الروح أولا بالبخار المنبعث منه ، فلا ينافي ما مر في باب خلق أبدان الأئمةعليه‌السلام من أن أجسادهم مخلوقة من طينة عليّين وأرواحهم مخلوقة من فوق ذلك على أنه لو أريد به الروح أمكن الجمع بجعل الطينة مبدءا لها مجازاً باعتبار القرب والتعلّق ، أو بتخصيص النبييّن بغيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ويؤيّده خبر ابن مروان ، وفي القاموس : سجّين كسكّين موضع فيه كتاب الفجّار وواد في جهنّم أو حجر في الأرض السابعة ، وفي النهاية اسم علم للنار. فعّيل من السجن.

قوله : فخلط بين الطينتين، أي في بدن آدمعليه‌السلام فلذا حصل في ذريّته قابلية المرتبتين واستعداد الدرجتين « ومن ههنا يصيب المؤمن السيئة » لخلط طينته بطينة الكافر ، وكذا العكس « فقلوب المؤمنين تحنّ » أي تميل وتشتاق ، قال الجوهري : الحنين الشوق وتوقان النفس « إلى ما خلقوا منه » أي إلى الأعمال المناسبة لما خلقوا منه

٧

قلوب الكافرين تحنُّ إلى ما خلقوا منه.

_____________________________________________

المؤديّة إليها أو إلى الأنبياء والأوصياء المخلوقين من الطينة التي خلق منها قلوبهم ، وكذا الفقرة الثانية تحتمل الوجهين.

وقال بعضهم في تأويل الخبر : المراد بعلّيين أشرف المراتب وأقربها من الله تعالى ، وله درجات كما يدلّ عليه ما ورد في بعض الأخبار الآتية من قولهم أعلى علّيين وكما وقع التنبيه عليه في هذا الخبر بنسبة خلق القلوب والأبدان كليهما إليه مع اختلافهما في الرتبة ، فيشبه أن يراد به عالم الجبروت والملكوت جميعا اللذين فوق عالم الملك أعني عالم العقل والنفس ، وخلق قلوب النبييّن من الجبروت معلوم ، لأنهم المقربون وأما خلق أبدانهم من الملكوت فذلك لأن أبدانهم الحقيقية هي التي لهم في باطن هذه الجلود المدبّرة لهذه الأبدان ، وإنّما أبدانهم العنصرية أبدان أبدانهم لا علاقة لهم بها فكأنّهم وهم في جلابيب من هذه الأبدان ، قد نفضوها وتجرّدوا عنها لعدم ركونهم إليها وشدّة شوقهم إلى النشأة الأخرى ، ولهذا نعمّوا بالوصول إلى الآخرة ومفارقة هذا الأدنى ، ومن هنا ورد في الحديث : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، وإنما نسب خلق أبدان المؤمنين إلى ما دون ذلك لأنها مركبة من هذه ومن هذه لتعلّقهم بهذه الأبدان العنصرية أيضاً ما داموا فيها ، وسجّين أخسّ المراتب وأبعدها من الله سبحانه فيشبه أن يراد به حقيقة الدنيا وباطنها الّتي هي مخبوّة تحت عالم الملك أعني هذا العالم العنصري ، فإن الأرواح مسجونة فيه ، ولهذا ورد في الحديث : المسجون من سجنته الدنيا عن الآخرة ، وخلق أبدان الكفّار من هذا العالم ظاهر.

وإنّما نسب خلق قلوبهم إليه لشدّة ركونهم إليه وإخلادهم إلى الأرض ، وتثاقلهم إليها ، فكأنّه ليس لهم من الملكوت نصيب لاستغراقهم في الملك ، والخلط بين الطينتين إشارة إلى تعلّق الأرواح الملكوتية بالأبدان العنصريّة ، بل نشوها منها شيئاً فشيئاً فكلّ من النشأتين غلبت عليه صار من أهلها ، فيصير مؤمناً حقيقياً أو كافراً حقيقياً

٨

٢ - محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسن ، عن النضر بن شعيب ، عن عبد الغفار الجازي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنَّ الله عزّ وجل خلق المؤمن من طينة الجنة وخلق الكافر من طينة النار وقال إذا أراد الله عزّ وجلّ بعبد خيرا طيب روحه وجسده فلا يسمع شيئاً من الخير إلا عرفه ولا يسمع شيئاً من المنكر إلا أنكره قال وسمعته يقول الطينات ثلاث طينة الأنبياء والمؤمن من تلك الطينة إلّا أن الأنبياءِ هم من صفوتها هم الأصل ولهم فضلهم والمؤمنون الفرع مِنْ طِينٍ لازِبٍ كذلك لا يفرِّق

_____________________________________________

أو بين الأمرين على حسب تدارك مراتب الإيمان والكفر ، انتهى.

وقال آخرون : إنّ الله تعالى لـمّا علم في الأزل الأرواح الّتي تختار الإيمان باختيارها والّتي تختار المعصية باختيارها ، سواء خلقوا من طينة عليّين ، أو من طينة سجّين فلـمّا علم ذلك أعطى أبدان الأرواح الّتي علم أنّهم يختارون الإيمان كيفية عليّين للمناسبة وأعطى أبدان الأرواح الّتي علم أنّها تختار الكفر باختيارها كيفيّة السجّين من غير أن يكون للأمرين مدخل في اختيارهم الإيمان والكفر ، وخلط بين الطينتين من غير أن يكون لذلك الخلط مدخل في اختيار الحسنة والسيّئة ، فمن في قوله : من هذا ومن هيهنا ، للعليّة المجازيّة.

الحديث الثاني : مجهول.

« من طينة الجنّة » أي من طينة يعلم حين خلقه منها أنه يصير إلى الجنّة أو من طينة مرجحة لإعمال تصير سبباً لدخول الجنّة لا على سبيلالإلجاء « إذا أراد الله بعبد خيراً » أي حسن عاقبة وسعادة« طيّب روحه » بالهدايات الخاصة والألطاف المرجّحة ، وذلك بعد حسن اختياره وما يعود إليه من الأسباب ، قولهتعالى : « مِنْ طِينٍ لازِبٍ »(١) قال البيضاوي : هو الحاصل من ضرب الجزء المائي إلى الجزء الأرضي وفي القاموس : اللّزوب اللّصوق والثبوت ، ولزب ككرم لزباً ولزوباً دخل بعضه في بعض والطين لزق وصلب ، انتهى.

__________________

(١) سورة الصافات : ١١.

٩

الله عزّ وجل بينهم وبين شيعتهم وقال طينة الناصب مِنْ حَمَأ مَسْنُونٍ وأمّا المستضعفون فمِنْ تُرابٍ ، لا يتحوّل مؤمن عن إيمانه ولا ناصب عن نصبه ولله المشيئة فيهم.

_____________________________________________

أقول : ويمكن أن يكون على هذا التأويل للآية الكريمة المراد باللزوب لصوقهم بالأئمّةعليه‌السلام وملازمتهم لهم ، فقوله : كذلك لا يفرِّق الله ، إلخ. وفي بعض النسخ لذلك ، أي للزوبهم ولصوقهم بأئمتهم ولصوق طينتهم بطينتهم ، لا يفرِّق الله بينهم وبينهم.

أو لكونهم من فرع تلك الطينة لا يفرِّق الله بينهما في الدنيا والآخرة ، لأنّ الفرع ملحق بالأصل وتابع له.

قولهعليه‌السلام : من حمأ مسنون ، إشارة إلى قوله تعالى : «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ »(١) والصلصال الطين اليابس تسمع له عند النقر صلصلة أي صوت ، وقيل : طين صلب يخالطه الكثيب ، وقيل : منتن ، والحمأ : الطين الأسود ، والمسنون المتغيّر المنتن ، وقيل : أي مصبوب كأنه أفرغ حتى صار صورة كما يصب الذهب والفضّة ، وقيل : أنّه الرّطب ، وقيل : مصوّر عن سيبويه ، قال : أخذ منه سنة الوجه ، والحمأ المسنون : طين سجين.

قوله : فمن تراب ، أي خلقوا من تراب غير ممزوج بماء عذب زلال كما مزجت به طينة الأنبياء والمؤمنين ، ولا بماء آسن أجاج كما مزجت به طينة الكافرين ، فلا يكونون من هؤلاء ولا من هؤلاء ، ولعل هذا وجه جمع بين الآيات الكريمة ، فإن ما دل على أنه خلق من حمأ مسنون فهو في الناصب ، وما دل على أنه خلق من طين لازب فهو في الشيعة ، وما دل على أنه خلق من تراب فهو في المستضعفين ، فيحتمل حينئذ أن يكون المراد إدخال تلك الطينات جميعاً في بدن آدم لتحصيل قابلية جميع تلك الأمور والأقسام في أولاده وأن يكون المراد خلق كل صنف من تلك الطينة بإدخال ذلك الطين في النطفة أو بحصول تلك النطفة من هذه الطينة.

والأوسط أظهر لـمّا رواه الشيخ في مجالسه بإسناده عن عبيد بن يحيى عن يحيى

__________________

(١) سورة الحجر : ٢٦.

١٠

_____________________________________________

ابن عبد الله بن الحسن عن جدّه الحسن بن عليّعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ في الفردوس لعيناً أحلى من الشهد وألين من الزبد وأبرد من الثلج وأطيّب من المسك ، فيها طينة خلقنا الله عزّ وجلّ منها ، وخلق شيعتنا منها فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منّا ولا من شيعتنا وهي الميثاق الذي أخذ الله عزّ وجلّ على ولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، قال عبيد : فذكرت لمحمّد بن الحسين هذا الحديث فقال : صدقك يحيى بن عبد الله هكذا أخبرني أبي عن جدي عن أبيه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال عبيد : قلت : أشتهي أن تفسّره لنا إن كان عندك تفسير؟ قال : نعم أخبرني أبي عن جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : إن لله ملكاً رأسه تحت العرش وقدماه في تخوم الأرض السابعة السّفلى ، بين عينيه راحة أحدكم فإذا أراد الله عزّ وجلّ أن يخلق خلقاً على ولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أمر ذلك الملك فأخذ من تلك الطينة فرمي بها في النطفة حتى تصير إلى الرّحم ، منها يخلق وهي الميثاق.

قوله : ولله المشيئة فيهم، أي في المستضعفين والتعميم بعيد.

وقال بعضهم : في قولهعليه‌السلام : والمؤمنون الفرع من طين لازب ، لأن الجبروت صفوة الملكوت وأصله ، والملكوت فرع الجبروت ، واللازب اللازم للشيء اللاصق به ، وإنما كانت طينتهم لازبة للزوبها لطينة أئمتهم ولصوقها بها لخلطها بها وتركبها من العالمين جميعاً ، إلّا ترى إلى شوقهم إلى أئمّتهم وحنينهم إليهم ، وكما أن الأمر كذلك كذلك لا يفرِّق الله بين أئمّتهم وبينهم ، والحمأ الطين الأسود وهو كناية عن باطن الدنيا وحقيقة تلك العجوزة الشوهاء ، وأمّا خلق المستضعفين من التراب أعني ماله قبول الأشكال المختلفة وحفظها ، فذلك لعدم لزومهم لطريقة أهل الإيمان ، ولا لطريقة أهل الكفر وعدم تقيّدهم بعقيدة لا حقّ ولا باطل ، ليس لهم نور الملكوت ولا ظلمة باطن الملك ، بل لهم قبول كلّ من الأمرين بخلاف الآخرين فإنّهما لا يتحوّلان عمّا خلقوا له ، وأمّا قوله : ولله المشيئة فيهم ، فهو ردّ لتوهّم الإيجاب في

١١

٣ – عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب عن صالح بن سهل قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت فداك من أيّ شي خلق الله عزّ و جل طينة المؤمن فقال : من طينة الأنبياء ، فلم تنجس أبداً

٤ - محمّد بن يحيى وغيره ، عن أحمد بن محمّد وغيره ، عن محمّد بن خلف ، عن أبي نهشل قال حدثني محمّد بن إسماعيل ، عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول إن الله جل وعزّ خلقنا من أعلى عليّين وخلق قلوب شيعتنا ممّا خلقنا منه وخلق أبدانهم من دون ذلك وقلوبهم تهوي إلينا لأنّها خلقت ممّا خلقنا منه ثمَّ تلا هذه الآية «كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عليّين * وَما أَدْراكَ ما عّليّون * كِتابٌ

_____________________________________________

فعله سبحانه ، وفيه إشارة إلى قوله عزّ وجلّ : «وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ »(١) .

الحديث الثالث : ضعيف.

« فلن تنجس أبداً »(٢) بنجاسة الشرك والكفر وإن نجست بالمعاصي فتطهر بالتوبة والشفاعة ، وقيل : لن يتعلق بالدنيا تعلّق ركون وإخلاد يذهله عن الآخرة.

الحديث الرابع : مجهول.

وقد مرّ بعينه في باب خلق أبدان الأئمّةعليه‌السلام وقال بعض أرباب التأويل : كلّ ما يدركه الإنسان بحواسّه يرتفع منه أثر إلى روحه ، ويجتمع في صحيفة ذاته وخزانة مدركاته ، وكذلك كلّ مثقال ذرّة من خير أو شرّ يعمله يرى أثره مكتوباً ثمّة ، ولا سيّما ما رسخت بسبب الهيئات ، وتأكّدت به الصفات وصار خلقاً وملكة ، فالأفاعيل المتكرّرة والعقائد الراسخة في النفوس هي بمنزلة النقوش الكتابيّة في الألواح ، كما قال الله تعالى : «أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ »(٣) وهذه الألواح النفسيّة يقال لها صحائف الأعمال ، وإليه الإشارة بقوله سبحانه : «وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ »(٤) وقوله

__________________

(١) سورة النحل : ٩.

(٢) كذا في جميع النسخ وفي المتن « فلم تنجس ».

(٣) سورة المجادلة : ٢٢.

(٤) سورة الإسراء : ١٣.

١٢

مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ » وخلق عدوّنا من سجّين وخلق قلوب شيعتهم ممّا خلقهم منه وأبدانهم من دون ذلك فقلوبهم تهوي إليهم لأنّها خلقت ممّا خلقوا منه ثم تلا هذه الآية : «كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سجّين وَما أَدْراكَ ما سجّين كِتابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ »(١) .

_____________________________________________

عزّ وجلّ : «وَكلّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً »(٢) فيقال له : «لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ »(٣) «هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ »(٤) " فمن كان من أهل السعادة وأصحاب اليمين وكانت معلوماته أموراً قدسية وأخلاقه زكيّة وأعماله صالحة فقد أوتي كتابه بيمينه أعني من الجانب الأقوى الرّوحاني ، وهو جهة عليّين وذلك لأنّ كتابه من جنس الألواح العالية والصحف المكرّمة المرفوعة المطهّرة بأيدي سفرة كرام بررة يشهده المقرّبون ، ومن كان من الأشقياء المردودين وكانت معلوماته مقصورة على الجرميّات وأخلاقه سيّئة وأعماله خبيثة فقد أوتي كتابه بشماله أعني من جانبه الأضعف الجسماني وهو جهة سجّين ، وذلك لأنّ كتابه من جنس الأوراق السفليّة والصّحائف الحسيّة القابلة للاحتراق فلا جرم يعذّب بالنار وإنّما عود الأرواح إلى ما خلقت منه كما قال سبحانه : «كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ »(٥) «كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ »(٦) فما خلق من عليّين فكتابه في عليّين ، وما خلق من سجّين فكتابه في سجّين.

__________________

(١) سورة المطففين ٧ - ١٠.

(٢) سورة الإسراء : ١٣.

(٣) سورة ق : ٢٢.

(٤) سورة الجاثية : ٢٩.

(٥) سورة الأعراف : ٢٩.

(٦) سورة الأنبياء : ١٠٤.

١٣

٥ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وغير واحد ، عن الحسين بن الحسن جميعاً ، عن محمّد بن أورمة ، عن محمّد بن عليّ ، عن إسماعيل بن يسار ، عن عثمان بن يوسف قال أخبرني عبد الله بن كيسان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له جعلت فداك أنا مولاك - عبد الله بن كيسان قال أما النسب فأعرفه وأمّا أنت فلست أعرفك قال قلت له إنّي ولدت بالجبل ونشأت في أرض فارس وإنني أخالط الناس في التجارات وغير ذلك فأخالط الرجل فأرى له حسن السمت وحسن الخلق و [ كثرة] أمانة ثمَّ أفتّشه فأتبيّنه عن عداوتكم وأخالط الرجل فأرى منه سوء الخلق وقلة أمانة وزعارة ثمَّ أفتّشه فأتبيّنه عن ولايتكم فكيف يكون ذلك فقال لي أما علمت يا ابن كيسان أن الله عزّ وجلّ أخذ طينة من الجنّة وطينة من النار فخلطهما جميعاً ، ثمَّ نزع هذه من هذه وهذه من هذه فما رأيت من أولئك من الأمانة وحسن الخلق وحسن السمت فممّا مسّتهم من طينة الجنّة وهم يعودون إلى ما خلقوا منه وما رأيت من هؤلاء من قلّة الأمانة وسوء الخلق والزعارة فممّا مسّتهم من

_____________________________________________

الحديث الخامس : ضعيف.

« فلست أعرفك » أي بالتشيّع « فأفتّشه عن عداوتكم » التعدية بعن لتضمين معنى الكشف ، والسمت : الطريق وهيئة أهل الخير ، وزعارة بالزاء والراء المشددة وقد يخفّف الشراسة وسوء الخلق ، وفي بعض النسخ بالدال والعين والراء المهملات وهو الفساد والفسق والخبث. « فخلطهما جميعاً » أي في صلب آدم إلى أن يخرجوا من أصلاب أولاده ، وهو المراد بقوله : ثمَّ نزع هذه من هذه إذ يخرج المؤمن من صلب الكافر ، والكافر من صلب المؤمن وحمل الخلط على الخلطة في عالم الأجساد واكتساب بعضهم الأخلاق من بعض بعيد جدّاً.

وقال بعضهم : ثمَّ نزع هذه - إلى آخره - معناه أنّه نزع طينة الجنّة من طينة النّار ، وطينة النّار من طينة الجنّة بعد ما مست إحداهما الأخرى ، ثمَّ خلق أهل الجنّة من طينة الجنّة ، وخلق أهل النّار من طينة النّار ، وأولئك إشارة إلى الأعداء

١٤

طينة النّار وهم يعودون إلى ما خلقوا منه.

٦ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد ، عن صالح بن سهل قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام - المؤمنون من طينة الأنبياء قال نعم.

٧ - عليُّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن إبراهيم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عزّ وجلّ لـمّا أراد أن يخلق آدمعليه‌السلام بعث جبرئيلعليه‌السلام في أول ساعة من يوم الجمعة فقبض بيمينه قبضة بلغت قبضته من السماء السابعة إلى السماء الدنيا وأخذ من

_____________________________________________

وهؤلاء إلى الأولياء ، وما خلقوا منه في الأوّل طينة النار وفي الثاني طينة الجنّة.

الحديث السادس : ضعيف. والمراد فضل طينتهم.

الحديث السابع : ضعيف.

قوله : في أوّل ساعة « إلخ » قيل : لـمّا كان خلق آدمعليه‌السلام بعد خلق السماوات والأرض ضرورة تقدّم البسيط على المركب ، وكان خلق السماوات والأرض وأقواتها في ستّة أيّام من الأسبوع وقد جمعت جميعاً في الجمعة صار بدو خلق الإنسان فيه ، والمراد بكلمته جبرئيل لأنه حامل كلمته أو لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام الله أو لكونه مخلوقاً بكلمة كن بلا مادة ، وقيل : المراد بالسماوات درجات الجنّة وبالأرضين دركات سجّين ليطابق الأخبار الأخر ، ويحتمل أخذها منهما معاً ، وقيل : كان المراد بالتربة ما له مدخل في تهيئة المادة القابلة لأن يخلق منها شيء فيشمل الطينة بمعنى الجبلة وآثار القوى السماويّة المربيّة للنطفة ، وبالجملة ما له مدخل في السبب القابلي ، انتهى.

وقيل : إطلاق التربة على ما أخذ من السماوات من قبيل مجاز المشارفة أي ما يصير تربة وينقلب إليها ، والقصوى مؤنّث الأقصى أي الأبعد ، ويدلّ على أن الأرض سبع طبقات كالسماوات كما قال تعالى : " «اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ

١٥

كلّ سماء تربة وقبض قبضة أخرى من الأرض السابعة العليا إلى الأرض السابعة القصوى فأمرّ الله عزّ وجلّ كلمته فأمسك القبضة الأولى بيمينه والقبضة الأخرى بشماله ففلق الطين فلقتين فذرا من الأرض ذرواً ومن السماوات ذرواً فقال للذي بيمينه منك الرّسل والأنبياء والأوصياء والصديقون والمؤمنون والسعداء ومن أريد كرامته فوجب لهم ما قال كما قال وقال للذي بشماله منك الجبّارون

_____________________________________________

مِثْلَهُنَ »(١) .

قولهعليه‌السلام : ففلق الطين فلقتين ، ضمير فلق إمّا راجع إلى الله أو إلى جبرئيل ، وكذا قوله : فذرأ ، وفي القاموس فلقه يفلقه شقّه كفلقه وفالق الحبّ خالقه أو شاقّه بإخراج الورق منه ، وقال : ذرت الريّح الشيء ذرواً وأذرته وذرته أطارته وأذهبته وذرأ هو بنفسه.

أقول : الكلام يحتمل وجوهاً « الأوّل » أن يكون قوله : ففلق تفريعاً وتأكيداً لـمّا مضى ، أي فصار يقبض بعض الطين باليمين وبعضه بالشمال الطين صنفين ، ففرّق من الأرض أي ما كان في يده من طين الأرض ، وكذا الثاني فقال الله أو جبرئيل للذي بيمينه قبل الذرّ أو للذي كان بيمينه بعده.

الثاني : أن يكون المعنى ففلق كلّ طين من الطينين فلقة أي جعل كلاً منهما حصتين ففرق من كلّ طين حصّة ليكون طينة للمستضعفين والأطفال والمجانين ، وقال لـمّا بقي في اليمين : منك الرّسل « إلخ » ولـمّا بقي في الشمال : منك الجبّارون « إلخ » وعلى هذا لعل إرجاع الضمائر إلى الله تعالى أولى ، فيقرأ أريد في الموضعين بصيغة المتكلّم ، وعلى الوجه الآخر يقرأ بصيغة الغائب المجهول.

الثالث : ما ذكره بعض الأفاضل حيث قال : كان الفلق كناية عن إفراز ما يصلح من المادّتين لخلق الإنسان ، وإنّما ذرأ من كلّ منهما ما ذرأ لأنه كان فيهما ما ليس له مدخل في خلق الإنسان وإنّما كان مادّة لسائر الأكوان خاصّة.

__________________

(١) سورة الطلاق : ١٢.

١٦

والمشركون والكافرون والطواغيت ومن أريد هوانه وشقوته فوجب لهم ما قال كما قال ثمَّ إنّ الطينتين خلطتا جميعاً ، وذلك قول الله عزّ وجلّ «إِنَّ اللهَ فالِقُ الحبّ وَالنَّوى »(١) فالحبّ طينة المؤمنين الّتي ألقى الله عليها محبته والنوى طينة الكافرين الذين نأوا عن كلَّ خير وإنّما سمّي النوى من أجل أنّه نأى عن كلّ خير وتباعد عنه وقال الله عزّ وجلّ : «يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الميّت وَمُخْرِجُ الميّت مِنَ الْحَيِ »(٢)

_____________________________________________

قولهعليه‌السلام : ثمَّ إنّ الطينتين خلطتا ، أي ما كان في اليدين أو جميع الطينتين المذروء منهما وغير المذروء ، وقولهعليه‌السلام : فالحبّ طينة المؤمنين ، هذا بطن من بطون الآية وعلى هذا التأويل المراد بالفلق شق كلّ منهما وإخراج الآخر منه أو شقّ كلّ منهما عن صاحبه أو خلقهما « من أجل أنّه نأى » كأنّ مناسبة نأى ونوى من جهة الاشتقاق الكبير المبني على توافق بعض حروف الكلمتين فإن الأوّل مهموز الوسط والثاني من المعتل ، ويحتمل أن يكون أصل المهموز من المعتلّ أو بالعكس ويؤيد أن صاحب المصباح المنير والراغب في المفردات ذكرا نأى في باب النون مع الواو ، أو يقال ليس الغرض بيان الاشتقاق بل بيان أن النوى بمعنى البعد ، وذكر نأى لتناسب اللفظين فإن الواوي أيضاً يطلق بهذا المعنى ، قال في القاموس : النية الوجه الذي يذهب فيه والبعد كالنوى فيهما « انتهى ».

والآية في سورة الأنعام هكذا : «إِنَّ اللهَ فالِقُ الحبّ وَالنَّوى » قال في مجمع البيان : أي شاقّ الحبّة اليابسة الميتة فيخرج منه النبات وشاقّ النواة اليابسة فيخرج منها النّخل والشّجر ، وقيل : معناه خالق الحبّ والنوى ومنشإهما ومبدئهما ، وقيل : المراد به ما في الحبّة والنواة من الشقّ ، وهو من عجيب قدرة الله تعالى في استوائه.

«يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الميّت وَمُخْرِجُ الميّت مِنَ الْحَيِ » أي يخرج النبات الغضّ

__________________

(١) و (٢) سورة الأنعام : ٩٥.

١٧

فالحيُّ : المؤمن الذي تخرج طينته من طينة الكافر والميّت الذي يخرج من الحي هو الكافر الّذي يخرج من طينة المؤمن فالحي المؤمن والميّت الكافر وذلك قوله عزّ وجلّ : «أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ »(١) فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر

_____________________________________________

الطريّ الخضر من الحبّ اليابس ، ويخرج الحبّ اليابس من النبات الحيّ النامي عن الزجاج والعرب تسمّى الشجرة ما دام غضّاً قائماً بأنّه حيّ ، فإذا يبس أو قطع أو قلع سمّوه ميّتاً.

وقيل : معناه يخلق الحيّ من النّطفة وهي موات ، ويخلق النطفة وهي موات من الحيّ عن الحسن وغيره ، وهذا أصحّ ، وقيل : معناه يخرج الطير من البيض والبيض من الطير عن الجبائي ، وقيل : يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.

ثمَّ قال سبحانه في هذه السورة أيضاً : «أَوَمَنْ كانَ ميتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها ».

قال الطبرسي : أومن كان ميتاً أي كافراً فأحييناه بأن هديناه إلى الإيمان عن ابن عباس وغيره ، شبّه سبحانه الكفر بالموت والإيمان بالحياة ، وقيل : معناه من كان نطفة فأحييناه وجعلنا له نوراً ، المراد بالنور العلم والحكمة أو القرآن أو الإيمان ، وبالظلمات ظلمات الكفر ، وإنما سمّي الله الكافر ميتاً كأنه لا ينتفع بحياته ولا ينتفع غيره بحياته فهو أسوأ حإلّا من الميّت إذ لا يوجد من الميّت ما يعاقب عليه ، ولا يتضرّر غيره به ، وسمّي المؤمن حيّاً لأنّه له ولغيره المصلحة والمنفعة في حياته وكذلك سمّي الكافر ميتاً والمؤمن حيّاً في عدَّة مواضع ، مثل قوله : «إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى »(٢) و «لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حيّاً »(٣) وقوله : «وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ »(٤)

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٢٢.

(٢) سورة الروم : ٥٢.

(٣) سورة يس : ٧٠.

(٤) سورة فاطر : ٢٢.

١٨

وكان حياته حين فرّق الله عزَّ وجلّ بينهما بكلمته كذلك يخرج الله عزَّ وجلّ المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور ويخرج الكافر من النور إلى الظلمة

_____________________________________________

وسمّي القرآن والعلم والإيمان نوراً لأنّ الناس يبصرون بذلك ، ويهتدون به من ظلمات الكفر وحيرة الضلالة ، كما يهتدى بسائر الأنوار ، وسمّي الكفر ظلمة لأنّ الكافر لا يهتدي بهداه ولا يبصر أمر رشده « انتهى ».

وأقول : على التأويل المذكور في الخبر وأكثر التفاسير المذكورة قوله تعالى : «يُخْرِجُ الحيّ » بيان لقوله «فالِقُ الحبّ ».

قوله : حين فرّق الله بينهما بكلمته ، أي بقدرته أو بأمرّ كن ، أو بجبرئيل ، والتفريق في الميلاد أو في الطينة ، والأوّل أظهر ، فقوله : كذلك ، تشبيه الإخراج من الظلمات إلى النور وبالعكس بإخراج الحيّ من الميّت وبالعكس ، في أن المراد فيهما إخراج طينة المؤمن من طينة الكافر وبالعكس ، وليس المراد تأويل تتمة تلك الآية أعني قوله سبحانه : «أَوَمَنْ كانَ ميتاً » « إلخ » فإنه لم يذكر فيها إخراج الكافر من النور إلى الظلمة ، بل فيها أنّه في الظلمات ليس بخارج منها بل هو إشارة إلى قوله تعالى : «اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ »(١) الآية ، ولا ينافيه قولهعليه‌السلام : ويخرج الكافر ، مع أنّ في الآية نسب الإخراج إلى الطاغوت لأن لخذلانه سبحانه مدخلاً في ذلك ، مع أنّه يمكن أنّ يقرأ على بناء المجردّ المعلوم ، أو على بناء المجهول ، وما قيل : من أنه يظهر من هذا الحديث أنّ إخراج المؤمن من الكافر وبالعكس في وقتين تفريق الطين ووقت الولادة فليس بظاهر كما عرفت.

ثمَّ استشهدعليه‌السلام لإطلاق الحياة على الإيمان أو كونه من طينة مقرّبة له بقوله سبحانه : «لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حيّاً » أي كان من طينة الجنّة على تأويلهعليه‌السلام ، قال الطبرسي : أي أنزلناه ليخوف به من معاصي الله من كان مؤمناً لأن الكافر كالميّت بل أقلّ من الميّت أو من كان عاقلاً كما روي عن عليّعليه‌السلام وقيل : من كان حيّ القلب

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٧.

١٩

بعد دخوله إلى النور وذلك قوله عزَّ وجلّ : «لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ »(١) .

_____________________________________________

حيّ البصر «وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ » أي يجب الوعيد والعذاب على الكافرين بكفرهم.

وأقول : على تأويلهعليه‌السلام يحتمل أن يكون المراد بالقول ما مرّ من قوله سبحانه : منك الجبّارون والمشركون والكافرون « إلخ ».

فذلكة

إعلم أنّ ما ذكر في هذا الباب وفي بعض الأبواب الآتية من متشابهات الأخبار ومعضلات الآثار ، وممّا يوهم الجبر ونفي الاختيار ولأصحابنا رضوان الله عليهم فيها مسالك :

الأوّل : ما ذهب إليه الأخباريون وهو أنّا نؤمن بها مجملاً ونعترف بالجهل عن حقيقة معناها وعن أنّها من أيّ جهة صدرت ونردّ علمه إليهمعليه‌السلام .

الثاني : أنّها محمولة على التقية لموافقتها لروايات العامة ومذاهب الأشاعرة الجبرية وهم جلهم.

الثالث : أنّه كناية عن علمه تعالى بما هم إليه صائرون فإنه سبحانه لـمّا خلقهم وكان عند خلقهم عالـماً بما يصيرون إليه فكأنّه خلقهم من طينات مختلفة.

الرابع : أنّها كناية عن اختلاف استعداداتهم وقابلياتهم وهذا أمر بين لا يمكن إنكاره ، فإنّه لا يريب عأقلّ في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبا جهل ليسا في درجة واحدة من الاستعداد والقابليّة ، وهذا لا يستلزم سقوط التكليف فإن الله تعالى كلف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقدر ما أعطاه من الاستعداد والقابليّة لتحصيل الكمالات وكلفه ما لم يكلف أحداً مثله ، وكلف أبا جهل ما في وسعه وطاقته ، ولم يجبره على شيء من الشرّ والفساد.

الخامس : أنّه لـمّا كلّف الله تعالى الأرواح أولاً في الذرّ وأخذ ميثاقهم فاختاروا الخير والشرّ باختيارهم في ذلك الوقت ، وتفرع اختلاف الطينة على ما اختاروه باختيارهم كما دلت عليه بعض الأخبار فلا فساد في ذلك.

__________________

(١) سورة يس : ٧٠.

٢٠