مرآة العقول الجزء ٧

مرآة العقول10%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الحديث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 378

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 378 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11416 / تحميل: 6831
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: دار الحديث
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

.................................................................................................

______________________________________________________

فإن لها حيل وتسويلات لا ينجو منها إلا المقربون.

وقال الشيخ البهائي (ره) : الخالص في اللغة كلما صفا وتخلص ولم يمتزج بغيره سواء كان ذلك الغير أدون منه أو لا ، فمن تصدق لمحض الرياء فصدقته خالصة لغة كمن تصدق لمحض الثواب وقد خص العمل الخالص في العرف بما تجرد قصد التقرب فيه عن جميع الشوائب ، وهذا التجريد يسمى إخلاصا ، وقد عرفه أصحاب القلوب بتعريفات أخر ، فقيل : هو تنزيه العمل عن أن يكون لغير الله فيه نصيب ، وقيل : إخراج الخلق عن معاملة الحق ، وقيل : هو ستر العمل عن الخلائق وتصفيته عن العلائق ، وقيل : أن لا يريد عامله عليه عوضا في الدارين ، وهذه درجة علية عزيزة المنال ، وقد أشار إليها أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله : ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك.

وقال (ره) : ذهب كثير من علماء الخاصة والعامة إلى بطلان العبادة إذا قصد بفعلها تحصيل الثواب أو الخلاص من العقاب ، وقالوا : إن هذا القصد مناف للإخلاص الذي هو إرادة وجه الله وحده ، وأن من قصد ذلك فإنه قصد جلب النفع إلى نفسه ، ودفع الضرر عنها لا وجه الله سبحانه ، كما أن من عظم شخصا أو أثنى عليه طمعا في ماله أو خوفا من إهانته لا يعد مخلصا في ذلك التعظيم والثناء.

وممن بالغ في ذلك السيد الجليل صاحب المقامات والكرامات رضي الدين علي بن طاوس قدس الله سره ، ويستفاد من كلام شيخنا الشهيد في قواعده أنه مذهب أكثر أصحابنا رضوان الله عليهم.

ونقل الفخر الرازي في التفسير الكبير اتفاق المتكلمين على أن من عبد الله لأجل الخوف من العقاب أو الطمع في الثواب لم تصح عبادته ، أورده عند تفسير

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

قوله تعالى «ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً »(١) وجزم في أوائل سورة الفاتحة بأنه لو قال : أصلي لثواب الله أو الهرب من عقابه فسدت صلاته ، ومن قال بأن ذلك القصد غير مفسد للعبادة منع خروجها به عن درجة الإخلاص ، وقال : إن إرادة الفوز بثواب الله والسلامة من سخطه ليس أمرا مخالفا لإرادة وجه الله سبحانه ، وقد قال تعالى في مقام مدح أصفيائه : «كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً »(٢) أي للرغبة في الثواب والرهبة من العقاب ، وقال سبحانه : «وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً »(٣) وقال تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ »(٤) أي حال كونكم راجين للفلاح ، أو لكي تفلحوا ، والفلاح هو الفوز بالثواب ، نص عليه الشيخ أبو علي الطبرسي.

هذا ما وصل إلينا من كلام هؤلاء ، وللمناقشة فيه مجال ، أما قولهم أن تلك الإرادة ليست مخالفة لإرادة وجه الله تعالى فكلام ظاهري قشري إذ البون البعيد بين إطاعة المحبوب والانقياد إليه لمحض حبه وتحصيل رضاه وبين إطاعته لأغراض أخر أظهر من الشمس في رائعة النهار ، والثانية ساقطة بالكلية عن درجة الاعتبار عند أولي الأبصار ، وأما الاعتضاد بالآيتين الأوليين ، ففيه : أن كثيرا من المفسرين ذكروا أن المعنى راغبين في الإجابة ، راهبين من الرد والخيبة ، وأما الآية الثالثة فقد ذكر الطبرسي في مجمع البيان أن معنى «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » لكي تسعدوا. ولا ريب أن تحصيل رضاه سبحانه هو السعادة العظمى ، وفسر (ره) الفلاح في قوله تعالى : «أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » بالنجاح والفوز ، وقال شيخ الطائفة في التبيان : المفلحون هم المنجحون

__________________

(١) سورة الأعراف : ٥٥.

(٢) سورة الأنبياء : ٩٠.

(٣) سورة الأعراف : ٥٦.

(٤) سورة الحجّ : ٧٧.

٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الذين أدركوا ما طلبوا من عند الله بأعمالهم وإيمانهم.

وفي تفسير البيضاوي المفلح : الفائز بالمطلوب ، ومثله في الكشاف.

نعم فسر الطبرسي (ره) الفلاح في قوله : «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ » بالفوز بالثواب لكن مجيئه في هذه الآية بهذا المعنى لا يوجب حمله في غيرها أيضا عليه ، وعلى تقدير حمله على هذا المعنى إنما يتم التقريب لو جعلت جملة الترجي حالية ، ولو جعلت تعليلية كما جعله الطبرسي فلا دلالة فيها على ذلك المدعى أصلا كما لا يخفى.

هذا ، والأولى أن يستدل بما رواه الكليني بطريق حسن عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : العباد ثلاثة قوم عبدوا الله عز وجل خوفا فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلبا للثواب فتلك عبادة الأجراء ، وقوم عبدوا الله عز وجل حبا له فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة ، فإن قولهعليه‌السلام وهي أفضل العبادة يعطي أن العبادة على الوجهين السابقين لا يخلو من فضل أيضا فتكون صحيحة وهو المطلوب.

ثم قالرحمه‌الله : المانعون في نية العبادة من قصد تحصيل الثواب أو دفع العقاب جعلوا هذا القصد مفسدا لها وإن انضم إليه قصد وجه الله تعالى على ما يفهم من كلامهم ، أما بقية الضمائم اللازمة الحصول مع العبادة نويت أو لم تنو كالخلاص من النفقة بعتق العبد في الكفارة ، والحمية في الصوم والتبرد في الوضوء وإعلام المأموم الدخول في الصلاة بالتكبير ، ومماطلة الغريم بالتشاغل بالصلاة وملازمته بالطواف والسعي ، وحفظه المتاع بالقيام لصلاة الليل وأمثال ذلك فالظاهر أن قصدها عندهم مفسد أيضا بالطريق الأولى وأما الذين لا يجعلون قصد الثواب مفسدا فقد اختلفوا في الإفساد بأمثال هذه الضمائم ، فأكثرهم على عدمه ، وبه قطع الشيخ في المبسوط ، والمحقق في المعتبر ، والعلامة في التحرير والمنتهى ، لأنها تحصل لا محالة فلا يضر قصدها ، وفيه أن لزوم حصولها لا يستلزم صحة قصد حصولها ، والمتأخرون من أصحابنا حكموا بفساد العبادة بقصدها وهو مذهب العلامة في النهاية

٨٣

وإن النية هي العمل ثم تلا قوله عز وجل : «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ »(١) يعني على نيته

______________________________________________________

والقواعد ، وولده فخر المحققين في الشرح ، وشيخنا الشهيد في البيان لفوت الإخلاص وهو الأصح ، واحتمل شيخنا الشهيد في قواعده التفصيل بأن القربة إن كانت هي المقصود بالذات والضميمة مقصودة تبعا صحت العبادة وإن انعكس الأمر أو تساويا بطلت.

هذا ، واعلم أن الضميمة إن كانت راجحة ولاحظ القاصد رجحانها وجوبا أو ندبا كالحمية في الصوم لوجوب حفظ البدن ، والإعلام بالدخول في الصلاة للتعاون على البر فينبغي أن لا تكون مضرة إذ هي حينئذ مؤكدة ، وإنما الكلام في الضمائم غير الملحوظة الرجحان ، فصوم من ضم قصد الحمية مطلقا صحيح مستحبا كان الصوم أو واجبا ، معينا كان الواجب أو غير معين ، ولكن في النفس من صحة غير المعين شيء ، وعدمها محتمل ، والله أعلم.

قوله عليه‌السلام : والنية أفضل من العمل ، أي النية الخالصة أو إخلاص النية أفضل من العمل ، والنية تطلق على إرادة إيقاع الفعل وعلى الغرض الباعث على الفعل وعلى العزم على الفعل والأولتان مقارنتان للفعل دون الثالثة ، والأولى لا تنفك فعل الفاعل المختار عنها ، والثانية الإخلاص فيها من أشق الأمور وأصعبها وبه تتفاضل عبادات المكلفين وهي روح العبادة وبدونها لا تصح ، وكلما كانت أخلص عن الشوائب والأغراض الفاسدة كان العمل أكمل ، ولذا ورد أن نية المؤمن خير من عمله ، ولا ينافي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل الأعمال أحمزها ، إذ تصحيح النية أصعب من تصحيح العمل بمراتب شتى إذ ليس المراد بالنية ما يتكلم به الإنسان عند الفعل ، أو يتصوره ويخطره بباله ، بل هو الباعث الأصلي والغرض الواقعي الداعي للإنسان على الفعل وهو تابع للحالة التي عليها الإنسان ، والطريقة التي يسلكها ، فمن غلب عليه حب الدنيا وشهواتها لا يمكنه قصد القربة وإخلاص النية عن دواعيها فإن نفسه متوجهة إلى الدنيا وهمته مقصورة عليها ، فما لم يقلع عن قلبه عروق حب الدنيا ولم يستقر فيه

__________________

(١) سورة الإسراء : ٨٤.

٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

طلب النشأة الأخرى وحب الرب الأعلى لم يمكنه إخلاص النية واقعا عن تلك الأغراض الدنية ، وذلك متوقف على مجاهدات عظيمة ورياضات طويلة وتفكرات صحيحة ، واعتزال عن شرار الخلق ، فلذا ورد أن نية المؤمن خير من عمله ، ومن عرف ذلك لم يحتج إلى تأويل الخبر بما ستسمع من الوجوه مع ركاكة أكثرها وبعدها عن نظم الكلام ، فلذا قالعليه‌السلام : النية أفضل من العمل والسعي في تصحيحها أهم.

فإن قيل : العمل بلا نية باطل ، ومعها النية داخلة فيه فكيف يفضل النية على العمل فإنه يوجب تفضيل الجزء على الكل؟.

قلنا : المراد به أن العمل المقرون بالنية نيته خير من سائر أجزائه ، سواء جعلنا النية جزءا من العمل أو شرطا فيه وقوله عليه‌السلام : ألا وإن النية هي العمل ، مبالغة في اشتراط العمل بها ، وأنه لا اعتداد بالعمل بدونها ، فكأنها عينه ، ولذا أكد بحرف التأكيد وحرف التنبيه واسمية الجملة ، وتعريف الخبر باللام المفيد للحصر ، وضمير الفصل المؤكد له.

وقيل : إشارة إلى دفع ما يتوهم من أن المفضل عليه لا بد أن يكون من جنس المفضل والنية ليست من جنس العمل ، فأجابعليه‌السلام بأن النية أيضا عمل من أعمال القلب ولا يخفى ضعفه ، والاستشهاد بالآية الكريمة لبيان أن مدار العمل على النية صحة وفسادا ونقصا وكمالا ، حيث قال : «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ » يعني على نيته وكأنهعليه‌السلام فسر الشاكلة التي تطلق غالبا على الحالة والطريقة بالنية إيذانا بأن النية تابعة لحالة الإنسان وطريقته كما أومأنا إليه ، وإن ورد بمعنى النية أيضا ، قال الفيروزآبادي : الشاكلة : الشكل والناحية والنية والطريقة ، وقال في مجمع البيان : أي كل واحد من المؤمن والكافر يعمل على طبيعته وخليقته التي تخلق بها عن ابن عباس ، وقيل : على طريقته وسنته التي اعتادها ، وقيل : ما هو أشكل بالصواب

٨٥

٥ ـ وبهذا الإسناد قال سألته عن قول الله عز وجل : «إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ

______________________________________________________

وأولى بالحق عنده عن الجبائي ، قال : ولهذا قال : «فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً » أي أنه يعلم أي الفريقين على الهدى وأيهما على الضلال ، وقيل : معناه أنه أعلم بمن هو أصوب دينا وأحسن طريقة ، وقال بعض أرباب اللسان هذه الآية أرجى آية في كتاب الله لأن الأليق بكرمه سبحانه وجوده العفو عن عباده ، فهو يعمل به ، انتهى.

ويمكن حمل النية هنا على المعنى الثالث كما سيأتي في الخبر لكنه بعيد عن سياق هذا الخبر وسيأتي مزيد كلام في ذلك في باب النية وباب الرياء.

الحديث الخامس : مثل السابق :

قوله تعالى : «إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ » قال سبحانه في سورة الشعراء حكاية عن إبراهيمعليه‌السلام حيث قال : «وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ».

قال الطبرسي قدس الله سره أي لا تفضحني ولا تعيرني بذنب يوم يحشر الخلائق ، وهذا الدعاء كان منهعليه‌السلام على وجه الانقطاع إلى الله تعالى لما بينا أن القبيح لا يجوز وقوعه من الأنبياءعليه‌السلام ، ثم فسر ذلك اليوم بأن قال : يوم لا ينفع مال ولا بنون أي لا ينفع المال والبنون أحدا إذ لا يتهيأ لذي مال أن يفتدي من شدائد ذلك اليوم به ولا يتحمل من صاحب البنين بنوه شيئا من معاصيه «إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » من الشرك والشك عن الحسن ومجاهد وقيل : سليم من الفساد والمعاصي ، وإنما خص القلب بالسلامة لأنه إذا سلم القلب سلم سائر الجوارح من الفساد من حيث أن الفساد بالجارحة لا يكون إلا عن قصد بالقلب الفساد ، وروي عن الصادقعليه‌السلام أنه قال : هو القلب الذي سلم من حب الدنيا ، ويؤيده قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حب الدنيا رأس كل خطيئة انتهى.

٨٦

سَلِيمٍ »(١) قال القلب السليم الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه قال وكل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط وإنما أرادوا الزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة.

٦ ـ بهذا الإسناد ، عن سفيان بن عيينة ، عن السندي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما أخلص العبد الإيمان بالله عز وجل أربعين يوما أو قال ما أجمل عبد ذكر الله

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : وليس فيه أحد سواه ، أي أخرج عن قلبه حب ما سوى الله والاشتغال بغيره سبحانه ، أولم يختر في قلبه على رضا الله رضا غيره ، أو كانت أعماله ونياته كلها خالصة لله لم يشرك فيها غيره« وكل قلب فيه شرك » أعم من الشرك الجلي والخفي.« أو شك » وهو ما يقابل اليقين الذي يظهر أثره على الجوارح ، فإن كل معصية أو توسل بغيره سبحانه يستلزم ضعفا في اليقين فالشك يشمله« فهو ساقط » أي عن درجة الاعتبار أو بعيد عن الرب تعالى.

« وإنما أرادوا » أي الأنبياء والأوصياء« الزهد » وفي بعض النسخ : أراد بالزهد أي أراد الله ، والباء زائدة يعني أن الزهد في الدنيا ليس مقصودا لذاته ، وإنما أمر الناس به لتكون قلوبهم فارغة عن محبة الدنيا ، صالحة لحب الله تعالى ، خالصة له عز وجل ، لا شركة فيها لما سوى الله ، ولا شك ناشئا من شدة محبتها لغير الله.

الحديث السادس : مثل السابق.

« وإخلاص الأيمان » مما يشوبه من الشرك والرياء والمعاصي ، وأن يكون جميع أعماله خالصة لله تعالى ، ولعل خصوص الأربعين لأن الله تعالى جعل انتقال الإنسان في أصل الخلقة من حال إلى حال في أربعين يوما كالانتقال من النطفة إلى العلقة ومن العلقة إلى المضغة ، ومن المضغة إلى العظام ومنها إلى اكتساء اللحم.

ولذا يوقف قبول توبة شارب الخمر إلى أربعين يوما كما ورد في الخبر ، والزهد في الشيء تركه وعدم الرغبة فيه ، وداء الدنيا المعاصي والصفات الذميمة وما

__________________

(١) سورة الشعراء : ٨٩.

٨٧

عز وجل أربعين يوما إلا زهده الله عز وجل في الدنيا وبصره داءها ودواءها فأثبت الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه ثم تلا : «إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ »(١) فلا ترى صاحب بدعة

______________________________________________________

يوجب البعد عن الله تعالى ، ودواؤها ما يوجب تركها واجتنابها من الرياضات والمجاهدات والتفكرات الصحيحة وأمثالها ، أو المراد بدائها الأمراض القلبية الحاصلة من محبة الدنيا ، ودواؤها ملازمة ما يوجب تركها ، وقيل : أي قدر الضرورة منها والزائد عليه أو ميل القلب إليها وصرفه عنها أو الضار والمنافع منها في الآخرة أعني الطاعة والمعصية والحكمة العلوم الحقة الواقعية وأصلها ومنبعها معرفة الإمام ولذا فسرت بها كما مر.

وفي مناسبة ذكر الآية لما تقدم إشكال ، ويمكن أن يقال في توجيهه وجوه :

الأول : ما خطر بالبال وهو أنه لما ذكر فوائد إخلاص الأربعين وقد أبدع جماعة من الصوفية فيها ما ليس في الدين ، دفععليه‌السلام توهم شموله لذلك بالاستشهاد بالآية ، وأنها تدل على أن كل مبتدع في الأحكام ومفتر على الله ورسوله في حكم من الأحكام ذليل في الدنيا والآخرة ، لقوله تعالى : «كَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ »وقوله : أو مفتريا أي لا ترى مفتريا ، وبعبارة أخرى لما كان صحة العبادة وكما لها مشترطة بأمرين : الأول ، كونها على وفق السنة ، والثاني : كونها خالصة لوجه الله تعالى ، فأشار أولا إلى الثاني ، وثانيا إلى الأول ، فتأمل.

الثاني : ما قيل أن الوجه في تلاوتهعليه‌السلام الآية التنبيه على أن من كانت عبادته لله تعالى واجتهاده فيها على وفق السنة بصره الله عيوب الدنيا فزهده فيها ، فصار بسبب زهده فيها عزيزا لأن المذلة في الدنيا إنما تكون بسبب الرغبة فيها ، ومن كانت عبادته على وفق الهوى أعمى الله قلبه عن عيوب الدنيا ، فصار بسبب رغبته فيها ذليلا ، فأصحاب البدع لا يزالون أذلاء صغارا ، ومن هنا قال الله في متخذي العجل ما قال.

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٥١.

٨٨

إلا ذليلا ومفتريا على الله عز وجل وعلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أهل بيته صلوات الله عليهم إلا ذليلا.

باب الشرائع

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر وعدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن محمد بن مروان جميعا ، عن أبان بن عثمان عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله تبارك وتعالى أعطى محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسىعليهم‌السلام التوحيد والإخلاص

______________________________________________________

الثالث : ما قيل أيضا أن الغرض من تلاوتها هو التنبيه على أن غير المخلص مندرج فيها ، والوعيد متوجه إليه أيضا لأنك قد عرفت أن قلبه ساقط ، لكونه ذا شرك أو شك وهما بدعة وافتراء على الله ورسوله ، والآية على تقدير نزولها في قوم مخصوصين لا يقتضي تخصيص الوعيد بهم.

الرابع : ما خطر بالبال أيضا وهو أن الإخلاص المذكور في صدر الخبر يشمل الإخلاص عن الرياء والبدعة ، وكل ما ينافي قبول العمل فاستشهد لأحد أجزائه بالآية.

باب الشرائع

الحديث الأول : مرسل.

قوله عليه‌السلام : شرائع نوح ، يحتمل أن يكون المراد بالشرائع أصول الدين ويكونالتوحيد والإخلاص وخلع الأنداد بيانا لها ، والفطرة الحنيفية معطوفة على الشرائع وإنما خصعليه‌السلام ما به الاشتراك بهذه الثلاثة مع اشتراكهعليه‌السلام معهم في كثير من العبادات لاختلاف المشتركات فيها دون هذه الثلاثة ، ولعلهعليه‌السلام لم يرد حصر المشتركات فيما ذكر لعدم ذكر سائر أصول الدين ، كالعدل والمعاد مع أنه يمكن

٨٩

وخلع الأنداد والفطرة الحنيفية السمحة ولا رهبانية ولا سياحة أحل فيها الطيبات

______________________________________________________

إدخالهما في بعض ما ذكر ، لا سيما الإخلاص بتكلف ويمكن أن يكون المراد منها الأصول وأصول الفروع المشتركة ، وإن اختلفت في الخصوصيات والكيفيات وحينئذ يكون جميع تلك الفقرات إلى قولهعليه‌السلام : وزاده ، بيانا للشرائع ، ويشكل حينئذ ذكر الرهبانية والسياحة إذ المشهور أن عدمهما من خصائص نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أن يقال : المراد عدم الوجوب وهو مشترك ، أو يقال : إنهما لم يكونا في شريعة عيسىعليه‌السلام أيضا وإن استشكل بالجهاد وأنه لم يجاهد عيسىعليه‌السلام ، فالجواب أنه يمكن أن يكون واجبا عليه لكن لم يتحقق شرائطه ، ولذا لم يجاهد ولعل قولهعليه‌السلام : زاده وفضله ، بهذا الوجه أوفق.

وكان المراد بالتوحيد نفي الشريك في الخلق ، وبالإخلاص نفي الشريك في العبادة ، وخلع الأنداد تأكيد لهما ، أو المراد به ترك اتباع خلفاء الجور وأئمة الضلالة أو نفي الشرك الخفي أو المراد بالإخلاص نفي الشرك الخفي وبخلع الأنداد نفي الشريك في استحقاق العبادة ، والأنداد جمع ند وهو مثل الشيء الذي يضاده في أموره ويناده أي يخالفه ، والفطرة ملة الإسلام التي فطر الله الناس عليها كما مر والحنيفية المائلة من الباطل إلى الحق أو الموافقة لملة إبراهيمعليه‌السلام قال في النهاية : الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيمعليه‌السلام ، وأصل الحنيف الميل ، ومنه الحديث : بعثت بالحنيفية السمحة السهلة ، وفي القاموس :السمحة الملة التي ما فيها ضيق.

وفي النهاية : فيهلا رهبانية في الإسلام ، هي من رهبة النصارى ، وأصله من الرهبة الخوف ، كانوا يترهبون بالتخلي من أشغال الدنيا وترك ملاذها والزهد فيها ، والعزلة عن أهلها ، وتعمد مشاقها حتى أن منهم من كان يخصي نفسه ، ويضع السلسلة في عنقه وغير ذلك من أنواع التعذيب ، فنفاها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الإسلام ونهى المسلمين

٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

عنها ، انتهى.

وقال الطبرسيقدس‌سره : في قوله تعالى : «وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها »(١) هي الخصلة من العبادة يظهر فيها معنى الرهبة إما في لبسته أو انفراد عن الجماعة أو غير ذلك من الأمور التي يظهر فيها نسك صاحبه والمعنى ابتدعوا رهبانية لم نكتبها عليهم ، وقيل : إن الرهبانية التي ابتدعوها هي رفض النساء واتخاذ الصوامع عن قتادة ، قال : وتقديره ورهبانية ما كتبناها عليهم إلا أنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها ، وقيل : إن الرهبانية التي ابتدعوها لحاقهم بالبراري والجبال في خبر مرفوع عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما رعاها الذين بعدهم حق رعايتها ، وذلك لتكذيبهم بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ابن عباس.

وقيل : إن الرهبانية هي الانقطاع عن الناس للانفراد بالعبادة «ما كَتَبْناها » أي ما فرضناها عليهم ، وقال الزجاج : إن تقديره ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله وابتغاء رضوان الله اتباع ما أمر الله فهذا وجه ، قال : وفيها وجه آخر جاء في التفسير أنهم كانوا يرون من ملوكهم ما لا يصبرون عليه فاتخذوا أسرابا وصوامع وابتدعوا ذلك ، فلما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع ودخلوا عليه لزمهم إتمامه ، كما أن الإنسان إذا جعل على نفسه صوما لم يفرض عليه لزمه أن يتمه.

قال : وقوله : فما رعوها حق رعايتها ، على ضربين أحدهما أن يكونوا قصروا فيما ألزموه أنفسهم ، والآخر وهو الأجود أن يكونوا حين بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يؤمنوا به ، وكانوا تاركين لطاعة الله فما رعوا تلك الرهبانية حق رعايتها ، ودليل ذلك قوله : «فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ » يعني الذين آمنوا بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله «وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ » أي كافرون ، انتهى كلام الزجاج.

__________________

(١) سورة الحديد : ٢٧.

٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

ويعضد هذا ما جاءت به الرواية عن ابن مسعود قال : كنت رديف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حمار فقال : يا ابن أم عبد هل تدري من أين أحدثت بنو إسرائيل الرهبانية؟ فقلت : الله ورسوله أعلم ، فقال : ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسىعليه‌السلام يعملون بمعاصي الله فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات ، فلم يبق منهم إلا القليل ، فقالوا : إن ظهرنا هؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه ، فتعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسىعليه‌السلام يعنون محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتفرقوا في غيران الجبال وأحدثوا رهبانية ، فمنهم من تمسك بدينه ، ومنهم من كفر ، ثم تلا هذه الآية : " «وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ » ، إلى آخرها ، ثم قال : يا بن أم عبد أتدري ما رهبانية أمتي؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة.

وفي حديث آخر عن ابن مسعود أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعيتها ، ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون ، انتهى.

وقال في النهاية :فيه لا سياحة في الإسلام ، يقال : ساح في الأرض يسيح سياحة إذا ذهب فيها وأصله من السيح وهو الماء الجاري أي المنبسط على الأرض ، أراد مفارقة الأمصار وسكنى البراري وترك شهود الجمعة والجماعات ، وقيل : أراد الذين يسيحون في الأرض بالشر والنميمة والإفساد بين الناس ، ومن الأول سياحة هذه الأمة الصيام قيل للصائم : سائح لأن الذي يسيح في الأرض متعبدا يسيح ولا زاد معه ولا ماء ، فحين يجد يطعم ، والصائم يمضي نهاره لا يأكل ولا يشرب شيئا فشبه به ، انتهى.

قوله عليه‌السلام أحل فيها الطيبات ، إشارة إلى قوله تعالى في الأعراف : «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ » الآية ، قال الطبرسيقدس‌سره : ويحل

٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث معناه : يبيح لهم المستلذات الحسنة ، ويحرم عليهم القبائح وما تعافه الأنفس ، وقيل : يحل لهم ما اكتسبوه من وجه طيب ويحرم عليهم ما اكتسبوه من وجه خبيث ، وقيل : يحل لهم ما حرمه عليهم رهابينهم وأحبارهم وما كان يحرمه أهل الجاهلية من البحائر والسوائب وغيرها ، ويحرم عليهم الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذكر معها «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ » أي ثقلهم ، شبه ما كان على بني إسرائيل من التكليف الشديد بالثقل ، وذلك أن الله سبحانه جعل توبتهم أن يقتل بعضهم بعضا ، وجعل توبة هذه الأمة الندم بالقلب حرمة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الحسن. وقيل : الإصر هو العهد الذي كان الله سبحانه أخذه على بني إسرائيل أن يعملوا بما في التوراة عن ابن عباس والضحاك والسدي ، ويجمع المعنيين قول الزجاج :

الإصر ما عقدته من عقد ثقيل.

«وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ » معناه ويضع عنهم العهود التي كانت في ذمتهم ، وجعل تلك العهود بمنزلة الأغلال التي تكون في الأعناق للزومها كما يقال : هذا طوق في عنقك ، وقيل : يريد بالأغلال ما امتحنوا به من قتل نفوسهم في التوبة ، وقرض ما يصيبه البول من أجسادهم وما أشبه ذلك من تحريم السبت ، وتحريم العروق والشحوم وقطع الأعضاء الخاطئة ، ووجوب القصاص دون الدية عن أكثر المفسرين ، انتهى.

وأقول : استدل أكثرهم أصحابنا على تحريم كثير من الأشياء مما تستقذره طباع أكثر الخلق بهذه الآية وهو مشكل ، إذ الظاهر من سياق الآية مدح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وشريعته بأن ما يحل لهم هو طيب واقعا وإن لم نفهم طيبه ، وما يحرم عليهم هو الخبيث واقعا وإن لم نعلم خبثه كالطعام المستلذ الذي يكون من مال اليتيم أو مال السرقة تستلذه الطبع وهو خبيث واقعا ، وأكثر الأدوية التي يحتاج الناس إليها في

٩٣

وحرم فيها الخبائث ووضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ثم افترض عليه فيها الصلاة والزكاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحلال

______________________________________________________

غاية البشاعة وتستقذرها الطبع ولم أر قائلا بتحريمها ، فالحمل على المعنى الذي لا يحتاج إلى تخصيص ويكون موافقا لقواعد الإمامية من الحسن والقبح العقليين أولى من الحمل على معنى لا بد فيه من تخصيصات كثيرة ، بل ما يخرج منهما أكثر مما يدخل فيهما كما لا يخفى على من تتبع مواردهما ، ويمكن أن يقال : هذه الآية كالصريحة في الحسن والقبح العقليين ولم يستدل بها الأصحاب رضي الله عنهم.

وقيل : الإصر الثقل الذي يأصر حامله أي يحبسه في مكانه لفرط ثقله ، وقال الزمخشري : هو مثل لثقل تكليفهم وصعوبته ، نحو اشتراط قتل الأنفس في صحة توبتهم وكذلك الأغلال مثل لما كان في شرائعهم من الأشياء الشاقة نحو بت القضاء بالقصاص عمدا كان أو خطأ ، من غير شرع الدية ، وقطع الأعضاء الخاطئة وقرض موضع النجاسة من الجلد والثوب ، وإحراق الغنائم وتحريم العروق في اللحم ، وتحريم السبت.

وعن عطاء : كانت بنو إسرائيل إذا قامت تصلي لبسوا المسوخ وغلوا أيديهم إلى أعناقهم ، وربما ثقب الرجل ترقوته وجعل فيها طرف السلسلة وأوثقها إلى السارية يحبس نفسه على العبادة ، انتهى.

قوله عليه‌السلام : ثم افترض عليه ، أي على نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « فيها » أي في الفطرة التي هي ملته ، وكان ثم للتفاوت في الرتبة ، وقيل : المرادبالحلال ما عدا الحرام فيشمل الأحكام الأربعة ، والمرادبالفرائض المواريث ذكرت تأكيدا ، أو مطلق الواجبات وقيل : الفرائض ما له تقدير شرعي من المواريث وهي أعم منها ومن غيرها مما ليس له تقدير ، وقيل : المراد بالفرائض ما فرض من القصاص بقدر الجناية ، وقوله : وزاده الوضوء ، يدل على عدم شرع الوضوء في الأمم السابقة ، وينافيه ما ورد في تفسير قوله تعالى : «فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ » أنهم مسحوا ساقيهم وعنقهم وكان ذلك وضوؤهم إلا أن يقال : المراد زيادة الوضوء كما في بعض النسخ ، وزيادة الوضوء عطفا

٩٤

والحرام والمواريث والحدود والفرائض والجهاد في سبيل الله وزاده الوضوء وفضله بفاتحة الكتاب وبخواتيم سورة البقرة والمفصل وأحل له المغنم والفيء ونصره بالرعب

______________________________________________________

على الجهاد ، وقوله عليه‌السلام : وفضله ، إشارة إلى ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : أعطيت مكان التوراة السبع الطول ، ومكان الإنجيل المثاني ، ومكان الزبور المئين ، وفضلت بالمفصل ، وفي رواية واثلة بن الأصقع : وأعطيت مكان الإنجيل المئين ، ومكان الزبور المثاني ، وأعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم البقرة من تحت العرش لم يعطها نبي قبلي ، وأعطاني ربي المفصل نافلة.

قال الطبرسي (ره) فالسبع الطويل البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال مع التوبة ، لأنهما تدعيان القرينتين ، ولذلك لم يفصل بينهما بالبسملة وقيل : إن السابعة سورة يونس ، والطول جمع الطولي تأنيث الأطول وإنما سميت هذه السور الطوال ، لأنها أطول سورة القرآن وأما المثاني فهي السور التالية للسبع الطول ، أولها يونس وآخرها النحل وإنما سميت المثاني لأنها ثنت الطول أي تلتها ، وكان الطول هي المبادئ والمثاني لها ثواني وواحدها مثنى مثل المعنى والمعاني ، وقال الفراء ، واحدها مثناة ، وقيل : المثاني سور القرآن كلها طوالها وقصارها ، من قوله تعالى : «كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ »(١) وأما المئون فهي كل سورة تكون نحوا من مائة آية أو فوق ذلك ، أو دوينه ، وهي سبع سور أولها سورة بني إسرائيل وآخرها المؤمنون ، وقيل ، إن المئين : ما ولى السبع الطول ثم المثاني بعدها وهي التي تقصر عن المئين وتزيد على المفصل وسميت مثاني لأن المئين مباديها ، وأماالمفصل فما بعد الحواميم من قصار السور إلى آخر القرآن ، سميت مفصلا لكثرة الفصول بين سورها ببِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، انتهى.

وأقول : اختلف في أول المفصل فقيل : من سورة ق وقيل من سورة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقيل من سورة الفتح ، وعن النووي : مفصل القرآن من محمد إلى آخر القرآن ، وقصاره من الضحى إلى آخره ، ومطولاته إلى عم ومتوسطاته إلى الضحى ، وفي

__________________

(١) سورة الزمر : ٢٣.

٩٥

وجعل له الأرض مسجدا وطهورا وأرسله كافة إلى الأبيض والأسود والجن والإنس

______________________________________________________

الخبر : المفصل ثمان وستون سورة وسيأتي تمام الكلام في ذلك في كتاب القرآن.

« أحل له المغنم » في النهاية : الغنمية والغنم والمغنم والغنائم هو ما أصيب من أموال أهل الحرب وأوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب ، وقال :الفيء ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد ، وأصل الفيء الرجوع ، يقال : فاء يفيء فئة وفيوءا كأنه في الأصل لهم ثم رجع إليهم ، انتهى.

أقول : ويحتمل أن يكون المراد بالمغنم المنقولات وبالفيء الأراضي سواء أخذت بحرب أم لا ، وعلى التقديرين في قوله توسع أي له ولأهل بيته وأمته ، ويحتمل أن يكون اللام سببية لا صلة للإحلال ، فيكون من أحل له غير مذكور ، فيشمل الجميع ، والاختصاص لما مر أن الأمم السابقة كانوا لا تحل لهم الغنيمة بل كانوا يجمعونها فتنزل نار من السماء فتحرقها ، وكان ذلك بلية عظيمة عليهم حتى كان قد يقع فيها السرقة ، فيقع الطاعون بينهم فمن الله على هذه الأمة بإحلالها« ونصره بالرعب » مع قلة العدد والعدة وكثرة الأعداء وشدة بأسهم ، والرعب الفزع والخوف فكان الله تعالى يلقي رعبه في قلوب الأعداء حتى إذا كان بينه وبينهم مسيرة شهر هابوه وفزعوا منه.

« وجعل له الأرض مسجدا » أي مصلى يجوز لهم الصلاة في أي موضع شاءوا بخلاف الأمم السابقة فإن صلاتهم كانت في بيعهم وكنائسهم إلا من ضرورة« وطهورا » أي مطهرا وما يتطهر به تطهر أسفل القدم والنعل ومحل الاستنجاء وتقوم مقام الماء عند تعذره في التيمم ، والمراد بكونها طهورا أنها بمنزلة الطهور في استباحة الصلاة بها ، وحمله السيد (ره) على ظاهره فاستدل بها على ما ذهب إليه أن التيمم يرفع الحدث إلى وجود الماء.

« وأرسله كافة » إشارة إلى قوله تعالى : «وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ » وكافة في الآية إما حال عما بعدها ، أي إلى الناس جميعا ، ومن لم يجوز تقديم الحال على

٩٦

و أعطاه الجزية وأسر المشركين وفداهم ثم كلف ما لم يكلف أحد من الأنبياء

______________________________________________________

ذي الحال المجرور قال : هي حال عن الضمير المنصوب في أرسلناك ، والتاء للمبالغة أو صفة لمصدر محذوف ، أي إرساله كافة ، أو مصدر كالكاذبة والعاقبة ، ولعل الأخيرين في الخبر أنسب ، وظاهره أن غيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبعث إلى الكافة وهو خلاف المشهور ، ويحتمل أن يكون الحصر إضافيا أو يكون المراد به بعثه على جميع من بعده إذ لا نبي بعده بخلاف سائر أولي العزم فإنهم لم يكونوا كذلك ، بل نسخت شريعتهم.

« الأبيض والأسود » العجم والعرب أو كل من اتصف باللونين ليشمل جميع الناس قال في النهاية : فيه بعثت إلى الأحمر والأسود ، أي العجم والعرب ، لأن الغالب على ألوان العجم الحمرة والبياض ، وعلى ألوان العرب الأدمة والسمرة ، وقيل : الجن والإنس ، وقيل : أراد بالأحمر الأبيض مطلقا فإن العرب تقول : امرأة حمراء أي بيضاء ومنه الحديث أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ، هي ما أفاء الله على أمته من كنوز الملوك ، فالأحمر الذهب والأبيض الفضة ، والذهب كنوز الروم لأنه الغالب على نقودهم ، والفضة كنوز الأكاسرة لأنها الغالبة علي نقودهم ، وقيل : أراد العرب والعجم جمعهم الله على دينه وملته ، انتهى.

والكلام في اختصاص البعث على الجن والإنس بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كالكلام فيما سبق ويدل الخبر أيضا على اختصاص الجزية والأسر والفداء ، والجزية : المال الذي يقرره الحاكم على الكتابي إذا أقره على دينه ، وهي فعلة من الجزاء كأنها جزت عن قتله وأسره ، والفداء بالكسر والمد ، وبالفتح والقصر ، فكان الأسير بالمال الذي قرره الحاكم عليه يقال : فداه يفديه فداءا ،ثم كلف على بناء المفعول وثم هنا أيضا مثل ما سبق لأن هذا التكليف أعظم التكاليف وأشقها فقد ثبتصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حرب أحد وحنين بعد انهزام أصحابه مصرحا باسمه لا يبالي شيئا ، وأنزل عليه سيف من السماء أي ذو الفقار أو غيره ، وكونهبلا غمد تحريص على الجهاد وإشارة إلى أن سيفه ينبغي أن لا يغمد ، وقيل السيف عبارة عن آية سورة براءة : " «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ

٩٧

وأنزل عليه سيف من السماء في غير غمد وقيل له : «فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ »(١) .

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام قول الله عز وجل : «فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ »(٢) فقال نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله قلت كيف صاروا أولي العزم قال لأن نوحا بعث بكتاب وشريعة وكل من جاء بعد نوح أخذ بكتاب نوح وشريعته ومنهاجه حتى جاء

______________________________________________________

فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ » فإنه يقال لها آية السيف وكونه من غير غمد كناية عن أنها من المحكمات ، ولا يخفى بعده.

والغمد بالكسر الغلاف ، وقال البيضاوي : «فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ » أي إن تثبطوا وتركوك وحدك «لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ » أي إلا فعل نفسك لا يضرك مخالفتهم وتقاعدهم فتقدم إلى الجهاد وإن لم يساعدك أحد ، فإن الله ناصرك لا الجنود.

الحديث الثاني : موثق.

«فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ » قال الطبرسيقدس‌سره أي فاصبر يا محمد على أذى هؤلاء الكفار على ترك إجابتهم لك كما صبر الرسل ، و « من » هنا تبيين الجنس فالمراد جميع الأنبياء لأنهم عزموا على أداء الرسالة وتحمل أعبائها ، وقيل : أن من هيهنا للتبعيض ، وهو قول أكثر المفسرين ، والظاهر في روايات أصحابنا ، ثم اختلفوا فقيل : هم من أتى بشريعة مستأنفة نسخت شريعة من تقدمه ، وهم نوح و

__________________

(١) سورة النساء : ٨٤.

(٢) سورة الأحقاف : ٣٥.

٩٨

إبراهيمعليه‌السلام بالصحف وبعزيمة ترك كتاب نوح لا كفرا به فكل نبي جاء بعد إبراهيمعليه‌السلام أخذ بشريعة إبراهيم ومنهاجه وبالصحف حتى جاء موسى بالتوراة وشريعته ومنهاجه وبعزيمة ترك الصحف وكل نبي جاء بعد موسىعليه‌السلام أخذ بالتوراة وشريعته ومنهاجه حتى جاء المسيحعليه‌السلام بالإنجيل وبعزيمة ترك شريعة موسى ومنهاجه فكل نبي جاء بعد المسيح أخذ بشريعته ومنهاجه حتى جاء محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء بالقرآن وبشريعته ومنهاجه فحلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة فهؤلاء «أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ »عليهم‌السلام

______________________________________________________

إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وعليهم عن ابن عباس وقتادة وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليه‌السلام قالا : وهم سادة النبيين وعليهم دارت رحى المرسلين وقيل : هم ستة نوح صبر على أذى قومه وإبراهيم صبر على النار ، وإسحاق صبر على الذبح ، ويعقوب صبر على فقد الولد وذهاب البصر ويوسف صبر على البئر والسجن وأيوب صبر على الضر عن مجاهد ، وقيل : هم الذين أمروا بالجهاد والقتال وأظهروا المكاشفة وجاهدوا في الدين عن السدي والكلبي ، وقيل : هم أربعة إبراهيم ونوح وهود ورابعهم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أبي العالية ، والعزم هو الوجوب والحتم وأولو العزم من الرسل هم الذين شرعوا الشرائع وأوجبوا على الناس الأخذ بها والانقطاع عن غيرها ، انتهى.

قوله عليه‌السلام : لا كفرا به أي إنكار الحقية بل إيمانا به وبصلاحه في وقت دون الآخر ، وللنسخ مصالح كثيرة ، والعبد مأمور بالتسليم ، وكان من جملتها ابتلاء الخلق واختبارهم في ترك ما كانوا متمسكين به.

قوله : ومنهاجه ، كأنه إشارة إلى قوله تعالى : «لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً »(١) .

__________________

(١) سورة المائدة : ٤٨.

٩٩

باب

دعائم الإسلام

١ ـ حدثني الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد الزيادي ، عن الحسن بن علي الوشاء قال حدثنا أبان بن عثمان ، عن فضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال بني الإسلام على خمس على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية

______________________________________________________

باب دعائم الإسلام

قال الجوهري : الدعامة عماد البيت الذي يقوم به.

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« بني الإسلام على خمس » يحتمل أن يكون المراد بالإسلام الشهادتين ، وكأنهما موضوعتان على هذه الخمسة لا تقومان إلا بها ، أو المراد بالإسلام الإيمان ، والمراد بالبناء عليها كونها أجزاءه وأركانه فحينئذ يمكن أن يكون المراد بالولاية ما يشمل الشهادتين أيضا ، أو يكون عدم ذكر الشهادتين لظهورهما ، وأما ذكر الولاية التي هي من العقائد الإيمانية مع العبادات الفرعية مع تأخيرها عنها إما للمماشاة مع العامة ، أو المراد بالولاية وفور المودة والمتابعة اللتان هما من مكملات الإيمان أو المراد بالأربعة الاعتقاد بها والانقياد لها ، فتكون من أصول الدين لأنها من ضروريات المذهب ، وإنكار كل منها كفر والأول أظهر كما لا يخفى.

« كما نودي بالولاية » أي في يوم الغدير كما سيأتي ، أو في الميثاق وهو بعيد ، والولاية بالكسر الإمارة وكونه أولى بالحكم والتدبير ، وبالفتح المحبة والنصرة وهنا يحتملهما.

١٠٠

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عجلان أبي صالح قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أوقفني على حدود الإيمان فقال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والإقرار بما جاء به من عند الله وصلوات الخمس وأداء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت وولاية ولينا وعداوة عدونا والدخول مع الصادقين.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن عباس بن عامر ، عن أبان بن عثمان ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال بني الإسلام على خمس على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه يعني الولاية.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن

______________________________________________________

الحديث الثاني : صحيح.

وحدود الإيمان هنا أعم من أجزائه وشرائطه ومكملاته والإقرار بما جاء من عند الله إجمالا قبل العلم وتفصيلا بعده كما سيأتي تحقيقه إنشاء الله ، والدخول مع الصادقين متابعة الأئمة الصادقين في جميع الأقوال والأفعال أي المعصومين كما قال سبحانه : «وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ »(١) وقد مر الكلام في تلك الآية في كتاب الحجة.

الحديث الثالث : موثق كالصحيح وقد مر شرحه.

وقال بعضهم يعني أدخل هذه الأعمال في حقيقة الإسلام ، واعتبرت فيه وعد تاركها من الكفار ، والولاية بالفتح بمعنى المحبة والمودة وهي المراد بها في الحديث السابق ، ولهذا لم يكتف بها حتى أردفه بقوله والدخول مع الصادقين ، وبالكسر تولي الأمر ومالكية التصرف فيها وهو المراد بها هيهنا ، انتهى.

والظاهر أن« يعني » كلام الراوي ويحتمل المصنف على بعد.

الحديث الرابع : مجهول.

__________________

(١) سورة التوبة : ١١٩.

١٠١

العرزمي ، عن أبيه ، عن الصادقعليه‌السلام قال قال أثافي الإسلام ثلاثة الصلاة والزكاة والولاية لا تصح واحدة منهن إلا بصاحبتيها.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعبد الله بن الصلت جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال بني الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية قال زرارة فقلت وأي شيء من ذلك أفضل فقال الولاية أفضل لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن قلت ثم الذي يلي ذلك في الفضل فقال الصلاة إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الصلاة عمود دينكم قال قلت ثم الذي يليها في الفضل قال الزكاة لأنه قرنها بها وبدأ.

______________________________________________________

والأثافي جمع الأثفية بالضم والكسر ، وهي الأحجار التي توضع عليها القدر وأقلها ثلاثة وإنما اقتصر في هذا الحديث على هذه الثلاث لأنها أهمهن ، واشتراط صحة الصلاة والزكاة بالولاية ظاهر.

الحديث الخامس : صحيح.

ولا ريب في أن الولاية والاعتقاد بإمامة الأئمةعليهم‌السلام والإذعان لها من جملة أصول الدين وأفضل من جميع الأعمال البدنيةلأنها مفتاحهن أي بها تفتح أبواب معرفة تلك الأمور وحقائقها وشرائطها وآدابها ، أو مفتاح قبولهن والوالي أي الإمام المنصوب من قبل الله« هو الدليل عليهن » يدل من قبل الله الناس على آدابهم وأحكامها والعمود الخشبة التي يقوم عليها البيت ، ويمكن أن يكون شبه الدين بالفسطاط وأثبت العمود له على سبيل المكنية والتخييلية ، فإذا زال العمود لا ينتفع بالفسطاط لا بغشائه ولا بطنبه ولا بوتده ، فكذلك مع ترك الصلاة لا تنتفع بشيء من أجزاء الدين كما صرح بهذا التشبيه في أخبار أخر ، والمراد بالصلاة المفروضة أو الخمس كما مر وسيأتي في آخر الخبر ما يدل عليه.

قوله عليه‌السلام : لأنه قرنها بها ، استدلال على أن فضل الزكاة بعد الصلاة وقبل غيرها بمجموع مقارنتها في الذكر مع البداءة بذكر الصلاة ثم أكد الجزء الأخير

١٠٢

بالصلاة قبلها وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الزكاة تذهب الذنوب قلت والذي يليها في الفضل قال الحج قال الله عز وجل : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ »(١) وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لحجة مقبولة

______________________________________________________

بذكر الحديث ، وليس هو دليلا تاما على الأفضلية لأن الحج أيضا يذهب الذنوب إلا أن يقال أنهعليه‌السلام علم أن الإذهاب الذي يحصل في الزكاة أقوى مما يحصل في الحج ثم استدلعليه‌السلام على فضل الحج بتسميته تعالى ترك الحج كفرا وترك ذكر العقاب المترتب عليه ، وذكر الاستغناء الدال على غاية السخط قال البيضاوي : «لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ » أي قصده للزيارة على الوجه المخصوص ، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وفي رواية حفص حج بالكسر وهو لغة نجد «مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً » بدل من الناس مخصص له «وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ » وضع كفر موضع من لم يحج تأكيدا لوجوبه وتغليظا على تاركه ، ولذلك قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا.

وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من وجوه الدلالة على وجوبه بصيغة الخبر وإبرازه في [ صورة ] الاسمية وإيراده على وجه يفيد أنه حق واجب لله في رقاب الناس وتعميم الحكم أولا وتخصيصه ثانيا فإنه كإيضاح بعد إبهام ، وتثنية وتكرير للمراد وتسمية ترك الحج كفرا من حيث أنه فعل الكفرة وذكر الاستغناء فإنه في هذا الموضع مما يدل على المقت والخذلان ، وقوله : عن العالمين ، يدل عليه لما فيه من مبالغة التعميم والدلالة على الاستغناء عنه بالبرهان ، والإشعار بعظم السخط لأنه تكليف شاق جامع بين كسر النفس وإتعاب البدن وصرف المال والتجرد عن الشهوات والإقبال على الله.

قوله : من عشرين صلاة نافلة فيه دلالة على أن المراد بالصلاة المفضلة في أول الخبر الفريضة.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩٧.

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

واعلم أنه يشكل الجمع بين الأخبار المختلفة الواردة في فضل الصلاة والحج فقد روى الخاص والعام عن الصادقعليه‌السلام وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صلاة فريضة خير من عشرين حجة ، وحجة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدق منه حتى يفنى ، وحي على خير العمل في الأذان متواتر ، وروي أن الحج أفضل من الصلاة ، والصيام ، لأن المصلي يشتغل عن أهله ساعة وأن الصائم يشتغل عن أهله بياض يوم ، وإن الحاج يشخص بدنه ويضحي نفسه وينفق ماله ويطيل الغيبة عن أهله لا في مال يرجوه ولا إلى تجارة ونحو ذلك من الأخبار ، مع أنه اشتهر في الرواية إن أفضل الأعمال أحمزها.

ويمكن الجواب عنه بوجوه : الأول : ما يومئ إليه هذا الخبر أن المفضلة من الصلاة الفريضة ، والمفضل عليها النافلة أو الحج المفضل هو الفريضة وأن المفضل عليه النافلة ، أو المفضلة من الصلاة الفرائض اليومية ، والمفضل عليها سائرها كما يرشد إليه تخصيص الأذان والإقامة المشتملين على حي على خير العمل باليومية.

الثاني : حمل الثواب في الصلاة على التفضلي ، وفي الحج على الاستحقاقي العرفي لا الواقعي كما حققنا في الكتاب الكبير.

الثالث : أن يراد بالحج الذي فضلت الصلاة عليه ، حج سائر الأمم.

الرابع : ما قيل : إن المراد أنه لو صرف زمان الحج والعمرة في الصلاة كان أفضل ولا يخفى عدم جريانه في أكثر الأخبار.

الخامس : أن يقال : أنه يختلف الأحوال والأشخاص كما نقل أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال : الصلاة لأول وقتها ، وسئل أي الأعمال أفضل؟ فقال : بر الوالدين ، وسئل أي الأعمال أفضل؟ فقال : حج مبرور ، فخص كل سائل بما يليق بحاله من الأعمال فيقال : كان السائل الأول عاجزا عن الحج ولم يكن له والدان فكان الأفضل بحسب حاله الصلاة ، والثاني كان له والدان محتاجان إلى بره فكان الأفضل له ذلك ، وكذا الثالث.

١٠٤

خير من عشرين صلاة نافلة ومن طاف بهذا البيت طوافا أحصى فيه أسبوعه وأحسن ركعتيه غفر الله له وقال في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال قلت فما ذا يتبعه قال الصوم

______________________________________________________

السادس : أن يقال : لكل منهما جهة فضل ليس ذلك للآخر ولا يغني شيء منهما من الآخر فإنه إذا كانت الصلاة أفضل الأعمال لا يغني عن الصوم لأن له تأثيرا في الإيمان وكما له ليس في الصلاة كما أن الأغذية البدنية كالخبز والماء لا يغني شيء منهما عن الآخر فصح أن يقال صلاة واحدة خير من عشرين حجة لأنه يترتب على الصلاة الواحدة أثر لا يترتب ذلك على عشرين حجة ، وصح العكس أيضا إذ يؤثر الحج الواحد في النفس أثرا لا يؤثر عشرون صلاة مثله ، وقد بسطنا القول في ذلك في كتابنا الكبير.

وأما حديث أفضل الأعمال أحمزها على تقدير تسليم صحته المراد به أن أفضل كل نوع من العمل أحمز ذلك النوع كالوضوء في البرد وفي الحر ، والحج ماشيا وراكبا والصوم في الصيف والشتاء وأشباهها ، وما قيل : من أن الصلاة مع مقدماتها من معرفة آدابها وتحصيل المسائل المتعلقة بها أحمز من الحج فهو ضعيف فإن للحج أيضا مسائل كثيرة لا يمكن تحصيلها في سنين متطاولة.

وهيهنا إشكال آخر وهو أن الحج مشتمل على الصلاة أيضا ، وإن كان مندوبا فالصلاة فيه فرض فما معنى تفضيل الصلاة الفريضة على عشرين حجة.

وأجيب عنه بأن المراد الحج بلا صلاة ، واعترض عليه بأن الحج بلا صلاة باطل فلا فضل له ، فكيف يفضل عليه الصلاة؟ والجواب أن المراد الحج مع قطع النظر عن الصلاة وثوابها ، لا الحج الذي لم تكن معه صلاة ، وهذا الإشكال ينحل بكثير من الأجوبة المتقدمة عن الإشكال الأول لا سيما تخصيص الصلاة بالفرائض اليومية فلا تغفل.

قوله : أحصى فيه أسبوعه ، أي حفظها من غير زيادة ولا نقصان ولا سهو ولا شك« وأحسن ركعتيه » أي يفعلهما في وقتهما ومكانهما مع رعاية الشرائط والكيفيات

١٠٥

قلت وما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصوم جنة من النار قال ثم قال إن أفضل الأشياء ما إذا فاتك لم تكن منه توبة دون أن ترجع إليه فتؤديه بعينه إن الصلاة والزكاة والحج والولاية ليس يقع شيء

______________________________________________________

والآداب المرعية فيهما« وقال في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال » أشار بذلك إلى ما جاء في ثواب عبادة اليومين وفضل الوقوف بالمشعرين أو فضل الحج وكونه سببا لحط السيئات ورفع الدرجات ،قوله : فما ذا يتبعه ، وفي بعض النسخ : بما ذا يتبعه أي الرب أو المكلف ، ولا يخفى أن هذا السؤال لا فائدة فيه لأنه مع ذكر الصوم أولا في الأعمال المعدودة وتفضيل ما سواه علم أن الصوم بعدها إلا أن يكون ذلك تمهيدا للسؤال الثاني أو يقال : لما لم يكن كلامهعليه‌السلام أولا صريحا في كون تلك الأعمال أفضل من غيرها فهذا السؤال لاستعلام أنه هل بين الصوم والحج عمل يكون أفضل منه.

قوله : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في بعض النسخ وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكون من كلام الراوي ، أي كيف يكون مؤخرا عنها وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ذلك وعلى النسخة الأخرى لعله إنما ذكرعليه‌السلام حديثا في فضل الصوم رفعا لما عسى أن يتوهم السائل أنه مما لا فضل فيه ، أو أنه قليل الأجر وكونه جنة من النار لأن أعظم أسباب النار هو الشهوات ، والصوم يكسرها ، والظرف متعلق بجنة لتضمنه معنى الوقاية أو السر أو التبعيد ، وفي النهاية فيه :الصوم جنة أي نفي صاحبه مما يؤذيه من الشهوات ، والجنة الوقاية ثم ذكرعليه‌السلام للفضل قاعدة كلية وهو أن الأفضل ما لم يقم شيء آخر مقامه.

وكان المرادبالتوبة هنا المعنى اللغوي أي الرجوع ، أو أطلقت على ما ينوب مناب الشيء مجازا أو أنهعليه‌السلام لما أطلق الذنب على الشرك وإن كان لعذر أطلق على ما يتداركه التوبة.قوله : أو قصرت ، يعني في شيء من شرائطه أو أركانه ، والحاصل أنهعليه‌السلام أشار إلى أقسام الفوت وأحكامه إجمالا ، لأن الفوت إما للعذر مثل المرض

١٠٦

مكانها دون أدائها وإن الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أديت مكانه أياما غيرها وجزيت ذلك الذنب بصدقة ولا قضاء عليك وليس من تلك الأربعة شيء يجزيك مكانه غيره قال ثم قال ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته إن الله عز وجل يقول : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ

______________________________________________________

وغيره أو التقصير أو التعمد في تركه ، أو السفر وشبهه ، واللازم إما القضاء فقط أو الكفارة فقط أو هما معا أو لا هذا ذاك ، وتفصيله في كتب الفروع ، والغرض بيان الفرق بين الصوم والأربعة الباقية بأن الأربعة لا تسقط مع الاستطاعة والصوم يسقط في السفر مع القدرة عليه ، وذكر السفر على المثال ، ويمكن أن يكون عدم ذكر المرض لأنه قد ينتهي إلى حال لا يقدر على الصوم فيه. ومع السقوط في السفر يؤدي مكانه أياما ، وقد يسقط القضاء أيضا كما إذا استمر مرضه إلى رمضان آخر.

وكان فيه دلالة على بطلان قول من قال أن فاقد الطهورين تسقط عنه الصلاة أداء وقضاء ويحتمل أن يكون ذكر الشق الأول استطرادا ويكون الغرض أن الصوم إذا فات قد يجب قضاؤه وقد لا يجب ويسقط أصلا ، بخلاف الأربعة فإنها لا تسقط بحيث لا يجب قضاؤها ، فقوله : وجزيت مقابل لقوله أديت أي وقد يكون كذلك.

فإن قلت : صلاة الحائض أيضا ليس لها قضاء؟ قلت : هناك لم يتعلق الوجوب بها أصلا لا أداء ولا قضاء ولا بدلا ، وهيهنا عوض عن الصوم بشيء ، فيدل على أن للصوم عوضا يقوم مقامه.

وذروة الشيء بالضم والكسر أعلاه ، وسنام البعير كسحاب معروف ويستعار لأرفع الأشياء ، والمراد بالأمر الدين ، وبطاعة الإمام انقياده في كل أمر ونهي ، ولما كان معرفة الإمام مع طاعته مستلزم لمعرفة سائر أصول الدين وفروعه فهي كأنها أرفع أجزائه ، وكالسنام بالنسبة إلى سائر أجزاء البعير ، وكالمفتاح الذي يفتح به جميع الأمور المغلقة ، والمسائل المشكلة وكالباب لقرب الحق سبحانه ، وللوصول إلى مدينة علم

١٠٧

اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً »(١) أما لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله جل وعز حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان ثم قال أولئك المحسن منهم يدخله الله الجنة بفضل رحمته.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيسى بن السري أبي اليسع قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع

______________________________________________________

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وتوجب رضا الرحمن ، ولا يحصل إلا بها.

والضمير فيقوله : بعد معرفته راجع إلى الإمام ، ويحتمل رجوعه إلى الله والاستشهاد بالآية لجميع ما ذكر أو للأخير إما مبني على أن الآية إنما نزلت في ولاية الأئمةعليهم‌السلام ، أو على أن طاعة الإمام هي بعينها طاعة الرسول إما لأنه أمر بطاعته أو أنه نائب منابه ، فحكمه حكم المنوب عنه وقيل : لأن الرسول في الآية شامل للإمام وهو بعيد.

قوله عليه‌السلام : ما كان له على الله حق في ثوابه ، لأنه لا تشمله آيات الوعد لأنه إنما وعد المؤمنين الثواب بالجنة وهو ليس من المؤمنين فلا يستحق الثواب بمقتضى الوعد أيضا وإن كان المؤمنون المحسنون أيضا لا يستحقون الثواب بأصل أعمالهم ، لكن يجب على الله إثابتهم بمقتضى وعده.

قوله عليه‌السلام : أولئك المحسن منهم ، الظاهر أنه إشارة إلى المخالفين ، والمراد بهم المستضعفون فإنهم مرجون لأمر الله ، ولذا قال :بفضل رحمته في مقابلة قوله : ما كان له على الله حق ، والحاصل أن المؤمنين لهم على الله حق لوعده ، والمستضعفون ليس لهم على الله حق لأنه لم يعدهم الثواب بل قال : إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ، فإن أدخلهم الجنة فبمحض فضله ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى المؤمنين العارفين أي إنما يدخل المؤمنين الجنة وإدخالهم أيضا بفضله لا باستحقاقهم والأول أظهر.

الحديث السادس : صحيح بسنديه.

__________________

(١) سورة النساء : ٨٠.

١٠٨

أحدا التقصير عن معرفة شيء منها الذي من قصر عن معرفة شيء منها فسد دينه ولم يقبل [ الله ] منه عمله ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه عمله ولم يضق به مما هو فيه لجهل شيء من الأمور جهله فقال شهادة أن لا إله إلا الله والإيمان بأن محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والإقرار بما جاء به من عند الله وحق في الأموال الزكاة

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : ولم يضق به ، الباء للتعدية ومن فيقوله مما هو فيه ، للتبعيض وهو مع مدخولة فاعل لم يضق أي لم يضيق عليه شيء مما هو فيه ، ويمكن أن يقرأ لجهل بالتنوين ، وشيء بالرفع ، فشيء فاعل لم يضيق ، وفي بعض النسخ « فيما » مكان « مما » فلعل الأخير فيه متعين ، وفي بعض النسخ ولم يضر به فيمكن أن يقرأ على بناء المجهول ، و« جهله » فعل ماض ومن في مما صلة الضرر ، أو على بناء الفاعل وجهله على المصدر فاعله ، و « من » ابتدائية يقال : ضره وضربه ، وفي تفسير العياشي ولم يضره ما هو فيه بجهل شيء من الأمور إن جهله ، وقيل : يعني لم يضق أو لم يضر به من أجل ما هو فيه من معرفة دعائم الإسلام والعمل بها جهل شيء جهله من الأمور التي ليست هي من الدعائم ، فقوله : مما هو فيه ، تعليل لعدم الضيق أو الضرر وقوله : لجهل شيء تعليل للضيق أو الضرر ، وقوله : جهله صفة لشيء ، وقوله : من الأمور عبارة عن غير الدعائم من شعائر الإسلام ، انتهى. ولا يخفى ما فيه.

« وحق في الأموال » أما مجرور بالعطف علي ما جاء والزكاة بدله ويكون تخصيصا بعد التعميم ، وربما يخص ما جاء بالصلاة والزكاة وسائر الأخبار المتقدمة وهو بعيد ، وإما مرفوع بالخبرية للزكاة والزكاة مبتدأ ، ويمكن أن يقرأ حق على بناء الماضي المجهول ، وعلى التقديرين الجملة معترضة للتأكيد والتبيين وإنما لم يذكر الصلاة لظهور أمرها فاكتفى عنها بما جاء به ، وأما رفعه بالعطف على الشهادة كما قيل فهو بعيد ، لأنهعليه‌السلام لم يتعرض فيه لسائر العبادات بل اقتصر فيه على الاعتقادات ، وقيل : أرادعليه‌السلام بالولاية المأمور بها من الله بالكسر الإمارة وأولوية التصرف ، وبالأمر بها ما ورد فيها من الكتاب والسنة كالآية المذكورة في

١٠٩

والولاية التي أمر الله عز وجل بها ولاية آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله قال فقلت له هل في الولاية شيء دون شيء فضل يعرف لمن أخذ به قال نعم قال الله عز وجل : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(١) وقال رسول الله

______________________________________________________

هذا الحديث ، وكآية «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ » وحديث الغدير وغير ذلك ، أقول : بل الولاية بالفتح بمعنى المحبة والنصرة والطاعة واعتقاد الإمامة هنا أنسب كما لا يخفى.

قوله : هل في الولاية شيء دون شيء ، أقول : هذا الكلام يحتمل وجهين : أحدهما أن يكون المراد هل في الإمامة شرط مخصوص وفضل معلوم يكون في رجل خاص من آل محمد بعينه يقتضي أن يكون هو ولي الأمر دون غيره يعرف هذا الفضل لمن أخذ به أي بذلك الفضل وادعاه وادعى الإمامة فيكون من أخذ به الإمام أو يكون معروفا لمن أخذ وتمسك به وتابع إماما بسببه ، ويكون حجته على ذلك فالمراد بالموصول الموالي للإمام.

الثاني : أن يكون المراد به هل في الولاية دليل خاص يدل على وجوبها ولزومها فضل أي فضل بيان وحجة وربما يقرأ بالصاد المهملة أي برهان فاصل قاطع يعرف هذا البرهان لمن أخذ به أي بذلك البرهان ، والأخذ يحتمل الوجهين ، ولكل من الوجهين شاهد فيما سيأتي ، ويمكن الجمع بين الوجهين بأن يكون قوله شيء دون شيء إشارة إلى الدليل ، وقوله : فضل إشارة إلى شرائط الإمامة وإن كان بعيدا وحاصل جوابه أنه لما أمر الله بطاعة أولي الأمر مقرونة بطاعة الرسول وبطاعته فيجب طاعتهم ولا بد من معرفتهم ، وقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات ولم يعرف إمام زمانه ، أي من يجب أن يقتدى به في زمانه ،مات ميتة جاهلية ، والميتة بالكسر مصدر للنوع أو كموت أهل الجاهلية على الكفر والضلال ، فدل على أن لكل زمان إماما لا بد من معرفته ومتابعته.

__________________

(١) سورة النساء : ٥٩.

١١٠

صلى‌الله‌عليه‌وآله من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان علياعليه‌السلام وقال الآخرون كان معاوية ثم كان الحسنعليه‌السلام ثم كان الحسينعليه‌السلام وقال الآخرون ـ يزيد بن معاوية وحسين بن علي ولا سواء ولا سواء قال ثم سكت ثم قال أزيدك فقال له حكم الأعور نعم جعلت فداك قال ثم كان علي بن الحسين ثم كان محمد بن علي أبا جعفر وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا

______________________________________________________

« وكان رسول الله » أي كان من تجب طاعته في زمن الرسول هوصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا ، وقال آخرون مكانه معاوية ، وإنما لم يذكر الغاصبين الثلاثة ـ تقية وإشعارا بأن القول بخلافتهم بالبيعة يستلزم القول بخلافة مثل معاوية فاسق جاهل كافر ، وبالجملة لما كان هذا أشنع خصه بالذكر مع أن بطلان خلافته يستلزم بطلان خلافتهم.

« ثم كان الحسن » أي في زمان المعاوية أيضا ،ثم كان الإمام الحسين في بعض زمن معاوية وبعض زمن يزيد عليهما اللعنة ، وحسين بن علي ثانيا كأنه زيد من الرواة أو النساخ ، ويؤيده عدم التكرار في رواية الكشي ، ويحتمل أن يكون جملة حالية بحذف الخبر أي وحسين بن علي حي ، وقد يقرأ حسين بالتنوين فيكون ابن علي خبرا أو يكون ذكره أولا لمقابلتهعليه‌السلام بمعاوية وثانيا لمقابلته بيزيد ، فالمعنىوقال : آخرون : يزيد بن معاوية والحسين معارضان ، أو الواو بمعنى مع« ولا سواء » خبر مبتدإ محذوف ، وفي بعض النسخ مكرر ثلاث مرات ، أي على ومعاوية لا سواء ، وحسن ومعاوية لا سواء وحسين ويزيد لا سواء.

والحاصل أن الأمر أوضح من أن يشتبه على أحد فإنه لا يريب عاقل في أنه إذا كان لا بد من إمام وتردد الأمر بين علي ومعاوية فعلي أولى بالإمامة ،« وكان »

١١١

يحتاجون إلى الناس وهكذا يكون الأمر ـ والأرض لا تكون إلا بإمام ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية وأحوج ما تكون إلى ما أنت عليه إذ بلغت نفسك هذه وأهوى بيده إلى حلقه وانقطعت عنك الدنيا تقول لقد كنت على أمر حسن.

أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن عيسى بن السري أبي اليسع ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن مثنى الحناط ، عن عبد الله بن عجلان ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال بني الإسلام على خمس الولاية والصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن أبان ، عن فضيل ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال بني الإسلام على خمس الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير.

______________________________________________________

في الكل ناقصة لقوله عليا وأبا جعفر ومن قال نصب أبا جعفر بتقدير أعني غفل عن ذلك ، ولكن في قوله : وكانت الشيعة ، وقوله أن يكون أبو جعفر ، وقوله حتى كان أبو جعفر تامة ، والمراد بالكون في الأخيرين ظهور أمره ورجوع الناس إليه ، وقيل : كانت ناقصة والظرف خبره ، والمراد بالناس في الموضعين علماء المخالفين ورواتهم.

« وهكذا يكون الأمر » أي هكذا يكون أمر الإمامة دائما مرددا بين معصوم من أهل البيت بين فضله وورعه وعصمته ، وجاهل فاسق بين الجهالة والفسق من خلفاء الجور« والأرض لا تكون إلا بإمام معصوم » عالم بجميع ما يحتاج إليه الأمة ، ومن لم يعرفه مات ميتة جاهلية ، وأحوج مبتدأ مضاف إلى ما ، وهي مصدرية وتكون تامة ونسبة الحاجة إلى المصدر مجاز ، والمقصود نسبة الحاجة إلى فاعل المصدر باعتبار بعض أحوال وجوده وإلى متعلق بأحوج و« ما » موصولة وعبارة عن التصديق بالولايةوإذا ، ظرف وهو خبر أحوج ،« أومأ » كلام الراوي وقع بين كلامهعليه‌السلام .

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

الحديث الثامن : مجهول.

١١٢

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن حماد بن عثمان ، عن عيسى بن السري قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام حدثني عما بنيت عليه دعائم الإسلام إذا أنا أخذت بها زكى عملي ولم يضرني جهل ما جهلت بعده فقال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والإقرار بما جاء به من عند الله وحق في الأموال من الزكاة والولاية التي أمر الله عز وجل بها ولاية آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية قال الله عز وجل : «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(١) فكان عليعليه‌السلام ثم صار من بعده الحسن

______________________________________________________

الحديث التاسع : صحيح وهو مختصر من الحديث السادس والراوي واحد.

وقال أبو الفتح الكراجكيقدس‌سره في كنز الفوائد : جاء في الحديث من طريق العامة عن عبد الله بن عمر : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من مات وليس في عنقه بيعة لإمام ، أو ليس في عنقه عهد لإماممات ميتة جاهلية ، وروى كثير منهم أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، وهذان الخبران يطابقان المعنى في قول الله تعالى : «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً »(٢) .

فإن قال الخصوم : إن الإمام هيهنا هو الكتاب؟ قيل لهم : هذا انصراف عن ظاهر القرآن بغير حجة توجب ذلك ولا برهان ، لأن ظاهر التلاوة يفيد أن الإمام في الحقيقة هو المقدم في الفعل والمطاع في الأمر والنهي ، وليس يوصف بهذا الكتاب إلا أن يكون على سبيل الاتساع والمجاز ، والمصير إلى الظاهر من حقيقة الكلام أولى ، إلا أن يدعو إلى الانصراف عنه الاضطرار ، وأيضا فإن أحد الخبرين يتضمن ذكر البيعة والعهد للإمام ونحن نعلم أن لا بيعة للكتاب في أعناق الناس ، ولا معنى لأن يكون له عهد في الرقاب ، فعلم أن قولكم في الإمام أنه الكتاب غير صواب.

__________________

(١) سورة النساء : ٥٩.

(٢) سورة الإسراء : ٧١.

١١٣

ثم من بعده الحسين ثم من بعده علي بن الحسين ثم من بعده محمد بن علي ثم هكذا يكون الأمر إن الأرض لا تصلح إلا بإمام ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية وأحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفسه هاهنا قال وأهوى بيده إلى صدره يقول حينئذ لقد كنت على أمر حسن.

١٠ ـ عنه ، عن أبي الجارود قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام يا ابن رسول الله هل تعرف مودتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاتي إياكم قال فقال نعم قال ـ فقلت فإني أسألك مسألة تجيبني فيها فإني مكفوف البصر قليل المشي ولا أستطيع زيارتكم كل حين قال هات حاجتك قلت أخبرني بدينك الذي تدين الله عز وجل به أنت وأهل بيتك لأدين الله عز وجل به قال إن كنت أقصرت الخطبة فقد أعظمت المسألة والله لأعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين الله عز وجل به شهادة أن

______________________________________________________

فإن قالوا : ما تنكرون أن يكون الإمام المذكور في الآية هو الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قيل لهم : إن الرسول قد فارق الأمة بالوفاة ، وفي أحد الخبرين أنه إمام الزمان ، وهذا يقتضي أنه حي ناطق موجود في الزمان فأما من مضي بالوفاة فليس يقال أنه إمام وإلا لكان إبراهيمعليه‌السلام إمام زماننا ، إلى آخر ما قالرحمه‌الله .

الحديث العاشر : ضعيف.

وضميرعنه كأنه راجع إلى عيسى بن السري« إن كنت أقصرت الخطبة » الظاهر أن الخطبة بضم الخاء أي ما يتقدم من الكلام المناسب قبل إظهار المطلوب ، وكأنهعليه‌السلام عد خطبة قصيرة مع طولها إعظاما للمسألة وإيذانا بأن هذا المقصود الجليل يستدعي أطول من ذلك من الخطبة ، وقيل : إقصاره إياها اكتفاؤه بالاستفهام من غير بيان وإعلام ، ومنهم من قرأ الخطبة بالكسر مستعارة من خطبة النساء وهو تكلف.

قال في النهاية في الحديث أن أعرابيا جاءه فقال : علمني عملا يدخلني الجنة ، فقال : لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة ، أي جئت بالخطبة قصيرة وبالمسألة عريضة ، يعني قللت الخطبة وأعظمت المسألة.

١١٤

لا إله إلا الله وأن محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والإقرار بما جاء به من عند الله والولاية لولينا والبراءة من عدونا والتسليم لأمرنا وانتظار قائمنا والاجتهاد والورع.

١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال سمعته يسأل أبا عبد اللهعليه‌السلام فقال له جعلت فداك أخبرني عن الدين الذي افترض الله عز وجل على العباد ما لا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره ما هو فقال أعد علي فأعاد عليه فقال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة و «حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ

______________________________________________________

« والتسليم لأمرنا » أي الرضا قلبا بما يصدر عنهم قولا وفعلا من اختيارهم المهادنة أو القتال أو الظهور أو الغيبة وسائر ما يصدر عنهم مما يعجز العقول عن إدراكه والأفهام عن استنباط علته كما قال تعالى : «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً »(١) والاجتهاد بذل الجهد في الطاعات ، والورع الاجتناب عن المعاصي بل الشبهات والمكروهات.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور.

قوله : « ما لا يسعهم » عطف بيان للدين أو مبتدأ« وما هو » خبره ،قوله : أعد علي كان الأمر بالإعادة لسماع الحاضرين وإقبالهم إليه أو لإظهار حسن الكلام والتلذذ بسماعه وكأنه يدخل في شهادة التوحيد كلما يتعلق بمعرفة الله من صفات فعله وفي شهادة الرسالة ما يتعلق بمعرفة الأنبياء وصفاتهم ، وكذا الإقرار بالمعاد داخل في الأولى أو في الثانية لأخبار النبي بذلك ،« وإقام الصلاة » حذفت التاء للاختصار ، وقيل : المراد بإقامتها إدامتها ، وقيل : فعلها على ما ينبغي ، وقيل : فعلها في أفضل أوقاتها وقيل : جاء على عرف القرآن في التعبير من فعل الصلاة بلفظ الإقامة دون أخواتها ، وذلك لما اختصت به من كثرة ما يتوقف عليه من الشرائط والفرائض والسنن والفضائل ، وإقامتها إدامة فعلها مستوفاة جميع ذلك.

__________________

(١) سورة النساء : ٦٥.

١١٥

إِلَيْهِ سَبِيلاً » وصوم شهر رمضان ثم سكت قليلا ثم قال والولاية مرتين ثم قال هذا الذي فرض الله على العباد ولا يسأل الرب العباد يوم القيامة فيقول ألا زدتني على ما افترضت عليك ولكن من زاد زاده الله إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سن سننا حسنة جميلة ينبغي للناس الأخذ بها.

١٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبي زيد الحلال ، عن عبد الحميد بن أبي العلاء الأزدي قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن الله عز وجل فرض على خلقه خمسا فرخص في أربع ولم يرخص

______________________________________________________

أقول : ويمكن أن يكون ذكر الإقامة لتشبيه الصلاة من الإيمان بمنزلة العمود من الفسطاط كما ورد في الخبر ، وإنما لم يذكر الجهاد لأنه لا يجب إلا مع الإمام فهو تابع للولاية مندرج تحتها ، أو لعدم تحقق شرط وجوبه في ذلك الزمانقوله : مرتين أي كرر الولاية تأكيدا.

قوله عليه‌السلام : هذا الذي فرض الله على العباد أي علم فرضها ضرورة من الدين« فيقول ألا زدتني » بالتشديد حرف تحضيض ، وإذا دخل على الماضي يكون للتعبير والتنديم ، وكان المعنى أنه لا يسأل عن شيء سوى هذه من جنسها ، كما أنه من أتى بالصلوات الخمس لا يسأل الله عن النوافل ومن أتى بالزكاة الواجبة لا يسأل عن الصدقات المستحبة وهكذا.

الحديث الثاني عشر : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : فرخص في أربع كالتقصير في الصلاة في السفر وتأخيرها عن وقت الفضيلة مع العذر ، وترك كثير من واجباتها في بعض الأحيان ، أو سقوط الصلاة عن الحائض والنفساء ، وعن فاقد الطهورين أيضا إن قلنا به ، والزكاة عمن لم يبلغ ماله النصاب أو لم يحل عليه الحول ، أو لم يتمكن من التصرف فيه أو فقد سائر الشرائط ، والحج عمن لم يستطع أو لم يخل سر به وأشباه ذلك ، والصوم عن المسافر أو الشيخ الكبير أو ذي العطاش وأمثالهم ، بخلاف الولاية فإنها مع بقاء التكليف لا يسقط

١١٦

في واحدة.

١٣ ـ عنه ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان ، عن إسماعيل الجعفي قال دخل رجل على أبي جعفرعليه‌السلام ومعه صحيفة فقال له أبو جعفرعليه‌السلام هذه صحيفة مخاصم يسأل عن الدين الذي يقبل فيه العمل فقال رحمك الله هذا الذي أريد فقال أبو جعفرعليه‌السلام شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله وتقر بما جاء من عند الله والولاية لنا أهل البيت والبراءة من عدونا والتسليم لأمرنا والورع والتواضع وانتظار قائمنا فإن لنا دولة إذا شاء الله جاء بها.

١٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار جميعا ، عن صفوان ، عن عمرو بن حريث قال دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام وهو في منزل أخيه عبد الله بن محمد فقلت له جعلت فداك ما حولك إلى هذا المنزل قال طلب النزهة فقلت جعلت فداك ألا أقص عليك ديني فقال بلى قلت أدين الله بشهادة

______________________________________________________

وجوبها في حال من الأحوال ، ويحتمل أن يراد بالرخصة أنه لا ينتهي تركها إلى حد الكفر والخلود في النار ، بخلاف الولاية فإن تركها كفر والأول أظهر.

الحديث الثالث عشر : ضعيف على المشهور.

« صحيفة مخاصم » أي مناظر مجادل سائل وفي بعض النسخ سئل أي فيها ، ويحتمل على هذه النسخة أن يكون مخاصم اسم رجل ، وقيل في بعض النسخ : سل فعل أمر يعني لا تناظرني بل سل من غير تعنت وهو أوضح ، انتهى.

وأقول : ما رأيت هذه النسخة وفي وضوحه خفاء« وتقر » أي وإن تقر« والورع » أي عن محارم الله« والتواضع » أي لله ولأوليائه أو الأعم وانتظار القائمعليه‌السلام يتضمن العلم بوجوده وظهوره وعدم الشك فيه والتسليم لغيبته والصبر على ما يلقاه من الأذى فيها والتمسك بما في يده من آثارهم والرجوع إلى رواة أخبارهمعليه‌السلام .

الحديث الرابع عشر : صحيح.

وفي القاموس : التنزه التباعد ، والاسمالنزهة بالضم ، ومكان نزه ككتف و

١١٧

أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله «وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ » وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت والولاية لعلي أمير المؤمنين بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والولاية للحسن والحسين والولاية لعلي بن الحسين والولاية لمحمد بن علي ولك من بعده صلوات الله عليهم أجمعين وأنكم أئمتي عليه أحيا وعليه أموت وأدين الله به فقال يا عمرو هذا والله دين الله ودين آبائي الذي أدين الله به في السر والعلانية فاتق الله وكف لسانك إلا من خير ولا تقل إني هديت نفسي بل الله هداك فأد شكر ما أنعم

______________________________________________________

نزيه ، وأرض نزهة بكسر الزاي ونزيهة بعيدة عن الريف وعمق المياه وذبان القرى وومد البحار ، وفساد الهواء ، نزه ككرم وضرب نزاهة ونزاهية والرجل تباعد عن كل مكروه فهو نزيه ، واستعمال التنزه في الخروج إلى البساتين والخضر والرياض غلط قبيح ، وهو بنزهة من الماء بالضم ببعد ، انتهى.

وأقول : كفى باستعماله في هذا المعنى ظاهرا شاهدا على صحته بل فصاحته وإن أمكن حمله على بعض المعاني التي صححها مع أنهمعليهم‌السلام قد كانوا يتكلمون بعرف المخاطبين ومصطلحاتهم تقريبا إلى إفهامهم.

وقال في المصباح قال ابن قتيبة : ذهب أهل العلم في قول الناس خرجوا يتنزهون إلى البساتين أنه غلط وهو عندي ليس بغلط لأن البساتين في كل بلد إنما تكون خارج البلد فإذا أراد أحد أن يأتيها فقد أراد البعد عن المنازل والبيوت ، ثم كثر هذا حتى استعملت النزهة في الخضر والجنان.

قوله : أدين الله أي أعبد الله وأطيعه بتلك العقائد والأعمال في السر والعلانية أي بالقلب واللسان والجوارح أو في الخلوة والمجامع مع عدم التقية.

« وكف لسانك » تخصيص اللسان بالذكر بعد الأمر بالتقوى مطلقا لكون أكثر الشرور منه « ولا تقل إني هديت نفسي » أي لا تفسد دينك بالعجب ، واعلم

١١٨

الله عز وجل به عليك ولا تكن ممن إذا أقبل طعن في عينه وإذا أدبر طعن في قفاه ولا تحمل الناس على كاهلك فإنك أوشك إن حملت الناس على كاهلك أن يصدعوا شعب كاهلك.

١٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ألا أخبرك بالإسلام أصله وفرعه

______________________________________________________

أن الهداية من الله سبحانه ، وهو نهي عن القول بالتفويض المطلق وإنكار مدخلية هداية الله وتوفيقه وخذلانه في الفعل والترك كما مر تحقيقه« ولا تكن ممن إذا أقبل » أي كن من الأخيار ليمدحك الناس في وجهك وقفاك ولا تكن من الأشرار الذين يذمهم الناس في حضورهم وغيبتهم أو أمر بالتقية من المخالفين أو حسن المعاشرة مطلقا.

« ولا تحمل الناس على كاهلك » أي لا تسلط الناس على نفسك بترك التقية أو لا تحملهم على نفسك بكثرة المداهنة والمداراة معهم بحيث تتضرر بذلك ، كان يضمن لهم ويتحمل عنهم ما لا يطيق أو يطعمهم في أن يحكم بخلاف الحق أو يوافقهم فيما لا يحل ، وهذا أفيد وإن كان الأول أظهر ، وقال الفيروزآبادي : الكاهل كصاحب : الحارك ، أو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق وهو الثلث الأعلى وفيه ست فقرا ، وما بين الكتفين أو موصل العنق في الصلب ، وقال :الصدع الشق في شيء صلب ، وقال :الشعب بالتحريك بعد ما بين المنكبين.

الحديث الخامس عشر : صحيح.

قوله عليه‌السلام : ذروة سنامه ، الإضافة بيانية أو لامية إذ للسنام الذي هو ذروة البعير ذروة أيضا هي أرفع أجزائه ، وإنما صارت الصلاة أصل الإسلام لأنها بدونها لا يثبت على ساق ، والزكاة فرعه لأنه بدونها لا تتم وقيل : لأنها بدونه لا تصح ولا تقبل ، والجهاد ذروة سنامه لأنه سبب لعلو الإسلام وارتفاعه ، وقيل : لأنه فوق كل بر كما ورد في الخبر ، وذكر من أبواب الخير ثلاثة : أحدها :الصوم

١١٩

وذروة سنامه قلت بلى جعلت فداك قال أما أصله فالصلاة وفرعه الزكاة وذروة سنامه الجهاد ثم قال إن شئت أخبرتك بأبواب الخير قلت نعم جعلت فداك قال الصوم جنة من النار والصدقة تذهب بالخطيئة وقيام الرجل في جوف الليل بذكر الله ثم قرأعليه‌السلام : «تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ »(١) .

باب

أن الإسلام يحقن به الدم وتؤدى به الأمانة وأن الثواب على الإيمان

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحكم بن أيمن

______________________________________________________

أي الواجب أو الأعم لأنه جنة من النار ومما يؤدي إليها من الشهوات ، وثانيها :الصدقة الواجبة أو الأعم فإنها تكفر الخطايا وتذهبها ، وثالثها :صلاة الليل لمدحه تعالى فاعلهابقوله : «تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ » حيث حصر الإيمان فيهم أولا ثم مدحهم بما مدحهم به ، ثم عظم وأبهم جزاءهم حيث قال : «إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ، تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » ويحتمل أن يكون المراد بأبواب الخير الصوم فقط ، فيكون ذكر ما بعده تبرعا ، والأول أظهر.

باب أن الإسلام يحقن به الدم وأن الثواب على الإيمان

يقال : حقن دم فلان أي أنقذه من القتل.

الحديث الأول : مجهول بل حسن.

ويدل على عدم ترادف الإيمان والإسلام وأن غير المؤمن من فرق أهل الإسلام لا يستحق الثواب الأخروي أصلا كما هو الحق والمشهور بين الإمامية

__________________

(١) سورة السجدة : ١٦.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378