مرآة العقول الجزء ٧

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الحديث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 379

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الحديث
تصنيف: الصفحات: 379
المشاهدات: 16908
تحميل: 8203


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 379 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16908 / تحميل: 8203
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دار الحديث
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إِلَيْهِ سَبِيلاً وصوم شهر رمضان ، ثمَّ سكت قليلاً ثمَّ قال والولاية مرتين ثمَّ قال هذا الذي فرض الله على العباد ولا يسأل الربِّ العباد يوم القيامة فيقول إلّا زدتني على ما افترضت عليك ؟ ولكن من زاد زاده الله إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سنّ سنناً حسنة جميلة ينبغي للنّاس الأخذ بها.

١٢ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن فضالة بن أيّوب ، عن أبي زيد الحلال ، عن عبد الحميد بن أبي العلاء الأزدي قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن الله عزّ وجلّ فرض على خلقه خمساً فرخّص في أربع ولم يرخّص

_____________________________________________

أقول : ويمكن أن يكون ذكر الإقامة لتشبيه الصلاة من الإيمان بمنزلة العمود من الفسطاط كما وردّ في الخبر ، وإنما لم يذكر الجهاد لأنه لا يجب إلّا مع الإمام فهو تابع للولاية مندرج تحتها ، أو لعدم تحقّق شرط وجوبه في ذلك الزمان قوله : مرتين أي كرر الولاية تأكيداً.

قولهعليه‌السلام : هذا الذي فرض الله على العباد أي علم فرضها ضرورة من الدين « فيقول إلّا زدتني» بالتشديد حرف تحضيض ، وإذا دخل على الماضي يكون للتعبير والتنديم ، وكان المعنى أنه لا يسأل عن شيء سوى هذه من جنسها ، كما أنّه من أتى بالصلوات الخمس لا يسأل الله عن النوافل ومن أتى بالزكاة الواجبة لا يسأل عن الصدقات المستحبّة وهكذا.

الحديث الثاني عشرّ : ضعيف.

قولهعليه‌السلام : فرخص في أربع كالتقصير في الصلاة في السفر وتأخيرها عن وقت الفضيلة مع العذر ، وترك كثير من واجباتها في بعض الأحيان ، أو سقوط الصلاة عن الحائض والنفساء ، وعن فاقد الطهورين أيضاً إن قلنا به ، والزكاة عمّن لم يبلغ ماله النصاب أو لم يحلّ عليه الحول ، أو لم يتمكّن من التصرف فيه أو فقد سائر الشرائط ، والحجّ عمّن لم يستطع أو لم يخل سر به وأشباه ذلك ، والصوم عن المسافر أو الشيخ الكبير أو ذي العطاش وأمثالهم ، بخلاف الولاية فإنّها مع بقاء التكليف لا يسقط

١٢١

في واحدة.

١٣ - عنه ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أبان ، عن إسماعيل الجعفي قال دخل رجل على أبي جعفرعليه‌السلام ومعه صحيفة فقال له أبو جعفرعليه‌السلام هذه صحيفة مخاصم يسأل عن الدّين الذّي يقبل فيه العمل فقال رحمك الله هذا الذي أريد فقال أبو جعفرعليه‌السلام شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله وتقر بما جاء من عند الله والولاية لنا أهل البيت والبراءة من عدوّنا والتسليم لأمرنا والورع والتواضع وانتظار قائمنا فإن لنا دولة إذا شاء الله جاء بها.

١٤ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وأبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار جميعاً ، عن صفوان ، عن عمرو بن حريث قال دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام وهو في منزل أخيه عبد الله بن محمّد فقلت له جعلت فداك ما حوَّلك إلى هذا المنزل ؟ قال : طلب النزهة فقلت جعلت فداك إلّا أقصّ عليك ديني ؟ فقال : بلى ، قلت : أدين الله بشهادة

_____________________________________________

وجوبها في حال من الأحوال ، ويحتمل أن يراد بالرخصة أنّه لا ينتهي تركها إلى حدّ الكفر والخلود في النّار ، بخلاف الولاية فإنّ تركها كفر والأوّل أظهر.

الحديث الثالث عشر : ضعيف على المشهور.

« صحيفة مخاصم » أي مناظر مجادلّ سائل وفي بعض النسخ سئل أي فيها ، ويحتمل على هذه النسخة أن يكون مخاصم اسم رجل ، وقيل في بعض النسخ : سل فعل أمر يعني لا تناظرني بل سل من غير تعنّت وهو أوضح ، انتهى.

وأقول : ما رأيت هذه النسخة وفي وضوحه خفاء « وتقرّ » أي وإن تقرّ « والورع » أي عن محارم الله « والتواضع » أي لله ولأوليائه أو الأعمّ وانتظار القائمعليه‌السلام يتضمّن العلم بوجوده وظهوره وعدم الشك فيه والتسليم لغيبته والصّبر على ما يلقاه من الأذى فيها والتمسك بما في يده من آثارهم والرجوع إلى رواة أخبارهمعليه‌السلام .

الحديث الرابع عشرّ : صحيح.

وفي القاموس : التنزّه التباعد ، والاسم النزهة بالضمّ ، ومكان نزه ككتف و

١٢٢

أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت والولاية لعليّ أمير المؤمنين بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والولاية للحسن والحسين والولاية لعليّ بن الحسين والولاية لمحمّد بن عليّ ولك من بعده صلوات الله عليهم أجمعين وأنّكم أئمّتي عليه أحيّاً وعليه أموت وأدين الله به فقال يا عمرو هذا والله دين الله ودين آبائي الذي أدين الله به في السرّ والعلانية فاتّق الله وكف لسانك إلّا من خير ولا تقل إنّي هديت نفسي بل الله هداك فأدّ شكر ما أنعم

_____________________________________________

نزيه ، وأرض نزهة بكسر الزاي ونزيهة بعيدة عن الريّف وعمق المياه وذبان القرى وومد البحار ، وفساد الهواء ، نزه ككرم وضربِّ نزاهة ونزاهية والرجل تباعد عن كلّ مكروه فهو نزيه ، واستعمال التنزّه في الخروج إلى البساتين والخضر والريّاض غلط قبيح ، وهو بنزهة من الماء بالضمّ ببعد ، انتهى.

وأقول : كفى باستعماله في هذا المعنى ظاهراً شاهداً على صحته بل فصاحته وإن أمكن حمله على بعض المعاني الّتي صحّحها مع أنّهمعليهم‌السلام قد كانوا يتكلّمون بعرف المخاطبيّن ومصطلحاتهم تقريبا إلى إفهامهم.

وقال في المصباح قال ابن قتيبة : ذهب أهل العلم في قول النّاس خرجوا يتنزّهون إلى البساتين أنّه غلط وهو عندي ليس بغلط لأن البساتين في كلّ بلد إنّما تكون خارج البلد فإذا أراد أحد أن يأتيها فقد أراد البعد عن المنازل والبيوت ، ثمَّ كثر هذا حتّى استعملت النزهة في الخضر والجنان.

قوله : أدين الله أي أعبد الله وأطيعه بتلك العقائد والأعمال في السرّ والعلانية أي بالقلب واللسان والجوارح أو في الخلوة والمجامع مع عدم التقيّة.

« وكفّ لسانك » تخصيص اللسان بالذكر بعد الأمر بالتقوى مطلقا لكون أكثر الشرور منه « ولا تقل إني هديت نفسي » أي لا تفسد دينك بالعجب ، واعلم

١٢٣

الله عزّ وجلّ به عليك ولا تكن ممّن إذا أقبل طعن في عينه وإذا أدبر طعن في قفاه ولا تحمل النّاس على كاهلك فإنّك أوشك إن حملت النّاس على كاهلك أن يصدعوا شعب كاهلك.

١٥ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إلّا أخبرك بالإسلام أصله وفرعه

_____________________________________________

أنّ الهداية من الله سبحانه ، وهو نهي عن القول بالتفويض المطلق وإنكار مدخلية هداية الله وتوفيقه وخذلانه في الفعل والترك كما مرّتحقيقه « ولا تكن ممّن إذا أقبل » أي كن من الأخيار ليمدحك النّاس في وجهك وقفاك ولا تكن من الأشرار الذين يذمهم النّاس في حضورهم وغيبتهم أو أمر بالتقيّة من المخالفين أو حسن المعاشرة مطلقا.

« ولا تحمل النّاس على كاهلك » أي لا تسلّط الناس على نفسك بترك التقيّة أو لا تحملهم على نفسك بكثرة المداهنة والمداراة معهم بحيث تتضرّر بذلك ، كان يضمن لهم ويتحمل عنهم ما لا يطيق أو يطعمهم في أن يحكم بخلاف الحقّ أو يوافقهم فيما لا يحلّ ، وهذا أفيد وإن كان الأوّل أظهر ، وقال الفيروزآبادي : الكاهل كصاحب : الحارك ، أو مقدم أعلى الظهر ممّا يلي العنق وهو الثلث الأعلى وفيه ست فقرا ، وما بيّن الكتفين أو موصل العنق في الصلب ، وقال : الصدع الشق في شيء صلب ، وقال : الشعب بالتحريك بعد ما بيّن المنكبين.

الحديث الخامس عشرّ : صحيح.

قولهعليه‌السلام : ذروة سنامه ، الإضافة بيانيّة أو لاميّة إذ للسنام الذي هو ذروة البعير ذروة أيضاً هي أرفع أجزائه ، وإنّما صارت الصلاة أصل الإسلام لأنّها بدونها لا يثبت على ساق ، والزكاة فرعه لأنه بدونها لا تتم وقيل : لأنّها بدونه لا تصحّ ولا تقبل ، والجهاد ذروة سنامه لأنّه سبب لعلوّ الإسلام وارتفاعه ، وقيل : لأنّه فوق كلّ برّ كما وردّ في الخبر ، وذكر من أبواب الخير ثلاثة : أحدها : الصوم

١٢٤

وذروة سنامه ؟ قلت : بلى جعلت فداك قال إمّا أصله فالصلاة وفرعه الزكاة وذروة سنامه الجهاد ثمَّ قال إن شئت أخبرتك بأبواب الخير ؟ قلت : نعم جعلت فداك قال الصوم جنة من النّار والصدقة تذهب بالخطيئة وقيام الرّجل في جوف اللّيل بذكر الله ثمَّ قرأعليه‌السلام : «تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ »(١) .

( باب )

( أن الإسلام يحقن به الدم [ وتؤدى به الأمانة ] وأن الثواب على الإيمان )

١ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحكم بن أيمن

_____________________________________________

أي الواجب أو الأعمّ لأنّه جنّة من النار ومما يؤدّي إليها من الشهوات ، وثانيها : الصدقة الواجبة أو الأعمّ فإنّها تكفّر الخطايا وتذهبها ، وثالثها : صلاة الليل لمدحه تعالى فاعلها بقوله : «تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ » حيث حصر الإيمان فيهم أولاً ثمَّ مدحهم بما مدحهم به ، ثمَّ عظم وأبهم جزاءهم حيث قال : «إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجدّاً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ، تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمعاً وَممّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » ويحتمل أن يكون المراد بأبواب الخير الصوم فقط ، فيكون ذكر ما بعده تبرّعاً ، والأوّل أظهر.

باب أن الإسلام يحقن به الدم وأن الثواب على الإيمان

يقال : حقن دم فلان أي أنقذه من القتل.

الحديث الأول : مجهول بل حسن.

ويدلّ على عدم ترادف الإيمان والإسلام وأن غير المؤمن من فرّق أهل الإسلام لا يستحقّ الثواب الأخروي أصلاً كما هو الحقّ والمشهور بيّن الإماميّة

__________________

(١) سورة السجدة : ١٦.

١٢٥

عن القاسم الصيرفي شريك المفضّل قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : الإسلام يحقن

_____________________________________________

وستعرف أن كلا من الإسلام والإيمان يطلق على معان ، وظاهر هذا الخبر أن المراد بالإيمان الإذعان بوجوده تعالى وصفاته الكماليّة وبالتوحيد والمعاد والإقرار بنبوّة نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإمامة الأئمّة الاثني عشرّ صلوات الله عليهم ، وبجميع ما جاء به النبيّ ما علم منها تفصيلا وما لم يعلم إجمالاً وعدم الإتيان بما يخرجه عن الدين كعبادة الضم ، والإسلام هو الإذعان الظاهري بالله وبرسوله وعدم إنكار ما علم ضرورة من دين الإسلام فلا يشترط فيه ولاية الأئمّةعليهم‌السلام ، ولا الإقرار القلبي فيدخل فيه المنافقون وجميع فرّق المسلمين ممّن يظهر الشهادتين عدا النواصبّ والغلاة والمجسمة ومن أتى بما يخرجه عن الدين كعبادة الصنم وإلقاء المصحف في القاذورات عمدا ونحو ذلك ، وسيأتي تفصيل القول في جميع ذلك إنشاء الله.

ثمَّ إنه ذكرعليه‌السلام من الثمرّات المترتبة على الإسلام ثلاثة :

الأوّل : حقن الدم ، قال في القاموس : حقنة يحقنه ويحقنه حبسه ، ودم الفلان أنقذه من القتل ، انتهى.

وترتب هذه الثمرة على الإسلام الظاهري ظاهر ، لأن في صدر الإسلام وزمن الرسول كانوا يكتفون في ترك قتل الكفّار بإظهارهم الشهادتين ، وبعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لـمّا حصلت الشبهة بيّن المسلمين واختلفوا في الإمامة فخرجت عن كونه من ضروريات الدين ، فدم المخالفين وسائر فرّق المسلمين محفوظة إلّا الخوارج والنواصبّ ، فإن ولاية أهل البيت ومحبتهم كانت من ضروريات الدين ، وإنّما الخلاف كان في إمامتهم ، والباغي على الإمام يجب قتله بنص القرآن ، وهذا الحكم إنّما هو إلى ظهور القائمعليه‌السلام إذ في ذلك الزمان ترتفع الشبهة ويظهر الحقّ بحيث لا يبقى لأحد عذر ، فحكم منكر الإمامة في ذلك الزمان حكم سائر الكفّار في وجوب قتلهم وغير ذلك.

وأمّا المنافقون المظهرون للعقائد الحقّة ظاهراً والمنكرون لها قلباً فيحتمل

١٢٦

به الدّم ، وتؤدّى به الأمانة وتستحلّ به الفروج ؛ والثواب على الإيمان

_____________________________________________

عدم قبول ذلك منهم ، لحكمهعليه‌السلام بعلمه في أكثر الأحكام ، ويحتمل قبوله منهم إلى أن يظهر منهم خلافه كما يظهر من أخبار دابة الأرض وأكثر الأخبار في ذلك مجملة.

الثاني : أداء الأمانة وظاهره عدم وجوب ردّ وديعة من لم يظهر الإسلام ، وهو خلاف المشهور وسائر الأخبار ، فإن المشهور بيّن الأصحاب وجوب ردّ الوديعة ولو كان المودع كافراً ، وقال أبو الصلاح : إن كان حربيا وجب أن يحتمل ما أودعه إلى سلطان الإسلام ، ويدلّ كثير من الأخبار على الأوّل ، فيمكن حمل الخبر على أن الردّ على المسلم آكد أو أنه ممّا يحكم به أهل الإسلام. أو المراد بالأمانة غير الوديعة ممّا حصل من أمواله في يد غيره ، أو المراد أن الإسلام يصير سبباً لأن يؤدي الأمانات إلى أهلها وفي الكلّ تكلّف ، والحمل على مذهب أبي الصلاح (ره) أيضاً يحتاج إلى تكلّف لأنه أيضاً يوجب ردّ أمانة الذمي ، فيمكن أن يقال : ردّ أمانة الذمي أيضاً بسبب الإسلام إذ هو بسبب أنه في أمان المسلمين وذمتهم.

قال بعض الأفاضل : إن قيل : أداء أمانة الكافر أيضاً واجب فلم خص بالمسلم؟ قلنا : إنما يجب أداء أمانة الكافر إذا صار في حكم المسلم بالذمة.

الثالث : استحلال الفرج بالإسلام ، فيدلّ ظاهراً على عدم جواز نكاح الكافرة مطلقا بل بملك اليمين أيضاً إلّا ما خرج بالدليل ، وكذا إنكاح الكافر ، وعلى جواز نكاح المسلمة مطلقا وكذا نكاح المسلم من أي الفرّق كان.

إمّا الأوّل ، فلا خلاف في عدم نكاح المسلم غير الكتابيّة وفي تحريم الكتابيّة أقوال : التحريم مطلقا ، وجواز متعة اليهودية والنصرانية اختيارا ، والدوام اضطرارا ، وعدم جواز العقد بحال ، وجواز ملك اليمين وجواز المتعة وملك اليمين لليهودية والنصرانية ، وتحريم الدوام كما هو مختار أكثر المتأخرين تحريم نكاحهنّ مطلقاً إختياراً ، وتجويزه مطلقاً اضطرارا ، وتجويز الوطء بملك اليمين

١٢٧

٢ - عليّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال الإيمان إقرار وعمل ، والإسلام إقرار بلا عمل.

_____________________________________________

الجواز مطلقاً كما ذهب إليه الصّدوق ، وفي المجوسيّة اختلاف في الأقوال والروايات والأقربِّ جواز وطيها بملك اليمين ، والأحوط الترك في غير ذلك وإذا أسلم زوج الكتابيّة فهو على نكاحه وإن لم يدخل بها.

وأما الثاني وهو تزويج غير المؤمن من فرّق المسلمين فالمشهور اعتبار الإيمان في جانب الزوج دون الزوجة ، وذهب جماعة إلى عدم اعتباره مطلقاً ، والاكتفاء بمجردّ الإسلام ولا يخلو من قوّة في زمان الهدنة ، ولا يصحّ نكاح الناصبّ المبغض لأهل البيتعليهم‌السلام مطلقاً.

ثمَّ ذكرعليه‌السلام ثمرة الإيمان وهو ترتّب الثواب على أعماله في الآخرة فغير المؤمن الاثني عشري المصدّق قلباً لا يترتّب على شيء من أعماله ثواب في الآخرة ويلزمه الخلود في النّار كما مرّ وسيأتي أيضاً إنشاء الله.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

ويدلّ على اصطلاح آخر للإيمان والإسلام وهو أن الإسلام نفس العقائد مع العمل بمقتضاها من الإتيان بالفرائض وترك الكبائر وهذا اصطلاح آخر غير الاصطلاح المتقدّم ، وربما يأوّل هذا الخبر بأن المراد بالإقرار الإقرار بالشهادتين وبالعمل عمل القلب وهو التصديق بجميع ما أتى به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بأن المراد بالإقرار ترك الإيذاء والإنكار ، والمراد بالعمل العمل الصّحيح ، والحمل فيهما على المجاز أي الإيمان سبب لأن يقر على دينه ولا يؤذى ويحكم عليه بأحكام المسلمين وسبب لصحّة أعماله بخلاف الإسلام فإنه يصير سبباً للأوّل دون الثاني ، ولا يخفى بعده ، ويحتمل أن يكون المراد بالإقرار إظهار الشّهادتين ، وبالعمل ما يقتضيه من التصديق بجميع ما جاء به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنها الولاية فيرجع إلى الخبر الأول.

١٢٨

٣ - عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ

_____________________________________________

الحديث الثالث : صحيح.

«قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا » قال البيضاوي : نزلت في نفر من بني أسد ، قدموا المدينة في سنة جدبة وأظهروا آله الشهادتين ، وكانوا يقولون لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان ، يريدون الصدقة ويمنون «قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا » إذ الإيمان تصديق مع ثقة وطمأنينة قلب ولم يحصل لكم وإلّا لـمّا مننتم على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإسلام وترك المقاتلة كما دلّ عليه آخر السورة «وَلكِنْ قُولُوا أَسلّمنا » فإن الإسلام انقياد ودخول في السلّم وإظهار الشهادتين وترك المحاربة يشعر به «وَلـمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ » توقيت لقولوا ، فإنه حال عن ضميره أي ولكن قولوا أسلّمنا ولم تواطىء قلوبكم ألسنتكم بعد.

وقال الطبرسيقدس‌سره : «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا » أي صدقنا بما جئت به «قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا » أي لم تصدقوا على الحقيقة في الباطن «وَلكِنْ قُولُوا أَسلّمنا » أي أنقذنا واستسلّمنا مخافة السبي والقتل ، ثمَّ بيّن سبحانه أن الإيمان محله القلب دون اللسان فقال : «وَلـمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ » قال الزجاج : الإسلام إظهار الخضوع والقبول لـمّا أتى به الرسول وبذلك يحقن الدم ، فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الإيمان وصاحبه المسلم المؤمن حقا ، فإمّا من أظهر قبول الشريعة واستسلم لدفع المكروه فهو في الظاهر مسلم وباطنه غير مصدق وقد أخرج هؤلاء من الإيمان بقوله : «وَلـمّا يَدْخُلِ » إلى آخره ، أي لم تصدقوا بعد ما أسلمتم تعوذا من القتل فالمؤمن مبطن من التصديق مثل ما يظهر ، والمسلم التام الإسلام مظهر للطاعة ، وهو مع ذلك مؤمن بها ، والذي أظهر الإسلام تعوذا من القتل غير مؤمن بالحقيقة إلّا أنّ حكمه في الظاهر حكم المسلمين ، انتهى.

وبالجملّة هذه الآية ممّا استدلّ به القائلون بعدم ترادف الإسلام والإيمان ،

١٢٩

تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسلّمنا وَلـمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ »(١) فقال لي إلّا ترى أن الإيمان غير الإسلام.

٤ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن سفيان بن السمط قال سأل رجل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الإسلام والإيمان ما الفرّق بينهما ؟ فلم يجبه ثمَّ سأله فلم يجبه ثمَّ التقيا في الطريق وقد أزف من الرجل الرحيل فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام كأنه قد أزف منك رحيل فقال نعم فقال فالقني في البيت فلقيه فسأله عن الإسلام والإيمان ما الفرّق بينهما فقال - الإسلام هو الظاهر الذي عليه النّاس شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة و حِجُّ الْبَيْتِ وصيام شهر رمضان فهذا الإسلام ، وقال : الإيمان

_____________________________________________

وأجاب بعضهم بأنّ المراد بالإسلام هنا الاستسلام والانقياد الظاهري وهو غير المعنى المصطلح ، والجواب أن الأصل في الإطلاق الشرعيّ الحقيقة الشرعية ، وصرفه عنها يحتاج إلى دليل واستدلّ أيضاً بها على أن الإيمان هو التصديق فقط لنسبته إلى القلب ، والجواب أنها لا تنفي اشتراط الإيمان القلبي بعمل الجوارح ، وإنّما تنفي الجزئية ، مع أن فيه أيضاً كلاماً.

الحديث الرابع : مجهول.

وكأنّ تأخير الجواب للتقيّة والمصلحة ، وفي القاموس : أزف الترحل كفرح أزفا وأزوفا : دنا.

ويظهر من الخبر أنّ بّن الإيمان والإسلام فرقين : أحدهما أن الإسلام هو الانقياد الظاهري ، ولا يعتبر فيه التصديق والإذعان القلبي بخلاف الإيمان ، فإنه يعتبر فيه الاعتقاد القلبي بل القطعيّ كما سيأتي ، وثانيهما : اعتبار الاعتقاد بالولاية ، وذكر الأعمال إمّا بناءاً على اشتراط الإيمان بالأعمال أو على أن المراد الاعتقاد

__________________

(١) سورة الحجرات : ١٤.

١٣٠

معرفة هذا الأمر مع هذا فإن أقرّ بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلـمّا وكان ضالاً.

٥ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد وعدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن الوشّاء ، عن أبان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سمعته يقول «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسلّمنا » فمن زعم أنّهم آمنوا فقد كذب ومن زعم أنّهم لم يسلموا فقد كذب.

٦ - أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حكم بن أيمن ، عن قاسم شريك المفضّل قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول الإسلام يحقن به الدّم وتؤدّى به الأمانة وتستحلّ به الفروج والثواب على الإيمان.

_____________________________________________

بها كما عرفت ، ويرشدإليه قوله : فإن أقر بها ، أو الغرض بيان العقائد وجلّ الأعمال المشتركة بيّن أهل الإسلام والإيمان ، والوصف بالضلال وعدم إطلاق الكفر عليهم إمّا للتقيّة في الجملة ، أو لعدم توهم كونهم في الأحكام الدنيويّة في حكم الكفار.

الحديث الخامس : موثق كالصحيح.

قوله : فمن زعم ، تنبيه على مغايرة المفهومين وتحقّق مادّة الافتراق بينهما ، وعموم الإسلام بالنسبة إلى الإيمان.

الحديث السادس : حسن على الأصحّ وقد مرّ شرحه.

تحقيق وتبيين

إعلم أنّ الّذي ظهر لنا من مجموع الآيات المتضافرة والأخبار المتكاثرة الواردة في الإيمان والإسلام وحقائقهما وشرائطهما أنّ لكلّ منهما إطلاقات كثيرة في الكتاب والسنّة ولكلّ منهما فوائد وثمرات تترتّب عليه.

فالأوّل من معاني الإيمان مجموع العقائد الحقة والأصول الخمسة ، والثمرة المترتّبة عليه في الدّنيا الأمان من القتل ونهب الأموال والإهانة إلّا أن يأتي بقتل أو فاحشة يوجب القتل أو الحدّ أو التعزير ، وفي الآخرة صحّة أعماله واستحقاق الثواب عليها في الجملّة ، وعدم الخلود في النّار ، واستحقاق العفو والشفاعة ، ويدخل

١٣١

_____________________________________________

في الكفر المقابل لهذا الإيمان من سوى الفرقة الناجية الإمامية من فرّق الإسلام وغيرهم ، فأنّهم مخلدون في النّار سوى المستضعفين منهم كما سيأتي.

الثاني : الاعتقادات المذكورة مع الإتيان بالفرائض الّتي ظهر وجوبها من القرآن وترك الكبائر الّتي أو عد الله عليها النّار ، وعلى هذا المعنى أطلق الكافر على تارك الصلاة وتارك الزكاة وأشباههم ، ووردّ : لا يزني الزاني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق وهو مؤمن ، وثمرة الإيمان عدم استحقاق الإذلال والإهانة والعذاب في الدنيا والآخرة.

الثالث : العقائد المذكورة مع فعل جميع الواجبات وترك جميع المحرمات ، وثمرته اللّحوق بالمقربيّن والحشرّ مع الصديقين وتضاعف المثوبات ورفع الدرجات.

الرابع : ما ذكر مع ضم فعل المندوبات وترك المكروهات بل المباحات كما وردّ في أخبار صفات المؤمن ، وبهذا المعنى يختص بالأنبياء والأوصياء كما وردّ في الأخبار الكثيرة تفسير المؤمنين في الآيات بالأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم ، وقد وردّ في تفسير قوله سبحانه : «وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إلّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ »(١) أن جميع معاصي الله بل التوسل بغيره سبحانه داخلة في الشرك المذكور في هذه الآية ، وثمرة هذا الإيمان أنه يؤمن على الله فيجيز أمانه ، وأنه لا يردّ الله دعوته وسائر ما وردّ في درجاتهمعليهم‌السلام ومنازلهم عند الله تعالى.

وأمّا الإسلام فيطلق غالباً على التكلّم بالشهادتين والإقرار الظاهري وإن لم يقترن بالإذعان القلبي ولا بالإقرار بالولاية كما عرفت سابقاً ، وثمرته إنما تظهر في الدنيا من حقن دمه وماله ، وجواز نكاحه واستحقاقه الميراث وسائر الأحكام الظاهرة للمسلمين ، وليس له في الآخرة من خلاق ، وقد يطلق على كلّ من معاني الإيمان حتّى المعنى الأخير ، فيكون بمعنى الاستسلام والانقياد التامّ.

__________________

(١) سورة يوسف : ١٠٦.

١٣٢

_____________________________________________

ثمَّ إنّ الآيات والأخبار الدالة على دخول الأعمال في الإيمان يحتمل وجوهاً :

الأوّل أن يحمل على ظواهرها ويقال : إنّ العمل داخل في حقيقة الإيمان على بعض المعاني.

الثاني : أن يكون الأيمان أصل العقائد لكن تسميتها إيماناً مشروطة بالأعمال.

الثالث : أن يقال بزيادة الإيمان وتفاوته شدّة وضعفاً ، وتكون الأعمال كثرة وقلّة كاشفة عن حصول كلّ مرتبة من تلك المراتب فإنه لا شك أن لشدّة اليقين مدخلاً في كثرة الأعمال الصّالحة وترك المناهي ، وقد بسطنا الكلام في ذلك قليلاً في كتاب عين الحياة ، وسيتّضح لك بعض ما ذكرنا في تضاعيف الأخبار الآتية ، ولنذكر هنا بعض ما ذكره أصحابنا في حقيقة الإيمان والإسلام ومعانيهما وشرائطهما :

قال المحقق الطوسيقدس‌سره القدوسي في قواعد العقائد : المسألة الخامسة : فيما به يحصل استحقاق الثواب والعقاب ، قالوا : الإسلام أعمّ في الحكم من الإيمان ، وهما في الحقيقة شيء واحد أمّا كونه أعمّ فلأنّ من أقر بالشهادتين كان حكمه حكم المسلمين «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسلّمنا » وإمّا كون الإسلام في الحقيقة هو الإيمان فلقوله تعالى : «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ »(١) واختلفوا في معناه فقال بعض السّلف : الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل صالح بالجوارح ، وقالت المعتزلة : أصول الإيمان خمسة : التوحيد والعدلّ والإقرار بالنبوّة وبالوعد والوعيد والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقال الشيعة : أصول الإيمان ثلاثة التصديق بوحدانية الله عزّ وجلّ في ذاته ، والعدلّ في أفعاله ، والتصديق بنبوة الأنبياء والتصديق بإمامة الأئمّة المعصومين ، والتصديق بالأحكام الّتي يعلم يقيناً أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكم بها دون ما فيه الخلاف والاستتار ، والكفر يقابل الإيمان ، والذنب يقابل العمل الصّالح وينقسم إلى كبائر وصغائر ، ويستحقّ

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٩.

١٣٣

_____________________________________________

المؤمن بالإجماع الخلود في الجنّة ويستحقّ الكافر الخلود في العذاب وصاحب الكبيرة عند الخوارج كافر ، لأنّهم جعلوا العمل الصالح جزءاً من الإيمان ، وعند غيرهم فاسق ، والمؤمن عند المعتزلة والوعيدية لا يكون فاسقاً وجعلوا الفاسق الذي لا يكون كافراً منزلة بيّن المنزلتين الإيمان والكفر ، وهو عندهم يكون في النّار خالداً وعند غيرهم المؤمن قد يكون فاسقاً وقد لا يكون ، وتكون عاقبة الأمر على التقديرين الخلود في الجنّة.

وقال (ره) في التجريد : الإيمان التصديق بالقلب واللسان ولا يكفي الأوّل لقوله تعالى : «وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ »(١) ونحوه ، ولا الثاني لقوله تعالى : «قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا »(٢) والكفر عدم الإيمان إمّا مع الضد أو بدونه ، والفسق الخروج عن طاعة الله تعالى مع الإيمان به ، والنفاق إظهار الإيمان به وإخفاء الكفر ، والفاسق مؤمن لوجود حدّه فيه.

وقال العلّامة نوّر الله ضريحه في الشرح : النّاس في الإيمان على وجوه كثيرة وليس هنا موضع ذكرها ، والذي اختاره المصنّف (ره) أنّه عبارة عن التصديق بالقلب واللسان معاً ولا يكفي أحدهما فيه ، أمّا التصديق القلبي فإنه غير كاف لقوله تعالى : «وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ » وقوله تعالى : «فَلـمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ »(٣) فأثبت لهم المعرفة والكفر ، إمّا التصديق اللساني فإنه غير كاف أيضاً لقوله تعالى : «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا »(٤) الآية ، ولا شكّ في أن أولئك الأعراب صدقوا بألسنتهم وقال (ره) : الكفر في اللغة هو التغطية ، وفي العرف الشرعيّ هو عدم الإيمان إمّا مع الضدِّ بأن يعتقد فساد ما هو شرط الإيمان ، أو بدون الضدّ كالشاكّ الخالي من

__________________

(١) سورة النمل : ١٤.

(٢ و ٤) سورة الحجرات : ١٤.

(٣) سورة البقرة : ٨٩.

١٣٤

_____________________________________________

الاعتقاد الصّحيح والباطل والفسق لغة الخروج مطلقاً ، وفي الشرع عبارة عن الخروج عن طاعة الله تعالى فيما دون الكفر ، والنفاق في اللغة هو إظهار خلاف الباطن ، وفي الشرع إظهار الإيمان وإبطان الكفر ، واختلف النّاس في الفاسق فقالت المعتزلة : أن الفاسق لا مؤمن ولا كافر ، وأثبتوا له منزلة بيّن المنزلتين ، وقال الحسن البصري : أنّه منافق وقالت الزيدية : أنه كافر نعمة ، وقالت الخوارج : أنّه كافر والحقّ ما ذهب إليه المصنف وهو مذهب الإمامية والمرجئة وأصحاب الحديث وجماعة الأشعرية أنه مؤمن ، والدليل عليه أن حد المؤمن وهو المصدّق بقلبه ولسانه في جميع ما جاء به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موجود فيه ، فيكون مؤمناً ، انتهى.

وقال الشيخ المفيدقدس‌سره في كتاب المسائل : إتّفقت الإمامية على أن مرتكب الكبائر من أهل المعرفة والإقرار لا يخرج بذلك عن الإسلام ، وأنه مسلم وإن كان فاسقا بما معه من الكبائر والآثام ووافقهم على هذا القول المرجئة كافة وأصحاب الحديث قاطبة ، ونفر من الزيدية ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك وزعموا أن مرتكب الكبائر ممّن ذكرناه فاسق ليس بمؤمن ولا مسلم.

وقالقدس‌سره : اتفقت الإمامية على أن الإسلام غير الإيمان ، وأن كلّ مؤمن فهو مسلم وليس كلّ مسلم مؤمناً ، وأن الفرّق بيّن هذين المعنيين في الدين كما كان في اللسان ، ووافقهم على هذا القول المرجئة وأصحاب الحديث ، وأجمعت المعتزلة على عدم الفرّق بينهما.

وقال الشهيد الثانيقدس‌سره في رسالة الإيمان : اعلم أن الإيمان لغة التصديق كما نص عليه أهلها ، وهو أفعال من الأمن بمعنى سكون النفس واطمئنانها لعدم ما يوجب الخوف لها وحينئذ فكان حقيقة آمن به سكنت نفسه واطمأنّت بسبب قبول قوله ، وامتثال أمره ، فتكون الباء للسببّية ويحتمل أن يكون بمعنى أمنه التكذيب والمخالفة كما ذكره بعضهم ، فتكون الباء فيه زائدة ، والأوّل أولى كما لا يخفى

١٣٥

_____________________________________________

وأوفق لمعنى التصديق ، وهو يتعدّى باللّام كقوله تعالى : «وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا »(١) «فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ »(٢) وبالباء كقوله تعالى : «آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ »(٣) وإمّا التصديق فقد قيل : أنه القبول والإذعان بالقلب كما ذكره أهل الميزان ويمكن أن يقال : معناه قبول الخير أعمّ من أن يكون بالجنان أو باللسان ، ويدلّ عليه قوله تعالى : «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا »(٤) فأخبروا عن أنفسهم بالإيمان وهم من أهل اللسان ، مع أن الواقع منهم هو الاعتراف باللسان دون الجنان لنفيه عنهم بقوله تعالى : «قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا » وإثبات الاعتراف بقوله تعالى : «وَلكِنْ قُولُوا أَسلّمنا » الدال على كونه إقراراً بالشهادتين ، وقد سمّوه إيمانا بحسب عرفهم ، والذي نفاه الله عنهم إنما هو الإيمان في عرف الشرع ، وإمّا الإيمان الشرعي فقد اختلف في بيان حقيقة العبارات بسبب اختلاف الاعتبارات ، وبيان ذلك أن الإيمان شرعاً إمّا أن يكون من أفعال القلوب فقط أو من أفعال الجوارح فقط أو منهما معاً ، فإن كان الأوّل فهو التصديق بالقلب فقط وهو مذهب الأشاعرة وجمع من متقدمي الإمامية ومتأخريهم ومنهم المحقق الطوسي (ره) في فصوله لكن اختلفوا في معنى التصديق فقال أصحابنا : هو العلم وقال الأشعرية : هو التصديق النفساني وعنوا به أنه عبارة عن ربط القلب على ما علم من أخبار المخبر فهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدّق ولذا يثاب عليه بخلاف العلم والمعرفة فإنها ربما تحصل بلا كسب كما في الضروريات وقد ذكر حاصل ذلك بعض المحقّقين فقال : التصديق هو أن تنسب باختيارك الصدق إلى المخبر حتّى لو وقع ذلك في القلب من غير اختيار لم يكن تصديقاً وإن كان

__________________

(١) سورة يوسف : ١٧.

(٢) سورة العنكبوت : ٢٦.

(٣) سورة آل عمران : ٥٣.

(٤) سورة الحجرات : ١٤.

١٣٦

_____________________________________________

معرفة وسنبيّن إنشاء الله تعالى قصور ذلك ، وإن كان الثاني فامّا أن يكون عبارة عن التلفظ بالشهادتين فقط وهو مذهب الكراميّة أو عن جميع أفعال الجوارح من الطاعات بأسرها فرضا ونفلا وهو مذهب الخوارج وقدماء المعتزلة والعلاف والقاضي عبد الجبّار أو عن جميعها من الواجبات وترك المحظورات دون النوافل وهو مذهب أبي عليّ الجبائي وابنه أبي هاشم وأكثر معتزلة البصرة ، وإن كان الثالث فهو إمّا أن يكون عبارة عن أفعال القلوب مع جميع أفعال الجوارح من الطاعات وهو قول المحدّثين وجمع من السلف كابن مجاهد وغيره فأنّهم قالوا أن الإيمان تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان ، أو يكون عبارة عن التصديق مع كلمتي الشهادة ، ونسب إلى طائفة منهم أبو حنيفة ، أو يكون عبارة عن التصديق بالقلب مع الإقرار باللسان وهو مذهب المحقق نصير الدين الطوسي (ره) في تجريده ، فهذه سبعة مذاهب ، ذكرت في الشرح الجديد وغيره ، واعلم أن مفهوم الإيمان على المذهب الأوّل يكون تخصيصا للمعنى اللغوي ، وإمّا على المذاهب الباقية فهو منقول والتخصيص خير من النقل.

وهنا بحث وهو أن القائلين بأن الإيمان عبارة عن فعل الطاعات كقدماء المعتزلة والعلاف والخوارج لا ريب أنّهم يوجبون اعتقاد مسائل الأصول وحينئذ فما الفرّق بينهم وبيّن القائلين بأنّه عبارة عن أفعال القلوب والجوارح؟ ويمكن الجواب بأن اعتقاد المعارف شرط عند الأولين وشطر عند الآخرين.

ثمَّ قال : اعلم أن المحقق الطوسيقدس‌سره ذكر في قواعد العقائد أن أصول الإيمان عند الشيعة ثلاثة ثمَّ ذكر ما نقلنا عنه سابقا ثمَّ قال : وذكر في شرح الجديد للتجريد أن الإيمان في الشرع عند الأشاعرة هو التصديق للرسول فيما علم مجيئه به ضرورة فتفصيلاً فيما علم تفصيلاً ، وإجمالا فيما علم إجمالاً ، فهو في الشرع تصديق خاص ، انتهى.

١٣٧

_____________________________________________

فهؤلاء اتّفقوا على أنّ حقيقة الإيمان هي التصديق فقط ، وإن اختلفوا في مقدار المصدّق به ، والكلام هيهنا في مقامين : الأوّل : في أن التصديق الذي هو الإيمان المراد به اليقيني الجازم الثابت كما يظهر من كلام من حكينا عنه ، والثاني : في أن الأعمال ليست جزءا من حقيقة الإيمان الحقيقي ، بل هي جزء من الإيمان الكمالي ، إمّا الدليل على الأوّل فآيات بينات منها قوله تعالى : «إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحقّ شيئاً »(١) والإيمان حقّ بالنص والإجماع ، فلا يكفي في حصوله وتحققه الظن ، ومنها «إِنْ يَتَّبِعُونَ إلّا الظَّنَ »(٢) «إِنْ هُمْ إلّا يَظُنُّونَ »(٣) و «إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثمَّ »(٤) فهذه قد اشتركت في التوبيخ على اتباع الظن ، والإيمان لا يوبخ من حصل له بالإجماع فلا يكون ظنا ومنها قوله تعالى : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثمَّ لَمْ يَرْتابُوا »(٥) فنفى عنهم الريّب فيكون الثابت هو اليقين ، وفي العرف يطلق عدم الريّب على اليقين.

ومن السنّة المطهّرة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا مقلب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك ، والثبات هو الجزم والمطابقة ، وفيه منع لم لا يجوز أن يكون طلبهعليه‌السلام لأنه الفردّ الأكمل.

ومن الدلائل أيضاً الإجماع حيث ادّعى بعضهم أنّه يجب معرفة الله تعالى الّتي لا يتحقّق الإيمان إلّا بها بالدليل إجماعاً من العلماء كافّة ، والدليل ما أفاد العلم ، والظن لا يفيده ، وفي صحّة دعوى الإجماع بحث لوقوع الخلاف في جواز التقليد في المعارف الأصوليّة كما سنذكره إنشاء الله تعالى.

__________________

(١) سورة النجم : ٢٧.

(٢) سورة الأنعام : ١٦.

(٣) سورة البقرة : ٧٨.

(٤) سورة الحجرات : ١٢.

(٥) سورة الحجرات : ١٥.

١٣٨

_____________________________________________

واعلم أنّ جميع ما ذكرنا من الأدلة لا يفيد شيء منه العلم بأنّ الجزم والثبات معتبر في التصديق الّذي هو الإيمان ، إنّما يفيد الظنّ باعتبارهما لأنّ الآيات قابلة للتأويل ، وغيرها كذلك مع كونها من الآحاد.

ثمَّ قال رفع الله درجته : اعلم أنّ العلماء أطبقوا على وجوب معرفة الله بالنظر وأنّها لا تحصل بالتقليد إلّا من شذ منهم كعبد الله بن الحسن العنبري والحشوية والتعليميّة حيث ذهبوا إلى جواز التقليد في العقائد الأصولية كوجود الصانع وما يجب له ويمتنع والنبوة والعدلّ وغيرها ، بل ذهب بعضهم إلى وجوبه ، لكن اختلف القائلون بوجوب المعرفة أنه عقلي أو سمعي فالإمامية والمعتزلة على الأوّل والأشعرية على الثاني ، ولا غرض لنا هنا ببيان ذلك بل ببيان أصل الوجوب المتفق عليه.

ثمَّ استدلّ بوجوب شكر المنعم عقلاً وشكره على وجه يليق بكمال ذاته ، يتوقف على معرفته ، وهي لا تحصل بالظنيات كالتقليد وغيره ، لاحتمال كذب المخبر وخطأ الأمارة ، فلا بد من النظر المفيد للعلم ثمَّ قال : هذا الدليل إنما يستقيم على قاعدَّة الحسن والقبح ، والأشاعرة ينكرون ذلك لكن كما يدلّ على وجوب المعرفة بالدليل يدلّ أيضاً على كون الوجوب عقليا واعترض أيضاً بأنّه مبني على وجوب ما لا يتمّ الواجب المطلق إلّا به ، وفيه أيضاً منوع الأشاعرة ، ومن ذلك أن الأمّة أجمعت على وجوب المعرفة ، والتقليد وما في حكمه لا يوجب العلم إذ لو أوجبه لزم اجتماع الضدين في مثل تقليد من يعتقد حدوث العالم ويعتقد قدمه ، وقد اعترض على هذا بمنع الإجماع كيف والمخالف معروف ، بل عورض بوقوع الإجماع على خلافه ، وذلك لتقرير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه العوام على إيمانهم ، وهم الأكثرون في كلّ عصر مع عدم الاستفسار عن الدلائل الدالة على الصانع وصفاته ، مع أنّهم كانوا لا يعلمونها وإنما كانوا مقرين باللسان ومقلدين في المعارف ، ولو كانت المعرفة واجبة لـمّا جاز تقريرهم على ذلك ، مع الحكم بإيمأنّهم ، وأجيب عن هذا بأنّهم كانوا

١٣٩

_____________________________________________

يعلمون الأدلّة إجمالاً كدليل الأعرابيّ حيث قال : البعرة تدلّ على البعير ، وأثر الإقدام على المسير ، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدلّان على اللطيف الخبير ، فلذا أقروا ولم يسألوا عن اعتقاداتهم أو أنّهم كان يقبل منهم ذلك للتمرين ثمَّ يبيّن لهم ما يجب عليهم من المعارف بعد حين.

ومن ذلك الإجماع على أنّه لا يجوز تقليد غير المحقّ وإنما يعلم المحقّ من غيره بالنظر في أن ما يقوله حقّ أم لا وحينئذ فلا يجوز له التقليد إلّا بعد النظر والاستدلال ، وإذا صار مستدّلاً امتنع كونه مقلدا فامتنع التقليد في المعارف الإلهية ونقض ذلك بلزوم مثله في الشرعيّات فإنه لا يجوز تقليد المفتي إلّا إذا كانت فتياه عن دليل شرعيّ ، فإن اكتفي في الاطلاع على ذلك بالظن وإن كان مخطئاً في نفس الأمر لحطّ ذلك عنه فليجر مثله في مسائل الأصول.

وأجيب بالفرق بأنّ الخطأ في مسائل الأصول يقتضي الكفر ، بخلافه في الفروع فساغ في الثانية ما لم يسغ في الأولى.

احتجّ من أوجب التقليد في مسائل الأصول بأنّ العلم بالله تعالى غير ممكن لأن المكلّف به إن لم يكن عالـماً به تعالى استحال أن يكون عالـماً بأمره وحال امتناع كونه عالـماً بأمره يمتنع كونه مأموراً من قبله وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق وإن كان عالـماً به استحال أيضاً أمره بالعلم به لاستحالة تحصيل الحاصل؟ والجواب عن ذلك على قواعد الإمامية والمعتزلة ظاهر ، فإن وجوب النظر والمعرفة عندهم عقلي لا سمعي ، نعم يلزم ذلك على قواعد الأشاعرة إذ الوجوب عندهم سمعي.

أقول : ويجاب أيضاً معارضة بأن هذا الدليل كما يدلّ على امتناع العلم بالمعارف الأصوليّة يدلّ على امتناع التقليد فيها أيضاً فينسد باب المعرفة بالله تعالى وكلّ من يرجع إليه في التقليد لا بدّ وأن يكون عالـماً بالمسائل الأصوليّة ليصحّ تقليده ، ثمَّ يجري الدليل فيه فيقال : علم هذا الشخص بالله تعالى غير ممكن لأنّه

١٤٠