مرآة العقول الجزء ٧

مرآة العقول10%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الحديث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 378

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 378 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11414 / تحميل: 6830
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: دار الحديث
العربية

بسم الله الرحمن الرحيم

[ كتاب الإيمان والكفر من کتاب الکافی ]

[ تصن يف الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني (ره) ]

باب

طينة المؤمن والكافر

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن رجل ، عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال إن الله عز وجل خلق النبيين من طينة

______________________________________________________

الحمد لوليه والصلاة على خير البرايا محمد وعترته ، وبعد : فهذا هو المجلد الرابع من كتاب مرآة العقول لبيان ما في الكافي من أخبار آل الرسول مما ألفه أفقر العباد إلى غفران ربه الغني : محمد باقر بن محمد تقي عفا الله عن جرائمهما.

قال قدس الله روحه أو بعض رواة كتابه : كتاب الإيمان والكفر من كتاب الكافي تصنيف الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكلينيرضي‌الله‌عنه وأرضاه.

أقول : تلك الفقرات لم تكن في بعض النسخ ، والظاهر أنه من كلام رواة الكافي وقدم الإيمان على الكفر لأنه الأصل والأهم أو لأنه وجودي كما قيل ، وفي القاموس كلين كأمير قرية بالري منها محمد بن يعقوب الكليني من فقهاء الشيعة ، انتهى.

وقد يقال : كلين كزبير أيضا قرية بالري ، ومحمد بن يعقوب منها ، كذا سمعت بعض المشايخ يذكر عن أهل الري.

« باب طينة المؤمن والكافر »

الحديث الأول : مرسل.

١

عليين قلوبهم وأبدانهم وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة و [ جعل ] خلق أبدان المؤمنين من دون ذلك وخلق الكفار من طينة سجين قلوبهم وأبدانهم فخلط بين الطينتين ـ فمن هذا يلد المؤمن الكافر ويلد الكافر المؤمن ومن هاهنا يصيب المؤمن السيئة ومن هاهنا يصيب الكافر الحسنة فقلوب المؤمنين تحن إلى ما خلقوا منه و

______________________________________________________

قوله : خلق النبيين ، الخلق يكون بمعنى التكوين وبمعنى التقدير ، وفي النهاية : طين عليه أي جبل ويقال : طانه الله على طينته ، أي خلقه على جبلتهوطينة الرجل خلقه وأصله ، وقال :عليون اسم للسماء السابعة وقيل : اسم لديوان الملائكة الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين من العباد ، وقيل : أراد أعلى الأمكنة وأشرف المراتب وأقربها من الله تعالى في الدار الآخرة وتعرب بالحروف والحركات كقنسرين وأشباهها على أنه جمع أو واحد ، انتهى.

وإضافة الطينة إما بتقدير اللام أو من أو في« قلوبهم وأبدانهم » بدل النبيين. ويحتمل أن يراد بالقلب هنا العضو المعروف الذي يتعلق الروح أولا بالبخار المنبعث منه ، فلا ينافي ما مر في باب خلق أبدان الأئمةعليه‌السلام من أن أجسادهم مخلوقة من طينة عليين وأرواحهم مخلوقة من فوق ذلك على أنه لو أريد به الروح أمكن الجمع بجعل الطينة مبدءا لها مجازا باعتبار القرب والتعلق ، أو بتخصيص النبيين بغيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ويؤيده خبر ابن مروان ، وفي القاموس :سجين كسكين موضع فيه كتاب الفجار وواد في جهنم أو حجر في الأرض السابعة ، وفي النهاية اسم علم للنار. فعيل من السجن.

قوله : فخلط بين الطينتين ، أي في بدن آدمعليه‌السلام فلذا حصل في ذريته قابلية المرتبتين واستعداد الدرجتين« ومن ههنا يصيب المؤمن السيئة » لخلط طينته بطينة الكافر ، وكذا العكس« فقلوب المؤمنين تحن » أي تميل وتشتاق ، قال الجوهري : الحنين الشوق وتوقان النفس« إلى ما خلقوا منه » أي إلى الأعمال المناسبة لما خلقوا منه

٢

قلوب الكافرين تحن إلى ما خلقوا منه.

______________________________________________________

المؤدية إليها أو إلى الأنبياء والأوصياء المخلوقين من الطينة التي خلق منها قلوبهم ، وكذا الفقرة الثانية تحتمل الوجهين.

وقال بعضهم في تأويل الخبر : المراد بعليين أشرف المراتب وأقربها من الله تعالى ، وله درجات كما يدل عليه ما ورد في بعض الأخبار الآتية من قولهم أعلى عليين وكما وقع التنبيه عليه في هذا الخبر بنسبة خلق القلوب والأبدان كليهما إليه مع اختلافهما في الرتبة ، فيشبه أن يراد به عالم الجبروت والملكوت جميعا اللذين فوق عالم الملك أعني عالم العقل والنفس ، وخلق قلوب النبيين من الجبروت معلوم ، لأنهم المقربون وأما خلق أبدانهم من الملكوت فذلك لأن أبدانهم الحقيقية هي التي لهم في باطن هذه الجلود المدبرة لهذه الأبدان ، وإنما أبدانهم العنصرية أبدان أبدانهم لا علاقة لهم بها فكأنهم وهم في جلابيب من هذه الأبدان ، قد نفضوها وتجردوا عنها لعدم ركونهم إليها وشدة شوقهم إلى النشأة الأخرى ، ولهذا نعموا بالوصول إلى الآخرة ومفارقة هذا الأدنى ، ومن هنا ورد في الحديث : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، وإنما نسب خلق أبدان المؤمنين إلى ما دون ذلك لأنها مركبة من هذه ومن هذه لتعلقهم بهذه الأبدان العنصرية أيضا ما داموا فيها ، وسجين أخس المراتب وأبعدها من الله سبحانه فيشبه أن يراد به حقيقة الدنيا وباطنها التي هي مخبوءة تحت عالم الملك أعني هذا العالم العنصري ، فإن الأرواح مسجونة فيه ، ولهذا ورد في الحديث : المسجون من سجنته الدنيا عن الآخرة ، وخلق أبدان الكفار من هذا العالم ظاهر.

وإنما نسب خلق قلوبهم إليه لشدة ركونهم إليه وإخلادهم إلى الأرض ، وتثاقلهم إليها ، فكأنه ليس لهم من الملكوت نصيب لاستغراقهم في الملك ، والخلط بين الطينتين إشارة إلى تعلق الأرواح الملكوتية بالأبدان العنصرية ، بل نشوها منها شيئا فشيئا فكل من النشأتين غلبت عليه صار من أهلها ، فيصير مؤمنا حقيقيا أو كافرا حقيقيا

٣

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسن ، عن النضر بن شعيب ، عن عبد الغفار الجازي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عز وجل خلق المؤمن من طينة الجنة وخلق الكافر من طينة النار وقال إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا طيب روحه وجسده فلا يسمع شيئا من الخير إلا عرفه ولا يسمع شيئا من المنكر إلا أنكره قال وسمعته يقول الطينات ثلاث طينة الأنبياء والمؤمن من تلك الطينة إلا أن الأنبياء هم من صفوتها هم الأصل ولهم فضلهم والمؤمنون الفرع «مِنْ طِينٍ لازِبٍ » كذلك لا يفرق

______________________________________________________

أو بين الأمرين على حسب تدارك مراتب الإيمان والكفر ، انتهى.

وقال آخرون : إن الله تعالى لما علم في الأزل الأرواح التي تختار الإيمان باختيارها والتي تختار المعصية باختيارها ، سواء خلقوا من طينة عليين ، أو من طينة سجين فلما علم ذلك أعطى أبدان الأرواح التي علم أنهم يختارون الإيمان كيفية عليين للمناسبة وأعطى أبدان الأرواح التي علم أنها تختار الكفر باختيارها كيفية السجين من غير أن يكون للأمرين مدخل في اختيارهم الإيمان والكفر ، وخلط بين الطينتين من غير أن يكون لذلك الخلط مدخل في اختيار الحسنة والسيئة ، فمن في قوله : من هذا ومن هيهنا ، للعلية المجازية.

الحديث الثاني : مجهول.

« من طينة الجنة » أي من طينة يعلم حين خلقه منها أنه يصير إلى الجنة أو من طينة مرجحة لإعمال تصير سببا لدخول الجنة لا على سبيل الإلجاء« إذا أراد الله بعبد خيرا » أي حسن عاقبة وسعادة« طيب روحه » بالهدايات الخاصة والألطاف المرجحة ، وذلك بعد حسن اختياره وما يعود إليه من الأسباب ،قوله تعالى : «مِنْ طِينٍ لازِبٍ »(١) قال البيضاوي : هو الحاصل من ضرب الجزء المائي إلى الجزء الأرضي وفي القاموس : اللزوب اللصوق والثبوت ، ولزب ككرم لزبا ولزوبا دخل بعضه في بعض والطين لزق وصلب ، انتهى

__________________

(١) سورة الصافّات : ١١.

٤

الله عز وجل بينهم وبين شيعتهم وقال طينة الناصب مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ وأما المستضعفون فمِنْ تُرابٍ ، لا يتحول مؤمن عن إيمانه ولا ناصب عن نصبه ولله المشيئة فيهم.

______________________________________________________

أقول : ويمكن أن يكون على هذا التأويل للآية الكريمة المراد باللزوب لصوقهم بالأئمةعليه‌السلام وملازمتهم لهم ، فقوله : كذلك لا يفرق الله ، إلخ. وفي بعض النسخ لذلك ، أي للزوبهم ولصوقهم بأئمتهم ولصوق طينتهم بطينتهم ، لا يفرق الله بينهم وبينهم.

أو لكونهم من فرع تلك الطينة لا يفرق الله بينهما في الدنيا والآخرة ، لأن الفرع ملحق بالأصل وتابع له.

قوله عليه‌السلام : من حمأ مسنون ، إشارة إلى قوله تعالى : «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ »(١) والصلصال الطين اليابس تسمع له عند النقر صلصلة أي صوت ، وقيل : طين صلب يخالطه الكثيب ، وقيل : منتن ، والحمأ : الطين الأسود ، والمسنون المتغير المنتن ، وقيل : أي مصبوب كأنه أفرغ حتى صار صورة كما يصب الذهب والفضة ، وقيل : أنه الرطب ، وقيل : مصور عن سيبويه ، قال : أخذ منه سنة الوجه ، والحمأ المسنون : طين سجين.

قوله : فمن تراب ، أي خلقوا من تراب غير ممزوج بماء عذب زلال كما مزجت به طينة الأنبياء والمؤمنين ، ولا بماء آسن أجاج كما مزجت به طينة الكافرين ، فلا يكونون من هؤلاء ولا من هؤلاء ، ولعل هذا وجه جمع بين الآيات الكريمة ، فإن ما دل على أنه خلق من حمأ مسنون فهو في الناصب ، وما دل على أنه خلق من طين لازب فهو في الشيعة ، وما دل على أنه خلق من تراب فهو في المستضعفين ، فيحتمل حينئذ أن يكون المراد إدخال تلك الطينات جميعا في بدن آدم لتحصيل قابلية جميع تلك الأمور والأقسام في أولاده وأن يكون المراد خلق كل صنف من تلك الطينة بإدخال ذلك الطين في النطفة أو بحصول تلك النطفة من هذه الطينة.

والأوسط أظهر لما رواه الشيخ في مجالسه بإسناده عن عبيد بن يحيى عن يحيى

__________________

(١) سورة الحجر : ٢٦.

٥

...............................................................................................

______________________________________________________

ابن عبد الله بن الحسن عن جده الحسن بن عليعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن في الفردوس لعينا أحلى من الشهد وألين من الزبد وأبرد من الثلج وأطيب من المسك ، فيها طينة خلقنا الله عز وجل منها ، وخلق شيعتنا منها فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منا ولا من شيعتنا وهي الميثاق الذي أخذ الله عز وجل على ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، قال عبيد : فذكرت لمحمد بن الحسين هذا الحديث فقال : صدقك يحيى بن عبد الله هكذا أخبرني أبي عن جدي عن أبيه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال عبيد : قلت : أشتهي أن تفسره لنا إن كان عندك تفسير؟ قال : نعم أخبرني أبي عن جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : إن لله ملكا رأسه تحت العرش وقدماه في تخوم الأرض السابعة السفلى ، بين عينيه راحة أحدكم فإذا أراد الله عز وجل أن يخلق خلقا على ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام أمر ذلك الملك فأخذ من تلك الطينة فرمي بها في النطفة حتى تصير إلى الرحم ، منها يخلق وهي الميثاق.

قوله : ولله المشيئة فيهم ، أي في المستضعفين والتعميم بعيد.

وقال بعضهم : في قولهعليه‌السلام : والمؤمنون الفرع من طين لازب ، لأن الجبروت صفوة الملكوت وأصله ، والملكوت فرع الجبروت ، واللازب اللازم للشيء اللاصق به ، وإنما كانت طينتهم لازبة للزوبها لطينة أئمتهم ولصوقها بها لخلطها بها وتركبها من العالمين جميعا ، ألا ترى إلى شوقهم إلى أئمتهم وحنينهم إليهم ، وكما أن الأمر كذلك كذلك لا يفرق الله بين أئمتهم وبينهم ، والحمأ الطين الأسود وهو كناية عن باطن الدنيا وحقيقة تلك العجوزة الشوهاء ، وأما خلق المستضعفين من التراب أعني ماله قبول الأشكال المختلفة وحفظها ، فذلك لعدم لزومهم لطريقة أهل الإيمان ، ولا لطريقة أهل الكفر وعدم تقيدهم بعقيدة لا حق ولا باطل ، ليس لهم نور الملكوت ولا ظلمة باطن الملك ، بل لهم قبول كل من الأمرين بخلاف الآخرين فإنهما لا يتحولان عما خلقوا له ، وأما قوله : ولله المشيئة فيهم ، فهو رد لتوهم الإيجاب في

٦

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن صالح بن سهل قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام جعلت فداك من أي شيء خلق الله عز وجل طينة المؤمن فقال من طينة الأنبياء فلم تنجس أبدا.

٤ ـ محمد بن يحيى وغيره ، عن أحمد بن محمد وغيره ، عن محمد بن خلف ، عن أبي نهشل قال حدثني محمد بن إسماعيل ، عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول إن الله جل وعز خلقنا من أعلى عليين وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه وخلق أبدانهم من دون ذلك وقلوبهم تهوي إلينا لأنها خلقت مما خلقنا منه ثم تلا هذه الآية «كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ * كِتابٌ

______________________________________________________

فعله سبحانه ، وفيه إشارة إلى قوله عز وجل : «وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ »(١) .

الحديث الثالث : ضعيف.

« فلن تنجس أبدا » (٢) بنجاسة الشرك والكفر وإن نجست بالمعاصي فتطهر بالتوبة والشفاعة ، وقيل : لن يتعلق بالدنيا تعلق ركون وإخلاد يذهله عن الآخرة.

الحديث الرابع : مجهول.

وقد مر بعينه في باب خلق أبدان الأئمةعليه‌السلام وقال بعض أرباب التأويل : كل ما يدركه الإنسان بحواسه يرتفع منه أثر إلى روحه ، ويجتمع في صحيفة ذاته وخزانة مدركاته ، وكذلك كل مثقال ذرة من خير أو شر يعمله يرى أثره مكتوبا ثمة ، ولا سيما ما رسخت بسبب الهيئات ، وتأكدت به الصفات وصار خلقا وملكة ، فالأفاعيل المتكررة والعقائد الراسخة في النفوس هي بمنزلة النقوش الكتابية في الألواح ، كما قال الله تعالى : «أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ »(٣) وهذه الألواح النفسية يقال لها صحائف الأعمال ، وإليه الإشارة بقوله سبحانه : «وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ »(٤) وقوله

__________________

(١) سورة النحل : ٩.

(٢) كذا في جميع النسخ وفي المتن « فلم تنجس ».

(٣) سورة المجادلة : ٢٢.

(٤) سورة الإسراء : ١٣.

٧

مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ » وخلق عدونا من سجين وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه وأبدانهم من دون ذلك فقلوبهم تهوي إليهم لأنها خلقت مما خلقوا منه ثم تلا هذه الآية : «كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ »(١) .

______________________________________________________

عز وجل : «وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً »(٢) فيقال له : «لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ »(٣) «هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ »(٤) " فمن كان من أهل السعادة وأصحاب اليمين وكانت معلوماته أمورا قدسية وأخلاقه زكية وأعماله صالحة فقد أوتي كتابه بيمينه أعني من الجانب الأقوى الروحاني ، وهو جهة عليين وذلك لأن كتابه من جنس الألواح العالية والصحف المكرمة المرفوعة المطهرة بأيدي سفرة كرام بررة يشهده المقربون ، ومن كان من الأشقياء المردودين وكانت معلوماته مقصورة على الجرميات وأخلاقه سيئة وأعماله خبيثة فقد أوتي كتابه بشماله أعني من جانبه الأضعف الجسماني وهو جهة سجين ، وذلك لأن كتابه من جنس الأوراق السفلية والصحائف الحسية القابلة للاحتراق فلا جرم يعذب بالنار وإنما عود الأرواح إلى ما خلقت منه كما قال سبحانه : «كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ »(٥) «كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ »(٦) فما خلق من عليين فكتابه في عليين ، وما خلق من سجين فكتابه في سجين.

__________________

(١) سورة المطففين ٧ ـ ١٠.

(٢) سورة الإسراء : ١٣.

(٣) سورة ق : ٢٢.

(٤) سورة الجاثية : ٢٩.

(٥) سورة الأعراف : ٢٩.

(٦) سورة الأنبياء : ١٠٤.

٨

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وغير واحد ، عن الحسين بن الحسن جميعا ، عن محمد بن أورمة ، عن محمد بن علي ، عن إسماعيل بن يسار ، عن عثمان بن يوسف قال أخبرني عبد الله بن كيسان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له جعلت فداك أنا مولاك ـ عبد الله بن كيسان قال أما النسب فأعرفه وأما أنت فلست أعرفك قال قلت له إني ولدت بالجبل ونشأت في أرض فارس وإنني أخالط الناس في التجارات وغير ذلك فأخالط الرجل فأرى له حسن السمت وحسن الخلق وكثرة أمانة ثم أفتشه فأتبينه عن عداوتكم وأخالط الرجل فأرى منه سوء الخلق وقلة أمانة وزعارة ثم أفتشه فأتبينه عن ولايتكم فكيف يكون ذلك فقال لي أما علمت يا ابن كيسان أن الله عز وجل أخذ طينة من الجنة وطينة من النار فخلطهما جميعا ثم نزع هذه من هذه وهذه من هذه فما رأيت من أولئك من الأمانة وحسن الخلق وحسن السمت فمما مستهم من طينة الجنة وهم يعودون إلى ما خلقوا منه وما رأيت من هؤلاء من قلة الأمانة وسوء الخلق والزعارة فمما مستهم من

______________________________________________________

الحديث الخامس : ضعيف.

« فلست أعرفك » أي بالتشيع« فأفتشه عن عداوتكم » التعدية بعن لتضمين معنى الكشف ، والسمت : الطريق وهيئة أهل الخير ، وزعارة بالزاء والراء المشددة وقد يخفف الشراسة وسوء الخلق ، وفي بعض النسخ بالدال والعين والراء المهملات وهو الفساد والفسق والخبث.« فخلطهما جميعا » أي في صلب آدم إلى أن يخرجوا من أصلاب أولاده ، وهو المرادبقوله : ثم نزع هذه من هذه إذ يخرج المؤمن من صلب الكافر ، والكافر من صلب المؤمن وحمل الخلط على الخلطة في عالم الأجساد واكتساب بعضهم الأخلاق من بعض بعيد جدا.

وقال بعضهم : ثم نزع هذه ـ إلى آخره ـ معناه أنه نزع طينة الجنة من طينة النار ، وطينة النار من طينة الجنة بعد ما مست إحداهما الأخرى ، ثم خلق أهل الجنة من طينة الجنة ، وخلق أهل النار من طينة النار ، وأولئك إشارة إلى الأعداء

٩

طينة النار وهم يعودون إلى ما خلقوا منه.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن صالح بن سهل قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ـ المؤمنون من طينة الأنبياء قال نعم.

٧ ـ علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد ، عن الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن إبراهيم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عز وجل لما أراد أن يخلق آدمعليه‌السلام بعث جبرئيلعليه‌السلام في أول ساعة من يوم الجمعة فقبض بيمينه قبضة بلغت قبضته من السماء السابعة إلى السماء الدنيا وأخذ من

______________________________________________________

وهؤلاء إلى الأولياء ، وما خلقوا منه في الأول طينة النار وفي الثاني طينة الجنة.

الحديث السادس : ضعيف. والمراد فضل طينتهم.

الحديث السابع : ضعيف.

قوله : في أول ساعة « إلخ » قيل : لما كان خلق آدمعليه‌السلام بعد خلق السماوات والأرض ضرورة تقدم البسيط على المركب ، وكان خلق السماوات والأرض وأقواتها في ستة أيام من الأسبوع وقد جمعت جميعا في الجمعة صار بدو خلق الإنسان فيه ، والمراد بكلمته جبرئيل لأنه حامل كلمته أو لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام الله أو لكونه مخلوقا بكلمة كن بلا مادة ، وقيل : المراد بالسماوات درجات الجنة وبالأرضين دركات سجين ليطابق الأخبار الأخر ، ويحتمل أخذها منهما معا ، وقيل : كان المرادبالتربة ما له مدخل في تهيئة المادة القابلة لأن يخلق منها شيء فيشمل الطينة بمعنى الجبلة وآثار القوى السماوية المربية للنطفة ، وبالجملة ما له مدخل في السبب القابلي ، انتهى.

وقيل : إطلاق التربة على ما أخذ من السماوات من قبيل مجاز المشارفة أي ما يصير تربة وينقلب إليها ، والقصوى مؤنث الأقصى أي الأبعد ، ويدل على أن الأرض سبع طبقات كالسماوات كما قال تعالى : " «اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ

١٠

كل سماء تربة وقبض قبضة أخرى من الأرض السابعة العليا إلى الأرض السابعة القصوى فأمر الله عز وجل كلمته فأمسك القبضة الأولى بيمينه والقبضة الأخرى بشماله ففلق الطين فلقتين فذرا من الأرض ذروا ومن السماوات ذروا فقال للذي بيمينه منك الرسل والأنبياء والأوصياء والصديقون والمؤمنون والسعداء ومن أريد كرامته فوجب لهم ما قال كما قال وقال للذي بشماله منك الجبارون

______________________________________________________

مِثْلَهُنَ »(١) .

قوله عليه‌السلام : ففلق الطين فلقتين ، ضمير فلق إما راجع إلى الله أو إلى جبرئيل ، وكذاقوله : فذرأ ، وفي القاموس فلقه يفلقه شقه كفلقه وفالق الحب خالقه أو شاقه بإخراج الورق منه ، وقال : ذرت الريح الشيء ذروا وأذرته وذرته أطارته وأذهبته وذرأ هو بنفسه.

أقول : الكلام يحتمل وجوها « الأول » أن يكون قوله : ففلق تفريعا وتأكيدا لما مضى ، أي فصار يقبض بعض الطين باليمين وبعضه بالشمال الطين صنفين ، ففرق من الأرض أي ما كان في يده من طين الأرض ، وكذا الثاني فقال الله أو جبرئيل للذي بيمينه قبل الذر أو للذي كان بيمينه بعده.

الثاني : أن يكون المعنى ففلق كل طين من الطينين فلقة أي جعل كلا منهما حصتين ففرق من كل طين حصة ليكون طينة للمستضعفين والأطفال والمجانين ، وقال لما بقي في اليمين : منك الرسل « إلخ » ولما بقي في الشمال : منك الجبارون « إلخ » وعلى هذا لعل إرجاع الضمائر إلى الله تعالى أولى ، فيقرأ أريد في الموضعين بصيغة المتكلم ، وعلى الوجه الآخر يقرأ بصيغة الغائب المجهول.

الثالث : ما ذكره بعض الأفاضل حيث قال : كان الفلق كناية عن إفراز ما يصلح من المادتين لخلق الإنسان ، وإنما ذرأ من كل منهما ما ذرأ لأنه كان فيهما ما ليس له مدخل في خلق الإنسان وإنما كان مادة لسائر الأكوان خاصة.

__________________

(١) سورة الطلاق : ١٢.

١١

والمشركون والكافرون والطواغيت ومن أريد هوانه وشقوته فوجب لهم ما قال كما قال ثم إن الطينتين خلطتا جميعا وذلك قول الله عز وجل «إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى »(١) فالحب طينة المؤمنين التي ألقى الله عليها محبته والنوى طينة الكافرين الذين نأوا عن كل خير وإنما سمي النوى من أجل أنه نأى عن كل خير وتباعد عنه وقال الله عز وجل «يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ »(٢)

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : ثم إن الطينتين خلطتا ، أي ما كان في اليدين أو جميع الطينتين المذروء منهما وغير المذروء ، وقوله عليه‌السلام : فالحب طينة المؤمنين ، هذا بطن من بطون الآية وعلى هذا التأويل المراد بالفلق شق كل منهما وإخراج الآخر منه أو شق كل منهما عن صاحبه أو خلقهما« من أجل أنه نأى » كان مناسبة نأى ونوى من جهة الاشتقاق الكبير المبني على توافق بعض حروف الكلمتين فإن الأول مهموز الوسط والثاني من المعتل ، ويحتمل أن يكون أصل المهموز من المعتل أو بالعكس ويؤيد أن صاحب المصباح المنير والراغب في المفردات ذكرا نأى في باب النون مع الواو ، أو يقال ليس الغرض بيان الاشتقاق بل بيان أن النوى بمعنى البعد ، وذكر نأى لتناسب اللفظين فإن الواوي أيضا يطلق بهذا المعنى ، قال في القاموس : النية الوجه الذي يذهب فيه والبعد كالنوى فيهما « انتهى ».

والآية في سورة الأنعام هكذا : «إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى » قال في مجمع البيان : أي شاق الحبة اليابسة الميتة فيخرج منه النبات وشاق النواة اليابسة فيخرج منها النخل والشجر ، وقيل : معناه خالق الحب والنوى ومنشإهما ومبدئهما ، وقيل : المراد به ما في الحبة والنواة من الشق ، وهو من عجيب قدرة الله تعالى في استوائه.

«يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ » أي يخرج النبات الغض

__________________

(١) سورة الأنعام : ٩٥.

(٢) سورة الأنعام : ٩٥.

١٢

فالحي المؤمن الذي تخرج طينته من طينة الكافر والميت الذي يخرج من الحي هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن فالحي المؤمن والميت الكافر وذلك قوله عز وجل : «أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ »(١) فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر

______________________________________________________

الطري الخضر من الحب اليابس ، ويخرج الحب اليابس من النبات الحي النامي عن الزجاج والعرب تسمى الشجرة ما دام غضا قائما بأنه حي ، فإذا يبس أو قطع أو قلع سموه ميتا.

وقيل : معناه يخلق الحي من النطفة وهي موات ، ويخلق النطفة وهي موات من الحي عن الحسن وغيره ، وهذا أصح ، وقيل : معناه يخرج الطير من البيض والبيض من الطير عن الجبائي ، وقيل : يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.

ثم قال سبحانه في هذه السورة أيضا : «أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها ».

قال الطبرسي :أومن كان ميتا أي كافرافأحييناه بأن هديناه إلى الإيمان عن ابن عباس وغيره ، شبه سبحانه الكفر بالموت والإيمان بالحياة ، وقيل : معناه من كان نطفة فأحييناه وجعلنا له نورا ، المراد بالنور العلم والحكمة أو القرآن أو الإيمان ، وبالظلمات ظلمات الكفر ، وإنما سمي الله الكافر ميتا كأنه لا ينتفع بحياته ولا ينتفع غيره بحياته فهو أسوأ حالا من الميت إذ لا يوجد من الميت ما يعاقب عليه ، ولا يتضرر غيره به ، وسمي المؤمن حيا لأنه له ولغيره المصلحة والمنفعة في حياته وكذلك سمي الكافر ميتا والمؤمن حيا في عدة مواضع ، مثل قوله : «إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى »(٢) و «لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا »(٣) وقوله : «وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ »(٤)

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٢٢.

(٢) سورة الروم : ٥٢.

(٣) سورة يس : ٧٠.

(٤) سورة فاطر : ٢٢.

١٣

وكان حياته حين فرق الله عز وجل بينهما بكلمته كذلك يخرج الله عز وجل المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور ويخرج الكافر من النور إلى الظلمة

______________________________________________________

وسمي القرآن والعلم والإيمان نورا لأن الناس يبصرون بذلك ، ويهتدون به من ظلمات الكفر وحيرة الضلالة ، كما يهتدى بسائر الأنوار ، وسمي الكفر ظلمة لأن الكافر لا يهتدي بهداه ولا يبصر أمر رشده « انتهى ».

وأقول : على التأويل المذكور في الخبر وأكثر التفاسير المذكورة قوله تعالى : «يُخْرِجُ الْحَيَ » بيان لقوله «فالِقُ الْحَبِ ».

قوله : حين فرق الله بينهما بكلمته ، أي بقدرته أو بأمر كن ، أو بجبرئيل ، والتفريق في الميلاد أو في الطينة ، والأول أظهر ،فقوله : كذلك ، تشبيه الإخراج من الظلمات إلى النور وبالعكس بإخراج الحي من الميت وبالعكس ، في أن المراد فيهما إخراج طينة المؤمن من طينة الكافر وبالعكس ، وليس المراد تأويل تتمة تلك الآية أعني قوله سبحانه : «أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً » « إلخ » فإنه لم يذكر فيها إخراج الكافر من النور إلى الظلمة ، بل فيها أنه في الظلمات ليس بخارج منها بل هو إشارة إلى قوله تعالى : «اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ »(١) الآية ، ولا ينافيهقوله عليه‌السلام : ويخرج الكافر ، مع أن في الآية نسب الإخراج إلى الطاغوت لأن لخذلانه سبحانه مدخلا في ذلك ، مع أنه يمكن أن يقرأ على بناء المجرد المعلوم ، أو على بناء المجهول ، وما قيل : من أنه يظهر من هذا الحديث أن إخراج المؤمن من الكافر وبالعكس في وقتين تفريق الطين ووقت الولادة فليس بظاهر كما عرفت.

ثم استشهدعليه‌السلام لإطلاق الحياة على الإيمان أو كونه من طينة مقربة له بقوله سبحانه : «لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا » أي كان من طينة الجنة على تأويلهعليه‌السلام ، قال الطبرسي : أي أنزلناه ليخوف به من معاصي الله من كان مؤمنا لأن الكافر كالميت بل أقل من الميت أو من كان عاقلا كما روي عن عليعليه‌السلام وقيل : من كان حي القلب

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٧.

١٤

بعد دخوله إلى النور وذلك قوله عز وجل : «لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ »(١) .

______________________________________________________

حي البصر «وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ » أي يجب الوعيد والعذاب على الكافرين بكفرهم.

وأقول : على تأويلهعليه‌السلام يحتمل أن يكون المراد بالقول ما مر من قوله سبحانه : منك الجبارون والمشركون والكافرون « إلخ ».

فذلكة

اعلم أن ما ذكر في هذا الباب وفي بعض الأبواب الآتية من متشابهات الأخبار ومعضلات الآثار ، ومما يوهم الجبر ونفي الاختيار ولأصحابنا رضوان الله عليهم فيها مسالك :

الأول : ما ذهب إليه الأخباريون وهو أنا نؤمن بها مجملا ونعترف بالجهل عن حقيقة معناها وعن أنها من أي جهة صدرت ونرد علمه إليهمعليه‌السلام .

الثاني : أنها محمولة على التقية لموافقتها لروايات العامة ومذاهب الأشاعرة الجبرية وهم جلهم.

الثالث : أنه كناية عن علمه تعالى بما هم إليه صائرون فإنه سبحانه لما خلقهم وكان عند خلقهم عالما بما يصيرون إليه فكأنه خلقهم من طينات مختلفة.

الرابع : أنها كناية عن اختلاف استعداداتهم وقابلياتهم وهذا أمر بين لا يمكن إنكاره ، فإنه لا يريب عاقل في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبا جهل ليسا في درجة واحدة من الاستعداد والقابلية ، وهذا لا يستلزم سقوط التكليف فإن الله تعالى كلف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقدر ما أعطاه من الاستعداد والقابلية لتحصيل الكمالات وكلفه ما لم يكلف أحدا مثله ، وكلف أبا جهل ما في وسعه وطاقته ، ولم يجبره على شيء من الشر والفساد.

الخامس : أنه لما كلف الله تعالى الأرواح أولا في الذر وأخذ ميثاقهم فاختاروا الخير والشر باختيارهم في ذلك الوقت ، وتفرع اختلاف الطينة على ما اختاروه باختيارهم كما دلت عليه بعض الأخبار فلا فساد في ذلك.

__________________

(١) سورة يس : ٧٠.

١٥

باب آخر منه

وفيه زيادة وقوع التكليف الأول

١ ـ أبو علي الأشعري ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن إسماعيل ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لو علم الناس كيف ابتداء الخلق ما اختلف اثنان إن الله عز وجل قبل أن يخلق الخلق قال كن ماء

______________________________________________________

باب آخر منه وفيه زيادة وقوع التكليف الأول

أقول : إنما أفرد لتلك الأخبار بابا لاشتمالها على أمر زائد لم يكن في الأخبار السابقة رعاية لضبط العنوان بحسب الإمكان.

الحديث الأول : موثق كالصحيح.

« لما اختلف اثنان » (١) أي في مسألة الاستطاعة والاختيار والجبر ، أو لما تنازع اثنان في أمر من أمور الدين لاختلاف إفهامهم وقابلياتهم وطينهم ، ولما بالغوا في هداية الخلق« كن ماءا عذابا » أمر تكويني أو استعارة تمثيلية لبيان علمه تعالى باختلاف مواد الخلق واستعداداتهم وما هم إليه صائرون وفي القاموس :ماء أجاج ملح مر ، وقال أديم النهار عامته أو بياضه ، ومن الضحى أوله ومن السماء والأرض ما ظهروقال : عركه دلكه وحكه حتى عفاه وقال :الذر صغار النمل ومائة منها زنة حبة شعير ، الواحدة ذرة ، وقال : دبيدب دبا ودبيبا : مشى على هنيئة ، وقال : أقلته فسخته ، واستقالة : طلب إليه أن يقيله ، وقال : هابه يهابه هيبا ومهابة : خافه.

وقال السيدرضي‌الله‌عنه في نهج البلاغة : روى اليماني عن أحمد بن قتيبة عن عبد الله بن يزيد عن مالك بن دحية قال : كنا عند أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وقد ذكر عنده اختلاف الناس ، قال : إنما فرق بينهم مبادئ طينهم ، وذلك أنهم قد كانوا فلقة من سبخ أرض وعذبها وحزن تربة وسهلها فهم على حسب قرب أرضهم يتقاربون ،

__________________

(١) وفي المتن « ما اختلف » بدون اللام.

١٦

عذبا أخلق منك جنتي وأهل طاعتي وكن ملحا أجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي ثم أمرهما فامتزجا فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر والكافر المؤمن ثم أخذ طينا

______________________________________________________

وعلى قدر اختلافها يتفاوتون ، فتام الرواء ناقص العقل وماد القامة قصير الهمة وزاكي العمل قبيح المنظر وقريب القعر بعيد السبر ومعروف الضريبة منكر الجليبة وتائه القلب متفرق اللب وطليق اللسان حديد الجنان.

وقال ابن ميثم في قولهعليه‌السلام : إنما فرق بينهم « إلخ » أي تقاربهم في الصور والأخلاق تابع لتقارب طينهم وتقارب مباديه وهي السهل والحزن ، والسبخ والعذب وتفاوتهم فيها لتفاوت طينهم ومباديه المذكورة وقال أهل التأويل : الإضافة بمعنى اللام أي المبادئ لطينهم كناية عن الأجزاء العنصرية التي هي مبادئ المركبات ذوات الأمزجة ، أو السبخ كناية عن الحار اليابس والعذب عن الحار الرطب والسهل عن البارد الرطب ، والحزن عن البارد اليابس ، انتهى.

وأقول : لا يبعد أن يكون الماء العذب كناية عما خلق الله في الإنسان من الدواعي إلى الخير والصلاح كالعقل والنفس الملكوتي ، والماء الأجاج عما ينافي ويعارض ذلك ويدعو إلى الشهوات الدنية واللذات الجسمانية من البدن وما ركب فيه من الدواعي إلى الشهوات ، ويكون مزجهما كناية عن تركيبهما في الإنسان ،فقوله : أخلق منك ، أي من أجلك جنتي وأهل طاعتي ، إذ لو لا ما في الإنسان من جهة الخير لم يكن لخلق الجنة فائدة ولم يكن يستحقها أحد ، ولم يصر أحد مطيعا له تعالى ، وكذاقوله : أخلق منك ناري إذا لو لا ما في الإنسان من دواعي الشرور لم يكن يعصي الله أحد ، ولم يحتج إلى خلق النار للزجر عن الشرور ثم لإظهار إحاطة علمه بما سيقع من كل فرد من أفراد البشر للملائكة لطفا لهم ولبني آدم أيضا بعد إخبار الرسل بذلك جعلهم كالذر ، وميز من علم منهم الإيمان ممن علم منهم خلافه ، وكلفهم بدخول النار ليعلموا قبل التكليف في عالم الأجساد أن ما علم منهم مطابق للواقع« فثم ثبتت الطاعة والمعصية » وعلم الملائكة من يطيع بعد ذلك ومن يعصي وأثبت ذلك في الألواح مطابقا لعلمه تعالى.

١٧

من أديم الأرض فعركه عركا شديدا فإذا هم كالذر يدبون فقال لأصحاب اليمين إلى الجنة بسلام وقال لأصحاب الشمال إلى النار ولا أبالي ثم أمر نارا فأسعرت فقال لأصحاب الشمال ادخلوها فهابوها فقال لأصحاب اليمين ادخلوها فدخلوها فقال «كُونِي بَرْداً وَسَلاماً » فكانت بردا وسلاما فقال أصحاب الشمال يا رب أقلنا ـ فقال قد أقلتكم فادخلوها فذهبوا فهابوها فثم ثبتت الطاعة والمعصية ـ فلا يستطيع هؤلاء

______________________________________________________

وقوله : فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر ، أي لأجل ما قرر في الإنسان من جهتي الخير والشر ترى الأب يصير تابعا للعقل ومقويا لدواعي الخير وزاجرا للشهوات فيصير من الأخيار ، والابن يتبع الهوى والشهوات ويسلطها على العقل فيصير من الأشرار مع نهاية الارتباط بينهما.

وقوله : ولا يستطيع هؤلاء ، أي لا يتخلف ما علم الله تعالى منهم ، لكن لا يختارونها إلا باختيارهم وإرادتهم واستطاعتهم.

هذا ما خطر بالبال على وجه الاحتمال والله يعلم غوامض أسرارهمعليه‌السلام .

وقال بعض أهل التأويل عبر عن المادة تارة بالماء وأخرى بالتربة لاشتراكهما في قبول الأشكال ، ولاجتماعهما في طينة الإنسان وتركيب خلقته ، وأديم الأرض وجهها وكأنه كناية عما ينبت منها مما يصلح أن يصير غذاء الإنسان ويحصل منه النطفة أو تتربى به ، والعرك : الدلك وكأنه كناية عن مزجه بحيث يحصل منه المزاج ويستعد للحياة ، والذر : النمل الصغار ووجه الشبه الحس والحركة وكونهم محل الشعور مع صغر الجثة والخفاء ، وهذا الخطاب إنما كان في عالم الأمر ولشدة ارتباط الملك بالملكوت وقوامه به جاز إسناد مادته إليه وإن كان عالم الأمر مجردا عن المادة واجتماعهم في الوجود عند الله تعالى إنما هو لاجتماع الأجسام الزمانية عنده تعالى دفعة واحدة في عالم الأمر وإن كانت متفرقة مبسوطة متدرجة في عالم الخلق ووجودهم في عالم الأمر وجود ملكوتي ظلي ينبعث من حقيقة هذا الوجود الخلقي الجسماني وهو صورة علمه سبحانه بها وعبر عنه بالظلال في حديث آخر ، وأمره تعالى إياهم

١٨

أن يكونوا من هؤلاء ولا هؤلاء من هؤلاء.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة أن رجلا سأل أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله جل وعز : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » إلى آخر الآية(١) .

______________________________________________________

إلى الجنة والنار هدايته إياهم إلى سبيلهما ، ثم توفيقه أو خذلانه ، ولعل المراد بالنار المسعرة بعد ذلك التكاليف الشرعية وتحصيل المعرفة المحرقة للقلوب لصعوبة الخروج عن عهدتها واستقالة أصحاب الشمال كناية عن تمنيهم الإطاعة وعدم قدرتهم التامة عليها لغلبة الشقوة عليهم ، وكونهم مسخرة تحت سلطان الهوى كما قالوا «رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ » انتهى.

والاجتراء على تلك التأويلات في الأخبار جرأة على الله ورسوله والأئمة الأخيار إلا أن يكون على سبيل الاحتمال ، لكن بعد ثبوت ما بنوا عليه الكلام من المقدمات التي لم تثبت بالبرهان واليقين بل بعضها مناف لما ثبت في الدين المبين.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

وظاهر الحديث أن السؤال عن الباقرعليه‌السلام كان في زمن أبيه وهو حاضر ، وفيه أنه لم يعهد إدراك زرارة علي بن الحسينعليه‌السلام فيحتمل أن يكون روي ذلك عن الرجل السائل ولم يكن زرارة حاضرا عند السؤال ، مع أنه يمكن إدراكه زمان السجادعليه‌السلام وعدم روايته عنه ولذا لم يعد من أصحابه ، وفي تفسير العياشي هكذا عن زرارة أن رجلا سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام إلى آخر الخبر ، وهو أصوب.

«وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ » قال البيضاوي : أي أخرج من أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن ، ومن ظهورهم بدل من بني آدم بدل البعض ، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب ذرياتهم «وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ » أي نصب لهم دلائل ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٧٢.

١٩

فقال وأبوه يسمععليه‌السلام حدثني أبي أن الله عز وجل قبض قبضة من تراب التربة التي خلق منها آدمعليه‌السلام فصب عليها الماء العذب الفرات ثم تركها أربعين صباحا ثم صب عليها الماء المالح الأجاج فتركها أربعين صباحا فلما اختمرت الطينة أخذها فعركها عركا شديدا فخرجوا كالذر من يمينه وشماله وأمرهم جميعا أن يقعوا في النار فدخل

______________________________________________________

بها حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم :ألست بربكم؟ قالوا بلى ، فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم منه منزلة الإشهاد والاعتراف على طريقة التمثيل ، ويدل عليه قوله : «قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ » أي كراهة أن تقولوا «إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ » لم ننبه عليه بدليل «أَوْ تَقُولُوا » عطف على أن تقولوا «إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ » فاقتدينا بهم لأن التقليد عند قيام الدليل والتمكن مع العلم به لا يصلح عذرا «أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ » يعني آباءهم المبطلين بتأسيس الشرك ، وقيل : لما خلق الله آدم أخرج من ظهره ذرية كالذر وأحياهم ، وجعل لهم العقل والنطق وألهمهم ذلك ، لحديث رواه عمر ، انتهى.

وقال بعض المحققين لعل معنى إشهاد ذرية بني آدم على أنفسهم بالتوحيد استنطاق حقائقهم بالسنة قابليات جواهرها وألسن استعدادات ذواتها ، وأن تصديقهم به كان بلسان طباع الإمكان قبل نصب الدلائل لهم أو بعد نصب الدلائل ، أو أنه نزل تمكينهم من العلم وتمكينهم منه بمنزلة الإشهاد والاعتراف على طريقة التمثيل نظير ذلك قوله عز وجل : «إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ »(١) إلخ ، وقوله عز وعلا : «فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ »(٢) ومعلوم أنه لا قول ثمة وإنما هو تمثيل وتصوير للمعنى ، ويحتمل أن يكون ذلك النطق باللسان الملكوتي الذي به يسبح كل شيء بحمد ربه ، وذلك لأنهم مفطورون على التوحيد.

قوله عليه‌السلام : من تراب ، التربة هذا من قبيل إضافة الجزء إلى الكل ،قوله

__________________

(١) سورة النحل : ٤٠.

(٢) سورة الفصلت : ١١.

٢٠

أصحاب اليمين فصارت عليهم بردا وسلاما وأبى أصحاب الشمال أن يدخلوها.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد بن علي الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عز وجل لما أراد أن يخلق آدمعليه‌السلام أرسل الماء على الطين ثم قبض قبضة فعركها ثم فرقها فرقتين بيده ثم ذرأهم فإذا هم يدبون ثم رفع لهم نارا فأمر أهل الشمال أن يدخلوها فذهبوا إليها فهابوها فلم يدخلوها ثم أمر أهل اليمين أن يدخلوها فذهبوا فدخلوها فأمر الله جل وعز النار فكانت عليهم بردا وسلاما فلما رأى ذلك أهل الشمال قالوا ربنا أقلنا فأقالهم ثم قال لهم ادخلوها فذهبوا فقاموا عليها ولم يدخلوها فأعادهم طينا وخلق منها آدمعليه‌السلام وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام فلن يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء قال فيرون أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أول من دخل تلك النار فذلك قوله جل وعز : «قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا

______________________________________________________

من يمينه وشماله ، الضميران راجعان إلى الملك المأمور بهذا الأمر كجبرئيل أو العرش أو إلى التراب فاستعار اليمين للجهة التي فيها اليمن والبركة ، والشمال للأخرى ، أو اليمين لصفة الرحمانية والشمال لصفة القهارية ، فالضميران راجعان إلى الله تعالى كما في الدعاء : الخير في يديك ، أي كلما يصدر منك من خير أو شر أو نفع أو ضر فهو خير ، ومشتمل على المصالح الجليلة.

الحديث الثالث : حسن موثق كالصحيح.

قوله : فيرون ، أي أهل البيتعليه‌السلام «قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ » الآية ، قيل في تفسير الآية وجوه :

« الأول » فإنا أول العابدين منكم ، فإن النبي يكون أعلم بالله وبما يصح له وبما لا يصح له ، وأولى بتعظيم ما يوجب تعظيمه ، ومن حق تعظيم الوالد تعظيم ولده ، ولا يلزم من ذلك صحة كينونة الولد وعبادته له ، فإن المحال قد يستلزم

٢١

أَوَّلُ الْعابِدِينَ »(١) .

باب آخر منه

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن داود العجلي ، عن زرارة ، عن حمران ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماء عذبا وماء مالحا أجاجا فامتزج الماءان فأخذ طينا من أديم الأرض فعركه عركا شديدا فقال لأصحاب اليمين وهم كالذر يدبون إلى الجنة بسلام وقال لأصحاب الشمال إلى النار ولا أبالي ثم قال «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا

______________________________________________________

المحال ، بل المراد نفيهما.

والثاني : أن معناه إن كان له ولد في زعمكم فأنا أول العابدين لله الموحدين له.

الثالث : أن المعنى إن كان له ولد فأنا أول الآنفين منه أو من أن يكون له ولد ، من عبد يعبد إذا اشتد أنفه.

الرابع : أن كلمة إن نافية أي ما كان له ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة.

أقول : وبناء الخبر على التفسير الأول ، إذ يظهر منه أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان مبادرا إلى كل خير وسعادة وإطاعة ، فلا بد أن يكون مبادرا في دخول النار عند الأمر به.

باب آخر منه

الحديث الأول : مجهول.

« فأخذ طينا » أي مزجه بالمائين ليحصل فيه استعداد الخير والشر معا فيصح التكليف« إلى الجنة » أي امضوا إلى الجنة سالمين من العذاب والنكال ، أو إلى ما يوجب الجنة سالمين من شبه الشياطين ووساوسهم «أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ » يعني فعل ذلك كراهة أن تقولوا ، وفي أكثر النسخ أن تقولوا بصيغة الخطاب كما في القراءات

__________________

(١) سورة الزخرف : ٨١.

٢٢

بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ » ثم أخذ الميثاق على النبيين فقال «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ » وأن هذا محمد رسولي وأن هذا علي أمير المؤمنين «قالُوا بَلى » فثبتت لهم النبوة وأخذ الميثاق على أولي العزم أنني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علميعليه‌السلام وأن المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي وأعبد به طوعا وكرها قالوا أقررنا يا رب وشهدنا ولم يجحد آدم ولم يقر فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به وهو قوله عز وجل : «وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً »(١) قال إنما هو فترك ثم أمر نارا فأججت

______________________________________________________

المشهورة ، فيكون ذكر تتمة الآية استطرادا ، والأصوب هنا أن يقولوا بصيغة الغيبة موافقا لقراءة أبي عمرو في الآية.

قوله عليه‌السلام : ثم أخذ ، لعل كلمة ثم هنا وفيما سيأتي للتراخي الرتبي لا الزماني ، لما بين الميثاقين من التفاوت ، وإلا فالظاهر تقدم أخذ الميثاق على النبيين على غيرهم ، وكذا أخذ الميثاق على أولي العزم وغيرهم لما سيأتي ، وأريد بأولى العزم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا ينافي دخول الإقرار بنبوة نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما عهد إليهم دخولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المعهود إليهم ، قيل : ولما كانوا معهودين معلومين جاز أن يشار إليهم بهؤلاء الخمسة مع عدم ذكرهم مفصلا ، وإنما زاد في أخذ الميثاق على من زاد في رتبته وشرفه لأن التكليف إنما يكون بقدر الفهم والاستعداد ، فكلما زاد زاد ، وإنما يعرف مراتب الوجود من له حظ منها وبقدر حظه منها ، وأما آدم فلما لم يعزم على الإقرار بالمهدي لم يعد من أولي العزم ، وإن عزم على الإقرار بغيره من الأوصياء.

« إنما هو فترك » يعني معنى فنسي هيهنا ليس إلا فترك ، ولعل السر في عدم عزم آدم على الإقرار بالمهدي استبعاده أن يكون لهذا النوع الإنساني اتفاق على أمر

__________________

(١) سورة طه : ١١٥.

٢٣

فقال لأصحاب الشمال ادخلوها فهابوها وقال لأصحاب اليمين ادخلوها فدخلوها فكانت عليهم بردا وسلاما فقال أصحاب الشمال يا رب أقلنا فقال قد أقلتكم اذهبوا فادخلوا فهابوها فثم ثبتت الطاعة والولاية والمعصية.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السجستاني قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول إن الله عز وجل لما أخرج ذرية آدمعليه‌السلام من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية له وبالنبوة لكل نبي فكان أول من أخذ له عليهم الميثاق بنبوته محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال الله عز وجل لآدم انظر ما ذا ترى قال فنظر آدمعليه‌السلام إلى ذريته وهم ذر قد ملئوا السماء قال آدمعليه‌السلام يا رب ما أكثر ذريتي ولأمر ما خلقتهم فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم قال الله عز وجل «يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ

______________________________________________________

واحد ، انتهى.

وأقول : الظاهر أن المراد بعدم العزم عدم الاهتمام به وتذكره ، أو عدم التصديق اللساني حيث لم يكن ذلك واجبا لا عدم التصديق به مطلقا ، فإنه لا يناسب منصب النبوة ، بل ما هو أدون منه.

وقوله : إنما هو فترك ، أي معنى النسيان هنا الترك ، لأن النسيان غير مجوز على الأنبياءعليه‌السلام ، أو كان في قراءتهمعليه‌السلام « فترك » مكان « فنسي » أو المعنى أن العزم إنما كان ما ذكر ، أي العزم على الإقرار المذكور ، فترك آدمعليه‌السلام أو كان المطلوب الإقرار التام ولم يأت به ، أو عزم أولا ثم ترك والأول أظهر.

وفي القاموسالأجيج تلهب النار كالتأجج ، وأججتها تأجيجا فتأججت.

الحديث الثاني : حسن.

قوله : فكان ،وثم قال ، وفنظر ، الكل معطوف على أخرج ،وقوله : قال آدم ، جواب لما ، و« لأمر ما » أي لأمر عظيمقوله : يعبدونني ، أي أريد منهم أن يعبدونني ، وقوله : لا يشركون بي شيئا ، حال أو استئناف بيانيقوله : وكذلك

٢٤

بِي شَيْئاً » ويؤمنون برسلي ويتبعونهم قال آدمعليه‌السلام يا رب فما لي أرى بعض الذر أعظم من بعض وبعضهم له نور كثير وبعضهم له نور قليل وبعضهم ليس له نور فقال الله عز وجل كذلك خلقتهم لأبلوهم في كل حالاتهم قال آدمعليه‌السلام يا رب فتأذن لي في الكلام فأتكلم قال الله عز وجل تكلم فإن روحك من روحي وطبيعتك [ من ] خلاف كينونتي قال آدم يا رب فلو كنت خلقتهم على مثال واحد وقدر واحد وطبيعة واحدة وجبلة واحدة وألوان واحدة وأعمار واحدة وأرزاق سواء لم يبغ بعضهم على بعض ولم يكن بينهم تحاسد ولا تباغض ولا اختلاف في شيء من الأشياء قال الله عز وجل يا آدم بروحي نطقت وبضعف طبيعتك تكلفت ما لا علم لك به وأنا الخالق

______________________________________________________

خلقتهم ، في بعض النسخ لذلك أي لأجل الاختلاف ، كما قال سبحانه : «وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ » على بعض التفاسير ، أو لأن يعبدوني ولا يشركوا بي شيئا.

«مِنْ رُوحِي » أي من روح اصطفيته واخترته ، أو من عالم المجردات بناء على تجرد النفس ، وقيل : الروح الأول النفس ، والثاني جبرئيل ، ولا يخفى ما فيه« وطبيعتك » أي خلقتك الجسمانية البدنية أو صفاتها التابعة لها« خلاف كينونتي » أي وجودي فإنها من عالم الماديات ، ولا تناسب عالم المجردات أو الخطأ والوهم ناش منها ، وقيل : الكينونة هنا مصدر كان الناقصة والإضافة أيضا للتشريف ، أي صفاتك البدنية مخالفة للآداب المرضية لي ـ ككونك صابرا وقانعا وراضيا بقضائه تعالى ، والجبلة بكسر الجيم والباء وتشديد اللام : الخلقة ، وقوله : وبضعف طبيعتك تكلفت ما لا علم لك به ، في بعض النسخ وبضعف قوتك تكلمت ، والحاصل أن حكمك بأنهم إذا كانوا على صفات واحدة كان أقرب إلى الحكمة والصواب إنما نشأ من الأوهام التابعة للقوي البدنية فإنهم لو كانوا كذلك لم يتيسر التكليف المعرض لهم لأرفع الدرجات ، ولم تبق نظام النوع ، ولم يرتكبوا الصناعات الشاقة التي بها بقاء نوعهم

٢٥

العالم بعلمي خالفت بين خلقهم وبمشيئتي يمضي فيهم أمري وإلى تدبيري وتقديري صائرون لا تبديل لخلقي إنما خلقت الجن والإنس لِيَعْبُدُونِ وخلقت الجنة لمن أطاعني وعبدني منهم واتبع رسلي ولا أبالي وخلقت النار لمن كفر بي وعصاني

______________________________________________________

إلى غير ذلك من الحكم والمصالح.

« بعلمي خالفت بين خلقهم » إذ علمت أن في مخالفة خلقتهم صلاحهم وبقاء نوعهم« وبمشيتي » أي إرادتي التابعة لحكمتي« يمضي فيهم أمري » أي الأمر التكويني أو التكليفي أو الأعم« لا تبديل لخلقي » أي لتقديري ، أو لما قررت فيهم من القابليات والاستعدادات ، وقيل : أي من حسنت أحواله في ذلك الوقت حسنت أحواله في الدنيا ، ومن حسنت أحواله في الدنيا حسنت أحواله في الآخرة ، ومن قبحت أحواله في ذلك الوقت قبحت أحواله في الموطنين الآخرين لا يتبدل هؤلاء إلى هؤلاء ولا هؤلاء إلى هؤلاء.

أقول : وسيأتي الكلام في تفسير قوله تعالى : «لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ »(١) وكان هذا إشارة إليه« إنما خلقت الجن والإنس ليعبدون » إشارة إلى قوله تعالى : «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ »(٢) وأورد على ظاهر الآية أن بعض الجن والإنس لا يعبدون أصلا إما لكفر أو جنون أو موت قبل البلوغ أو نحو ذلك ، وعدم ترتب العلة الغائية على فعل الحكيم ممتنع ، وأجيب بوجوه أربعة :

الأول : أنه أراد سبحانه بالجن والإنس الذين بلغوا حد التكليف قبل الممات والتعليل المفهوم من اللام أعم من العلة الغائية ، كما روى الصدوق في التوحيد عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام أنه قال معنى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أن الله عز وجل خلق الجن والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه ، وذلك قوله عز وجل : «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ » فيسر كلاما لما خلق له ، فالويل لمن استحب العمى على الهدى.

__________________

(١) سورة الروم : ٣٠.

(٢) سورة الذاريات : ٥٩.

٢٦

ولم يتبع رسلي ولا أبالي وخلقتك وخلقت ذريتك من غير فاقة بي إليك وإليهم وإنما خلقتك وخلقتهم لأبلوك وأبلوهم «أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » في دار الدنيا في حياتكم

______________________________________________________

الثاني : أنه إن سلمنا أن المراد بالجن والإنس ما هو أعم من المكلفين وأن اللام للعلة الغائية ، لا نسلم العموم في ضمير الجمع في قوله : ليعبدون ، إذ لعل المراد عبادة بعض الجن والإنس.

الثالث : إن سلمنا عموم ضمير يعبدون أيضا فلا نسلم رجوع الضمير إلى الجن والإنس إذ يمكن عوده إلى المؤمنين المذكورين قبل هذه الآية في قوله تعالى : «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ » فتدل على أن خلق غير المؤمنين لأجل المؤمنين كما يومئ إليه قولهعليه‌السلام في هذا الخبر : وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدوني ولذلك خلقتهم « إلخ ».

الرابع : لو سلمنا جميع ذلك نقول : ترتب الغاية على فعل الحكيم ووجوبه إنما هو فيما هو غاية بالذات ، والغاية بالذات هنا إنما هي التكليف بالعبادة ، والعبادة غاية بالعرض ، والتكليف شامل لجميع أفراد الجن والإنس للروايات الدالة على أن الأطفال والمجانين يكلفون في القيامة كما سيأتي في كتاب الجنائز.(١)

قوله : وقبل مماتكم ، كان تخصيص قبل الممات بالذكر وإن كان داخلا في الحياة للتنبيه على أن المدار على العاقبة في السعادة والشقاوة ،« لأبلوك وأبلوهم » أي لأعاملك وإياهم معاملة المختبر «أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » مفعول ثان للبلوى بتضمين معنى العلم.

__________________

(١) وقال بعض الأساتيد في الجواب عن هذا الإيراد ما لفظه :

قلت : الإشكال مبنيّ على كون اللام في الجنّ والإنس للاستغراق فيكون تخلف الغرض في بعض الأفراد منافيا له ، وتخلفا من الغرض ، والظاهر أنّ اللام فيها للجنس دون الاستغراق فوجود العبارة في النوع في الجملة تحقّق للغرض لا يضرّه تخلفه في بعض الأفراد ، نعم لو ارتفعت العبادة عن جميع الأفراد كان ذلك بطلانا للغرض ولله سبحانه في النوع غرض كما أنّ له في الفرد غرضا.

٢٧

وقبل مماتكم فلذلك خلقت الدنيا والآخرة والحياة والموت والطاعة والمعصية والجنة والنار وكذلك أردت في تقديري وتدبيري وبعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم وأجسامهم وألوانهم وأعمارهم وأرزاقهم وطاعتهم ومعصيتهم فجعلت منهم الشقي والسعيد والبصير والأعمى والقصير والطويل والجميل والدميم والعالم والجاهل والغني والفقير والمطيع والعاصي والصحيح والسقيم ومن به الزمانة ومن لا عاهة به فينظر الصحيح إلى الذي به العاهة فيحمدني على عافيته وينظر الذي به العاهة إلى الصحيح فيدعوني ويسألني أن أعافيه ويصبر على بلائي فأثيبه جزيل عطائي وينظر الغني إلى الفقير فيحمدني ويشكرني وينظر الفقير إلى الغني فيدعوني ويسألني وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني على ما هديته فلذلك خلقتهم لأبلوهم في السراء والضراء وفيما أعافيهم وفيما أبتليهم وفيما أعطيهم

______________________________________________________

قوله : والطاعة والمعصية إسناد خلقهما إليه سبحانه إسناد إلى العلة البعيدة ، أو المراد به جعل المعصية معصية ، والطاعة طاعة ، أو المراد بالخلق التقدير على عموم المجاز أو الاشتراك ، وظاهره أن الجنة والنار مخلوقتان كما هو مذهب أكثر الإمامية بل كلهم ، وأكثر العامة ، وذهب جماعة من المعتزلة إلى أنهما غير مخلوقتين الآن ، وستخلقان.

« وبعلمي النافذ فيهم » أي المتعلق بكنه ذواتهم وصفاتهم وأعمالهم ، كأنه نفذ في أعماقهم أو الجاري أثره فيهم « فجعلت منهم الشقي والسعيد » أي من كنت أعلم عند خلقه أنه يصير شقيا ، أو المادة القابلة للشقاوة وإن لم يكن مجبورا عليها ، وكذا السعيد« والبصير » أي بصرا أو بصيرة ، وكذا الأعمى و« الذميم » في أكثر النسخ بالذال المعجمة ، أي المذموم الخلقة ، في القاموس : ذمه ذما ومذمة فهو مذموم وذميم وبئر ذميم وذميمة قليلة الماء ، غزيرة ضد ، وبه ذميمة أي زمانة تمنعه الخروج ، وكأمير بثر يعلو الوجوه من حر أو جرب ، وفي بعض النسخ بالدال المهملة ، في القاموس : والدمة بالكسر الرجل القصير الحقير ، وأدم أقبح أو ولد له ولد قبيح

٢٨

وفيما أمنعهم وأنا الله الملك القادر ولي أن أمضي جميع ما قدرت على ما دبرت ولي أن أغير من ذلك ما شئت إلى ما شئت وأقدم من ذلك ما أخرت وأؤخر من ذلك ما قدمت وأنا الله الفعال لما أريد لا أسأل عما أفعل وأنا أسأل خلقي عما

______________________________________________________

دميم ، وقال :الزمانة العاهة وقوله : لأبلوهم بدل لقوله لذلك خلقتهم.

قوله : ولي أن أغير إشارة إلى أن الطينات المختلفة والخلق منها ، وتقدير الأمور المذكورة فيهم ليس مما ينفي اختيار الخير والشر أو من الأمور الحتمية التي لا تقبل البداء« لا أسأل عما أفعل » إنما لا يسأل لأنه سبحانه الكامل بالذات العادل في كل ما أراد ، العالم بالحكم والمصالح الخفية التي لا تصل إليها عقول الخلق ، بخلاف غيره فإنهم مسئولون عن أعمالهم وأحوالهم لأن فيها الحسن والقبيح والإيمان والكفر ، لا بالمعنى التي تذهب إليه الأشاعرة أنه يجوز أن يدخل الأنبياءعليه‌السلام النار والكفار الجنة ، ولا يجب عليه شيء ، وقيل : إن هذا إشارة إلى عدم الوجوب السابق وجواز تخلف المعلول عن العلة التامة كما اختاره هذا القائل.

وقال بعض أرباب التأويل في شرح هذا الخبر : إنما ملأوا السماء لأن الملكوت إنما هو في باطن السماء وقد ملأها ، وكانوا يومئذ ملكوتين ، والسر في تفاوت الخلائق في الخيرات والشرور واختلافهم في السعادة والشقاوة واختلاف استعداداتهم وتنوع حقائقهم لتباين المواد السفلية في اللطافة والكثافة واختلاف أمزجتهم في القرب والبعد من الاعتدال الحقيقي واختلاف الأرواح التي بإزائها في الصفاء والكدورة والقوة والضعف وترتب درجاتهم في القرب من الله سبحانه والبعد عنه كما أشير إليه في الحديث : الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام.

وأما سر هذا السر أعني سر اختلاف الاستعدادات وتنوع الحقائق فهو تقابل صفات الله سبحانه وأسمائه الحسنى التي هي من أوصاف الكمال ونعوت الجلال ، وضرورة تباين مظاهرها التي بها يظهر أثر تلك الأسماء ، فكل من الأسماء يوجب تعلق إرادته سبحانه وقدرته إلى إيجاد مخلوق يدل عليه من حيث اتصافه بتلك الصفة

٢٩

هم فاعلون.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن عبد الله بن محمد الجعفي وعقبة جميعا ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الله عز وجل خلق الخلق فخلق من أحب مما أحب وكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنة وخلق من أبغض مما أبغض وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار ثم بعثهم في الظلال فقلت وأي شيء الظلال فقال ألم تر إلى ظلك في الشمس شيئا وليس بشيء ثم

______________________________________________________

فلا بد من إيجاد المخلوقات كلها على اختلافها وتباين أنواعها لتكون مظاهر لأسمائه الحسنى جميعا ، ومجالي لصفاته العليا قاطبة ، كما أشير إلى لمعة منه في هذا الحديث ، انتهى.

وأقول : هذه الكلمات مبنية على خرافات الصوفية وإنما نورد أمثالها لتطلع على مسالك القوم في ذلك وآرائهم.

الحديث الثالث : ضعيف ، وقد مضى هذا الخبر بأدنى تغيير في المتن والسند في باب فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية ، وقد شرحناه هناك ، وقيل : « ما » فيقوله : « ما أحب » « وما أبغض » مصدرية وقد مضى تأويله بالعلم أو باختلاف الاستعدادات ، والمراد بالظل إما عالم الأرواح أو عالم المثال ، فعلى الأول شبه الروح المجرد على القول به أو الجسم اللطيف بالظل للطافته وعدم كثافته ، أو لكونه تابعا لعالم الأجساد الأصلية ، وعلى الثاني ظاهر ، وقوله : شيئا بتقدير تحسبه أو الرؤية بمعنى العلم لكن ينافيه تعديتها بإلى ، والأظهر شيء كما كان فيما مضى.

وقيل : أرادبقوله وليس بشيء أن الحياة والتكليف في ذلك الوقت لا يصيران سببا للثواب والعقاب كأفعال النائم ولا يبقى ، بل مثال وحكاية عن الحياة والتكليف في الأبدان ولذا يسمى الوجود الذهني بالوجود الظلي ، لعدم كونه منشأ للآثار ومبدءا للأحكام ، وقيل : يمكن أن يراد به عالم الذر المبائن لعالم الأجسام الكثيفة وهو يحكى عن هذا العالم ويشبهه وليس منه فهو ظل بالنسبة إليه ، أو عالم الأرواح

٣٠

بعث منهم النبيين فدعوهم إلى الإقرار بالله عز وجل وهو قوله عز وجل : «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ »(١) ثم دعوهم إلى الإقرار بالنبيين فأقر بعضهم وأنكر بعض ثم دعوهم إلى ولايتنا فأقر بها والله من أحب وأنكرها من أبغض وهو قوله «فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ »(٢) ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام كان التكذيب ثم.

______________________________________________________

كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في بعض خطبه : ألا إن الذرية أفنان أنا شجرتها ، ودوحة أنا ساقتها ، وإني من أحمد بمنزلة الضوء ، من الضوء ، كما إظلالا تحت العرش قبل البشر وقبل خلق الطينة التي كان منها البشر أشباحا حالية لا أجساما نامية.

«لَيَقُولُنَّ اللهُ » أي خلقنا الله أو الله خلقنا على اختلاف في تقديم المحذوف وتأخيره ، والمشهور الأول ، والغرض أن اضطرارهم إلى هذا الجواب بمقتضى العهد والميثاق ،قوله «فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا » ، الآية في سورة الأعراف هكذا : «تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ » وقال البيضاوي : فما كانوا ليؤمنوا عند مجيئهم بالمعجزات ، «بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ »، أي بما كذبوه من قبل الرسل بل كانوا مستمرين على التكذيب ، أو فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا به أولا حين جاءتهم الرسل ولم يؤثر قط فيهم دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة ، واللام لتأكيد النفي والدلالة على أنهم ما صلحوا للإيمان لمنافاته لحالهم في التصميم على الكفر والطبع على قلوبهم.

__________________

(١) سورة لقمان : ٢٥.

(٢) سورة الأعراف : ١٠١.

٣١

باب

أن رسول الله (ص) أول من أجاب وأقر لله عز وجل بالربوبية

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن صالح بن سهل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن بعض قريش قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأي شيء سبقت الأنبياء ـ وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم فقال إني كنت أول من آمن بربي وأول من أجاب حيث أخذ الله ميثاق النبيين «وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ » فكنت

______________________________________________________

باب أن رسول الله (ص) أول من أجاب وأقر لله تعالى بالربوبية

الحديث الأول : ضعيف وقد مر في باب مولد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قوله : سبقت الأنبياء ، أي رتبة وفضلا وآخرهم منصوب بالظرفية وخاتمهم مرفوع بالعطف على بعثت ، وعلى طريقة أصحاب التأويل يمكن أن يراد بسبقهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإقرار كونه أكثر قابلية واستعدادا لقبول الحق وإدراك المعارف الربانية ،وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث أخذ الله ، يمكن تعلقه بالجملتين معا وبالأخيرة فقط ، كما هو الظاهر ، فعلى الأخير يمكن أن يكون سبق الإيمان إشارة إلى سبق خلق روحه على خلق سائر الأرواح وقد آمن عند وجوده ، فزمان إيمانه وإقراره أكثر من زمان إيمان الجميع ، ويمكن أن يكون المراد الإيمان في عالم الأجساد أي عند تعلق الروح بالبدن كان معرفتي وإيماني قبل سائر الأنبياء فإنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان متكلما بالتوحيد في بطن أمه وهو بعيد ، وقيل في علة تأخيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الوجود البدني والبعثة وجوه : « منها » تعظيمه لأن سائر الأنبياء مقدمة له مخبرة بوجوده وبعثته كالمقدمة للسلطان ، ومنها : تكميله للأديان السابقة كما قال : بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ، ومنها : تعظيم دينه من جهة نسخه للشرائع السابقة وعدم نسخ شرع آخر ، ومنها : أن يكون شاهدا لتبليغ جميع الأنبياء ، وأيضا مقتضى الترتيب الترقي من الأدنى

٣٢

أنا أول نبي قال «بَلى » فسبقتهم بالإقرار بالله عز وجل.

٢ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابنا ، عن عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام جعلت فداك إني لأرى بعض أصحابنا يعتريه النزق والحدة والطيش فأغتم لذلك غما شديدا وأرى من خالفنا فأراه حسن السمت قال لا تقل حسن السمت فإن السمت سمت الطريق ولكن قل حسن السيماء ـ فإن الله عز وجل يقول «سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ »(١) قال قلت فأراه حسن

______________________________________________________

إلى الأعلى ، ولو جيء بالأدون بعد الأفضل لا تظهر رتبتهما وفضلهما كما لا يخفى.

الحديث الثاني : مرسل.

ويقال : عراه واعتراه أي غشيه وأتاه ، والنزق بالفتح والتحريك الخفة عند الغضب ، والحدة والطيش قريبان منه ، وقال الجوهري :السمت الطريق وسمت يسمت بالضم أي قصد ، والسمت هيئة أهل الخير ، يقال : ما أحسن سمته أي هديه ، وقال :السيما مقصور من الواو ، قال تعالى : «سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ » وقد يجيء السيماء والسيمياء ممدودين ، وقال الفيروزآبادي : السمت الطريق وهيئة أهل الخير ، والسير على الطريق بالظن وحسن النحو وقصد الشيء ، وقال : السيما والسيماء والسيمياء بكسرهن : العلامة ، وقال الجزري : السمت : الهيئة الحسنة ، ومنه فينظرون إلى سمته وهديه أي حسن هيئته ومنظره في الدين ، وليس من الحسن والجمال.

وقيل : هو من السمت : الطريق ، يقال : ألزم هذا السمت ، وفلان حسن السمت أي حسن القصد ، وقال الزمخشري : السمت أخذ النهج ولزوم المحجة يقال : ما أحسن سمته أي طريقتها أي طريقتها التي ينتهجها في تحري الخير والتزيي بزي الصالحين ، وفي المصباح : السمت الطريق والقصد والسكينة والوقار والهيئة انتهى.

__________________

(١) سورة الفتح : ٢٩.

٣٣

السيماء وله وقار فأغتم لذلك قال لا تغتم لما رأيت من نزق أصحابك ولما رأيت من حسن سيماء من خالفك إن الله تبارك وتعالى لما أراد أن يخلق آدم خلق تلك الطينتين ثم فرقهما فرقتين فقال لأصحاب اليمين كونوا خلقا بإذني فكانوا خلقا بمنزلة الذر يسعى وقال لأهل الشمال كونوا خلقا بإذني فكانوا خلقا بمنزلة الذر يدرج ثم رفع لهم نارا فقال ادخلوها بإذني فكان أول من دخلها ـ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم اتبعه «أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ » وأوصياؤهم وأتباعهم ثم قال لأصحاب الشمال ادخلوها بإذني فقالوا ربنا خلقتنا لتحرقنا فعصوا فقال لأصحاب اليمين اخرجوا

______________________________________________________

ولعل منعهعليه‌السلام عن إطلاق السمت لأن السمت يكون بمعنى سمت الطريق فيوهم أن طريقهم ومذهبهم حسن فعبرعليه‌السلام بعبارة أخرى لا يوهم ذلك ، أو لما لم يكن السمت بمعنى هيئة أهل الخير فصيحا أمر بعبارة أخرى أفصح منه ، أو أنهعليه‌السلام علم أنه أراد بالسمت السيماء لا هيئة أهل الخير والطريقة الحسنة والأفعال المحمودة فلذا نبههعليه‌السلام بأن السمت لم يأت بالمعنى الذي أردت وهذا قريب من الأول ، والوقار الاطمئنان والسكينة البدنية « لأصحاب اليمين » أي للذين كانوا في يمين الملك الذي أمره بتفريقها أو للذين كانوا في يمين العرش أو للذين علم أنهم سيصيرون من المؤمنين الذين يقفون في القيامة عن يمين العرش« كونوا خلقا » أي مخلوقين ذوي أرواح ، وقيل : أي كونوا أرواحا بمنزلة الذر أي النمل الصغار« يسعى » وإطلاق السعي هنا والدرج فيما سيأتي إما لمحض التفنن في العبارة ، أو المراد بالسعي سرعة السير ، وبالدرج المشي الضعيف كما يقال : درج الصبي إذا مشى أول مشيه فيكون إشارة إلى مسارعة الأولين إلى الخيرات وبطوء الآخرين عنها ، وقيل : المراد سعي الأولين إلى العلو والآخرين إلى السفل ، ولا دلالة في اللفظ عليهما.

« ثم اتبعه أولوا العزم » أي سائرهمعليه‌السلام ، والكلم : الجرح والفعل كضرب ، وقد يبني على التفعيل ، وفي القاموس :وهج النار تهج وهجا ووهجانا اتقدت ، والاسم الوهج محركة.

٣٤

بإذني من النار لم تكلم النار منهم كلما ولم تؤثر فيهم أثرا فلما رآهم أصحاب الشمال قالوا ربنا نرى أصحابنا قد سلموا فأقلنا ومرنا بالدخول قال قد أقلتكم فادخلوها فلما دنوا وأصابهم الوهج رجعوا فقالوا يا ربنا لا صبر لنا على الاحتراق فعصوا فأمرهم بالدخول ثلاثا كل ذلك يعصون ويرجعون وأمر أولئك ثلاثا كل ذلك يطيعون ويخرجون فقال لهم كونوا طينا بإذني فخلق منه آدم قال

______________________________________________________

وأقول : ما عرفت من التأويلات في الأخبار السابقة يمكن إجراء أكثرها في هذا الخبر كان يقال : لما كان من علم الله منهم السعادة تابعين للعقل والمقتضيات للنفس المقدس فكأنها طينتهم ، ومن علم الله منهم الشقاوة تابعين للشهوات البدنية ودواعي النفس الأمارة فكأنها طينتهم ، ولما مزج الله بينهما في عالم الشهود جرى في غالب الناس الطاعة والمعصية ، والصفات القدسية والملكات الرديئة ، فما كان من الخيرات فهو من جهة العقل والنفس وهما طينة أصحاب اليمين وإن كان في أصحاب الشمال ، وما كان من الشرور والمعاصي فهو من الأجزاء البدنية التي هي طينة أصحاب الشمال وإن كان في أصحاب اليمين ، ويمكن أيضا أن يقال : المعنى أن الله تعالى لما قرر في خلقة آدمعليه‌السلام وطينته دواعي الخير والشر وعلم أنه يكون في ذريته السعداء والأشقياء وخلق آدمعليه‌السلام مع علمه بذلك فكأنه خلط بين الطينتين ، ولما كان أولاد آدم مدنيين بالطبع لا بد لهم في نشأة الدنيا من المخالطة والمصاحبة ، فالسعداء يكتسبون الصفات الذميمة من مخالطة الأشقياء وبالعكس.

فلعل قوله : من لطخ أصحاب الشمال ومن لطخ أصحاب اليمين إشارة إلى هذا المعنى ، ولما كان السبب الأقوى في اكتساب السعداء صفات الأشقياء ، استيلاء أئمة الجور وأتباعهم على أئمة الحق وأتباعهم ، وعلم الله أن المؤمنين إنما يرتكبون الآثام لاستيلاء أهل الباطل عليهم وعدم تولي أئمة الحق لسياستهم فيعذرهم بذلك ، ويعفو عنهم ويعذب أئمة الجور وأتباعهم بتسببهم لجرائم من خالطهم مع ما يستحقون من جرائم أنفسهم.

٣٥

فمن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء ومن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء وما رأيت من نزق أصحابك وخلقهم فمما أصابهم من لطخ أصحاب الشمال وما رأيت من حسن سيماء من خالفكم ووقارهم فمما أصابهم من لطخ أصحاب اليمين.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن إسماعيل ، عن محمد بن إسماعيل ، عن سعدان بن مسلم ، عن صالح بن سهل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأي شيء سبقت ولد آدم قال إني أول من أقر بربي إن الله أخذ ميثاق النبيين «وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » فكنت أول من أجاب.

باب

كيف أجابوا وهم ذر

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام كيف أجابوا وهم ذر قال جعل فيهم ما

______________________________________________________

كما ورد في بعض الأخبار : أن الله تعالى يلحق الأعمال السيئة التي اقترفها المؤمنون بالنواصب لأنها من طينتهم ، والأعمال الحسنة التي اكتسبها النواصب بالمؤمنين لأنها من طينتهم ، وقد أوردنا الأخبار في ذلك في كتابنا الكبير ، وهذا باب غامض تعجز العقول عن إدراكها والإقرار بالجهل والعجز في مثله أولى.

الحديث الثالث : ضعيف وشرحه ظاهر مما مر.

باب كيف أجابوا وهم ذر

الحديث الأول : حسن.

« ما إذا سألهم » كلمة « ما » موصولة والعائد محذوف أي أجابوه به ، أي جعل

٣٦

إذا سألهم أجابوه يعني في الميثاق.

______________________________________________________

في كل ذرة العقل وآلة السمع وآلة النطق ، ومن حمل الآية على الاستعارة والتمثيل بحمل الخبر على أن المراد به أن ذلك كناية عن أنه جعلهم بحيث إذا سئلوا في عالم الأبدان أجابوا بلسان المقال وهو بعيد ، وروى العياشي في تفسيره بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن عليعليه‌السلام قال : أتاه ابن الكواء فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن الله تعالى هل كلم أحدا من ولد آدم قبل موسىعليه‌السلام ؟ فقال عليعليه‌السلام : قد كلم الله جميع خلقه برهم وفاجرهم وردوا عليه الجواب ، فثقل ذلك على ابن الكواء ولم يعرفه ، فقال له : كيف كان ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال له : أو ما تقرأ كتاب الله إذ يقول لنبيه : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » فأسمعهم كلامه وردوا عليه الجواب كما تسمع في قوله الله يا ابن الكواء : «قالُوا بَلى » فقال لهم : إني أنا الله لا إله إلا أنا وأنا الرحمن ، فأقروا له بالطاعة والربوبية وميز الرسل والأنبياء والأوصياء ، وأمر الخلق بطاعتهم فأقروا بذلك في الميثاق ، فقالت الملائكة : شهدنا عليكم يا بني آدم أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين.

ثم قال العياشي : قال أبو بصير : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أخبرني عن الذر حيث أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى وأسر بعضهم خلاف ما أظهر كيف علموا القول حيث قيل لهم ألست بربكم؟ قال : إن الله جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه وروي أيضا عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله : «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » قلت : قالوا بألسنتهم؟ قال : نعم ، وقالوا بقلوبهم ، قلت : وأي شيء كانوا يومئذ؟ قال : صنع فيهم ما اكتفى به.

تذييل نفعه جليل اعلم أن آيات الميثاق والأخبار الواردة في ذلك مما يقصر عنه عقول أكثر

٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الخلق ، وللناس فيها مسالك :

الأول : طريقة المحدثين والمتورعين فإنهم يقولون نؤمن بظاهرها ولا نخوض فيها ولا نطرق فيها التوجيه والتأويل.

والثاني : حملها على الاستعارة والمجاز والتمثيل.

والثالث : حملها على أخذ الميثاق في عالم التكليف بعد إكمال العقل بالبرهان والدليل.

فلنذكر هنا بعض ما ذكره أصحابنا والمخالفون في ذلك.

فمنها : ما ذكره الشيخ المفيد (ره) في جواب المسائل السروية حيث سئل :

ما قوله أدام الله تأييده في معنى الأخبار المروية عن الأئمة الهاديةعليه‌السلام في الأشباح وخلق الله تعالى الأرواح قبل خلق آدمعليه‌السلام بألفي عام وإخراج الذرية من صلبه على صور الذر ، ومعنى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف؟

الجواب وبالله التوفيق أن الأخبار بذكر الأشباح تختلف ألفاظها وتتباين معانيها ، وقد بنت الغلاة عليها أباطيل كثيرة وصنفوا فيها كتبا لغوا فيها وهزوا فيما أثبتوه منه في معانيها ، وأضافوا ما حوته الكتب إلى جماعة من شيوخ أهل الحق وتخرصوا الباطل بإضافتها إليهم ، من جملتها كتاب سموه كتاب الأشباح والأظلة نسبوه في تأليفه إلى محمد بن سنان ولسنا نعلم صحة ما ذكروه في هذا الباب عنه وإن كان صحيحا ، فإن ابن سنان قد طعن عليه وهو متهم بالغلو ، فإن صدقوا في إضافة هذا الكتاب إليه فهو ضلال لضال عن الحق ، وإن كذبوا فقد تحملوا أوزار ذلك ، والصحيح من حديث الأشباح الرواية التي جاءت عن الثقات بأن آدمعليه‌السلام رأى على العرش أشباحا يلمع نورها ، فسأل الله تعالى عنها فأوحى إليه أنها أشباح رسول الله وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة صلوات الله عليهم ، وأعلمه أنه لو لا الأشباح

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

التي رآها ما خلقه ولا خلق سماء ولا أرضا والوجه فيما أظهره الله تعالى من الأشباح والصور لآدم أن دله على تعظيمهم وتبجيلهم ، وجعل ذلك إجلالا لهم ومقدمة لما يفترضه من طاعتهم ودليلا على أن مصالح الدين والدنيا لا يتم إلا بهم ، ولم يكونوا في تلك الحال صورا مجيبة ولا أرواحا ناطقة لكنها كانت على مثل صورهم في البشرية يدل على ما يكونون عليه في المستقبل في الهيئة والنور الذي جعله عليهم يدل على نور الدين بهم وضياء الحق بحججهم ، وقد روي أن أسماءهم كانت مكتوبة إذ ذاك على العرش وأن آدم لما تاب إلى الله عز وجل وناجاه بقبول توبته سأله بحقهم عليه ومحلهم عنده فأجابه ، وهذا غير منكر في العقول ولا مضاد للشرع المنقول وقد رواه الصالحون الثقات المأمونون وسلم لروايته طائفة الحق ولا طريق إلى إنكاره والله ولي التوفيق.

« فصل » ومثل ما بشر الله به آدمعليه‌السلام من تأهيله بنبيه عليه وآله السلام لما أهله له ، وتأهيل أمير المؤمنين والحسن والحسينعليه‌السلام لما أهلهم له ، وفرض عليه تعظيمهم وإجلالهم كما بشر به في الكتب الأولى من بعثته لنبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال في محكم كتابة : «النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »(١) وقوله تعالى مخبرا عن المسيحعليه‌السلام : «وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ »(٢) وقوله سبحانه : «وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ »(٣) يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فحصلت البشائر به من الأنبياء

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٧٥.

(٢) سورة الصف : ٦.

(٣) سورة آل عمران : ٨١.

٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأممهم قبل إخراجه إلى العالم بالوجود ، وإنما أراد جل اسمه بذلك إجلاله وإعظامه وأن يأخذ العهد على الأنبياء والأمم كلها ، فلذلك أظهر لآدمعليه‌السلام صورة شخصه وأشخاص أهل بيتهعليه‌السلام ، وأثبت أسماءهم له ليخبره بعاقبتهم وبين له عن محلهم عنده ومنزلتهم لديه ، ولم يكونوا في تلك الحال أحياء ناطقين ولا أرواحا مكلفين ، وإنما كانت أشباحهم دالة عليهم حسب ما ذكرناه.

« فصل » وقد بشر الله عز وجل بالنبي والأئمةعليه‌السلام في الكتب الأولى فقال في بعض كتبه التي أنزلها على أنبيائهعليه‌السلام وأهل الكتب يقرءونه ، واليهود يعرفونه أنه ناجى إبراهيم الخليل في مناجاته : إني قد عظمتك وباركت عليك وعلى إسماعيل وجعلت منه اثني عشر عظيما وكبرتهم جدا جدا وجعلت منهم شعبا عظيما لأمة عظيمة وأشباه ذلك كثيرة في كتب الله تعالى الأولى.

« فصل » فأما الحديث في إخراج الذرية من صلب آدمعليه‌السلام على صورة الذر فقد جاء الحديث بذلك على اختلاف ألفاظه ومعانيه ، والصحيح أنه إخراج الذرية من ظهره كالذر فملأ بهم الأفق ، وجعل على بعضهم نورا لا يشوبه ظلمة ، وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور ، وعلى بعضهم نورا وظلمة ، فلما رآهم آدمعليه‌السلام عجب من كثرتهم وما عليهم من النور والظلمة ، فقال : يا رب ما هؤلاء؟ قال الله عز وجل له : هؤلاء ذريتك ، يريد تعريفه كثرتهم ، وامتلاء الآفاق بهم ، وأن نسله يكون في الكثرة كالذر الذي رآه ليعرفه قدرته ، ويبشره باتصال نسله وكثرتهم ، فقال آدمعليه‌السلام : يا رب ما لي أرى على بعضهم نورا لا ظلمة فيه ، وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور ، وعلى بعضهم ظلمة ونورا؟ فقال تبارك وتعالى : أما الذي عليهم النور منهم بلا ظلمة فهم أصفيائي من ولدك الذين يطيعوني ولا يعصوني في شيء من أمري ، فأولئك سكان الجنة ، وأما الذين عليهم ظلمة ولا يشوبها نور فهم الكفار من ولدك الذين يعصوني ولا يطيعوني ، فأما الذين عليهم نور وظلمه فأولئك الذين يطيعوني من ولدك

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378