مرآة العقول الجزء ٧

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الحديث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 379

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الحديث
تصنيف: الصفحات: 379
المشاهدات: 16911
تحميل: 8203


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 379 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16911 / تحميل: 8203
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دار الحديث
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يشرك الإيمان والإيمان يشرك الإسلام وهما في القول والفعل يجتمعان كما صارت الكعبة في المسجد والمسجد ليس في الكعبة وكذلك الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان وقد قال الله عزّ وجلّ : «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسلّمنا وَلـمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ »(١) فقول الله عزّ وجلّ أصدق القول قلت فهل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك فقال لا هما يجريان في ذلك مجرى واحد ولكن للمؤمن فضل على المسلم - في أعمالهما وما يتقرّبان به إلى الله عزّ وجلّ قلت أليس الله عزّ وجلّ يقول : «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشرّ أَمْثالِها »(٢) وزعمت أنّهم

_____________________________________________

أي في الشهادتين والعبادات الظاهرة وإن خصّ الإيمان بالولاية ، وظاهر سياق الحديث لا يخلو من شوب تقيّة ، وكان المراد بالفضائل ما يفضل به في الدنيا من العطاء والأجر وأمثاله لا الفضائل الواقعية الأخروية أو ما يفضل به على الكافر من الإنفاق والإعطاء والإكرام والرعاية الظاهرية وقيل : أي في التكليف بالفضائل بأن يكون المؤمن مكلفا ولا يكون المسلم مكلفا بها.

وفي تفسير العياشي هكذا قال : قلت له : أرأيت المؤمن له فضل على المسلم في شيء من المواريث والقضايا والأحكام حتّى يكون للمؤمن أكثر ممّا يكون للمسلم في المواريث أو غير ذلك؟ قال : لا ، هما يجريان في ذلك مجرى وأحداً إذا حكم الإمام عليهما ، إلى آخر الخبر ، وهو أظهر ، فالفضائل تصحيف القضايا.

« في إعمالهما » أي صحتها وقبولها « وما يتقرّبان به إلى الله » أي من العقائد والأعمال فيكون تأكيداً أو تعميما بعد التخصيص لشموله للعقائد أيضاً ، أو المراد بالأوّل صحّة الأعمال ، وبالثاني كيفياتها فإن المؤمن يعمل بما أخذه من إمامه ، والمسلم يعمل ببدع أهل الخلاف ، وقيل : المراد به الإمام الذي يتقربِّ بولايته ومتابعته إلى الله تعالى ، فإن أمام المؤمن مستجمع لشرائط الإمامة وإمام المسلم لشرائط الفسق والجهالة.

قوله : أليس الله تعالى يقول. أقول : هذا السؤال والجواب يحتمل وجوهاً :

__________________

(١) سورة الحجرات : ١٤. (٢) سورة الأنعام : ١٦.

١٦١

مجتمعون على الصلاة والزكاة والصوم والحج مع المؤمن قال أليس قد قال الله عزّ وجلّ : «فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً »(١) فالمؤمنون هم الذين يضاعف الله عزّ وجلّ لهم حسناتهم لكلّ حسنة سبعون ضعفا فهذا فضل المؤمن ويزيده الله في حسناته على قدر صحّة إيمانه أضعافا كثيرة ويفعل الله بالمؤمنين ما يشاء من الخير قلت أرأيت

_____________________________________________

« الأوّل » وهو الظاهر أن السائل أراد أنه إذا كانا مجتمعين في الحسنات والحسنة بالعشرّ ، فكيف يكون له فضل عليه في الأعمال والقربات مع أن الموصول من أدوات العموم فيشمل كلّ من فعلها ، فأجابعليه‌السلام بأنها شريكان في العشرّ والمؤمن يفضل بما زاد عليها ، ويردّ عليه أنه على هذا يكون لإعمال غير المؤمنين أيضاً ثواب وهو مخالف للإجماع والأخبار المستفيضة إلّا أن يحمل الكلام على نوع من التقيّة أو المصلحة لقصور فهم السائل ، أو يكون المراد بالإيمان الإيمان الخالص وبالإسلام أعمّ من الإيمان الناقص وغيره ، ويكون الثواب للأوّل وهو غير بعيد عن سياق الخبر بل لا يبعد أن يكون المراد المستضعف من المؤمنين الذين يظهرون الإيمان ولم يستقر في قلوبهم كما يرشد إليه قوله : وهما في القول والفعل يجتمعان ، وقد عرفت اختلاف الاصطلاح في الإيمان فيكون هذا الخبر موافقاً لبعض مصطلحاته ، وقيل في الجواب : لعلّ عمل غير المؤمن ينفعه في تخفيف العقوبة ورفع شدتها لا في دخول الجنّة إذ دخولها مشروط بالإيمان.

الثاني : أنّه تعالى قال : «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً » والقرض الحسن هو العبادة الواقعة على كمالها وشرائط قبولها ، ومن جملّة شرائطها هو الإيمان فالمؤمنون هم الذين يضاعف الله عزّ وجلّ لهم حسناتهم لا غيرهم ، فيعطيهم لكلّ حسنة عشرة ، وربما يعطيهم لكلّ حسنة سبعين ضعفاً ، فهذا فضل المؤمن على المسلم ، ويزيد الله في حسناته على قدر صحّة إيمانه ، وحسب كماله أضعافاً

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٤٥.

١٦٢

من دخل في الإسلام أليس هو داخلاً في الإيمان فقال لا ولكنه قد أضيف إلى الإيمان وخرج من الكفر وسأضربِّ لك مثلا تعقل به فضل الإيمان على الإسلام أرأيت لو بصرت رجلاً في المسجد أكنت تشهد أنك رأيته في الكعبة قلت لا يجوز لي ذلك قال فلو بصرت رجلاً في الكعبة أكنت شاهداً أنه قد دخل المسجد الحرام قلت

_____________________________________________

كثيرة حتّى أنّه تعطى بواحدة سبعمائة أو أزيد ويفعل الله بالمؤمنين ما يشاء من الخير الذي لا يعلمه إلّا هو كما قال : «وَلَديناً مَزِيدٌ »(١) وقيل : أراد بما يشاء من الخير إيتاء العلم والحكمة وزيادة اليقين والمعرفة.

الثالث : ما ذكره بعض الأفاضل ويرجع إلى الثاني وهو أن المراد بالقرض الحسن صلة الإمامعليه‌السلام كما وردّ في الأخبار ، فالغرض من الجواب أنه كما أن القرض يكون حسناً وغير حسن ، والحسن الذي هو صلة الإمام يصير سبباً لتضاعف أكثر من عشرة ، فكذلك الصلاة والزّكاة والحج تكون حسنة وغير حسنة ، والحسنة ما كان مع تصديق الإمام وهو يستحقّ المضاعفة لا غيره ، والفاء في قوله : « فالمؤمنون » للبيان ، وقوله : يضاعف الله بتقدير قد يضاعف الله وإلّا لكان الظاهر عشرة أضعاف ، « ويزيد الله » أي على السّبعين أيضاً.

قوله : أرأيت من دخل في الإسلام ، كان السائل لم يفهم الفرّق بيّن الإيمان والإسلام بما ذكرهعليه‌السلام فأعاد السؤال أو أنه لـمّا كان تمكن في نفسه ما اشتهر بيّن المخالفين من عدم الفرّق بينهما أراد أن يتّضح الأمر عنده أو قاس الدخول في المركّب من الأجزاء المعقولة بالدخول في المركّب من الأجزاء المقدارية ، فإن من دخل جزءا من الدار صدق عليه أنه دخل الدار ، فلذا أجابهعليه‌السلام بمثل ذلك لتفهيمه فقال : المتصف ببعض أجزاء الإيمان لا يلزم أن يتّصف بجميع أجزائه حتّى يتصف بالإيمان كما أن من دخل المسجد لا يحكم عليه بأنّه دخل الكعبة ومن دخل الكعبة يحكم عليه بأنّه دخل المسجد ، فكذا يحكم على المؤمن أنه مسلم ولا يحكم على كلّ مسلم أنّه مؤمن.

__________________

(١) سورة ق : ٣٥.

١٦٣

نعم قال وكيف ذلك ؟ قلت : إنّه لا يصل إلى دخول الكعبة حتّى يدخل المسجد فقال قد أصبت وأحسنت ثمَّ قال كذلك الإيمان والإسلام.

( باب )

( آخر منه وفيه أن الإسلام قبل الإيمان )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن العبّاس بن معروف ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبد الرحيم القصير قال كتبت مع عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام أسئله عن الإيمان ما هو فكتب إلي مع عبد الملك بن أعين سألت رحمك الله عن الإيمان والإيمان هو الإقرار باللسان وعقد في القلب وعمل بالأركان

_____________________________________________

ثمَّ اعلم أنّه استدلّ بهذه الأخبار على كون الكعبة جزءا من المسجد الحرام ، ويردّ عليه أنه لا دلالة في أكثرها على ذلك ، بل بعضها يومئ إلى خلافه كهذا الخبر ، حيث قال :أكنت شاهداً أنه قد دخل المسجد ، ولم يقل أكنت شاهداً أنه في المسجد ، وكذاقوله : لا يصل إلى دخول الكعبة حتّى يدخل المسجد ، نعم بعض الأخبار تشعر بالجزئية.

باب آخر منه وفيه أن الإسلام قبل الإيمان

الحديث الأوّل : مجهول.

قولهعليه‌السلام : والإيمان هو الإقرار « إلخ » هذا تفسير للإيمان الكامل والأخبار في ذلك كثيرة ، وعليه انعقد اصطلاح المحدّثين منا ، قال الصدوقرحمه‌الله في الهداية : الإسلام هو الإقرار بالشهادتين وهو الذي يحقن به الدّماء ، والأموال ، ومن قال : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله فقد حقن ماله ودمه إلّا بحقيهما وعلى الله حسابه ، والإيمان هو الإقرار باللسان وعقد بالقلب وعمل بالجوارح ، وأنه يزيد بالأعمال وينقص بتركها ، وكلّ مؤمن مسلم وليس كلّ مسلم بمؤمن ومثل ذلك مثل الكعبة والمسجد فمن دخل الكعبة فقد دخل المسجد ، وليس كلّ من دخل المسجد دخل الكعبة ، وقد فرّق الله عزّ اسمه

١٦٤

_____________________________________________

في كتابه بّن الإسلام والإيمان ، فقال : «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسلّمنا » وقد بيّن الله عزّ وجلّ أن الإيمان قول وعمل ، لقوله : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ » إلى قوله تعالى : «أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا »(١) وامّا قوله عزّ وجلّ : «فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ »(٢) فليس ذلك بخلاف ما ذكرنا لأن المؤمن يسمّى مسلـمّا والمسلم لا يسمّى مؤمناً حتّى يأتي مع إقراره بعمل ، وامّا قوله عزّ وجلّ : «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ »(٣) الآية فقد سئل الصادقعليه‌السلام عن ذلك فقال : هو الإسلام الذي فيه الإيمان ، انتهى.

وقال الشيخ المفيدقدس‌سره في كتاب المسائل : أقول : إن مرتكبي الكبائر من أهل المعرفة والإقرار مؤمنون بإيمأنّهم بالله وبرسله وبما جاء من عنده وفاسقون بما معهم من كبائر الآثام ولا أطلق لهم اسم الفسوق ولا اسم الإيمان ، بل أقيدهما جميعاً في تسميتهم بكلّ واحد منهما وامتنع من الوصف لهم بهما على الإطلاق وأطلق لهم اسم الإسلام بغير تقييد ، وعلى كلّ حال وهذا مذهب الإمامية إلّا بني نوبخترحمهم‌الله ، فأنّهم خالفوا فيه وأطلقوا للفساق اسم الإيمان ، انتهى.

« والإيمان بعضه من بعض » أي تترتّب أجزاء الإيمان بعضها على بعض فإن الإقرار بالعقائد يصير سبباً للعقائد القلبية والعقائد تصير سبباً للأعمال البدنية أو المعنى أن أفراد الإيمان ودرجاته يترتّب بعضها على بعض ، فإن الأدنى منها تصير سبباً لحصول الأعلى وهكذا إلى حصول أعلى درجاته فإن حصول قدر من اليقين يصير سبباً للإتيان بقدر من الأعمال بحسبه فإذا أتى بتلك الأعمال زاد الإيمان القلبي فيزيد أيضاً العمل وهكذا ، فيترتّب كمال كلّ جزء من الإيمان على كمال الجزء الآخر.

ويحتمل أن يكون إشارة إلى اشتراط بعض أجزاء الإيمان ببعض ، فإن العمل لا ينفع بدون الاعتقاد والاعتقاد أيضاً مشروط في كماله وترتّب الآثار عليه بالعمل

__________________

(١) سورة الأنفال : ٣. (٢) سورة الذاريات : ٣٥.

(٣) سورة آل عمران : ٨٥.

١٦٥

والإيمان بعضه من بعض وهو دار وكذلك الإسلام دار والكفر دار فقد يكون العبد مسلـمّا قبل أن يكون مؤمناً ولا يكون مؤمناً حتّى يكون مسلـمّا - فالإسلام قبل الإيمان وهو يشارك الإيمان فإذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي الّتي نهى الله عزّ وجلّ عنها كان خارجا من الإيمان ساقطا عنه اسم

_____________________________________________

« وهو دار » أي الإيمان دار ، قيل : إنّما شبّه الإيمان والإسلام والكفر بالدار لأن كلا منها بمنزلة حصن لصاحبه يدخل فيها ويخرج منها كما أن الدار حصن لصاحبه وقوله : وهو يشارك الإيمان قيل : معناه أنه كلـمّا يتحقّق الإيمان فهو يشاركه في التحقّق ، وامّا ما مضى في الأخبار أنه لا يشارك الإيمان فمعناه أنّه ليس كلـمّا تحقّق تحقّق الإيمان ، فلا منافاة ، ويحتمل أن يكون سقط من الكلام شيء ، وكان هكذا : وهو يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان فيكون على وتيرة ما سبق ، انتهى.

وأقول : الظاهر هنا المشاركة في الأحكام الظاهرة وفيما سبق نفي المشاركة في جميع الأحكام ، وقيل وسر ذلك أن الإقرار بالتوحيد والرسالة مقدم على الإقرار بالولاية والعمل ، والمؤمن والمسلم بسبب الأوّل يخرجان من دار الكفر ويدخلان في دار الإسلام ثمَّ المسلم بسبب الاكتفاء يستقر في هذه الدار والمؤمن بسبب الثاني يترقى وينزل في دار الإيمان ، ومنه لاح أن الإسلام قبل الإيمان وأنه يشارك الإيمان فيما هو سبب للخروج من دار الكفر لا فيما هو سبب للدخول في دار الإيمان ، وبهذا التقرير تندفع المنافاة بيّن قولهعليه‌السلام هيهنا : وهو يشارك الإيمان ، وقوله سابقاً : والإسلام لا يشارك الإيمان.

قوله : فإذا أتى العبد كبيرة « إلخ » يدلّ على أنّ الصّغيرة أيضاً مخرجة من الإيمان مع أنها مكفّرة مع اجتناب الكبائر ، ويمكن حمله على الإصرار كما يومئ إليه ما بعده ، أو على أن المراد بهما الكبيرة لكن بعضها صغيرة بالإضافة إلى بعضها الّتي هي أكبر الكبائر ، فالمراد بقولهعليه‌السلام : نهى الله عنها نهيه عنها في القرآن وإيعاده عليها النّار ، ويدلّ على أنّ جحود المعاصي واستحلالها موجبان للارتداد ، وينبغي حمله على

١٦٦

الإيمان وثابتاً عليه اسم الإسلام فإن تاب واستغفر عاد إلى دار الإيمان ولا يخرجه إلى الكفر إلّا الجحود والاستحلال أن يقول للحلال هذا حرامٌ وللحرام هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجاً من الإسلام والإيمان داخلاً في الكفر وكان بمنزلة

_____________________________________________

ما إذا كان من ضروريات الدين ، فيؤيد التأويل الثاني فإن أكثر ما نهى عنه في القرآن كذلك ، أو على ما إذا جحد واستحلّ بعد العلم بالتحريم ، ويدلّ على أن المرتد مستحقّ للقتل وإن كان يفعل ما يؤذن بالاستخفاف بالدين ، ويومئ إلى عدم قبول توبته للمقابلة ، فيحمل على الفطري ، وعلى أنه مستحقّ للنار وإن تاب.

وجملة القول فيه أنّ المرتدّ على ما ذكره الشهيدقدس‌سره في الدروس هو من قطع الإسلام بالإقرار على نفسه بالخروج منه أو ببعض أنواع الكفر سواء كان ممّا يقر أهله عليه أم لا ، أو بإنكار ما علم ثبوته من الدين ضرورة أو بإثبات ما علم نفيه كذلك ، أو بفعل دال عليه صريحا كالسجود للشمس والصنم ، وإلقاء المصحف في القذر قصدا وإلقاء النجاسة على الكعبة أو هدمها أو إظهار الاستخفاف بها.

وامّا حكمه فالمشهور بيّن الأصحاب أن الارتداد على قسمين فطري وملي ، فالأوّل ارتداد من ولد على الإسلام بأن انعقد حال إسلام أحد أبويه وهذا لا يقبل إسلامه لو رجع إليه ويتحتم قتله ، وتبيّن عنه امرأته وتعتد منه عدَّة الوفاة ، وتقسم أمواله بيّن ورثته وهذا الحكم بحسب الظاهر لا إشكال فيه بمعنى تعين قتله ، وامّا فيما بينه وبيّن الله فاختلفوا في قبول توبته فأكثر المحقّقين ذهبوا إلى القبول حذراً من تكليف ما لا يطاق لو كان مكلفا بالإسلام أو خروجه عن التكليف ما دام حيّاً كامل العقل وهو باطل بالإجماع وحينئذ فلو لم يطلع عليه أحد أو لم يقدر على قتله فتاب قبلت توبته فيما بينه وبيّن الله تعالى وصحت عباداته ومعاملاته ، ولكن لا تعود ماله وزوجته إليه بذلك ، ويجوز له تجديد العقد عليها بعد العدَّة أو فيها على احتمال كما يجوز للزوج العقد على المعتدة بائنا حيث لا تكون محرمة مؤبدا كالمطلقة بائنا ولا تقتل المرأة بالردة بل تحبس دائماً وإن كانت مولودة على الفطرة وتضربِّ أوقات الصلوات.

١٦٧

من دخل الحرم ثمَّ دخل الكعبة وأحدث في الكعبة حدثاً فأخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النار.

٢ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران قال سألته عن الإيمان والإسلام قلت له أفرّق بيّن الإسلام والإيمان قال فأضربِّ لك مثله قال قلت أوردّ ذلك قال مثل الإيمان والإسلام مثل الكعبة الحرام من الحرم قد يكون في الحرم ولا يكون في الكعبة ولا يكون في الكعبة حتّى يكون في الحرم وقد يكون مسلـمّا ولا يكون مؤمناً ولا يكون مؤمناً حتّى يكون مسلـمّا قال قلت فيخرج من الإيمان شيء قال نعم قلت فيصيره إلى ما ذا قال إلى الإسلام أو الكفر وقال لو أن رجلاً دخل الكعبة فأفلت منه بوله أخرج من الكعبة ولم يخرج من الحرم فغسل ثوبه وتطهر ثمَّ لم يمنع أن يدخل الكعبة ولو أن رجلاً دخل الكعبة فبال فيها معاندا أخرج من الكعبة ومن الحرم وضربت عنقه.

_____________________________________________

والثاني أن يكون مولودا على الكفر فأسلم ثمَّ ارتد فهذا يستتاب على المشهور فإن امتنع قتل ، واختلف في مدة الاستتابة فقيل ثلاثة أيّام لرواية مسمع ، وقيل : القدر الذي يمكن معه الرجوع ، ويظهر من ابن الجنيد أن الارتداد قسم واحد وأنه يستتاب فإن تاب وإلّا قتل وهو مذهب العامة لكن لا يخلو من قوة.

الحديث الثاني : موثق.

« فخرج من الإيمان شيء؟ قال : نعم » ما يخرجه عن الإيمان فقط إمّا المعاصي وترك الطّاعات بناء على دخول الأعمال في الأيمان ، أو إنكار الإمامة ولوازمها ، وما يخرجه عن الإيمان والإسلام معاً الارتداد وما ينافي دين الإسلام قولاً أو فعلا والترديد في قوله إلى الإسلام أو الكفر لذلك ، وفي القاموس : كان الأمر فلتة أي فجأة من غير تردد وتدبر ، وأفلتني الشيء وتفلت مني انفلت ، وأفلته غيره وأفلت على بناء المفعول مات فجأة ، وبأمر كذا فوجئ به قبل أن يستعدّ له ، وفي المصباح أفلت الطائر وغيره إفلاتاً تخلص ، وأفلته إذا أطلقته وخلصته يستعمل لازماً ومتعدياً.

١٦٨

( باب )

١ - عليُّ بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، عن آدم بن إسحاق ، عن عبد الرزاق بن مهران ، عن الحسين بن ميمون ، عن محمّد بن سالم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن أناسا تكلموا في هذا القرآن بغير علم وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول : «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَإمّا الَّذِينَ

_____________________________________________

باب

إنّما لم يعنون الباب لأنّه قريب من البابيّن السابقين في أنه مشتمل على معاني الإسلام والإيمان ، لكن لـمّا كان فيه زيادة تفصيل وتوضيح وفوائد كبيرة جعله باباً آخر.

الحديث الأول : مجهول.

قوله : وذلك أن ، تعليل لتكلمهم فيه بغير علم لأنّهم تكلّموا في متشابهه أيضاً مع أنه لا يعلم تأويله إلّا الله والراسخون في العلم ، والمحكم في اللغة المتقن ، وفي العرف يطلق على ما له معنى لا يحتمل غيره ، وعلى ما اتضحت دلالته وعلى ما كان محفوظا من النسخ والتخصيص أو منهما جميعاً ، وعلى ما لا يحتمل من التأويل إلّا وجها وأحداً والمتشابه يقابله بكلّ من هذه المعاني.

وقال الراغب : المحكم ما لا يعرض فيه شبهة من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى ، والمتشابه من القرآن ما أشكلّ تفسيره لمشابهة غيره ، إمّا من حيث اللفظ أو من حيث المعنى.

وقال الفقهاء : المتشابه ما لا ينبئ ظاهره عن مراده وحقيقة ذلك أن الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضربِّ محكم على الإطلاق ، ومتشابه على الإطلاق ، ومحكم من وجه متشابه من وجه ، فالمتشابه في الجملّة ثلاثة أضربِّ ، متشابه من جهة اللفظ

١٦٩

_____________________________________________

فقط ومتشابه من جهة المعنى فقط ومتشابه من جهتهما ، فالمتشابه من جهة اللفظ ضربان : أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة ، وذلك إمّا من جهة غرابته نحو الأب ويزفّون ، وامّا من مشاركة في اللفظ كاليد والعين ، والثاني يرجع إلى جملّة الكلام المركّب ، وذلك ثلاثة أضربِّ ضربِّ لاختصار الكلام نحو «وَإِنْ خِفْتُمْ إلّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ »(١) وضربِّ لبسط الكلام نحو «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ »(٢) لأنه لو قيل ليس مثل مثله شيء كان أظهر للسامع ، وضربِّ لنظم الكلام نحو «أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً »(٣) تقديره الكتاب قيّماً ولم يجعل له عوجاً ، والمتشابه من جهة المعنى أوصاف الله تعالى وأوصاف القيامة فإن تلك الصفات لا تتصور لنا إذا كان لا تحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه أو لم يكن من جنس ما نحسه.

والمتشابه من جهة المعنى واللفظ جميعاً خمسة أضرب.

الأوّل من جهة الكمية كالعموم والخصوص نحو : «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ »(٤) .

والثاني من جهة الكيفية كالوجوب والندبّ نحو «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ »(٥) .

والثالث من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ نحو «اتَّقُوا اللهَ حقّ تُقاتِهِ »(٦) .

والرابع من جهة المكان والأمور الّتي نزلت فيها «وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها »(٧) وقوله عزّ وجلّ : «إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ »(٨) فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهليّة يتعذر عليه معرفة تفسير هذه الآية.

الخامس من جهة الشروط الّتي بها يصحّ الفعل أو يفسد كشروط الصلاة والنكاح.

__________________

(١ و ٥) سورة النساء : ٣. (٢) سورة الشورى : ١١.

(٣) سورة الكهف : ١. (٤) سورة التوبة : ٥.

(٦) سورة آل عمران : ١٠٢. (٧) سورة البقرة : ١٨٩.

(٨) سورة التوبة : ٣٧.

١٧٠

_____________________________________________

وهذه الجملة إذا تصوّرت علم أنّ كلّ ما ذكره المفسّرين في تفسير المتشابه لا يخرج عن التقاسيم نحو قول من قال : المتشابه «الم » وقول قتادة المحكم الناسخ والمتشابه والمنسوخ ، وقول الأصم : المحكم ما أجمع على تأويله والمتشابه ما اختلف فيه ، ثمَّ جميع المتشابه على ثلاثة أضربِّ ضربِّ لا سبيل للوقوف عليه كوقت الساعة وخروج دابة الأرض وكيفية الدابة ونحو ذلك ، وضربِّ للإنسان سبيل إلى معرفته كالألفاظ الغريبة والأحكام المغلقة ، وضربِّ متردد بيّن الأمرين يجوز أن يختص بمعرفة حقيقته بعض الراسخين في العلم ويخفى على من دونهم وهو الضربِّ المشار إليه بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليّعليه‌السلام : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل.

وإذا عرفت هذه الجملّة علم أن الوقوف على قوله : إلّا الله ، ووصله بقوله : والراسخون في العلم جائزان ، وأن لكلّ واحد منهما وجها حسب ما يدلّ عليه التفصيل المتقدّم ، انتهى.

قوله تعالى : «مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ » قيل : أي أحكمت عباراتها بأن حفظت عن الإجمال «هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ » أي أصله يردّ إليها غيرها «وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ » قيل : أي محتملات لا يتّضح مقصودها إلّا بالفحص والنظر ليظهر فيها فضل العلماء الربّانيّين في استنباط معانيها وردها إلى المحكمات وليتوصلوا بها إلى معرفة الله وتوحيده.

وأقول : بل ليعلموا عدم استقلالهم في علم القرآن واحتياجهم في تفسيره إلى الإمام المنصوب من قبل الله وهم الراسخون في العلم.

وروى العيّاشي عن الصادقعليه‌السلام أنّه سئل عن المحكم والمتشابه؟ فقال : المحكم ما يعمل به ، والمتشابه ما اشتبه على جاهله ، وفي رواية أخرى : والمتشابه الذي يشبّه بعضه بعضاً ، وفي رواية أخرى فأمّا المحكم فتؤمن به وتعمل به وتدين به ، وامّا المتشابه فتؤمن به ولا تعمل به «فَإمّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ » أي ميل عن الحقّ كالمبتدعة

١٧١

فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ

_____________________________________________

«فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ » فيتعلقون بظاهره أو بتأويل باطل «ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ » أي طلب أن يفتنوا النّاس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه.

وفي مجمع البيان عن الصّادقعليه‌السلام أن الفتنة هنا الكفر «وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ » أي وطلب أن يأولوه على ما يشتهونه «وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ » الذي يجب أن يحمل عليه «إلّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ » الذين تثبتوا وتمكثوا فيه.

وأقول : قد مرّ الكلام منا في تأويل هذه الآية في كتاب الحجّة في باب أن الراسخين في العلم هم الأئمّةعليهم‌السلام قولهعليه‌السلام : فالمنسوخات من المتشابهات كان هذا الكلام تمهيد لـمّا سيأتي من اختلاف الإيمان المأمور به في مكّة قبل الهجرة وفي المدينة بعدها واختلاف التكاليف فيهما كما وكيفا ، ردا على من استدلّ ببعض الآيات على أن الإيمان نفس الاعتقاد بالتوحيد والنبوة فقط بلا مدخلية للأعمال أو الولاية فيه ، بأن تلك الآيات أكثرها نزلت في مكّة وكان الإيمان فيها نفس الاعتقاد بالشهادتين أو التكلّم بهما ثمَّ نسخ ذلك في المدينة بعد وجوب الواجبات وتحريم المحرمات ونصبّ الوالي والأمر بولايته.

ويحتمل أن لا يكون ذلك من قبيل النسخ ويكون ذكر النسخ لبيان عجزهم عن فهم معاني الآيات وخطائهم في الاستدلال بها

كما أنّهم لا يعرفون الناسخ من المنسوخ ويستدلون بالآيات المنسوخة على الأحكام مع عدم علمهم بنسخها وعد المنسوخات الّتي لا يعلم بنسخها من المتشابهات فالمنسوخة أخصّ مطلقاً من المتشابه.

ولـمّا كان المحكم غير المتشابه والناسخ غير المنسوخ ونقيض الأخصّ أعمّ من نقيض الأعمّ غير الأسلوب في الفقرة الثانية فقال : والمحكمات من الناسخات للإشارة إلى ذلك وتسميته غير المنسوخ مطلقاً ناسخاً إمّا على التوسّع وإطلاق لفظ الجزء على الكلّ أو لكونها ناسخة للشرائع السالفة أو للإباحة الأصلية الّتي كانوا متمسّكين بها قبلها.

ويمكن حمل الناسخ على معناه وحمل الكلام على الغالب بأن يكون الناسخ

١٧٢

اللهُ »(١) الآية فالمنسوخات من المتشابهات والمحكمات من الناسخات إن الله عزّ وجل

_____________________________________________

أيضاً أخصّ من المحكم ولا فساد فيه لعدم انحصار الآيات حينئذ في الناسخة والمنسوخة وقيل : لـمّا كان بعض المحكمات مقصور الحكم على الأزمنة السابقة منسوخا بآيات أخر ونسخها خافيا على أكثر النّاس فيزعمون بقاء حكمها صارت متشابهة من هذه الجهة ولهذا قالعليه‌السلام : فالمنسوخات من المتشابهات.

وفي بعض النسخ من المتشابهات ، وإنّما غيّر الأسلوب في أختها لأن المحكم أخصّ من الناسخ من وجه ، بخلاف المتشابه فإنه أعمّ من المنسوخ مطلقاً ، انتهى.

وفيه أن كون المتشابه أعمّ من مطلق المنسوخ مطلقاً لا وجه له إلّا أن يخصّ بمنسوخ لم يعلم نسخه كما أومأنا إليه ، وقيل : الظاهر أن الفاء للتفسير لزيادة تفظيع حالهم بأنّهم يتبعون المنسوخات والمتشابهات دون المحكمات والناسخات ، لأن المنسوخات من باب المتشابهات في التشابه إذ يشتبه عليهم ثباتها وبقاءها والمحكمات من قبيل الناسخات في الثبات والبقاء ، فإذا اتبعوا المتشابهات اتبعوا المنسوخات لأنهما من باب واحد ، وإذا اتبعوا المنسوخات لم يتبعوا الناسخات ، وإذا لم يتبعوا الناسخات لم يتبعوا المحكمات لأنهما أيضاً من باب واحد.

قوله : إن الله عزّ وجلّ بعث نوحاً ، هذا شروع في المقصود ، وحاصله أن الإيمان في بداية بعثه كلّ رسول كان مجردّ التصديق بالتوحيد والرسالة ومن مات عليه حينئذ كان مؤمناً ووجبت له الجنّة ، فلـمّا استجابوا لهم ذلك وكثرت أتباعهم وضعوا أعمإلّا وشرائع وأوجبوا عليهم وأوعدوا على تركها النّار فصارت تلك الأعمال أجزاء للإيمان فأوّل أولي العزم من الأنبياء كان نوحاعليه‌السلام فحين بعثه أمرهم أولاً بالتوحيد والإقرار بنبوته فقط ، وكان ذلك الإيمان حيث قال في سورة نوح «إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ، قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبيّن أَنِ اعْبُدُوا اللهَ » أي مخلصاً من غير شرك «وَاتَّقُوهُ » أي اتقوا عذابه الذي

__________________

(١) سورة آل عمران : ٧.

١٧٣

بعث نوحاً إلى قومه «أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ »(١) ثمَّ دعاهم إلى الله وحده وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ثمَّ بعث الأنبياءعليهم‌السلام على ذلك إلى أن بلغوا محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله فدعاهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً وقال «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى

_____________________________________________

قرّره على الشرك «وَأَطِيعُونِ » فيما أمركم به وأذعنوا لنبوتي فلم يذكر فيما أنذرهم به إلّا هذين الأمرين.

« ثمَّ دعاهم » أي ثمَّ بعد ذلك استمرّ على هذه الدّعوة زماناً طويلاً فكانت دعوته منحصرة في التوحيد ونفي الشريك ، وكان قبولهم ذلك منه مستلزماً للإذعان بنبوّته « ثمَّ بعث الأنبياء » أي ثمَّ بعث سائر أولي العزم في أوّل بعثتهم على هذا الأمر فقط ، إلى أن انتهت سلسلة أولي العزم وسائر الأنبياء إلى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أوّل بعثته بمكّة يدعوهم إلى التوحيد وما يتبعه من الإقرار بالنبوة بل المعاد أيضاً فإنه أيضاً من الأمور الّتي نزلت الآيات المشتملّة على التهديدات العظيمة فيها قبل الهجرة ، فالمراد جميع أصول الدين سوى الإمامة ، وذكر التوحيد على المثال ، أو على أن الإقرار به مستلزم للإقرار بسائر الأصول ، ويؤيده قولهعليه‌السلام بعد ذلك : والإقرار بما جاء به من عند الله.

قولهعليه‌السلام : وقال ، أي في سورة الشورى وهي مكيّة ، على ما ذكره المفسّرون إلى قوله : «وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ » إلى قوله : «لا يُحبّ الظَّالِمِينَ » عن الحسن ، وعلى قول ابن عبّاس وقتادة إلّا أربع آيات منها نزلت بالمدينة «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً » إلى قوله : «لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ » وعلى التقادير الآيات المذكورة مكية.

والاستشهاد بالآية لأنّ الدّين المشترك بيّن جميع الأنبياء هي الأصول الدينيّة الّتي لا تختلف باختلاف الشرائع ، مع أنّ قوله سبحانه : «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » يشعر بأن عمدة الدين في ذلك الوقت كانت التوحيد ونفي الشرك مع

__________________

(١) سورة نوح : ٣.

١٧٤

بِهِ نوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ »(١) فبعث الأنبياء إلى قومهم بشهادة أن لا إله إلّا الله والإقرار بما جاء [ به ] من عند الله فمن آمن مخلصاً ومات على ذلك أدخله الله الجنّة بذلك وذلك أَنَّ اللهَ

_____________________________________________

الإقرار بالنبوة لقوله تعالى : «اللهُ يَجْتَبِي ».

قال الطبرسيرحمه‌الله : «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نوحاً »، أي بيّن لكم ونهج وأوضح من الدين والتوحيد والبراءة من الشرك ما وصى به نوحاً" «وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ »" أي وهو الذي أوحينا إليك يا محمّد وهو ما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ، ثمَّ بيّن ذلك بقوله : «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ » وإقامة الدين التمسك به والعمل بموجبه والدوام عليه والدعاء إليه «وَلا تَتَفَرَّقُوا » أي لا تختلفوا «فِيهِ » وائتلفوا فيه واتفقوا وكونوا عباد الله إخوانا" «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ »" من توحيد الله والإخلاص له ، ورفض الأوثان وترك دين الآباء لأنّهم قالوا أجعل الآلهة إلها وأحداً ، وقيل : معناه ثقل عليهم وعظم اختيارنا لك بما تدعوهم إليه وتخصيصك بالوحيّ والنبوة دونهم «اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ » أي ليس لهم الاختيار لأن الله يصطفي لرسالته من يشاء على حسب ما يعلم من قيامه باعتبار الرسالة وقيل : معناه : الله يصطفي من عباده لدينه من يشاء «وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ » أي ويرشد إلى دينه من يقبل إلى طاعته أو يهدي إلى جنته وثوابه من يرجع إليه بالنيّة والإخلاص.

قولهعليه‌السلام : فمن آمن مخلصاً ، أي بقلبه ولسانه دون لسانه فقط ولم يخلطه بشرك « وذلك أن الله » كأنه إشارة إلى إدخاله الجنّة بمجردّ الشهادة والإقرار وإن لم يعمل من الطّاعات شيئاً ولم يترك سائر المحرمات لأنه كان بذلك مؤمناً في ذلك الزمان ، وإدخال المؤمن النّار ظلم « وذلك أن الله » المشار إليه بذلك إمّا عدم تعذيب

__________________

(١) سورة الشورى : ١٣.

١٧٥

لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ وذلك أن الله لم يكن يعذّب عبدا حتّى يغلظ عليه في القتل والمعاصي الّتي أوجب الله عليه بها النّار لمن عمل بها فلـمّا استجاب لكلّ نبيّ من استجاب له من قومه من المؤمنين جعل لكلّ نبيّ منهم شِرْعَةً وَمِنْهاجاً والشرعة والمنهاج سبيل

_____________________________________________

من ترك العمل بالنّار ، أو أنّه إن لم يدخل الجنّة وأدخل النّار كان ظالـمّا ، وهذا الكلام يحتمل وجهين : أحدهما أن تكون المعاصي الّتي نهى عنها في مكّة من المكروهات ويكون النهي عنها نهي تنزيه ، والطّاعات الّتي أمر بها فيها من المستحبات فالتعليل حينئذ ظاهر لأن التعذيب على ترك المستحبات أو فعل المكروهات في الآخرة ظلم ، وثانيهما أن يكون النهي عن المعاصي نهي تحريم والأمر بالطّاعات أمر وجوب لكن لم يوعد على فعل المعاصي وترك الطّاعات النّار ولم يغلظ فيهما ، وإنّما أوعد النّار على المشرك والإخلال بالعقائد وإنكار النبوة والمعاد فهي كانت بمنزلة الفرائض لسعة كرمه ورحمته أن لا يؤاخذ مجتنب الكبائر بفعل الصغائر ، والكبائر وغيرها بمنزلة الصغائر وسائر الواجبات ، وقد أوجب الله تعالى على نفسه فلو عذبهم بها كان ظلـمّا من حيث الإخلال بما أوجب على نفسه من العفو عنهم أو يقال : التعذيب بالنّار مع ترك الإيعاد بها ظلم أو يقال التعذيب بالنّار العظيم الأليم أبداً أو مدة طويلة بمحض النهي من غير تهديد ووعيد وتغليظ لا سيّما ممّن كملت قدرته ووسعت رحمته ظلم ، أو يقال : اللطف على الله تعالى واجب وأعظم الألطاف التهديد والوعيد بالنّار فتركه ظلم ، أو يقال : أطلق الظلم على خلاف الأولى مجازاً والكلّ مبني على أن الأعمال والتروك الّتي هي أجزاء الإيمان إنما هي ما يستحقّ بتركه الدخول في النّار ، وفي مكّة سوى العقائد لم تكن كذلك ولـمّا شرع في المدينة شرائع وجعل فيها فرائض وكبائر يستحقّ بترك الأولى ، وفعل الثانية دخول النّار جعلتاه من أجزاء الإيمان.

« جعل لكلّ نبيّ » إشارة إلى قوله تعالى في المائدة وهي مدنيّة : «لِكُلٍ

١٧٦

وسنّة وقال الله لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنبييّن مِنْ بَعْدِهِ »(١) - وأمر كلّ نبيّ بالأخذ بالسبيل والسّنة وكان من السّنة والسبيل الّتي أمر

_____________________________________________

جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً » قال البيضاوي :شرعة شريعة وهي الطريقة إلى الماء ، شبّه بها الدين لأنه طريق إلى ما هو سبب الحياة الأبدية وقرأ بفتح الشين «وَمِنْهاجاً » وطريقا واضحا في الدين من نهج الأمر إذا وضح ، واستدلّ به على أنا غير متعبدين بالشرائع المتقدمة ، انتهى.

وقال الراغب : الشرع نهج الطريق الواضح ، يقال : شرعت له طريقا والشرع مصدر ، ثمَّ جعل اسما للطريق النهج فقيل له شرع وشرعة وشريعة وأستعير ذلك للطريقة الإلهيّة من الدين قال تعالى : «لِكلّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً » فذلك إشارة إلى أمرين أحدهما : ما سخر تعالى عليه كلّ إنسان من طريق يتحراه ممّا يعود إلى مصالح عباده وعمارة بلاده وذلك المشار إليه بقوله : «وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ».

الثاني : ما قيض له من الدين وأمره به ليتحراه اختيارا ممّا يختلف فيه الشرائع ويعترضه النسخ ، ودلّ عليه قوله : «ثمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأمر فَاتَّبِعْها »(٢) قال ابن عباس : الشرعة ما وردّ به القرآن والمنهاج ما وردّ به السّنة وقوله : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً ، الآية ، فإشارة إلى الأصول الّتي تتساوى فيها الملل ولا يصحّ عليها النسخ كمعرفة الله ونحو ذلك من نحو ما دلّ عليه قوله : ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

قال بعضهم : سميت الشريعة تشبيها بشريعة الماء من حيث أن من شرع فيها على الحقيقة روي وتطهر قال : وأعني بالريّ ما قال بعض الحكماء : كنت أشربِّ فلا أروى ، فلـمّا عرفت الله رويت بلا شربِّ ، وبالتطهير ما قال تعالى : «إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ

__________________

(١) سورة النساء : ١٦٣.

(٢) سورة الجاثية : ١٨.

١٧٧

الله عزّ وجلّ بها موسىعليه‌السلام أن جعل الله عليهم السبت وكان من أعظم السبت ولم

_____________________________________________

عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » انتهى.

والشرعة والمنهاج متقاربان في المعنى كما أن اللفظين الذين فسرهماعليه‌السلام بهما أيضاً متقاربان ، فيحتمل أن يكونا تفسيرين لكلّ منهما أو يكون على اللف والنشر.

فعلى الأوّل أطلق على أعمال الدّين وأحكامه الشرعة لإيصالها العامل بها إلى الحياة الأبدية والتطهر من الأدناس الرديئة ، والمنهاج لأنها كالطريق الواضح الموصل إلى المقصود من الجنّة الباقية والدرجات العالية.

وعلى الثاني المراد بالأوّل الواجبات وبالثاني المستحبات ، ولذا عبّرعليه‌السلام عن الثاني بالسّنة ، أو بالأوّل العبادات وبالثاني سائر الأحكام ، والوجه الأوّل أوفق بقوله : وكان من السبيل ، وإن أمكن أن يكون المراد من مجموعهما وإن كان من أحدهما.

قال الطبرسي (ره) الشرعة والشريعة واحدة وهي الطريقة الظاهرة ، والشريعة هي الطريقة الّتي يوصل منه إلى الماء الذي فيه الحياة فقيل : الشريعة في الدين الطريق الذي يوصل منه إلى الحياة في النعيم وهي الأمور الّتي يعبد الله بها من جهة السمع ، والأصل فيه الظهور ، والمنهاج الطريق المستمرّ يقال : طريق نهج ومنهج أي بيّن ، وقال المبردّ : الشرعة : ابتداء الطريق والمنهاج الطريق المستقيم قال : وهذه الألفاظ إذا تكررت فلزيادة فائدة فيه وقد جاء أيضاً بمعنى واحد كقول الشاعر : أقوى وأقفر ، وهما بمعنى ، انتهى.

قوله : أن جعل عليهم السّبت ، قال الراغب : أصل السبت قطع العمل ومنه سبت السير أي قطعه ، وسبت شعره حلقه ، وقيل : سمّي يوم السبت لأن الله تعالى ابتدأ بخلق السماوات والأرض يوم الأحد فخلقها في ستّة أيّام كما ذكره فقطع عمله تعالى يوم السبت فسمّي بذلك ، وسبت فلان صار في السّبت.

١٧٨

يستحلَّ أن يفعل ذلك من خشية الله أدخله الله الجنّة ومن استخفَّ بحقّه واستحلّ ما حرم الله عليه من العمل الذي نهاه الله عنه فيه أدخله الله عزّ وجلّ النّار وذلك حيث استحلّوا الحيتان واحتبسوها وأكلوها يوم السبت غضب الله عليهم من غير أن يكونوا

_____________________________________________

وقوله عزّ وجلّ : «يَوْمَ سَبْتِهِمْ »(١) قيل : يوم قطعهم للعمل «وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ » قيل : معناه لا يقطعون العمل ، وقيل : يوم لا يكونون في السبت وكلاهما إشارة إلى حالة واحدة وقوله : إنما جعل السّبت أي ترك العمل فيه ، انتهى.

قولهعليه‌السلام : ولم يستحل ، الظاهر أن المراد بالاستحلال هنا الجرأة على الله وانتهاك ما حرم الله فكأنّه عده حلالاً لقوله بعد ذلك ولا شكوا في شيء ممّا جاء به موسى.

وما قيل : دلّ على أن مخالفة الأحكام كفر يوجب دخول النّار مع الاستحلال والظاهر أنه لا خلاف فيه بيّن الأمّة ، وما ذلك إلّا لأن الإقرار بها والعمل بها داخلان في الإيمان ، وإذا كان كذلك كان تاركها وإن لم يستحل كافراً يعذّب بالنّار أيضا. فلا يخفى وهنه « حيث استحلوا الحيتان » أي استحلوا صيدها أو أكلها أو حبسها أيضاً ، وقوله : يوم السبت ظرف لكلّ من احتبسوها وأكلوها أو لاستحلوا أيضاً أي استحلوا أو لأحبسها يوم السبت ثمَّ استحلوا صيدها وأكلها فيه.

وقيل : يوم السبت ظرف لاحتبسوها لا لأكلوها أي احتبسوها يوم السبت في مضيق بسد الطريق عليها ثمَّ اصطادوها يوم الأحد وأكلوها ، فعلوا ذلك حيلة ولم تنفعهم لأن احتباسها فيه هتك لحرمته ، فخرجوا بذلك من الإيمان إلى الكفر ، ولذلك غضب الله عليهم من غير أن يشركوا بالرحمن وأن يشكوا في رسالة موسىعليه‌السلام وما جاء به ، ولذلك لم يصطادوا يوم السبت ، فعلم أن الإيمان ليس مجردّ التصديق بل هو مع العمل لأن المؤمن لا يغضب ولا يدخل النار.

وفيه شيء لأن استحلالهم الحيتان ينافي ظاهراً عدم شكهم بما جاء به موسى.

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٦٣.

١٧٩

أشركوا بالرَّحمن ولا شكّوا في شيء ممّا جاء به موسىعليه‌السلام قال الله عزّ وجلّ : «وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ »(١) ثمَّ بعث

_____________________________________________

ويمكن دفعه بأن ما جاء به موسى تحريم الحيتان يوم السّبت وهم استحلّوها يوم الأحد ولحقّ بهم ما لحقّ بسبب احتباسهم يوم السّبت ، انتهى.

وأقول : قد عرفت معنى الاستحلال وهو معنى شائع في المحاورات ، فلا يردّ ما أورده ، وامّا الجواب الذي ذكره فهو أيضاً لا يسمن ولا يغني من جوع ، لأن الاحتباس إذا لم يكن منهيا عنه فكيف عذبوا عليه ، وإن كان داخلاً فيما نهوا عنه عاد الإشكال مع أن ظاهر أكثر الروايات المعتبرة أنّهم بعد تلك الحيلة تعدى أكثرهم إلى الصيد والأكلّ يوم السّبت فاعتزلت طائفة منهم فلم يمسخوا ، وبقيت طائفة بينهم فمسخوا أيضاً لتركهم النهي عن المنكر ، وإن اختلف المفسّرون في ذلك.

قال في مجمع البيان : اختلفت في أنّهم كيف اصطادوا فقيل : أنّهم ألقوا الشبكة في الماء يوم السّبت حتّى كان يقع فيها السمك ثمَّ كانوا لا يخرجون الشبكة من الماء إلى يوم الأحد ، وهذا تسبب محظور ، وفي رواية ابن عباس : اتخذوا الحياض فكانوا يسوقون الحيتان إليها ولا يمكنها الخروج منها فيأخذونها يوم الأحد.

وقيل : أنّهم اصطادوها وتناولوها باليد يوم السّبت عن الحسن.

«وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السّبت » قال البيضاوي : السّبت مصدر سبتت اليهود إذا عظمت يوم السّبت وأصله القطع ، أمروا أن يجردوه للعبادة فاعتدى فيه ناس منهم في زمن داودعليه‌السلام واشتغلوا بالصيد وذلك أنّهم كانوا يسكنون قرية على الساحل يقال لها أبلة ، وإذا كان يوم السّبت لم يبق حوت في البحر إلّا حضر هناك وأخرج خرطومه وإذا مضى تفرقت فحضروا حياضا وشرعوا إليها الجداول ، وكانت الحيتان تدخلها يوم السّبت فيصطادونها يوم الأحد «فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ »

__________________

(١) سورة البقرة : ٦٢.

١٨٠