مرآة العقول الجزء ٧

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الحديث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 379

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الحديث
تصنيف: الصفحات: 379
المشاهدات: 16921
تحميل: 8204


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 379 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16921 / تحميل: 8204
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دار الحديث
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

_____________________________________________

معارضاً بما سبق من حديث جبرئيل للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث سأله عن الإيمان فقال : أن تؤمن بالله ورسله واليوم الآخر ، أي تصدق بذلك ، ولو بقي من حقيقته شيء سوى ما ذكره له لبينه له ، فدلّ على أن حقيقته تتم بما أجابه بالقياس إلى كلّ مكلّف إمّا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلأنه المجاب به حين سأله ، وامّا لغيره فللتأسي به وطريق الجمع بينهما حينئذ حمل ما في حديث الجوارح من الزيادة عن ذلك على مرتبة الكمال بيناه سابقا.

وهيهنا بحث وهو أن حقيقة الإيمان لـمّا كانت من الأمور الاعتبارية للشارع كان تحديدها إنما هو بجعل الشارع وتقريره لها ، فلا يعلم حينئذ مقداره وحقيقته إلّا منه ، وحيث رأينا ما وصل إلينا من خطاباته تعالى غير قاطع في الدلالة على تعيين قدر مخصوص من أنواع الاعتقاد والأعمال بحيث تشترك الكلّ في التكليف به من غير تفاوت بيّن قوي الإدراك وضعيفة ، بل رأيناها متفاوتة في الدلالة على ذلك يعلم ذلك من تتبع آيات الكتاب العزيز والسّنة المطهّرة وقد سبق نبذة من ذلك ولا يجوز الاختلاف في خطاباته ، ولا أن يكلّف عباده بأمر لا يبيّن لهم مراده تعالى منه ، لاستحالة تكليف ما لا يطاق وإخلاله باللطف ورأينا الأكثر ورودا في كتابه بذلك الأمر بالاعتقاد القلبي من غير تعيين مقدار مخصوص منه بقاطع يوقفنا على اعتباره أمكن حينئذ أن يكون مراده منه مطلق الاعتقاد العلمي سواء كان علم الطمأنينة أو علم اليقين أو حقّ اليقين أو عين اليقين فتكون حقيقة واحدة وهو الإذعان القلبي والاعتقاد العلمي ، والتفاوت بالزيادة والنقصان إنما هو في أفراد تلك الحقيقة ومن مشخصاتها فلا يكون داخلاً في الحقيقة المذكورة ، وما وردّ ممّا ظاهره الاختلاف في الدلالة على مراد الشارع منه يمكن تنزيله على تفاوت الأفراد المذكورة كعلم الطمأنينة وعلم اليقين وغيرهما فيكون كلّ واحدّ منها مرادا وكافياً في امتثال أمر الشارع.

وهذا هو المناسب لسهولة التكليف واختلاف طبقات المكلّفين في الإدراك كما

٢٦١

_____________________________________________

لا يخفى ، وبذلك يسهّل الخطب في الحكم بإيمان أكثر العوالم الذين لا يتيسر لأنفسهم الاتّصاف بالعلم الذي لا يقبل تشكيك المشكك ، فإن علم الطمأنينة متيسر لكلّ واحدّ ، وعلى هذا فيكون ما تشعر النفس به من الازدياد في التصديق والاطمئنان عند ما تشاهده من برهان أو عيان ، إنما هو انتقال في أفراد تلك الحقيقة وتبدلّ واحدّ بآخر ، والحقيقة واحدة.

لا يقال : أفراد الحقيقة الواحدة لا تنافي الاجتماع في القوّة العاقلّة فإن أفراد الحيوان والإنسان يصلح اجتماعها في القوّة العاقلّة وما نحن فيه ليس كذلك ، إذ لا يمكن اتصاف الحصول بنفس علم الطمأنينة وعلم اليقين في حالة واحدة لتضادهما وبهذا يزول الأوّل بحصول الثاني فلا يكون ما ذكرت أفراد حقيقة واحدة بل حقائق.

قلت : لا نسلّم أن أفراد كلّ حقيقة يصحّ اجتماعها في الحصول عند القوّة العاقلّة ، بل قد لا يصحّ ذلك لـمّا بينها من التضاد كما في البياض والسواد فإنها فردان لحقيقة واحدة هي اللون مع عدم صحّة اجتماعهما في محل واحدّ لا خارجاً ولا ذهنا.

بقي هيهنا شيء وهو أنه لا ريب في تحقّق الإيمان الشرعيّ بالتصديق الجازم الثابت وإن أخل المتصف به ببعض الطّاعات ، وقارف بعض المنهيّات عند من يكتفي في حصول الإيمان بإذعان الجنان ، وإذا كان الأمر كذلك فلا معنى للنزاع عند هؤلاء في أن حقيقة الإيمان هل تقبل الزيادة والنقصان ، إذ لو قبلت شيئاً منهما لم تكن واحدة بل متعددة ، لأن القابل غير المقبول ، والعارض غير المعروض فإن دخل الزائد في مفهوم الحقيقة بحيث صار ذاتيا لها تعددت وتبدلت ، وكذا الناقص إذا خرج عنها فلا تكون واحدة ، وقد فرضناها كذلك ، هذا خلف ، وإن لم يدخل ولم يخرج شيء منهما كانت واحدة من غير نقصان وزيادة فيها بل هما راجعان إلى الكمال وعدمه

٢٦٢

_____________________________________________

وحينئذ فيبقى محلّ النزاع هل يقبل كما لها الزيادة والنقصان ، وأنت خبير بأن هذا ممّا لا يختلف في صحته اثنان ، وقد ذكر بعض العلماء أن هذا النزاع إنما يتمشى على قول من جعل الطّاعات من الإيمان.

وأقول : الذي يقتضيه النظر أنّه لا يتمشى على قولهم أيضاً ، وذلك أنّ ما اعتبروه في الإيمان من الطّاعات إمّا أن يريدوا به توقّف حصول الإيمان على جميع ما اعتبروه أو عليه في الجملّة ، وعلى الأوّل يلزم كون حقيقته واحدة ، فإذا ترك فرضا من تلك الطّاعات يخرج من الإيمان وعلى الثاني يلزم كون ما يتحقّق به الإيمان من تلك الطّاعات داخلاً في حقيقته وما زاد عليه خارجاً فتكون واحدة على التقديرين ، فليس الزيادة والنقصان إلّا في الكمال على جميع الأقوال ، انتهى كلامه رفع الله مقامه.

وقال شارح المقاصد : ظاهر الكتاب والسّنة وهو مذهب الأشاعرة والمعتزلة والمحكي عن الشافعي وكثير من العلماء أن الإيمان يزيد وينقص ، وعند أبي حنيفة وأصحابه وكثير من العلماء وهو اختيار إمام الحرمين أنه لا يزيد ولا ينقص لأنه اسم للتصديق البالغ حدّ الجزم والإذعان ولا يتصور فيه الزيادة والنقصان ، والمصدّق إذا ضم الطّاعات إليه أو ارتكب المعاصي فتصديقه بحاله لم يتغير أصلاً وإنما يتفاوت إذا كان اسما للطاعات المتفاوتة قلّة وكثرة ، ولهذا قال الإمام الرازي وغيره : إن هذا الخلاف فرع تفسير الأيمان ، فإن قلنا : هو التصديق فلا يتفاوت ، وإن قلنا هو الأعمال فمتفاوت.

وقال إمام الحرمين : إذا حملنا الإيمان على التصديق فلا يفضل تصديق تصديقاً كما لا يفضل علم علـمّا ومن حمله على الطاعة سرا وعلنا وقد مال إليه القلانسي فلا يبعد إطلاق القول بأنّه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ونحن لا نؤثر هذا ، ثمَّ قال : ولقائل أن يقول : لا نسلّم أن التصديق لا يتفاوت بل يتفاوت قوّة وضعفاً كما في التصديق

٢٦٣

_____________________________________________

بطلوع الشّمس والتصديق بحدوث العالم لأنه إمّا نفس الاعتقاد القابل للتفاوت أو مبنيّ عليه قلّة وكثرة كما في التصديق الإجمالي والتفصيلي الملاحظّ لبعض التفاصيل وأكثر ، فإن ذلك من الإيمان لكونه تصديقاً بما جاء به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إجمالاً فيما علم إجمالاً ، وتفصيلاً فيما علم تفصيلا.

لا يقال : الواجب تصديق يبلغ حدّ اليقين وهو لا يتفاوت ، لأن التفاوت لا يتصوّر إلّا باحتمال النقيض.

لأنا نقول : اليقين من باب العلم والمعرفة ، وقد سبق أنه غير التصديق ، ولو سلم أنّه التصديق وأنّ المراد به ما يبلغ حدّ الإذعان والقبول ويصدق عليه المعنى المسمّى بگرويدن ليكون تصديقاً قطعاً فلا نسلّم أنه لا يقبل التفاوت ، بل لليقين مراتب من أجلى البديهيات إلى أخفى النظريات ، وكون التفاوت راجعاً إلى مجردّ الجلاء والخفاء غير مسلم بل عند الحصول وزوال التردد التفاوت بحاله ، وكفاك قول الخليل : «وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي » وعن عليّعليه‌السلام : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا.

على أنّ القول بأنّ المعتبر في حقّ الكلّ هو اليقين وأن ليس للظن الغالب الذي لا يخطر معه النقيض بالبال حكم اليقين محل نظر.

احتجّ القائلون بالزيادة والنقصان بالعقل والنقل إمّا العقل فلأنه لو لم يتفاوت لكان إيمان آحاد الأمّة بل المنهمك في الفسق مساوياً لتصديق الأنبياء واللّازم باطل قطعاً وامّا النقل فلكثرة النصوص الواردة في هذا المعنى ، قال الله : «وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً »(١) «لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمأنّهم »(٢) «وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً »(٣) «وَما زادَهُمْ إلّا إِيماناً وَتَسْلِيماً »(٤) «فَإمّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً »(٥) وعن

__________________

(١) سورة الأنفال : ٢. (٢) سورة الفتح : ٤.

(٣) سورة المدّثّر. ٣١. (٤) سورة الأحزاب : ٢٢.

(٥) سورة التوبة : ١٢٤.

٢٦٤

_____________________________________________

ابن عمرّ قلنا : يا رسول الله إن الإيمان يزيد وينقص؟ قال : نعم يزيد حتّى يدخل صاحبه الجنّة وينقص حتّى يدخل صاحبه النّار.

وأجيب بوجوه : الأوّل : أنّ المراد الزيادة بحسب الدوام والثبات وكثرة الأزمان والسّاعات وهذا ما قال إمام الحرمين : النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفضل من عداه باستمرار تصديقه وعصمة الله إياه من مخامرة الشكوك ، والتصديق عرض لا يبقى ، فيقع للنبيّ متواليا ولغيره على الفترات ، فثبت للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعداد من الإيمان لا يثبت لغيره إلّا بعضها ، فيكون إيمانه أكثر ، والزيادة بهذا المعنى ممّا لا نزاع فيه.

وما يقال : من أن حصول المثل بعد انعدام الشيء لا يكون زيادة ، مدفوع بأن المراد زيادة إعداد حصلت وعدم البقاء لا ينافي ذلك.

الثاني : أن المراد الزيادة بحسب زيادة المؤمن به ، والصحّابة كانوا آمنوا في الجملّة وكان يأتي فرض بعد فرض ، وكانوا يؤمنون بكلّ فرض خاص ، وحاصله أن الإيمان واجب إجمالاً فيما علم إجمالاً وتفصيلاً فيما علم تفصيلاً ، والنّاس متفاوتون في ملاحظة التفاصيل كثرة وقلّة ، فيتفاوت إيمأنّهم زيادة ونقصاناً ولا يختص ذلك بعصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما يتوهم.

الثالث : أن المراد زيادة ثمرته وإشراق نوره في القلب فإنه يزيد بالطّاعات وينقص بالمعاصي ، وهذا ممّا لا خفاء فيه ، وهذه الوجوه جيدة في التأويل لو ثبت لهم أن التصديق في نفسه لا يقبل التفاوت والكلام فيه ، انتهى.

والحقّ أن الإيمان يقبل الزيادة والنقصان ، سواء كانت الأعمال أجزاءه أو شرائطه أو آثاره الدالة عليه ، فإن التصديق القلبي بأي معنى فسّر لا ريب أنّه يزيد ، وكلـمّا ازدادت آثاره على الأعضاء والجوارح فهي كثرة وقلّة تدلّ على مراتب الإيمان زيادة ونقصاناً ، وكلّ منهما يتفرّع على الآخر ، فإن كلّ مرتبة من مراتب الإيمان يصير سبباً لقدر من الأعمال يناسبها ، فإذا أتى بها قوي الإيمان

٢٦٥

( باب )

( السبق إلى الإيمان )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن بريد قال حدثنا أبو عمرو الزُّبيري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له إن للإيمان درجات ومنازل يتفاضل المؤمنون فيها عند الله قال نعم قلت صفه لي رحمك الله حتّى أفهمه قال إن الله سبّق بيّن المؤمنين كما يسبّق بيّن الخيل يوم الرهان ثمَّ فضلهم

_____________________________________________

القلبي ، وحصلت مرتبة أعلى تقتضي عملاً أكثر ، وهكذا وسيأتي مزيد تأييد لذلك في الأخبار إنشاء الله تعالى.

باب السبق إلى الإيمان

الحديث الأوّل : ضعيف ، وتتمّة من الحديث الكبير المذكور في الباب السابق.

« درجات » أي ذو درجات أو نفسه باعتبار إضافة الدرجات وقيل : الدرجات مراتب الترقيات ، والمنازل مراتب التنزلات ، ويحتمل أن يكون المقصود منهما وأحداً أطلق عليهما اللّفظان باعتبارين « إن الله سبق » على بناء التفعيل المعلوم ، ويسبق على بناء التفعيل المجهول ، أي قرر السبق وقدره بينهم في الإيمان ، وندبهم إليه كما يسابق بيّن الخيل يوم الرهان ، والخيل جماعة الأفراس لا واحدّ له ، وقيل : واحده خائل لأنه يختال وجمعه أخيال وخيول ، ويطلق الخيل عليّ الفرسان ، أيضاً والمراهنة والرهان بالكسر المسابقة على الخيل ، وكأنهعليه‌السلام سبه مدة الحياة بالمضمار والأرواح بالفرسان ، والأبدان بالخيول ، والعلم الذي يسبق إليه منتهى مراتب الإيمان ، والسبق الذي يراهن عليه الجنّة ، فمنهم من سبق الكلّ وبلغ الغاية وهو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنهم من تأخّر عن الكلّ ، ومنهم من

٢٦٦

على درجاتهم في السبق إليه ، فجعل كلَّ امريء منهم على درجة سبقه لا ينقصه فيها من حقه ولا يتقدّم مسبوقٌ سابقاً ولا مفضولٌ فاضلاً ، تفاضل بذلك أوائل هذه الأمّة وأواخرها ولو لم يكن للسابق إلى الإيمان فضل على المسبوق إذا للحقّ آخر هذه الأمّة أولها نعم ولتقدموهم إذا لم يكن لمن سبق إلى الإيمان الفضل على من أبطأ عنه

_____________________________________________

بقي في وسط الميدان ومنازلهم بحسب العقائد والأعمال كما وكيفا لا يتناهى.

قولهعليه‌السلام : فجعل كلّ امرئ منهم ، أي أعطاه ما يستحقه من الكرامة والأجر والذكر الجميل ، قيل في الاقتصار بنفي النقص دون الزيادة إيماء إلى جوازها من باب التفضل وإن لم يستحقّ.

« ولا يتقدّم » أي في الفضل والثواب « مسبوق » في الإيمان « سابقاً » فيه ولا مفضول في الكمالات والأعمال الصّالحة سابقاً فيهما « تفاضل » استئناف بياني « بذلك » أي بالسبق« أوائل هذه الأمّة » أي من تقدّم إيمانه من الصحّابة « أواخرها » منهم أو الأعمّ من الصحّابة وغيرهم أو الصحّابة على التابعين ، والتابعين على غيرهم ، وظاهره السبق الزماني إشعارا بأن الغاصبيّن للخلافة وإن فرض منهم تحقّق إسلام وعمل صالح فلا يجوز تقديمهم على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقد كان أولهم إيمانا وأسبقهم مع قطع النظر عن سائر الكمالات والفضائل الّتي استحقّ بها التقديم.

ويحتمل أن يكون المراد أعمّ من السبق الزماني والسبق بحسب الرتبة وكمال اليقين ، فالأكثرية بحسب الكمية لا الكيفية فإنها تابعة للكمالات النفسانية والحقائق الإيمانية الّتي هي من الأعمال القلبيّة لكنه بعيد عن السياق ، وقوله : نعم تأكيد لقوله : للحقّ ، وقوله ولتقدموهم عطف على قوله : نعم ، أو على قوله : للحقّ ، وقوله : إذا لم يكن إعادة للشرط السابق تأكيداً.

أو المعنى أنه لو لم يكن للسبق الزماني مدخل في الفضل ، للزم أن يجوز لحوق المتأخرين السابقين أو تقدمهم عليهم مع عدم تحقّق فضل في أصل الإيمان وشرائطه

٢٦٧

ولكن بدرجات الإيمان قدَّم الله السابقين وبالإبطاء عن الإيمان أخّر الله المقصّرين لأنّا نجد من المؤمنين من الآخرين من هو أكثر عملاً من الأوَّلين وأكثرهم صلاةً وصوماً وحجّاً وزكاة وجهاداً وإنفاقاً ولو لم يكن سوابق يفضل ، بها المؤمنون بعضهم

_____________________________________________

ومكمّلاته للسّابقين على اللّاحقين ، فاللحوق في صورة المساواة ، والتقدّم في صورة زيادة إيمان اللاحقين على إيمان السابقين ، والحال أنّه ليس كذلك فإنّ لهم بالتقدّم الزماني فضلاً عليهم ، فالمراد بالفضل ما هو غير السبق الزمانيّ ، وقوله : ولكن إضراب عن قوله : نعم ولتقدموهم « إلخ ».

أو المراد بالدرجات ما هو باعتبار السّبق الزمانيّ من الأوَّلين أو من بعضهم مقدمين على الأوَّلين أي مطلقاً ، لكن ليس كذلك بل ربما كان بعض الأوَّلين باعتبار السبق أفضل من كثير من الآخرين وإن كانوا أقلّ منهم عملاً باعتبار تقدّمهم وسبقهم وصعوبة الإيمان في ذلك الزمان ، وبسبب أن لهم مدخلاً عظيماً في أيمان الآخرين.

والحاصل أنّ المسابقة تكون بحسب الرتبة والزمان ، فمن اجتمعاً فيه كأمير المؤمنين صلوات الله عليه فهو الكامل حقّ الكمال ، والسابق على كلّ حال ، ومن انتفى عنه الأمران فهو الناقص المستحقّ للخذلان والوبال ، وامّا إذا تعارض الأمران فظاهر الخبر أن السّابق زماناً أفضل وأعلى درجة من الآخر ، وقال بعض المحقّقين : الغرض من هذا الحديث أن يبيّن أن تفاضل درجات الإيمان بقدر السبق والمبادرة إلى إجابة الدعوة إلى الإيمان.

وهذا يحتمل عدَّة معان : أحدها : أن يكون المراد بالسّبق السبق في الذرّ وعند الميثاق كما مرّ أنه سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأي شيء سبقت ولد آدم؟ قال : إنني أوّل من أقرّ بربّي إن الله أخذ ميثاق النبييّن وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى ، فكنت أوّل من أجاب ، وعلى هذا يكون المراد بأوائل هذه الأمّة وأواخرها أوائلها وأواخرها في الإقرار والإجابة هناك فالفضل للمتقدّم في قوله بلى ، والمبادرة إلى

٢٦٨

بعضاً عند الله لكان الآخرون بكثرة العمل مقدَّمين على الأوَّلين ولكن أبى الله عزَّ وجلَّ أن يدرك آخر درجات الإيمان أوَّلها ويقدم فيها من أخّر الله أو يؤخّر فيها

_____________________________________________

ذلك ، ثمَّ المتقدّم والمبادرة.

والمعنى الثاني أن يكون المراد بالسّبق السبق في الشرف والرتبة والعلم والحكمة وزيادة العقل والبصيرة في الدين ، ووفور سهام الإيمان الآتي ذكرها ، ولا سيّما اليقين كما يستفاد من الأخبار الآتية ، وعلى هذا يكون المراد بأوائل هذه الأمّة وأواخرها أوائلها وأواخرها في مراتب الشرف والعقل والعلم ، فالفضل للأعقل والأعلم والأجمع للكمالات ، وهذا المعنى يرجع إلى المعنى الأوّل لتلازمهما ووحدة ما لهما واتحاد محصلهما ، والوجه في أن الفضل للسابق على هذين المعنيين ظاهر لا مرية فيه ، وممّا يدلّ على إرادة هذين المعنيين الذين مرجعهما إلى واحدّ ، قولهعليه‌السلام : ولو لم يكن سوابق يفضل بها المؤمنون إلى قوله : من قدم الله ، ولا سيّما قوله : أبي الله أن يدرك آخر درجات الإيمان أوّلها.

ومن تأمّل في تتمّة الحديث أيضاً حقّ التأمّل يظهر له أنّه المراد إنشاء الله تعالى.

والمعنى الثالث أن يكون المراد بالسّبق الزمانيّ في الدنّيا عند دعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إياهم إلى الإيمان ، وعلى هذا يكون المراد بأوائل هذه الأمّة وأواخرها في الإجابة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبول الإسلام والتسليم بالقلب والانقياد للتكاليف الشرعيّة طوعاً ، ويعرف الحكم في سائر الأزمنة بالمقايسة.

وسبب فضل السّابق على هذا المعنى أنّ السبق في الإجابة للحقّ دليل على زيادة البصيرة والعقل والشرف الّتي هي الفضيلة والكمال.

والمعنى الرابع أن يراد بالسّبق السبق الزمانيّ عند بلوغ الدّعوة فيعمّ الأزمنة المتأخرة عن زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهذا المعنى يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون المراد بالأوائل والأواخر ما ذكرناه أخيراً ، وكذا السّبب في الفضل ، والآخر : أن يكون المراد بالأوائل من

٢٦٩

من قدم الله قلت أخبرني عمّا ندبّ الله عزّ وجلّ المؤمنين إليه من الاستباق إلى الإيمان فقال قول الله عزّ وجلّ : «سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ »(١) وقال «السَّابِقُونَ

_____________________________________________

كان زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبالأواخر من كان بعد ذلك ، ويكون سبب فضل الأوائل صعوبة قبول الإسلام وترك ما نشأوا عليه في تلك الزمن ، وسهولته فيما بعد استقرار الأمر وظهور الإسلام وانتشاره في البلاد ، مع أن الأوائل سبب لاهتداء الأواخر إذ بهم وبنصرتهم استقر ما استقر وقوي ما قوي وبأن ما استبان والله المستعان ، انتهى.

قوله : أخبرني عمّا ندبّ الله ، لـمّا دلّ كلامهعليه‌السلام سابقاً على أنه تعالى طلب منهم الاستباق إلى الإيمان سأله الراوي عن الآيات الدالة عليه. «سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ » كذا في سورة الحديد ، وفي سورة آل عمران : «وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ »(٢) وكان مقتضى الجمع بيّن الآيتين أن المراد بالمسارعة المسابقة ، أي سارعوا مسابقين إلى سبب مغفرة من ربكم من الإيمان والأعمال الصّالحة «وَجَنَّةٍ » أي إلى جنة «عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ » وفي آل عمران «عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ».

قال المحقّق الأردبيليقدس‌سره : كنّى بالعرض عن مطلق المقدار وهو متعارف ، ونقل على ذلك الإشعار في مجمع البيان ، أو لأنه لـمّا علم أن عرضه الذي هو أقلّ من الطول عرفاً في غير المساوي علم أنّ طوله أيضاً يكون إمّا أكثر أو مثله.

وقال القاضي : ذكر العرض للمبالغة في وصفها بالسعة على طريق التمثيل لأنه دون الطول ، وعن ابن عباس كسبع سماوات وسبع أرضين لو وصل بعضها ببعض ، وظاهر الآية وجوب المسارعة أو رجحانها إلى الطّاعة الموجبة للدخول في الجنّة وأعظمها الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر والترقّي إلى مقاماتها العالية.

«أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ » ظاهر هذه الآية وغيرها من الآيات

__________________

(١) سورة الحديد : ٢١. (٢) الآية : ١٣٣.

٢٧٠

السَّابِقُونَ أُولئِكَ المقرّبون »(١) وقال «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ

_____________________________________________

والروايات أنّ الجنّة مخلوقة الآن وكذا النّار وقال به الأصحاب ، وصرّح به الشيخ المفيد في بعض رسائله وقال : إن الجنّة مخلوقة مسكونة سكنتها الملائكة وظاهر الآية أنّها في السّماء ، والظّاهر أن المراد به أنه يكون بعضها في المساء ويكون البعض الآخر فوقها ، أو يكون أبوابها فيها أو فوق الكلّ ، وما ذكره الحكماء غير مسموع شرعاً وهو ظاهر كما قيل أن النّار تحت الأرض فتكون الآية دليلاً على بطلان ما قالوه ، انتهى.

وقال البيضاوي : فيه دلالة على أنّ الجنّة مخلوقة وأنها خارجة عن هذا العالم ، وذهب جماعة من المعتزلة إلى أنّهما غير مخلوقتين وأنّهما تخلقان يوم القيامة.

« وقال » : أي في الواقعة «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ » قال البيضاوي : أي الذين سبقوا إلى الإيمان والطّاعة بعد ظهور الحقّ من غير تلعثمَّ وتوان ، أو سبقوا إلى حيازة الفضائل والكمالات أو الأنبياء فأنّهم مقدّموا أهل الأديان هم الذين عرفت حالهم وعرفت ما لهم كقول أبي النجم : « وشعري شعري » أو الذين سبقوا إلى الجنّة.

«أُولئِكَ المقرّبون » «فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ » أي الذين قربت درجاتهم في الجنّة وأعليت مراتبهم.

« وقال » أي في التوبة «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ » في المجمع أي السّابقون إلى الإيمان وإلى الطّاعات ، وإنمّا مدحهم بالسّبق لأن السّابق إلى الشيء يتبعه غيره فيكون متبوعاً وغيره تابع له ، فهو إمام فيه وداع له إلى الخير بسبقه إليه ، وكذلك من سبق إلى الشرّيكون أسوأ حالاً لهذه العلة «مِنَ الْمُهاجِرِينَ » الذين هاجروا من مكّة إلى المدينة ، وإلى الحبشة «وَالْأَنْصارِ » أي ومن الأنصار الذين سبقوا

__________________

(١) سورة الواقعة : ١٠.

٢٧١

وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ »(١) فبدأ بالمهاجرين الأوَّلين على درجة سبقهم ثمَّ ثنّى بالأنصار ثمَّ ثلّث بالتابعين لهم بإحسان فوضع كلّ قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده ثمَّ ذكر ما فضل الله عزّ وجلّ به أولياءه بعضهم على بعض فقال عزّ وجلّ : «تِلْكَ الرّسل فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ

_____________________________________________

نظرائهم من أهل المدينة إلى الإسلام ، وقرء يعقوب والأنصار بالرفع فلم يجعلهم من السابقين ، وجعل السّبق للمهاجرين خاصّة «وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ » أي بأفعال الخير والدخول في الإسلام بعدهم وسلوك منهاجهم ، ويدخل في ذلك من بعدهم إلى يوم القيامة «رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أبداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » قال : وفي هذه الآية دلالة على فضل السابقين ومزيتهم على غيرهم لـمّا لحقهم من أنواع المشقة في نصرة الدين ، فمنها مفارقة العشائر والأقربيّن ومنها مباينة المألوف من الدين ومنها نصرة الإسلام مع قلّة العدد وكثرة العدو ، ومنها السّبق إلى الإيمان والدعاء إليه ، انتهى.

وقال بعضهم : السّابقون الأوّلون من المهاجرين هم الّذين صلّوا إلى القبلتين وشهدوا بدرا وأسلموا قبل الهجرة ، ومن الأنصار أهل بيعة العقبة الأولى ، وكانوا سبعة نفر ، وأهل بيعة العقبة الثانية وكانوا سبعين ، وقال بعض المخالفين : كلمة « من » للتبيين فيتنأوّل المدح جميع الصحابة.

قولهعليه‌السلام : « ثمَّ ذكر » كلمة ثمَّ للتراخي بحسب المرتبة ، إذ سورة البقرة نزلت قبل سورتي التوبة والحديد « فقال الله عزّ وجلّ » أي في سورة البقرة «تِلْكَ الرّسل » قيل : إشارة إلى الجماعة المذكورة قصصها في السّورة أو المعلومة للرسول أو جماعة الرّسل واللام للاستغراق.

«فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ » بأن خصصناه بمنقبة ليست لغيره «مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ » تفصيل له وهو موسى ، وقيل موسى ومحمّد صلى الله عليهما وآله ، كلّم موسى ليلة

__________________

(١) سورة التوبة : ١٠٠.

٢٧٢

وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ فوق بعض دَرَجاتٍ - إلى آخر الآية - »(١) وقال «وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ

_____________________________________________

الحيرة وفي الطور ، ومحمّداً ليلة المعراج ، حين كان قاب قوسين أو أدنى وبينهما بون بعيد ، وفي المصاحف :ورفع بعضهم درجات ، وليس فيهما فوق بعض ، فالزيادة إمّا من الرواة أو النساخ أو منهعليه‌السلام زاده للبيان والتفسير ، وهذه الزيادة مذكورة في سورة الزخرف حيث قال : «نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ »(٢) فيحتمل أن يكون الزيادة للإشارة إلى الآيتين ، قيل : ورفع بعضهم درجات بأن فضله على غيره من وجوه متعددة وبمراتب متباعدَّة وهو محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه خصّ بالدعوة العامة والحجج المتكاثرة والمعجزات المستمرة والآيات المترتبة المتعاقبة بتعاقب الدهر والفضائل العلمية والعملية الفائتة للحصر والإبهام لتفخيم شأنه كأنه العلم المتعين لهذا الوصف ، المستغني عن التعيين ، وقيل : إبراهيم خصصه بالخلة الّتي هي أعلى المراتب ، وقيل : إدريس لقوله تعالى : «وَرَفَعْناهُ مَكاناً عليّاً » وقيل : أولوا العزم من الرّسل ، وبعد ذلك «وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقدّس وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ».

« وقال » أي في سورة الأسرى : «وَلَقَدْ فَضَّلْنا » إلخ.

قال البيضاوي : أي بالفضائل النفسانيّة والتبري عن العلائق الجسمانيّة لا بكثرة الأموال والأتباع حتّى داود فإن شرفه بما أوحى إليه من الكتاب لا بما أوتي من الملك ، وقيل : هو إشارة إلى تفضيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوله : «آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً » تنبيّه على وجه تفضيله وهو أنه خاتم الأنبياء وأمّته خير الأمم المدلول عليه بما كتب في الزبور من أن الأرض يرثها عبادي الصّالحون.

« وقال » أي في الأسرى أيضاً قيل : هو عطف على ثمَّ ذكر ، لا على قوله : فقال ،

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٣.

(٢) سورة الزخرف : ٣٢.

٢٧٣

النبييّن عَلى بَعْضٍ »(١) وقال «انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً »(٢) وقال «هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ »(٣) وقال «وَيُؤْتِ كلّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ »(٤) وقال «الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ

_____________________________________________

لعدم اختصاص ما يذكر بعده بالأولياء بل هو في مطلق المؤمنين« كيف فضلنا » قيل : أي في الرزق ، وفي المجمع بأن جعلنا بعضهم أغنياء وبعضهم فقراء وبعضهم عبيدا وبعضهم أصحاء وبعضهم مرضى على حسب ما علمناه من المصالح «وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ » أي درجاتها ومراتبها أعلى وأفضل ، فينبغي أن يكون رغبتهم فيها وسعيهم لها أكثر.

« وقال » أي في آل عمران «هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ » قيل : شبهوا بالدرجات لـمّا بينهم من التفاوت في الثواب والعقاب ، أو هم ذوو درجات فقال : «وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ ».

« وقال » أي في هود «وَيُؤْتِ كلّ ذِي فَضْلٍ » أي في دينه «فَضْلَهُ » أي جزاء فضله في الدنيا والآخرة ، ويدلّ على عدم تفضيل المفضول.

« وقال » أي في التوبة «وَهاجَرُوا » أي إلى الرسول وفارقوا الأوطان وتركوا الأقاربِّ والجيران ، وطلبوا مرضات الرحمن «وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ » بصرفها «وَأَنْفُسِهِمْ » ببذلها «أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ » أي أعلى رتبة وأكثر كرامة ، ممّن لم يستجمع هذه الصفات أو من أهل السقاية والعمارة عندكم ، إذ قبلها «أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ».

« وقال » أي في سورة النساء ، وقبل الآية : «لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا

__________________

(١) سورة الإسراء : ٥٥.

(٢) سورة الإسراء : ٢١.

(٣) سورة آل عمران : ١٦٣.

(٤) سورة هود : ٣.

٢٧٤

دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ »(١) وقال «فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عظيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً »(٢) وقال «لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا »(٣) وقال : «يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ »(٤) وقال «ذلِكَ بِأنّهم لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصبّ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ

_____________________________________________

وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عظيماً » قال البيضاوي : نصبّ على المصدر لأن فضل بمعنى آجر ، أو المفعول الثاني له لتضمنه معنى الإعطاء كأنه قال : وأعطاهم زيادة على القاعدين أجراً عظيماً درجات منه ومغفرة ورحمة ، كلّ واحدّ منها بدلّ من أجراً ، ويجوز أن ينتصبّ درجات على المصدر كقولك ضربته أسواطا وأجراً على الحال عنها ، تقدمت عليها لأنها نكرة «وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً » على المصدر بإضمار فعلهما ، وتتمّة الآية «وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ».

« وقال » أي في سورة الحديد : «لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ » قال البيضاوي : بيان لتفاوت المنفقين باختلاف أحوالهم من السّبق وقوّة اليقين وتحري الحاجات حثا على تحريّ الأفضل منها بعد الحثّ على الإنفاق ، وذكر القتال للاستطراد ، وقسم من أنفق محذوف لوضوحه ودلالة ما بعده عليه ، والفتح فتح مكّة إذ أعزّ الإسلام به وكثر أهله وقلت الحاجة إلى المقاتلة والإنفاق.

«مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا » أي من بعد الفتح ، والتتمّة «وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ».

" وقال : أي في سورة المجأدلّة والآية هكذا : «يا أيّها الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ » والتفسح التوسّع «وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا » أي أنهضوا للتوسعة أو لـمّا أمرتم به كصلاة أو

__________________

(١) سورة التوبة : ٢٠.

(٢) سورة النساء : ٩٦.

(٣) سورة الحديد : ١٠.

(٤) سورة المجأدلّة : ١١.

٢٧٥

اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكفّار وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إلّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ »(١) وقال «وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ »(٢) وقال «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذرّة خيراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذرّة شَرًّا يَرَهُ »(٣) فهذا ذكر درجات الإيمان

_____________________________________________

جهاد أو ارتفعوا في المجلس «يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ » بالنصر وحسن الذكر في الدنيا وإيوائهم غرف الجنان في الآخرة «وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ » ويرفع العلماء منهم خاصّة «دَرَجاتٍ » بما جمعوا من العلم ، وقد مرّ تفسيرهم بالأئمّةعليهم‌السلام .

« وقال » أي في سورة التوبة حيث قال : «ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ ، وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ » ذلك ، قيل : إشارة إلى ما دلّ عليه قوله : ما كان ، من النهي عن التخلف أو وجوب المتابعة لأنّهم بسبب أنّهم «لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ » أي شيء من العطش «وَلا نَصبّ » أي تعب «وَلا مَخْمَصَةٌ » أي مجاعة «فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ » أي لا يدرسون «مَوْطِئاً » أي مكانا «يَغِيظُ الكفّار » أي يغضبهم وطيه «وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً » كالقتل والأسر والنهب «إلّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ » أي إلّا استوجبوا الثواب وذلك ممّا يوجب المسابقة «إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ».

« وقال » أي في المزمل : «وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ » يمكن أن يكون عدم ذكر تتمّة الكلام للاختصار ، فإن التتمّة «هُوَ خيراً وَأَعْظَمَ أجراً » أي من الذي تؤخرونه إلى الوصية عند الموت ، وخيراً ثاني مفعولي « تجدوه » وهو تأكيد أو فصل أو هو مبنيّ على قراءة هو خير بالرفع كما قرأ في الشواذ ، فالكلام إلى قوله : عند الله ، تمام وقوله : هو ، مبتدأ وخير خبره وهي جملّة أخرى مؤكدة للأولى.

«وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذرّة » الذرّة هي النملّة الصغيرة ، أو الهباء المنبث في الجو

__________________

(١) سورة التوبة : ١٢٠.

(٢) سورة البقرة : ١١٠. والمزمل : ٢٠.

(٣) سورة الزلزلة : ٧ - ٨.

٢٧٦

ومنازله عند الله عزَّ وجلَّ.

( باب )

( درجات الإيمان )

١ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمار بن أبي الأحوص ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنَّ الله عزَّ وجلَّ وضع الإيمان على سبعة أسهم على البرّ والصّدق واليقين والرّضا والوفاء والعلم والحلم ثمَّ قسّم ذلك بين

_____________________________________________

وبالجملّة هذه الآيات كلها تدلّ على اختلاف مراتب المؤمنين في الثواب والدرجات عند الله تعالى والمنازل في الجنّة كما لا يخفى.

باب درجات الإيمان

الحديث الأوّل : مجهول بمعاد والبرّ الإحسان إلى نفسه وإلى غيره ويطلق غالباً على الإحسان بالوالدين والأقربين والإخوان من المؤمنين كما وردّ من خالص الإيمان البرّ بالإخوان.

والصّدق هو القول المطابق للواقع ويطلق أيضاً على مطابقة العمل للقول والاعتقاد ، وعلى فعل القلب والجوارح المطابقين للقوانين الشرعية والموازين العقليّة ومنه الصديق وهو من حصل له ملكة الصّدق في جميع هذه الأمور ، ولا يصدر منه خلاف المطلوب عقلاً ونقلا كما صرّح به المحّقق الطّوسي (ره) في أوصاف الأشراف.

واليقين الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، وفي عرف الأخبار هو مرتبة من اليقين يصير سبباً لظهور آثاره عليّ الجوارح ويطلق غالباً على ما يتعلّق بأمور الآخرة ، وبالقضاء والقدر كما ستعرف ، وله مراتب أشير إليها في القرآن العزيز وهي علم اليقين وعين اليقين وحقّ اليقين كما قال تعالى : «لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ »(١) وقال سبحانه : «وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هذا لَهُوَ حقّ الْيَقِينِ »(٢) .

__________________

(١) سورة التكاثر : ٥ - ٧. (٢) سورة الواقعة : ٩٥.

٢٧٧

النّاس ، فمن جعل فيه هذه السبعة الأسهم فهو كامل ، محتمل ؛ وقسّم لبعض النّاس السهم ولبعض السهمين ولبعض الثلاثة حتّى انتهوا إلى [ الـ ] سبعة ، ثمَّ قال : لا تحملوا على صاحب السهم سهمين ولا على صاحب السهمين ثلاثة فتبهضوهم ثمَّ قال :

_____________________________________________

وقالوا : الأول مرتبة أرباب الاستدلال كمن لم ير النّار واستدلّ بالدخان ، والثاني مرتبة أصحاب المشاهدة والعيان كمن رأى النّار بعينها بعينه ، والثالث مرتبة أرباب اليقين كمن كان في وسط النّار واتصف بصفاتها وإن لم يصر عينها كالحديدة المحماة في النّار فإنّك تظنّها ناراً وليست بنار ، وهذا هي الّتي زلت فيها الأقدام وضلّت العقول والأحلام وليس محلّ تحقيقها هذا المقام.

والرضا هو إطمئنان النفس بقضاء الله تعالى عند البلاء والرَخاء وعدم الاعتراض عليه سبحانه قولاً وفعلاً في شيء من الأشياء.

والوفاء هو العمل بعهود الله تعالى من التكاليف الشرعيّة وما عاهد الله تعالى عليه وألزم على نفسه من الطّاعات والوفاء ببيعة النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم ، والوفاء بعهود الخلق ما لم تكن في معصية ، والعلم هو معرفة الله ورسوله وحججه وما أمر به ونهى عنه ، وعلم الشرائع والأحكام والحلال والحرام ، والأخلاق ومقدماتها.

والحلم هو ملكة حاصلة للنفس مانعة لها عن المبادرة إلى الانتقام وطلب التسلط والترفع والغلبة.

« فهو كامل » أي في الإيمان محتمل لشرائطه وأركانه ، قابل لها كما ينبغي « ولا تحملوا على صاحب السّهم سهمين » أي لـمّا كانت القابليّات والاستعدادات متفاوتة ولم يكلّف الله كلّ امرئ إلّا على قدر قابليته فلا تحملوا في العلوم والأعمال والأخلاق على كلّ امرئ إلّا بحسب طاقته ووسعه كما مرّ : إنّما يداقّ الله العباد في الحساب على قدر ما أتاهم من العقول في الدنيا.

نعم للأعلى أن ينقل الأدنى إلى درجته بالتعليم والتدريج والرفق حتّى يصل إلى درجته إن كان قابلا لذلك كما سيأتي إن شاء الله ، وعلى الأدنى أن يسعى ويتضرّع

٢٧٨

كذلك حتّى ينتهي إلى [ الـ ] سبعة.

٢ - أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعاً ، عن ابن فضّال ، عن الحسن بن الجهم ، عن أبي اليقظان ، عن يعقوب بن الضحاك ، عن رجل من أصحابنا سراج وكان خادماً لأبي عبد اللهعليه‌السلام قال بعثني أبو عبد اللهعليه‌السلام في حاجة وهو بالحيرة أنا وجماعة من مواليه قال فانطلقنا فيها ثمَّ رجعنا مغتمين قال وكان فراشي في الحائر الذي كنّا فيه نزولا فجئت وأنا بحال فرميت بنفسي فبينا أنا كذلك إذا أنا بأبي عبد اللهعليه‌السلام قد أقبل قال فقال قد

_____________________________________________

إلى الله تعالى لأن يوفّقه للصعود إلى درجة العليّاً « فتبهضوهم » في بعض النسخ بالضاد وفي بعضها بالظاء وهما معجمتان متقاربان معنى ، قال في القاموس : بهضني الأمر كمنع وأبهضني أي فدحني وبالظاء أكثر ، وقال : بهظه الأمر كمنع غلبه وثقل عليه وبلغ به مشقّة ، والراحلة أوقرها فأتعبها.

الحديث الثاني : مجهول.

والحيرة بالكسر بلد كان قربِّ الكوفة ، وأنا تأكيد للضمير المنصوب في بعثني ، وتأكيد المنصوب والمجرور بالمرفوع جائز و « جماعة » عطف على الضّمير أو الواو بمعنى مع « معتمين » الظّاهر أنه بالعين المهملّة على بناء الأفعال أو التفعيل ، في القاموس : العتمة - محركة - ثلث اللّيل الأول بعد غيبوبة الشفق أو وقت صلاة العشاء الآخرة ، واعتم وعتم سار فيها أو أوردّ وأصدر فيها ، وظلمة الليل ورجوع الإبل من المرعى بعد ما تمسى ، انتهى.

أي رجعنا داخلين في وقت العتمة ، وفي أكثر النسخ بالغين المعجمة من الغمّ وكأنه تصحيف(١) ، وربما يقرأ مغتنمين من الغنيمة وهو تحريف ، والحائر المكان المطمئنّ

__________________

(١) الظاهر أن ذهابه (ع) من المدينة إلى الحيرة كان بأمر الخليفة أعني المنصور وهو عليه الّلعنة يحتال في قتله (ع) وكانت مواليه مغتمين لذلك ، ويترصدون حاله ومآل أمره مع المنصور وينتظرون رجوعه ، وقوله « أنا بحال » أي بحال سوء من الغمّ كما فسرّه في الوافي ، وعليه فما في أكثر النسخ هو الأصحّ.

٢٧٩

أتيناك أو قال : جئناك ، فاستويت جالساً وجلس على صدر فراشي فسألني عمّا بعثني له فأخبرته فحمد الله ثمَّ جرى ذكر قوم فقلت جعلت فداك إنّا نبرأ منهم ، أنّهم لا يقولون ما نقول قال فقال يتولونا ولا يقولون ما تقولون تبرءون منهم قال قلت نعم قال فهو ذا عندنا ما ليس عندكم فينبغي لنا أن نبرأ منكم قال قلت لا جعلت فداك قال وهو ذا عند الله ما ليس عندنا أفتراه اطرحنا قال قلت لا والله جعلت فداك ما نفعل قال فتولوهم ولا تبرءوا منهم إن من المسلمين من له سهمٌ ومنهم من له سهمان ومنهم من له ثلاثة أسهم ومنهم من له أربعة أسهم ومنهم من له خمسة أسهم ومنهم من له ستّة أسهم ومنهم من له سبعة أسهم فليس ينبغي أن يحمل صاحب السّهم على ما عليه صاحب السهمين ولا صاحب السهمين على ما عليه صاحب الثلاثة ولا صاحب الثلاثة على ما عليه صاحب الأربعة ولا صاحب الأربعة على ما عليه صاحب الخمسة ولا صاحب الخمسة على ما عليه صاحب الستّة ولا صاحب الستّة على ما عليه صاحب السبعة وسأضربِّ لك مثلا إن رجلاً كان له جار

_____________________________________________

والبستان « وأنا بحال » أي بحال سوء من الضعفوالكلام « أنّهم لا يقولون ما نقول » أي من مراتب فضائل الأئمّةعليهم‌السلام وكمالاتهم ومراتب معرفة الله ودقائق مسائل القضاء والقدر وأمثال ذلك ممّا تختلف تكاليف العباد فيها بحسب إفهامهم واستعداداتهم لا في أصل المسائل الأصولية ، أو المراد اختلافهم في المسائل الفروعيّة والأوّل أظهر ، وامّا حمله على أدعية الصّلاة وغيرها من المستحبات كما قيل فهو في غاية البعد وإن كان يوافقه التمثيل المذكور في آخر الخبر « يتولونا ولا يقولون » إلخ ، استفهام على الإنكار.

« فهو ذا عندنا » أي من المعارف والعلوم والأخلاق والأعمال « ما ليس عندكم فينبغي لنا » على الاستفهام « أطرحنا » أي عن الإيمان والثواب أو عن درجة الاعتبار.

قوله : ما نفعل؟ لـمّا فهم من كلامهعليه‌السلام نفي التبرّي تردّد في أنّه هل يلزمه التولي أو عدم ارتكاب شيء من الأمرين فإنّ نفي أحدهما لا يستلزم ثبوت الآخر « أن يحمل صاحب السّهم على ما عليه صاحب السّهمين » أي يقاس حاله بحاله ويتوقّع

٢٨٠