مرآة العقول الجزء ٧

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الحديث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 379

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الحديث
تصنيف: الصفحات: 379
المشاهدات: 16896
تحميل: 8203


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 379 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16896 / تحميل: 8203
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دار الحديث
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وكان نصرانيّاً فدعاه إلى الإسلام وزيّنه له فأجابه فأتاه سحيرا فقرع عليه الباب فقال له من هذا ؟ قال : أنا فلان قال : وما حاجتك فقال توضأ والبس ثوبيك ومرّ بنا إلى الصّلاة قال فتوضأ ولبس ثوبيه وخرج معه قال فصليا ما شاء الله ثمَّ صليا الفجر ثمَّ مكثا حتّى أصبحا - فقام الذي كان نصرانيّاً يريد منزله فقال له الرّجل أين تذهب النهار قصير والذي بينك وبيّن الظهر قليل قال فجلس معه إلى أن صلى الظهر ثمَّ قال وما بيّن الظهر والعصر قليل فاحتبسه حتّى صلّى العصر قال ثمَّ قام وأراد أن ينصرف إلى منزله فقال له إن هذا آخر النهار وأقلّ من أوله فاحتبسه حتّى صلى المغربِّ ثمَّ أراد أن ينصرف إلى منزله فقال له إنّما بقيت صلاةٌ واحدةٌ قال فمكث حتّى صلى العشاء الآخرة ثمَّ تفرقا فلـمّا كان سحير غدا عليه فضربِّ عليه الباب فقال من هذا قال أنا فلان قال وما حاجتك قال توضأ والبس ثوبيك واخرج بنا فصل قال اطلب لهذا الدين من هو أفرغ مني وأنا إنسان مسكين وعليّ عيال فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام أدخله في شيء أخرجه منه أو قال أدخله من مثل ذه وأخرجه من مثل هذا

_____________________________________________

منه ما يتوقّع من الثاني من الفهم والمعرفة والعمل « وزيّنه له » أي حسّن الإسلام في نظره « فأتاه سحيراً » هو تصغير السّحر وهو سدس آخر اللّيل أو ساعة آخر اللّيل وقيل : قبيل الصبح ، والتصغير لبيان أنه كان قريبا من الصبح أو بعيدا منه « ومرّ بنا » أي معنا « وخرج معه » أي إلى المسجد « ما شاء الله » أي كثيراً « حتّى أصبحا » أي دخلا في الصباح ، والمراد الإسفار وانتشار ضوء النهار وظهور الحمرة في الأفق.

قال في المفردات : الصبح والصباح أوّل النهار وهو وقت ما أحمرّ الأفق بحاجب الشمس.

قوله : وأقلّ من أوّله ، أي ممّا انتظرت بعد الفجر لصلاة الظهر « أدخله في شيء » أي من الإسلام صار سبباً لخروجه من الإسلام رأساً أو المراد بالشيء الكفر أي أدخله بجهله في الكفر الذي أخرجه منه « أو قال أدخله في مثل هذا » أي العمل الشّديد « وأخرجه من مثل هذا » أي هذا الدين القويم.

٢٨١

( باب آخر منه )

١ - أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن موسى ، عن أحمد بن عمرّ ، عن يحيى بن أبان ، عن شهاب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لو علم النّاس كيف خلق الله تبارك وتعالى هذا الخلق لم يلم أحدّ أحداً - فقلت أصلحك الله فكيف ذاك ؟ فقال : إنّ الله تبارك وتعالى خلق أجزاء بلغ بها تسعة وأربعين جزءاً ثمَّ جعل الأجزاء

_____________________________________________

باب آخر منه

أي هذا باب آخر يمكن عدّه من الباب الأوّل وإنما جعله بابا آخر لأن الباب الأوّل كان مبنيا على قسمة الإيمان بسبعة أسهم ، وأخبار هذا الباب مبنية على أكثر أو أقلّ أو عبّر في أخبار الباب السّابق بالسّهام ، وفي أخبار هذا الباب بالأجزاء والدّرجات والمنازل ، وعلى التقديرين لا تنافي بينهما لأنه لـمّا كان تعدّد درجات الإيمان ومنازله متفاوتة تارة بحسب الأخلاق الحسنة كثرة وقلّة وشدّة وضعفاً ، وتارة بحسب الاعتقادات الحقة قوّة وضعفاً كلّاً وبعضاً ، وتارة بحسب الأعمال الصّالحة كثرة وقلّة ، خالصة ومشوبة ، ولا يدخل شيء من ذلك تحت الحصر والعدّ يمكن اعتبار تقسيمها بوجوه مختلفة ، بإدخال بعضها تحت بعض وعدمه ، وقسمتها إلى الأجناس وإلى الأنواع وإلى الأصناف.

الحديث الأوّل : مجهول.

« لم يلم أحد أحداً » أي في عدم فهم الدقائق والقصور عن بعض المعارف أو في عدم اكتساب الفضائل والأخلاق الحسنة ، وترك الإتيان بالنوافل والمستحبّات وإلّا فكيف يستقيم عدم الملامة عليّ ترك الفرائض والواجبات وفعل الكبائر والمحرّمات وقد مرّ أن الله تعالى لا يكلّف النّاس إلّا بقدر وسعهم وليسوا بمجبورين في فعل المعاصي ولا في ترك الواجبات لكن يمكن أن لا يكون في وسع بعضهم معرفة دقائق الأمور

٢٨٢

أعشارا فجعل الجزء عشرة أعشار ، ثمَّ قسّمه بيّن الخلق فجعل في رجل عشرّ جزء وفي آخر عشري جزء حتّى بلغ به جزءاً تإمّا وفي آخر جزءاً وعشرّ جزء وآخر جزءاً وعشري جزء وآخر جزءاً وثلاثة أعشار جزء حتّى بلغ به جزءين تامين ثمَّ بحساب ذلك حتّى بلغ بأرفعهم تسعة وأربعين جزءاً فمن لم يجعل فيه إلّا عشرّ جزء - لم يقدر على أن يكون مثل صاحب العشرين وكذلك صاحب العشرين لا يكون مثل صاحب الثلاثة الأعشار وكذلك من تم له جزء لا يقدر على أن يكون مثل صاحب الجزءين ولو علم النّاس أن الله عزّ وجلّ خلق هذا الخلق على هذا لم يلم أحدّ أحداً.

٢ - محمّدُ بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن بعض أصحابه ، عن الحسن بن علي

_____________________________________________

وغوامض الأسرار فلم يكلّفوا بها ، وكذا عن تحصيل بعض مراتب الإخلاص واليقين وغيرها من المكارم ، فليسوا بملومين بتركها ، فالتكاليف بالنّسبة إلى العباد مختلفة بحسب اختلاف قابلياتهم واستعداداتهم ، ولا يستحقّ من لم يكن قابلا لمرتبة من المراتب المذكورة أن يلام لم لا تفهم هذا المعنى ولم تفعل الصّلاة كما كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يفعله مثلا ، وهكذا قولهعليه‌السلام : بلغ بها ، كأنه جعل كلّ جزء من السهام السبعة المتقدّمة سبعة.

قولهعليه‌السلام : فجعل الجزء عشرة أعشار ، كأنّ هذا للتأكيد والتوضيح ، ورفع توهّم أنّ المراد جعل كلّ جزء عشراً من مرتبة فوقه ، فيصير المجموع أربعمائة وتسعين عشراً « حتّى بلغ به » الباء للتعدية والضمير راجع إلى الإيمان ، أو إلى الرّجل المطلق المفهوم من رجل لا إلى الرّجل المذكور ولا إلى آخر لاختلال المعنى وهذا أظهر لقوله : حتّى بلغ بأرفعهم إلّا عشرّ جزء ، أي من القابليّة أو قابليّة عشرّ جزء من الإيمان وهكذا في البواقي.

الحديث الثاني : ضعيف.

والقراطيسي بايع القراطيس « عشر درجات» كأنّهعليه‌السلام عدّ كلّ تسعة

٢٨٣

بن أبي عثمان ، عن محمّد بن عثمان ، عن محمّد بن حمّاد الخزَّاز ، عن عبد العزيز القراطيسي قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام يا عبد العزيز إنَّ الإيمان عشرّ درجات بمنزلة السلّم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحدّ لست على شيء حتّى ينتهي إلى العاشرّ فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو

_____________________________________________

وأربعين جزءاً من السّابق درجة ، أو هذه الدرّجات لبعض مراتب الإيمان لا لكلها ، وقيل : يجوز أن يراد بالإيمان هنا التصديق أو الكامل المركّب منه ومن العمل « ليصعد » على بناء المجهول« ومنه » نائب مناب الفاعل ، وقيل « من » بمعنى في ، والضّمير راجع إلى السلم ، والمرقاة بالفتح والكسر اسم مكان ، أو آلة وهي الدرجة ، وفي المصباح المرقي والمرتقى موضع الرقي ، والمرقاة مثله ، ويجوز فيها فتح الميم على أنه موضع الارتقاء ، ويجوز الكسر تشبيهاً باسم الآلة كالمطهّرة ، وأنكر أبو عبيد الكسر ، انتهى.

« هو » منصوبة على الظرفية للمكان « لست على شيء » أي من الإيمان أو الكمال « فلا تسقط » أي من الإيمان أو من درجة الاعتبار « من هو دونك » أي أسفل منك بدرجة أو أكثر فارفعه إليك.

فإن قلت : كيف يرفعه إليه مع أنه لا يطيقه كما مرّ في الخبر السّابق؟ قلت : يمكن أن تكون الدرجات المذكورة في الخبر السّابق درجات القابليّات والاستعدادات ولذا نسبها إلى أصل الخلق ، والدّرجات المذكورة في هذا الخبر درجات الفعلية والتحقّق فيمكن أن يكون رجلان في درجة واحدة من القابليّة فسعى أحدهما وحصل ما كان قابلاً له والآخر لم يسع ، وبقي في درجة أسفل منه فلو كلّفه أن يفهم دفعة ما فهمه في أزمنة متطاولة يعسر الأمر عليه بل يصير سبباً لضلالته وحيرته ، بل ينبغي أن يرفق به ويكلمه تدريجاً حتّى يبلغ إلى تلك الدرجة ، كما أن الكاتب الجيد الخط إذا كلّف أميا لم يكتب قط أن يكتب مثله في يوم أو شهر أو سنة لكان تكليفاً لـمّا لا يطاق ، بل يجب أن يرقيه تدريجاً حتّى يصل إلى مرتبته ، وكذا في المراتب العقليّة من

٢٨٤

فوقك ، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق ولا تحملنَّ عليه ما لا يطيق فتكسره ، فإنَّ من كسر مؤمناً فعليه جبره.

٣ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن سدير قال قال لي أبو جعفرعليه‌السلام إنَّ المؤمنين على منازل منهم على واحدة ومنهم على اثنتين ومنهم على ثلاث ومنهم على أربع ومنهم على خمس ومنهم على ستّ ومنهم على سبع فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة ثنتين لم يقو وعلى صاحب الثنتين ثلاثاً لم يقو وعلى صاحب الثلاث أربعا لم يقو وعلى صاحب

_____________________________________________

لم يحصل شيئاً منها لا يمكن إفهامه دفعة جميع المسائل الغامضة ، ولو ألقيت إليه لتحير ، بل لم يطق فهمها وضل عن السّبيل والمعلّم الأديب الكامل يرقيه أولاً من البديهيّات إلى أوائل النظريّات ومنها إلى أواسطها ، ومنها إلى غوامضها فلا ينكسر ولا يتحيّر.

ويمكن أن تحمل القدرة المذكورة في الخبر السّابق على الوسع أي الإمكان بسهولة فلا ينافي المذكور في هذا الخبر ولكن الأوّل أظهر.

وربما يجاب بأنّه لـمّا لم يكن معلوماً لصاحب الدرجة العليّاً عدم قابليّة صاحب الدرجة السّفلى بل ربما يظن أنه قابل للترقي فهو مأمور بهذا رجاءاً لتحقّق مظنونه ولا يخفى ما فيه « فتكسرّه » أي تكسر إيمانه وتضله لأنه يرفع يده عمّا هو فيه ، ولا يصل إلى الدرّجة الأخرى فيتحيّر في دينه أو يكلفه من الطّاعات ما لا يطيقها فيسوء ظنه بما كان يعمله فيتركهما جميعاً كما مرّ في الباب السّابق.

« فعليه جبره » أي يجب عليه جبره وربما لا ينجبر ويلزمه إصلاح ما أفسد من إيمانه وربما لم ينصلح.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور والمراد بالمنازل الدرجات.

٢٨٥

الأربع خمساً لم يقو وعلى صاحب الخمس ستّاً لم يقو وعلى صاحب الستّ سبعاً لم يقو وعلى هذه الدرجات.

٤ - عنه ، عن عليّ بن الحكم ، عن محمّد بن سنان ، عن الصباح بن سيابة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما أنتم والبراءة يبرأ بعضكم من بعض إنَّ المؤمنين بعضهم أفضل من بعض وبعضهم أكثر صلاة من بعض وبعضهم أنفذ بصراً من بعض وهي الدَّرجات

_____________________________________________

قولهعليه‌السلام : وعلى هذه الدرجات ، كأنّ المعنى وعلى هذا القياس الدرّجات الّتي تنقسم هذه المنازل إليها فإن كلا منها ينقسم إلى سبعين درجة كما مرّ في الخبر الأوّل ، وقيل : أي بقية الدرجات إلى العشرّ المذكور في الخبر الثاني ، أو المراد بالدرجات المنازل أي على هذا الوجه الذي ذكرنا تنقسم الدرّجات فيكون تأكيداً والأوّل أظهر.

الحديث الرابع : كالسابق.

« أنفذ بصراً » أي بصيرة كما في بعض النسخ يعني فهماً وفطانة « وهي الدرجات » أي درجات الإيمان فكلّ منهم على درجة منه فلا تبرأوا منهم ولا تخرجوهم عن الإيمان ، أو هي الدرّجات الّتي ذكرها الله في قوله : «هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ »(١) وغيره.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٦٣.

٢٨٦

( باب )

( نسبة الإسلام )

عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن بعض أصحابنا رفعه قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام لأنسبنَّ الإسلام نسبة لا ينسبه أحدّ قبلي ولا ينسبه أحدّ بعدي إلّا بمثل ذلك إن الإسلام هو التسليم والتسليم هو اليقين واليقين هو التّصديق والتّصديق هو الإقرار والإقرار هو العمل والعمل هو الأداء ، إن

_____________________________________________

باب نسبة الإسلام

الحديث الأول : مرفوع.

« لأنسبنَّ الإسلام نسبة » يقال نسبت الرّجل كنصرت ، وقيل : وكضربت أي ذكرت نسبته ، والمراد بيان الإسلام والكشف التامّ عن معناه قيل : لـمّا كان نسبة شيء إلى شيء يوضح أمره وحاله وما يؤول هو إليه أطلق هنا على الإيضاح من باب ذكر الملزوم وإرادة اللازم.

وأقول : كان المراد بالإسلام هنا المعنى الإخلاص منه المرادف للإيمان كما يؤمى إليه قوله : إنّ المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ، وقوله : إن المؤمن يرى يقينه في عمله ، وحاصل الخبر أن الإسلام هو التسليم والانقياد ، والانقياد التام لا يكون إلّا باليقين ، واليقين هو التصديق الجازم والإذعان الكامل بالأصول الخمسة أو تصديق الله ورسوله والأئمّة الهداة ، والتصديق لا يظهر أو لا يفيد إلّا بالإقرار الظاهريّ ، والإقرار التامّ لا يكون أو لا يظهر إلّا بالعمل بالجوارح فإن الأعمال شهود الإيمان كما مرّ ، والعمل الذي هو شاهد الإيمان هو أداء ما كلّف الله تعالى به لا اختراع الأعمال وإبداعها كما تفعله المبتدعة.

والأداء اسم المصدر الذي هو التأدية ويحتمل أن يكون المراد بالأداء تأديته

٢٨٧

المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ولكن أتاه من ربّه فأخذه ، إنَّ المؤمن يرى يقينه في عمله والكافر يرى إنكاره في عمله فو الذي نفسي بيده ما عرفوا أمرهم ، فاعتبروا إنكار

_____________________________________________

وايصاله إلى غيره ، فيدلّ على أنّ التعليم ينبغي أن يكون بعد العمل وأنه من لوازم الإيمان ، فظهر أن الحمل في بعضها حقيقيّ وفي بعضها مجازيّ.

وقيل : أشارعليه‌السلام إلى أنّ الإسلام وهو دين الله الذي أشار إليه جل شأنه بقوله : «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ »(١) يتوقّف حصوله على ستّة أمور ، والعبارة لا تخلو من لطف وهو أنه جعل التصديق الذي هو الإيمان الخالص الحقيقيّ بيّن ثلاثة وثلاثة ، واشتراك الثلاثة الّتي قبله في أنها من مقتضياته وأسباب حصوله ، واشتراك الثلاثة الّتي بعدّه في أنّها من لوازمه وآثاره وثمراته ، وبالجملّة جعل التصديق الذي هو الإيمان وسطاً وجعل أوّل مراتبه الإسلام ثمَّ التسليم ثمَّ اليقين ، وجعل أوّل مراتبه من جهة المسبّبات الإقرار بما يجب الإقرار به ، ثمَّ العمل بالجوارح ، ثمَّ أداء ما افترض الله به ، انتهى.

« إنّ المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه » كأنّه بيان لـمّا بيّن سابقاً وقرّره من أن الإسلام لا يكون إلّا بالتّسليم لأئمّة الهدى والانقياد لهم فيما أمروا به ونهوا عنه وأنه لا يكون ذلك إلّا بتصديق النبيّ والأئمّةعليهم‌السلام والإقرار بما صدر عنهم وأداء الأعمال على نهج ما بينوه لأن الإيمان ليس أمراً يمكن اختراعه بالرأي والنظر ، بل لا بد من الأخذ عمّن يؤدى عن الله.

« فالمؤمن يرى » على بناء المجهول أو المعلوم من باب الأفعال « يقينه » بالرفع أو بالنصبّ« في عمله » بأن يكون موافقاً لـمّا صدر عنهم ولم يكن مأخوذاً من الآراء والمقاييس الباطلة ، والكافر بعكس ذلك « ما عرفوا » أي المخالفون أو المنافقون « أمرهم » أي أمور دينهم فروعاً وأصولاً فضّلوا وأضلّوا لعدم اتّباعهم أئمّة

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٩.

٢٨٨

الكافرين والمنافقين بأعمالهم الخبيثة.

_____________________________________________

الهدى وأخذهم العلم منهم « فاعتبروا إنكار الكافرين والمنافقين بأعمالهم الخبيثة » المخالفة لمحكمات الكتاب والسّنة المبتنية على آرائهم الفاسدة ، والمخالفون داخلون في الأوّل أو في الثاني بل فيهما حقيقة.

وأقول : روى السيّد الرضيرضي‌الله‌عنه في نهج البلاغة جزءاً من هذا الخبر هكذا ، وقالعليه‌السلام : لأنسبن الإسلام نسبة لم ينسبها أحدّ قبلي ، الإسلام هو التسليم ، والتسليم هو اليقين ، واليقين هو التصديق ، والتصديق هو الإقرار ، والإقرار هو الأداء والأداء هو العمل.

وقال ابن أبي الحديد : خلاصة هذا الفصل يقتضي صحّة مذهب أصحابنا المعتزلة في أن الإسلام والإيمان عبارتان عن معنى واحدّ ، وأن العمل داخل في مفهوم هذه اللفظة ، إلّا ترى جعل كلّ واحدة من اللفظات قأئمّة مقام الأخرى في إفادة المفهوم ، كما يقال : الليث هو الأسد والأسد هو السبع ، والسبع هو أبو الحارث فلا شبهة أن الليث يكون أبا الحارث أي أن الأسماء مترادفة ، فإذا كان أول. اللفظات الإسلام ، وآخرها العمل دلّ على أن العمل هو الإسلام ، وهكذا يقول أصحابنا أن تارك العمل أي تارك الواجب لا يسمّى مسلـماً ، فإن قلت : كيف يدلّ على أن الإسلام هو الإيمان؟ قلت : لأنّ كلّ من قال أنّ العمل داخل في مسمّى الإسلام قال أنّ الإسلام هو الإيمان ، فإن قلت : لم يقلعليه‌السلام كما تقوله المعتزلة لأنّهم يقولون الإسلام اسم واقع على العمل وغيره من الاعتقاد والنطق باللّسان وهوعليه‌السلام جعل الإسلام هو العمل؟ قلت : لا يجوز أن يريد غيره لأنّ لفظ العمل يشمل الاعتقاد والنطق باللّسان وحركات الأركان بالعبادات إذ كلّ ذلك عمل وفعل وإن كان بعضه من أفعال القلوب وبعضه من أفعال الجوارح ، والقول بأنّ الإسلام هو العمل بالأركان خاصّة لم يقل به أحدّ ، انتهى.

وقال ابن ميثم : هذا قياس مفصول مركّب من قياسات طويت نتائجها وينتج

٢٨٩

_____________________________________________

القياس الأوّل أنّ الإسلام هو اليقين ، والثاني أنّه التصديق ، والثالث أنّه الإقرار ، والرابع أنّه الأداء ، والخامس أنّه العمل.

أمّا المقدمة الأولى فلأنّ الإسلام هو الدخول في الطّاعة ويلزمه التسليم لله وصدق اللّازم على ملزومه ظاهر ، وامّا الثانية فلانّ التسليم الحقّ إنمّا يكون ممّن تيقن استحقاق المطاع للتسليم له فاليقين من لوازم التسليم لله ، وامّا الثالثة فلأن اليقين بذلك مستلزم للتصديق بما جاء به على لسان رسوله من وجوب طاعته ، فصدق على اليقين به أنّه تصديق له ، وامّا الرابعة فلان التصديق لله في وجوب طاعته إقرار بصدق الله ، وامّا الخامسة فلأن الإقرار والاعتراف بوجوب أمر يستلزم أداء المقر المعترف لـمّا أقر به ، وكان إقراره أداء لازماً ، والسّادسة أنّ أداء ما اعترف به لله من الطّاعة الواجبة لا يكون إلّا عملاً ، ويؤول حاصل هذا الترتيب إلى إنتاج أنّ الإسلام هو العمل لله بمقتضى أو أمره ، وهو تفسير الخاصّة كما سبق بيانه ، انتهى.

وكان ما ذكرنا أنسب وأوفق.

وقال الكيدري (ره) : الإسلام هو التسليم يعني الدين هو الانقياد للحقّ والإذعان له ، والتسليم هو اليقين أي صادر عنه ولازم له فكأنّه هو من فرط تعلقه به ، والتصديق هو الإقرار أي إقرار الذهن وحكمه ، والإقرار هو الأداء أي مستلزم للأداء وشديد الشبّه بالعلة له ، لأن من تيقن حقيّة الشيء وأن مصالحة منوط بفعله ومفاسده مترتبة على تركه ، كان ذلك داعياً مقوّياً لداعيه على فعله غاية التقويّة ، يعني من حقّ المسلم الكامل في إسلامه أن يجمع بيّن علم اليقين والعمل الخالص ليحط رحله في المحل الأرفع ، ويجاور الرفيق الأعلى.

وقال الشهيد الثاني رفع الله درجته في رسالة حقائق الإيمان بعد إيراد هذا الكلام من أمير المؤمنينعليه‌السلام ما هذا لفظه : البحث عن هذا الكلام يتعلّق بأمرين : الأوّل : ما المراد من هذه النسبة؟ الثاني : ما المراد من هذا المنسوب.

٢٩٠

_____________________________________________

أمّا الأوّل فقد ذكر بعض الشّارحين أنّ هذه النسبة بالتعريف أشبّه منها بالقياس فعرف الإسلام بأنّه التسليم لله والدّخول في طاعته ، وهو تفسير لفظ بلفظ أعرف منه ، والتسليم بأنّه اليقين وهو تعريف بلازم مساو إذا لتسليم الحقّ إنما يكون ممّن تيقّن صدق من سلم له واستحقاقه التسليم واليقين بأنّه التصديق أي التصديق الجازم المطابق البرهاني ، فذكر جنسه ونبّه بذلك على حدّه أو رسمه ، والتصديق بأنّه الإقرار بالله ورسله وما جاء من البيّنات وهو تعريف بخاصّة له ، والأداء بأنّه العمل وهو تعريف له ببعض خواصّه ، انتهى.

أقول : هذا بناءاً على أن المراد من الإسلام المعرّف في كلامهعليه‌السلام ما هو الإسلام حقيقة عند الله تعالى في نفس الأمر ، أو الإسلام الكامل عند الله تعالى أيضاً ، وإلّا فلا يخفى أن الإسلام يكفي في تحقّقه في ظاهر الشرع الإقرار بالشهادتين ، سواء علم من المقر التصديق بالله تعالى والدخول في طاعته أم لا ، كما صرحوا به في تعريف الإسلام في كتب الفروع وغيرها ، فعلم أن الحكم بكون تعريف الإسلام بالتسليم لله « إلخ » تعريفا لفظيا إنما يتمّ على المعنى الأوّل وهو الإسلام في نفس الأمر أو الكامل ، ويمكن أن يقال أن التعريف حقيقي وذلك لأن الإسلام لغة هو مطلق الانقياد والتسليم ، فإذا قيد التسليم بكونه لله تعالى والدخول في طاعته كان بياناً للماهيّة الّتي اعتبرها الشارع إسلاماً ، فهو من قبيل ما ذكر جنسه ونبّه على حدّه أو رسمه.

وأقول أيضاً : في جعله الإقرار بالله تعالى « إلخ » تعريف لفظ بلفظ أعرف للتصديق بحث لا يخفى ، لأنّ المراد من التصديق المذكور هنا القلبي لا اللّساني حيث فسرّه بأنّه الجازم المطابق « إلخ » والإقرار المراد منه الاعتراف باللّسان إذ هو المتبادر منه ، ولذا جعله بعضهم قسيماً للتصديق في تعريف الإيمان حيث قال : هو

٢٩١

_____________________________________________

التصديق مع الإقرار وحينئذ فيكون بيّن معنى اللفظين غاية المباينة ، فكيف يكون تعريف لفظ بلفظ ، اللهم إلّا أن يراد من الإقرار بالله ورسله مطلق الانقياد والتسليم بالقلب واللّسان على طريق عموم المجاز ، ولا يخفى ما فيه.

والّذي يظهر لي أنّه تعريف بلازم عرفيّ وذلك لأنّ من أذعن بالله ورسله وبيناتهم لا يكاد ينفك عن إظهار ذلك بلسانه فإن الطبيعة جبلت على إظهار مضمرّات القلوب كما دلّ عليه قولهعليه‌السلام : ما أضمرّ أحدكم شيئاً إلّا وأظهره الله على صفحات وجهه وفلتأت لسانه ، ولـمّا كان هذا الإقرار هنا مطلوباً للشارع مع كونه في حكم ما هو من مقتضيات الطبيعة ، نبهعليه‌السلام على أن التصديق هو الإقرار مع تأكيد طلبه حتّى كان التصديق غير مقبول إلّا به أو غير معلوم للناس إلّا به.

وكذا أقول في جعله الأداء خاصّة للإقرار فإن خاصّة الشيء لا ينفك عنه ، والأداء قد ينفك عن الإقرار فإن المراد من الأداء هنا عمل الطّاعات والإقرار لا يستلزمه.

ويمكن الجواب بأنّهعليه‌السلام أراد من الإقرار الكامل فكأنّه لا يصير كاملاً حتّى يردفه بالأداء الذي هو العمل ، وامّا الثاني فقد علم من هذه النسبة الشارحة المنسوب أي المشروح هو الإسلام الكامل أو ما هو إسلام عند الله تعالى ، بحيث لا يتحقّق بدون الإسلام في الظّاهر ، وعلم أيضاً أنّ هذا الإسلام هو الإيمان ، إمّا الكامل أو ما لا يتحقّق حقيقة المطلوبة للشارع في نفس الأمر إلّا به ، لكن الثاني لا ينطبق إلّا على مذهب من قال بأن حقيقة الإيمان هو تصديق بالجنان وإقرار باللّسان وعمل بالأركان ، وقد عرفت تزييف ذلك فيما تقدّم وأن الحقّ عدم اعتبار جميع ذلك في أصل حقيقة الإيمان ، نعم هو معتبر في كماله.

وعلى هذا فالمنسوب إن كان هو الإسلام الكامل كان الإيمان والإسلام الكاملان وأحداً وامّا الأصليان فالظّاهر اتحادهما أيضاً ، مع احتمال التفاوت بينهما ، وإن كان

٢٩٢

٢ - عنه ، عن أبيه ، عن عبد الله بن القاسم ، عن مدرك بن عبد الرَّحمن ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الإسلام عريان فلباسه الحياء وزينته

_____________________________________________

هذا المنسوب ما اعتبره الشارع في نفس الأمر إسلاماً لا غيره لزم كون الأيمان أعمّ من الإسلام ، ولزم ما تقدّم من الاستهجان فيحصل من ذلك أنّ الإسلام إمّا مساو للإيمان أو أخصّ ، وامّا عمومه فلم يظهر له من ذلك احتمال إلّا على وجه بعيد ، فليتأمّل.

الحديث الثاني : ضعيف بسنديه.

« الإسلام عريان » شبّهعليه‌السلام الإسلام برجل ، والحياء بلباسه ، فكما أن اللباس يستر العورات والقبائح الظاهرة ، فكذلك الحياء يستر القبائح والمساوي الباطنة ، ولا يبعد أن يكون المراد بالإسلام المسلم من حيث أنه مسلم أو يكون إسناد العري واللباس إليه على المجاز ، أي لباس صاحبه ، وكذا الفقرات الآتية تحتملها فتفطّن.

« وزينته الوفاء » أي بعهود الله ورسوله وحججه وعهود الخلق وعودهم ، وقيل إيفاء كلّ ذي حقّ حقّه وافياً ، « ومروءته العمل الصّالح » المروءة بالضمّ مهموزاً وقد يخفّف الهمزة فليشدّ الواو الإنسانية ، أي العمل بمقتضاها ، قال في القاموس : مرؤ ككرم مروءة فهو مريء أي ذو مروءة وإنسانية ، وفي المصباح المروءة آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات يقال : مرؤ الإنسان فهو مريء مثل قربِّ فهو قريب ، أي صار ذا مروءة ، وقال الجوهري : وقد يشدد فيقال : مروة ، انتهى.

والحاصل أن العمل الصّالح من لوازم الإسلام وممّا يجعل الإسلام حقيقاً بأن يسمّى إسلاماً كما أن المروة من لوازم الإنسان وممّا يصير به الإنسان حقيقاً بأن يسمّى إنساناً أو المسلم من حيث أنّه مسلم مروّته العمل الصّالح فلا يسمّى مرءاً حقيقة أو مسلـماً إلّا به.

٢٩٣

الوقار ومروءته العمل الصّالح وعماده الورع ولكلّ شيء أساس وأساس الإسلام حبّنا أهل البيت.

عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن معبد ، عن عبد الله بن القاسم ، عن مدرك بن عبد الرَّحمن ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله.

٣ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام ، عن أبيه ، عن جدَّه صلوات الله عليهم قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله خلق الإسلام فجعل له عرصة وجعل له نوراً وجعل له حصنا وجعل له ناصراً فأمّا عرصته فالقرآن ، وامّا نوره فالحكمة ،

_____________________________________________

« وعماده الورع » العماد بالكسر ما يسند به وعماد الخيمة والسّقف ما يقام به والحاصل أن ثبات الإسلام وبقاؤه واستقراره بالورع أي ترك المحرّمات بل الشبّهات أيضاً كما أن بالمعاصي يتزلزل بل يزول ، والأس بالضمّ والأساس بالفتح : أصل البناء وأصل كلّ شيء ، والأساس بالكسر جمع أس ، والحاصل أنه كما يستقر البناء ولا يستقيم بغير أساس فكذا الإسلام لا يتحقّق ولا يستقر إلّا بحبهم الملزوم للقول بولايتهم وإمامتهم ، فإنّ من أنكر حقّهم فهو أعدى عدوهم.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حبّنا أي حبّي وحبّ أهل بيتي ، ويحتمل كون الفقرة الأخيرة كلام الصّادقعليه‌السلام ، لكنذه بعيد.

الحديث الثالث : حسن كالصّحيح بل صحيح عندي ، فإن عبد العظيمرضي‌الله‌عنه أجل من أن يحتاج إلى توثيق.

« فجعل له عرصة » العرصة كلّ بقعة بيّن الدَور واسعة ليس فيها بناء ، والظّاهر أنهعليه‌السلام شبّه الإسلام برجل لا بدار كما زعم ، وشبّه القرآن بعرصة يجول الإسلام فيه ، وشبّه الحكمة والعلوم الحقّة بسراج ونور يستنير به الإسلام أو يبصر به صاحبه فإنّ بالعلم يظهر حقائق الإسلام وأوامره ونواهيه وأحكامه.

٢٩٤

وأمّا حصنه فالمعروف وأمّا أنصاره فأنا وأهل بيتي وشيعتنا فأحبّوا أهل بيتي وشيعتهم وأنصارهم فإنه لـمّا أسري بي إلى السماء الدنيا فنسبني جبرئيلعليه‌السلام لأهل السماء استودع الله حبي وحبّ أهل بيتي وشيعتهم في قلوب الملائكة فهو عندهم وديعة إلى يوم القيامة ثمَّ هبط بي إلى أهل الأرض فنسبني إلى أهل الأرض فاستودع الله عزّ وجلّ حبي وحبّ أهل بيتي وشيعتهم في قلوب مؤمني أمتي فمؤمنو أمتي يحفظون وديعتي في أهل بيتي إلى يوم القيامة إلّا فلو أن الرّجل من اُمّتي عبد الله عزّ وجلّ عمره أيّام الدنيا ثمَّ لقي الله عزّ وجلّ مبغضاً لأهل بيتي وشيعتي ما فرَّج الله صدره إلّا عن النفاق.

_____________________________________________

« وامّا حصنه فالمعروف » أي الإحسان أو ما عرف بالعقل والشرع حسنه ، كما هو المراد في الأمر بالمعروف ، فإنه بكلّ من المعنيين يكون سبباً لحفظ الإسلام وبقائه وعدم تطرق شياطين الإنس والجنّ للخلل فيه ، أو المراد به الأمر بالمعروف فالتشبيه أظهر ، وامّا كونهمعليهم‌السلام وشيعتهم أنصار الإسلام فهو ظاهر وغيرهم يخربون الإسلام ويضيعونه.

« فنسبني » أي ذكر نسبي أو وصفني وذكر نبوتي ومناقبي ، وامّا ذكر نسبه لأهل الأرض فبالآيات الّتي أنزلها فيه وفي أهل بيته ويقرأها النّاس إلى يوم القيامة أو ذكر فضله ونادى به بحيث سمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء كنداء إبراهيمعليه‌السلام بالحج ، وقيل : لـمّا وجبت الصّلوات الخمس في المعراج ، فلـمّا هبطعليه‌السلام علمها النّاس وكان من أفعالها والصّلاة على محمّد وآله في التشهد فدلهم بذلك على أنّهم أفضل الخلق لأنّه لو كان غيرهم أفضل لكانت الصّلاة عليه أوجب ، والأوّل أظهر.

« ثمَّ لقي الله » أي عند الموت أو في القيامة ، وتفريج الصّدر كناية عن إظهار ما كان كامنا فيه على النّاس في القيامة أو عن علمه تعالى به ، والأوّل أظهر.

٢٩٥

( باب )

[ خصال المؤمن ] (١)

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن عبد الملك بن غالب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثماني خصال : وقوراً عند الهزاهز ، صبوراً عند البلاء شكوراً عند الرّخاء ،

_____________________________________________

باب

لـمّا كانت أخبار هذا الباب متقاربة المضمون مع الباب السّابق لم يعنونه ، والفرّق بينهما أن المذكور في الباب السّابق نسبة الإسلام ، وفي هذا الباب نسبة الإيمان.

الحديث الأوّل : مجهول لكن سيأتي هذا الخبر بعينه في باب المؤمن وعلاماته وصفاته عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن عبد الله ابن غالب وهو أظهر ، لأن عبد الملك غير مذكور في كتب الرّجال ، وعبد الله بن غالب الأسدي الشاعر ثقة معروف ، فالخبر صحيح هيهنا وفيما سيأتي حسن كالصحيح.

والوقور فعول من الوقار بالفتح وهو الحلم والرزانة ، والهزّ التحريك ، والهزاهز الفتن الّتي يفتتن النّاس بها ، أي لا يعرض له شكّ عند الفتن الّتي تصير سبباً لشك النّاس وكفرهم.

« صبور عند البلاء » البلاء اسم ما يمتحنُّ به من خير أو شرّ ، وكثر استعماله في الشرّ وهو المراد هنا ، والصّبر حبس النفس على الأمور الشاقّة عليها ، وترك الاعتراض على المقدّر لها وعدم الشكاية والجزع ، وهو من أعظم خصال الإيمان « شكوراً عند الرخاء » الرخاء النعمة والخصبّ وسعة العيش ، والشكر الاعتراف

__________________

(١) هذا العنوان غير موجود في بعض النسخ.

٢٩٦

قانعاً بما رزقه الله ، لا يظلم الأعداء ولا يتحامل للأصدقاء بدنه منه في تعب والنّاس منه في راحة إن العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والعقل أمير جنوده والرَّفق

_____________________________________________

بالنّعمة ظاهراً وباطنا ، ومعرفة المنعم وصرفها فيما أمر به ، والشكر مبالغة فيه « قانعاً بما رزقه الله» أي لا يبعثه الحرص على طلب الحرام والشبهة ، وتضييع العمرّ في جمع ما لا يحتاج إليه « لايظلم الأعداء » الغرض نفي الظلم مطلقاً ، وإنّما خصّ الأعداء بالذكر لأنّهم موردّ الظلم غالباً ، ولأنه يستلزم ترك ظلم غيرهم بالطريق الأولى.

« ولا يتحامل للأصدقاء » في القاموس : تحامل في الأمر وبه تكلفه على مشقّة وعليه كلفه ما لا يطيق ، فالكلام يحتمل وجوها :

الأوّل : أنّه لا يظلم النّاس لأجل الأصدقاء.

الثاني : أنّه لا يتحمّل الوزر لأجلهم كان يشهد لهم بالزور أو يكتم الشهادة لرعايتهم أو يسعى لهم في حرام.

الثالث : أن يراد به أنّه لا يحمل على نفسه للأصدقاء ما لا يمكنه الخروج عنه.

« بدنه منه في تعب » لاشتغاله وإعراضه عن الرّسوم والعادات ، وسعيه في إعانة المؤمنين« والنّاس منه في راحة » لعدم تعرّضه وإعانته إياّهم « إنّ العلم خليل المؤمن » الخلقة الصداقة والمحبة الّتي تخللت القلب ، فصارت خلاله أي في باطنه ، والخليل الصديق ، فعيل بمعنى فاعل ، وإنّما كان العلم خليل المؤمن لأنّه لا ينتفع بخليل انتفاعه بالعلم في الدنيا والآخرة.

« والحلم وزيره » فإنّه يعاونه في أمور دنياه وآخرته ، كمعاونة الوزير النأصحّ الملك « والعقل أمير جنوده » إذ جنوده في دفع وساوس الشّياطين وصولاتهم الأعمال الصّالحة ، والأخلاق الحسنة ، وكلها تابعة للعقل كما مرّ بيانه في باب جنود العقل « والرفق أخوه » أي اللين واللطف والمداراة مع الصّديق والعدوّ ، وتمشية الأمور

٢٩٧

أخوه والبرّ والده.

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد الله ، عن أبيهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه الإيمان له أركان أربعة التوكلّ على الله وتفويض الأمر إلى الله والرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله

_____________________________________________

بتدبير وتأمّل بمنزلة الأخ له في أنه يصاحبه ولا يفارقه ، أو في إعانته وإيصال النفع إليه« والبرّ » أي الإحسان إلى الوالدّين أو إلى جميع من يستحقّ البرّ « والده » أي بمنزلة والده في رعايته واختياره على جميع الأمور أو في الانتفاع منه ، وكونه سبباً لحياته المعنويّة.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« له أركان أربعة » إنما جعلها بمنزلة الأركان لعدم استقرار الإيمان وثباته إلّا بها « التوكلّ على الله» أي الاعتماد عليه في جميع الأمور والمهمات ، وقطع النظر عن الأسباب الظاهرة وإن كان يجب التوسل بها ظاهراً ، لكن من كمل يقينه بالله وأنه القادر على كلّ شيء وأنه المسبب للأسباب لا يعتمد عليها بل على مسببها « وتفويض الأمر إلى الله » أي في دفع الأعادي الظاهرة والباطنة ، كما فوض مؤمن آل فرعون أمره إلى الله فوقاه الله سيئات ما مكروا.

ولا ريب أن هذا وما قبله متفرعان على قوّة الإيمان بالله ، ويصيران سبباً لشدّة اليقين أيضاً« والرضا بقضاء الله » في الشدّة والرخاء والعافية والبلاء ، وهذا أيضاً يحصل من الإيمان بكونه سبحانه مالكا لنفع العباد وضرّهم ، ولا يفعل بهم إلّا ما هو الأصلح لهم ويصير أيضاً سبباً لكمال اليقين.

" والتسليم لأمر الله" أي الانقياد له في كلّ ما أمر به ونهى عنه ولنبيّه وأوصيائه فيما صدر عنهم من الأقوال والأفعال كما قال سبحانه : «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً ممّا قَضَيْتَ

٢٩٨

عزّ وجلَّ.

٣ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه عمّن ذكره ، عن محمّد بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنكم لا تكونون صالحين حتّى تعرفوا ولا تعرفون حتّى تصدّقوا ولا تصدقون حتّى تسلموا أبوابا أربعة لا يصلح أوَّلها إلّا بآخرها ضلَّ أصحاب الثلاثة وتاهوا تيها بعيدا إن الله تبارك وتعالى لا يقبل إلّا العمل الصّالح ولا يتقبل الله إلّا بالوفاء بالشروط والعهود ومن وفى الله بشروطه واستكمل ما وصف في عهده نال ما عنده

_____________________________________________

وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً »(١) ومدخلية هذه الخصلة في الإيمان وكما له أظهر من أن يحتاج إلى البيان والله المستعان.

الحديث الثالث : ضعيف وقد مضى بهذا السند بتغيير يسير في باب معرفة الإمام والردّ إليه من كتاب الحجّة وشرحناه هناك ونوضح هنا بعض التوضيح. « حتّى تعرفوا » قيل : أي إمام الزمان« حتّى تصدّقوا » أي الإمام ، وتعدّه صادقا فيما يقول « حتّى تسلموا أبواباً أربعة » قد مضى الكلام في الأبواب مفصلا.

وقال المحدّث الأسترآبادي (ره) : إشارة إلى الإقرار بالله والإقرار برسوله والإقرار بما جاء به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإقرار بتراجمة ما جاء به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتيه : التحير والذهاب عن الطريق المقصد ، يقال : تاه في الأرض إذا ذهب متحيرا كما في القاموس. « إن الله أخبر العباد » تفصيل لـمّا أجملعليه‌السلام سابقاً ، وبيان للأبواب والشروط والعهود المذكورة ، والمنار جمع منارة على غير قياس ، يعني موضع النور ومحله ، وقيل : كنى بالمنار عن الأئمّة فإنّها صيغة جمع على ما صرّح به ابن الأثير في نهايته ، وبتقوى الله فيما أمره عن الاهتداء إلى الإمام والاقتداء به وبإتيان أبوابها عن الدخول في المعرفة من جهة الإمامعليه‌السلام ، انتهى.

__________________

(١) سورة النساء : ٦٥.

٢٩٩

واستكمل وعدّه ، إنَّ الله عزَّ وجلّ َأخبر العباد بطريق الهدى وشرع لهم فيها المنار وأخبرهم كيف يسلكون فقال «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثمَّ اهْتَدى »(١) وقال «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ »(٢) فمن اتقى الله عزّ وجلّ فيما أمره لقي الله عزّ وجلّ مؤمناً بما جاء به محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله هيهات هيهات فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا وظنوا أنّهم آمنوا وأشركوا من حيث لا يعلمون إنه من أتى «الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها » اهتدى ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى وصل الله طاعة ولي أمره بطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وطاعة رسوله بطاعته فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله وهو الإقرار بما نزل من عند الله : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كلّ مَسْجِدٍ والتمسوا البيوت التي

_____________________________________________

« واستكمل وعدّه » أي استحقّ وعدّه كاملاً كما قال تعالى : «أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ »(٣) .

« مات قوم » فيما مضى : فات قوم ، وهو أظهر أي فأتوا عنا ولم يبايعونا أو ماتوا ، فالثاني تأكيد « من أتى البيوت » أي بيوت الإيمان والعلم والحكمة « من أبوابها » وهم الأئمّةعليه‌السلام ، إشارة إلى تأويل قوله تعالى : «وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها »(٤) وصل الله إشارة إلى قوله تعالى : «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأمر مِنْكُمْ »(٥) وقوله : «أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ »(٦) وقوله : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ »(٧) .

«خُذُوا زِينَتَكُمْ » إمّا بيان لـمّا نزل أو استيناف ، وأوّلعليه‌السلام الزينة بمعرفة الإمام ، والمسجد بمطلق العبادة ، والبيوت ببيوت أهل العصمة سلام الله عليهم ، والرّجال بهمعليهم‌السلام ، والمراد بعدم إلهائهم التجارة والبيع عن ذكر الله أنّهم يجمعون بيّن ذين

__________________

(١) سورة طه : ٨٢. (٢) سورة المائدة : ٢٧.

(٣) سورة البقرة : ٤٠. (٤) سورة البقرة : ١٨٩.

(٥) سورة النساء : ٥٩. (٦) سورة الأنفال : ٤٦.

(٧) سورة النساء : ٨٠.

٣٠٠