مرآة العقول الجزء ٧

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الحديث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 379

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الحديث
تصنيف: الصفحات: 379
المشاهدات: 16891
تحميل: 8203


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 379 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16891 / تحميل: 8203
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دار الحديث
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ » فإنه قد خبركم أنّهم «رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ » عزّ وجلّ «وَإِقامِ الصّلاة وَإِيتاءِ الزّكاة يَخافُونَ يوماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ » إن الله قد استخلص الرّسل لأمره ثمَّ استخلصهم مصدّقين لذلك في نذره فقال «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إلّا خَلا فِيها نَذِيرٌ »(١) تاه من جهل واهتدى من أبصر وعقل إن الله عزّ وجلّ يقول «فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الّتي فِي الصُّدُورِ »(٢) وكيف يهتدي من لم يبصر وكيف يبصر من لم ينذر اتبعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأقروا بما نزل من عند الله واتبعوا آثار الهدى فإنّهم علامات الأمانة

_____________________________________________

وذا ، لا أنّهم يتركونهما رأسا كما وردّ النص عليه وفي خبر آخر.

قولهعليه‌السلام : ثمَّ استخلصهم الضّمير راجع إلى ولاة الأمر ، وذلك إشارة إلى الأمر ، أي استخلص واصطفى الأوصياء حال كونهم مصدقين لأمر الرسالة في النذر وهم الرّسل فقوله : في نذره متعلّق بقوله : مصدقين ، ويحتمل أن يكون في نذره أيضاً حالاً أي حالكونهم مندرجين في النذر ، ويمكن أن يكون ضمير استخلصهم راجعاً إلى الرّسل أي ثمَّ بعد إرسال الرّسل استخلصهم وأمرهم بأن يصدّقوا أمر الخلافة في النذر بعدهم وهم الأوصياءعليهم‌السلام ، وقيل : ثمَّ للتراخي في الرتبة دون الزمان ، يعني وقع ذلك الاستخلاص لهم حالكونهم مصدقين لذلك الاستخلاص في سائر نذره أيضاً بمعنى تصديق كلّ منهم لذلك في الباقين.

واستشهد على استمرارهم في الإنذار بقوله تعالى : «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إلّا خَلا فِيها نَذِيرٌ » ثمَّ بيّن وجوب النذير ووجوب معرفته بتوقف الاهتداء على الإبصار ، وتوقف الإبصار على الإنذار ، وتوقف الإنذار على وجود النذير ومعرفته ، وأشار بآثار الهدى إلى الأئمّةعليهم‌السلام ، وفي بعض النّسخ ابتغوا آثار الهدى بتقديم الموحدة

__________________

(١) سورة الفاطر : ٢٤.

(٢) سورة الحجّ : ٤٦.

٣٠١

والتقى ، واعلموا أنه لو أنكر رجل عيسى ابن مريمعليه‌السلام وأقر بمن سواه من الرّسل لم يؤمن اقتصوا الطريق بالتماس المنار والتمسوا من وراء الحجب الآثار تستكملوا أمر دينكم وتؤمنوا بالله ربّكم.

٤ - عنه ، عن أبيه ، عن سليمان الجعفري ، عن أبي الحسن الرّضا ، عن أبيهعليه‌السلام قال رفع إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قومٌ في بعض غزواته فقال من القوم فقالوا مؤمنون يا رسول الله قال وما بلغ من إيمانكم ؟ قالوا الصبر عند البلاء والشكر

_____________________________________________

على المثنّاة والغين المعجمة.

ونبّه بقوله : لو أنكر رجل عيسىعليه‌السلام ، على وجوب الإيمان بهم جميعاً من غير تخلف عن أحدّ منهم ، ثمَّ كرّر الوصيّة بالاقتداء بهم معلّلاً بأنّهم منار طريق الله وأمر بالتماس آثارهم إن لم يتيسر الوصول إليهم.

الحديث الرابع : صحيح.

« رفع إلى رسول الله » كمنع على البناء المعلوم أي أسرعوا إليه أو على بناء المجهول أي ظهروا ، فإن الرفع ملزوم للظهور ، وقال في المصباح : رفعته أذعته ، ومنه رفعت على العامل رفيعة ، ورفع البعير في سيره أسرع ، ورفعته أسرعت به يتعدى ولا يتعدى ، انتهى.

وقال الكرماني في شرح البخاري : فيه فرفعت لنا صخرة ، أي ظهرت لأبصارنا ، وفيه : فرفع لي البيت المعمور ، أي قربِّ وكشف ، انتهى.

ويمكن أن يقرأ بالدال ، ولكن قد عرفت أنّه لا حاجة إليه ، قال في المصباح : دفعت إلى كذا بالبناء للمفعول : انتهيت إليه.

« من القوم » أي من أي صنف من النّاس أنتم؟ « فقالوا مؤمنون » أي نحن مؤمنون « وما بلغ من إيمانكم »؟ من تبعيضيّة أي بأيّ حدّ بلغ ، أو زائدة أو سببيّة أي ما بلغكم ووصل إليكم بسبب أيمانكم ، أو البلوغ بمعنى الكمال ومن للتبعيض أي ما كمل من صفات إيمانكم « حلماء» أي هم حلماء من الحلم بالكسر بمعنى العقل ،

٣٠٢

عند الرّخاء ، والرّضا بالقضاء ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حلماء علماء كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء إن كنتم كما تصفون فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون واتقوا الله الذي إليه ترجعون.

( باب )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى وعدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد جميعاً ، عن الحسن بن محبوب ، عن يعقوب السرَّاج ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام وبأسانيد مختلفة ، عن الأصبغ بن نباتة قال خطبنا أمير المؤمنينعليه‌السلام في داره - أو قال في القصر - ونحن مجتمعون ثمَّ أمر صلوات الله عليه فكتب في كتاب وقرئ على النّاس وروى غيره أن ابن

_____________________________________________

أو عدم المبادرة عند الغضب« ما لا تسكنون » أي ما يزيد على ما اضطررتم إليه من المسكن ، وكذا « لا تجمعوا » ما لم تدعكم الضرورة للأكلّ إليه ويمكن تعميم الأكلّ بحيث يشمل سائر ما يحتاجون إليه كقوله تعالى : «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ »(١) أو خصهما بالذكر لأنهما عمدة مطالب الراغبيّن في الدّنيا.

«وَاتَّقُوا اللهَ » إلخ ، لـمّا كانت تلك الصفات يقتضي الزهد في الدّنيا والتقوى حثهم في تلك الفقرات عليهما.

باب

إنّما لم يعنون لأنّه من تتمّة البابين السابقين ، وإنّما أفرده لأنّ فيه نسبة الإيمان والإسلام معاً أو لأنّ فيه مدح الإسلام وفضله لا صفاته.

الحديث الأوّل : صحيح بل ثلاثة أحاديث حسن وصحيحان ، بل ادّعي استفاضته بل تواتره لقوله بأسانيد مختلفة عن الأصبغ.

وقوله : وروى غيره أي غير الأصبغ ، وعبد الله بن الكواء كان من الخوارج « فكتب » في كتاب « وقرئ » في المجالس كلا الفعلين مجهول ، وإنّما أمر للتشهير

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٨.

٣٠٣

الكوّاء سأل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن صفة الإسلام والإيمان والكفر والنفاق فقال إمّا بعد فإن الله تبارك وتعالى - شرع الإسلام وسهّل شرائعه لمن ورده وأعزَّ أركانه لمن حاربّه وجعله عزاً لمن تولّاه وسلـماً لمن دخله وهدى لمن ائتمّ به وزينة لمن

_____________________________________________

والمبالغة على الضبط ، لكثرة فوائده والاهتمام بأخذه.

« أمّا بعد » أي بعد الحمد والصّلاة « فإنّ الله تبارك وتعالى » وفي نهج البلاغة ومن خطبة لهعليه‌السلام : « الحمد لله الذي شرع الإسلام فسّهل شرائعه لمن ورده» الشّرع والشريعة بفتحهما ما شرع الله لعباده من الدّين ، أي سنة وافترضه عليهم ، وشرع الله لنا كذا أي أظهره وأوضحه ، والشريعة موردّ الإبل على الماء الجاري ، وكذلك المشرعة ، قال الأزهري : وتسميّها العربِّ مشرعة إلّا إذا كان الماء غير منقطع كماء الأنهار ، ويكون ظاهراً معيّناً ولا يستقى منه برشاء فإن كان من ماء الأمطار فهو الكرع بفتحتين ، ووردت الماء كوعدت إذا أحضرته لتشربِّ ، وقيل : الشريعة موردّ الشاربة ، ويقال : لـمّا شرع الله تعالى لعباده إذ به حياة الأبدان.

« وأعزّ أركانه لمن حاربّه » وركن الشيء جانبه أو الجانب الأقوى منه ، والعزّ والمنعة ، وما يتقوى به من ملك وجند وغيره كما يستند إلى الركن من الحائط عند الضعف ، والعزّ القوّة والشدّة والغلبة ، وأعزه أي جعله عزيزاً أي جعل أصوله وقواعدّه أو دلائله وبراهينه قاهرة غالبة منيعة قوية لمن أراد محاربته أي هدمه وتضييعه ، وقيل : محاربته كناية عن محاربة أهله ، وفي بعض النّسخ جاربّه كسأل بالجيم والهمز أي استغاث به ولجأ إليه ، وفي النهج على من غالبة ، أي حاول أن يغلبه ولعله أظهر ، وفي تحف العقول : على من جانبه.

« وجعله عزّاً لمن تولّاه » أي جعله سبباً للعزّة والرفعة والغلبة لمن أحبّه وجعله وليّه في الدنيا من القتل والأسر والنّهبَ والذلّ ، وفي الآخرة من العذاب والخزي ، وفي المجالس الشيخ : لمن والاه ، وفي النهج مكانه : فجعله أمناً لمن علقه أي نشب واستمسك به « وسلـماً لمن دخله » والسلم بالكسر كما في النهج وبالفتح أيضاً

٣٠٤

تجلّله وعذراً لمن انتحله وعروة لمن اعتصم به وحبلاً لمن استمسك به وبرهاناً لمن

_____________________________________________

الصّلح ، ويطلق على المسالم أيضاً وبالتحريك الاستسلام إذ من دخله يؤمن من المحاربة والقتل والأسر« لمن تجلله » كأنّه على الحذف والإيصال أي تجلّل به أو علاه الإسلام وظهر عليه ، أو أخذ جلاله وعمدته ، قال الجوهري : تجليل الفرس أن تلبسه الجلل وتجلله أي علاه وتجلله أي أخذ جلاله ، انتهى.

وربما يقرأ بالحاء المهملّة ويفسّر بأن جعله حلة على نفسه ، ولا يخفى ما فيه ، وفي المجالس والتحف لمن تحلّى به وهو أظهر.

« وعذراً لمن انتحله » الانتحال أخذه نحلة وديناً ويطلق غالباً على ادعاء أمر لم يتّصف به ، فعلى الثاني المراد أنه عذر ظاهراً في الدنيا ويجري عليه أحكام المسلمين وإن لم ينفعه في الآخرة ، وفي التحف : وديناً لمن انتحله ، والعروة من الدلو والكوز المقبض ، وكلّ ما يتمسك به شبّه الإسلام تارة بالعروة الّتي في الحبل يتمسّك بها في الارتقاء إلى مدارج الكمال والنجاة من مهاوي الحيرة والضلال كما قال تعالى : «فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها »(١) وتارة بالحبل المتين يصعد بالتمسك به إلى درجات المقربيّن والحبل يطلق على الرسن وعلى العهد وعلى الذمة وعلى الأمان والكلّ مناسب ، وقيل : شبهه بالعروة لأن من أخذ بعروة الشيء كالكوز مثلا ملك كله ، وكذلك من تمسك بالإسلام استولى على جمع الخيرات ، وفي المجالس والتحف « وعصمة لمن اعتصم به وبرهان لمن تكلّم به » البرهان الحجّة والدليل أي الإسلام إذا أحاط الإنسان بأصوله وفروعه يحصل معه براهين ساطعة على من أنكرها إذ لا تحصل الإحاطة التامّة إلّا بالعلم بالكتاب والسّنة وفيهما برهان كلّ شيء ، وفي النهج قبل هذه الفقرة قوله : وسلـمّا لمن دخله ، وليست فيه الفقرات المتوسطة وقوله : شاهداً « إلخ » قبل قوله : ونوراً لمن استضاء به ، شبهه بالنور للاهتداء به إلى طريق النجاة ، ورشحه بذكر الاستضائة.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٦.

٣٠٥

تكلّم به ونوراً لمن استضاء به وعوناً لمن استغاث به وشاهداً لمن خاصم به وفلجا لمن حاجَّ به وعلـماً لمن وعاه وحديثاً لمن روى وحكماً لمن قضى وحلـماً لمن جرّب ولباساً

_____________________________________________

« وشاهداً لمن خاصم به » إذ باشتماله على البراهين الحقة يشهد بحقيّة من خاصم به « وفلجا لمن حاجّ به » الفلج بالفتح الظّفر والفوز كالأفلاج ، والاسم بالضمّ والمحاجة المغالبة بالحجّة« وعلـمّا لمن وعاه » أي سبباً لحصول العلم وإن كان مسبّباً عنه أيضاً في الجملّة ، إذ العلم به يزداد ويتكامل « وحديثاً لمن روي » أي يتضمّن الإحاطة بالإسلام أحاديث وأخباراً لمن أراد روايتها ، ففي الفقرة السّابقة حث على الدّراية ، وفي هذه الفقرة حثّ على الرّواية« وحكما لمن قضى » أي يتضمّن ما به يحكم بيّن المتخاصمين لمن قضى بينهما « وحلـمّا لمن جربِّ » الحلم بمعنى العقل أو بمعنى الأناة وترك السّفه وكلاهما يحصلان باختيار الإسلام وتجربة ما وردّ فيه من المواعظ والأحكام ، واختصاص التجربة بالإسلام لأنّ من سفه وبادر بسبب غضب عرض له يلزمه في دين الإسلام أحكام من الحدّ والتعزير والقصّاص من جربها واعتبر بها تحمله التجربة على العفو والصّفح وعدم الانتقام لا سيّما مع تذكر العقوبات الأخروية على فعلها ، والمثوبات الجليلة على تركها وكلّ ذلك يظهر من دين الإسلام.

« ولباساً لمن تدبّر » أي لباس عافية لمن تدبر في العواقب أو في أوامره ونواهيه بتقريب ما مرّ أو لباس زينة ، والأوّل أظهر وقد يقرأ تدثر بالثاء المثلثة أي لبسه وجعله مشتملاً على نفسه كالدثار وهو تصحيف لطيف ، وفي النهج والكتابيّن ولبا لمن تدبر واللب بالضمّ العقل وهو أصوب « وفهما لمن تفطن » الفهم العلم وجودة تهيؤ الذهن بقبول ما يردّ عليه ، والفطنة الحذق والتفطن طلب الفطانة أو إعماله ، وظاهر أن الإسلام والانقياد للرسول والأئمّةعليهم‌السلام يصير سبباً للعلم وجودة الذهن لمن أعمل الفطنة فيما يصدر عنهم من المعارف والحكم ، وفي المجالس لمن فطن.

« ويقيناً لمن عقل» أي يصير سبباً لحصول اليقين لمن تفكر وتدبر يقال

٣٠٦

لمن تدبّر وفهماً لمن تفطّن ويقيناً لمن عقل وبصيرة لمن عزم وآية لمن توسّم وعبرة لمن اتعظ ونجاة لمن صدَّق وتؤدة لمن أصلح وزلفى لمن اقتربِّ وثقة لمن توكلّ ورخاء لمن

_____________________________________________

عقلت الشيء عقلاً كضربت أي تدبّرته ، وعقل كعلم لغة فيه ويمكن أن يراد بمن عقل من كان من أهل العقل وهو قوّة بها يكون التميز بيّن الحسن والقبيح ، وقيل : غريزة يتهيأ بها الإنسان لفهم الخطاب ، وفي النهج مكان الفقرتين : وفهما لمن عقل. « وبصيرة لمن عزم » وقال الراغب : يقال : لقوّة القلب المدركة بصيرة وبصر ، ومنه : «أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ »(١) أي على معرفة وتحقّق ، وقوله : تبصرة ، أي تبصيراً وتبيينا يقال : بصرته تبصيراً وتبصرة ، كما يقال : ذكرته تذكيرا وتذكرة ، وقال : العزم والعزيمة عقد القلب على إمضاء الأمر يقال : عزمت الأمر وعزمت عليه واعتزمت ، انتهى.

أي تبصرة لمن عزم على الطّاعة كيف يؤديها أو في جميع الأمور ، فإن في الدين كيفية المخرج في جميع أمور الدّين والدّنيا ، وأيضاً من كان ذا دين لا يعزم على أمر إلّا على وجه البصيرة.

« وآية لمن توسم » أي الإسلام مشتمل على علامات لمن تفرس ونظر بنور العلم واليقين إشارة إلى قوله تعالى : «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ »(٢) قال الراغب : الوسم التأثير والسمة الأثر ، قال تعالى : «سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ »(٣) وقال : «تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ »(٤) وقوله تعالى : «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » أي للمعتبرين العارفين المتفطنين وهذا التوسم هو الذي سماه قوم الذكاء ، وقوم الفطنة وقوم الفراسة ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اتقوا فراسة المؤمن ، وقال : المؤمن ينظر بنور الله ، وتوسمت تعرفت السّمة.

« وعبرة لمن اتّعظ » العبرة بالكسر ما يتّعظ به الإنسان ويعتبره ليستدلّ به على غيره ، والاتعاظ قبول الوعظ « ونجاة لمن صدّق » بالتشديد ويحتمل التخفيف كما وردّ في الخبر من صدق نجا ، والأوّل هو المضبوط في نسخ النهج « وتؤدة »

__________________

(١) سورة يوسف : ١٠٨. (٢) سورة الحجر : ٥٧.

(٣) سورة الفتح : ٢٩. (٤) سورة البقرة : ٢٧٣.

٣٠٧

_____________________________________________

كهمزة بالهمز « لمن أصلح » في القاموس : التؤدة بفتح الهمزة وسكونها الرزانة والتأني وقدا تادّ وتؤادّ ، وفي المصباح : اتئدّ في مشيه على افتعل اتئادا ترفق ولم يعجل ، وهو يمشي على تؤدة وزان رطبة وفيه تؤدة أي تثبّت ، وأصل التاء فيها واو ، انتهى.

أي يصير الإسلام سبب وقار ورزانة لمن أصلح نفسه بشرائعه وقوانينه ، أو أصلح أموره بالتأنّي أو يتأنّى في الإصلاح بيّن النّاس أو بينه وبيّن النّاس ، وفي بعض النسخ ومودّة وهو بالأخير أنسب ، وفي المجالس ومودة من الله لمن أصلح ، وفي التحف ومودة من الله لمن صلح ، أي يؤدّه الله أو يلقي حبه في قلوب العباد كما قال سبحانه : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحمن وُدًّا »(١) .

« وزلفى لمن اقتربِّ » الزلفى كحلبي القربِّ والمنزلة والخطوة ، والاقتراب الدنو وطلب القربِّ ، وكان المعنى : الإسلام سبب قربِّ من الله تعالى لمن طلب ذلك بالأعمال الصّالحة الّتي دلّ عليها دين الإسلام وشرائعه ، وفي بعض النسخ لمن اقترن أي معه ولم يفارقه وكأنه تصحيف ، وفي المجالس والتحف : لمن ارتقب أي انتظر الموت أو رحمة الله أو حفظ شرائع الدين ، وترصد مواقيتها ، في القاموس : الرقيب : الحافظ والمنتظر والحارس ، ورقبة انتظره كترقبه وارتقبه ، والشيء حرسه كراقبه مراقبة وارتقب أشرف وعلا.

« وثقة لمن توكلّ » الثقة من يؤتمن ويعتمد عليه ، يقال : وثقت به أثق بكسرهما ثقة ووثوقاً أي ائتمنته ووثق الشيء بالضمّ وثاقة فهو وثيق ، أي ثابت محكم وتوكلّ عليه أي الإسلام ثقة مأمون لمن وكلّ أموره إليه أي راعى في جميع الأمور قوانينه فلا يخدعه أو يصير الإسلام سبباً لوثوق المرء على الله إذا توكلّ عليه ويعلم به أن الله حسبه ونعم الوكيل.

« ورجاء لمن فوّض » أي الإسلام سبب رجاء لمن فوّض أموره إليه أو إلى الله

__________________

(١) سورة مريم : ٩٦.

٣٠٨

فوّض وسبقة لمن أحسن وخيراً لمن سارع وجنّة لمن صبر ولباساً لمن اتّقى وظهيراً

_____________________________________________

على الوجهين السابقين ، وفي بعض النسخ بالخاء المعجمة أي سعة عيش ، وفي النهج والكتابيّن وراحة وهو أظهر « وسبقة لمن أحسن » في القاموس سبقه يسبقه تقدّم ، والفرس في الحلبة جلي والسّبق محرّكة والسبقة بالضمّ الخطر يوضع بيّن أهل السباق ، وهما سبقان بالكسر أي يستبقان ، انتهى.

والظّاهر هنا سبقة بالضمّ أي الإسلام متضمن بسبقة لمن أحسن المسابقة أو لمن أحسن إلى النّاس فإنه من الأمور الّتي تحسن المسابقة فيه أو لمن أحسن صحبته أو لمن أتى بأمر حسن ، فيشمل جميع الطّاعات ، ولا يبعد أن يكون إشارة إلى قوله تعالى : «وَالسّابقون الأوّلون مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ »(١) بأن يكون المعنى اتبعوهم في الإحسان« وخيراً لمن سارع » على الوجوه المتقدّمة إشارة إلى قوله سبحانه في مواضع : «يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ »(٢) .

« وجنّة لمن صبر » الجنّة بالضمّ التّرس وكلّ ما وقى من سلاح وغيره فالإسلام يحث على الصّبر وهو جنّة لمخاوف الدنيا والآخرة ، وقيل : استعار لفظ الجنّة للإسلام لأنّه يحفظ من صبر على العمل بقواعدّه وأركانه من العقوبة الدنيويّة والأخروية ، وقيل : جنّة لمن صبر في المناظرة مع أعادي الدين.

« ولباساً لمن اتّقى » كأنّه إشارة إلى قوله تعالى : «وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ »(٣) بناء على أنّ المراد بلباس التقوى خشية الله أو الإيمان أو العمل الصّالح ، أو الحياء الذي يكسب التقوى ، أو السّمت الحسن ، وقد قيل كلّ ذلك ، أو اللباس الذي هو التقوى فإنّه يستر الفضائح والقبائح ويذهبها ، لا لباس الحربِّ كالدّرع والمغفر والآلات الّتي يتّقي بها عن العدو كما قيل ، فالإسلام سبب للبس لباس الإيمان والتقوى والأعمال الصّالحة والحياء وهيئة أهل الخير لمن اتّقى وعمل بشرائعه.

__________________

(١) سورة التوبة : ١٠٠.

(٢) سورة آل عمران : ١١٤. (٣) سورة الأعراف : ٢٦.

٣٠٩

لمن رشد وكهفا لمن آمن وأمنة لمن أسلم ورجاء لمن صدق وغنى لمن قنع ، فذلك

_____________________________________________

« وظهيراً لمن رشد » أي معينا لمن اختار الرشد والصّلاح ، في القاموس : رشد كنصر وفرح رشدا ورشداً ورشاداً اهتدى ، والرّشد الاستقامة على طريق الحقّ مع تصلب فيه ، وفي التحف : وتطهيراً لمن رشد ، « وكهفا لمن آمن » الكهف :

كالغار في الجبل والملجإ أي محل أمن من مخاوف الدنيا والعقبى لمن آمن بقلبه ، لا لمن أظهر بلسانه ونافق بقلبه ، « وأمنه لمن أسلم » الأمنة بالتحريك الأمن ، وقيل في الآية جمع كالكتبة ، والظّاهر أن المراد بالإسلام هنا الانقياد التام لله ولرسوله ولأئمّة المؤمنين ، فإن من كان كذلك فهو آمن في الدنيا والآخرة من مضارهما « ورجاء لمن صدق » أي الإسلام باعتبار اشتماله على الوعد بالمثوبات الأخروية والدّرجات العالية سبب لرجاء من صدق به ، ويمكن أن يقرأ بالتخفيف ويؤيّده أن في التحف وروحاً للصادقين ، وفي بعض نسخ الكتاب أيضاً روحا ، ومنهم من فسّر الفقرتين بأن الإسلام أمنه في الدنيا لمن أسلم ظاهراً ، وروح في الآخرة لمن صدق باطنا.

أقول : وكأنّه يؤيده قوله تعالى : «فَإمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبيّن فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ »(١) .

« وغنى لمن قنع » أي الإسلام لاشتماله على مدح القناعة وفوائدها فهو يصير سبباً لرضا من قنع بالقليل وغناه عن النّاس ، وقيل : لأن التمسك بقواعدّه يوجب وصول ذلك القدر إليه كما قال عزّ شأنه : «وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ »(٢) ويحتمل أن يراد به أن الإسلام باعتبار اشتماله على ما لا بد للإنسان منه من العلوم الحقة والمعارف الإلهيّة والأحكام الدينية يغني من قنع به عن الرجوع إلى العلوم الحكمية والقوانين الكلامية والاستحسانات

__________________

(١) سورة الواقعة : ٨٩.

(٢) سورة الطلاق : ٣.

٣١٠

الحقُّ ، سبيله الهدى ومأثرته المجد وصفته الحسنى فهو أبلج المنهاج مشرق المنار ،

_____________________________________________

العقليّة والقياسات الفقهية ، وإن كان بعيداً.

« فذلك الحقّ » أي ما وصفت لك من صفة الإسلام حقّ ، أو ذلك إشارة إلى الإسلام ، أي فلـمّا كان الإسلام متصفا بتلك الصفات فهو الحقّ الثابت الذي لا يتغير أو لا يشوبه باطل ، أو ذلك هو الحقّ الذي قال الله تعالى : «أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحقّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يتذكّر أُولُوا الْأَلْبابِ »(١) وقوله : سبيله الهدى ، استيناف بياني أو الحقّ صفة لاسم الإشارة ، وسبيله الهدى خبره أي هذا الدين الحقّ الذي عرفت فوائده وصفاته سبيله الهدى كما قيل في قوله سبحانه : «أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ »(٢) وكأنه إشارة إليه أيضاً ، والمراد بالهدي الهداية الربانية الموصلة إلى المطلوب.

« ومأثرته المجد » المأثرة بفتح الميم وسكون الهمزة وضم الثاء وفتحها واحدة المآثر ، وهي المكارم من الأثر وهو النقل والرواية لأنها تؤثر وتروى ، وفي القاموس : المكرّمة المتوارثة ، والمجد نيل الكرم والشرف ، ورجل ماجد أي كريم شريف ، ويطلق غالباً على ما يكون بالآباء فكان المعنى أنه يصير سبباً لمجد صاحبه حتّى يسري في أعقابه أيضاً « وصفته الحسنى » أي موصوف بأنّه أحسن الأخلاق والأحوال والأعمال ، وفي المجالس بعد قوله : وجنة لمن صبر : الحقّ سبيله والهدى صفته ، والحسنى مأثرته ، وفي التحف فالإيمان أصل الحقّ وسبيله الهدى.

« فهو أبلج المنهاج » وفي المنهج : المناهج ، في القاموس : بلج الصبح أضاء وأشرق كابتلج وتبلج وأبلج ، وكلّ متضح أبلج ، والنهج والمنهج والمنهاج : الطريق الواضح ، وأنهج وضح وأوضح ، وفي النهج بعدّه : واضح الولائج ، أي

__________________

(١) سورة الرعد : ١٩.

(٢) سورة البقرة : ٥.

٣١١

ذاكي المصباح ، رفيع الغاية ، يسير المضمار ، جامع الحلبة ، سريع السبقة ، أليم

_____________________________________________

المداخل.

« مشرق المنار » المنار جمع منارة وهي العلامة توضع في الطريق وكأنّها سميّت بذلك لأنّهم كانوا يضعون عليها النّار لاهتداء الضال في الليل ، وفي القاموس : المنارة والأصل المنورة موضع النور كالمنار ، والمسرجة والمأذنة والجمع مناور ومنائر ، والمنار العلم ، انتهى.

وفي النهج مشرف بالفاء ، أي العالي وبعدّه مشرق الجواد جمع الجادة « ذاكي المصباح » وفي النهج والكتابيّن مضيء المصابيح ، وفي القاموس : ذكت النّار واستذكت اشتدّ لهبها ، وهي ذكية وأذكاها وذكاها أوقدها « رفيع الغاية » الغاية منتهى السباق أو الراية المنصوبة في آخر المسافة ، وهي خرقة تجعل على قصبة وتنصبّ في آخر المدى يأخذ بها السّابق من الفرسان ، وكان الرفعة كناية عن الظهور كما ستعرف ، وقيل : هو من قولهم رفع البعير في سيره : بالغ أي يرفع إليها.

« يسير المضمار » في النهاية تضمير الخيل هو أن تضأمر عليها بالعلف حتّى تسمن ثمَّ لا تعلف إلّا قوتا لتخف ، وقيل : تشد عليها سروجها وتجلل بالأجلة حتّى تعرق فيذهب رهلها(١) ويشتد لحمها ، وفي حديث حذيفة : اليوم مضمار وغدا السباق أي اليوم العمل في الدنيا للاستباق في الجنّة ، والمضمار الموضع الذي تضمرّ فيه الخيل ويكون وقتا للأيّام الّتي تضمرّ فيها وفي القاموس : المضمار الموضع الذي يضمرّ فيه الخيل ، وغاية الفرس في السباق ، انتهى.

والحاصل أن المضمار يطلق على موضع تضمير الفرس للسباق وزمانه ، وعلى الميدان الذي يسابق فيه ، وشبّهعليه‌السلام أهل الإسلام بالخيل الّتي تجمع للسباق ومدة عمرّ الدنيا بالميدان الذي يسابق فيه ، والموت بالعلم المنصوب في نهاية الميدان ،

__________________

(١) الرهل : رخاوة في انتفاخ.

٣١٢

_____________________________________________

فإن ما يتسابق فيه من الأعمال الصّالحة إنما هو قبل الموت والقيامة بوضع تجمع فيه الخيل بعد السباق ليأخذ السبقة من سبق بقدر سبقه ويظهر خسران من تأخر ، والجنّة بالسبقة ، والنّار بما يلحقّ المتأخر من الحرمان والخسران.

أو شبّهعليه‌السلام الدنيا بزمان تضمير الخيل أو مكانه والقيامة بميدان المسابقة فمن كان تضميره في الدنيا أحسن كانت سبقته في الآخرة أكثر كما وردّ التشبيه كذلك في قولهعليه‌السلام في خطبة أخرى : إلّا وإن اليوم المضمار وعدا السباق ، والسبقة الجنّة والغاية النّار ، لكن ينافيه ظاهراً قوله : والموت غايته ، إلّا أن يقال : المراد بالموت ما يلزمه من دخول الجنّة أو النّار إشارة إلى أن آثار السعادة والشقاوة الأخروية تظهر عند الموت ، كما وردّ ليس بيّن أحدكم وبيّن الجنّة والنّار إلّا الموت.

وعلى التقديرين المراد بقوله : يسير المضمار ، قلّة مدته وسرعة ظهور السّبق وعدمه ، أو سهولة قطعه وعدم وعورته ، أو سهولة التضمير فيه وعدم صعوبته لقصر المدة وتهيئ الأسباب من الله تعالى ، وفي النهج كريم المضمار ، فكان كرمه لكونه جامعاً لجهات المصلحة الّتي خلق لأجله وهي اختبار العباد بالطّاعات وفوز الفائزين بأرفع الدرجات ، ولا ينافي ذلك ما وردّ في ذم الدنيا لأنه يرجع إلى ذم من ركن إليها وقصر النظر عليها ، كما بيّنعليه‌السلام ذلك في خطبة أوردناها في كتاب الروضة.

« جامع الحلبة » الحلبة بالفتح خيل تجمع للسباق من كلّ أوب أي ناحية لا تخرج من إصطبل واحدّ ، ويقال : للقوم إذا جاءوا من كلّ أوب للنصرة قد أحلبوا ، وكون الحلبة جامعة عدم خروج أحدّ منها ، أو المراد بالحلبة محلها وهو القيامة كما سيأتي ، فالمراد أنه يجمع الجميع للحساب كما قال تعالى : «ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاس »(١) .

__________________

(١) سورة هود : ١٠٣.

٣١٣

النقمة ، كامل العدَّة ، كريم الفرسان ، فالإيمان منهاجه ، والصالحات مناره والفقه

_____________________________________________

« سريع السّبقة » السّبقة بالفتح كما في النهج أي يحصل السّبق سريعا في الدنيا للعاملين أو في القيامة إلى الجنّة ، أو بالضمّ أي يصل إلى السابقين عوض السباق وهو الجنّة سريعاً لأن مدة الدنيا قليلة وهو أظهر.

وفي النهج والمجالس والتحف : متنافس السبقة فالضم أصوب وإن كان المضبوط في نسخ النهج بالفتح ، والتنافس الرغبة في الشيء النفيس الجيد في نوعه.

« أليم النقمة » أي مؤلم انتقام من تأخر في المضمار لأنه النّار « كامل العدَّة » بالضمّ والشد ما أعددته وهيئاته من مال أو سلاح أو غير ذلك ممّا ينفعك يوماً ما ، والمراد هنا التقوى وكماله ظاهر « كريم الفرسان » وفي النهج شريف الفرسان ، والفرسان بالضمّ جمع فارس كالفوارس.

ثمَّ فسّر صلوات الله عليه ما أبهم من الأمور المذكورة فقال : فالإيمان منهاجه ، هذا ناظر إلى قوله : وأبلج المنهاج ، أي المنهاج الواضح للإسلام هو التصديق القلبي بالله وبرسوله وبما جاء به والبراهين القاطعة الدالة عليه ، وفي النهج وغيره : فالتصديق منهاجه وهو أظهر « والصالحات منارة» ناظر إلى قوله : مشرق المنار ، شبّه الأعمال الصّالحة والعبادات الموظفة بالإعلام والمنائر الّتي تنصبّ على طريق السالكين لئلا يضلوا ، فمن اتبع الشريعة النبوية وأتى بالفرائض والنوافل يهديه الله للسلوك إليه ، وبالعمل يقوى إيمانه وبقوّة الإيمان يزداد عمله ، وكلـمّا وصل إلى علم يظهر له علم آخر ، ويزداد يقينه بحقية الطريق إلى أن يقطع عمره ، ويصل إلى أعلى درجات كماله بحسب قابليته الّتي جعلها الله له ، أو شبّه الإيمان بالطريق والأعمال بالإعلام ، فكما أن بسلوك الطريق تظهر الأعلام فكذلك بالتصديق بالله ورسله وحججهعليهم‌السلام تعرف الأعمال الصّالحة ، وقيل : الأعمال الصّالحة علامات لإسلام المسلم ، وبها يستدلّ على إيمانه ولا يتمّ حينئذ التشبيه.

٣١٤

مصابيحه والدّنيا مضماره والموت غايته والقيامة حلبته والجنّة سبقته والنار نقمته

_____________________________________________

« والفقه مصابيحه » الفقه العلم بالمسائل الشرعيّة أو الأعمّ ، وبه يرى طريق السلوك إلى الله وأعلامه ، وهو ناظر إلى قوله : ذاكي المصباح ، إذ علوم الدّين وشرائعه ظاهرة واضحة للناس بالأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، وبما أفاضوا عليهم من العلوم الربانيّة.

« والدنيا مضماره » قال ابن أبي الحديد : كان الإنسان يجري في الدنيا إلى غاية الموت وإنما جعلها مضمار الإسلام لأن المسلم يقطع دنياه لا لدنياه بل لآخرته ، فالدنيا له كالمضمار للفرس إلى الغاية المعينة « والموت غايته » قد عرفت وجه تشبيه الموت بالغاية ، وقال ابن أبي الحديد : أي إن الدنيا سجن المؤمن وبالموت يخلص من ذلك السجن.

وقال ابن ميثمَّ : إنما جعل الموت غاية أي الغاية القريبة الّتي هي باب الوصول إلى الله تعالى ، ويحتمل أن يريد بالموت موت الشهوات فإنها غاية قريبة للإسلام أيضاً ، وهذا ناظر إلى قوله : رفيع الغاية ، وفي سائر الكتب هذه الفقرة مقدمة على السابقة ، فالنشرّ على ترتيب اللف ، وعلى ما في الكتاب يمكن أن يقال : لعلّ التأخير هنا لأجل أن ذكر الغاية بعد ذكر المضمار أنسب بحسب الواقع والتقديم سابقاً باعتبار الرفعة والشرف ، وإنما الفائدة المقصودة فأشير إلى الجهتين الواقعيتين بتغيير الترتيب « والقيامة حلبته » أي محل اجتماع الحلبة إمّا للسباق أو لحيازة السبقة كما مرّ ، وإطلاق الحلبة عليها من قبيل تسمية المحل باسم الحال وقال ابن أبي الحديد : حلبته أي ذات حلبته ، فحذف المضاف كقوله تعالى : «هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ »(١) أي ذوو درجات.

« والجنّة سبقته » في أكثر نسخ النهج سبقته بالفتح فلذا قال الشراح : أي جزاء سبقته فحذف المضاف والظّاهر سبقته بالضمّ فلا حاجة إلى تقدير كما عرفت

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٦٣.

٣١٥

والتقوى عدّته والمحسنون فرسانه فبالإيمان يستدلًّ على الصالحات وبالصالحات يعمرّ الفقه وبالفقه يرهب الموت وبالموت تختم الدُّنيا وبالدنيا تجوز القيامة وبالقيامة

_____________________________________________

« والنار نقمته » أي نصيب من تأخّر ولم يحصل له استحقاق للسبقة أصلاً النّار ، زائداً عن الحسرة والحرمان « والتقوى عدته » ناظر إلى قوله : كامل العدَّة ، لأن التقوى تنفع في أشدّ الأحوال وأعظمها وهو القيامة كما أن العدَّة من المال وغيره تنفع صاحبها عند الحاجة إليها.

« والمحسنون فرسانه » لأنّهم بالإحسان والطّاعات يتسابقون في هذا المضمار ، فبالإيمان« يستدلّ على الصّالحات » إذ تصديق الله ورسوله وحججه يوجب العلم بحسن الأعمال الصّالحة وكيفيّتها من واجبها وندبها ، وقيل : لأن الإيمان منهج الإسلام وطريقه ولا بد للطريق من زاد يناسبه ، وزاد طريق الإسلام هو الأخلاق والأعمال الصّالحة ، فيدلّ الإيمان عليها كدلالة السبّب على المسبّب وقيل : أي يستدلّ بوجوده في قلب العبد على ملازمته لها ، انتهى.

وكأنّه حمل الكلام على القلب وإلّا فلا معنى للاستدلال بالأمر المخفي في القلب على الأمر الظّاهر ، نعم يمكن أن يكون المعنى أن بالإيمان يستدلّ على صحّة الأعمال وقبولها فإنه لا تقبل أعمال غير المؤمن ، وهذا معنى حسن لكن الأوّل أحسن « وبالصالحات يعمرّ الفقه » لأن العمل يصير سبباً لزيادة العلم كما أن من بيده سراجا إذا وقف لا يرى إلّا ما حوله وكلـمّا مشى ينتفع بالضوء ويرى ما لم يره كما وردّ : من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم ، وقد مرّ أنّ العلم يهتف بالعمل فإن أجاب وإلّا ارتحل عنه ، وقيل : الفقرتان مبنيّتان على أنّ المراد بالعمل الصّالح ولاية أهل البيتعليهم‌السلام كما وردّ في تأويل كثير من الآيات ، وظاهر أنّ بالإيمان يستدلّ على الولاية ربها يعمرّ الفقه لأخذه عنهم.

« وبالفقه يرهب الموت » أي كثرة العلم واليقين سبب لزيادة الخشية كما قال

٣١٦

تزلف الجنّة والجنّة حسرة أهل النار والنّار موعظة المتّقين والتقوى سنخ الإيمان.

_____________________________________________

تعالى : «إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ »(١) فالمراد بخشية الموت خشية ما بعد الموت أو يخشى نزول الموت قبل الاستعداد له ولـمّا بعدّه ، فقوله : وبالموت تختم الدنيا كالتعليل لذلك لأن الدّنيا الّتي هي مضمار العمل تختم بالموت فلذا يرهبه لحيلولته بينه وبيّن العمل والاستعداد للقاء الله لا لحبّ الحياة واللذات الدنيويّة والمألوفات الفانية « وبالدنيا تجوز القيامة » هذه الفقرة أيضاً كالتعليل لـمّا سبق أي إنما ترهب الموت لأن بالدنيا والأعمال الصّالحة المكتسبة فيها تجوز من أهوال القيامة وتخرج عنها إلى نعيم الأبد بأن يكون على صيغة الخطاب من الجواز ، وفي بعض النسخ بصيغة الغيبة أي يجوز المؤمن أو الإنسان ، وفي بعضها يجاز على بناء المجهول وهو أظهر ، وفي بعضها يحاز بالحاء المهملّة من الحيازة أي تحاز مثوبات القيامة وعلى التقادير فالوجه فيه أن كلّ ما يلقاه العبد في القيامة فإنما هو نتائج عقائده وأعماله وأخلاقه المكتسبة في الدنيا ، فبالدنيا تجاز القيامة أو تحاز.

ومنهم من قرأ تحوز بالحاء المهملّة أي بسبب الدنيا وأعمالها تجمع القيامة النّاس للحساب والجزاء فإن القيامة جامع الحلبة كما مرّ ، وفي التحف تحذّر القيامة وكأنه أظهر.

« وبالقيامة تزلف الجنّة » أي تقربِّ للمتّقين كما قال تعالى : «وَأُزْلِفَتِ الجنّة لِلْمُتَّقِينَ »(٢) وفي المجالس : وتزلف الجنّة للمتقين وتبرز الجحيم للغاوين ، وقال البيضاوي «وَأُزْلِفَتِ الجنّة لِلْمُتَّقِينَ » بحيث يرونها من الموقف فيتبجحون(٣) بأنّهم المحشورون إليها «وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ » فيرونها مكشوفة ويتحسّرون على أنّهم المسوقون إليها ، وفي اختلاف الفعلين ترجيح لجانب الوعد ، انتهى.

__________________

(١) سورة فاطر : ٢٨.

(٢) سورة ق : ٣١.

(٣) تبجّح به : فرح.

٣١٧

( باب )

( صفة الإيمان )

١ - بالإسناد الأوّل ، عن ابن محبوب ، عن يعقوب السرَّاج ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : سئل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن الإيمان ، فقال : إنّ الله عزّ وجلّ

_____________________________________________

« والجنة حسرة أهل النّار » في القيامة حيث لا تنفع الحسرة والندامة ، وتلك علاوة لعذابهم العظيم « والنّار موعظة للمتّقين » في الدنيا حيث ينفعهم فيتركون ما يوجبها ويأتون بما يوجب البعد عنها « والتقوى سنخ الإيمان » أي أصله وأساسه ، في القاموس : السنخ بالكسر الأصل.

باب صفة الإيمان

الحديث الأول : صحيح وهو من تتمّة الخبر السّابق ، وهو مروي في الكتب الثلاثة بتغيير نشير إلى بعضه.

قال في النهج : سئلعليه‌السلام عن الإيمان؟ فقال : الإيمان على أربع دعائم ، الدّعامة بالكسر عماد البيت ، ودعائم الإيمان ما يستقر عليه ويوجب ثباته واستمراره وقوته « على الصبر واليقين والعدلّ والجهاد » قال ابن ميثمَّ : فاعلم أنهعليه‌السلام أراد الإيمان الكامل ، وذلك له أصل وله كمالات بها يتمّ أصله ، فأصله هو التصديق بوجود الصانع ، وما له من صفات الكمال ونعوت الجلال ، وبما تنزلت به كتبه وبلغته رسله ، وكمالاته المتممة هي الأقوال المطابقة ومكارم الأخلاق والعبادات.

ثمَّ إنّ هذا الأصل ومتمماته هو كمال النفس الإنسانية لأنّها ذات قوّتين علميّة وعمليّة ، وكمالها بكمال هاتين القوّتين ، فأصل الإيمان هو كمال القوّة العلمية منها ، ومتمماته وهي مكارم الأخلاق والعبادات هي كمال القوّة العمليّة.

إذا عرفت هذا فنقول : لـمّا كانت أصول الفضائل الخلقية الّتي هي كمال الإيمان

٣١٨

جعل الإيمان على أربع دعائم على الصبر واليقين والعدلّ والجهاد فالصبر من ذلك على أربع شعب على الشوق والإشفاق والزُّهد والترقّب فمن اشتاق إلى الجنّة سلا

_____________________________________________

أربعاً هي الحكمة والعفّة والشجاعة والعدلّ أشار إليها واستعار لها لفظ الدعائم باعتبار أن الإيمان الكامل لا يقوم في الوجود إلّا بها ، كدعائم البيت فعبّر عن الحكمة باليقين ، والحكمة منها علمية وهي استكمال القوّة النظريّة بتصوّر الأمور والتصديق بالحقائق النظرية والعملية بقدر الطاقة البشريّة ، ولا تسمّى حكمة حتّى يصير هذا الكمال حاصلاً لها باليقين والبرهان ، ومنها عملية وهي استكمال النفس بملكة العلم بوجوه الفضائل النفسانيّة الخلقية ، وكيفيّة اكتسابها ووجوه الرذائل النفسانيّة وكيفيّة الاحتراز عنها واجتنابها ، وظاهر أن العلم الذي صار ملكة هو اليقين وعبّر عن العفة بالصبّر.

والعفّة هي الإمساك عن الشره في فنون الشهوات المحسوسة وعدم الانقياد للشهوة وقهرها وتصريفها بحسب الرأي الصّحيح ، ومقتضى الحكمة المذكورة ، وإنّما عبّر عنها بالصبر لأنّها لازم من لوازمه ، إذ رسمه أنّه ضبط النفس وقهرها عن الانقياد لقبائح اللّذات.

وقيل : هو ضبط النفس عن أن يقهرها ألم مكروه ينزل بها ، ويلزم في العقل احتماله أو يلزمها حبّ مشتهى يتشوّق الإنسان إليه ، ويلزمه في حكم العقل اجتنابه حتّى لا يتناوله على غير وجهه ، وظاهر أنّ ذلك يلازم العفة وكذلك عبّر عن الشجاعة بالجهاد لاستلزامه إياها إطلاقاً لاسم الملزوم على لازمه.

والشجاعة هي ملكة الإقدام الواجب على الأمور الّتي يحتاج الإنسان أن يعرض نفسه لاحتمال المكروه والآلام الواصلة إليه منها ، وامّا العدلّ فهو ملكة فاضلة ينشأ عن الفضائل الثلاث المشهورة وتلزمها ، إذ كلّ واحدة من هذه الفضائل محتوشة برذيلتين هما طرفا الإفراط والتفريط منها ، ومقابلة برذيلة هي ضدها ، انتهى.

« فالصّبر من ذلك » وفي النهج منها « على أربع شعب » الشعبة من الشجرة

٣١٩

عن الشهوات ومن أشفق من النار رجع عن المحرّمات ومن زهد في الدنيا هانت عليه

_____________________________________________

بالضمّ الغصن المتفرّع منها ، وقيل : الشعبة ما بيّن الغصنين والقرنين ، والطائفة من الشيء وطرف الغصن ، والمراد هنا فروع الصّبر وأنواعه أو أسباب حصوله « على الشوق والإشفاق » وفي سائر الكتب والشفق والزهد ، وفي المجالس والزهادة والتّرقب ، الشوق إلى الشيء نزوع النفس إليه وحركة الهوى ، والشفق بالتحريك : الحذّر والخوف كالأشفاق ، والزهد ضد الرغبة « والتّرقب » الانتظار أي انتظار الموت ومداومة ذكره وعدم الغفلة عنه ، ولـمّا كان الصّبر أنواع ثلاثة كما سيأتي في بابه الصبر عند البلية والصبر على مشقّة الطّاعة ، والصّبر على ترك الشهوات المحرّمة ، وكان ترك الشهوات قد يكون للشوق إلى اللذات الأخروية ، وقد يكون للخوف من عقوباتها جعل بناء الصبر على أربع ، على الشوق إلى الجنّة ، ثمَّ بيّن ذلك بقوله :

فمن اشتاق إلى الجنّة سلا عن الشهوات أي نسيها وصبر على تركها ، يقال : سلا عن الشيء أي نسيه ، وسلوت عنه سلوا كقعدت قعوداً أي صبرت ، وعلى الإشفاق عن النّار ، وبينها بقوله : ومن أشفق من النّار رجع عن المحرمات ، وفي المجالس والتحف عن الحرمات ، وفي النهج اجتنب المحرّمات ، ويمكن أن تكون الشهوات المذكورة سابقاً شاملّة للمكروهات أيضاً.

وعلى الزهد وعدم الرغبة في الدنيا وما فيها من الأموال والأزواج والأولاًد وغيرها من ملاذها ومألوفاتها ، وبينها بقوله : ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب ، وفي بعض النسخ والكتابيّن : المصيبات. وفي النهج : استهان بالمصيبات أي عدها سهلا هينا واستخف بها ، لأن المصيبة حينئذ بفقد شيء من الأمور الّتي زهد عنها ولم يستقر في قلبه حبها وعلى ارتقاب الموت وكثرة تذكره وبينها بقوله : ومن راقب الموت سارع إلى الخيرات ، وفي الكتابيّن ومن ارتقب ، وفي النهج : في الخيرات.

ثمَّ إنّ تخصيص الشوق إلى الجنّة والإشفاق من النّار بترك المشتهيات والمحرّمات مع أنّهما يصيران سببيّن لفعل الطّاعات أيضاً إمّا لشدّة الاهتمام بترك المحرّمات

٣٢٠