مرآة العقول الجزء ٧

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الحديث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 379

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الحديث
تصنيف: الصفحات: 379
المشاهدات: 16895
تحميل: 8203


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 379 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16895 / تحميل: 8203
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دار الحديث
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أن لا يرضي الناس بسخط الله ولا يلومهم على ما لم يؤته الله فإنَّ الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا يردُّه كراهية كاره ؛ ولو أنَّ أحدكم فرَّ من رزقه كما يفرُّ من

_____________________________________________

القلوب وهي بيده يصرفها كيف يشاء وأنّ الآخرة الباقية خير من الدّنيا الفانية صحيحاً غير معلول ولا مشوب بشكّ وشبهة وأنّه واقع ليس محض الدعوى.

« أن لا يرضى النّاس بسخط الله » بأن يوافقهم في معاصيه تعالى طلباً لـمّا عندهم من الزخارف الدنيويّة أو المناصبّ الباطلة ، ويفتيهم بما يوافق رضاهم من غير خوف أو تقيّة ، ولا يأمرهم بالمعروف ولا ينهاهم عن المنكر من غير خوف ضرر أو عدم تجويز تأثير ، بل لمحض رعاية رضاهم وطلب التقربِّ عندهم ، أو يأتي أبواب الظالمين ويتذلل عندهم لا لتقيّة تجوزه ولا لمصلحة جلب نفع لمؤمن أو لدفع ضرر عنه ، بل لطلب ما في أيديهم لسوء يقينه بالله وبرازقيته ، مع أنه يترتّب عليه خلاف ما أمله ، كما روي : من أرضى النّاس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.

قولهعليه‌السلام : ولا يلومهم على ما لم يؤته الله ، أي لا يذمهم ولا يشكرهم على ترك صلتهم إياه بالمال وغيره فإنه يعلم صاحب اليقين أن ذلك شيء لم يقدره الله له ولا يرزقه إياه لعدم كون صلاحه فيه مطلقاً أو في كونه بيد هذا الرّجل وبتوسّطه بل يوصله إليه من حيث لا يحتسب فلا يلوم أحداً بذلك لأنه ينظر إلى مسبب الأسباب ولا ينظر إليها ولا يعترض على الله فيما فعل به.

وهذا اللوم يتضمّن نوعاً من الشرك حيث جعلهم الرازق والمعطي مع الله وسخطاً لقضاء الله والموقن بريء منهما ، فضمير يؤته راجع إلى المرء المسلم ، وعائد « ما » محذوف بتقدير إيّاه.

وقيل : يحتمل أن يكون المراد أنّه لا يلومهم على ما لم يؤته الله إياهم فإن الله خلق كلّ أحدّ على ما هو عليه وكلّ ميسّر لـمّا خلق له فيكون كقولهعليه‌السلام لو علم النّاس كيف خلق الله هذا الخلق لم يلم أحدّ أحداً.

٣٦١

الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت ، ثمَّ قال : إنَّ الله بعدله وقسطه جعل

_____________________________________________

ولا يخفى بعدّه لا سيّما بالنظر إلى التعليل بقوله فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص أي الرزق الذي قدره الله للإنسان لا يحتاج في وصوله إلى حرص بل يأتيه بأدنى سعي أمر الله به « ولا يرده » هذا الرّزق « كراهة كاره » لرزق نفسه لقلته أو للزهد ، أو كاره لرزق غيره حسداً ، ويؤكد الأوّل : ولو أن أحدكم « إلخ » وهذا يدلّ على أن الرزق مقدر من الله تعالى ويصل إلى العبد البتة.

وفيه مقامان : الأوّل : أن الرزق هل يشمل الحرام أم لا؟ فالمشهور بيّن الإمامية والمعتزلة الثاني ، وبيّن الأشاعرة الأوّل قال الرازي في تفسير قوله تعالى : «وَممّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ »(١) الرزق في كلام العربِّ الحظّ وقال بعضهم : كلّ شيء يؤكلّ أو يستعمل ، وقال آخرون : الرزق هو ما يملك ، وامّا في عرف الشرع فقد اختلفوا فيه فقال أبو الحسن البصري : الرزق هو تمكين الحيوان من الانتفاع بالشيء والحظر غير أن يمنعه من الانتفاع به فإذا قلنا رزقنا الله الأموال فمعنى ذلك أنّه مكننا من الانتفاع بها والمعتزلة لـمّا فسّروا الرّزق بذلك لا جرم قالوا : الحرام لا يكون رزقاً وقال أصحابنا : الحرام قد يكون رزقاً.

حجّة الأصحاب من وجهين : الأوّل : أن الرزق في أصل اللغة هو الحظّ والنصيب على ما بيناه فمن انتفع بالحرام فذلك الحرام صار حظّاً ونصيباً له ، فوجب أن يكون رزقاً له ، الثاني : أنه تعالى قال : «وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلّا عَلَى اللهِ رِزْقُها »(٢) وقد يعيش الرّجل طول عمره لا يأكلّ إلّا من السرقة فوجب أن يقال : أنه طول عمره لم يأكلّ من رزقه شيئاً.

وامّا المعتزلة فقد احتجّوا بالكتاب والسّنة ، والمعنى ، إمّا الكتاب فوجوه

__________________

(١) سورة البقرة : ٣.

(٢) سورة هود : ٦.

٣٦٢

الرَّوح والرَّاحة في اليقين والرّضا وجعل الهمَّ والحزن في الشكّ والسخط.

_____________________________________________

أحدها : قوله تعالى : «وَممّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ »(١) مدحهم على الإنفاق ممّا رزقهم الله تعالى فلو كان الحرام رزقاً لوجب أن يستحقوا المدح إذا أنفقوا من الحرام وذلك باطل بالاتفاق ، وثانيها. لو كان الحرام رزقاً لجاز أن ينفق الغاصبّ منه لقوله تعالى : «وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ »(٢) وأجمع المسلمون على أنه لا يجوز للغاصبّ أن ينفق منه بل يجب عليه رده ، فدلّ على أن الحرام لا يكون رزقاً ، وثالثها : قوله تعالى : «قُلْ أَرَأَيتمّ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرإمّا وَحَلإلّا قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ »(٣) فبيّن أن من حرم رزق الله فهو مفتر على الله ، فثبت أن الحرام لا يكون رزقاً.

وامّا السّنة فما رواه أبو الحسين في كتاب الغرر بإسناده عن صفوان بن أمية قال : كنا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ جاء عمرو بن مرة فقال : يا رسول الله إن الله كتب على الشقوّة فلا أراني أرزق إلّا من دفي بكفي فأذن لي في الغناء من غير فاحشة؟ فقالعليه‌السلام : لا آذن لك ولا كرامة ولا نعمة ، كذبت أي عدو الله لقد رزقك الله طيبا فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله ، إمّا إنك لو قلت بعد هذه النوبة شيئاً ضربتك ضربا وجيعاً.

وامّا المعنى فهو أن الله تعالى منع المكلّف من الانتفاع به وأمر غيره بمنعه من الانتفاع به ، ومن منع من أخذ شيء والانتفاع به لا يقال أنّه رزقه إياه ، إلّا ترى أنّه لا يقال : أن السلطان رزق جنده مالاً وقد منعهم من أخذه.

الثاني : أنّ الرزق هل يجب على الله إيصاله من غير سعي وكسب ، أم لا بد من الكسب والسعي فيه؟ ظاهر هذا الخبر وغيره الأوّل ، وقد روي في النهج عن أمير المؤمنين

__________________

(١) سورة البقرة : ٣.

(٢) سورة المنافقون : ١٠.

(٣) سورة سورة يونس : ٥٩.

٣٦٣

٣ - ابن محبوب ، عن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين.

_____________________________________________

عليه‌السلام أنّه قيل لهعليه‌السلام : لو سدّ على رجل باب بيت وترك فيه من أين كان يأتيه رزقه؟ فقالعليه‌السلام : من حيث يأتيه أجله ، وظاهر كثير من الأخبار الثاني ، وسيأتي تمام الكلام فيه في كتاب المكاسب إنشاء الله تعالى.

قولهعليه‌السلام : وقسطه ، العطف للتفسير والتأكيد ، وكذا الراحة ، والروح راحة القلب وسكونه عن الاضطراب ، والراحة فراغ البدن وعدم المبالغة في الاكتساب « في اليقين » برازقيته سبحانه ولطفه وسعة كرمه ، وأنه لا يفعل بعباده إلّا ما هو أصلح لهم ، وأنّه لا يصل إلى العبّاد إلّا ما قدر لهم « والرّضا » بما يصل من الله إليه وهُوَ ثمرة اليقين ، والحزن بالضمّ والتحريك أيضاً إمّا عطف تفسير للهمّ أو الهمّ اضطراب النفس عند تحصيله والحزن جزعها واغتمامها بعد فواته « في الشّك» أي عدم اطمئنان النفس بما ذكر في اليقين « والسخط » وعدم الرضا بقضاء الله المترتّب على الشكّ.

ونعم ما قيل :

ما العيش إلّا في الرضا

والصبر في حكم القضاء

ما بات من عدم الرضا

إلّا على جمرّ الغضا(١)

الحديث الثالث : صحيح.

وابن محبوب معلق على ثاني سندي الخبر السّابق ، ويدلّ على أن لكمال اليقين وقوّة العقائد مدخلاً عظيماً في قبول الأعمال وفضلها بل لا يحصل الإخلاص الذي هو روح العبادة وملاكها إلّا بها ، وكان قيد الدوام معتبر في الثاني أيضاً ليظهر مزيد فضل اليقين ، ويحتمل أن يكون حذف قيد الدوام في الثاني للإشعار بأنّ إحدى

__________________

(١) الجمر : النار المتقدة ، والغضا شجر خشبّه من أصلب الخشب وجمره يبقى زمنا طويلا لا ينطفي.

٣٦٤

٤ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أبان ، عن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه على المنبر لا يجد أحدكم طعم الإيمان حتّى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

_____________________________________________

ثمرّات اليقين دوام العمل فإن اليقين الذي هو سببه لا يزول بخلاف العمل الكثير على غير يقين فإنه غالباً يكون متفرعاً على غرض من الأغراض تتبدلّ سريعاً ، أو إيمان ناقص هو بمعرض الضعف والزوال على نهج قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : قليل مدوم عليه خير من كثير مملول منه.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : طعم الإيمان ، قيل : إنّ فيه مكنيّة وتخييليّة حيث شبّه الإيمان بالطعام في أنه غذاء للروح به ينمو ويبلغ حدّ الكمال كما أن الطعام غذاء للبدن.

قولهعليه‌السلام : لم يكن ليخطئه يحتمل أن يكون من المعتلّ أي يتجاوزه ، أو من المهموز أي لا يصيبه كما يخطئ السّهم الرمية.

قال الراغب : الخطأ العدول عن الجهة وذلك أضربِّ : أحدها : أن يريد غير ما يحسن إرادته فيفعله ، والثاني : أن يريد ما يحسن فعله ولكن يقع منه خلاف ما يريد ، وهذا قد أصاب في الإرادة وأخطأ في الفعل ، والثالث : أن يريد ما لا يحسن فعله ويتفق منه خلافه فهذا مخطئ في الإرادة ومصيب في الفعل ، فهو مذموم بقصده وغير محمود على فعله ، وجملّة الأمر أن من أراد شيئاً واتّفق منه غيره يقال : أخطأ ، وإن وقع منه كما أراده يقال : أصاب ، وقد يقال لمن فعل فعلا لا يحسن أو أراد إرادة لا تجمل أنّه أخطأ.

وقال الجوهري في المعتلّ قولهم في الدعاء : إذا دعوا للإنسان خطىء عنه السوء أي دفع عنه السوء وتخطيّته تجاوزته ، وتخطيّت رقاب النّاس وتخطيّت إلى كذا ، ولا تقل تخاطئت.

٣٦٥

٥ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد الشحّام ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنَّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه جلس إلى حائط مائل يقضي بيّن النّاس فقال بعضهم : لا تقعد تحت هذا الحائط ، فإنّه معور فقال أمير المؤمنين

_____________________________________________

وفي المصباح : الخطأ مهموزاً ضد الصواب يقصر ويمدّ ، وهو اسم من أخطأ فهو مخطئ ، قال أبو عبيدة : خطىء خطاء من باب علم وأخطأ بمعنى واحدّ لمن يذنب على غير عمد ، وقال غيره : خطىء في الدين وأخطأ في كلّ شيء عامداً أو كان غير عامد ، وأخطأ الحقّ بعد عنه ، وأخطأه السّهم تجاوزه ولم يصبه ، وتخفيف الرباعي جائز.

وقال الزمخشري في الأساس في المهموز : ومن المجاز لن يخطأك ما كتب لك ، وما أخطئك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك ، وقال في المعتلّ : ومن المجاز تخطأه المكروه ، انتهى.

وأقول : فظهر أن الهمزة أظهر ، وحاصل المعنى أن ما أصابه في الدنيا كان يجب أن يصيبه ولم يكن بحيث يتجاوزه إذا لم يبالغ السعي فيه ، وما لم يصبه في الدنيا لم يكن يصيبه إذا بالغ في السعي ، أو المعنى أن ما أصابه في التقدير الأزلي لا يتجاوزه وإن قصر في السعي وكذا العكس ، وهذا الخبر بظاهره ممّا يوهم الجبر ، ولذا أوّل وخصّ بما لم يكلّف العبد به فعلا وتركاً ، أو بما يصل إليه بغير اختياره من النعم والبلايا ، والصحّة والمرض وأشباهها ، وقد أوردنا الكلام في أمثاله في كتاب العدلّ [ من البحار ].

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

« فإنه معور » على بناء الفاعل من باب الأفعال أي ذو شق وخلل يخاف منه ، أو على بناء المفعول من التفعيل أو الأفعال أي ذو عيب ، قال في النهاية : العوار بالفتح العيب وقد يضم ، والعورة كلّ ما يستحيي منه إذا ظهر ، وفيه رأيته وقد طلع في طريق معورة ، أي ذات عورة يخاف فيها الضلال والانقطاع ، وكلّ عيب وخلل في

٣٦٦

صلوات الله عليه : حرس أمراً أجله فلـمّا قام سقط الحائط ،قال : وكان أمير المؤمنين

_____________________________________________

شيء فهو عورة ، وفي الأساس مكان معوّرة ذو عورة.

قولهعليه‌السلام : حرس أمرءاً أجله ، أمرءاً مفعول حرس ، وأجله فاعله ، وهذا ممّا استعمل فيه النكرة في سياق الإثبات للعموم ، أي حرس كلّ امرئ أجله كقولهم : أنجز حر ما وعد ، ويؤيّده ما في النهج أنه قالعليه‌السلام : كفى بالأجل حارساً ، ومن العجب ما ذكره بعض الشّارحين أن امرءاً مرفوع على الفاعليّة وأجله منصوب على المفعولية والعكس محتمل ، والمقصود الإنكار لأن أجل المرء ليس بيده حتّى يحرسه ، انتهى.

ويشكلّ هذا بأنّه يدلّ على جواز إلقاء النفس إلى التهلكة وعدم وجوب الفرار عمّا يظن عنده الهلاك ، والمشهور عند الأصحاب خلافه.

ويمكن أن يجاب عنه بوجوه : الأوّل : أنه يمكن أن يكون هذا الجدّاًر ممّا يظن عدم انهدامه في ذلك الوقت ولكن النّاس كانوا يحترزون عن ذلك بالاحتمال البعيد لشدّة تعلقهم بالحياة ، فأجابعليه‌السلام : بأن الأجل حارس ولا يحسن الحذّر عند الاحتمالات البعيدة لذلك ، وإنما تحترز عند الظن بالهلاك تعبدا وهذا ليس من ذلك ، لكن قولهعليه‌السلام : فلـمّا قام « إلخ » ممّا يبعد هذا الوجه ويقعدّه وإن أمكن توجيهه.

الثاني : أن يقال : هذا كان من خصائصهعليه‌السلام وأضرابه ، حيث كان يعلم وقت أجله بإخبار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيره ، فكان يعلم أن هذا الحائط لا يسقط في ذلك الوقت وإن كان مشرفاً على الانهدام لعدم الكذب في إخباره ، وامّا من لم يعلم ذلك فهو مكلّف بالاحتراز ، وكون هذا من اليقين لكونه متّفرعاً على اليقين بخبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الثالث : أن يقال أنه من خصائصهعليه‌السلام على وجه آخر ، وهو أنهعليه‌السلام كان يعلم أن هذا الحائط لا ينهدم في هذا الوقت ، فلـمّا علم أنه حان وقت سقوطه قام

٣٦٧

عليه‌السلام ممّا يفعل هذا وأشباهه وهذا اليقين.

_____________________________________________

فسقط ، ويؤيّده ما رواه الصدوق في التوحيد بإسناده عن الأصبغ بن نباتة أن أمير المؤمنينعليه‌السلام عدلّ من عند حائط مائل إلى حائط آخر فقيل له : يا أمير المؤمنين! تفر من قضاء الله؟ قال : أفر من قضاء الله إلى قدر الله.

ولعلّ المعنى أنّي لـمّا علمت أنّه ينهدم وأعلم أن الله قدر لي أجلا متأخّراً عن هذا الوقت فأفرّ من هذا إلى أن يحصل لي القدر الذي قدره الله لي ، أو المراد بقدر الله أمره وحكمه ، أي إنّما أفرّ من هذا القضاء بأمره تعالى ، أو المعنى أن الفرار أيضاً من تقديره تعالى ، فلا ينافي كون الأشياء بقضاء الله تعالى ، الفرار من البلايا ، والسّعي لتحصيل ما يجب السّعي له فإنّ كلّ ذلك داخل في علمه وقضائه ، ولا ينافي شيء من ذلك اختيار العبد كما حققناه في محله.

ويؤيّد الوجوه كلها ما روي في الخصال بإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خمسة لا يستجاب لهم ، أحدهم رجل مرّ بحائط مائل وهو يقبل إليه ولم يسرع المشي حتّى سقط عليه. « الخبر ».

الرابع : ما قال بعضهم : التكليف بالفرار مختص بغير الموقن لأن الموقن يتوكلّ على الله ويفوض أمره إليه فيقيه عن كلّ مكروه كما قال عزّ وجلّ : «أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ »(١) وكما قال مؤمن آل فرعون : «وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعبّاد فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا »(٢) وسرّ ذلك أن المؤمن الموقن المنتهى إلى حدّ الكمال لا ينظر إلى الأسباب والوسائط في النفع والضّرر ، وإنّما نظره إلى مسبّبها ، وامّا من لم يبلغ ذلك الحدّ من اليقين فإنّه يخاطب بالفرار قضاءاً لحقّ الوسائط.

« وهذا اليقين » أي من ثمرّات اليقين بقضاء الله وقدره وقدرته وحكمته ولطفه

__________________

(١) سورة الزمرّ : ٣٦.

(٢) سورة غافر : ٤٥.

٣٦٨

٦ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن صفوان الجمّال قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : «وامّا الْجدّاًرُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما »(١) فقال إمّا إنّه ما كان ذهباً ولا

_____________________________________________

ورأفته وصدق أنبيائه ورسله.

الحديث السادس : صحيح.

«وامّا الْجدّاًرُ » إلخ ، هذا في قصة موسى والخضرعليهما‌السلام حيث قال تعالى : «فَانْطَلَقا حتّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ » هي أنطاكية وقيل : إيلة بصرة ، وقيل : باجروان أرمنية ، وقيل : هي قرية على ساحل البحر يقال لها ناصرة ، وهو المرويّ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام «اسْتَطْعمّا أَهْلَها » أي سألاهم الطعام «فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما » أي لم يضيفهما أحدّ من أهلها ، وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : لم يضيّفوهما ولا يضيفون بعدهما أحداً إلى يوم القيامة «فَوَجدّاً فِيها جدّاًراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ » أي أشرف على أن ينهدم استعيرت الإرادة للمشارفة «فَأَقامَهُ » بعمارته أو بعمود عمد به ، وقيل : مسحه بيده فقام ، وقيل : نقضه وبناه «قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أجراً » قيل : هو تحريص على أخذ الجعل ليسدا به جوعتهما ، وقيل : تعريض بأنّه فضول.

فلـمّا أراد الخضر فراق موسىعليهما‌السلام بيّن له علل ما فعله حتّى قال : «وامّا الْجدّاًرُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ » أي في القرية المذكورة «وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما » قال الطّبرسيرحمه‌الله الكنز هو كلّ مال مذخور من ذهب أو فضة وغير ذلك ، واختلف في هذا الكنز فقيل : كانت صحف علم مدفونة تحته عن ابن عباس وابن جبير ومجاهد ، قال ابن عباس : ما كان ذلك الكنز إلّا علـمّاً ، وقيل : كان كنزا من الذهب والفضّة رواه أبو الدرداء عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقيل : كان لوحاً من الذهب وفيه مكتوب : عجباً لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن ، عجباً لمن أيقن بالرزق كيف يتعب ، عجباً لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، عجباً لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل ، عجباً لمن رأى الدنيا

__________________

(١) سورة الكهف : ٨٢.

٣٦٩

فضّة وإنمّا كان أربع كلمات : لا إله إلّا أنا ، من أيقن بالموت لم يضحك سنّه ، ومن

_____________________________________________

وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ، لا إله إلّا الله محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ابن عباس والحسن ، وروي ذلك عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وفي بعض الروايات زيادة ونقصان ، وهذا القول يجمع القولين الأوَّلين لأنه يتضمّن أن الكنز كان مالاً كتب فيه علم فهو مال وعلم.

«وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً » بيّن سبحانه أنه حفظ الغلامين بصلاح أبيهما ، ولم يذكر منهما صلاحا عن ابن عباس ، وروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه كان بينهما وبيّن ذلك الأب الصّالح سبعة آباء ، وقالعليه‌السلام : إن الله ليصلح بصلاح الرّجل المؤمن ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ، فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله.

«فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما » قال البيضاوي : أي الحلم وكمال الرأي «وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ » أي مرحومين من ربك ، ويجوز أن يكون علة أو مصدراً لأراد ، فإن إرادة الخير رحمة ، وقيل : يتعلّق بمحذوف تقديره : فعلت ما فعلت رحمة من ربك ، انتهى.

قولهعليه‌السلام : ما كان ذهبا ولا فضة ، أقول : يدلّ على أن الأخبار الواردة بأنّه كان من ذهب محمول على التقيّة ، ويمكن أن يحمل هذا الخبر على أنه لم يكن كونه كنزاً وادخاره وحفظ الخضرعليه‌السلام له لكونه ذهبا بل للعلم الذي كان فيه.

وإنّما اقتصر على هذه الأربع لأن الأولى مشتملّة على توحيد الله وتنزيهه عن كلّ ما يليق به سبحانه ، والثانية على تذكر الموت والاستعداد لـمّا بعدّه ، والثالثة على تذكر أحوال القيامة ، وأهوالها الموجب لعدم الفرح بالذّات الدنيا والرغبة في زخارفها ، والرابعة على اليقين بالقضاء والقدر المتضمن لعدم الخشية من غير الله وهي من أعظم أركان الإيمان ومن أمّهات الصّفات الكمالية.

« لم يضحك سنّة » إنّما نسب الضحّك إلى السن لإخراج التبسّم فإنّه ممدوح ،

٣٧٠

أيقن بالحساب لم يفرح قلبه ، ومن أيقن بالقدر «لَمْ يَخْشَ إلّا اللهَ ».

٧ - عنه ، عن عليّ بن الحكم ، عن صفوان الجمال ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول لا يجد عبد طعم الإيمان حتّى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن الضار النافع هو الله عزّ وجل.

٨ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الوشّاء ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي حمزة ، عن سعيد بن قيس الهمداني قال نظرت يوماً في الحربِّ إلى رجل عليه ثوبان فحركت فرسي فإذا هو أمير المؤمنينعليه‌السلام فقلت يا أمير المؤمنين في مثل هذا الموضع فقال نعم يا سعيد بن قيس إنّه ليس من عبد إلّا وله من الله حافظ

_____________________________________________

وكان ضحك رسول الله تبسّماً ، وقراءته بالنصبّ بأن يكون المراد بالسن العمرّ بعيد ، وظاهر أن تذكر الموت والأهوال الّتي بعدّه يصير الإنسان مغموماً مهموماً متهيئاً لرفع تلك الأهوال ، فلا يدع في قلبه فرحاً من اللذات يصير سبباً لضحكه ، وكذا اليقين بالحساب لا يدع فرحاً في قلب أولي الألباب ، وكذا من أيقن بأن جميع الأمور بقضاء الله وقدره علم أنّه الضار النافع في الدنيا والآخرة فلا يخشى ولا يرجو غيره سبحانه.

الحديث السابع : صحيح.

« والله هو الضارّ النافع » لأنّ كلّ نفع وضرر بتقديره تعالى وإن كان بتوسّط الغير وأن النفع والضرر الحقيقياًن منه تعالى ، وامّا الضرر اليسيّر من الغير مع الجزاء الكثير في الآخرة فليس بضرر حقيقة ، وكذا المنافع الفانية الدنيويّة إذا كانت مع العقوبات الأخرويّة فهو عين الضرر ، وبالجملّة كلّ نفع وضرر يعتدّ بهما فهو من عنده تعالى ، وأيضاً كلّ نفع أو ضرر من غيره فهو بتوفيقه أو خذلانه سبحانه.

الحديث الثامن : حسن.

« في مثل هذا الموضع » فيه تقدير أي تكتفي بلبس القميص والإزار من غير

٣٧١

وواقية معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر ، فإذا نزل القضاء خليا بينه وبيّن كلّ شيء.

_____________________________________________

درع وجنة في مثل هذا الموضع « حافظ » أي ملك حافظ لأعماله وملائكة واقية له من البلايا دافعة لها عنه كما قال تعالى : «لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بيّن يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمر اللهِ »(١) وروي عليّ بن إبراهيم في تفسيرها عن أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام «مِنْ أمر اللهِ » يقول : بأمر الله من أن يقع في ركي(٢) أو يقع عليه حائط أو يصيبه شيء حتّى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينه يدفعونه إلى المقادير ، وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان يحفظانه بالنهار يتعاقبانه ، وروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال : إنما نزلت « له معقبات من خلفه ورقيب من بيّن يديه يحفظونه بأمر الله ».

وقال الطبرسي (ره) في سياق الوجوه المذكورة في تفسيرها : والثاني أنّهم ملائكة يحفظونه من المهالك حتّى ينتهوا به إلى المقادير فيحولون بينه وبيّن المقادير عن عليّعليه‌السلام ، وقيل : هم عشرة أملاك على كلّ آدمي يحفظونه من بيّن يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله أي يطوفون به كما يطوف الموكلّ بالحفظ ، وقيل يحفظون ما تقدّم من عمله وما تأخر إلى أن يموت فيكتبونه ، وقيل : يحفظونه من وجوه المهالك والمعاطب ، ومن الجنّ والإنس والهوام ، وقال ابن عباس : يحفظونه ممّا لم يقدر نزوله ، فإذا جاء المقدر بطل الحفظ ، وقيل : من أمر الله أي بأمر الله ، وقيل : يحفظونه عن خلق الله فمن بمعنى عن ، قال كعب : لو لا أن الله وكلّ بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفنكم الجنّ ، انتهى.

وروى الصدوق (ره) في التوحيد بإسناده عن أبي حيان التميمي عن أبيه وكان مع عليّعليه‌السلام يوم صفّين ومعاوية مستقبلة على فرس له يتأكلّ تحته تأكلاً

__________________

(١) سورة الرعد : ١١.

(٢) الركى جمع الركيّة : البئر ذات الماء.

٣٧٢

٩ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن عليّ بن أسباط قال سمعت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يقول كان في الكنز الذي قال الله عزّ وجلّ : «وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما » كان فيه بِسْمِ اللهِ الرَّحمن الرَّحِيمِ عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن

_____________________________________________

وعليّعليه‌السلام على فرس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المرتجز وبيده حربة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو متقلد سيفه ذا الفقار ، فقال رجل من أصحابه : احترس يا أمير المؤمنين فإنا نخشى أن يغتالك هذا الملعون؟ فقال عليّعليه‌السلام : لئن قلت ذلك إنه غير مأمون على دينه وأنه لأشقى القاسطين وألعن الخارجين على الأئمّة المهتدين ، ولكن كفى بالأجل حارسا ، ليس أحدّ من النّاس إلّا ومعه ملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر أو يقع عليه حائط أو يصيبه سوء ، فإذا حان أجله خلوا بينه وبيّن ما يصيبه ، وكذلك أنا إذا حان أجلي انبعث أشقاها مخضب هذه من هذا - وأشار إلى لحيته ورأسه - عهداً معهوداً ووعداً غير مكذوب.

وقيل : التاء في قوله واقية للنقل إلى الاسمية إذ المراد الواقية من خصوص الموت وقيل : واقية أي جنة واقعية كأنّها من الصفات الغالبة أو التاء فيها للمبالغة عطف تفسيري للحافظ ، انتهى.

وقد مضى الكلام فيه في الحديث الخامس.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور معتبر عندي.

وقوله : كان فيه ، تأكيد لقوله كان في الكنز ، واختلاف الأخبار في المكتوب في اللوح لا ضير فيه لأن الجميع كان فيه واختلاف العبارات للنقل بالمعنى مع أن الظّاهر أنّها لم تكن عربية وفي النقل من لغة إلى لغة كثيراً ما تقع تلك الاختلافات.

فإن قلت : الحصر في الحديث السادس بإنما ينافي تجويز الزيادة على الأربع؟

قلت : الظّاهر أن الحصر بالإضافة إلى الذهب والفضّة مع أن المضامين قريبة ، وإنّما التفاوت بالإجمال والتفصيل ، ونسبة التعجب إلى الله تعالى مجاز ، والغرض الإخبار

٣٧٣

و عجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن ، وعجبت لمن رأى الدّنيا وتقلّبها بأهلها كيف يركن إليها ، وينبغي لمن عقل عن الله أن لا يتّهم الله في قضائه ولا يستبطئه في رزقه

_____________________________________________

عن ندرة الوقوع أو عدمه.

وقال بعض المحقّقين : إنّما اختلفت ألفاظ الروايتين مع أنهما إخبار عن أمر واحدّ لأنهما إنما تخبران عن المعنى دون اللفظ فلعلّ اللفظ كان غير عربي ، إمّا ما يتراءى فيهما من الاختلاف في المعنى فيمكن إرجاع أحداًهما إلى الأخرى وذلك لأن التوحيد والتسمية مشتركان في الثناء ولعلهما كانا مجتمعين فاكتفى في كلّ من الروايتين بذكر أحدهما ، ومن أيقن بالقدر علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، فلم يحزن على ما فاته ولم يخش إلّا الله ، ومن أيقن بالحساب نظر إلى الدنيا بعين العبرة ورأى تقلّبها بأهلها فلم يركن إليها فلم يفرح بما آتاه ، فهذه خصال متلازمة اكتفي في إحدى الرّوايتين ببعضها ، وفي الأخرى بآخر ، وامّا قوله : ينبغي. إلى آخره ، فلّعله من كلام الرضاعليه‌السلام دون أن يكون من جملّة ما في الكنز وعلى تقدير أن يكون من جملّة ذلك فذكره في إحدى الروايتين لا ينافي السكوت عنه في الأخرى ، انتهى.

« لمن عقل عن الله » أي حصل له معرفة ذاته وصفاته المقدّسة من علمه وحكمته ولطفه ورحمته ، أو أعطاه الله عقلاً كاملاً أو علم الأمور بعلم ينتهي إلى الله بأن أخذه عن أنبيائه وحججهعليهما‌السلام إمّا بلا واسطة أو بواسطة ، أو بلغ عقله إلى درجة يفيض الله علومه عليه بغير تعليم بشرّ ، أو تفكر فيما أجرى الله على لسان الأنبياء والأوصياء وفيما أراه من آياته في الآفاق والأنفس وتقلّب أحوال الدنيا وأمثالها ، والثاني أظهر لقول الكاظمعليه‌السلام لهشام : يا هشام ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلّا ليعقلوا عن الله ، وقال أيضاً : أنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه.

« أن لا يتّهم الله في قضائه » بأن يظنّ أنّ ما لم يقدّره الله له خير ممّا قدّر له ،

٣٧٤

فقلت : جعلت فداك أريد أن أكتبه قال فضربِّ والله يده إلى الدواة ليضعها بيّن يدي فتناولت يده فقبّلتها وأخذت الدَّواة فكتبته.

١٠ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد الرَّحمن العرزمي ، عن أبيه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان قنبر غلام عليّ يحبّ عليّاًعليه‌السلام حبّاً شديداً فإذا خرج عليّ صلوات الله عليه خرج على أثره بالسيف فرآه ذات ليلة فقال يا قنبر ما لك فقال جئت لأمشي خلفك يا أمير المؤمنين قال ويحك أمن أهل السماء تحرسني أو من أهل الأرض فقال لا بل من أهل الأرض فقال

_____________________________________________

أو يفعل من السّعي والجزع ما يوهم ذلك« ولا يستبطئه » أي لا يعدّه بطيئاً « في رزقه » إن تأخر بأن يعترض عليه في الإبطاء بلسان الحال أو المقال ، ويدلّ على رجحان كتابة الحديث وعدم الاتكال على الحفظ.

الحديث العاشر : مجهول.

وقنبر كان مولى أمير المؤمنينعليه‌السلام ومن خواصه وقتله الحجّاج لعنه الله على حبهعليه‌السلام ، روى الكشي بإسناده عن أبي الحسن العسكريعليه‌السلام أن قنبراً مولى أمير المؤمنينعليه‌السلام أدخل على الحجاج بن يوسف فقال : ما الذي كنت تلي من عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال : كنت أوضيه فقال له : ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه؟ فقال : كان يتلو هذه الآية : «فَلـمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كلّ شَيْءٍ حتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ ، فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ الْعالَمِينَ »(١) فقال الحجاج : أظنه كان يتأولها علينا؟ قال : نعم ، فقال : ما أنت صانع إذا ضربت علاوتك؟ قال : إذا أسعد وتشقى ، فأمر به.

قولهعليه‌السلام : فإذا خرج ، روي أنهعليه‌السلام كان يخرج في أكثر الليالي إلى ظهر الكوفة فيعبد الله هناك.

__________________

(١) سورة الأنعام ٤٣ :

٣٧٥

إنَّ أهل الأرض لا يستطيعون لي شيئاً إلّا بإذن الله من السماء فارجع فرجع.

١١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس عمّن ذكره قال قيل للرضاعليه‌السلام إنك تتكلّم بهذا الكلام والسيف يقطر دما فقال إن لله واديا من ذهب حماه بأضعف خلقه النمل فلو رامه البخاتي لم تصل إليه.

_____________________________________________

« إلّا بإذن الله من السماء » إنمّا نسب إلى السماء لأنّ التقديرات فيها ، والإذن بالتخلية كما مر.

الحديث الحادي عشرّ : مرسل.

« بهذا الكلام » أي بدعوى الإمامة « والسيف » أي سيف هارون « يقطر » على بناء المعلوم من باب نصر و « دماً » تميز ، وكونه من باب الأفعال ودما مفعولا بعيد ، وفي القاموس : البخت بالضمّ الإبل الخراسانية كالبختية والجمع بخاتي وبخاتي وبخات ، انتهى.

وذكر بعض المؤرخين أن عسكر بعض الخلفاء وصلّوا إلى موضع فنظروا عن جانب الطريق إلى واد يلوح منها ذهب كثير ، فلـمّا توجّهوا إليها خرج إليهم نمل كثير كالبغال فقتلت أكثرهم.

٣٧٦

إلى هنا تمّ الجزء السابع - حسب تجزئتنا - ويليه الجزء الثامن - إنشاء الله تعالى - وأوّله « باب الرضا بالقضاء » وكان الفراغ منه في الثامن والعشرين من شهر شوّال المكرّم سنة ١٣٩٦. والحمد لله أولاً وآخراً.

وأنا العبد المذنب الفاني

السيّد هاشم الرسولي المحلاتي

٣٧٧

الفهرس

[ كتاب الإيمان والكفر من کتاب الکافی ] [ تصنيف الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني (ره) ] ( باب ) ( طينة المؤمن والكافر ) « باب طينة المؤمن والكافر » ٦

( باب آخر منه ) ( وفيه زيادة وقوع التكليف الأول ) باب آخر منه وفيه زيادة وقوع التكليف الأول ٢١

( باب آخر منه ) ( باب ) ( أن رسول الله (ص) أوّل من أجاب وأقر لله عز وجل بالربوبية ) باب أن رسول الله (ص) أوّل من أجاب وأقر لله تعالى بالربوبية ٣٧

( باب ) ( كيف أجابوا وهم ذر ) « باب كيف أجابوا وهم ذر » ٤١

( باب ) ( فطرة الخلق على التوحيد ) باب فطرة الخلق على التوحيد ٥٩

( باب ) ( كون المؤمن في صلب الكافر ) باب كون المؤمن في صلب الكافر ٦٩

( باب ) ( إذا أراد الله عزّ وجلّ أن يخلق المؤمن ) باب إذا أراد الله أن يخلق المؤمن ٧١

( باب ) ( في أن الصبغة هي الإسلام ) باب أن الصبغة هي الإسلام ٧٣

( باب ) ( في أن السكينة هي الإيمان ) باب أن السكينة هي الإيمان ٧٦

( باب الإخلاص ) باب الإخلاص ٧٩

( باب الشرائع باب الشرائع ٩٤

( باب ) ( دعائم الإسلام ) باب دعائم الإسلام ١٠٥

( باب ) ( أن الإسلام يحقن به الدم [ وتؤدى به الأمانة ] وأن الثواب على الإيمان ) باب أن الإسلام يحقن به الدم وأن الثواب على الإيمان ١٢٥

٣٧٨

( باب ) ( أن الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان ) باب أن الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان ١٥٦

( باب ) ( آخر منه وفيه أن الإسلام قبل الإيمان ) باب آخر منه وفيه أن الإسلام قبل الإيمان ١٦٤

( باب ) باب ١٦٩

( باب ) ( في أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلها ) باب في أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلها ٢١٨

( باب ) ( السبق إلى الإيمان ) باب السبق إلى الإيمان ٢٦٦

( باب ) ( درجات الإيمان ) باب درجات الإيمان ٢٧٧

( باب آخر منه ) باب آخر منه ٢٨٢

( باب ) ( نسبة الإسلام ) باب نسبة الإسلام ٢٨٧

( باب ) [ خصال المؤمن ](١) باب ٢٩٦

( باب ) باب ٣٠٣

( باب ) ( صفة الإيمان ) باب صفة الإيمان ٣١٨

( باب ) ( فضل الإيمان على الإسلام واليقين على الإيمان ) باب فضل الإيمان على الإسلام واليقين على الإيمان ٣٢٩

( باب ) ( حقيقة الإيمان واليقين ) باب حقيقة الإيمان واليقين ٣٣٦

( باب التفكر ) ٣٤٣

( باب المكارم ) باب المكارم ٣٤٨

( باب فضل اليقين ) باب فضل اليقين ٣٥٩

الفهرس ٣٧٨

٣٧٩