مرآة العقول الجزء ٧

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الحديث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 379

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الحديث
تصنيف: الصفحات: 379
المشاهدات: 16906
تحميل: 8203


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 379 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16906 / تحميل: 8203
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دار الحديث
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فمن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء ومن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء وما رأيت من نزق أصحابك وخلقهم فممّا أصابهم من لطخ أصحاب الشمال وما رأيت من حسن سيماء من خالفكم ووقارهم فممّا أصابهم من لطخ أصحاب اليمين.

٣ - محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن عليّ بن إسماعيل ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن سعدان بن مسلم ، عن صالح بن سهل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأيّ شيء سبقت ولد آدم قال إني أوّل من أقر بربي إن الله أخذ ميثاق النبييّن وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بربّكم قالُوا : بَلى ، فكنت أوّل من أجاب.

( باب )

( كيف أجابوا وهم ذر )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام كيف أجابوا وهم ذرُّ ؟ قال : جعل فيهم ما

_____________________________________________

كما ورد في بعض الأخبار : أنّ الله تعالى يلحقّ الأعمال السيّئة الّتي اقترفها المؤمنون بالنواصبّ لأنّها من طينتهم ، والأعمال الحسنة الّتي اكتسبها النواصبّ بالمؤمنين لأنها من طينتهم ، وقد أوردنا الأخبار في ذلك في كتابنا الكبير ، وهذا باب غامض تعجز العقول عن إدراكها والإقرار بالجهل والعجز في مثله أولى.

الحديث الثالث : ضعيف وشرحه ظاهر مما مرّ.

« باب كيف أجابوا وهم ذر »

الحديث الأول : حسن.

« ما إذا سألهم » كلمة « ما » موصولة والعائد محذوف أي أجابوه به ، أي جعل

٤١

إذا سألهم أجابوه ، يعني في الميثاق.

_____________________________________________

في كلّ ذرّة العقل وآلة السمع وآلة النطق ، ومن حمل الآية على الاستعارة والتمثيل بحمل الخبر على أنّ المراد به أنّ ذلك كناية عن أنه جعلهم بحيث إذا سئلوا في عالم الأبدان أجابوا بلسان المقال وهو بعيد ، وروى العياشي في تفسيره بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن عليّعليه‌السلام قال : أتاه ابن الكواء فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن الله تعالى هل كلم أحداً من ولد آدم قبل موسىعليه‌السلام ؟ فقال عليّعليه‌السلام : قد كلم الله جميع خلقه برّهم وفاجرهم وردّوا عليه الجواب ، فثقل ذلك على ابن الكواء ولم يعرفه ، فقال له : كيف كان ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال له : أو ما تقرأ كتاب الله إذ يقول لنبيّه : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بربّكم قالُوا بَلى » فأسمعهم كلامه وردّوا عليه الجواب كما تسمع في قوله الله يا ابن الكواء : «قالُوا بَلى » فقال لهم : إني أنا الله لا إله إلّا أنا وأنا الرحمن ، فأقروا له بالطاعة والربوبية وميّز الرّسل والأنبياء والأوصياء ، وأمر الخلق بطاعتهم فأقرّوا بذلك في الميثاق ، فقالت الملائكة : شهدنا عليكم يا بني آدم أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين.

ثمَّ قال العياشي : قال أبو بصير : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أخبرني عن الذرّ حيث أشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى وأسرّ بعضهم خلاف ما أظهر كيف علموا القول حيث قيل لهم ألست بربّكم؟ قال : إن الله جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه وروي أيضاً عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله : «أَلَسْتُ بربّكم قالُوا بَلى » قلت : قالوا بألسنتهم؟ قال : نعم ، وقالوا بقلوبهم ، قلت : وأيّ شيء كانوا يومئذ؟ قال : صنع فيهم ما اكتفى به.

تذييل نفعه جليل

اعلم أنّ آيات الميثاق والأخبار الواردة في ذلك ممّا يقصر عنه عقول أكثر

٤٢

_____________________________________________

الخلق ، وللناس فيها مسالك :

الأوّل : طريقة المحدّثين والمتورّعين فانهم يقولون نؤمن بظاهرها ولا نخوض فيها ولا نطرق فيها التوجيه والتأويل.

والثاني : حملها على الاستعارة والمجاز والتمثيل.

والثالث : حملها على أخذ الميثاق في عالم التكليف بعد إكمال العقل بالبرهان والدليل.

فلنذكر هنا بعض ما ذكره أصحابنا والمخالفون في ذلك.

فمنها : ما ذكره الشيخ المفيد (ره) في جواب المسائل السرويّة حيث سئل :

ما قوله أدام الله تأييده في معنى الأخبار المرويّة عن الأئمّة الهاديةعليه‌السلام في الأشباح وخلق الله تعالى الأرواح قبل خلق آدمعليه‌السلام بألفي عام وإخراج الذريّة من صلبه على صور الذرّ ، ومعنى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف؟

الجواب وبالله التوفيق أنّ الأخبار بذكر الأشباح تختلف ألفاظها وتتباين معانيها ، وقد بنت الغلاة عليها أباطيل كثيرة وصنفوا فيها كتبا لغوا فيها وهزوا فيما أثبتوه منه في معانيها ، وأضافوا ما حوته الكتب إلى جماعة من شيوخ أهل الحقّ وتخرصوا الباطل بإضافتها إليهم ، من جملتها كتاب سمّوه كتاب الأشباح والأظلة نسبوه في تأليفه إلى محمّد بن سنان ولسنا نعلم صحّة ما ذكروه في هذا الباب عنه وإن كان صحيحاً ، فإنّ ابن سنان قد طعن عليه وهو متهم بالغلوّ ، فإن صدقوا في إضافة هذا الكتاب إليه فهو ضلال لضال عن الحقّ ، وإن كذبوا فقد تحملوا أوزار ذلك ، والصحيح من حديث الأشباح الرواية الّتي جاءت عن الثقات بأن آدمعليه‌السلام رأى على العرش أشباحاً يلمع نورها ، فسأل الله تعالى عنها فأوحى إليه أنهّا أشباح رسول الله وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة صلوات الله عليهم ، وأعلمه أنه لو لا الأشباح

٤٣

_____________________________________________

التي رآها ما خلقه ولا خلق سماءاً ولا أرضاً والوجه فيما أظهره الله تعالى من الأشباح والصور لآدم أن دلّه على تعظيمهم وتبجيلهم ، وجعل ذلك إجلالا لهم ومقدّمة لـما يفترضه من طاعتهم ودليلا على أنّ مصالح الدّين والدّنيا لا يتمّ إلّا بهم ، ولم يكونوا في تلك الحال صوراً مجيبة ولا أرواحاً ناطقة لكنّها كانت على مثل صورهم في البشرية يدلّ على ما يكونون عليه في المستقبل في الهيئة والنور الذي جعله عليهم يدلّ على نور الدين بهم وضياء الحقّ بحججهم ، وقد روي أن أسماءهم كانت مكتوبة إذ ذاك على العرش وأن آدم لـمّا تاب إلى الله عزّ وجلّ وناجاه بقبول توبته سأله بحقهم عليه ومحلهم عنده فأجابه ، وهذا غير منكر في العقول ولا مضاد للشرع المنقول وقد رواه الصالحون الثقات المأمونون وسلم لروايته طائفة الحقّ ولا طريق إلى إنكاره والله وليّ التوفيق.

« فصل » ومثل ما بشرّ الله به آدمعليه‌السلام من تأهيله بنبيه عليه وآله السلام لـمّا أهلّه له ، وتأهيل أمير المؤمنين والحسن والحسينعليه‌السلام لـمّا أهلهم له ، وفرض عليه تعظيمهم وإجلالهم كما بشرّ به في الكتب الأولى من بعثته لنبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال في محكم كتابة : «النبيّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مكتوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الّتي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »(١) وقوله تعالى مخبراً عن المسيحعليه‌السلام : «وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ »(٢) وقوله سبحانه : «وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النبييّن لـمّا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لـمّا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ »(٣) يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فحصلت البشائر به من الأنبياء

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٧٥.

(٢) سورة الصف : ٦.

(٣) سورة آل عمران : ٨١.

٤٤

_____________________________________________

وأممهم قبل إخراجه إلى العالم بالوجود ، وإنّما أراد جلّ اسمه بذلك إجلاله وإعظامه وأن يأخذ العهد على الأنبياء والأمم كلها ، فلذلك أظهر لآدمعليه‌السلام صورة شخصه وأشخاص أهل بيتهعليه‌السلام ، وأثبت أسماءهم له ليخبره بعاقبتهم وبيّن له عن محلهم عنده ومنزلتهم لديه ، ولم يكونوا في تلك الحال أحياء ناطقين ولا أرواحاً مكلفين ، وإنّما كانت أشباحهم دالة عليهم حسب ما ذكرناه.

« فصل » وقد بشرّ الله عزّ وجلّ بالنبيّ والأئمّةعليه‌السلام في الكتب الأولى فقال في بعض كتبه الّتي أنزلها على أنبيائهعليه‌السلام وأهل الكتب يقرءونه ، واليهود يعرفونه أنه ناجى إبراهيم الخليل في مناجاته : إني قد عظمتك وباركت عليك وعلى إسماعيل وجعلت منه اثني عشر عظيماً وكبرّتهم جدّاً جدّاً وجعلت منهم شعباً عظيماً لأمّة عظيمة وأشباه ذلك كثيرة في كتب الله تعالى الأولى.

« فصل » فأمّا الحديث في إخراج الذرية من صلب آدمعليه‌السلام على صورة الذرّ فقد جاء الحديث بذلك على اختلاف ألفاظه ومعانيه ، والصحيح أنه إخراج الذرية من ظهره كالذرّ فملأ بهم الأفق ، وجعل على بعضهم نوراً لا يشوبه ظلمة ، وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور ، وعلى بعضهم نوراً وظلمة ، فلـمّا رآهم آدمعليه‌السلام عجب من كثرتهم وما عليهم من النور والظلمة ، فقال : يا ربِّ ما هؤلاء؟ قال الله عزّ وجلّ له : هؤلاء ذرّيّتك ، يريد تعريفه كثرتهم ، وامتلاء الآفاق بهم ، وأن نسله يكون في الكثرة كالذرّ الذي رآه ليعرفه قدرته ، ويبشره باتصال نسله وكثرتهم ، فقال آدمعليه‌السلام : يا ربِّ ما لي أرى على بعضهم نوراً لا ظلمة فيه ، وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور ، وعلى بعضهم ظلمة ونوراً؟ فقال تبارك وتعالى : أما الذي عليهم النور منهم بلا ظلمة فهم أصفيائي من ولدك الذين يطيعوني ولا يعصوني في شيء من أمري ، فأولئك سكّان الجنّة ، وأمّا الذين عليهم ظلمة ولا يشوبها نور فهم الكفّار من ولدك الذين يعصوني ولا يطيعوني ، فأمّا الذين عليهم نور وظلمه فأولئك الّذين يطيعوني من ولدك

٤٥

_____________________________________________

ويعصوني ، فيخلطون أعمالهم السيّئة بأعمال حسنة ، فهؤلاء أمرهم إلى إن شئت عذبتهم فبعدلي ، وإن شئت عفوت عنهم فبفضلي ، فأنبأه الله تعالى بما يكون من ولده وشبّههم بالذرّ الذي أخرجهم من ظهره ، وجعله علامة على كثرة ولده ، ويحتمل أن يكون ما أخرجه من ظهره وجعل أجسام ذريته دون أرواحهم ، وإنّما فعل الله تعالى ذلك ليدلّ آدمعليه‌السلام على العاقبة منه ، ويظهر له من قدرته وسلطانه وعجائب صنعته ، وأعلمه بالكائن قبل كونه ، وليزداد آدمعليه‌السلام به يقيناً بربّه ، ويدعوه ذلك إلى التوفّر على طاعته ، والتمّسك بأوامره ، والاجتناب لزواجره.

فأمّا الأخبار الّتي جاءت بأن ذرية آدمعليه‌السلام استنطقوا في الذرّ فنطقوا فأخذ عليهم العهد فأقرّوا فهي من أخبار التناسخيّة وقد خلطوا فيها ومزجوا الحقّ بالباطل والمعتمد من إخراج الذرية ما ذكرناه دون ما عداه ممّا استمرّ القول به على الأدلة العقليّة والحجج السمعيّة ، وإنّما هو تخليط لا يثبت به أثر على ما وصفناه.

« فصل » فإن تعلّق بقوله تبارك اسمه : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بربّكم قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ » فظن بظاهر هذا القول تحقق ما رواه أهل التناسخ والحشويّة والعامّة في إنطاق الذريّة وخطابهم وأنّهم كانوا أحياء ناطقين؟ فالجواب عنه : أن لهذه الآية من المجاز في اللغة كنظائرها ممّا هو مجاز واستعارة ، والمعنىّ فيها أن الله تبارك وتعالى أخذ من كلّ مكلّف يخرج من ظهر آدم وظهور ذريّته العهد عليه بربوبيّته من حيث أكمل عقله ودله بآثار الصّنعة على حدثه ، وأنّ له محدثاً أحدثه لا يشبهه ، يستحقّ العبادة منه بنعمة عليه ، فذلك هو أخذ العهد منهم وآثار الصنعة فيهم والإشهاد لهم على أنفسهم بأنّ الله تعالى ربّهم

٤٦

_____________________________________________

وقوله تعالى : «قالُوا بَلى » يريد به أنّهم لم يمتنعوا من لزوم آثار الصنعة فيهم ، ودلائل حدثهم اللازمة لهم ، وحجة العقل عليهم في إثبات صانعهم ، فكأنّه سبحانه لـمّا ألزمهم الحجة بعقولهم على حدثهم ووجود محدثهم قال لهم ألست بربّكم فلـمّا لم يقدروا على الامتناع من لزوم دلائل الحدث لهم كانوا كقائلين بَلى شَهِدْنا » ، وقوله تعالى « أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُوا : إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ، إلّا ترى أنّه احتجّ عليهم بما لا يقدرون يوم القيامة أن يتأوّلوا في إنكاره ، ولا يستطيعون وقد قال سبحانه :

«وَالشَّمْسُ وَالْقَمرّ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ والشّجر وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حقّ عَلَيْهِ الْعَذابُ »(١) ولم يرد أنّ المذكور يسجد كسجود البشرّ في الصلاة ، وإنما أراد به غير ممتنع من فعل الله فهو كالمطيع لله وهو معبّر عنه بالساجد قال الشاعر :

بجمع تظلّ البلق في حجراته

ترى الأكم فيها سجّداً للحوافر

يريد أنّ الحوافر تدلّ الأكم بوطئها عليها ، وقوله تعالى : «ثمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طوعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ »(٢) وهو سبحانه لم يخاطب السماء بكلام ، ولا السماء قالت قولا مسموعاً ، وإنّما أراد أنه عمد إلى السماء فخلقها ولم يتعذر عليه صنعتها ، فكأنّه لـمّا خلقها قال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً ، فلـمّا تعلقتا بقدرته كانتا كالقائل أتينا طائعين ، وكمثل قوله تعالى : «يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ »(٣) والله تعالى يجل عن خطاب النّار وهو ممّا لا يعقل ولا يتكلم ، وإنّما الخبر عن سعتها وأنّها لا تضيق بمن يحلّها من المعاقبين ، وذلك كلّه على مذهب أهل اللغة وعادتهم في المجاز ، ألا

__________________

(١) سورة الحج : ١٨. (٢) سورة فصلت : ١١.

(٣) سورة ق : ٣٠.

٤٧

_____________________________________________

ترى إلى قول الشاعر :

وقالت له العينان سمعاً وطاعة

وأسبلتا كالدرّ ما لم يثقّب

والعينان لم تقل قولاً مسموعاً ولكنّه أراد منها البكاء ، فكانتا كما أراد من غير تعذر عليه ، ومثله قول عنترة :

فازودّ من وقع القنا بلبأنّه

وشكا إلّى بعبرة وتحمحم

والفرس لا يشتكي قولاً لكنّه ظهر منه علامة الخوف والجزع ، فسمّي ذلك قولاً ، ومنه قول الآخر : « وشكا إلى جملي طول السري » والجمل لا يتكلّم لكنه لـمّا ظهر منه النصبّ والوصبّ لطول السري عبّر عن هذه العلامة بالشكوى الّتي يكون كالنطق والكلام ، ومنه قولهم أيضاً :

امتلاء الحوض وقال قطني

حسبك منّي قد ملأت بطني

والحوض لم يقل قطني لكنه لـمّا امتلاء بالماء عبّر عنه بأنّه قال : حسبي ، ولذلك أمثال كثيرة في منثور كلام العربِّ ومنظومة ، وهو من الشواهد على ما ذكرناه في تأويل الآية ، والله تعالى نسئل التوفيق.

« فصل » فأمّا الخبر بأنّ الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فهو من أخبار الآحاد ، وقد روته العامة كما روته الخاصة ، وليس هو مع ذلك ممّا يقطع على الله بصحّته ، وإنّما نقله رواته لحسن الظن به ، وإن ثبت القول فالمعنى فيه أن الله تعالى قدر الأرواح في علمه قبل اختراع الأجساد واخترع الأجساد واخترع لها الأرواح ، فالخلق للأرواح قبل الأجساد خلق تقدير في العلم كما قدمناه ، وليس بخلق لذواتها كما وصفناه ، والخلق لها بالإحداث والاختراع بعد خلق الأجساد والصور الّتي تدبّرها الأرواح ، ولو لا أنّ ذلك كذلك لكانت الأرواح يقوم بأنفسها ولا تحتاج إلى آلات تعتملها ، ولكنّا نعرف ما سلف لنا من الأحوال قبل خلق الأجساد كما نعلم أحوالنا بعد خلق الأجساد ، وهذا محال لإخفاء بفساده.

٤٨

_____________________________________________

وأمّا الحديث بأنّ الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ، فالمعنى فيه أنّ الأرواح الّتي هي الجواهر البسائط تتناصر بالجنس ، وتتخاذل بالعوارض ، فما تعارف منها باتفاق الرأي والهوى ائتلف ، وما تناكر منها بمباينة في الرأي والهوى اختلف ، وهذا موجود حسّاً ومشاهد ، وليس المراد بذلك أن ما تعارف منها في الذرّ ائتلف كما يذهب إليه الحشويّة كما بيّناه من أنه لا علم للإنسان بحال كان عليها قبل ظهوره في هذا العالم ، ولو ذكر بكلّ شيء ما ذكر بذلك فوضح بما ذكرناه أن المراد بالخبر ما شرحناه والله الموفق للصواب ، انتهى.

وأقول : طرح ظواهر الآيات والأخبار المستفيضة بأمثال تلك الدلائل الضعيفة والوجوه السخيفة جرأة على الله وعلى أئمة الدين ، ولو تأمّلت فيما يدعوهم إلى ذلك من دلائلهم وما يردّ عليها من الاعتراضات الواردة لعرفت أن بأمثالها لا يمكن الاجتراء على طرح خبر واحد فكيف يمكن طرح تلك الأخبار الكثيرة الموافقة لظاهر الآية الكريمة بها وبأمثالها ، وقد أوردنا الأخبار الدالة على تقدّم خلق الأرواح على الأجساد في كتاب السماء والعالم من كتابنا الكبير وتكلمنا عليها هناك.

ومنها : ما ذكره السيّد المرتضىرضي‌الله‌عنه في قوله تعالى : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ » الآية ، حيث قال : وقد ظن بعض من لا بصيرة له ولا فطنة عنده ، أن تأويل هذه الآية أن الله تعالى سبحانه استخرج من ظهر آدمعليه‌السلام جميع ذريته وهم في خلق الذرّ ، فقرّرهم بمعرفته وأشهدهم على أنفسهم ، وهذا التأويل مع أن العقل يبطله ويحيله ، ممّا يشهد ظاهر القرآن بخلافه ، لأن الله تعالى قال : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ » ، ولم يقل من آدم ، وقال «مِنْ ظُهُورِهِمْ » ، ولم يقل : من ظهره ، وقال «ذُرِّيَّتَهُمْ » ، ولم يقل : ذرّيته ، ثمَّ أخبر تعالى بأنّه فعل ذلك لئلّا يقولوا يوم القيامة أنّهم كانوا عن ذلك غافلين ، أو يعتذرواً بشرك آبائهم وأنّهم نشأوا على دينهم وسنّتهم ، وهذا يقتضي أنّ الآية لم تتنأوّل ولد آدمعليه‌السلام لصلبه ، وأنّها إنّما

٤٩

_____________________________________________

تناولت من كانت له آباء مشركون ، وهذا يدلّ على اختصاصها ببعض ذرية بني آدم فهذه شهادة الظاهر ببطلان تأويلهم.

فأمّا شهادة العقول فمن حيث لا تخلو هذه الذريّة الّتي استخرجت من ظهر آدمعليه‌السلام وخوطبت وقرّرت من أن تكون كاملة العقول ، مستوفية لشروط التكليف أو لا تكون كذلك ، فإن كانت بالصفة الأولى وجب أن يذكر هؤلاء بعد خلقهم وإنشائهم وإكمال عقولهم ما كانوا عليه في تلك الحال ، وما قرروا به واستشهدوا عليه لأن العأقلّ لا ينسى ما جرى هذا المجرى وإن بعد العهد وطال الزمان ولهذا لا يجوز أن يتصرّف أحدنا في بلد من البلدان وهو عأقلّ كامل فينسى مع بعد العهد جميع تصرّفه المتقدّم وسائر أحواله.

وليس أيضاً لتخلّل الموت بين الحالين تأثير ، لأنّه لو كان تخلّل الموت يزيل الذكر لكان تخلّل النوم والسكر والجنون والإغماء بين أحوال العقلاء يزيل ذكرهم لـمّا مضى من أحوالهم ، لأن سائر ما عددناه ممّا نفي العلوم يجري مجرى الموت في هذا الباب ، وليس لهم أن يقولوا إذا جاز في العأقلّ الكامل أن ينسى ما كان عليه في حال الطفولية جاز ما ذكرنا ، وذلك أنّا إنّما أوجبنا ذكر العقلاء لـمّا ادعوه إذا كملت عقولهم من حيث جرى عليهم وهم كاملو العقل ، ولو كانوا بصفة الأطفال في تلك الحال لم توجب عليهم ما أوجبناه ، على أن تجويز النسيان عليهم ينقض الفرض في الآية ، وذلك أن الله تعالى أخبر بأنّه إنّما قرّرهم وأشهدهم لئلّا يدعوا يوم القيامة الغفلة عن ذلك وسقوط الحجّة عنهم فيه ، وإذا جاز نسيانهم له عاد الأمر إلى سقوط الحجة عنهم وزوالها ، وإن كانوا على صفة الثانية من فقد العلم وشرائط التكليف قبح خطابهم وتقريرهم وإشهادهم ، وصار ذلك عبثاً قبيحاً يتعالى الله عنه.

فإن قيل : قد أبطلتم تأويل مخالفيكم فما تأويلها الصحيح عندكم؟

قلنا : في الآية وجهان « أحدهما » أن يكون تعالى إنّما عني بها جماعة من ذرية

٥٠

_____________________________________________

بني آدم خلقهم وبلغهم وأكمل عقولهم وقرّرهم على ألسن رسلهعليهم‌السلام بمعرفته وما يجب من طاعته ، فأقرّوا بذلك وأشهدهم على أنفسهم به لئلّا يقولوا يوم القيامة إنّا كنا عن هذا غافلين أو يعتذرواً بشرك آبائهم ، وإنّما أتى من اشتبه عليه تأويل الآية من حيث ظنّ أنّ الذريّة لا يقع إلّا على من لم يكن كاملاً عاقلاً وليس الأمر كما ظنّ لأنّا نسمّي جميع البشر بأنّهم ذرية آدم وإن دخل فيهم العقلاء الكاملون وقد قال الله تعالى : «رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الّتي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذريّاتهم »(١) ولفظ الصالح لا يطلق إلّا على من كان كاملا عاقلاً فإن استبعدوا تأويلنا وحملنا الآية على البالغين المكلفين فهذا جوابهم.

الجواب الثاني : أنّه تعالى لـمّا خلقهم وركّبهم تركيباً يدلّ على معرفته ويشهد بقدرته ووجوب عبادته وأراهم العبّر والآيات والدلائل في غيرهم وفي أنفسهم كان بمنزلة المشهد لهم على أنفسهم وكانوا امتناعهم منه وانفكاكهم من دلالته بمنزلة المقر المعترف وإن لم يكن هناك إشهاد ولا اعتراف على الحقيقة في مشاهدة ذلك ومعرفته وظهوره فيهم على الوجه الذي أراده الله تعالى وتعذر ، ويجري ذلك مجرى قوله تعالى «ثمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طوعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ »(٢) وإن لم يكن منه تعالى قول على الحقيقة ولا منهما جواب ، ومثله قوله تعالى : «شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ »(٣) ونحن نعلم أن الكفّار لم يعترفوا بالكفر بألسنتهم وأنّهم لـمّا ظهر منهم ظهورا لا يتمكّنون من دفعه كانوا بمنزلة المعترفين به ، ومثل هذا قولهم : جوارحيّ تشهد بنعمتك وحالي معترفة بإحسانك ، وما روى عن بعض الحكماء : سل الأرض من شقّ أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك فإن لم تجبك حواراً إجابتك اعتباراً ، وهذا باب كبير وله نظائر كثيرة في النظم والنثر يغني

__________________

(١) سورة غافر : ٨.

(٢) سورة فصّلت : ١١.

(٣) سورة التوبة : ١٧.

٥١

_____________________________________________

عن ذكر جميعها القدر الذي ذكرناه منها.

ومنها : ما ذكره الرازي في تفسير تلك الآية حيث قال : في تفسير تلك الآية قولان مشهوران « الأوّل » وهو مذهب المفسّرين وأهل الأثر : ما روى مسلم بن يسار الجهني أنّ عمر سئل عن هذه الآية فقال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عنها؟ فقال : إنّ الله خلق آدم ثمَّ مسح ظهره فاستخرج منه ذرّية فقال : خلقت هؤلاء للجنّة وبعمل أهل الجنّة يعملون ، ثمَّ مسح ظهره فاستخرج ذرية فقال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النّار يعملون ، فقال رجل : يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنّة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنّة فيدخل الجنّة ، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النّار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النّار فيدخل النّار ، وعن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لـمّا خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كلّ نسمة من ذريته إلى يوم القيامة ، وقال مقاتل : إن الله مسح ظهر آدم اليمنى فخرج منه ذرية بيضاء كهيأة الذرّ تتحرك ثمَّ مسح صفحة ظهره اليسرى فخرج منه ذريّة سود كهيأة الذرّ فقال : يا آدم هؤلاء ذرّيّتك ثمَّ قال لهم : ألست بربّكم قالوا بلى فقال للبيض : هؤلاء في الجنّة برحمتي وهم أصحاب اليمين وقال للسود : هؤلاء في النّار ولا أبالي وهم أصحاب الشمال وأصحاب المشئمة ثمَّ أعادهم جميعاً في صلب آدم فأهل القبور محبوسون حتى يخرج أهل الميثاق كلّهم من أصلاب الرجال وأرحام النساء ، وقال تعالى فيمن نقض العهد الأوّل : «وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ »(١) وهذا القول قد ذهب إليه كثير من قدماء المفسّرين كسعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير والضحّاك وعكرمة والكلبي.

وأمّا المعتزلة فقد أطبقوا على أنّه لا يجوز تفسير هذه الآية بهذا الوجه

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٠٢.

٥٢

_____________________________________________

واحتجّوا على فساد هذا القول بوجوه : « الأولى » : أنّه قال من بني آدم ، من ظهورهم فقوله : من ظهورهم بدل من قوله : بني آدم ، فلم يذكر الله أنّه أخذ من ظهر آدم شيئاً.

الثانية : أنه لو كان كذلك لـمّا قال : من ظهورهم ، ولا من ذريّاتهم بل قال : من ظهره وذرّيته.

الثالثة : أنّه تعالى حكى عن أولئك الذريّة أنّهم قالوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ ، وهذا الكلام لا يليق بأولاد آدم لأنّهعليه‌السلام ما كان مشركاً.

الرابعة : أنّ أخذ الميثاق لا يمكن إلّا من العاقل فلو أخذ الله الميثاق من أولئك لكانوا عقلاء ، ولو كانوا عقلاء وأعطوا ذلك الميثاق حال عقلهم لوجب أن يتذّكروا في هذا الوقت أنّهم أعطوا الميثاق قبل دخولهم في هذا العالم لأنّ الإنسان إذا وقعت له واقعة عظيمة مهيبة فإنّه لا يجوز مع كونه عاقلاً أن ينساها نسياناً كليّاً لا يتذكّر منها شيئاً لا بالقليل ولا بالكثير وبهذا الدليل يبطل القول بالتناسخ ، فإنا نقول لو كانت أرواحنا قد حصلت قبل هذه الأجساد في أجساد أخرى لوجب أن نتذكر الآن أنا كنا قبل هذا الجسد في أجساد أخرى ، وحيث لم نتذكر ذلك كان القول بالتناسخ باطلاً ، فإذا كان اعتمادنا في إبطال التّناسخ ليس إلّا على هذا الدليل وهذا الدليل بعينه قائم في هذه المسألة وجب القول بمقتضاه.

الخامسة أنّ جميع الخلق الذين خلقهم الله من أولاد آدمعليه‌السلام عدد عظيم وكثرة كثيرة فالمجموع الحاصل من تلك الذّرات تبلغ مبلغاً عظيماً في الحجميّة والمقدار ، وصلب آدم على صغره يبعد أن يتسع لهذا المجموع.

السادسة : أنّ البنية شرط لحصول الحياة والعقل والفهم ، إذ لو لم يكن كذلك لم يبعد في كلّ ذرّة من الذّرات الهباء أن تكون عاقلاً فاهماً مصّنفاً للتصانيف الكثيرة في العلوم الدقيقة ، وفتح هذا الباب يفضي إلى التزام الجهالات ، وإذا ثبت أنّ البنية شرط لحصول الحياة فكلّ واحد من تلك الذّرات لا يمكن أن يكون فاهماً عاقلاً

٥٣

_____________________________________________

إلّا إذا حصلت له قدرة من البنية والجثّة ، وإذا كان كذلك فمجموع تلك الأشخاص الذين خرجوا إلى الوجود من أوّل تخليق آدمعليه‌السلام إلى آخر فناء الدنيا لا تحويهم عرصة الدنيا فكيف يمكن أن يقال أنّهم بأسرهم حصلوا دفعة واحدة في صلب آدمعليه‌السلام .

السابعة : قالوا هذا الميثاق إمّا أن يكون قد أخذ الله منهم في ذلك الوقت ليصير حجة عليهم في ذلك الوقت أو ليصير حجّة عليهم عند دخولهم في دار الدنيا ، والأوّل باطل لانعقاد الإجماع على أن بسبب ذلك القدر من الميثاق لا يصيرون مستحقين للثواب والعقاب والمدح والذّم ، ولا يجوز أن يكون المطلوب منه أن يصير ذلك حجّة عليهم عند دخولهم في دار الدنيا ، لأنّهم لـمّا لم يذكروا ذلك الميثاق في الدنيا فكيف يصير حجّة عليهم في التّمسك بالإيمان.

الثامنة : قال الكعبي إنّ حال أولئك الذريّة لا يكون أعلى في الفهم والعلم من حال الأطفال ، فلـمّا لم يمكن توجيه التكليف على الطفل فكيف يمكن توجيهه على أولئك الذرّ؟ وأجاب الزجاج عنه وقال : لـمّا لم يبعد أن يؤتي الله النمل كما قال : «قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ »(١) وأن يعطى الجبل الفهم حتى يسبّح كما قال : «وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ »(٢) وكما أعطى الله العقل للبعير حتى سجد للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وللنخلة حتى سمعت وانقادت حين دعيت فكذا هنا.

التاسعة : أنّ أولئك الذرّ في ذلك الوقت إمّا أن يكونوا كاملي العقول والقدر أو ما كانوا كذلك ، فإن كان الأوّل كانوا مكلّفين لا محالة ، وإنما يبقون مكلفين إذا عرفوا الله بالاستدلال ، ولو كانوا كذلك لـمّا امتازت أحوالهم في ذلك الوقت عن أحوالهم في هذه الحياة الدنيا ، فلو افتقر التكليف في الدنيا إلى سبق ذلك الميثاق

__________________

(١) سورة النمل : ٢٧.

(٢) سورة الأنبياء : ٧٩.

٥٤

_____________________________________________

لافتقر التكليف في سبق ذلك الميثاق إلى سبق ميثاق آخر ولزم التسلسل وهو محال ، وأمّا الثانيّ وهو أن يقال : أنّهم في وقت ذلك الميثاق ما كانوا كاملي العقول ، ولا كاملي القدر ، فحينئذ يمتنع توجيه الخطاب والتكليف عليهم.

العاشرة : قوله تعالى : «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ ، خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ »(١) ولو كانت تلك الذّرات عقلاء فاهمين كاملين لكانوا موجودين قبل هذا الماء الدافق ولا معنى للإنسان إلّا ذلك الشيء ، فحينئذ لا يكون الإنسان مخلوقاً من الماء الدافق وذلك ردّ لنصّ القرآن ، فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال : أنه تعالى خلقه كامل العقل والفهم والقدرة عند الميثاق ثمَّ أزال عقله وفهمه وقدرته ، ثمَّ إنه خلقه مرة أخرى إلى رحم الأم وأخرجه إلى هذه الحياة الدنيا؟ قلنا : هذا باطل لأنه لو كان الأمر كذلك لـمّا كان خلقه من النطفة خلقاً على سبيل الابتداء بل كان تجب أن يكون خلقاً على سبيل الإعادة ، وأجمع المسلمون عليّ أن خلقه من النطفة هو الخلق المبتداء فدلّ هذا على أنّ ما ذكرتموه باطل.

الحادية عشر : هي أن تلك الذّرات إمّا أن يقال أنّه عين هؤلاء الناس أو غيرهم ، والقول الثاني باطل بالإجماع في القول الأوّل ، فنقول : إمّا أن يقال أنّهم بقوا فهماء عقلاء قادرين حال ما كانوا نطفة وعلقة ومضغة ، أو ما بقوا كذلك والأوّل باطل ببديهة العقل ، والثاني يقتضي أن يقال الإنسان حصل له الحياة أربع مرّات ، أولها وقت الميثاق ، وثانيها في الدنيا ، وثالثها في القبر ، ورابعها في القيامة وأنّه حصل له الموت ثلاث مرّات موت بعد الحياة الحاصلة في الميثاق الأوّل ، وموت في الدنيا وموت في القبر ، وهذا العدد مخالف للعدد المذكور في قوله تعالى : «رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ

__________________

(١) سورة الطارق : ٦.

٥٥

_____________________________________________

وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ »(١) .

الثانية عشر : قوله تعالى : «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ »(٢) فلو كان القول بهذا الذرّ صحيحاً لكان ذلك الذرّ هو الإنسان لأنّه هو المكلّف المخاطب المثاب المعاقب ، وذلك باطل لأنّ الذرّ غير مخلوق من النطفة والعلقة والمضغة ، ونصّ الكتاب دليل على أن الإنسان مخلوق من النطفة والعلقة والمضغة ، وهو قوله : «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ » وقوله : «قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ »(٣) .

فهذه جملة الوجوه المذكورة في بيان أنّ هذا القول ضعيف.

والقول الثاني في تفسير هذه الآية قول أصحاب النظر وأرباب المعقولات أنّه أخرج الذرّ وهم الأولاد من أصلاب آبائهم ، وذلك الإخراج أنّهم كانوا نطفة ، فأخرجها الله تعالى في أرحام الأمهات وجعلها علقة ثمَّ مضغة ثمَّ جعلهم بشرا سويا وخلقاً كاملاً ، ثمَّ أشهدهم على أنفسهم بما ركّب فيهم من دلائل وحدانيته وعجائب خلقه وغرائب صنعه ، فبالإشهاد صاروا كأنّهم قالوا بلى ، وإن لم يكن هناك قول باللسان ، ولذلك نظائر منها قوله تعالى : «فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طوعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ »(٤) ومنها قوله تعالى : «إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »(٥) وقول العربِّ : قال الجدّاًر للوتد لم تشقني؟ قال : سل من يدقني فإن الذي ورائي ما خلاني ورائي وقال الشاعر : « امتلاء الحوض وقال قطني ».

وهذا النوع من المجاز والاستعارة مشهورة في الكلام ، فوجب حمل الكلام عليه فهذا هو الكلام في تقرير هذين القولين ، وهذا القول الثاني لا طعن فيه البتّة ، وبتقدير أن يصحّ هذا القول لم يكن ذلك منافياً لصحّة القول الأوّل ، إنّما الكلام في

__________________

(١) سورة الغافر : ١١. (٢) سورة المؤمنون : ١٢.

(٣) سورة العبس : ١٧. (٤) سورة فصّلت : ١١.

(٥) سورة النحل : ٤٠.

٥٦

_____________________________________________

أنّ القول الأوّل هل يصحّ أم لا.

فإن قال قائل : فما المختار عندكم فيه؟ قلنا : هيهنا مقامان : « أحدهما » أنه هل يصحّ القول بأخذ الميثاق عن الذر؟ والثاني أن بتقدير أن يصحّ القول به فهل يمكن جعله تفسيراً لألفاظ هذه الآية؟

أمّا المقام الأوّل فالمنكرون له قد تمسّكوا بالدلائل العقليّة الّتي ذكرناها وقررّناها ، ويمكن الجواب عن كلّ واحد منها بوجه مقنع :

أمّا الوجه الأوّل من الوجوه العقليّة المذكورة وهو أنه لو صحّ القول بأخذ هذه الميثاق لوجب أن نتذكّره الآن؟ قلنا : خالق العلم بحصول الأحوال الماضية هو الله تعالى لأن هذه العلوم عقلية ضرورية ، والعلوم الضرورية خالقها هو الله تعالى ، وإذا كان كذلك صحّ منه تعالى أن يخلقها ، فإن قالوا : فإذا جوزتم هذا فجوزوا أن يقال أن قبل هذا البدن كنا في أبدان أخرى على سبيل التناسخ وإن كنا لا نتذكر الآن أحوال تلك الأبدان؟ قلنا : الفرّق بين الأمرين ظاهر ، وذلك لأنا إذا كنا في أبدان أخرى وبقينا فيها سنين ودهورا امتنع في مجرى العادة نسيانها إمّا أخذ هذا الميثاق إنما حصل في أسرع زمان وأقلّ وقت فلم يبعد حصول النسيان والفرّق الظاهر حاكم بصحّة هذا الفرّق لأن الإنسان إذا بقي على العمل الواحد سنين كثيرة يمتنع أن ينساها ، إمّا إذا مارس العمل الواحد لحظة واحدة فقد ينساها فظهر الفرق.

وإمّا الوجه الثاني وهو أن يقال : مجموع تلك الذّرات يمتنع حصولها بأسرها في ظهر آدمعليه‌السلام ؟ قلنا : عندنا البنية ليست شرطاً لحصول الحياة والجوهر الفردّ والجزء الذي لا يتجزّى قابل للحياة والعقل ، فإذا جعلنا كلّ واحد من تلك الذّرات جوهراً فرداً فلم قلتم أن ظهر آدم لا يتّسع لمجموعها ، إلّا أن هذا الجواب لا يتمّ إلّا إذا قلنا : الإنسان جوهر فرد وجزء لا يتجزّى في البدن ، على ما هو مذهب

٥٧

_____________________________________________

بعض القدماءِ ، وأمّا إذا قلنا الإنسان هو النفس الناطقة وأنّه جوهر غير متحيّز ولا حالّ في متحيّز فالسؤال زائل.

وأمّا الوجه الثالث وهو قوله : فائدة أخذ الميثاق هي أن تكون حجّة في ذلك الوقت أو في الحياة الدنيا ، فجوابنا أن نقول : يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد ، وأيضاً أليس أن من المعتزلة إذا أرادوا تصحيح القول بوزن الأعمال وإنطاق الجوارح قالوا : لا يبعد أن يكون لبعض المكلفين في إسماع هذه الأشياء لطف ، فكذا هيهنا لا يبعد أن يكون لبعض الملائكة من تميز السعداء من الأشقياء في وقت أخذ الميثاق لطف ، وقيل : أيضاً إن الله تعالى يذكرهم ذلك الميثاق يوم القيامة.

وبقيّة الوجوه ضعيفة والكلام عليها سهل هيّن.

وأمّا المقام الثاني وهو أنّ بتقدير أن يصحّ القول بأخذ الميثاق من الذرّ فهل يمكن جعله تفسيراً لألفاظ هذه الآية فنقول : الوجوه الثلاثة المذكورة أولاً دافعة لذلك ، لأن قوله : أخذ ربك من بني آدم ، من ظهورهم ، ذريّتهم ، فقد بيّنا أن المراد منه وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم ، وأيضاً لو كانت هذه الذريّة مأخوذة من ظهر آدم يقال من ظهره ، ذريته ، ولم يقل من ظهورهم ، ذريتهم ، أجاب الناصرون لذلك القول بأنّه صحت الرواية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه فسر هذه الآية بهذا الوجه ، والطعن في تفسير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير ممكن؟ فنقول : ظاهر الآية تدل على أنه تعالى أخرج ذرا من ظهور بني آدم فيحمل ذلك على أنه تعالى يعلم أن الشخص الفلاني يتولد منه فلان ، ومن ذلك الفلان فلان آخر ، فعلى الترتيب الذي علم دخولهم في الوجود يخرجهم ويميز بعضهم من بعض ، وإمّا أنه تعالى يخرج كلّ تلك الذريّة من صلب آدم فليس في لفظ الآية ما يدلّ على ثبوته ، وليس في الآية أيضاً ما يدلّ على بطلانه إلّا أن الخبر قد دل عليه ، فثبت إخراج الذريّة من ظهر آدم بالخبر ، وعلى هذا التقدير فلا منافاة بين الأمرين ولا مدافعة فوجب

٥٨

( باب )

( فطرة الخلق على التوحيد )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت «فِطْرَتَ اللهِ الّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها »(١) قال التوحيد.

_____________________________________________

المصير إليهما معاً صوناً للآية والخبر عن الطعن بقدر الإمكان ، فهذا منتهى الكلام في تقرير هذا المقام ، انتهى.

ولنكتف بنقل ما نقلنا من غير تعرّض لجرح وتعديل فإنّ من له بصيرة نافذة إذا أحاط بما نقلنا من الأخبار وكلام من تكلّم في ذلك يتّضح له طريق الوصول إلى ما هو الحقّ في ذلك بفضله تعالى.

باب فطرة الخلق على التوحيد

الحديث الأول : حسن.

«فِطْرَة اللهِ » إشارة إلى قوله سبحانه في سورة الرّوم : «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً » قال البيضاوي أي فقومه له غير ملتفت أو ملتفت عنه ، وهو تمثيل للإقبال والاستقامة عليه وبه «فِطْرَةَ اللهِ » خلقته ، نصبّ على الإغراء أو المصدر بما دلّ عليه ما بعدها «الّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » خلقهم عليها وهي قبولهم للحقّ وتمكّنهم من إدراكه ، أو لملّة الإسلام فأنّهم لو خلّوا وما خلقوا عليه أدّي بهم إليها ، وقيل : العهد المأخوذ من آدم وذريّته «لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ » لا يقدر أحد أن يغيّره أو ما ينبغي أن يغيّره «ذلِكَ » إشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه له أو الفطرة إن فسّرت بالملّة «وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ » استقامته لعدم تدبّرهم ، انتهى.

__________________

(١) سورة الروم : ٣٠.

٥٩

_____________________________________________

وقال في النهاية : فيه : كلّ مولود يولد على الفطرة ، الفطر الابتداء والاختراع والفطرة منه الحالة كالجلسة والركبة ، والمعنى أنّه يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهييّء لقبول الدّين ، فلو ترك عليها لاستمرّ على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها ، وإنّما يعدلّ عنه من يعدلّ لآفة من آفات البشرّ والتقليد ، ثمَّ تمثل بأولاد اليهود والنصارى في اتّباعهم لآبائهم ، والميل إلى أديانهم من مقتضى الفطرة السليمة ، وقيل :

معناه كلّ مولود يولد على معرفة الله والإقرار به ، فلا تجد أحداً إلّا وهو يقر بأن الله صانعه وإن سماه بغير اسمه أو عبد معه غيره ، ومنه حديث حذيفة : على غير فطرة محمّد ، أراد دين الإسلام الذي هو منسوب إليه ، انتهى.

وقيل : الفطرة بالكسر مصدر للنوع من الإيجاد وهو إيجاد الإنسان على نوع مخصوص من الكمال وهو التوحيد ومعرفة الربوبيّة مأخوذاً عليهم ميثاق العبوديّة والاستقامة على سنن العدلّ ، وقال بعض العامة : الفطرة ما سبق من سعادة أو شقاوة ، فمن علم الله سعادته ولد على فطرة الإسلام ، ومن علم شقاوته ولد على فطرة الكفر ، تعلّق بقوله تعالى : «لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ » وبحديث الغلام الذي قتله الخضرعليه‌السلام طبع يوم طبع كافراً فإنه يمنع من كون تولده على فطرة الإسلام ، وأجيب عن الأوّل بأن معنى لا تبديل : لا تغيير يعني لا يكون بعضهم على فطرة الكفر وبعضهم على فطرة الإسلام ، ويؤيده قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه فإن المراد بهذه الفطرة فطرة الإسلام.

وعن الثاني بأنّ المراد بالطبع حالة ثانية طرأت وهي التهيئو للكفر عن الفطرة الّتي ولد عليها.

وقال بعضهم : المراد بالفطرة كونه خلقاً قابلاً للهداية ومتهيّئاً لها لـمّا أوجد فيه من القوّة القابلة لها ، لأنّ فطرة الإسلام وصوابها موضوع في العقول ، وإنّما يدفع العقول عن إدراكها تغيير الأبوين أو غيرهما.

٦٠