مرآة العقول الجزء ٧

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الحديث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 379

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الحديث
تصنيف: الصفحات: 379
المشاهدات: 16902
تحميل: 8203


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 379 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16902 / تحميل: 8203
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دار الحديث
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢ - عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزّ وجلّ : «فِطْرَتَ اللهِ الّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » ما تلك الفطرة قال هي الإسلام فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد قال «أَلَسْتُ بربّكم »(١) وفيه المؤمن والكافر.

_____________________________________________

وأجيب عنه بأنّ حمل الفطرة على الإسلام لا يأباه العقل ، وظاهر الروايات من طريق الأمة يدلّ عليه ، وحملها على خلاف الظاهر لا وجه له من غير مستند قوي.

الحديث الثاني : صحيح.

وقال في المصباح المنير : فطر الله الخلق فطراً من باب قتل خلقهم ، والاسم الفطرة بالكسر ، قال الله تعالى : «فِطْرَتَ اللهِ الّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » وقولهعليه‌السلام : كلّ مولود يولد على الفطرة قيل : معناه الفطرة الإسلامية والدين الحقّ وإنما أبواه يهودانه وينصرانه ، أي ينقلانه إلى دينهما وهذا التفسير مشكلّ إن حمل اللفظ على حقيقته فقط ، لأنه يلزم منه أن لا يتوارث المشركون مع أولادهم الصغار قبل أن يهوّدوهم وينصرّوهم واللازم منتف ، بل الوجه حمله على الحقيقة والمجاز معاً ، إمّا حمله على مجازه فعلى ما قبل البلوغ ، وذلك أن إقامة الأبوين على دينهما سبب لجعل الولد تابعاً لهما ، فلـمّا كانت الإقامة سبباً جعلت تهويداً وتنصيراً مجازاً ، ثمَّ أسند إلى الأبوين توبيخاً وتقبيحاً عليهما كأنّه قال : أبواه بإقامتهما على الشرك يجعلانه مشركاً ، ويفهم من هذا أنه لم أقام أحدهما على الشرك وأسلم الآخر لا يكون مشركاً بل مسلـمّا ، وقد جعل البيهقي هذا معنى الحديث فقال : فقد جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حكم الأولاد قبل أن يختاروا لأنفسهم حكم الآباء فيما يتعلّق بأحكام الدنيا ، وإمّا حمله على الحقيقة فعلى ما بعد البلوغ لوجوه الكفر من الأولاد انتهى.

وقوله : على التوحيد متعلّق بفطر وأخذ على التنازع.

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٧٢.

٦١

٣ - محمّدُ بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن زرارة قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : «فِطْرَتَ اللهِ الّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » قال فطرهم جميعاً على التوحيد.

٤ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزّ وجلّ : «حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ »(١) قال الحنيفيّة من الفطرة الّتي فطر الله «النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ » ، قال

_____________________________________________

الحديث الثالث : صحيح وقد مرّ شرحه.

الحديث الرابع : حسن.

قوله : حنفاء الله ، إشارة إلى قوله سبحانه في سورة الحج : «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ » أي اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان كما يجتنب الأنجاس وكلّ افتراء ، وعن الصادقعليه‌السلام الرجس من الأوثان الشطرنج ، وقول الزور الغناء وقال الطبرسي (ره) : حنفاء لله ، أي مستقيمي الطّريقة على ما أمر الله مائلين عن سائر الأديان «غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ » أي حجاجاً مخلصين وهم مسلمون موحّدون لا يشركون في تلبية الحجّ به أحداً ، وقال في النهاية فيه : خلقت عبادي حنفاء ، أي طاهري الأعضاء من المعاصي لا أنّه خلقهم كلّهم مسلمين لقوله تعالى : «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ »(٢) وقيل : أنّه أراد خلقهم حنفاء مؤمنين لـمّا أخذ عليهم الميثاق ألست بربّكم قالوا بلى ، فلا يوجد أحد إلّا وهو مقرّ بأنّ له ربّاً وإن أشرك به واختلفوا فيه ، والحنفاء جمع حنيف وهو المائل إلى الإسلام الثابت عليه ، والحنيف عند العربِّ من كان على دين إبراهيم ، وأصل الحنف الميل ومنه الحديث : بعثت بالحنيّفة السّمحة السهلة ، انتهى.

«لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ » أي بأن يكون كلّهم أو بعضهم عند الخلق مشركين بل

__________________

(١) سورة الحجّ : ٣١.

(٢) سورة التغابن : ٢.

٦٢

فطرهم على المعرفة به قال زرارة : وسألته عن قول الله عزّ وجلّ : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بربّكم قالُوا بَلى » الآية قال أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذرّ فعرفهم وأراهم نفسه ولو لا ذلك لم يعرف أحد ربّه وقال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ مولود يولد على الفطرة يعني المعرفة بأن الله عزّ وجلّ خالقه كذلك قوله «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ »(١) .

_____________________________________________

كان كلّهم مسلمين مقرّين به أو قائلين للمعرفة وأراهم نفسه بالرؤية العقليّة الشبيهة بالرؤية العينية في الظهور ليرسخ فيهم معرفته ، ويعرفوه في دار التكليف ، ولو لا تلك المعرفة الميثاقية لم يحصل لهم تلك القابليّة وفسّرعليه‌السلام الفطرة في الحديث بالمجبولية على معرفة الصانع والإذعانبه « كذلك قوله »أي هذه الآية أيضاً محمولة على هذا المعنى : «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ » أي كفّار مكّة كما ذكره المفسّرون أو الأعمّ كما هو أظهر من الخبر «لَيَقُولُنَّ اللهُ » لفطرتهم على المعرفة.

وقال البيضاوي : لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره بحيث اضطروا إلى إذعانه ، انتهى.

والمشهور أنّه مبنيّ على أنّ كفّار قريش لم يكونوا ينكرون أن الصانع هو الله ، بل كانوا يعبدون الأصنام لزعمهم أنّها شفعاء عند الله ، وظاهر الخبر أن كلّ كافر لو خلي وطبعه وترك العصبية ومتابعة الأهواء وتقليد الأسلاف والآباء لأقر بذلك ، كما وردّ ذلك في الأخبار الكثيرة.

قال بعض المحقّقين : الدليل على ذلك ما نرى أن الناس يتوكّلون بحسب الجبّلة على الله ، ويتوجّهون توجّهاً غريزيّاً إلى مسبب الأسباب ومسّهل الأمور الصّعاب ، وإن لم يتفطنوا لذلك ، ويشهد لهذا قول الله عزّ وجلّ : «قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ

__________________

(١) سورة لقمان : ٢٥.

٦٣

_____________________________________________

فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ »(١) .

وفي تفسير مولانا العسكريعليه‌السلام أنّه سئل مولانا الصادقعليه‌السلام عن الله؟ فقال للسّائل : يا أبا عبد الله هل ركبت سفينة قطّ؟ قال : بلى ، قال : فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال : بلى ، فهل تعلّق قلبك هناك أنّ شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك؟ قال : بلى ، قال الصادقعليه‌السلام فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حين لا منجي ، وعلى الإغاثة حين لا مغيث.

ولهذا جعلت الناس معذورين في تركهم اكتساب المعرفة بالله عزّ وجلّ ، متروكين على ما فطروا عليه ، مرضيّاً عنهم بمجردّ الإقرار بالقول ، ولم يكلّفوا الاستدلالات العلميّة في ذلك ، وإنّما التعمّق لزيادة البصيرة ولطائفة مخصوصة ، وإمّا الاستدلال فللردّ على أهل الضّلال.

ثمَّ أنّ أفهام الناس وعقولهم متفاوتة في قبول مراتب العرفان وتحصيل الاطمئنان كمّاً وكيفاً ، شدّة وضعفاً ، سرعة وبطؤاً ، حالاً وعلـماً ، وكشفاً وعياناً ، وإن كان أصل المعرفة فطريّاً إمّا ضروريّ أو يهتدي إليه بأدنى تنبيه ، فلكلّ طريقة هداه الله عزّ وجلّ إليها إن كان من أهل الهداية ، والطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق ، وهم درجات عند الله ، يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات.

قال بعض المنسوبين إلى العلم : اعلم أنّ أظهر الموجودات وأجلاها هو الله عزّ وجلّ ، فكان هذا يقتضي أن يكون معرفته أوّل المعارف وأسبقها إلى الأفهام وأسهلها على العقول ونرى الأمر بالضدّ من ذلك ، فلا بدّ من بيان السبب فيه ، وإنّما قلنا : إنّ أظهر الموجودات وأجلاها هو الله تعالى لمعنى لا نفهمه إلّا بمثال هو أنّا إذا رأينا إنساناً يكتب أو يخيط مثلاً كان كونه حيّاً من أظهر الموجودات فحياته وعلمه وقدرته للخياطة أجلى عندنا من سائر صفاته الظاهرة والباطنة ، إذ صفاته الباطنة

__________________

(١) سورة الأنعام : ٤١.

٦٤

_____________________________________________

كشهوته وغضبه وخلقه وصحّته ومرضه وكلّ ذلك لا نعرفه ، وصفاته الظاهرة لا نعرف بعضها وبعضها نشكّ فيه كمقدار طوله واختلاف لون بشرته وغير ذلك من صفاته ، أمّا حياته وقدرته وإرادته وعلمه وكونه حيوانا فإنه جلي عندنا من غير أن يتعلّق حسّ البصر بحياته وقدرته وإرادته ، فإن هذه الصفات لا تحس بشيء من الحواسّ الخمس ، ثمَّ لا يمكن أن يعرف حياته وقدرته وإرادته إلّا بخياطته وحركته ، فلو نظرنا إلى كلّ ما في العالم سواه لم نعرف به صفاته ، فما عليه إلّا دليل واحد وهو مع ذلك جلّي واضح.

ووجود الله وعلمه وقدرته وسائر صفاته يشهد له بالضرورة كلّ ما نشاهده وندركه بالحواس الظاهرة والباطنة من حجر ومدر ونبات وشجر وحيوان وسماء وأرض وكوكب وبرّ وبحر ونار وهواء وجوهر وعرض ، بل أوّل شاهد عليه أنفسنا وأجسامنا وأصنافنا وتقلّب أحوالنا وتغيّر قلوبنا ، وجميع أطوارنا في حركاتنا وسكناتنا وأظهر الأشياء في علمنا أنفسنا ثمَّ محسوساتنا بالحواسّ الخمس ، ثمَّ مدركاتنا وسكناتنا بالبصيرة والعقل وكلّ واحد من هذه المدركات له مدرك واحد وشاهد واحد ودليل واحد ، وجميع ما في العالم شواهد ناطقة وأدلة شاهدة بوجود خالقها ومدبّرها ومصرّفها ومحرّكها ودالّة على علمه وقدرته ولطفه وحكمته ، والموجودات المدركة لا حصر لها.

فإن كانت حياة الكاتب ظاهرة عندنا وليس يشهد له إلّا شاهد واحد وهو ما أحسّنا من حركة يده ، فكيف لا يظهر عندنا من لا يتصور في الوجود شيء داخل نفوسنا وخارجها إلّا وهو شاهد عليه وعلى عظمته وجلاله ، إذ كلّ ذرّة فإنها تنادي بلسان حالها أنه ليس وجودها بنفسها ولا حركتها بذاتها وإنما يحتاج إلى موجد ومحرك لها ، يشهد بذلك أولاً تركيب أعضائنا وائتلاف عظامنا ولحومنا وأعصابنا ونبات شعورنا وتشكلّ أطرافنا وسائر أجزائنا الظاهرة والباطنة ، فإنا نعلم أنّها لم تأتلف بنفسها ، كما نعلم أن يد الكاتب لم يتحرّك بنفسها ، ولكن لـمّا لم يبق في الوجود

٦٥

_____________________________________________

مدرك ومحسوس ومعقول وحاضر وغائب إلّا هو ، وشاهد ومعرف عظم ظهوره ، فانبهرت العقول ودهشت عن إدراكه.

فإذا ما يقصر عن فهمه عقولنا له سببان : أحدهما خفاؤه في نفسه وغموضه وذلك لا يخفى مثاله ، والآخر ما يتناهى وضوحه وهذا كما أن الخفاش يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار لا لخفاء النهار واستتاره ولكن لشدّة ظهوره ، فإن بصر الخفاش ضعيف يبهره نور الشمس إذا أشرق ، فيكون قوة ظهوره مع ضعف بصره سببان لامتناع إبصاره فلا يرى شيئاً إلّا إذا امتزج الظلام بالضوء وضعف ظهوره فكذلك عقولنا ضعيفة وجمال الحضرة الإلهية في نهاية الإشراق والاستنارة ، وفي غاية الاستغراق والشمول حتى لا يشذ عن ظهوره ذرّة من ملكوت السماوات والأرض فصار ظهوره سبب خفائه ، فسبحان من احتجب بإشراق نوره واختفى عن البصائر والأبصار بظهوره ، ولا تتعجب من اختفاء ذلك بسبب الظهور ، فإن الأشياء تستبان بأضدادها وما عم وجوده حتى لا ضد له عسر إدراكه ، فلو اختلف الأشياء فدلّ بعضها دون البعض أدركت التفرقة على قربِّ ، ولـمّا اشتركت في الدلالة على نسق واحد أشكلّ الأمر.

ومثاله نور الشمس المشرق على الأرض فإنا نعلم أنه عرض من الإعراض يحدث في الأرض ويزول عند غيبة الشمس ، فلو كانت الشمس دائمة الإشراق لا غروب لها لكنا نظن أن لا هيئة في الأجسام إلّا ألوانها وهي السواد والبياض وغيرها ، فإنا لا نشاهد في الأسود إلّا السواد ، وفي الأبيض إلّا البياض ، وإمّا الضوء فلا ندركه وحده لكن لـمّا غابت الشمس وأظلمت المواضع أدركنا تفرقة بين الحالتين ، فعلمنا أن الأجسام كانت قد استضاءت بضوء واتصفت بصفة فارقتها عند الغروب ، فعرفنا وجود النور بعدمه ، وما كنا نطلع عليه لو لا عدمه إلّا بعسر شديد ، وذلك لمشاهدتنا الأجسام متشابهة غير مختلفة في الظلام والنور.

هذا مع أن النور أظهر المحسوسات إذ به يدرك سائر المحسوسات ، فما هو

٦٦

_____________________________________________

ظاهر في نفسه وهو مظهر لغيره ، انظر كيف تصور استبهام أمره بسبب ظهوره لو لا طريان ضدّه ، فإذا الربِّ تعالى هو أظهر الأمور وبه ظهرت الأشياء كلها ، ولو كان له عدم أو غيبة أو تغيّر لانهدمت السماوات والأرض وبطل الملك والملكوت ، ولأدركت التفرقة بين الحالتين ، ولو كان بعض الأشياء موجودا به وبعضها موجودا بغيره لأدركت التفرقة بين الشيئين في الدلالة ، ولكن دلالته عامة في الأشياء على نسق واحد ، ووجوده دائم في الأحوال يستحيل خلافه ، فلا جرم أورث شدّة الظهور خفاء.

فهذا هو السبب في قصور الأفهام ، وإمّا من قويت بصيرته ولم يضعف منته فإنه في حال اعتدال أمره لا يرى إلّا الله وأفعاله ، وأفعاله أثر من آثار قدرته ، فهي تابعة له فلا وجود لها بالحقيقة ، وإنّما الوجود للواحد الحقّ الذي به وجود الأفعال كلها ، ومن هذا حاله فلا ينظر في شيء من الأفعال إلّا ويرى فيه الفاعل ، ويذهل عن الفعل من حيث أنه سماء وأرض وحيوان وشجر ، بل ينظر فيه من حيث أنه صنع ، فلا يكون نظره مجاوزا له إلى غيره كمن نظر في شعر إنسان أو خطه أو تصنيفه ، ورأى فيه الشاعر والمصنف ورأى آثاره من حيث هي آثاره لا من حيث إنها حبر وعفص وزاج مرقوم على بياض ، فلا يكون قد نظر إلى غير المصنف.

فكلّ العالم تصنيف الله تعالى فمن نظر إليها من حيث إنها فعل الله ، وعرفها من حيث إنّها فعل الله ، وأحبها من حيث إنّها فعل الله لم يكن ناظراً إلّا في الله ، ولا عارفاً إلّا بالله ولا محباً إلّا لله ، وكان هو الموحد الحقّ الذي لا يرى إلّا الله ، بل لا ينظر إلى نفسه من حيث نفسه ، بل من حيث هو عبد الله.

فهذا هو الذي يقال فيه أنه فني في التوحيد وأنه فنى من نفسه ، وإليه الإشارة بقول من قال : كنا بنا ففنينا عنّا فبقينا بلا نحن ، فهذه أمور معلومة عند ذوي البصائر أشكلت لضعف الأفهام عن دركها وقصور قدرة العلماء عن إيضاحها وبيانها بعبارة مفهمة موصلة للغرض إلى الأفهام ، لاشتغالهم بأنفسهم واعتقادهم أن بيان ذلك لغيرهم مما

٦٧

_____________________________________________

لا يغنيهم ، فهذا هو السبب في قصور الأفهام عن معرفة الله تعالى.

وانضم إليه أنّ المدركات كلّها الّتي هي شاهدة على الله إنما يدركها الإنسان في الصبي عند فقد العقل قليلاً قليلاً وهو مستغرق الهمّ بشهواته ، وقد أنس بمدركاته ومحسوساته ألفها ، فسقط وقعها عن قلبه بطول الأنس.

ولذلك إذا رأى على سبيل الفجأة حيوانا غريبا أو فعلا من أفعال الله خارقا للعادة عجيبا انطلق لسانه بالمعرفة طبعاً فقال : سبحان الله وهو يرى طول النهار نفسه وأعضاءه وسائر الحيوانات المألوفة وكلها شواهد قاطعة ولا يحس بشهادتها لطول الأنس بها ولو فرض أكمه بلغ عاقلاً ثمَّ انقشعت غشاوة عن عينه فامتد بصره إلى السماء والأرض والأشجار والنبات والحيوان دفعة واحدة على سبيل الفجأة يخاف على عقله أن ينبهر لعظم تعجبه من شهادة هذه العجائب على خالقها.

وهذا وأمثاله من الأسباب مع الانهماك في الشهوات وهي الّتي سدت على الخلق سبيل الاستضائة بأنوار المعرفة والسباحة في بحارها الواسعة ، والجليات إذا صارت مطلوبة صارت معتاضة فهذا سد الأمر ، فليتحقق ولذلك قيل :

لقد ظهرت فلا تخفى على أحد

إلّا على أكمه لا يعرف القمرا

لكن بطنت بما أظهرت محتجباً

وكيف يعرف من بالعرف استترا

أقول : وفي كلام سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين على جدّه وأبيه وأمه وأخيه وعليه وبنيه سلام الله ، ما يرشدك إلى هذا العيان ، بل يغنيك عن هذا البيان حيث قال في دعاء عرفة : كيف يستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك ، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك ، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي الّتي توصل إليك ، عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً.

وقال أيضاً : تعرّفت لكلّ شيء ، فما جهلك شيء.

٦٨

٥ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن ابن أبي جميلة ، عن محمّد الحلبيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : «فِطْرَتَ اللهِ الّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » قال فطرهم على التوحيد.

( باب )

( كون المؤمن في صلب الكافر )

١ - الحسينُ بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن عليّ بن ميسرة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن نطفة المؤمن لتكون في صلب المشرك فلا يصيبه من الشرّ شيء حتى إذا صار في رحم المشركة لم يصبها من الشرّ شيء حتى تضعه فإذا وضعته لم يصبه من الشرّ شيء حتى يجري عليه القلم.

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عليّ بن يقطين ، عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال قلت له إنّي قد أشفقت من دعوة أبي عبد اللهعليه‌السلام

_____________________________________________

وقال : تعرفت إلىّ في كلّ شيء فرأيتك ظاهراً في كلّ شيء فأنت الظاهر لكلّ شيء.

الحديث الخامس : ضعيف.

باب كون المؤمن في صلب الكافر

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« فلا يصيبه من الشرّ »و في بعض النسخ من الشرك ، أي يحفظه الله من أن يصيبه من شرك الأبوين أو شركهما شيء ، بحيث يضرّه واقعاً والحكم عليه بالكفر والنجاسة بالتبعية قبل البلوغ نظراً إلى الظاهر لا ينافي إيمانه الواقعي في علم الله.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

وكان يقطين بن موسى من دعاة العباسيّة في ابتداء دولتهم وكان له اختصاص بهم ، قال الشيخ في الفهرست : عليّ بن يقطين ( ره) ثقة جليل القدر له منزلة عظيمة

٦٩

على يقطين وما ولد ، فقال : يا أبا الحسن ليس حيث تذهب إنّما المؤمن في صلب الكافر بمنزلة الحصاة في اللّبنة يجيء المطر فيغسل اللّبنة ولا يضر الحصاة شيئاً.

_____________________________________________

عند أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، عظيم المكان في الطائفة ، وكان يقطين من وجوه الدعاة وطلبه مروان فهربِّ ، وابنه عليّ بن يقطين هذا ولد بالكوفة سنة أربع وعشرين ومائة وهربت أم عليّ به وبأخيه عبيد بن يقطين إلى المدينة ، فلـمّا ظهرت الدولة الهاشمية ظهر يقطين وعادت أم عليّ بعليّ وعبيد فلم يزل يقطين في خدمة أبي العباس وأبي جعفر المنصور ، ومع ذلك كان يتشيّع ويقول بالإمامة ، وكذلك ولده يحمل الأموال إلى جعفر بن محمّدعليه‌السلام ونمى خبره إلى المنصور والمهدي فصرف الله عنه كيدهما ، انتهى.

وأقول : هذا الخبر وما تقدّم في باب كراهية التوقيت يدلان على أن يقطين لم يكن مشكوراً وكان منحرفاً عن هذه الناحية ، وهذا الخبر يدلّ على أن الصادقعليه‌السلام كان دعا على يقطين وولده ولعنهم وكان عليّ مشفقا خائفاً من أن يصيبه أثر تلك الدعوة واللعنة ، فأجابعليه‌السلام بأن اللعنة وسائر الشرار لا تصيب المؤمن الذي في صلب الكافر ، وشبّه ذلك بالحصاة في اللبنة ، فإنه لا يضر الحصاة ما تقع على اللبنة من المطر وغيره ، فعلى هذا شبّهعليه‌السلام اللعنة بالمطر لأن المطر يفتت اللبنة ويفرِّقها ويبطلها ، فكذا اللعنة تبطل من تصيبه وتفتته وتفرقه.

ويحتمل أن يكون شبّهعليه‌السلام الرحمة والألطاف الّتي تشمل من الله تعالى المؤمن بالمطر ، ويكون الغرض أن ألطافه سبحانه ورحماته الّتي تحفظ طينة المؤمن تغسله وتظهره من لوث الكفر وما يلزمه وما يتبعه من اللعنات والعقوبات كما يغسل المطر لوث الطين من الحصاة ولعله أظهر.

وحاصل الكلام على الوجهين أن دعاؤهعليه‌السلام كان مشروطا بعدم إيمأنّهم ولم يكن مطلقاً ، وكان غرضهعليه‌السلام اللعن على من يشبهه من أولاده.

قولهعليه‌السلام شيئاً ، أي من الضرر ، وفي بعض النسخ شيء أي من الآفات واللعنات والشرور.

٧٠

( باب )

( إذا أراد الله عزّ وجلّ أن يخلق المؤمن )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضال ، عن إبراهيم بن مسلم الحلواني ، عن أبي إسماعيل الصيقل الرازي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن في الجنّة لشجرة تسمّى المزن فإذا أراد الله أن يخلق مؤمناً أقطر منها قطرة فلا تصيب

_____________________________________________

باب إذا أراد الله أن يخلق المؤمن

الحديث الأول : مجهول.

وفي المصباح حلوان بالضمّ بلد مشهور من سواد العراق وهي آخر مدن العراق وبينها وبين بغداد نحو خمس مراحل ، قيل : سميت باسم بانيها وهو حلوان بن عمران ابن الحارث بن قضاعة ، وفي القاموس : المزن بالضمّ السحاب أو أبيضه أو ذو الماء ، انتهى.

وكان التسمية هنا على التشبيه ، قيل : هذا الحديث كما يناسب ما قيل من أن المراد بالطينة الأصول الممتزجات المنقلّة في أطوار الخلقة كالنطفة وما قبلها من موادها مثل النبات والغذاء وما بعدها من العلقة والمضغة والمزاج الإنساني القابل للنفس الناطقة المدبّرة ، كذلك يناسب ما ذكر من أن المراد بالطينة طينة الجنّة لأن طينة الجنّة اختمارها وتربيتها بهذه القطرة كما أنه بماء العذب الفرات المذكور سابقا ، وبالجملة خلقه من طينة الجنّة ومزجها بماء الفرات أولاً وتربيتها بماء المزن ثانيا لطف منه تعالى بالنسبة إلى المؤمن ليحصل له الوصول إلى أعلى مراتب القربِّ ، انتهى.

وقال بعض المحقّقين من أهل التأويل : الجنّة تشمل جنان الجبروت والملكوت ، والمزن الحساب وهو أيضاً يعم سحاب ماء الرحمة والجود والكرم

٧١

بقلة ولا ثمرة أكلّ منها مؤمن أو كافر إلّا أخرج الله عزَّ وجلَّ من صلبه مؤمناً.

_____________________________________________

وسحاب ماء المطر والخصبّ والدّيم ، وكما أنّ لكلّ قطرة من ماء المطر صورة وسحاباً انفصلت منه في عالم الملك كذلك له صورة وسحاب انفصلت منه في عالمي الملكوت والجبروت ، وكما أن البقلّة والثمرة تتربّى بصورتها الملكوتية كذلك تتربّى بصورتيها الملكوتية والجبروتية المخلوقتين من ذكر الله تعالى اللتين من شجرة المزن الجناني وكما أنّهما تتربّيان بها قبل الأكلّ كذلك تتربّيان بها بعد الأكلّ في بدن الآكلّ ، فإنّها ما لم تستحلّ إلى صورة العضو فهي بعد في التربية ، فالإنسان إذا أكلّ بقلّة أو ثمرة ذكر الله عزّ وجلّ عندها وشكر الله عليها ، وصرف قوتها في طاعة الله سبحانه والأفكار الإيمانية والخيالات الروحانية فقد تربت تلك البقلّة أو الثمرة في جسده بماء المزن الجناني ، فإذا فضلت من مادتها فضلة منويّة فهي من شجرة المزن الّتي أصلها في الجنّة وإذا أكلها على غفلة من الله سبحانه ، ولم يشكر الله عليها وصرف قوتها في معصية الله تعالى والأفكار المموهة الدنيويّة والخيالات الشهوانيّة ، فقد تربت تلك البقلّة أو الثمرة في جسده بماء آخر غير صالح لخلق المؤمن إلّا أن يكون قد تحقّق تربيتها بماء المزن الجناني قبل الأكلّ ، وإمّا مأكولة الكافر الّتي يخلق منها المؤمن فإنّما يتحقّق تربيتها بذلك الماء قبل أكله لها غالباً ، ولذكر الله عند زرعها أو غرسها مدخل في تلك التربية ، وكذلك لحلّ ثمنها وتقوى زارعها أو غارسها إلى غير ذلك من الأسباب.

٧٢

( باب )

( في أن الصبغة هي الإسلام )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : «صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً »(١) قال الإسلام وقال في قوله عزَّ وجلَّ «فَقَدِ

_____________________________________________

باب أن الصبغة هي الإسلام

الحديث الأول : صحيح.

قوله : صِبْغَةَ اللهِ ، أقول : تمام الآية وما يتعلق بها هكذا : «وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفرّق بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ. مُسْلِمُونَ ، فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ » يعني قالت اليهود كونوا هوداً ، وقالت النصارى كونوا نصارى «بَلْ مِلَّةَ » أي بل نكون أهل ملّة إبراهيم ، أو بل نتّبع ملّة إبراهيم ، والحنيف : المائل عن كلّ دين إلى الحقّ «وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » تعريض بأهل الكتابين فأنّهم كانوا يدعون أتباع ملّة إبراهيم ، وهم مع ذلك على الشرك ، والأسباط حفدة يعقوبعليه‌السلام .

«صِبْغَةَ اللهِ » قال البيضاوي أي صبغنا الله صبغة ، وهي «فِطْرَتَ اللهِ الّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » ، فإنّها حلية الإنسان ، كما أن الصبغة حلية المصبوغ ، أو هدانا هدايته أو أرشدنا حجّته أو طهّر قلوبنا بالإيمان تطهيره وسمّاه صبغة لأنه ظهر أثره عليهم

__________________

(١) سورة البقرة : ١٣٨.

٧٣

اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى »(١) قال هي الإيمان بالله وحده لا شريك له.

_____________________________________________

ظهور الصبغ على المصبوغ ، وتداخل في قلوبهم تداخل الصبغ الثوب أو للمشاكلة فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمّونه العمودية ، ويقولون هو تطهير لهم وبه تحقّ نصرانيتهم ، ونصبها على أنّه مصدر مؤكّد لقوله آمنا وقيل : على الإغراء ، أي عليكم صبغة الله ، وقيل : على البدلّ من ملّة إبراهيم ، «وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً » لا صبغة أحسن من صبغته «وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ » تعريض بهم أي لا نشرك به كشرككم ، انتهى.

وقيل : على هذه الأخبار يحتمل أن تكون منصوبة على المصدر من مسلمون ، ثمَّ يحتمل أن يكون معناها وموردها مختصّاً بالخواصّ والخلص المخاطبين بقولوا دون سائر أفراد بني آدم ، بل يتعين هذا المعنى إن فسّر الإسلام بالخضوع والانقياد للأوأمر والنواهي كما فعلوه ، وإن فسّر بالمعنى العرفي فتوجيه التعميم فيه كتوجيه التعميم في فطرة الله.

وقيل صِبْغَةَ اللهِ إبداع الممكنات وإخراجها من العدم إلى الوجود وإعطاء كلّ ما يليق به من الصفات والغايات وغيرهما.

قوله فَقَدِ اسْتَمْسَكَ ، قال تعالى «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها » وفسّر الطاغوت في الأخبار بالشيطان وبأئمة الضلال ، والأولى التعميم ليشمل كلّ ما عبد من دون الله من صنم أو صاد عن سبيل الله «وَيُؤْمِنْ بِاللهِ » بالتوحيد وتصديق الرّسل وأوصيائهم «فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » أي طلب الإمساك من نفسه بالحبل الوثيق ، وهي مستعار ملتمسك الحقّ من النظر الصّحيح والدّين القويم «لَا انْفِصامَ لَها » أي لا انقطاع لها.

وما ورد في الخبر من تفسيره بالإيمان كان المراد به أنه تعالى شبّه الإيمان الكامل بالعروة الوثقى ، وعلى ما ورد في كثير من الأخبار من أنّ المراد بالطاغوت

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٦.

٧٤

٢ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن داود بن سرحان ، عن عبد الله بن فرقد ، عن حمران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : «صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً » قال الصبغة هي الإسلام.

٣ - حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن غير واحد ، عن أبان ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : «صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً » قال الصبغة هي الإسلام وقال في قوله عزّ وجلّ : «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » قال هي الإيمان.

_____________________________________________

الغاصبون للخلافة فالمعنى من رفض متابعة أئمّة الضّلالة وآمن بما جاء من عند الله في عليّ والأوصياء من بعدهعليه‌السلام فقد آمن بالله وحده لا شريك له ، وإلّا فهو مشرك كما روي في معاني الأخبار عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أحبَّ أن يستمسك بالعروة الوثقى الّتي لا انفصام لها فليتمسك بولاية أخي ووصيّيّ عليّ بن أبي طالب فإنه لا يهلك من أحبّه وتولّاه ولا ينجو من أبغضه وعاداه ، وعن الباقرعليه‌السلام أن العروة الوثقى هو مودّتنا أهل البيت.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

الحديث الثالث : مرسل كالموثق ، وقال الجوهري : صبغة الله دينه ، ويقال : أصله من صبغ النصارى أولادهم في ماء لهم ، وقال الفيروزآبادي : الصّبغة بالكسر الدين والملّة ، وصبغة الله فطرة الله ، أو الّتي أمر الله تعالى بها محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي الختانة

٧٥

( باب )

( في أن السكينة هي الإيمان )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزّ وجلّ : «أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي

_____________________________________________

باب أن السكينة هي الإيمان

الحديث الأوّل : صحيح كما في بعض النسخ عن أبي حمزة ، وضعيف على المشهور إن كان عن عليّ بن أبي حمزة كما في بعض النسخ.

«هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ » الآية في سورة الفتح هكذا : «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمأنّهم » والظاهر أن المراد بالسكينة الثبات وطمأنينة النفس وشدّة اليقين بحيث لا يتزلزل عند الفتن وعروض الشبهات ، بل هذا إيمان موهبيّ يتفرّع على الأعمال الصّالحة والمجاهدات الدينية سوى الإيمان الحاصل بالدليل والبرهان ، ولذا قال : «لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمأنّهم ».

وقال في مجمع البيان : هي أن يفعل الله بهم اللطف الذي يحصل لهم عنده من البصيرة بالحقّ ما تسكن إليه نفوسهم ، وذلك بكثرة ما ينصبّ لهم من الأدلة الدالة عليه ، فهذه النعمة التامة للمؤمنين خاصّة ، وأمّا غيرهم فتضطربِّ نفوسهم لأوّل عارض من شبهة تردّ عليهم إذ لا يجدون بردّ اليقين وروح الطمأنينة في قلوبهم ، وقيل : هي النصرة للمؤمنين لتسكن بذلك قلوبهم ، ويثبتوا في القتال ، وقيل : ما أسكن قلوبهم من التعظيم لله ولرسوله ليزدادوا إيماناً مع إيمأنّهم ، أي يقيناً إلى يقينهم بما يرون من الفتوح وعلو كلمة الإسلام على وفق ما وعدوا ، وقيل : ليزدادوا تصديقاً بشرائع الإسلام وهو أنّهم كلـمّا أمروا بشيء من الشرائع والفرائض كالصلاة والصّيام والصدقات صدقوا به ، وذلك بالسكينة الّتي أنزلها الله في قلوبهم عن ابن عباس

٧٦

قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ »(١) قال هو الإيمان ، قال : وسألته عن قول الله عزّ وجلّ : «وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ »(٢) قال : هو الإيمان.

_____________________________________________

والمعنى ليزدادوا معارف على المعرفة الحاصلة عندهم ، انتهى.

والحاصل أنّ تفسيرهعليه‌السلام السكينة بالإيمان إمّا لكون هذا اليقين هو كمال الإيمان ، أو إيمان آخر موهبيّ ينضم إلى الإيمان الاستدلالي ، وهذا ممّا يدلّ على أن اليقين يقبل الشدّة والضعف كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله.

وإمّا الآية الثانية فهي في سورة المجادلة حيث قال : «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوأنّهم أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ » قال الطبرسي (ره) : كتب في قلوبهم الإيمان بما فعل بهم من الألطاف فصار كالمكتوب عن الحسن ، وقيل : كتب في قلوبهم علامة الإيمان ومعنى ذلك أنها سمة وعلامة لمن شاهدهم من الملائكة على أنّهم مؤمنون كما أن قوله في الكفّار : وطبع الله على قلوبهم ، علامة يعلم من شاهدها من الملائكة أنه مطبوع على قلبه ، عن أبي عليّ الفارسي.

«وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ » أي قواهم بنور الإيمان ، ويدلّ عليه : «وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ » عن الزجاج ، وقيل : معناه وقواهم بنور الحجج والبرهان حتى اهتدوا للحقّ وعملوا به ، وقيل : قواهم بالقرآن الذي هو حياة القلوب من الجهل عن الربيع ، وقيل : أيدهم بجبرئيل في كثير من المواطن ينصرهم ويدفع عنهم ، انتهى.

أقول : لعلّ المراد بالروح الإيمان الموهبيّ لأنّه قال ذلك بعد قوله : «كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ » أو المراد به قوّة الإيمان وكماله ، ويحتمل أن يراد به أنه سبب

__________________

(١) سورة الفتح : ٤. (٢) سورة المجادلة : ٢٢.

٧٧

٢ - عنه ، عن أحمد ، عن صفوان ، عن أبان ، عن فضيل قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : «أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ » هل لهم فيما كتب في قلوبهم صنع قال لا.

٣ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال السكينة الإيمان.

٤ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري وهشام بن سالم وغيرهما ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ » قال هو الإيمان.

٥ - عليَّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس ، عن جميل قال :

_____________________________________________

الإيمان وقوّته وكماله لـمّا سيأتي أن الله تعالى أيّد المؤمن بروح يحضره في كل. وقت يحسن فيه ويتّقي ويغيب عنه في كلّ وقت يذنب فيه ويعتدي وإن أمكن تأويل تلك الأخبار بما يوافق ظاهر هذا الخبر كما سيأتي في باب الرّوح الذي أيّد به المؤمن.

الحديث الثاني : موثق كالصحيح.

وإّنما ذكر هذا مع عدم اشتماله على ما عنون به الباب لأنّه كالتتمّة لما ذكر في آخر الخبر السابق لأنّهما في آية واحدة ، ويدلّ على أن الإيمان من الله وليس للعباد فيها صنع واختيار ، وإنما كلّف العباد بعدم الجحد ظاهراً وبإخراج التعصّب والأغراض الباطلة عن النفس ، أو مع السعي في الجملة أيضاً ، ويمكن تخصيصه بمعرفة الصانع كما مرّ أو بكمال المعرفة وقد مضى تفصيل القول في ذلك في باب البيان والتعريف ، وفي بعض النسخ صبغ بالباء الموحّدة والغين المعجمة ، أي لهذه الكتابة صبغ ولون وهو تصحيف.

الحديث الثالث : صحيح.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

الحديث الخامس : صحيح وفسّر أكثر المفسّرين كلمة التقوى بكلمة التوحيد

٧٨

سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قوله عزَّ وجلَّ : «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ » قال هو الإيمان قال : «وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ » قال : هو الإيمان وعن قوله : «وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى »(١) قال هو الإيمان.

( باب الإخلاص )

١ - عليَّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : «حَنِيفاً مُسْلـمّا »(٢) قال خالصا مخلصا ليس فيه شيء من

_____________________________________________

فإنّه يتّقي بها من عذاب الله وما فسرهاعليه‌السلام به أظهر ، إذ بجميع العقائد الإيمانية واجتماعها يتّقي من عذاب الله لا بكلمة التوحيد فقط ، وفسرت في كثير من الأخبار بالولاية لأنها مستلزم لسائر العقائد ، وفي بعضها بأمير المؤمنينعليه‌السلام وفي بعضها بجميع الأئمّةعليهم‌السلام أي ولايتهم والإقرار بإمامتهم كلمة التقوى ، وأنّهم يعبرون عن الله ما يتقى به من عذابه كما وردّ في الأخبار الكثيرة أنّهم كلمات الله.

باب الإخلاص

الحديث الأوّل : صحيح.

وقد مرّ معنى الحنيف وأنّه المائل إلى الدين الحقّ ، وهو الدين الخالص والمسلم المنقاد لله في جميع أوامره ونواهيه ، ولـمّا قال سبحانه «ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلـمّا وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » ، وجعل الحنيف المسلم في مقابلة المشرك ، فلذا فسّرعليه‌السلام الحنيف المسلم بمن كان خالصاً لله مخلصاً عمله من الشرك الجليّ والخفيّ ، فالأوثان أعمّ من الأوثان الحقيقة والمجازيّة ، فيشمل عبادة الشياطين في إغوائها وعبادة النفس في أهوائها كما قال تعالى : «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ »(٣) وقال سبحانه : «أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ »(٤)

__________________

(١) سورة الفتح : ٢٦. (٢) سورة الرّوم : ٦٧.

(٣) سورة يس : ٦٠. (٤) سورة الفرقان : ٤٣.

٧٩

عبادة الأوثان.

٢ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه رفعه إلى أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا أيّها الناس إنما هو الله والشيطان والحقّ والباطل والهدى والضّلالة والرشد والغي والعاجلة والآجلة والعاقبة والحسنات

_____________________________________________

وقال : «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبأنّهم أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ »(١) وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ملعون من عبد الدنيا والدرهم ، وفي المحاسن هكذا : خالصاً مخلصاً لا يشوبه شيء ، من دون ذكر عبادة الأوثان.

الحديث الثاني : مرفوع.

« إنّما هو الله » الضّمير راجع إلى المقصود في العبادة أو الأعمّ منه ومن الباعث عليها ، أو الموجود في الدنيا والمقصود فيها ، والغرض أن الحقّ والهدى والرشد ورعاية الآجلة والحسنات منسوب إلى الله ، وأضدادها منسوبة إلى الشيطان ، فما كان خالصاً لله فهو من الحسنات ، وما كان للشيطان فيه مدخل فهو من السيئات ، ففي الكلام شبّه قلب ، أو المعنى أن الربِّ تعالى والحقّ والهدى والرشد والآجلة والحسنات في جانب ، وأضدادها في جانب آخر ، فالحسنات ما يكون موافقاً للحقّ ومعلوماً بهداية الله ، ويكون سبباً للرشد والمنظور فيه الدرجات الأخروية دون اللذات الدنيويّة وقربّه تعالى فهو منسوب إلى الله ، وإلّا فهو من خطوات الشيطان ووساوسه ، والرشد ما يوصل إلى السعادة الأبديّة والغيّ ما يؤدّي إلى الشقاوة السرمدية ، والعاقبة عطف تفسير للآجلة.

وكان المناسب للترتيب سائر الفقرات تقديم الآجلة على العاجلة ، ولعلهعليه‌السلام إنّما غير الأسلوب لأنّ الآجلة بعد العاجلة.

قال بعض المحقّقين أريد بالحسنات والسيّئات الأعمال الصّالحة والسيّئة المترتبتان على الأمور الثمانية الناشئتان منها « فما كان من حسنات » يعني ما نشأ

__________________

(١) سورة التوبة : ٣١.

٨٠