مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول13%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 434

  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11847 / تحميل: 6941
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٨

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40
٤١

يتناول هذا الباب بيان الرؤية السائدة اليوم في تعليل الصلح من خلال فصلين.

الفصل الأول وهو مكرس لبيان أقوال المستشرقين في الحسنعليه‌السلام إذ عرضوه شخصية منهارة كان هدفه من الصلح هو الحصول على مال يؤمِّن له حاجات حياته المترفة ويلبي طلبات زوجاته الكثيرات.

الفصل الثاني مكرس لبيان أقوال الإسلاميين من القدامى والمحدثين في الكوفيين زمن الحسن إذ عرضوهم انهم ضعفاء متخاذلون متفرقون بل كان بعضهم / كالمختار الثقفي / يفكر في تسليم الحسن لمعاوية فاضطر الحسن لمصالحة معاوية وتسليمه الحكم في العراق ليحافظ على حياته.

وانتهى البحث في كلا الفصلين إلى ان المستشرقين والإسلاميين كانوا قد استندوا في تحليلاتهم إلى روايات ذكرتها مصادر التاريخ الإسلامي المبكرة كطبقات ابن سعد وانساب الاشراف للبلاذري وتاريخ الطبري وتاريخ دمشق لابن عساكر وغيرها.

وقد رفض الشيعة بل السنة أيضا / كما هو الحق / الروايات الطاعنة في شخصية الحسن انطلاقا من الإيمان بعصمة الحسن أو الإيمان بانه من الشخصيات المعروفة في المجتمع الإسلامي بعلمه وتقواه.

اما الروايات الطاعنة في الكوفة فقد قبِلَها أكثر الباحثين الشيعة وكل الباحثين السنة من المؤرخين القدامى والمحدثين ولكن البحث توصل إلى ان الروايات الطاعنة في الحسنعليه‌السلام أو الكوفيين هي من وضع الامويون ثم تبنى ترويجها والزيادة فيها العباسيون ومن سايرهم من الأخباريين نكاية بالحسنيين الثائرين وتطويقا لمرجعية الامام الصادق الآخذة بالتوسع وبالكوفة مركز كلا الحركتين في الثلث الأول من القرن الثاني الهجري.

٤٢

الباب الأول / الفصل الأول

المستشرقون : الحسن عليه‌السلام شخصية ضعيفة منهارة

أنحى الباحثون المستشرقون باللائمة على الحسنعليه‌السلام لأنه صالح وتنازل عن الحكم لخصمه معاوية بشروط ولم يف له بشيء منها ، وقد وصفوه بانه لم يكن رجل الساعة المطلوب ، ولم يكن ابنا جدير لعليعليه‌السلام ، وانه كان شخصية متخاذلة انصرف إلى ملذاته وشهواته ، وفيما يلي ما عثرنا عليه من كلماتهم في هذا السبيل :

الدكتور فيليب حتي اللبناني 1886 ـ 1978 :

قال : «ولكن الحسن الذي كان يميل إلى الترف والبذخ لا إلى الحكم والإدارة لم يكن رجل الموقف فانزوى عن الخلافة مكتفيا بهبة سنوية منحه إياها معاوية».(1)

الراهب اليسوعي البلجيكي لامنس 1862 ـ 1937 :

تبنت الموسوعة الإسلامية(2) تحت عنوان : (الحسن) بن علي بن أبي طالب ما كتبه المستشرق البلجيكي (لامنس) المتخصص بالتاريخ الإسلامي(3) عن الحسنعليه‌السلام قال :

__________________

(1) حتي ، فيليب ، العرب ، ص 78 كتبه بالانجليزية وطبع لاول مرة لندن سنة 1937 م.

(2) أشرف على تأليفها فنسنك وآخرون وكتبت باللغة الانكليزية وترجمت إلى الفرنسية والالمانية ثم ترجمت إلى اللغة العربية ونحن ننقل من النسخة العربية.

(3) قال عبد الرحمن بدوي في موسوعته عن المستشرقين ، لامنس : مستشرق بلجيكي ، وراهب يسوعي

٤٣

«الحسن اكبر أبناء علي من فاطمة بنت رسول الله ويلوح ان الصفات الجوهرية التي كان يتصف بها الحسن هي الميل إلى الشهوات والافتقار إلى النشاط والذكاء. ولم يكن الحسن على وفاق مع أبيه وإخوته عندما ماتت فاطمة ولما تجاوز الشباب.

وقد انفق خير سني شبابه في الزواج والطلاق ، فأحصي له حوالي المائة زيجة عدّاً. وأَلصقت به هذه الأخلاق السائبة لقب المِطلاق ، وأوقعت عليّاً في خصومات عنيفة. واثبت الحسن كذلك انه مبذر كثير السرف فقد اختص كلّاَ من زوجاته بمسكن ذي خدم وحشم. وهكذا نرى كيف كان يبعثر المال أيام خلافة علي التي اشتد عليها الفقر. وشهد يوم صفين دون ان تكون له فيها مشاركة إيجابية.

ثم هو إلى ذلك لم يهتم أي اهتمام بالشؤون العامة في حياة أبيه.

وبويع الحسن بالخلافة في العراق بعد مقتل عي فحاول أنصاره أَن يقنعوه بالعودة إلى قتال أهل الشام ، وقَلَبَ هذا الإلحاح من جانبهم خُطط الحسن القعيد الهمة فلم يَعُد يفكر الال في التفاهم مع معاوية كما أدى إلى وقوع الفرقة بينه وبين أهل العراق. وانتهى بهم الأمر إلى اثخان إمامهم اسما لا فعلا بالجراح. فتملكت الحسن منذ ذلك

__________________

شديد التعصب ضد الإسلام ، يفتقر افتقاراً تاماً إلى النزاهة في البحث والأمانة في نقل النصوص وفهمها. ويعد نموذجاً سيئاً جداً للباحثين في الإسلام من بين المستشرقين. ولد في مدينة خنث ، (Gent) وبالفرنسية ، (Gand) في بلجيكا في أوّل يوليو سنة 1862 م. وجاء إلى بيروت في صباه ، وتعلم في الكلية اليسوعية ببيروت. وبدأ حياة الرهبنة في سنة 1878 م ، فامضى المرحلة الأولى في دير لليسوعيين في قرية غزير (في جبل لبنان) ، طوال عامين. ثم قضى خمسة أعوام في دراسة الخطابة واللغات. وفي 1886 م صار معلماً في الكلية اليسوعية ببيروت. وسافر إلى انجلترة ، وإلى لوفان. ووصل إلى فيينا في 1896 م. وعاد إلى بيروت 1897 م ، حيث عيَّن معلماً للتاريخ والجغرافية في كلية اليسوعيين. ولمَّا أسس (معهد الدروس الشرقية) ضمن كلِّية اليسوعيين في 1907 م ، صار فيه أستاذاً للتاريخ الإسلامي. ولمَّا توفي لويس شيخو في 1927 م ، خلفه لامنس على إدارة مجلة المشرق ، وهي مجلة فصلية تصدر عن اليسوعيين في بيروت. ولهم مجلة دينية شعبية تبشيرية أخرى تدعى (البشير) ، وقد تولَّى لامنس إدارتها مرتين قبل ذلك بزمان طويل : مرة في 1894 م ، ومرة أخرى من 1900 م إلى 1903 م. وكان لامنس يكتب في هاتين المجلتين مقالات كثيرة ، يكتبها بالفرنسية ، ثمَّ يتولَّى غيره ترجمتها إلى العربية ، وتنشر باللغة العربية. وتوفي لامنس في 23 أبريل 1937 م. وإنتاج لامنس يدور حول موضوعين رئيسيين : (أ) السيرة النبوية (ب) بداية الخلافة الأموية. لكن له إلى جانب ذلك كتب ودراسات حول موضوعات متفرقة في العقيدة الإسلامية ، وتاريخ سوريا وآثارها.

٤٤

الوقت فكرة واحدة هي الوصول إلى اتفاق مع الأمويين. وترك له معاوية ان يحدد ما يطلبه جزاء تنازله عن الخلافة. ولم يكتف الحسن بالمليوني درهم التي طلبها معاشا لأخيه الحسين بل طلب لنفسه خمسة ملايين درهم أخرى ودَخَل كورة في فارس طيلة حياته. وعارض أهل العراق بعد ذلك في تنفيذ الفقرة الأخيرة من هذا الاتفاق ، بَيْدَ انه أُجيب إلى كل ما سأله حتى ان حفيد النبي اجترأَ فجاهر بالندم على أَنه لم يضاعف طلبه وترك العراق مشيعا بسخط الناس عليه ليقبع في المدينة.

وهناك عاد إلى حياة اللهو واستسلم للذات ووافق معاوية على ان يدفع نفقاته ولم يطلب في مقابل ذلك الا أمرا واحدا هو الا يخِلّ الحسن بأمن الدولة. وكان قد أَجبره من قبل عن الجهر بتنازله عن الخلافة في اجتماع عُقِدَ في (اذرح).

ولم يعد معاوية يشغل باله به ، ذلك انه كان واثقا من قعود همته وإيثاره للدعة.

ومع هذا فقد استمر الانقسام في البيت العلوي ، ولم يكن الحسن على وفاق مع الحسين وان اجتمعا على مناهضة ابن الحنفية وغيره من أبناء علي.

وتوفي الحسن في المدينة بذات الرئة ولعل إفراطه في الملذات هو الذي عجل بمنيته. وقد بذلت محاولة لإلقاء تبعة موته على رأس معاوية.

وكان الغرض من هذا الاتهام وصم الأمويين بهذا العار ، وتبرير لقب الشهيد أو (سيد الشهداء) الذي خلع على ابن فاطمة هذا التافه الشأن.

ولم يجرؤ على القول بهذا الاتهام الشنيع جهرة سوى المؤلفين من الشيعة أو أولئك الذين كان هواهم مع العلوية بنوع خاص. وقد أعطى هذا الاتهام في الوقت نفسه فرصة للإيقاع بأسرة الأشعث بن قيس المبغضة من الشيعة ، لما كان لها من شأن في الانقلاب الذي حدث يوم صفين ، وما كان معاوية بالرجل الذي يقترف إثما لا مبرر له.

كما ان الحسن المستهتر كان قد اصبح مسالما منذ أمد طويل وكانت حياته عبئاً على بيت المال الذي أَبهظته مطالبه المتكررة. ومن اليسير ان نعلل ارتياح معاوية وتنفسه الصعداء عندما سمع بمرض الحسن. وربما كانت وفاته عام 49 هـ بالغا من العمر الخامسة والأربعين».(1)

__________________

(1) الموسوعة الإسلامية فنسك وآخرين ج 7 ص 401 ـ 402.أقول : من كلامه هذا يتبين لنا ان

٤٥

جرهارد كونسلمان الاماني المعاصر :

وكرر (جرهارد كونسلمان) في كتابه (سطوع نجم الشيعة) (Gerhard Konslman) كلمات لامنس بقوله : لقد باع (الحسن) المنصب الذي تركه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لنسله من اجل المال ويقال انه مات بالسل والهزال.

وقد حاولت شيعة علي في القرون اللاحقة تجميل صورة هذا الزعيم الضعيف التعس ، فقد اجتهدت في جعل الحسن ضمن شهداء المذهب الشيعي ، فنشأت لذلك رواية تقول ان الحسن قتل بتدبير معاوية ولكن من المستبعد ان يكون معاوية ضالعا في موت الحسن ، فمثل هذه الجريمة غير الضرورية لن يقدم بها الخليفة أدرك تماما أين الرجل المهم وأين الرجل الذي صار في الظل).(1)

بروكلمان الالماني 1956 ـ 1868 (Corl Brockelmann ) :

وقال (بروكلمان) في كتابه (تاريخ الشعوب الإسلامية) : ان الحسن لم يكن رجل الساعة الذي تحتاجه الدولة فقد رفض ان يقود جنده في هجوم على خصمه.

اوكلي 1894 (Simon Ockley ) :

يرى في كتابه (HITORY OF THE SARACENS P347) : ان الحسن لم يكن مؤهلا للموقف حيث كان يميل إلى السلم وينظر إلى دماء المسلمين نظرة رعب يصعب علينا تصورها.

سايكس 1867 ـ 1945 (Sykes Perly Molesworth Sir ) :

ويرى (سايكس) في كتابه (HISTORY OF PERSIA) ان الحسن غير جدير بان يكون ابنا لعلي لأنه شغل بملذاته بين نسائه واكتفى بإرسال اثني عشر ألف جندي

__________________

الدكتور البدوي كان على صواب حين قال في حق لامنس انه : (يفتقر افتقاراً تاماً إلى النزاهة في البحث والأمانة في نقل النصوص وفهمها. ويعد نموذجاً سيئاً جداً للباحثين في الإسلام من بين المستشرقين).

(1) جرهارد كونسلمان ،سطوع نجم الشيعة (Star Shia Sarface) ، ترجمه من الالمانية محمد أبو رحمة ، طبع مكتبة مدبولي القاهرة ط 2 : 1414 ـ 1993.

٤٦

كطليعة لجيشه بينما احتفظ بقلب الجيش في المدائن حيث ظل يبتزه في الحدائق وخاف ان يجرب حظه في ميدان القتال.(1)

الكاتب العراقي هادي العلوي :

وكتب هادي العلوي(2) : ان هذا الرجل (يقصد الحسنعليه‌السلام ) يتعذر عليه ان يخوض صراعا سياسيا أو عسكريا وكان من المنتظر والطبيعي ان ينسحب بمجرد ان يؤول إليه الأمر ، وانه لم يمارس بعد الصلح أي نشاط معارض وقد تفرغ الحسن لحياته الشخصية وعاش كما قال عنه أبوه بين جَفنة وخِوان كأي فتى من فتيان قريش المنعمين.

ثم يستطرد العلوي قائلا : ان الدفاع عن صلح الحسن من نتائج الأيديولوجيا(3)

ثم يقول : ومعاوية الذي تراجع الحسن أمامه كان زعيما عظيما وقد دخل التاريخ كواحد من الأباطرة العظام بجميع لمقاييس وفي شتى العصور(4)

سند المستشرقين في حكمهم السلبي الآنف الذكر هو روايات في مصادر تاريخية إسلامية مهمة

استند الباحثون المستشرقون في تكوين هذه الرؤية السلبية عن الحسنعليه‌السلام إلى روايات أوردتها مصادر تاريخية إسلامية أمثال الطبقات الكبرى لابن سعد ت 230 هـ وتاريخ الطبري ت 310 هـ وتاريخ دمشق لابن عساكر والبداية والنهاية لابن كثير. وقد أوردنا في الفصل السابع من الباب الثالث من هذا الكتاب نماذج منها.

__________________

(1) الخربوطلي ،العراق في ظل الحكم الأموي ، ص 74.

(2) أدرجناه ضمن المستشرقين على الرغم من كونه مسلما شيعيا ولكنه تبنى الفكر الماركسي في الايديولوجيا ومنهم المستشرقين في البحث.

(3) الخربوطلي ،العراق في ظلم الحكم الأموي ص 74.

(4) الثقافة الجديدة تسلسل 223 سنة 1990 م تموز السنة 37 العدد 9. ومن الغريب ان العلوي؟ هذا عرفه أصدقاءه بالتقشف والزهد والبساطة في العيش يعتقد بمعاوية هذا المعتقد ، ولابد انه قد قرأ عنه سفكه لدم حجر بن عدي وأصحابه وتشريده العراقيين وسجنهم وقطع ايديهم لا لشيء الا لتوليهم علياعليه‌السلام ، فهل ان زعامة تقوم على مبدأ كهذا جديرة بالاحترام!.

٤٧

الباب الأول / الفصل الثاني

الإسلاميون : الكوفيون متفرقون متخاذلون

الإسلاميون القدامى

أبو حنيفة الدينوري ت 282 هـ :

قال أبو حنيفة الدينوري : (لما رأى الحسن من أصحابه الفشل ارسل إلى عبد الله بن عامر بشرائط اشترطها على معاوية).(1)

ابن واضح اليعقوبي 284 هـ :

قال اليعقوبي : (فلما رأى الحسن ان أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له صالَحَ معاوية).(2)

ابن جرير الطبري 310 هـ :

وقال الطبري في تاريخه : فلما رأى (أي الحسنعليه‌السلام ) تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح.(3)

__________________

(1) الدينوري ،الاخبار الطوال ، ص 320 ، دار إحياء الكتب العربي القاهرة 1960 م.

(2) اليعقوبي ،تاريخ اليعقوبي ، دار صادر بيروت ، ج 2 ص 215.

(3) الطبري ،تاريخ الطبري ، ج 3 ص 330 ، مؤسسة الاعلمي بيروت 1983. ومثله ابن مسكويه ،تجارب الامم ، دار سروش للطباعة طهران 2001 م ، ج 1 ص 388. وكذلك ابن كثير في تاريخه.

٤٨

ابن الاثير ت 620 هـ :

روى ابن الاثير في الكامل قال : قيل للحسنعليه‌السلام ما حملك على ما فعلت؟ فقال : كرهتُ الدنيا ، ورأيت أهل الكوفة قوما لا يثق بهم احدا ابدا الا غُلِب ، ليس احد منهم يوافق آخر في رأي ولا هوى ، مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر.(1)

قال ابن الاثير : وكان الذي طلب الحسن من معاوية ان يعطيه ما في بيت مال الكوفة ومبلغه خمسة آلاف ألف وخراج دارابجرد من فارس وان لا يشتم عليا فلم يجبه إلى الكف عن شتم علي ، فطلب ان لا يشتم وهو يسمع فأجبه إلى ذلك ، ثم لم يفِ له به أيضا ، واما خراج دارابجرد(2) فان أهل البصرة منعوه منه وقالوا هو فيئنا لا نعطيه أحدا وكان منهم بأمر معاوية أيضا.(3)

ابن كثير ت 774 هـ :

قال ابن كثير : لما مات علي ـ قام أهل الشام فبايعوا معاوية على إمرة المؤمنين لأنه لم يبق له عندهم منازع ، فعند ذلك أقام أهل العراق الحسن بن عليرضي‌الله‌عنه ليمانعوا به أهل الشام فلم يتم لهم ما أرادوه وما حاولوه ، وإنما كان خذلانهم من قبل تدبيرهم وآرائهم المختلفة المخالفة لأمرائهم ، ولو كانوا يعلمون لعظموا ما أنعم الله به عليهم من مبايعتهم ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسيد المسلمين ، وأحد علماء الصحابة وحلمائهم وذوي آرائهم.(4)

__________________

(1) ابن الاثير ،الكامل في التاريخ ، ج 3 ص 407 ، دار صادر بيروت 1966 م.

(2) ولاية بفارس (مراصد الاطلاع).

(3) ابن الاثير ،الكامل في التاريخ ، ج 3 ص 405.

(4) ابن كثير ،البداية والنهاية ، ج 8 ص 17 ، دار إحياء التراث العربي بيروت 1988 م ،أقول : لم يكن ابن كثير حياديا في موضعين من كلامه الأول : حين جعل بيعة أهل العراق للحسن رد فعل لبيعة الشاميين لمعاوية ، والحال ان معاوية قد بايعه الشاميون سنة 38 هـ بعد ان خلع عمرو بن العاص علياعليه‌السلام على مواصلة قتال عليعليه‌السلام وعلى الغارة على اطراف الكوفة ، الثاني : ذمه لأهل الكوفة وانهم خذلوا الحسنعليه‌السلام في الوقت الذي يقول القسطلاني فيارشاد الساري في شرح صحيح البخاري (ج 4 ص 411) قال الكرماني : وقد كان الحسن يومئذ احق الناس بهذا الأمر فدعاه ورعه إلى ترك الملك رغبة فيما عند الله ولم يكن ذلك لعلة ولا لذلة ولا لقلة فقد بايعه على الموت أربعون ألفا. ، انظر أيضاعمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني ج 16 ص 239.

٤٩

الشيخ المفيد 412 هـ :

قال الشيخ المفيد احد مراجع الشيعة في أخريات القرن الرابع الهجري وبدايات القرن الخامس في كتابه (الإرشاد) ما خلاصته : (كتب معاوية إلى الحسنعليه‌السلام في الهدنة والصلح ، وأنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه ، فلم يثق به الحسنعليه‌السلام وعلم احتياله بذلك واغتياله ، غير انه لم يجد بُدّاً من إجابته إلى ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة ، لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم له ، وما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه ، وما كان من خذلان ابن عمه له ومصيره إلى عدوه ، وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الآجلة).(1)

أقول : يتضح من كلام الشيخ المفيد ان الامام الحسن كان مضطرا إلى الصلح بسبب ضعف البصائر في حقه وفساد الجيش عليه وقد فصل تلميذه السيد المرتضى رأيه هذا فيما يلي :

السيد المرتضى 436 هـ :

وكتب من بعده تلميذه السيد المرتضى في كتابه (تنزيه الأنبياء) ما خلاصته : (فإن الذي جرى منهعليه‌السلام من أمر الصلح كان السبب فيه ظاهرا والحامل عليه بيِّنا جليّاً ، لان المجتمعين له من الأصحاب وان كانوا كثيري العدد وقد كانت قلوب أكثرهم دغلة غير صافية ، وقد كانوا صبَوا إلى دنيا معاوية ، فأظهروا لهعليه‌السلام النصرة وحملوه على المحاربة والاستعداد لها طمعا في أن يورطوه ويسلموه ، وأحسعليه‌السلام بهذا منهم قبل التولج والتلبس ، فتخلى من الأمر وتحرز من المكيدة التي كادت تتم عليه في سعة من الوقت ...

وقد صرحعليه‌السلام بهذه الجملة وبكثير من تفصيلها في مواقف كثيرة بألفاظ مختلفة ، وقال إنما هادنت حقناً للدماء وصيانتها وإشفاقا على نفسي وأهل والمخلصين من أصحابي ...

__________________

(1) الشيخ المفيد ،الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ، ص 191 ، دار المفيد بيروت 1993 م.

٥٠

أوَ ليس أحدهم قد جلس له في مظلم ساباط وطعنه بمغوَل كان معه أصاب فخذه. فشقه حتى وصل إلى العظم وانتزع من يده وحملعليه‌السلام إلى المداين وعليها سعيد بن مسعود عم المختار ، وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام ولاه إياها فأدخل منزله ، فأشار المختار على عمه ان يوثقه ويسير به إلى معاوية على أن يطعمه خراج جوخي سنة. فأبي عليه وقال للمختار : قبح الله رأيك أنا عامل أبيه وقد أئتمنني وشرفني ، وهبني نسيت بلاء أبيه أأنسى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أحفظه في ابنب بنته وحبيبه ثم أن سعد بن مسعود أتاهعليه‌السلام بطبيب وقام عليه حتى برئ وحوله إلى بعض المدائن. فمن ذا الذي يرجو السلامة بالمقام بين أظهر هؤلاء القوم عن النصرة والمعونة؟.

أقول :

اما الذي ضربه في مظلم ساباط فهو من الخوارج ممن انتظم في حلقات الإرهاب التي قتلت أباه علياعليه‌السلام ، واما ما نسب إلى المختار الثقفي فهو مما افتري عليه رحمه الله تعالى.

الشيخ الطبرسي 548 هجرية :

وكتب من بعده الشيخ الطبرسي صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن : ووقع الصلح بين الحسن ومعاوية في سنة 41 هجرية ، وإنما هادنهعليه‌السلام خوفا على نفسه إذ كتب إليه جماعة من رؤساء أصحابه في السر بالطاعة وضمنوا له تسليمه إليه عند دنوهم من عسكره(1)

احمد بن علي الطبرسي ت 560 هـ صاحب كتاب الاحتجاج :

روى مرسلا عن زيد بن وهب الجهني قال : «لما طُعِن الحسنعليه‌السلام بالمدائن أتيته وهو متوجع فقلت ما ترى يا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فان الناس متحيرون ، فقال الامام الحسنعليه‌السلام أرى والله ان معاوية خير لي من هؤلاء. يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي ، والله لان آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي وآمن به في

__________________

(1) الطبرسي ، الفضل بن الحسن ،إعلام الورى بأعلام الهدى ، ترجمة الحسنعليه‌السلام ، ص 213 ، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث قم 1417 هـ.

٥١

أهلي خيرا من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما والله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير أويمن علي فتكون سبة على بني هاشم إلى آخر الدهر ، ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت.(1)

ابن أبي الفتح الإربلي ت 692 هـ :

وكتب من بعده ابن أبي الفتح الاربلي قال :

وكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح وبعث بكتب أصحابه إليه فأجابه إلى ذلك بعد أن شرط عليه شروطا كثيرة (منها) أن يترك سب أمير المؤمنينعليه‌السلام والقنوت عليه في الصلوات وان يؤمن شيعته ولا يعترض لأحد منهم بسوء ويوصل إلى كل ذي حق حقه.

فأجابه معاوية إلى ذلك كله وعاهده على الوفاء به.

فلما استتمت الهدنة قال في خطبته : إني مَنّيتُ الحسن ، وأعطيته أشياء جعلتها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له.(2)

ابن طباطبا ت 701 هجرية :

قال : اما أهل الكوفة والبصرة فكان أهل البيت مذعورين منهم لما جرى منهم على أمير المؤمنينعليه‌السلام والحسن والحسينعليهما‌السلام من الخذلان والغدر وسفك الدماء.(3)

__________________

(1) المجلسي ،بحار الانوار ، ج 44 ص 21 ، مؤسسة الوفاء بيروت 1983 م. عن الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 290.

(2) ابن أبي الفتح الإربلي ، كشف الغمة ، ج 2 ص 138 ، دار الاضواء بيروت 1985 م.

(3) محمد بن علي بن طباطبا المعروف بابن الطقطقي ،الفخري في الاداب السلطانية ، ص 144 ، دار القلم العربي 1997 م.

٥٢

مشاهير المتأخرين من الباحثين الشيعة

والكلام الانف الذكر لدى متقدمي المؤرخين هو المشهور اليوم عند كتّاب الشيعة المحدثين.

العلامة الحجة الشيخ راضي آل ياسين :

كتب الشيخ راضي آل ياسين من علماء الشيعة المعاصرين في كتابه (صلح الحسن) المطبوع سنة 1952 م ، وهو افضل كتاب في موضوعه وقد حذا حذو الشيخ المفيد وتلميذه السيد المرتضى في وجهة تحليل دوافع الصلح :

قال : (وازدادت بصيرة الحسن بخذلان القوم له)(1) . (وكان للحسن في مسكن بقية من جيش لا تجد المعنويات سبيلها إليه الا بالمعجزة بعد النكبة التي أصيب بها هذا العسكر بخيانة قائده وفرار ثمانية آلاف من افراده). (واما النسبة العددية فقد كان اكبر عدد بلغه جيش الحسنعليه‌السلام حينما زحف به إلى لقاء معاوية عشرين ألفا أو يزيدها قليلا وكان جيش معاوية الذي عسكر به على حدود العراق ستين ألفا ، فللحسن يومئذ ثلث أعداد جيش معاوية) وجاءت عملية الفرار التي اجتاحت معسكر مسكن والتي انهزم بها ابن العم (عبيد الله بن عباس) ورب ابن عم ليس بابن عم كما يقول المثل العربي ـ بثمانية آلاف فتصاعدت النسبة صعودا مريعا ، وبقي الحسن في معسكريه جميعا على الخمس من معسكر معاوية وإذا اعتبرنا هنا القاعدة العسكرية الحديثة التي تنسب القوة المعنوية إلى الكثرة العددية بنسبة ثلاثة إلى واحد رجعنا إلى نتيجة مؤسفة جدا هي نسبة واحد إلى خمسة عشر. وإذا نظرنا إلى جيش الحسن الذي بقي ينازل معاوية في مسكن وحده على ضوء هذه القاعدة رأيناه ينازل عدوا يعده خمسة وأربعين ضعفا بالضبط).

ثم قال : وأي غضاضة على «الزعيم» إذا فسد جيله ، أو خانت جنوده ، أو فقد مجتمعه وجدانه الاجتماعي.

__________________

(1) آل ياسين ،صلح الحسن عليه‌السلام ، 133.

٥٣

العلامة المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاءرحمه‌الله :

كتب في مقدمته لكتاب حياة الامام الحسن للشيخ باقر شريف القرشيرحمه‌الله (1)

(كان من دهاء معاوية عزمه ان يحتفظ بصورة الإسلام مدة إمرته بالشام عشرين سنة فلا يصطدم بشعيرة من شعائره ولا يتطاول إلى اعتراض قاعدة من قواعده يتجاهر بشرب الخمر والأغاني ولا يقتل النفس المحترمة ويلعب بالفهود ولا يضرب المزمار والعود نعم قد يلبس الحرير والديباج وطيلسان الذهي ولا بأس بلك فانه (كسرى العرب) وما احتفظ بشعائر الإسلام الا لحاجة في نفس يعقوب بقي على ظاهر الإيمان المبطن بالكفر مدة مخالفته ومحاربته لأمير المؤمنين في صفين فلما استشهد سلام الله عليه تنفس الصعداء وغمرته المسرة وأمكنته الفرصة من اللعب على ال حبل وتدبير الحيل ولكن بعد ان بويع الحسنعليه‌السلام والتف عليه الأبطال من أصحاب أبيه وشيعته ومواليه ، ومنهم الرؤوس والضروس والانياب والعديد والعدة والسلاح والكراع فوجد انه وقع في هوة أضيق وأعمق من الأولى فان الحسن سبط رسول الله وابن بنته وريحانته وهو لوداعته وسلامة ذاته محبوب للنفوس لم يؤذ أحدا مدة عمره بل كان كله خير وبركة ولم تعلق به تهمة الاشتراك بقتل عثمان بل قد يقال انه كان من الذابين عنه فكيف يقاس معاوية به وكيف يعدل الناس عن ابن فاطمة بنت رسول الله إلى ابن هند آكلة الاكباد؟

اقلق معاوية واقض مضجعه التفكير بهذه النقاط ولكن سرعان ما اهتدى بدهائه ومكره إلى حل عقدتها فلجأ إلى عاملين :

أولهما : المال الذي يلوي أعناق الرجال ويسيل في لعبه لعاب الرجال وبعث إلى اعظم قائد من قادة جيش الحسن الذين بايعوه على الموت دونه وامسهم رحما به وهو عبيد الله بن العباس الذي جعله اميرا حتى على قيس بن سعد بعث إليه بأكثر من خمسمائة ألف؟ ووعده عنه مجيئه إليه بمثلها(2) . وصار معاوية يعمل بهذه الخطة مع كل

__________________

(1) القرشي ، الشيخ باقر شريف ،حياة الامام الحسن عليه‌السلام ، 1952 م.

(2)أقول : نحن نستبعد ان يصدر ذلك من عبيد الله بن العباس وهو وأخواه عبد الله وقثم اعتمدهم عليعليه‌السلام في دولته لينهضوا بالتعليم بما علمهم أيام العزلة فجعل عبد الله على البصرة وقثم على مكة

٥٤

بارز من الشيعة ورجالهم وابطالهم فاستمالهم إليه جميعا ولم يستعص عليه الا عدد قليل لا يتجاوز العشرة كقيس بن سعد وحجر بن عدي وامثالهم.

الثاني وهي حيلة في تأثيرها الشد من الأولى استطابها السواد الأعظم وانجرف إليه الرأي العام تلك دعوى معاوية الحسن إلى الصلح وذلك ان المال كان يستميل به معاوية عيون الرجال اما العامة فلا ينالهم شيء منه ولكن الناس كانوا قد عضتهم أنياب الحروب حتى أبادت خيارهم وأخربت ديارهم في اقل من خمس سنين ثلاثة حروب ضروس الجمل وصفين ونهروان فأصبحت الدعوة إلى الحرب ثقيلة وبيلة والدعوة إلى الصلح والراحة لذيذة مقبولة.

وهنا تأزمت ظروفه سلام الله عليه وحاسب الموقف حسابا دقيقا حساب الناظر المتدبر في العواقب فوضع الرفض والقبول في كفتي الميزان ليرى لا يهما الرجحان.

فوجد انه لو رفض الصلح وأصر على الحرب فلا يخلو اما ان يكون هو الغالب ومعاوية المغلوب ، وهذا وان كانت تلك الأوضاع والظروف تجعله شبه المستحيل ولكن فليكن بالفرض هو الواقع ولكن هل مغبة ذلك الا تظلم الناس لبني أمية وظهورهم لهم بأوجع مظاهر المظلومية؟ بالأمس قتلوا عثمان عينَ الأمويين وأميرَ المؤمنين (كما يقولون) واليوم يقتلون معاوية عين الأمويين وخال المؤمنين (يا لها من رزية). ويتهيأ لبني أمية قميص ثان فيرفعون قميص عثمان مع قميص معاوية والناس رعاع ينعقون

__________________

وعبيد الله على اليمن. ثم ان عبيد الله موتور فقد قتل بسر ولدين له ، وفيشرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ج 2 ص 17 ـ 18 قال وروى أبو الحسن المدائني : اجتمع عبيد الله بن العباس وبسر بن أرطاة يوما عند معاوية بعد صلح الحسنعليه‌السلام ، فقال له ابن عباس ، أنت أمرت اللعين السيء الفدم ان يتقل ابني؟ فقال : ما أمرته بذلك ، ولوددت انه لم يكن قتلهما ، فغضب بسر ونزع سيفه ، فألقاه ، وقال لمعاوية ، اقبض سيفك ، قلدتنيه وأمرتني ان أخبط به الناس ففعلت ، حتى إذا بلغت ما أردت قلت لم أهو ولم آمر. فقال : خذ سيفك إليك ، فلعمري انك ضعيف مائق حين تلقي السيف بين يدي رجل من بني عبد مناف ، قد قتلت أمس ابنيه. فقال له عبيد الله : اتحسبني يا معاوية قاتلا بسرا بأحد ابني! هو أحقر وألام من ذلك ولكني والله لا أرى لي مقنعا ولا أدرك ثارا الا ان أصيب بهما يزيد وعبيد الله. فتبسم معاوية وقال : وما ذنب معاوية وابني معاوية! والله ما علمت ولا أمرت ، ولا رضيت ولا هويت. واحتملها منه لشرفه وسؤدده ، ولو كان عبيد الله قد استجاب لمعاوية ومال إلى معسكره بالمال لكان معاوية يواجهه بها ولا يتركها له ، والذي نراه انه الرواية من وضع الأخباريين في العهد العباسي.

٥٥

مع كل ناعق لا تفكير ولا تدبر فما ذا يكون موقف الحسن إذا لو افترضناه هو الغالب؟

اما لو كان هو المغلوب فأول كلمة تقال من كل متكلم ان الحسن هو الذي ألقى نفسه بالتهلكة فان معاوية طلب منه الصلح الذي فيه حقن الدماء فأبى وبغى وعلى الباغي تدور الدوائر وحينئذ يتم لمعاوية وأبي سفيان ما أرادا من الكيد للإسلام وإرجاع الناس إلى جاهليتهم الأولى ولا يبقي معاوية من أهل البيت نافخ شرمة.

بل كان نظر الحسنعليه‌السلام في قبول الصلح ادق من هذا وذاك ، أراد ان يفتك به ويظهر خبيئة حاله وما ستره في قرارات نفسه قبل ان يكون غالبا أو مغلوبا وبدون ان يزج الناس في حرب ويحملهم على ما يكرهون من إراقة الدماء.(1)

وهكذا وفور إبرام الصلح صعد المنبر في جمع غفير من المسلمين وقال (ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطيت الحسن شروطا كلها تحت قدمي)

المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدررحمه‌الله وتلميذه المرجع السيد كاظم الحائري :

وقال المرجع المعاصر السيد كاظم الحائري يبين رأيه في مبررات إقدام الامام الحسنعليه‌السلام على الصلح مع معاوية ثم يذكر ضمنا رأي أستاذه المرجع الراحل الشهيد محمد باقر الصدررحمه‌الله في الموضوع.

__________________

(1)أقول : كانت مبادرة معاوية للصلح هي ان يبقى الحسنعليه‌السلام على بلاده وان يبقى معاوية على بلاده وتوقف الحرب وفي خيار الرفض يأتي كلام الشيخرحمه‌الله . وفي حالة قبولها لا تستلزم ان يسلم الحسن ملك العراق الا في حالة كون الحسنعليه‌السلام لا يثق بجيشه وبالوضع العام للكوفيين وهو التعليل المشهور ، ومنه تعليل الشيخرحمه‌الله وفي قبال التعليل المشهور هناك تعليل آخر قدمناه في هذا الكتاب وهو ان الحسنعليه‌السلام يعلم ان قبوله للصلح بصيغة معاوية معناه تكريس الانشقاق وجهل أهل الشام بحقيقة إمامة الهدى التي يمثلها عليعليه‌السلام ولا علاج لهذا الجهل الا بعلاج الانشقاق واختلاط الناس وفضح معاوية انه كان كاذبا في دعواه وليس من طريق لذلك الا ان يتنازل الحسنعليه‌السلام عن الحكم بشروط يضعها هو ويلتزمها معاوية ، وهنا يأتي احتمال ان يغدر معاوية بالحسنعليه‌السلام وينقض شروطه ولم يخف هذا الاحتمال عن الحسنعليه‌السلام ولكنه سيكون غدرا ونقضا بعد فوات الأوان ، وتفصيله في الباب الثاني من هذا الكتاب.

٥٦

قال : (وبالحقيقة هناك تفسيران يفسران اقدام الامام على إبرام الصلح مع معاوية أحدهما خاص والآخر عام.

أما التفسير الخاص : فهو ما بينه أستاذنا السيد الشهيد حول المرض الذي كانت الأمة مبتلاة به ، وهو مرض الشك ، حيث كانت الأمة تشك في طبيعة الصراع الذي كان ناشبا بين الامام الحسنعليه‌السلام ومعاوية وتصوره صراعا من اجل حيازة السلطة ، وليس صراعا بين الحق ممثلا بالإمام الحسنعليه‌السلام والباطل ممثلا بمعاوية.

وليس من سبيل لمعالجة هذا المرض الا بمصالحة معاوية لأن الصلح وحده هو القادر على كشف حقيقة معاوية وإذا ما كشفت الأمة حقيقة معاوية سوف تدرك أن حربه على الامام الحسنعليه‌السلام انما هي حرب ظالمة ، وأن الامام الحسنعليه‌السلام انما يدافع عن الحق وعن الرسالة وليس عن السلطان والجاه والرئاسة ، وبالتالي فانه سوف يصار على تعرية بني أمية وكشف زيفهم وضلالهم ، وبهذا يزال مرض الشك الذي كانت الأمة مبتلاة به فلا تشك بعدئذ بحقانية الأئمة في دفاعهم عن الرسالة ولا تصدق بشعارات بني أمية الكاذبة الزائفة.(1)

وأما التفسير العام : فهو الذي يفسر نهوض الأئمة بالأمر على أساس الأمر الواقع ، فالإمامعليه‌السلام لا ينهض بالأمر الا عندما تتوافر لديه قوة ومقدرة تكفي لإنجاح مهمته وفق المقاييس المعقولة ، ولا يشترط في هذه القوة أن تكون اكبر من قوة العدو من الناحية المادية ، بل يكفي أن تكون متوافرة على شروط القوة المعنوية الأخرى ، والإمام الحسنعليه‌السلام لم يحصل على هذه القوة حتى بالحد الأدنى الذي يمكن ان تستمر بواسطته المجابهة ، ولهذا اضطر إلى إيقاع الصلح مع معاوية(2) :

وقد نقل الشيخ علي الكوراني رؤية الشهيد الصدر بقوله : قال الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدرقدس‌سره : تصاب المجتمعات بعدة أمراض كما يصاب الأفراد ، ومن الأمراض التي أصيب بها المجتمع الإسلامي إبان إمامة الحسنعليه‌السلام هو

__________________

(1)أقول : وهذا التحليل لدوافع الصلح قد بذر بذرته العلامة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين وقد ذكرنا كلامهقدس‌سره في المقدمة.

(2) الحائري ، السيد كاظم ،القيادة الإسلامية .

٥٧

مرض (الشك في القيادة) وهذا الداء ظهر في أواخر حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام . حيث واجه أيام خلافته عدة حروب ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء الأمة ، فأخذ الناس يشكون هل أن المعارك التي تخاض معارك رسالية أم أنها معارك قبلية أو شخصية؟ وقد عبر أمير المؤمنينعليه‌السلام عن ظهور هذا الداء الاجتماعي في عدة مرات منها في خطبته المعروفة بخطبة الجهاد التي ألقاها على جنوده المنهزمين في مدينة الأنبار حيث قال لهم والألم يعصر قلبه : (ألا وأني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا ، وسرا وعلانا ، وقلت لكم أغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت الغارات عليكم ، وملكت عليكم الأوطان). واستفحل (الداء) واشتد في حياة الإمام الحسنعليه‌السلام ، فلم يكن باستطاعته في مثل هذه الظروف والمجتمع المصاب بهذا الداء أن يخوض معركة مصيرية تنتهي بالنصر على خصمه المتربص به ، فإذا أضفنا إلى هذا شخصية الخصم معاوية الذي كان بإمكانه أن يبدو أمام الناس بمظهر الحاكم الملتزم بالدين وكذلك تعدد انتماءات المقاتلين مع الإمام الحسنعليه‌السلام حتى أبدى بعضهم استعداده لمعاوية أن يسلم له الإمامعليه‌السلام حيا ، وطعنه بعضهم طعنة غادرة ، إذا جمعنا هذا وغيره من الظروف عرفنا لماذا صالح الإمام الحسنعليه‌السلام معاوية).(1)

باحثون آخرون من الشيعة المعاصرين :

وهناك باحثون وكتاب آخرون من الشيعة تبنوا الرؤية السائدة نفسها أمثال العلامة الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه حياة الامام الحسن ، والسيد محمد جواد فضل الله في كتابه حياة الامام الحسن والشيخ مهدي البيشوائي في كتابه سيرة الأئمة والشيخ احمد زماني في كتابه حقائق بنهان وغيرهم.

__________________

(1) العاملي ، الانتصار ، دار السيرة لبنان 1422 م ، ج 8 ص 137 ـ 139.أقول : وفي ضوء البيانين المعبرين عن رأي الشهيد الصدررحمه‌الله ، مراد الشهيد الصدررحمه‌الله ، بالأمة الشاكة هم أهل العراق لان أهل الشام ما كانوا يشكون في حقانية معاوية بوصفه ثقة الخليفتين عمر وعثمان وقد ولي لهما ست عشرة سنة وإذا كان هناك شيء من الشك عن بعضهم فقد إزالته الاعلام الكاذب مدة خمس سنوات في حرب صفين وما بعدها ثم كيف يشكون وقد تحولوا إلى قتلة للأبرياء من النساء والاطفال سالبين اموالهم في غاراتهم!

٥٨

الشيخ مهدي البيشوائي :

كتب الشيخ البيشوائي رأيه ضمن حديثه عن الحسنعليه‌السلام في كتابه عن سيرة الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام وهو احدث ما كتب (الطبعة الأولى سنة 1423 هجرية) انطلاقا من الرؤية السائدة في الصلح وقد أفاد من الكتب التي كتبت قبله قال (وينبغي القول عموما ان الامام الحسنعليه‌السلام لم يصالح في الواقع بل فرض عليه الصلح أي تعاونت الظروف المتردية مع العوامل الأخرى بحيث أوجدت وضعا جعل الصلح أمرا ضروريا مفروضا على الامام ، ولم ير حلا غير ذلك بحيث لو كان أي شخص يعيش طظروفه لما كان يختار غير الصلح والهدنة ...

فمن ناحية السياسة الخارجية لتلك الفترة لم تكن الحرب الأهلية الداخلية في صالح العالم الإسلامي لان الروم الشرقية كانت تتحين الفرصة المناسبة ...

ومن ناحية السياسة الداخلية لم يكن يتمتع أهل العراق لا سيما الكوفيون منهم بالاستعداد النفسي للقتال وكانت حروب الجمل وصفين والنهروان والحروب الخاطفة ولدت عند أصحاب الامام علي حنينا إلى السلم والموادعة وقد برز ذلك حين دعاهم الحسن للتجهز لحرب الشام كانت الاستجابة بطيئة جدا مما جعل احد أصحاب أمير المؤمنين يوبخهم على التثاقل والتخاذل.

ثم أورد نص الشيخ المفيد في الإرشاد الذي أوردناه فيما سبق ...

ثم قل : ولم يكن العراقيون على مرام واتجاه واحد ، مذبذبين لا يعرفون الوفاء ولا يمكن الاعتماد عليهم والثقة بهم يرفعون في كل يوم راية من الرايات وشعارا من الشعارات.

ثم ذكر ما أورده صاحب كتاب الاحتجاج من قولٍ نسبه إلى الحسنعليه‌السلام : والله ما سلمت الأمر إليه (أي معاوية) الا لأني لم أجد أنصارا ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا انهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا في فعل ...).(1)

__________________

(1) البيشوائي ، الشيخ مهدي ،سيرة الأئمة ، ترجمه من الفارسية إلى العربية حسين الواسطي 1423 هجرية ، ص 92 فما بعدها.

٥٩

أقول : ورؤية أولئك الاعلام والباحثين المتأَخرين جميعا تستند إلى ما كتبه الشيخ المفيدرحمه‌الله ، الذي لخص رواية أبي الفرج الاصفهاني في كتابه مقاتل الطالبيين مع حذف الأسانيد واسقاط بعض الفقرات.

الشيخ وحيد الخراساني المرجع الشيعي المعاصر

في مدينة قم المقدسة :

قال : (وقد ابتلي السبط الأكبر بمصيبة تظهر عظمتها من مقايسة أصحابه بأصحاب أخيه الحسينعليه‌السلام ، وأما الحسنعليه‌السلام فخطب بعد وفاة أبيه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : (أما والله ما ثنانا ن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة ، ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر ، فشيب السلامة بالعداوة والصبر بالجزع ، وكنتنم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم ، وكنا لكم وكنتم لنا ، وقد صرتم اليوم علينا. ثم أصبحتم تصدون [تعدون] قتيلين : قتيلا بصفين تبكون عليه ، وقتيلا بالنهروان تطلبون بثأره ، فأما الباكي فخاذل ، وأما الطالب فثائر. وإن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة ، فإن أردتم الحياة قبلنااه منه ، وأغضضنا عن القذى ، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله وحاكمناه إلى الله. فنادى القوم بأجمعهم : بل البقية والحياة.

ثم أورد جزءا من رواية قال (ولما وجه إلى معاوية قائدا في أربعة آلاف ، وكان من كندة ، وأمره أن يعسكر بالأنبار ، كتب إليه معاوية : إن أقبلت إلي وليتك بعض كور الشام ، أو الجزيرة ، غير منفس عليك ، وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم ، فقبض الكندي المال وقلب على الحسنعليه‌السلام ، وصار إلى معاوية في مائتي رجل من خاصته وأهل بيته.

فبلغ ذلك الحسنعليه‌السلام فقام خطيبا وقال : هذا الكندي توجه إلى معاوية وغدر بي وبكم ، وقد أخبرتكم مرة بعد أخرى أنه لا وفاء لكم ، أنتم عبيد الدنيا ، وأنا موجه رجلا آخر مكانه ، وأنا أعلم أنه سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه ، لا يراقب الله في ولا فيكم.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

...........................................................................

_________________________________________

والمحب يختار رضا محبوبة ولا ينظر إلى ثواب ولا يحذر من عقاب ، وحبه تعالى إذا استولى على القلب يطهره عن حب ما سواه ، ولا يختار في شيء من الأمور إلا رضا مولاه ، كما روى الصدوق (ره) بإسناده عن الصادقعليه‌السلام أنه قال أن الناس يعبدون الله على ثلاثة أوجه فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع ، وآخرون يعبدونه فرقا من النار فتلك عبادة العبيد وهي رهبة ، ولكني أعبده حباله عز وجل فتلك عبادة الكرام وهو الأمن ، لقوله عز وجل : «وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ »(١) ولقوله عز وجل : «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ »(٢) فمن أحب الله أحبه الله ، ومن أحبه الله عز وجل كان من الآمنين.

وفي تفسير الإمامعليه‌السلام قال علي بن الحسينعليه‌السلام : إني أكره أن أعبد الله لأغراض لي ولثوابه ، فأكون كالعبد الطمع المطمع ، إن طمع عمل وإلا لم يعمل ، وأكره أن أعبده لخوف عباده فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل ، قيل : فلم تعبده؟ قال : لما هو أهله بأياديه على وإنعامه.

وقال محمد بن علي الباقرعليه‌السلام : لا يكون العبد عابد الله حق عبادته حتى ينقطع عن الخلق كله إليه ، فحينئذ يقول هذا خالص لي فيتقبله بكرمه.

وقال جعفر بن محمدعليه‌السلام : ما أنعم الله عز وجل على عبد أجل من أن لا يكون في قلبه مع الله غيره.

وقال موسى بن جعفرعليه‌السلام : أشرف الأعمال التقرب بعبادة الله عز وجل.

وقال علي الرضاعليه‌السلام : «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ »(٣) قول لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله ، وخليفة محمد رسول الله حقا وخلفاؤه خلفاء الله «وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ

__________________

(١) سورة النمل : ٨٩.

(٢) سورة آل عمران : ٣١.

(٣) سورة فاطر : ١٠.

١٠١

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن العبد المؤمن الفقير ليقول يا رب ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير فإذا علم الله عز وجل ذلك منه بصدق نية كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله إن الله واسع كريم.

_________________________________________

يَرْفَعُهُ » علمه في قلبه بأن هذا صحيح كما قلته بلساني.

وأقول : لكل من النيات الفاسدة والصحيحة أفراد أخرى يعلم بالمقايسة بما ذكرنا ، وهي تابعة لأحواله وصفاته وملكاته الراسخة منبعثة عنها ، ومن هذا يظهر سر أن أهل الجنة يخلدون فيها بنياتهم لأن النية الحسنة تستلزم طينة طيبة وصفات حسنة وملكات جميلة ، تستحق الخلود بذلك ، إذ لم يكن مانع العمل من قبله ، فهو بتلك الحالة مهيئ للأعمال الحسنة والأفعال الجميلة ، والكافر مهيئ لضد ذلك ، وبتلك الصفات الخبيثة المستلزمة لتلك النية الرديئة استحق الخلود في النار.

وبما ذكرنا ظهر معنىقوله عليه‌السلام : وكل عامل يعمل على نيته ، أي عمل كل عامل يقع على وفق نيته في النقص والكمال والرد والقبول ، والمدار عليها كما عرفت ، وعلى بعض الاحتمالات المعنى أن النية سبب للفعل وباعث عليه ، ولا يتأتى العمل إلا بها كما مر.

الحديث الثالث : صحيح.

« ليقول » أي بلسانه أو بقلبه أو الأعم منهما« فإذا علم الله عز وجل ذلك » أي علم أنه إن رزقه يفي بما يعده من الخير فإن كثيرا من المتمنيات والمواعيد كاذبة لا يفي الإنسان به «إِنَّ اللهَ واسِعٌ » القدرة أو واسع العطاء« كريم » بالذات ، فالإثابة على نية الخير من سعة جوده وكرمه لا من استحقاقهم ذلك.

قال الشيخ البهائيقدس‌سره : هذا الحديث يمكن أن يجعل تفسيرا لقولهعليه‌السلام نية المؤمن خير من عمله ، فإن المؤمن ينوي كثيرا من هذه النيات فيثاب عليها ولا يتيسر العمل إلا قليلا ، انتهى.

١٠٢

...........................................................................

_________________________________________

وأقول : النية تطلق على النية المقارنة للفعل وعلى العزم المتقدم عليه ، سواء تيسر العمل أم لا ، وعلى التمني للفعل وإن علم عدم تمكنه منه ، والمراد هنا أحد المعنيين الأخيرين ، ويمكن أن يقال : إن النية لما كانت من الأفعال الاختيارية القلبية فلا محالة يترتب عليها ثواب ، وإذا فعل الفعل المنوي يترتب عليه ثواب آخر ، ولا ينافي اشتراط العمل بها تعدد الثواب كما أن الصلاة صحتها مشروطة بالوضوء ويترتب على كل منهما ثواب إذا اقترنا ، فإذا لم يتيسر الفعل لعدم دخوله تحت قدرته أو لمانع عرض له يثاب على العزم ، وترتب الثواب عليه غير مشروط بحصول الفعل ، بل بعدم تقصيره فيه فالثواب الوارد في الخبر يحتمل أن يكون هذا الثواب فله مع الفعل ثوابان ، وبدونه ثواب واحد ، فلا يلزم كون العمل لغوا ولا كون ثواب النية والعمل معا كثوابها فقط ، ويحتمل أن يكون ثواب النية كثوابها مع العمل بلا مضاعفة ومع العمل يضاعف عشر أمثالها أو أكثر.

ويؤيده ما سيأتي أن الله جعل لآدم أن من هم من ذريته بسيئة لم تكتب عليه ، وإن عملها كتبت عليه سيئة ، ومن هم منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة ، فإن هو عملها كتبت له عشرا ، وإن أمكن حمله على ما إذا لم يعملها مع القدرة عليها ، وعلى ما حققنا أن النية تابعة للشاكلة والحالة ، وأن كمالها لا يحصل إلا بكمال النفس واتصافها بالأخلاق الرضية الواقعية فلا استبعاد في تساوي ثواب من عزم على فعل على وجه خاص من الكمال ولم يتيسر له ، ومن فعله على هذا الوجه.

وقيل : أثابه المؤمن بنيته أمر خير متفق عليه بين الأمة ورواه الخاصة والعامة روى مسلم بإسناده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولو لم تصبه ، وبإسناد آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ، قال المازري : وفيهما دلالة على أن من نوى شيئا من أعمال

١٠٣

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن أسباط ، عن محمد بن إسحاق بن الحسين ، عن عمرو ، عن حسن بن أبان ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن حد العبادة التي إذا فعلها فاعلها كان مؤديا فقال حسن النية بالطاعة.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقري ، عن أحمد بن يونس ، عن أبي هاشم قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا وإنما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا فبالنيات خلد هؤلاء وهؤلاء ثم تلا قوله تعالى : «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ »(١)

_________________________________________

البر ولم يفعله لعذر كان بمنزلة من عمله ، وعلى استحباب طلب الشهادة ونية الخير وقد صرح بذلك جماعة من علمائهم حتى قال الآبي : لو لم ينوه كان حاله حال المنافق لا يفعل الخير ولا ينويه.

الحديث الرابع : مجهول وقد مضى الكلام فيه ، والحاصل أنهحد العبادة الصحيحة المقبولة بالنية الحسنة غير المشوبة مع طاعة الإمام لأنهما العمدة في الصحة والقبول ، فالحمل على المبالغة ، أو المراد بالطاعة الإتيان بالوجوه التي يطاع الله منها مطلقا.

الحديث الخامس : ضعيف.

وكان الاستشهاد بالآية مبني على ما حققنا سابقا أن المدار في الأعمال علي النية التابعة للحالة التي اتصفت النفس بها من العقائد والأخلاق الحسنة والسيئة فإذا كانت النفس على العقائد الثابتة والأخلاق الحسنة الراسخة التي لا يتخلف عنها الأعمال الصالحة الكاملة لو بقي في الدنيا أبدا فبتلك الشاكلة والحالة استحق الخلود في الجنة ، وإذا كانت على العقائد الباطلة والأخلاق الرديئة التي علم الله تعالى أنه لو بقي في الدنيا أبدا لعصى الله تعالى دائما فبتلك الشاكلة استحق الخلود في النار

__________________

(١) سورة الإسراء : ٨٤.

١٠٤

قال على نيته.

_________________________________________

لا بالأعمال التي لم يعملها.

فلا يرد أنه ينافي الأخبار الواردة في أنه إذا أراد السيئة ولم يعملها لم تكتب عليه ، مع أنه يمكن حمله على ما إذا لم تصر شاكلة له ، ولم تكن بحيث علم الله أنه لو بقي لأتى بها ، أو يحمل عدم كتابة السيئة على المؤمنين ، وهذا إنما هو في الكفار وقد يستدل بهذا الخبر على أن كل كافر يمكن في حقه التوبة والإيمان لا يموت على الكفر.

أقول : ويمكن أن يستدل به على أن بالعزم على المعصية يستحق العقاب وإن عفا الله عن المؤمنين تفضلا.

وما ذكره المحقق الطوسي (ره) في التجريد في مسألة خلق الأعمال حيث قال : وإرادة القبيح قبيحة يدل على أنه بعد إرادة العباد للحرام فعلا قبيحا محرما وهو الظاهر من كلام أكثر الأصحاب سواء كان تاما مستتبعا للقبيح أو عزما ناقصا غير مستتبع لكن قد تقرر عندهم أن إرادة القبيح إذا كانت غير مقارنة لفعل قبيح يتعلق بها العفو كما دلت عليه الروايات وسيأتي بعضها ، وأما إذا كانت مقارنة فلعله أيضا كذلك وادعى بعضهم الإجماع على أن فعل المعصية لا تتعلق به إلا أثم واحد ، ومن البعيد أن يتعلق به إثمان أحدهما بإرادته والآخر بإيقاعه.

قال بعض المحققين من المعاصرين في شرح هذه الفقرة المنقولة من التجريد بعد إيراد نحو مما ذكرنا : فيندفع حينئذ التدافع بين ما ذكره المصنف (ره) من قبح إرادة القبيح وبين ما هو المشهور من أن الله تعالى لا يعاقب بإرادة الحرام وإنما يعاقب بفعله ، وما أوله به بعضهم من أن المراد أنه لا يعاقب العقوبة الخاصة بفعل المعصية بمجرد إرادتها ويثيب الثواب الخاص بفعل الطاعة بمجرد إرادتها ، ففيه أن شيئا من ذلك غير صحيح ، فإن الظاهر من النصوص أنه تعالى لا يعاقب ولا يؤاخذ على إرادة المعصية أصلا وأن الإجماع قائم على أن ثواب الطاعة لا يترتب على إرادتها

١٠٥

باب

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن الأحول ، عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ألا إن لكل عبادة شرة ثم تصير إلى فترة فمن صارت شرة عبادته إلى سنتي فقد اهتدى ومن

_________________________________________

بل المترتب عليها نوع آخر من الثواب يختلف باختلاف الأحوال المقارنة لها من خلوص النية وشدة الجد فيها ، والاستمرار عليها إلى غير ذلك ، ولا مانع من أن يصير في بعض الأحوال أعظم من ثواب نفس الفعل الذي لم يكن لصاحبه تلك الإرادة البالغة الجامعة لهذه الخصوصيات وكان تتبع الآثار المأثورة يغني عن الإطالة في هذا الباب.

وأقول : قد عرفت بعض ما حققنا في ذلك وسيأتي إنشاء الله تمام الكلام عند شرح بعض الأخبار في أواخر هذا المجلد ، وقد مر بعض القول فيه في باب أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن.

باب

إنما لم يعنون الباب لأنه يمكن إدخاله في عنوان الباب الآتي ، ولعله لو ذكر بعده كان أولى ، وأما مناسبته للباب السابق كما توهم فهي ضعيفة.

الحديث الأول : مجهول.

« إن لكل عبادة شرة » الشره بكسر الشين وتشديد الراء شدة الرغبة ، قال في النهاية فيه : إن لهذا القرآن شرة ، ثم إن للناس عنه فترة ، الشره : النشاط والرغبة ، ومنه الحديث الآخر : لكل عابد شرة ، وقال في حديث ابن مسعود : أنه مرض فبكى فقال : إنما أبكي لأنه أصابني على حال فترة ، ولم يصبني على حال اجتهاد ، أي في حال سكون وتقليل من العبادات والمجاهدات ، انتهى.

١٠٦

خالف سنتي فقد ضل وكان عمله في تباب أما إني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأضحك وأبكي فمن رغب عن منهاجي وسنتي فليس مني وقال كفى بالموت موعظة وكفى باليقين غنى وكفى بالعبادة شغلا.

_________________________________________

« إلى سنتي » أي منتهيا إليها ، أو إلى بمعنى مع ، أي لا تدعوه كثرة الرغبة في العبادة إلى ارتكاب البدع كالرياضات المبتدعة للمتصوفة ، بل يعمل بالسنن والتطوعات الواردة في السنة ، ويحتمل أن يكون المراد بانتهاء الشره أن يكون ترك الشره بالاقتصاد والاكتفاء بالسنن وترك بعض التطوعات لا بترك السنن أيضا ، ويؤيده الخبر الآتي.

« في تباب » أي تباب العمل أو صاحبه ، والتباب الخسران والهلاك ، وفي بعض النسخ في تبار بالراء وهو أيضا الهلاك.

« كفى بالموت موعظة » الباء زائدة والموعظة ما يتعظ الإنسان به ، ويصير سببا لانزجار النفس عن الخطايا والميل إلى الدنيا والركون إليها وأعظمها الموت ، إذ العاقل إذا تفكر فيه وفي غمراته وما يعقبه من أحوال البرزخ والقيامة وأهوالها وما فعله بأهل الدنيا من قطع أيديهم عنها وإخراجهم منها طوعا أو كرها فجأة من غير اطلاع منهم على وقت نزوله وكيفية حلوله ، هانت عنده الدنيا وما فيها ، وشرع في التهيئة له إن أعطاه الله تعالى بصيرة في ذلك.

« وكفى باليقين غنى » أي كفى اليقين بأن الله رازق العباد ، وأنه يوسع على من يشاء ويقتر على من يشاء بحسب المصالح سببا لغني النفس وعدم الحرص وترك التوسل بالمخلوقين ، وهو من اليقين بالقضاء والقدر ، وقد مر في باب اليقين أنه يطلق غالبا عليه« وكفى بالعبادة شغلا » كان المقصود أن النفس يطلب شغلا يشتغل به ، فإذا شغلها المرء بالعبادة تحيط بجميع أوقاته فلا يكون له فراغ يصرفه في الملاهي ، وإذا لم يشتغل بالعبادة يدعوه الفراغ إلى البطر واللهو وصرف العمر في المعاصي والملاهي

١٠٧

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحجال ، عن ثعلبة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لكل أحد شرة ولكل شرة فترة فطوبى لمن كانت فترته إلى خير.

باب

الاقتصاد في العبادة

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن هذا الدين متين فأوغلوا

_________________________________________

والأمور الباطلة ، كسماع القصص الكاذبة وأمثالها ، والغرض الترغيب في العبادة وبيان عمدة ثمراتها ، والظاهر أن هذه الفقرات الأخيرة مواعظ آخر لا ارتباط لها بما تقدمها ، وقد يتكلف بجعلها مربوطة بها بأن المراد بالأولى كفى الموت موعظة في عدم مخالفته السنة ، وكفى اليقين غنى لئلا يطلب الدنيا بالرياء وارتكاب البدع ، وكفت العبادة المقررة الشرعية شغلا ، فلا يلزم الاشتغال بالبدع.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور وقد مر مضمونه.

والحاصل أن لكل أحد شوقا ونشاطا في العبادة في أول الأمر ، ثم يعرض له فترة وسكون ، فمن كانت فترته بالاكتفاء بالسنن وترك البدع أو ترك التطوعات الزائدة فطوبى له ، ومن كانت فترته بترك السنن أيضا أو بترك الطاعات رأسا وارتكاب المعاصي ، أو بالاقتصار على البدع فويل له ، وقد مر في آخر كتاب العقل بسند آخر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : ما من أحد إلا وله شرة وفترة فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى بدعة فقد غوى ، وهو يؤيد ما ذكرنا.

باب الاقتصاد في العبادة

الحديث الأول : ضعيف بسنديه.

وقال في النهايةالمتين الشديد القوي ، وقال فيه :إن هذا الدين متين فأوغل

١٠٨

فيه برفق ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله فتكونوا كالراكب المنبت الذي لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى.

محمد بن سنان ، عن مقرن ، عن محمد بن سوقة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام مثله.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا تكرهوا

_________________________________________

فيه برفق ، الإيغال : السير الشديد يقال : أوغل القوم وتوغلوا إذا أمعنوا في سيرهم ، والوغول الدخول في الشيء وقد وغل يغل وغولا يريد : سر فيه برفق ، وأبلغ الغاية القصوى منه بالرفق ، لا على سبيل التهافت والخرق ، ولا تحمل نفسك وتكلفها ما لا تطيقه فتعجز وتترك الدين والعمل.

وقال فيه : فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ، يقال للرجل إذا انقطع به في سفره وعطبت راحلته قد أنبت من البت القطع ، وهو مطاوع بت يقال بتة وأبته يريد أنه بقي في طريقه عاجزا عن مقصده لم يقض وطره وقد أعطب ظهره ، انتهى.

« ولا تكرهوا عبادة الله » كان المعنى أنكم إذا أفرطتم في الطاعات يريد الناس متابعتكم في ذلك ، فيشق عليهم فيكرهون عبادة الله ويفعلونها من غير رغبة وشوق ، ويحتمل أن يكون أوغلوا في فعل أنفسهم ولا تكرهوا في دعوة الغير ، أي لا تحملوا على الناس في تعليمهم وهدايتهم فوق سعتهم وما يشق عليهم كما مر في حديث الرجل الذي هدى النصراني في باب درجات الإيمان ، ويحتمل أن يكون عباد الله شاملا لأنفسهم أيضا ، ويمكن أن يكون الإيغال هنا متعديا أي أدخلوا الناس فيه برفق ليوافق الفقرة الثانية ، قال في القاموس : وغل في الشيء يغل وغولا دخل وتوارى ، أو بعد وذهب ، وأوغل في البلاد والعلم ذهب وبالغ وأبعد كتوغل ، وكل داخل مستعجلا موغل ، وقد أوغلته الحاجة.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

١٠٩

إلى أنفسكم العبادة.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حنان بن سدير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن الله عز وجل إذا أحب عبدا فعمل عملا قليلا جزاه بالقليل الكثير ولم يتعاظمه أن يجزي بالقليل الكثير له.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم ، عن منصور ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال مر بي أبي وأنا بالطواف وأنا حدث وقد اجتهدت في العبادة فرآني وأنا أتصاب عرقا فقال لي يا جعفر يا بني إن الله إذا أحب عبدا أدخله الجنة ورضي عنه باليسير.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري وغيره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال اجتهدت في العبادة وأنا شاب فقال لي أبيعليه‌السلام يا بني

_________________________________________

وحاصله النهي عن الإفراط في التطوعات بحيث يكرهها النفس ، ولا يكون فيها راغبا ناشطا.

الحديث الثالث : موثق.

وفي القاموستعاظمه عظم عليه ، وكان في أكثر هذه الأخبار إشارة إلى أن السعي في زيادة كيفية العمل أحسن من السعي في زيادة كميته ، وأن السعي في تصحيح العقائد والأخلاق أهم من السعي في كثرة الأعمال.

الحديث الرابع : مجهول.

« إذا أحب عبدا » أي بحسن العقائد والأخلاق ورعاية الشرائط في الأعمال التي منها التقوى.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

١١٠

دون ما أراك تصنع فإن الله عز وجل إذا أحب عبدا رضي عنه باليسير.

٦ ـ حميد بن زياد ، عن الخشاب ، عن ابن بقاح ، عن معاذ بن ثابت ، عن عمرو بن جميع ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا علي إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك فإن المنبت يعني المفرط لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرما واحذر حذر من يتخوف أن يموت غدا

_________________________________________

« دون ما أراك تصنع » دون منصوب بفعل مقدر أي أصنع دون ذلك.

الحديث السادس : ضعيف.

« فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرما » أي تأن وارفق ولا تستعجل ، فإن من يرجو البقاء طويلا لا يسارع في الفعل كثيرا ، أو أن من يرجو ذلك لا يتعب نفسه بل يداري بدنه ولا ينهكه بكثرة الصيام والسهر وأمثالها ، واحذر عن المنهيات كحذر من يخاف أن يموت غدا ، قيل : ولعل السر فيه أن العبادات أعمال وفيها تعب الأركان وشغل عما سواها ، فأمر فيها بالرفق والاقتصاد كيلا تكل بها الجوارح ولا تبغضها النفس ، ولا تفوت بسببها حق من الحقوق ، فأما الحذر عن المعاصي والمنهيات فهو ترك واطراح وليس فيه كثير كد ولا ملالة ، ولا شغل عن شيء فيترك ترك من يخاف أن يموت غدا على معصية الله تعالى ، وقيل : الفرق أن فعل الطاعات نفل وفضل ، وترك المخالفات حتم وفرض.

١١١

باب

من بلغه ثواب من الله على عمل

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه كان له وإن لم يكن على ما بلغه.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن عمران الزعفراني ، عن محمد بن مروان قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه.

_________________________________________

باب من بلغه ثواب من الله على عمل

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« كان » أي الثواب« له » وفي بعض النسخ كان له أجره.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

ويدل على صحة العمل بنية الثواب وأنها لا تنافي الإخلاص كما عرفت.

فائدة جليلة

اعلم أن أصحابنا رضوان الله عليهم كثيرا ما يستدلون بالأخبار الضعيفة والمجهولة على السنن والآداب ، ويحكمون بها بالكراهة والاستحباب ، وأورد عليه أن الاستحباب أيضا حكم شرعي كالوجوب فلا وجه للفرق بينهما والاكتفاء فيه بأخبار الضعفاء والمجاهيل ، وكذا الكراهة والحرمة لا فرق بينهما في ذلك ، وأجيب عنه بأن الحكم بالاستحباب فيما ضعف مستنده ليس في الحقيقة بذلك الخبر الضعيف ، بل بالروايات الواردة في هذا الباب وغيره.

فإن قيل : هذه الروايات أيضا ليست صحيحة على مصطلح القوم؟ قلت : الخبر الأول وإن كان حسنا لكن حسن إبراهيم بن هاشم لا يقصر عن الصحيح ، مع أنه مؤيد

١١٢

...........................................................................

_________________________________________

بالخبر الثاني ، وبما رواه الصدوق في ثواب الأعمال عن أبيه عن علي بن موسى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن هشام عن صفوان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمله كان له أجر ذلك وإن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله ، وبما رواه البرقي في المحاسن عن أبيه عن أحمد بن النضر عن محمد بن مروان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من بلغه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان له ذلك الثواب وإن كان النبي لم يقله.

مع أنه روى البرقي بسند صحيح أيضا وإن غفل عنه الأكثر وقالوا : لم يرد فيه خبر صحيح حيث روي عن أبيه عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من بلغه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله ، وقد روته العامة أيضا بأسانيد عن النبي ، فلا يبعد عده من المتواترات فمهما عملنا بخبر ضعيف لم نعمل بهذا الخبر بل بهذه الأخبار المستفيضة الدالة على جواز العمل به ، وترتب الثواب عليه.

ومع ذلك فقد يخدش بوجوه : الأول : أن مفاد الروايات أنه إذا روي أن في العمل الفلاني ثوابا معينا فعمل أحد ذلك العمل رجاء ذلك الثواب يعطي ذلك الثواب وإن كان الخبر خلاف الواقع ولم يقله المعصومعليه‌السلام فلا تشمل هذه الأخبار ما لم يرد فيه ثواب مع أن الأصحاب يستدلون بالأخبار غير الصحيحة التي لم تشتمل على الثواب على الكراهة والاستحباب ، ويمكن أن يجاب بأن الأمر بالعبادة يستلزم ترتب الثواب عليه وإن لم يذكر في الخبر ، فإذا فعل المؤمن ذلك العمل رجاء للثواب المعلوم ترتبه على العمل وإن لم يعلم مقداره يكون داخلا في تلك الأخبار ، ولا بد أن يثاب في الجملة لاقتضائها ذلك ولا يخلو من تمحل.

الثاني : أن الثواب كما يكون للمستحب كذلك يكون للواجب أيضا ، فلم

١١٣

...........................................................................

_________________________________________

خصصوا الحكم بالمستحب ، والجواب أنك قد عرفت أنا لم نعمل بهذا الخبر الدال على الوجوب بل إنما عملنا بتلك الأخبار وهي لا تدل إلا على رجحان العمل به وترتب الثواب عليه ولا تدل على ترتب العقاب على تركه فالحكم الثابت لنار بهذا الخبر بانضمام تلك الروايات ليس إلا الحكم الاستحبابي فافهم.

الثالث : أن بين تلك الروايات وبين ما يدل على عدم جواز العمل بخبر الفاسق كقوله تعالى : «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا »(١) عموما من وجه ، فلا وجه لتخصيص الثاني بالأول بل العكس أولى لقطعية طريقه وتأيده بالأصل ، إذ الأصل عدم التكليف وبراءة الذمة منه ، ويمكن أن يجاب بأن الآية إنما تدل على عدم العمل بخبر الفاسق بدون التثبت والتبين ، والعمل به فيما نحن فيه بعد ورود الروايات ليس عملا بلا تثبت فلم تخصص الآية بالأخبار ، بل بسبب ورودها خرجت تلك الأخبار الضعيفة عن عنوان الحكم المثبت في الآية الكريمة.

الرابع : أن هذه المسألة أي ثبوت الاستحباب بالأدلة الضعيفة إنما هو من مسائل الأصول على المشهور وجواز الاكتفاء فيه بالظن الحاصل من خبر الواحد مشكل ، والجواب أن مثل هذا الخبر المشتهر بين الفريقين الوارد بأسانيد كثيرة مما يورث القطع بمضمونه ، مع أن وجوب تحقق العلم القطعي في جميع مسائل الأصول مما يمكن المناقشة فيه.

الخامس : أن عموم العمل الذي ورد في الخبر ترتب الثواب عليه غير معلوم ، فإنه فيما سبق من الأخبار نكرة في سياق الإثبات وهي غير مفيدة للعموم ، فحينئذ يحتمل أن يكون المراد فيها أن من سمع ثوابا من الله على عمل ثابت بدليل شرعي قطعي أو ظني جائز العمل به ، ثم عمل بذلك العمل أعطي ذلك الأجر فلا يدل

__________________

(١) سورة الحجرات : ٦.

١١٤

...........................................................................

_________________________________________

على إثبات أصل العمل بالأخبار الغير المعتبرة ، والجواب أن العمل وإن كان نكرة في إثبات وهو لا يفيد العموم إلا أنه لما كان مقنن القوانين ومن صدر عنه الحكم لما كان(١) حكيما لا يليق به أن يصدر عنه حكم مجمل لا يمكن العمل به ، ولا يفيد المخاطب فائدة تامة فلا بد من حمل النكرة على العموم ، مثلها في قوله تعالى : «عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ »(٢) وقولهم : تمرة خير من جرادة ، أو يقال أن العموم المستفاد من لفظة « من » كاف لإفادة عموم العمل أيضا فإنه يصدق على من بلغه ثواب من الله على عمل غير ثابت بدليل شرعي خارج أنه ممن بلغه الحديث ، فإن اسم الموصول وغيره من أدوات العموم كما يقتضي عموم الأفراد يقتضي عموم جميع ما يتعلق به ويتم به الصلة أو الاسم الذي دخل عليه أداة العموم.

ففي ما نحن فيه نقول : اسم الموصول دخل على بلغه ثواب من الله على عمل ، فكل شيء يصدق عليه أنه بلغه ثواب ما على عمل ما يتناوله اسم الموصول مع قطع النظر عن عمومه تناولا كتناول المطلق لأفراده ، ومعنى العموم شموله بحسب الحكم لكل ما تناوله تناولا إطلاقيا ، فلو فرضنا أن بلوغا ما أو ثوابا ما أو عملا ما خارج عن تعلق هذا الحكم لم يكن العام المفروض عاما لجميع من بلغه ثواب على عمل وهو يخل بالعموم.

ومن أقوى الشواهد على ذلك أن علماءنا وعلماء العامة اتفقوا على أن قوله تعالى : «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً »(٣) عام يشمل أولات الحمل وغيرها في قوله تعالى : «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ »(٤) واختلفوا في

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر زيادة « لما كان ».

(٢) سورة التكوير : ١٤.

(٣) سورة البقرة : ٢٣٤.

(٤) سورة الطلاق : ٤.

١١٥

...........................................................................

_________________________________________

ترجيح تخصيص أيهما بالآخر لما بينهما من العموم من وجه وقصة أمير المؤمنينعليه‌السلام في ذلك مع ابن مسعود مشهورة ، ولو لا ما ذكرنا أمكن أن يقال : أن أزواجا جمع منكر فلا عموم له ، وأولات الأحمال جمع مضاف فيعم فلا تعارض.

وبهذا يظهر فساد ما في شرح المختصر في بحث دلالة الأمر على الوجوب حيث استدل عليها بقوله : «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ »(١) الآية ، ثم اعترض بأن الاستدلال موقوف على عموم الأمر وهو مطلق ، وأجاب بأن الأمر مصدر مضاف فيعم ، وعلى ما ذكرنا تناول الأمر بإطلاقه لجميع الأوامر كاف إذ يكون المعنى حينئذ الأمر بحذر كل من يخالف أمرا ما من الأوامر فيدل على أن كل من يخالف أي أمر من الأوامر يتحقق في حقه مقتضى الحذر ، وما هو إلا استحقاق العقاب والشواهد علي ما ذكرنا كثيرة يظهر علي المتتبع.

ثم اعلم أنه يشكل ترتب الأحكام الأخر على هذا الفعل سوى ترتب الثواب عليه ، كما إذا ورد خبر ضعيف يدل على ترتب الثواب على غسل ، فعلى القول بحصول الاستباحة من الأغسال المندوبة يشكل حصول الاستباحة من هذا الغسل إلا أن يقال : لما ثبت بهذه الأخبار شرعية هذا الغسل يترتب عليه جميع الأحكام ، ولا فرق بين هذا الغسل وغيره من الأغسال المندوبة ، وكل دليل يدل على حصول الاستباحة من الأغسال الأخر ، يدل على هذا أيضا.

قال الشيخ البهائيقدس‌سره : يحتمل أن يراد بسماع الثواب مطلق بلوغه إليه ، سواء كان على سبيل الرواية أو الفتوى أو المذاكرة أو نحو ذلك ، كما لو أراه في شيء من كتب الحديث أو الفقه مثلا ، ويؤيد هذا التعميم أنه ورد في حديث آخر عن الصادقعليه‌السلام : من بلغه شيء من الثواب ، ويمكن أن يراد السماع من لفظ

__________________

(١) سورة النور : ٦٣.

١١٦

...........................................................................

_________________________________________

الراوي أو المفتي خاصة ، فإنه هو الشائع الغالب في الزمن السالف ، وأما الحمل على التحمل بأحد الوجوه الستة المشهورة فلا يخلو من بعد.

وظاهر الإطلاق أن ظن صدق الناقل غير شرط في ترتب الثواب ، فلو تساوى صدقه وكذبه في نظر السامع وعمل بقوله فاز بالأجر ، نعم يشترط عدم ظن كذبه لقيام بعض القرائن والظاهر أن تصريح الراوي بترتب الثواب غير شرط ، بل قوله إن العمل الفلاني مستحب أو مكروه كاف في ترتب الثواب على فعله أو تركه.

« على شيء »(١) أي على فعل شيء أو تركه « فصنعه » أي أتى بذلك الشيء سواء كان فعلا أو تركا « كان له أجره »(٢) الضمير في أجره إما أن يعود إلى الشيء أي كان له الأجر المرتب على ذلك الشيء أو إلى من ، أي كان لذلك العامل أجره أي الأجر الذي طلبه بذلك العمل « وإن لم يكن على ما بلغه » اسم يكن ضمير الشأن ويجوز عوده إلى الشيء أو الثواب أو المسموع ، ويؤيده أن في رواية أخرى وإن لم يكن الحديث كما بلغه ، انتهى.

وقال المحقق الدواني في أنموزجه : اتفقوا على أن الحديث الضعيف لا تثبت به الأحكام الشرعية ثم ذكروا أنه يجوز بل يستحب العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال ، وممن صرح بذلك النووي في كتبه ، لا سيما كتاب الأذكار ، وفيه إشكال لأن جواز العمل واستحبابه كلاهما من الأحكام الخمسة الشرعية فإذا استحب العمل بمقتضى الحديث الضعيف كان ثبوته بالحديث الضعيف ، وذلك ينافي ما تقرر من عدم ثبوت الأحكام بالأحاديث الضعيفة ، وقد حاول بعضهم التفصي عن ذلك وقال : مراد النبوي أنه إذا ثبت حديث حسن أو صحيح في فضيلة عمل من الأعمال يجوز رواية الحديث الضعيف في هذا الباب ، ولا يخفى أن هذا لا يرتبط بكلام النووي أصلا فضلا عن أن يكون مراده ذلك ، فلم يكن جواز العمل واستحبابه

__________________

(١) تتمة كلام الشيخ البهائي (ره).

(٢) كلمة « أجره » غير موجود في أكثر النسخ كما صرّح به الشارح (ره) أيضا.

١١٧

...........................................................................

_________________________________________

مجرد نقل الحديث ، على أنه لو لم يثبت الحديث الصحيح والحسن في فضيلة عمل يجوز نقل الحديث الضعيف فيها ، لا سيما مع التنبيه على ضعفه ، ومثل ذلك في كتب الحديث وغيره شائع كثير يشهد به من تتبع أدنى تتبع ، والذي يصلح للتعويل عليه حينئذ أنه إذا وجد حديث ضعيف في فضيلة عمل من الأعمال ، ولم يكن هذا العمل مما يحتمل الحرمة والكراهة فإنه يجوز العمل به ويستحب لأنه مأمون الخطر ومرجو النفع ، إذ دائر بين الإباحة والاستحباب ، فالاحتياط العمل به رجاء الثواب ، وأما إذا دار بين الحرمة والاستحباب فلا وجه لاستحباب العمل به ، وإذا دار بين الكراهة والاستحباب فمجال النظر فيه واسع إذ في العمل دغدغة الوقوع في المكروه ، وفي الترك مظنة ترك المستحب ، فلينظر إن كان خطر الكراهة أشد بأن تكون الكراهة المحتملة شديدة والاستحباب المحتمل ضعيفا فحينئذ يترجح الترك على الفعل ، فلا يستحب العمل به وإن كان الكراهة أضعف بأن تكون الكراهة على تقدير وقوعها كراهة ضعيفة دون مرتبة ترك العمل على تقدير استحبابه فالاحتياط العمل به ، وفي صورة المساواة تحتاج إلى نظر تام ، وأظن أنه يستحب أيضا لأن المباحات تصير بالنية عبادة فكيف ما فيه شبهة الاستحباب لأجل الحديث الضعيف ، فجواز العمل واستحبابه مشروطان ، أما جواز العمل فبعدم احتمال الحرمة وأما الاستحباب فبما ذكرنا مفصلا.

بقي هيهنا شيء وهو أنه إذا عدم احتمال الحرمة فجواز العمل ليس لأجل الحديث إذ لو لم يوجد يجوز العمل أيضا لأن المفروض انتفاء الحرمة ، لا يقال : الحديث الضعيف ينفى احتمال الحرمة؟ لأنا نقول : الحديث الضعيف لا يثبت به شيء من الأحكام الخمسة ، وانتفاء الحرمة يستلزم ثبوت الإباحة ، والإباحة حكم شرعي فلا يثبت بالحديث الضعيف ، ولعل مراد النووي ما ذكرنا ، وإنما ذكر

١١٨

...........................................................................

_________________________________________

الجواز توطئة للاستحباب ، وحاصل الجواب أن الجواز معلوم من خارج ، والاستحباب أيضا معلوم من القواعد الشرعية الدالة على استحباب الاحتياط في أمر الدين ، فلم يثبت شيء من الأحكام بالحديث الضعيف بل أوقع الحديث الضعيف شبهة الاستحباب ، فصار الاحتياط أن يعمل به ، واستحباب الاحتياط معلوم من قواعد الشرع ، انتهى.

واعترض عليه الشيخ البهائيقدس‌سره بأن خطر الحرمة في هذا الفعل الذي تضمن الحديث الضعيف استحبابه حاصل كلما فعله المكلف لرجاء الثواب ، لأنه لا يعتد به شرعا ولا يصير منشأ لاستحقاق الثواب إلا إذا فعله المكلف بقصد القربة ، ولاحظ رجحان فعله شرعا ، فإن الأعمال بالنيات وفعله على هذا الوجه مردد بين كونه سنة ورد الحديث في الجملة ، وبين كونه تشريعا وإدخالا لما ليس من الدين فيه ، ولا ريب أن ترك السنة أولى من الوقوع في البدعة ، فليس الفعل المذكور دائرا في وقت من الأوقات بين الإباحة والاستحباب ، بل هو دائما دائر بين الحرمة والاستحباب فتاركه متيقن للسلامة وفاعله متعرض للندامة.

على أن قولنا بدورانه بين الحرمة والاستحباب إنما هو على سبيل المماشاة وإرخاء العنان ، وإلا فالقول بالحرمة من غير ترديد ليس عن السداد ببعيد ، والتأمل الصادق على ذلك شهيد ، هذا.

وقد تفصى بعض الفضلاء عن أصل الإشكال بأن معنى قولهم يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال دون مسائل الحرام والحلال ، أنه إذا ورد حديث صحيح أو حسن في استحباب عمل وورد حديث ضعيف في أن ثوابه كذا وكذا ، جاز العمل بذلك الحديث الضعيف ، والحكم بترتب ذلك الثواب على ذلك الفعل ، وليس هذا الحكم أحد الأحكام الخمسة التي لا تثبت بالأحاديث الضعيفة.

وبعضهم بأن معنى قولهم الأحكام لا تثبت بالأحاديث الضعيفة أنها لا تستقل

١١٩

باب الصبر

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي

_________________________________________

بإثباتها لا أنها لا تصير مقوية ومؤكدة لما ثبت به ، ومعنى تجويزهم العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال أنه إذا دل على استحباب عمل حديثان صحيح وضعيف مثلا ، جاز للمكلف حال العمل ملاحظة دلالة الضعيف أيضا عليه ، فيكون عاملا به في الجملة ولا يخفى ما في هذين الكلامين من الخلل ، أما الأول فلمخالفة منطوق عبارات القوم فإنها صريحة في استحباب الإتيان بالفعل إذا ورد في استحبابه حديث ضعيف غير قابلة لهذا التأويل السخيف ، وأما الثاني فمع بعده وسماجته يقتضي عدم صحة التخصيص بفضائل الأعمال دون مسائل الحرام والحلال ، فإن العمل بالحديث الضعيف بهذا المعنى لا نزاع بين أهل الإسلام في جوازه في جميع الأحكام.

باب الصبر

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

وقال المحقق الطوسيقدس‌سره :الصبر حبس النفس عن الجزع عند المكروه ، وهو بمنع الباطن عن الاضطراب ، واللسان عن الشكاية ، والأعضاء عن الحركات غير المعتادة ، انتهى.

وقد مر وسيأتي أن الصبر يكون على البلاء وعلى فعل الطاعة وعلى ترك المعصية ، وعلى سوء أخلاق الخلق ، قال الراغب : الصبر الإمساك في ضيق ، يقال : صبرت الدابة حبستها بلا علف وصبرت فلانا حلفته حلفة لا خروج له منها ، والصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل أو الشرع أو عما يقتضيان حبسها عنه ، فالصبر لفظ عام وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه ، فإن كان حبس النفس لمصيبة سمي صبرا لا غير ، ويضاده الجزع ، وإن كان في محاربة سمي شجاعة ويضاده الجبن ،

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434