مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول13%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 434

  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11842 / تحميل: 6940
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٨

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

...........................................................................

_________________________________________

والمحب يختار رضا محبوبة ولا ينظر إلى ثواب ولا يحذر من عقاب ، وحبه تعالى إذا استولى على القلب يطهره عن حب ما سواه ، ولا يختار في شيء من الأمور إلا رضا مولاه ، كما روى الصدوق (ره) بإسناده عن الصادقعليه‌السلام أنه قال أن الناس يعبدون الله على ثلاثة أوجه فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع ، وآخرون يعبدونه فرقا من النار فتلك عبادة العبيد وهي رهبة ، ولكني أعبده حباله عز وجل فتلك عبادة الكرام وهو الأمن ، لقوله عز وجل : «وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ »(١) ولقوله عز وجل : «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ »(٢) فمن أحب الله أحبه الله ، ومن أحبه الله عز وجل كان من الآمنين.

وفي تفسير الإمامعليه‌السلام قال علي بن الحسينعليه‌السلام : إني أكره أن أعبد الله لأغراض لي ولثوابه ، فأكون كالعبد الطمع المطمع ، إن طمع عمل وإلا لم يعمل ، وأكره أن أعبده لخوف عباده فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل ، قيل : فلم تعبده؟ قال : لما هو أهله بأياديه على وإنعامه.

وقال محمد بن علي الباقرعليه‌السلام : لا يكون العبد عابد الله حق عبادته حتى ينقطع عن الخلق كله إليه ، فحينئذ يقول هذا خالص لي فيتقبله بكرمه.

وقال جعفر بن محمدعليه‌السلام : ما أنعم الله عز وجل على عبد أجل من أن لا يكون في قلبه مع الله غيره.

وقال موسى بن جعفرعليه‌السلام : أشرف الأعمال التقرب بعبادة الله عز وجل.

وقال علي الرضاعليه‌السلام : «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ »(٣) قول لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله ، وخليفة محمد رسول الله حقا وخلفاؤه خلفاء الله «وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ

__________________

(١) سورة النمل : ٨٩.

(٢) سورة آل عمران : ٣١.

(٣) سورة فاطر : ١٠.

١٠١

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن العبد المؤمن الفقير ليقول يا رب ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير فإذا علم الله عز وجل ذلك منه بصدق نية كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله إن الله واسع كريم.

_________________________________________

يَرْفَعُهُ » علمه في قلبه بأن هذا صحيح كما قلته بلساني.

وأقول : لكل من النيات الفاسدة والصحيحة أفراد أخرى يعلم بالمقايسة بما ذكرنا ، وهي تابعة لأحواله وصفاته وملكاته الراسخة منبعثة عنها ، ومن هذا يظهر سر أن أهل الجنة يخلدون فيها بنياتهم لأن النية الحسنة تستلزم طينة طيبة وصفات حسنة وملكات جميلة ، تستحق الخلود بذلك ، إذ لم يكن مانع العمل من قبله ، فهو بتلك الحالة مهيئ للأعمال الحسنة والأفعال الجميلة ، والكافر مهيئ لضد ذلك ، وبتلك الصفات الخبيثة المستلزمة لتلك النية الرديئة استحق الخلود في النار.

وبما ذكرنا ظهر معنىقوله عليه‌السلام : وكل عامل يعمل على نيته ، أي عمل كل عامل يقع على وفق نيته في النقص والكمال والرد والقبول ، والمدار عليها كما عرفت ، وعلى بعض الاحتمالات المعنى أن النية سبب للفعل وباعث عليه ، ولا يتأتى العمل إلا بها كما مر.

الحديث الثالث : صحيح.

« ليقول » أي بلسانه أو بقلبه أو الأعم منهما« فإذا علم الله عز وجل ذلك » أي علم أنه إن رزقه يفي بما يعده من الخير فإن كثيرا من المتمنيات والمواعيد كاذبة لا يفي الإنسان به «إِنَّ اللهَ واسِعٌ » القدرة أو واسع العطاء« كريم » بالذات ، فالإثابة على نية الخير من سعة جوده وكرمه لا من استحقاقهم ذلك.

قال الشيخ البهائيقدس‌سره : هذا الحديث يمكن أن يجعل تفسيرا لقولهعليه‌السلام نية المؤمن خير من عمله ، فإن المؤمن ينوي كثيرا من هذه النيات فيثاب عليها ولا يتيسر العمل إلا قليلا ، انتهى.

١٠٢

...........................................................................

_________________________________________

وأقول : النية تطلق على النية المقارنة للفعل وعلى العزم المتقدم عليه ، سواء تيسر العمل أم لا ، وعلى التمني للفعل وإن علم عدم تمكنه منه ، والمراد هنا أحد المعنيين الأخيرين ، ويمكن أن يقال : إن النية لما كانت من الأفعال الاختيارية القلبية فلا محالة يترتب عليها ثواب ، وإذا فعل الفعل المنوي يترتب عليه ثواب آخر ، ولا ينافي اشتراط العمل بها تعدد الثواب كما أن الصلاة صحتها مشروطة بالوضوء ويترتب على كل منهما ثواب إذا اقترنا ، فإذا لم يتيسر الفعل لعدم دخوله تحت قدرته أو لمانع عرض له يثاب على العزم ، وترتب الثواب عليه غير مشروط بحصول الفعل ، بل بعدم تقصيره فيه فالثواب الوارد في الخبر يحتمل أن يكون هذا الثواب فله مع الفعل ثوابان ، وبدونه ثواب واحد ، فلا يلزم كون العمل لغوا ولا كون ثواب النية والعمل معا كثوابها فقط ، ويحتمل أن يكون ثواب النية كثوابها مع العمل بلا مضاعفة ومع العمل يضاعف عشر أمثالها أو أكثر.

ويؤيده ما سيأتي أن الله جعل لآدم أن من هم من ذريته بسيئة لم تكتب عليه ، وإن عملها كتبت عليه سيئة ، ومن هم منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة ، فإن هو عملها كتبت له عشرا ، وإن أمكن حمله على ما إذا لم يعملها مع القدرة عليها ، وعلى ما حققنا أن النية تابعة للشاكلة والحالة ، وأن كمالها لا يحصل إلا بكمال النفس واتصافها بالأخلاق الرضية الواقعية فلا استبعاد في تساوي ثواب من عزم على فعل على وجه خاص من الكمال ولم يتيسر له ، ومن فعله على هذا الوجه.

وقيل : أثابه المؤمن بنيته أمر خير متفق عليه بين الأمة ورواه الخاصة والعامة روى مسلم بإسناده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولو لم تصبه ، وبإسناد آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ، قال المازري : وفيهما دلالة على أن من نوى شيئا من أعمال

١٠٣

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن أسباط ، عن محمد بن إسحاق بن الحسين ، عن عمرو ، عن حسن بن أبان ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن حد العبادة التي إذا فعلها فاعلها كان مؤديا فقال حسن النية بالطاعة.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقري ، عن أحمد بن يونس ، عن أبي هاشم قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا وإنما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا فبالنيات خلد هؤلاء وهؤلاء ثم تلا قوله تعالى : «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ »(١)

_________________________________________

البر ولم يفعله لعذر كان بمنزلة من عمله ، وعلى استحباب طلب الشهادة ونية الخير وقد صرح بذلك جماعة من علمائهم حتى قال الآبي : لو لم ينوه كان حاله حال المنافق لا يفعل الخير ولا ينويه.

الحديث الرابع : مجهول وقد مضى الكلام فيه ، والحاصل أنهحد العبادة الصحيحة المقبولة بالنية الحسنة غير المشوبة مع طاعة الإمام لأنهما العمدة في الصحة والقبول ، فالحمل على المبالغة ، أو المراد بالطاعة الإتيان بالوجوه التي يطاع الله منها مطلقا.

الحديث الخامس : ضعيف.

وكان الاستشهاد بالآية مبني على ما حققنا سابقا أن المدار في الأعمال علي النية التابعة للحالة التي اتصفت النفس بها من العقائد والأخلاق الحسنة والسيئة فإذا كانت النفس على العقائد الثابتة والأخلاق الحسنة الراسخة التي لا يتخلف عنها الأعمال الصالحة الكاملة لو بقي في الدنيا أبدا فبتلك الشاكلة والحالة استحق الخلود في الجنة ، وإذا كانت على العقائد الباطلة والأخلاق الرديئة التي علم الله تعالى أنه لو بقي في الدنيا أبدا لعصى الله تعالى دائما فبتلك الشاكلة استحق الخلود في النار

__________________

(١) سورة الإسراء : ٨٤.

١٠٤

قال على نيته.

_________________________________________

لا بالأعمال التي لم يعملها.

فلا يرد أنه ينافي الأخبار الواردة في أنه إذا أراد السيئة ولم يعملها لم تكتب عليه ، مع أنه يمكن حمله على ما إذا لم تصر شاكلة له ، ولم تكن بحيث علم الله أنه لو بقي لأتى بها ، أو يحمل عدم كتابة السيئة على المؤمنين ، وهذا إنما هو في الكفار وقد يستدل بهذا الخبر على أن كل كافر يمكن في حقه التوبة والإيمان لا يموت على الكفر.

أقول : ويمكن أن يستدل به على أن بالعزم على المعصية يستحق العقاب وإن عفا الله عن المؤمنين تفضلا.

وما ذكره المحقق الطوسي (ره) في التجريد في مسألة خلق الأعمال حيث قال : وإرادة القبيح قبيحة يدل على أنه بعد إرادة العباد للحرام فعلا قبيحا محرما وهو الظاهر من كلام أكثر الأصحاب سواء كان تاما مستتبعا للقبيح أو عزما ناقصا غير مستتبع لكن قد تقرر عندهم أن إرادة القبيح إذا كانت غير مقارنة لفعل قبيح يتعلق بها العفو كما دلت عليه الروايات وسيأتي بعضها ، وأما إذا كانت مقارنة فلعله أيضا كذلك وادعى بعضهم الإجماع على أن فعل المعصية لا تتعلق به إلا أثم واحد ، ومن البعيد أن يتعلق به إثمان أحدهما بإرادته والآخر بإيقاعه.

قال بعض المحققين من المعاصرين في شرح هذه الفقرة المنقولة من التجريد بعد إيراد نحو مما ذكرنا : فيندفع حينئذ التدافع بين ما ذكره المصنف (ره) من قبح إرادة القبيح وبين ما هو المشهور من أن الله تعالى لا يعاقب بإرادة الحرام وإنما يعاقب بفعله ، وما أوله به بعضهم من أن المراد أنه لا يعاقب العقوبة الخاصة بفعل المعصية بمجرد إرادتها ويثيب الثواب الخاص بفعل الطاعة بمجرد إرادتها ، ففيه أن شيئا من ذلك غير صحيح ، فإن الظاهر من النصوص أنه تعالى لا يعاقب ولا يؤاخذ على إرادة المعصية أصلا وأن الإجماع قائم على أن ثواب الطاعة لا يترتب على إرادتها

١٠٥

باب

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن الأحول ، عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ألا إن لكل عبادة شرة ثم تصير إلى فترة فمن صارت شرة عبادته إلى سنتي فقد اهتدى ومن

_________________________________________

بل المترتب عليها نوع آخر من الثواب يختلف باختلاف الأحوال المقارنة لها من خلوص النية وشدة الجد فيها ، والاستمرار عليها إلى غير ذلك ، ولا مانع من أن يصير في بعض الأحوال أعظم من ثواب نفس الفعل الذي لم يكن لصاحبه تلك الإرادة البالغة الجامعة لهذه الخصوصيات وكان تتبع الآثار المأثورة يغني عن الإطالة في هذا الباب.

وأقول : قد عرفت بعض ما حققنا في ذلك وسيأتي إنشاء الله تمام الكلام عند شرح بعض الأخبار في أواخر هذا المجلد ، وقد مر بعض القول فيه في باب أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن.

باب

إنما لم يعنون الباب لأنه يمكن إدخاله في عنوان الباب الآتي ، ولعله لو ذكر بعده كان أولى ، وأما مناسبته للباب السابق كما توهم فهي ضعيفة.

الحديث الأول : مجهول.

« إن لكل عبادة شرة » الشره بكسر الشين وتشديد الراء شدة الرغبة ، قال في النهاية فيه : إن لهذا القرآن شرة ، ثم إن للناس عنه فترة ، الشره : النشاط والرغبة ، ومنه الحديث الآخر : لكل عابد شرة ، وقال في حديث ابن مسعود : أنه مرض فبكى فقال : إنما أبكي لأنه أصابني على حال فترة ، ولم يصبني على حال اجتهاد ، أي في حال سكون وتقليل من العبادات والمجاهدات ، انتهى.

١٠٦

خالف سنتي فقد ضل وكان عمله في تباب أما إني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأضحك وأبكي فمن رغب عن منهاجي وسنتي فليس مني وقال كفى بالموت موعظة وكفى باليقين غنى وكفى بالعبادة شغلا.

_________________________________________

« إلى سنتي » أي منتهيا إليها ، أو إلى بمعنى مع ، أي لا تدعوه كثرة الرغبة في العبادة إلى ارتكاب البدع كالرياضات المبتدعة للمتصوفة ، بل يعمل بالسنن والتطوعات الواردة في السنة ، ويحتمل أن يكون المراد بانتهاء الشره أن يكون ترك الشره بالاقتصاد والاكتفاء بالسنن وترك بعض التطوعات لا بترك السنن أيضا ، ويؤيده الخبر الآتي.

« في تباب » أي تباب العمل أو صاحبه ، والتباب الخسران والهلاك ، وفي بعض النسخ في تبار بالراء وهو أيضا الهلاك.

« كفى بالموت موعظة » الباء زائدة والموعظة ما يتعظ الإنسان به ، ويصير سببا لانزجار النفس عن الخطايا والميل إلى الدنيا والركون إليها وأعظمها الموت ، إذ العاقل إذا تفكر فيه وفي غمراته وما يعقبه من أحوال البرزخ والقيامة وأهوالها وما فعله بأهل الدنيا من قطع أيديهم عنها وإخراجهم منها طوعا أو كرها فجأة من غير اطلاع منهم على وقت نزوله وكيفية حلوله ، هانت عنده الدنيا وما فيها ، وشرع في التهيئة له إن أعطاه الله تعالى بصيرة في ذلك.

« وكفى باليقين غنى » أي كفى اليقين بأن الله رازق العباد ، وأنه يوسع على من يشاء ويقتر على من يشاء بحسب المصالح سببا لغني النفس وعدم الحرص وترك التوسل بالمخلوقين ، وهو من اليقين بالقضاء والقدر ، وقد مر في باب اليقين أنه يطلق غالبا عليه« وكفى بالعبادة شغلا » كان المقصود أن النفس يطلب شغلا يشتغل به ، فإذا شغلها المرء بالعبادة تحيط بجميع أوقاته فلا يكون له فراغ يصرفه في الملاهي ، وإذا لم يشتغل بالعبادة يدعوه الفراغ إلى البطر واللهو وصرف العمر في المعاصي والملاهي

١٠٧

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحجال ، عن ثعلبة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لكل أحد شرة ولكل شرة فترة فطوبى لمن كانت فترته إلى خير.

باب

الاقتصاد في العبادة

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن هذا الدين متين فأوغلوا

_________________________________________

والأمور الباطلة ، كسماع القصص الكاذبة وأمثالها ، والغرض الترغيب في العبادة وبيان عمدة ثمراتها ، والظاهر أن هذه الفقرات الأخيرة مواعظ آخر لا ارتباط لها بما تقدمها ، وقد يتكلف بجعلها مربوطة بها بأن المراد بالأولى كفى الموت موعظة في عدم مخالفته السنة ، وكفى اليقين غنى لئلا يطلب الدنيا بالرياء وارتكاب البدع ، وكفت العبادة المقررة الشرعية شغلا ، فلا يلزم الاشتغال بالبدع.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور وقد مر مضمونه.

والحاصل أن لكل أحد شوقا ونشاطا في العبادة في أول الأمر ، ثم يعرض له فترة وسكون ، فمن كانت فترته بالاكتفاء بالسنن وترك البدع أو ترك التطوعات الزائدة فطوبى له ، ومن كانت فترته بترك السنن أيضا أو بترك الطاعات رأسا وارتكاب المعاصي ، أو بالاقتصار على البدع فويل له ، وقد مر في آخر كتاب العقل بسند آخر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : ما من أحد إلا وله شرة وفترة فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى بدعة فقد غوى ، وهو يؤيد ما ذكرنا.

باب الاقتصاد في العبادة

الحديث الأول : ضعيف بسنديه.

وقال في النهايةالمتين الشديد القوي ، وقال فيه :إن هذا الدين متين فأوغل

١٠٨

فيه برفق ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله فتكونوا كالراكب المنبت الذي لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى.

محمد بن سنان ، عن مقرن ، عن محمد بن سوقة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام مثله.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا تكرهوا

_________________________________________

فيه برفق ، الإيغال : السير الشديد يقال : أوغل القوم وتوغلوا إذا أمعنوا في سيرهم ، والوغول الدخول في الشيء وقد وغل يغل وغولا يريد : سر فيه برفق ، وأبلغ الغاية القصوى منه بالرفق ، لا على سبيل التهافت والخرق ، ولا تحمل نفسك وتكلفها ما لا تطيقه فتعجز وتترك الدين والعمل.

وقال فيه : فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ، يقال للرجل إذا انقطع به في سفره وعطبت راحلته قد أنبت من البت القطع ، وهو مطاوع بت يقال بتة وأبته يريد أنه بقي في طريقه عاجزا عن مقصده لم يقض وطره وقد أعطب ظهره ، انتهى.

« ولا تكرهوا عبادة الله » كان المعنى أنكم إذا أفرطتم في الطاعات يريد الناس متابعتكم في ذلك ، فيشق عليهم فيكرهون عبادة الله ويفعلونها من غير رغبة وشوق ، ويحتمل أن يكون أوغلوا في فعل أنفسهم ولا تكرهوا في دعوة الغير ، أي لا تحملوا على الناس في تعليمهم وهدايتهم فوق سعتهم وما يشق عليهم كما مر في حديث الرجل الذي هدى النصراني في باب درجات الإيمان ، ويحتمل أن يكون عباد الله شاملا لأنفسهم أيضا ، ويمكن أن يكون الإيغال هنا متعديا أي أدخلوا الناس فيه برفق ليوافق الفقرة الثانية ، قال في القاموس : وغل في الشيء يغل وغولا دخل وتوارى ، أو بعد وذهب ، وأوغل في البلاد والعلم ذهب وبالغ وأبعد كتوغل ، وكل داخل مستعجلا موغل ، وقد أوغلته الحاجة.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

١٠٩

إلى أنفسكم العبادة.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حنان بن سدير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن الله عز وجل إذا أحب عبدا فعمل عملا قليلا جزاه بالقليل الكثير ولم يتعاظمه أن يجزي بالقليل الكثير له.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم ، عن منصور ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال مر بي أبي وأنا بالطواف وأنا حدث وقد اجتهدت في العبادة فرآني وأنا أتصاب عرقا فقال لي يا جعفر يا بني إن الله إذا أحب عبدا أدخله الجنة ورضي عنه باليسير.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري وغيره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال اجتهدت في العبادة وأنا شاب فقال لي أبيعليه‌السلام يا بني

_________________________________________

وحاصله النهي عن الإفراط في التطوعات بحيث يكرهها النفس ، ولا يكون فيها راغبا ناشطا.

الحديث الثالث : موثق.

وفي القاموستعاظمه عظم عليه ، وكان في أكثر هذه الأخبار إشارة إلى أن السعي في زيادة كيفية العمل أحسن من السعي في زيادة كميته ، وأن السعي في تصحيح العقائد والأخلاق أهم من السعي في كثرة الأعمال.

الحديث الرابع : مجهول.

« إذا أحب عبدا » أي بحسن العقائد والأخلاق ورعاية الشرائط في الأعمال التي منها التقوى.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

١١٠

دون ما أراك تصنع فإن الله عز وجل إذا أحب عبدا رضي عنه باليسير.

٦ ـ حميد بن زياد ، عن الخشاب ، عن ابن بقاح ، عن معاذ بن ثابت ، عن عمرو بن جميع ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا علي إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك فإن المنبت يعني المفرط لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرما واحذر حذر من يتخوف أن يموت غدا

_________________________________________

« دون ما أراك تصنع » دون منصوب بفعل مقدر أي أصنع دون ذلك.

الحديث السادس : ضعيف.

« فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرما » أي تأن وارفق ولا تستعجل ، فإن من يرجو البقاء طويلا لا يسارع في الفعل كثيرا ، أو أن من يرجو ذلك لا يتعب نفسه بل يداري بدنه ولا ينهكه بكثرة الصيام والسهر وأمثالها ، واحذر عن المنهيات كحذر من يخاف أن يموت غدا ، قيل : ولعل السر فيه أن العبادات أعمال وفيها تعب الأركان وشغل عما سواها ، فأمر فيها بالرفق والاقتصاد كيلا تكل بها الجوارح ولا تبغضها النفس ، ولا تفوت بسببها حق من الحقوق ، فأما الحذر عن المعاصي والمنهيات فهو ترك واطراح وليس فيه كثير كد ولا ملالة ، ولا شغل عن شيء فيترك ترك من يخاف أن يموت غدا على معصية الله تعالى ، وقيل : الفرق أن فعل الطاعات نفل وفضل ، وترك المخالفات حتم وفرض.

١١١

باب

من بلغه ثواب من الله على عمل

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه كان له وإن لم يكن على ما بلغه.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن عمران الزعفراني ، عن محمد بن مروان قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه.

_________________________________________

باب من بلغه ثواب من الله على عمل

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« كان » أي الثواب« له » وفي بعض النسخ كان له أجره.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

ويدل على صحة العمل بنية الثواب وأنها لا تنافي الإخلاص كما عرفت.

فائدة جليلة

اعلم أن أصحابنا رضوان الله عليهم كثيرا ما يستدلون بالأخبار الضعيفة والمجهولة على السنن والآداب ، ويحكمون بها بالكراهة والاستحباب ، وأورد عليه أن الاستحباب أيضا حكم شرعي كالوجوب فلا وجه للفرق بينهما والاكتفاء فيه بأخبار الضعفاء والمجاهيل ، وكذا الكراهة والحرمة لا فرق بينهما في ذلك ، وأجيب عنه بأن الحكم بالاستحباب فيما ضعف مستنده ليس في الحقيقة بذلك الخبر الضعيف ، بل بالروايات الواردة في هذا الباب وغيره.

فإن قيل : هذه الروايات أيضا ليست صحيحة على مصطلح القوم؟ قلت : الخبر الأول وإن كان حسنا لكن حسن إبراهيم بن هاشم لا يقصر عن الصحيح ، مع أنه مؤيد

١١٢

...........................................................................

_________________________________________

بالخبر الثاني ، وبما رواه الصدوق في ثواب الأعمال عن أبيه عن علي بن موسى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن هشام عن صفوان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمله كان له أجر ذلك وإن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله ، وبما رواه البرقي في المحاسن عن أبيه عن أحمد بن النضر عن محمد بن مروان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من بلغه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان له ذلك الثواب وإن كان النبي لم يقله.

مع أنه روى البرقي بسند صحيح أيضا وإن غفل عنه الأكثر وقالوا : لم يرد فيه خبر صحيح حيث روي عن أبيه عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من بلغه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله ، وقد روته العامة أيضا بأسانيد عن النبي ، فلا يبعد عده من المتواترات فمهما عملنا بخبر ضعيف لم نعمل بهذا الخبر بل بهذه الأخبار المستفيضة الدالة على جواز العمل به ، وترتب الثواب عليه.

ومع ذلك فقد يخدش بوجوه : الأول : أن مفاد الروايات أنه إذا روي أن في العمل الفلاني ثوابا معينا فعمل أحد ذلك العمل رجاء ذلك الثواب يعطي ذلك الثواب وإن كان الخبر خلاف الواقع ولم يقله المعصومعليه‌السلام فلا تشمل هذه الأخبار ما لم يرد فيه ثواب مع أن الأصحاب يستدلون بالأخبار غير الصحيحة التي لم تشتمل على الثواب على الكراهة والاستحباب ، ويمكن أن يجاب بأن الأمر بالعبادة يستلزم ترتب الثواب عليه وإن لم يذكر في الخبر ، فإذا فعل المؤمن ذلك العمل رجاء للثواب المعلوم ترتبه على العمل وإن لم يعلم مقداره يكون داخلا في تلك الأخبار ، ولا بد أن يثاب في الجملة لاقتضائها ذلك ولا يخلو من تمحل.

الثاني : أن الثواب كما يكون للمستحب كذلك يكون للواجب أيضا ، فلم

١١٣

...........................................................................

_________________________________________

خصصوا الحكم بالمستحب ، والجواب أنك قد عرفت أنا لم نعمل بهذا الخبر الدال على الوجوب بل إنما عملنا بتلك الأخبار وهي لا تدل إلا على رجحان العمل به وترتب الثواب عليه ولا تدل على ترتب العقاب على تركه فالحكم الثابت لنار بهذا الخبر بانضمام تلك الروايات ليس إلا الحكم الاستحبابي فافهم.

الثالث : أن بين تلك الروايات وبين ما يدل على عدم جواز العمل بخبر الفاسق كقوله تعالى : «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا »(١) عموما من وجه ، فلا وجه لتخصيص الثاني بالأول بل العكس أولى لقطعية طريقه وتأيده بالأصل ، إذ الأصل عدم التكليف وبراءة الذمة منه ، ويمكن أن يجاب بأن الآية إنما تدل على عدم العمل بخبر الفاسق بدون التثبت والتبين ، والعمل به فيما نحن فيه بعد ورود الروايات ليس عملا بلا تثبت فلم تخصص الآية بالأخبار ، بل بسبب ورودها خرجت تلك الأخبار الضعيفة عن عنوان الحكم المثبت في الآية الكريمة.

الرابع : أن هذه المسألة أي ثبوت الاستحباب بالأدلة الضعيفة إنما هو من مسائل الأصول على المشهور وجواز الاكتفاء فيه بالظن الحاصل من خبر الواحد مشكل ، والجواب أن مثل هذا الخبر المشتهر بين الفريقين الوارد بأسانيد كثيرة مما يورث القطع بمضمونه ، مع أن وجوب تحقق العلم القطعي في جميع مسائل الأصول مما يمكن المناقشة فيه.

الخامس : أن عموم العمل الذي ورد في الخبر ترتب الثواب عليه غير معلوم ، فإنه فيما سبق من الأخبار نكرة في سياق الإثبات وهي غير مفيدة للعموم ، فحينئذ يحتمل أن يكون المراد فيها أن من سمع ثوابا من الله على عمل ثابت بدليل شرعي قطعي أو ظني جائز العمل به ، ثم عمل بذلك العمل أعطي ذلك الأجر فلا يدل

__________________

(١) سورة الحجرات : ٦.

١١٤

...........................................................................

_________________________________________

على إثبات أصل العمل بالأخبار الغير المعتبرة ، والجواب أن العمل وإن كان نكرة في إثبات وهو لا يفيد العموم إلا أنه لما كان مقنن القوانين ومن صدر عنه الحكم لما كان(١) حكيما لا يليق به أن يصدر عنه حكم مجمل لا يمكن العمل به ، ولا يفيد المخاطب فائدة تامة فلا بد من حمل النكرة على العموم ، مثلها في قوله تعالى : «عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ »(٢) وقولهم : تمرة خير من جرادة ، أو يقال أن العموم المستفاد من لفظة « من » كاف لإفادة عموم العمل أيضا فإنه يصدق على من بلغه ثواب من الله على عمل غير ثابت بدليل شرعي خارج أنه ممن بلغه الحديث ، فإن اسم الموصول وغيره من أدوات العموم كما يقتضي عموم الأفراد يقتضي عموم جميع ما يتعلق به ويتم به الصلة أو الاسم الذي دخل عليه أداة العموم.

ففي ما نحن فيه نقول : اسم الموصول دخل على بلغه ثواب من الله على عمل ، فكل شيء يصدق عليه أنه بلغه ثواب ما على عمل ما يتناوله اسم الموصول مع قطع النظر عن عمومه تناولا كتناول المطلق لأفراده ، ومعنى العموم شموله بحسب الحكم لكل ما تناوله تناولا إطلاقيا ، فلو فرضنا أن بلوغا ما أو ثوابا ما أو عملا ما خارج عن تعلق هذا الحكم لم يكن العام المفروض عاما لجميع من بلغه ثواب على عمل وهو يخل بالعموم.

ومن أقوى الشواهد على ذلك أن علماءنا وعلماء العامة اتفقوا على أن قوله تعالى : «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً »(٣) عام يشمل أولات الحمل وغيرها في قوله تعالى : «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ »(٤) واختلفوا في

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر زيادة « لما كان ».

(٢) سورة التكوير : ١٤.

(٣) سورة البقرة : ٢٣٤.

(٤) سورة الطلاق : ٤.

١١٥

...........................................................................

_________________________________________

ترجيح تخصيص أيهما بالآخر لما بينهما من العموم من وجه وقصة أمير المؤمنينعليه‌السلام في ذلك مع ابن مسعود مشهورة ، ولو لا ما ذكرنا أمكن أن يقال : أن أزواجا جمع منكر فلا عموم له ، وأولات الأحمال جمع مضاف فيعم فلا تعارض.

وبهذا يظهر فساد ما في شرح المختصر في بحث دلالة الأمر على الوجوب حيث استدل عليها بقوله : «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ »(١) الآية ، ثم اعترض بأن الاستدلال موقوف على عموم الأمر وهو مطلق ، وأجاب بأن الأمر مصدر مضاف فيعم ، وعلى ما ذكرنا تناول الأمر بإطلاقه لجميع الأوامر كاف إذ يكون المعنى حينئذ الأمر بحذر كل من يخالف أمرا ما من الأوامر فيدل على أن كل من يخالف أي أمر من الأوامر يتحقق في حقه مقتضى الحذر ، وما هو إلا استحقاق العقاب والشواهد علي ما ذكرنا كثيرة يظهر علي المتتبع.

ثم اعلم أنه يشكل ترتب الأحكام الأخر على هذا الفعل سوى ترتب الثواب عليه ، كما إذا ورد خبر ضعيف يدل على ترتب الثواب على غسل ، فعلى القول بحصول الاستباحة من الأغسال المندوبة يشكل حصول الاستباحة من هذا الغسل إلا أن يقال : لما ثبت بهذه الأخبار شرعية هذا الغسل يترتب عليه جميع الأحكام ، ولا فرق بين هذا الغسل وغيره من الأغسال المندوبة ، وكل دليل يدل على حصول الاستباحة من الأغسال الأخر ، يدل على هذا أيضا.

قال الشيخ البهائيقدس‌سره : يحتمل أن يراد بسماع الثواب مطلق بلوغه إليه ، سواء كان على سبيل الرواية أو الفتوى أو المذاكرة أو نحو ذلك ، كما لو أراه في شيء من كتب الحديث أو الفقه مثلا ، ويؤيد هذا التعميم أنه ورد في حديث آخر عن الصادقعليه‌السلام : من بلغه شيء من الثواب ، ويمكن أن يراد السماع من لفظ

__________________

(١) سورة النور : ٦٣.

١١٦

...........................................................................

_________________________________________

الراوي أو المفتي خاصة ، فإنه هو الشائع الغالب في الزمن السالف ، وأما الحمل على التحمل بأحد الوجوه الستة المشهورة فلا يخلو من بعد.

وظاهر الإطلاق أن ظن صدق الناقل غير شرط في ترتب الثواب ، فلو تساوى صدقه وكذبه في نظر السامع وعمل بقوله فاز بالأجر ، نعم يشترط عدم ظن كذبه لقيام بعض القرائن والظاهر أن تصريح الراوي بترتب الثواب غير شرط ، بل قوله إن العمل الفلاني مستحب أو مكروه كاف في ترتب الثواب على فعله أو تركه.

« على شيء »(١) أي على فعل شيء أو تركه « فصنعه » أي أتى بذلك الشيء سواء كان فعلا أو تركا « كان له أجره »(٢) الضمير في أجره إما أن يعود إلى الشيء أي كان له الأجر المرتب على ذلك الشيء أو إلى من ، أي كان لذلك العامل أجره أي الأجر الذي طلبه بذلك العمل « وإن لم يكن على ما بلغه » اسم يكن ضمير الشأن ويجوز عوده إلى الشيء أو الثواب أو المسموع ، ويؤيده أن في رواية أخرى وإن لم يكن الحديث كما بلغه ، انتهى.

وقال المحقق الدواني في أنموزجه : اتفقوا على أن الحديث الضعيف لا تثبت به الأحكام الشرعية ثم ذكروا أنه يجوز بل يستحب العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال ، وممن صرح بذلك النووي في كتبه ، لا سيما كتاب الأذكار ، وفيه إشكال لأن جواز العمل واستحبابه كلاهما من الأحكام الخمسة الشرعية فإذا استحب العمل بمقتضى الحديث الضعيف كان ثبوته بالحديث الضعيف ، وذلك ينافي ما تقرر من عدم ثبوت الأحكام بالأحاديث الضعيفة ، وقد حاول بعضهم التفصي عن ذلك وقال : مراد النبوي أنه إذا ثبت حديث حسن أو صحيح في فضيلة عمل من الأعمال يجوز رواية الحديث الضعيف في هذا الباب ، ولا يخفى أن هذا لا يرتبط بكلام النووي أصلا فضلا عن أن يكون مراده ذلك ، فلم يكن جواز العمل واستحبابه

__________________

(١) تتمة كلام الشيخ البهائي (ره).

(٢) كلمة « أجره » غير موجود في أكثر النسخ كما صرّح به الشارح (ره) أيضا.

١١٧

...........................................................................

_________________________________________

مجرد نقل الحديث ، على أنه لو لم يثبت الحديث الصحيح والحسن في فضيلة عمل يجوز نقل الحديث الضعيف فيها ، لا سيما مع التنبيه على ضعفه ، ومثل ذلك في كتب الحديث وغيره شائع كثير يشهد به من تتبع أدنى تتبع ، والذي يصلح للتعويل عليه حينئذ أنه إذا وجد حديث ضعيف في فضيلة عمل من الأعمال ، ولم يكن هذا العمل مما يحتمل الحرمة والكراهة فإنه يجوز العمل به ويستحب لأنه مأمون الخطر ومرجو النفع ، إذ دائر بين الإباحة والاستحباب ، فالاحتياط العمل به رجاء الثواب ، وأما إذا دار بين الحرمة والاستحباب فلا وجه لاستحباب العمل به ، وإذا دار بين الكراهة والاستحباب فمجال النظر فيه واسع إذ في العمل دغدغة الوقوع في المكروه ، وفي الترك مظنة ترك المستحب ، فلينظر إن كان خطر الكراهة أشد بأن تكون الكراهة المحتملة شديدة والاستحباب المحتمل ضعيفا فحينئذ يترجح الترك على الفعل ، فلا يستحب العمل به وإن كان الكراهة أضعف بأن تكون الكراهة على تقدير وقوعها كراهة ضعيفة دون مرتبة ترك العمل على تقدير استحبابه فالاحتياط العمل به ، وفي صورة المساواة تحتاج إلى نظر تام ، وأظن أنه يستحب أيضا لأن المباحات تصير بالنية عبادة فكيف ما فيه شبهة الاستحباب لأجل الحديث الضعيف ، فجواز العمل واستحبابه مشروطان ، أما جواز العمل فبعدم احتمال الحرمة وأما الاستحباب فبما ذكرنا مفصلا.

بقي هيهنا شيء وهو أنه إذا عدم احتمال الحرمة فجواز العمل ليس لأجل الحديث إذ لو لم يوجد يجوز العمل أيضا لأن المفروض انتفاء الحرمة ، لا يقال : الحديث الضعيف ينفى احتمال الحرمة؟ لأنا نقول : الحديث الضعيف لا يثبت به شيء من الأحكام الخمسة ، وانتفاء الحرمة يستلزم ثبوت الإباحة ، والإباحة حكم شرعي فلا يثبت بالحديث الضعيف ، ولعل مراد النووي ما ذكرنا ، وإنما ذكر

١١٨

...........................................................................

_________________________________________

الجواز توطئة للاستحباب ، وحاصل الجواب أن الجواز معلوم من خارج ، والاستحباب أيضا معلوم من القواعد الشرعية الدالة على استحباب الاحتياط في أمر الدين ، فلم يثبت شيء من الأحكام بالحديث الضعيف بل أوقع الحديث الضعيف شبهة الاستحباب ، فصار الاحتياط أن يعمل به ، واستحباب الاحتياط معلوم من قواعد الشرع ، انتهى.

واعترض عليه الشيخ البهائيقدس‌سره بأن خطر الحرمة في هذا الفعل الذي تضمن الحديث الضعيف استحبابه حاصل كلما فعله المكلف لرجاء الثواب ، لأنه لا يعتد به شرعا ولا يصير منشأ لاستحقاق الثواب إلا إذا فعله المكلف بقصد القربة ، ولاحظ رجحان فعله شرعا ، فإن الأعمال بالنيات وفعله على هذا الوجه مردد بين كونه سنة ورد الحديث في الجملة ، وبين كونه تشريعا وإدخالا لما ليس من الدين فيه ، ولا ريب أن ترك السنة أولى من الوقوع في البدعة ، فليس الفعل المذكور دائرا في وقت من الأوقات بين الإباحة والاستحباب ، بل هو دائما دائر بين الحرمة والاستحباب فتاركه متيقن للسلامة وفاعله متعرض للندامة.

على أن قولنا بدورانه بين الحرمة والاستحباب إنما هو على سبيل المماشاة وإرخاء العنان ، وإلا فالقول بالحرمة من غير ترديد ليس عن السداد ببعيد ، والتأمل الصادق على ذلك شهيد ، هذا.

وقد تفصى بعض الفضلاء عن أصل الإشكال بأن معنى قولهم يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال دون مسائل الحرام والحلال ، أنه إذا ورد حديث صحيح أو حسن في استحباب عمل وورد حديث ضعيف في أن ثوابه كذا وكذا ، جاز العمل بذلك الحديث الضعيف ، والحكم بترتب ذلك الثواب على ذلك الفعل ، وليس هذا الحكم أحد الأحكام الخمسة التي لا تثبت بالأحاديث الضعيفة.

وبعضهم بأن معنى قولهم الأحكام لا تثبت بالأحاديث الضعيفة أنها لا تستقل

١١٩

باب الصبر

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي

_________________________________________

بإثباتها لا أنها لا تصير مقوية ومؤكدة لما ثبت به ، ومعنى تجويزهم العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال أنه إذا دل على استحباب عمل حديثان صحيح وضعيف مثلا ، جاز للمكلف حال العمل ملاحظة دلالة الضعيف أيضا عليه ، فيكون عاملا به في الجملة ولا يخفى ما في هذين الكلامين من الخلل ، أما الأول فلمخالفة منطوق عبارات القوم فإنها صريحة في استحباب الإتيان بالفعل إذا ورد في استحبابه حديث ضعيف غير قابلة لهذا التأويل السخيف ، وأما الثاني فمع بعده وسماجته يقتضي عدم صحة التخصيص بفضائل الأعمال دون مسائل الحرام والحلال ، فإن العمل بالحديث الضعيف بهذا المعنى لا نزاع بين أهل الإسلام في جوازه في جميع الأحكام.

باب الصبر

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

وقال المحقق الطوسيقدس‌سره :الصبر حبس النفس عن الجزع عند المكروه ، وهو بمنع الباطن عن الاضطراب ، واللسان عن الشكاية ، والأعضاء عن الحركات غير المعتادة ، انتهى.

وقد مر وسيأتي أن الصبر يكون على البلاء وعلى فعل الطاعة وعلى ترك المعصية ، وعلى سوء أخلاق الخلق ، قال الراغب : الصبر الإمساك في ضيق ، يقال : صبرت الدابة حبستها بلا علف وصبرت فلانا حلفته حلفة لا خروج له منها ، والصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل أو الشرع أو عما يقتضيان حبسها عنه ، فالصبر لفظ عام وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه ، فإن كان حبس النفس لمصيبة سمي صبرا لا غير ، ويضاده الجزع ، وإن كان في محاربة سمي شجاعة ويضاده الجبن ،

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ظهور(١) الفسخ في حياتهما ، وللعامل البيع هنا حيث كان له البيع هناك ، ولا يحتاج إلى إذن الوارث ؛ اكتفاءً بإذن مَنْ يتلقّى الوارث الملك منه ، بخلاف ما إذا مات العامل حيث لا يتمكّن وارثه من البيع دون إذن المالك ؛ لأنّه لم يرض بتصرّفه.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : إنّ العامل أيضاً لا يبيع إلّا بإذن وارث المالك(٢) .

والمشهور عندهم : الأوّل(٣) . ولا بأس بالثاني.

ويجري الخلاف في استيفائه الديون بغير إذن الوارث(٤) .

أمّا لو أراد العامل الشراء ، فإنّه ممنوع منه ؛ لأنّ القراض قد بطل بموت المالك.

مسألة ٢٩٠ : إذا مات المالك وأراد هو والوارث الاستمرار على العقد ، فإن كان المال ناضّاً ، لم يكن لهما ذلك إلّا بتجديد عقدٍ واستئناف شرطٍ بينهما ، سواء وقع العقد قبل القسمة أو بعدها ، وسواء كان هناك ربح أو لا ؛ لجواز القراض على المشاع ، ويكون رأس المال وحصّته من الربح رأس المال ، وحصّة العامل من الربح شركة له مشاع ، كما لو كان رأس المال مائةً والربح مائتين وجدّد الوارث العقد على النصف ، فرأس مال الوارث مائتان من ثلاثمائة ، والمائة الباقية للعامل ، فعند القسمة يأخذها وقسطها من الربح ، ويأخذ الوارث مائتين ، ويقتسمان ما بقي.

وهذه الإشاعة لا تمنع القراض عندنا وعند العامّة(٥) .

____________________

(١) الظاهر : « حصول » بدل « ظهور ».

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٥) المغني ٥ : ١٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٤١

أمّا عندنا : فلجواز القراض بالمشاع.

وأمّا عندهم : فلأنّ الشريك هو العامل ، وذلك لا يمنع التصرّف(١) .

وكذلك يجوز القراض مع الشريك بشرط أن لا يشاركه في اليد عندهم(٢) ، ويكون للعامل ربح نصيبه خاصّةً ، ويتضاربان في ربح نصيب الآخَر.

إذا ثبت هذا ، فإنّه لا بدّ فيه من عقدٍ صالحٍ للقراض بألفاظه المشترطة ؛ لأنّه عقد مبتدأ ، وليس هو تقريراً لعقدٍ ماضٍ ؛ لأنّ العقد الماضي قد ارتفع ، فلا بدّ من لفظٍ صالحٍ للابتداء ، والتقرير يشعر بالاستدامة ، فلا ينعقد بلفظ الترك والتقرير بأن يقول الوارث أو وليُّه : « تركتُك ، أو : أقررتُك على ما كنتَ عليه » - وهو أحد قولَي الشافعيّة(٣) - لأنّ هذه العقود لا تنعقد بالكنايات.

والثاني - وهو الأظهر عند الجويني - : إنّه ينعقد بالترك والتقرير ؛ لفهم المعنى ، وقد يستعمل التقرير لإنشاء عقدٍ على موجب العقد السابق(٤) .

وإن كان المال عروضاً ، لم يصح تقرير الوارث عليه ، وبطل القراض عندنا وارتفع - وهو أظهر وجهي الشافعيّة وإحدى الروايتين عن أحمد(٥) - لارتفاع القراض الأوّل بموت المالك ، فلو وُجد قراضٌ آخَر لكان عقداً

____________________

(١) المغني ٥ : ١٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

(٢) الوسيط ٤ : ١٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٣ و ٤) الوسيط ٤ : ١٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٥) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٧ ، البيان ٧ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠ ، المغني ٥ : ١٨١ و ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٤٢

مستأنفاً فيرد على العروض ، وهو باطل.

والثاني : إنّه يجوز تقرير الوارث عليه ؛ لأنّه استصحاب قراضٍ ، فيظهر فيه جنس المال وقدره ، فيجريان على موجبه ، وهذا الوجه هو منصوص الشافعي(١) .

والرواية الثانية عن أحمد : إنّ القراض إنّما منع منه في العروض ؛ لأنّه يحتاج عند المفاصلة إلى ردّ مثلها أو قيمتها ، ويختلف ذلك باختلاف الأوقات ، وهذا غير موجودٍ هنا ؛ لأنّ رأس المال غير العروض ، وحكمه باقٍ ، فإنّ للعامل أن يبيعه ليسلّم رأس المال ويقسّم الباقي(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ المظنّة لا يناط الحكم بها ، بل بالوصف الضابط لها ، ولا ريب في أنّ هذا ابتداء قراضٍ ، ولهذا لو كان المال ناضّاً كان ابتداء قراضٍ إجماعاً ، وكانت حصّة العامل من الربح شركةً له يختصّ بربحها ، ويضارب في الباقي ، وليس لربّ المال في حصّة العامل شركة في ربحها ، ولو كان المال ناقصاً بخسارةٍ أو تلفٍ كان رأس المال الموجودَ منه حال ابتداء القراض ، فلو جاز ابتداء القراض هنا وبناؤها على القراض الأوّل لصارت حصّة العامل من الربح غير مختصّةٍ [ به ] وحصّتها من الربح مشتركة بينهما ، وحُسب عليه العروض بأكثر من قيمتها فيما إذا كان المال ناقصاً ، وهذا لا يجوز في القراض بلا خلافٍ ، ويلزم أيضاً أن يصير بعض رأس المال ربحاً ، وذهاب بعض الربح في رأس المال.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٧ ، البيان ٧ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠ ، المغني ٥ : ١٨١ و ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

(٢) المغني ٥ : ١٨١ - ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٤٣

مسألة ٢٩١ : لو مات العامل ، فإن كان المال ناضّاً ولا ربح أخذه المالك ، وإن كان فيه ربح أخذ المالك المالَ وحصّته من الربح ، ودفع إلى الوارث حصّته.

ولو كان متاعاً واحتيج إلى البيع والتنضيض ، فإن أذن المالك لوارث العامل فيه جاز ، وإلّا تولّاه شخص ينصبه الحاكم.

ولا يجوز تقرير الوارث على القراض ؛ لأنّه لا يصحّ القراض على العروض ، والقراض الأوّل قد بطل بموت العامل أو جنونه ، وبه قال الشافعيّة(١) .

ولا يُخرّج على الوجهين المذكورين عندهم في موت المالك حيث قالوا هناك : إنّه يجوز - في أحد الوجهين - تقرير العامل على القراض ؛ لأنّ الفرق واقع بين موت المالك وموت العامل ؛ لأنّ ركن القراض من جانب العامل عمله وقد فات بوفاته ، ومن جانب المالك المال ، وهو باقٍ بعينه انتقل إلى الوارث ، ولأنّ العامل هو الذي اشترى العروض ، والظاهر أنّه لا يشتري إلّا ما يسهل عليه بيعه وترويجه ، وهذا المعنى لا يؤثّر فيه موت المالك ، وإذا مات العامل فربما كانت العروض كلاًّ على وارثه ؛ لأنّه لم يشترها ولم يخترها(٢) .

وعند أحمد : إنّه يجوز القراض بالعروض ، فيجوز هنا في كلّ موضعٍ يجوز ابتداء القراض فيه بالعروض بأن تُقوّم العروض ويجعل رأس المال‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢١٠ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٧ ، البيان ٧ : ٢٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤ ، وراجع : الحاوي الكبير ٧ : ٣٣١ ، والبيان ٧ : ٢٠١.

١٤٤

قيمتها يوم العقد(١) .

ولو كان المال ناضّاً وقت موت العامل ، جاز أن يبتدئ المالك القراضَ مع وارثه بعقدٍ جديد ، ولا يصحّ بلفظ التقرير.

وللشافعيّة الوجهان السابقان(٢) .

فإن لم يرض ، لم يجز للوارث شراء ولا بيع.

إذا عرفت هذا ، فالوجهان المذكوران في التقرير للشافعيّة كالوجهين في أنّ الوصيّة بالزائد على الثلث إذا جعلناها ابتداء عطيّةٍ هل تنفذ بلفظ الإجازة؟ ويجريان أيضاً فيما إذا انفسخ البيع الجاري بينهما ثمّ أرادا إعادته ، فقال البائع : قرّرتُك على موجب العقد الأوّل ، وقَبِل صاحبه(٣) .

وفي مثله من النكاح لا يعتبر ذلك عندهم(٤) .

وللجويني احتمال فيه ؛ لجريان لفظ النكاح مع التقرير(٥) .

مسألة ٢٩٢ : إذا مات العامل وعنده مال مضاربةٍ لجماعةٍ متعدّدين ، فإن عُلم مال أحدهم بعينه كان أحقَّ به ، وإن جُهل كانوا فيه سواءً ، وإن جُهل كونه مضاربةً قضي به ميراثاً.

ولو سمّى الميّت واحداً بعينه قضي له به ، وإن لم يذكر كان أُسوة الغرماء ؛ لما رواه السكوني عن الصادقعليه‌السلام عن الباقر عن آبائه عن عليٍّعليهم‌السلام أنّه كان يقول : « مَنْ يموت وعنده مال مضاربةٍ - قال - إن سمّاه بعينه قبل موته فقال : هذا لفلانٍ ، فهو له ، وإن مات ولم يذكر فهو أُسوة الغرماء »(٦) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٣.

(٢) الوسيط ٤ : ١٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤.

(٦) التهذيب ٧ : ١٩٢ / ٨٥١.

١٤٥

مسألة ٢٩٣ : إذا استردّ المالك بعضَ المال من العامل بعد دورانه في التجارة ولم يكن هناك ربح ولا خسران ، رجع رأس المال إلى القدر الباقي ، وارتفع القراض في القدر الذي أخذه المالك.

وإن كان بعد ظهور ربحٍ في المال ، فالمستردّ شائع ربحاً على النسبة الحاصلة من جملتي الربح ورأس المال ، ويستقرّ ملك العامل على ما يخصّه بحسب الشرط ممّا هو ربح منه ، فلا يسقط بالنقصان الحادث بعده.

وإن كان الاسترداد بعد ظهور الخسران ، كان الخسران موزَّعاً على المستردّ والباقي ، فلا يلزم جبر حصّة المستردّ من الخسران ، كما لو استردّ الكلّ بعد الخسران لم يلزم العامل شي‌ء ، ويصير رأس المال الباقي بعد المستردّ وحصّته من الخسران.

مثال الاسترداد بعد الربح : لو كان رأس المال مائةً وربح عشرين ، ثمّ استردّ المالك عشرين ، فالربح سدس المال ، فالمأخوذ يكون سدسه ربحاً : ثلاثة وثلث ، ويستقرّ ملك العامل على نصفه إذا كان الشرط المناصفةَ ، وهو واحد وثلثا واحدٍ ، ويبقى رأس المال ثلاثة وثمانين وثُلثاً ؛ لأنّ المأخوذ سدس المال ، فينقص سدس رأس المال ، وهو ستّة عشر وثلثان ، وحظّهما من الربح ثلاثة وثلث ، فيستقرّ ملك العامل على درهمٍ وثلثين ، حتى لو انخفضت السوق وعاد ما في يده إلى ثمانين لم يكن للمالك أن يأخذ الكلّ ويقول : كان رأس المال مائةً وقد أخذتُ عشرين أضمّ إليها هذه الثمانين لتتمّ لي المائة ، بل يأخذ العامل من الثمانين واحداً وثلثي واحدٍ ، ويردّ الباقي ، وهو ثمانية وسبعون وثلث واحدٍ.

ومثال الاسترداد بعد الخسران : كان رأس المال مائةً ، وخسر عشرين ، ثمّ استردّ المالك عشرين ، فالخسران موزَّع على المستردّ والباقي ،

١٤٦

تكون حصّة المستردّ خمسةً لا يلزمه جبرها ، حتى لو ربح بعد ذلك فبلغ المال ثمانين ، لم يكن للمالك أخذ الكلّ ، بل يكون رأس المال خمسةً وسبعين ، والخمسة الزائدة تُقسّم بينهما نصفين ، فيحصل للمالك من الثمانين سبعة وسبعون ونصف.

ولو كان رأس المال مائةً فخسر عشرةً ثمّ أخذ المالك عشرةً ثمّ عمل الساعي فربح ، فرأس المال ثمانية وثمانون وثمانية أتساع ؛ لأنّ المأخوذ محسوب من رأس المال ، فهو كالموجود ، والمال في تقدير تسعين ، فإذا بسط الخسران - وهو عشرة - على تسعين أصاب العشرة المأخوذة دينار وتُسْع دينار ، فيوضع ذلك من رأس المال ، وإن أخذ نصف التسعين الباقية بقي رأس المال خمسين ؛ لأنّه أخذ نصف المال ، فسقط نصف الخسران ، وإن أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع.

ولو كان رأس المال مائةً فربح عشرين ثمّ أخذ المالك ستّين ، بقي رأس المال خمسين ؛ لأنّه أخذ نصف المال ، فبقي نصفه ، وإن أخذ خمسين بقي رأس المال ثمانية وخمسين وثلثاً ؛ لأنّه أخذ ربع المال وسدسه ، فبقي ثلثه وربعه ، فإن أخذ منه ستّين ثمّ خسر فصار معه أربعون فردّها كان له على المالك خمسة ؛ لأنّ الذي أخذه المالك قد انفسخت فيه المضاربة ، فلا يجبر ربحه خسران الباقي ؛ لمفارقته إيّاه ، وقد أخذ من الربح عشرة ؛ لأنّ سدس ما أخذه ربح ، ولو ردّ منها عشرين لا غير بقي رأس المال خمسة وعشرين.

مسألة ٢٩٤ : حكم القراض الفاسد استحقاق المالك جميعَ الربح ؛ لأنّ المال له ، ونماؤه تابع ، والعامل إنّما يستحقّ شيئاً من الربح بالشرط ، فإذا بطل الشرط لم يستحق العامل شيئاً.

١٤٧

ويجب للعامل أُجرة المثل ، سواء كان في المال ربح أو لم يكن.

ولا يستحقّ العامل قراضَ المثل ، بل أُجرة المثل عندنا وعند الشافعي(١) ؛ لأنّ عمل العامل إنّما كان في مقابلة المسمّى ، فإذا لم تصح التسمية وجب ردّ عمله عليه ، وذلك يوجب له أُجرة المثل ، كما إذا اشترى شيئاً شراءً فاسداً وقبضه وتلف ، فإنّه يجب عليه قيمته.

وقال مالك : يجب للعامل قراض المثل ، يعني أنّه يجب ما يقارضه به مثله ؛ لأنّ شبهة كلّ عقدٍ وفاسده مردود إلى صحيحه ، وفي صحيحه لا يستحقّ شيئاً من الخسران ، وكذلك في الفاسد ، والصحيح يستحقّ فيه المسمّى ، سواء كانت أُجرته دونه أو أكثر(٢) .

والتسمية إنّما هي من الربح ، وفي مسألتنا بطلت التسمية ، وإنّما تجب له الأُجرة ، وذلك لا يختصّ بالربح ، فافترقا ، فبطل القياس.

إذا عرفت هذا ، فإنّ القراض الفاسد له حكمٌ آخَر ، وهو صحّة تصرّف العامل ونفوذه ؛ لأنّه أذن له فيه ، فوقع بمجرّد إذنه ، فإن كان العقد فاسداً - كما لو وكّله وكالةً فاسدة - وتصرّف فإنّه يصحّ تصرّفه.

لا يقال : أليس إذا باع بيعاً فاسداً وتصرّف المشتري لم ينفذ؟

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٨ - ٣٤٩ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٥ ، المغني ٥ : ١٨٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٥ / ١٧٤٠ ، الاستذكار ٢١ : ١٥١ / ٣٠٨٥١ و ٣٠٨٥٢ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥٠.

(٢) الاستذكار ٢١ : ١٥١ / ٣٠٨٥٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤١ / ١١١٤ ، التفريع ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٥ / ١٢٥٠ ، المعونة ٢ : ١١٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٥ / ١٧٤٠ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، المغني ٥ : ١٨٨ - ١٨٩.

١٤٨

لأنّا نقول : الفرق ظاهر ؛ لأنّ تصرّف المشتري إنّما لم ينفذ لأنّه يتصرّف من جهة الملك ولم يحصل له ، وكذلك إذا أذن له البائع أيضاً ؛ لأنّ إذنه كان على أنّه ملك المأذون فيه ، فإذا لم يملك لم يصح ، وهنا أذن له في التصرّف في ملك نفسه ، وما شرطه من الشروط الفاسدة ، فلم يكن مشروطاً في مقابلة الإذن ؛ لأنّه أذن في تصرّفٍ يقع له ، فما شرطه لا يكون في مقابلته.

مسألة ٢٩٥ : لو دفع إليه مالاً قراضاً وقال : اشتر به هرويّاً أو مرويّاً بالنصف ، قال الشافعي : يفسد القراض(١) . واختلف أصحابه في تعليله.

فمنهم مَنْ قال : إنّما فسد ؛ لأنّه قال بالنصف ، ولم يبيّن لمن النصف؟ فيحتمل أن يكون شرط النصف لربّ المال ، وإذا ذكر في القراض نصيب ربّ المال ولم يذكر نصيب العامل ، كان القراض فاسداً(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّ الشرط إذا أُطلق انصرف إلى نصيب العامل ؛ لأنّ ربّ المال يستحقّ الربح بالمال ، ولا يحتاج إلى شرطٍ ، كما لا يحتاج في شركة العنان إلى شرط الربح ، فإذا شرط كان الظاهر أنّه شرط ذلك للعامل.

وقال بعضهم : إنّما فسد ؛ لأنّه أذن له في الشراء ، دون البيع(٣) .

____________________

(١) مختصر المزني : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٢ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٢ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

١٤٩

وفيه نظر ؛ لأنّ إطلاق المضاربة يقتضي تسويغ التصرّف للعامل بيعاً وشراءً ، والتنصيص على الإذن في شراء جنسٍ لا يقتضي عدم الإذن في البيع ، فيبقى على الإطلاق.

وقال بعضهم : إنّه يفسد ؛ للتعيين(١) .

وليس بشي‌ءٍ.

وقال آخَرون : إنّما يفسد ؛ لأنّه لم يعيّن أحد الجنسين(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّه يجوز أن يخيّره بما يشتريه.

والمعتمد : صحّة القراض.

مسألة ٢٩٦ : لا يجوز للعامل أن يبيع الخمر ولا يشتريه ، وكذا الخنزير وأُمّ الولد ، سواء كان العامل مسلماً أو نصرانيّاً إذا كان ربّ المال مسلماً أو كان العامل مسلماً ، ولو كانا ذمّيّين جاز - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه وكيل المالك ، ولا يدخل ذلك في ملك المالك ، فيكون منهيّاً عنه ؛ لما فيه من خروج الملك عن ملكه.

وقال أبو حنيفة : إذا كان العامل نصرانيّاً فباع الخمر أو اشتراها ، صحّ ذلك(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٣ - ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٢ ، البيان ٧ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٣ ، المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٥.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٢ ، البيان ٧ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٥.

١٥٠

وقال أبو يوسف ومحمّد : يصحّ منه الشراء ، ولا يصحّ منه البيع ، وفرّقوا بينهما بأنّ الوكيل يدخل ما يشتريه أوّلاً في ملكه ، فإذا باع ملك غيره لم يدخل في ملكه ، وكان العامل كأنّ في يده عصيراً فصار خمراً ، فيكون ذلك لربّ المال ، ولا يكون بيعه إلّا من جهته ، ولا يصحّ من المسلم بيع الخمر(١) .

إذا عرفت هذا ، فلو خالف العامل واشترى خمراً أو خنزيراً أو أُمَّ ولدٍ ودفع المال في ثمنه ، فإن كان عالماً كان ضامناً ؛ لأنّ ربّ المال لا يملك ذلك ، فكأنّه قد دفع ثمنه بغير عوضٍ ، فكان ضامناً.

وإن كان جاهلاً ، فكذلك - وهو الأشهر للشافعيّة(٢) - لأنّ حكم الضمان لا يختلف بالعلم والجهل.

وقال القفّال من الشافعيّة : يضمن في الخمر ، دون أُمّ الولد ؛ لأنّه ليس لها أمارة تُعرف بها(٣) .

وقال بعضهم : لا يضمن فيهما(٤) .

وقال آخَرون : لا يضمن في العلم أيضاً ؛ لأنّه اشترى ما طلب فيه الفضل بحسب رأيه(٥) .

وهو خطأ ؛ لأنّ ربّ المال لا يملك ذلك ، فلا يجوز له دفع المال في عوضه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٢ ، المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٥.

(٢) البيان ٧ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨.

١٥١

مسألة ٢٩٧ : قد بيّنّا أنّه إذا قال للعامل : قارضتك على أن يكون لك شركة في الربح ، أو شركة ، فإنّه لا يصح ؛ لأنّه لم يعيّن مقدار حصّة العامل ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال محمّد بن الحسن : إنّه إذا قال : شركة ، صحّ ، وإذا قال : شرك ، لم يصح(٢) .

وقال أصحاب مالك : يصحّ ، ويكون له مضاربة المثل(٣) .

وقد بيّنّا غلطهم.

ولو قال : خُذْه قراضاً على النصف أو الثلث أو غير ذلك ، صحّ ، وكان ذلك تقديراً لنصيب العامل ؛ قضيّةً للظاهر من أنّ الشرط للعامل ؛ لأنّ المالك يستحقّه بماله ، والعامل يستحقّه بالعمل ، والعمل يكثر ويقلّ ، وإنّما تتقدّر حصّته بالشرط فكان الشرط له.

فإن اختلفا فقال العامل : شرطتَه لي ، وقال المالك : شرطتُ ذلك لنفسي ، قُدّم قول العامل ؛ لأنّ الظاهر معه.

مسألة ٢٩٨ : لو دفع إليه ألفين قراضاً فتلف أحدهما قبل التصرّف ، فقد قلنا : إنّ الأقرب : احتساب التالف من الربح.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، البيان ٧ : ١٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٨٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، البيان ٧ : ١٦٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٥ ، المنتقى - للباجي - ٥ : ١٥٢.

(٣) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٥ ، المنتقى - للباجي - ٥ : ١٥٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، البيان ٧ : ١٦٥.

١٥٢

وقال الشافعي : يكون من رأس المال(١) .

فإن كان التلف بعد أن باع واشترى ، فالتلف من الربح قولاً واحداً.

ولو اشترى بالألفين عبدين فتلف أحدهما ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه يكون من الربح ؛ لأنّه تلف بعد أن ردّ المال في التجارة.

والثاني : يكون من رأس المال ؛ لأنّ العبد التالف بدل أحد الألفين ، فكان تلفه كتلفها(٢) .

قال أبو حامد : هذا خلاف مذهب الشافعي ؛ لأنّ المزني نقل عنه أنّه إذا ذهب بعض المال قبل أن يعمل ثمّ عمل فربح وأراد(٣) أن يجعل البقيّة رأس المال بعد الذي هلك ، فلا يُقبل قوله ، ويوفى رأس المال من ربحه حتى إذا وفاه اقتسما الربح على شرطهما ؛ لأنّ المال إنّما يصير قراضاً في يد العامل بالقبض ، فلا فرق بين أن يهلك قبل التصرّف أو بعده ، فيجب أن يحتسب من الربح(٤) .

وهذا كما اخترناه نحن.

مسألة ٢٩٩ : لو دفع المالك إلى العامل مالاً قراضاً ثمّ دفع إليه مالاً آخَر قراضا ، فإن كان بعد تصرّف العامل في الأوّل بالبيع والشراء كانا قراضين ، وإلّا كانا واحداً ، فلو دفع إليه ألفاً قراضاً فأدارها العامل في التجارة بيعاً‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٣١ ، الوسيط ٤ : ١٢٤ ، البيان ٧ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٣ ، البيان ٧ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ - ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٣) في « ث ، خ ، ر » : « فأراد ».

(٤) راجع : بحر المذهب ٩ : ٢٣١.

١٥٣

وشراءً ثمّ دفع إليه ألفاً أُخرى قراضاً ، تعدّد القراضان على معنى أنّ ربح كلّ واحدةٍ منهما لا يجبر خسران الأُخرى ، بل تختصّ كلٌّ منهما بربحها وخسرانها ، وجبر خسرانها من ربحها خاصّةً.

فإن قال المالك : ضمّ الثانية إلى الأُولى ، بعد أن اشتغل العامل بالتجارة ، لم يصح القراض الثاني ؛ لأنّ ربح الأوّل قد استقرّ ، فكان ربحه وخسرانه مختصّاً به ، فإذا شرط ضمّ الثانية إليه ، اقتضى أن يجبر به خسران الأُولى إن كان فيه خسران ، ويجبر خسران الثانية بربح الأوّلة ، وهو غير جائزٍ ؛ لأنّ لكلّ واحدٍ من العقدين حكماً منفرداً ، فإذا شرط في الثاني ما لا يصحّ ، فسد.

وإن كان قبل أن يتصرّف في الأُولى(١) وقال له : ضمّ الثانية إلى الأُولى ، جاز ، وكان قراضاً واحداً.

ولو كان المال الأوّل قد نضّ وقال له المالك : ضمّ الثانية إليه ، جاز - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه قد أمن فيه المعنى الذي ذكرناه ، وصار كأنّه لم يتصرّف.

ولما رواه محمّد بن عذافر عن أبيه قال : أعطى الصادقعليه‌السلام أبي ألفاً وسبعمائة دينار فقال له : « اتّجر لي بها » ثمّ قال : « أما إنّه ليس لي رغبة في ربحها وإن كان الربح مرغوباً فيه ، ولكن أحببتُ أن يراني الله تعالى متعرّضاً لفوائده » قال : فربحتُ فيها مائة دينار ثمّ لقيته فقلت له : قد ربحتُ لك فيها مائة دينار ، قال : ففرح الصادقعليه‌السلام بذلك فرحاً شديداً ثمّ قال لي : « أثبتها‌

____________________

(١) في « ث » ، خ ، ر » : « الأوّلة » بدل « الأُولى ».

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٢٧.

١٥٤

لي في رأس مالي »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه إذا دفع إليه ألفاً قراضاً ثمّ دفع إليه ألفاً أُخرى قراضاً ولم يأمره بضمّ إحداهما إلى الأُخرى ، بل جعل الألف الأُولى قراضاً بعقدٍ ثمّ دفع إليه الثانية قراضاً بعقدٍ آخَر ، لم يجز له ضمّ الثانية إلى الأُولى ومزجها به ؛ لأنّهما قراضان بعقدين على مالين ، فلا يجوز مزجهما إلّا بإذن المالك ، كما لو قارضه اثنان بمالين منفردين ، فإن ضمّ إحداهما إلى الأُخرى ومزجهما ضمن ، وبه قال الشافعي(٢) ، خلافاً لأبي حنيفة(٣) .

وقال إسحاق : يجوز ضمّ الثانية إلى الأُولى إذا لم يتصرّف في الأُولى(٤) .

وكذا لو ضمّ مال أحد المالكين إلى مال الآخَر ومزجه به ضمن ، إلّا أن يأذن كلّ واحدٍ منهما ، ولا يكفي إذن الواحد في عدم ضمان مال الآخَر ، بل في مال الآذن خاصّةً.

مسألة ٣٠٠ : إذا دفع إليه ألفاً قراضاً وقال له : أضف إليها ألفاً أُخرى من عندك ويكون الربح لك منه الثلثان ولي الثلث ، أو قال : لك الثلث ولي الثلثان ، فالأقرب عندنا : الصحّة ؛ للأصل.

وقال الشافعي : لا يصحّ ؛ لأنّه إن شرط لنفسه الأكثر فقد فسد ؛ لتساويهما في المال ، وذلك يقتضي تساويهما في الربح ، فإذا شرط عليه‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٧٦ / ١٢ ، التهذيب ٦ : ٣٢٦ - ٣٢٧ / ٨٩٨.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩.

(٤) المغني ٥ : ١٧٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٨.

١٥٥

العمل ونصيبه من الربح كان باطلاً ، وإن شرط للعامل الأكثر فسد أيضاً ؛ لأنّ الشركة إذا وقعت على مالٍ كان الربح تابعاً له دون العمل ، فتكون الشركة فاسدةً ، ويكون هذا قراضاً فاسداً ؛ لأنّه عقد بلفظ القراض(١) .

ولو كان قد دفع إليه ألفين وقال له : أضف إليهما ألفاً من عندك فتكون الألف بيننا شركةً والألف الأُخرى قارضتك عليها بالنصف ، جاز عنده(٢) أيضاً ؛ لأنّ أكثر ما فيه أنّ مال القراض مشاع ، والإشاعة إذا لم تمنع التصرّف لم تمنع الصحّة.

وقال أصحاب مالك : لا يجوز أن يضمّ إلى القراض الشركة(٣) ؛ لأنّه لا يجوز أن يضمّ إليه عقد إجارةٍ ، فلا يجوز أن يضمّ إليه عقد شركةٍ(٤) .

والأصل ممنوع ، ولأنّ أحد العقدين إذا لم يجعلاه شرطاً في الآخَر لم يمنع من جمعهما ، كما لو كان المال متميّزاً ، والإجارة إن كانت متعلّقةً بزمانٍ نافت القراض ؛ لأنّه يمنعه من التصرّف ، وإن كانت متعلّقةً بالذمّة جاز.

ولو دفع إليه ألفاً قراضاً فخلطها بألف له بحيث لا تتميّز ، فقد تعدّى بذلك ، فصار ضامناً ، كالمودع إذا مزج الوديعة بغيرها من ماله أو غير ماله.

ولأنّه صيّره بمنزلة التالف.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ ، البيان ٧ : ١٦٦ - ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤ ، المغني ٥ : ١٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٣.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٣ ، المغني ٥ : ١٣٦ - ١٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٢ - ١٤٣.

(٣) في « ث ، خ ، ر » : « شركة ».

(٤) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٣ ، التفريع ٢ : ١٩٥ ، المعونة ٢ : ١١٢٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٨٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ ، المغني ٥ : ١٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٣.

١٥٦

مسألة ٣٠١ : إذا دفع إليه مالاً قراضاً وشرط عليه أن ينقل المال إلى موضع كذا ويشتري من أمتعته ثمّ يبيعها هناك أو يردّها إلى موضع القراض ، جاز ذلك ؛ للأصل ، بل لو خالف ضمن ؛ لما رواه الكناني عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن المضاربة يعطى الرجل المال يخرج به إلى الأرض ونهي(١) أن يخرج به إلى أرض غيرها فعصى فخرج به إلى أرض أُخرى فعطب المال ، فقال : « هو ضامن ، فإن سلم فربح فالربح بينهما »(٢) .

وقال أكثر الشافعيّة : يفسد القراض ؛ لأنّ نقل المال من قُطْرٍ إلى قُطْرٍ عمل زائد على التجارة ، فأشبه شرط الطحن والخبز ، ويخالف ما إذا أذن له في السفر ؛ فإنّ الغرض منه رفع الحرج(٣) .

وقال جماعة من محقّقيهم : إنّ شرط المسافرة لا يضرّ ، فإنّها الركن الأعظم في الأموال والبضائع الخطيرة(٤) .

والأصل عندنا ممنوع.

ولو قال : خُذْ هذه الدراهم قراضاً وصارِف بها مع الصيارفة ، لم يجز له أن يصارف مع غيرهم ؛ لأنّه قد خالف ما عيّنه له ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : إنّه يصحّ ؛ لأنّ الغرض من مثله أن يصرفه صرفاً لا قوام بأعيانهم(٥) .

مسألة ٣٠٢ : لو دفع إليه زيد مالاً قراضاً ودفع إليه عمرو كذلك ، فاشترى بكلّ واحدٍ من المالين عبداً ثمّ اشتبها عليه ، بِيع العبدان ، وبسط الثمن بينهما على النسبة - ولو ربح فعلى ما شرطاه له ، فإن اتّفق خسران ،

____________________

(١) في الفقيه و « ر » : « وينهى ».

(٢) الفقيه ٣ : ١٤٣ - ١٤٤ / ٦٣١ ، التهذيب ٧ : ١٨٩ - ١٩٠ / ٨٣٧.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

١٥٧

فإن كان لتقصيره ضمن ، وإن كان لانخفاض السوق لم يضمن ؛ لأنّ غايته أن يكون كالغاصب ، والغاصب لا يضمن نقصان السوق - وهو أحد قولَي الشافعيّة(١) ؛ لأنّ قضيّة المال الممتزج هذا.

ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهماً في ثوبٍ وآخَر عشرين درهماً في ثوبٍ ، فبعث الثوبين فلم يعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه ، قال : « يباع الثوبان ، فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن ، والآخَر خُمسي الثمن » قال : قلت : فإنّ صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين : اختر أيّهما شئت ، قال : « قد أنصفه »(٢) .

وللشافعيّة قولٌ بأنّ شراء العبدين ينقلب إلى العامل ، ويغرم لهما ؛ للتفريط حيث لم يفردهما حتى تولّد الاشتباه(٣) .

ثمّ المغروم عند الأكثرين الألفان(٤) .

وقال بعضهم : يغرم قيمة العبدين وقد تزيد على الألفين(٥) .

ولهم قولٌ غريب ثالث : إنّه يبقى العبدان على الإشكال إلى أن‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، البيان ٧ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٥.

(٢) الكافي ٧ : ٤٢١ - ٤٢٢ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣ / ٦٢ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٨٢ و ٣٠٣ - ٣٠٤ / ٨٤٧.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، البيان ٧ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤ - ٢٢٥.

١٥٨

يصطلحا(١) .

مسألة ٣٠٣ : إذا تعدّى المضارب وفَعَل ما ليس له فعله أو اشترى شيئاً نهاه المالك عن شرائه ، ضمن المال في قول أكثر أهل العلم(٢) ، وروي ذلك عن أهل البيتعليهم‌السلام (٣) ، وبه قال أبو هريرة وحكيم بن حزام وأبو قلابة ونافع وأياس والشعبي والنخعي والحكم ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي(٤) .

وروى العامّة عن عليٍّعليه‌السلام أنّه قال : « لا ضمان على مَنْ شُورك في الربح »(٥) ونحوه عن الحسن والزهري(٦) .

والمعتمد : الأوّل ، والرواية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام نحن نقول بموجبها ؛ فإنّه لا ضمان بدون التفريط.

والأصل فيه أنّه قد تصرّف في مال غيره بدون إذنه ، فلزمه الضمان ، كالغاصب. وقد تقدّم أنّه يشارك في الربح.

إذا عرفت هذا ، فلو اشترى شيئاً نهاه المالك عن شرائه فربح ، فالربح على الشرط ، وبه قال مالك(٧) ؛ لما تقدّم(٨) من الرواية عن أهل البيتعليهم‌السلام ، ولأنّه تعدٍّ ، فلا يمنع كون الربح لهما على ما شرطاه ، كما لو لبس الثوب وركب دابّةً ليس له ركوبها.

وقال أحمد : الربح بأسره لربّ المال - وعن أحمد رواية أُخرى :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٥.

(٢) كما في المغني ٥ : ١٦٥ ، والشرح الكبير ٥ : ١٥٨.

(٣) التهذيب ٧ : ١٩٣ / ٨٥٣.

(٤ - ٦) المغني ٥ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٨.

(٧) المنتقى - للباجي - ٥ : ١٧٠ ، المغني ٥ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٨.

(٨) آنفاً.

١٥٩

إنّهما يتصدّقان بالربح على سبيل الورع ، وهو لربّ المال في القضاء - لأنّ عروة بن [ الجعد ](١) البارقي قال : عرض للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جلب فأعطاني ديناراً فقال : « يا عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاةً » فأتيتُ الجلب فساومتُ صاحبه فاشتريتُ شاتين بدينارٍ ، فجئتُ أسوقهما - أو أقودهما - فلقيني رجل بالطريق فساومني ، فبعتُ منه شاةً بدينار ، فجئتُ بالدينار والشاة فقلت : يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم ، فقال : « وكيف صنعتَ؟ » فحدّثته الحديث ، فقال : « اللّهمّ بارك له في صفقة يمينه »(٢) .

ولأنّه نماء عينه بغير إذن مالكه ، فكان لمالكه ، كما لو غصب حنطةً فزرعها(٣) .

والخبر لا يدلّ على المتنازع ، والفرق ظاهر بين الغاصب والمضارب المأذون له.

إذا عرفت هذا ، فهل يستحقّ العامل الأُجرة ، أم لا؟ عن أحمد روايتان :

إحداهما : إنّه لا يستحقّ ، كالغاصب.

والثانية : إنّه يستحقّ ؛ لأنّ ربّ المال رضي بالبيع وأخذ الربح ، فاستحقّ العامل عوضاً ، كما لو عقده بإذنٍ(٤) .

وفي قدر الأُجرة عنه روايتان :

إحداهما : أُجرة مثله ما لم يحط بالربح ؛ لأنّه عمل ما يستحقّ به‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « لبيد ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٨٦ ، الهامش (٢)

(٣) المغني ٥ : ١٦٥ - ١٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٨ - ١٥٩.

(٤) المغني ٥ : ١٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٩.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434