مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 437

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 437
المشاهدات: 18779
تحميل: 8660


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18779 / تحميل: 8660
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 8

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الأصبغ قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه الصّبر صبران صبر عند المصيبة حسن جميل وأحسن من ذلك الصّبر عند ما حرَّم الله عزَّ وجلَّ عليك والذكر ذكران ذكر الله عزَّ وجلَّ عند المصيبة وأفضل من ذلك ذكر الله عند ما حرم عليك فيكون حاجزاً.

١٢ - أبو عليّ الأشعريّ ، عن الحسن بن عليّ الكوفي ، عن العباس بن عامرّ ، عن العرزمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيأتي على النّاس زمان لا ينال الملك فيه إلّا بالقتل والتجّبر ولا الغنى إلّا بالغصب والبخل ولا المحبة إلّا باستخراج الدّين واتّباع الهوى ؛ فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر

_________________________________________________

« صبر » خبر مبتدإ محذوف أي أحدهما صبر ، وحسن أيضاً خبر مبتدإ محذوف ، أي هو حسن ، ويحتمل أن يكون صبر مبتدأ وحسن خبره ، فتكون الجملة استئنافا بيانيا ، وقوله : ذكر الله خبر مبتداء محذوف ليس إلّا « فيكون » أي الذكر والفاء بيانيّة « حاجزاً » أي مانعاً عن فعل الحرام.

الحديث الثاني عشر : صحيح.

« لا ينال الملك فيه » أي السلطنة « إلّا بالقتل » لعدم إطاعتهم إمّا الحق فيتسلط عليهم الملوك الجورة فيقتلونهم ويتجبّرون عليهم ، وذلك من فساد الزمان وإلّا لم يتسلط عليهم هؤلاء « ولا الغناء إلّا بالغصب والبخل» وذلك من فساد الزمان وأهله لأنهم لسوء عقائدهم يظنون أن الغناء إنما يحصل بغصب أموال النّاس والبخل في حقوق الله والخلق ، مع أنه لا يتوقف على ذلك ، بل الأمانة وأداء الحقوق ادعى إلى الغناء لأنه بيد الله ، ولأنه لفسق أهل الزمان منع الله عنهم البركات ، فلا يحصل الغناء إلّا بهما « ولا المحبّة» أي جلب محبّة النّاس « إلّا باستخراج الدين » أي طلب خروج الدين من القلب أي بطلب خروجهم من الدّين ، « واتباع الهوى » أي الأهواء النفسانيّة أو أهوائهم الباطلة ، وذلك لأنّ أهل تلك الأزمنة لفسادهم لا

١٤١

على الغنى وصبر على البغضة وهو يقدر على المحبة وصبر على الذل وهو يقدر على العزَّ آتاه الله ثواب خمسين صدّيقاً ممّن صدق بي.

١٣ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن إسماعيل بن مهران ، عن درست بن أبي منصور ، عن عيسى بن بشير ، عن أبي حمزة قال قال أبو جعفرعليه‌السلام لما حضرت أبي عليّ بن الحسينعليه‌السلام الوفاة ضمنّي إلى صدره وقال يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به يا بني اصبر على الحق وإن كان مرا

_________________________________________________

يحبون أهل الدين والعبادة ، فمن طلب مودتهم لا بدّ من خروجه من الدين ومتابعتهم في الفسوق.

« وصبر على البغضة » أي بغضة النّاس له لعدم اتباعه أهواءهم ، وصبر على الذل كأنه ناظر إلى نيل الملك ، فالنشر ليس على ترتيب اللف فالمراد بالعزَّ هنا الملك والاستيلاء ، أو المراد بالملك هناك مطلق العزَّ والرفعة ، ويحتمل أن تكون الفقرتان الأخيرتان ناظرتين إلى الفقرة الأخيرة ولم يتعرض للأولى لكون الملك عزيز المنال لا يتيسّر لكلّ أحد ، والأوّل أظهر.

وفي جامع الأخبار الرواية هكذا : وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنّه سيكون زمان لا يستقيم لهم الملك إلّا بالقتل والجور ، ولا يستقيم لهم الغناء إلّا بالبخل ولا يستقيم لهم الصحبة في النّاس إلّا باتباع أهوائهم والاستخراج من الدين ، فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغناء ، وصبر على الذل وهو يقدر على العزَّ وصبر على بغضة النّاس وهو يقدر على المحبة أعطاه الله ثواب خمسين صديقاً.

الحديث الثالث عشر : ضعيف.

« اصبر على الحق » أي على فعل الحق ، من ارتكاب الطاعات وترك المنهيات « وإن كان مرا» ثقيلاً على الطبع لكونه مخالفاً للمشتهيات النفسانيّة غالباً أو على

١٤٢

١٤ - عنه ، عن أبيه [ عن يونس بن عبد الرّحمن ] رفعه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الصّبر صبران صبر على البلاء حسن جميل وأفضل الصبرين الورع عن المحارم.

١٥ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى قال أخبرني يحيى بن سليم الطائفي قال أخبرني عمرو بن شمرّ اليمانيّ يرفع الحديث إلى عليّعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصّبر ثلاثة صبر عند المصيبة وصبر على الطّاعة وصبر عن المعصية فمن صبر على المصيبة حتّى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض ومن صبر على الطّاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرّجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش.

_________________________________________________

قول الحقّ وإن كان مرا على النّاس ، فالصبر على ما يترتّب على هذا القول من بغض النّاس وأذيتّهم ، أو على سماع الحق الذي إليك وإن كان مرّاً عليك مكروهاً لك. كمن واجهك بعيب من عيوبك فتصدقه فتقبله أو اطلعك على خطإ في الاجتهاد أو الرأي فتقبله ويمكن التّعميم ليشمل الجميع.

الحديث الرابع عشر : مرفوع ، وضمير عنه راجع إلى أحمد فتنسحبّ عليه العدّة الحديثالخامس عشر : ضعيف.

« حتّى يردّها » أي المصيبة وشدّتها « بحسن عزائها » أي بحسن الصّبر اللائق لتلك المصيبة« ثلاثمائة درجة » أي من درجات الجنّة أو درجات الكمال فالتشبيه من تشبيه المعقول بالمحسوس ، وفي الصّحاح : التخم منتهى كلّ قرية أو أرض ، والجمع تخوم كفلس وفلوس ، انتهى.

ويدلّ على أن ارتفاع الجنّة أكثر من تخوم الأرض إلى العرش ، ولا ينافي ذلك كون عرضها كعرض السماء والأرض ، مع أنه قد قيل في الآية وجوه مع بعضها رفع التنافي أظهر.

١٤٣

١٦ - عنه ، عن عليّ بن الحكم ، عن يونس بن يعقوب قال أمرني أبو عبد اللهعليه‌السلام أن آتي المفضّل وأعزّيه بإسماعيل وقال أقرئ المفضّل السلام وقل له إنا قد أصبنا بإسماعيل فصبرنا فاصبر كما صبرنا إنّا أردنا أمراً وأراد الله عزَّ وجلَّ أمراً فسلمنّا لأمرّ الله عزَّ وجل.

١٧ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي حمزة الثمالي قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد.

١٨ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن عمار

_________________________________________________

الحديث السادس عشر : موثق كالصحيح.

والظاهر أنه المفضّل بن عمرّ ويدلّ على مدح عظيم له ، وأنه كان من خواصّ أصحابه وأحبائه ، وإسماعيل ولده الأكبر الذي كان يظنّ النّاس أنه الإمام بعدهعليه‌السلام ، فلما مات في حياته علم أنه لم يكن إمإمّا ، وهذا هو المراد بقولهعليه‌السلام :

أردنا أمراً ، أي إمامته بظاهر الحال أو بشهوة الطبع ، أو المراد إرادة الشيعة كالمفضّل وأضرابه ، وأدخلعليه‌السلام نفسه تغليباً ومماشاة ، ويدلّ على لزوم الرّضا بقضاء الله والتسليم له ، وقيل : المعنى أردنا طول عمرّ إسماعيل وأراد الله موته ، وأغرب من ذلك أنه قال : عزى المفضّل بابن له مات في ذلك الوقت بذكر فوت إسماعيل.

الحديث السابع عشر : حسن كالصحيح.

قولهعليه‌السلام : مثل أجر ألف شهيد ، فإن قيل : كيف يستقيم هذا مع أن الشهيد أيضاً من الصّابرين حيث صبر حتّى استشهد؟ قلت : يحتمل أن يكون المراد بهم شهداء سائر الأمم أو المعنى مثل ما يستحقّ ألف شهيد وإن كان ثوابهم التفضلي أضعاف ذلك ، وقيل : المراد بهم الشهداء الذين لم تكن لهم نيّة خالصة فلم يستحقّوا ثواباً عظيماً والأوسط كأنّه أظهر.

الحديث الثامن عشر : ضعيف على المشهور.

١٤٤

بن مروان ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنّ الله عزَّ وجلَّ أنعم على قوم فلم يشكروا فصارت عليهم وبالّاً ؛ وابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة.

١٩ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعاً ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبان بن أبي مسافر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا » قال اصبروا على المصائب.

وفي رواية ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال صابروا على المصائب.

٢٠ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن محمّد بن أبي جميلة ، عن جدّه أبي جميلة ، عن بعض أصحابه قال لو لا أن الصّبر خلق قبل البلاء لتفطر المؤمن كما تتفطّر البيضة على الصفا.

_________________________________________________

والوبال الشدّة والثقل والعذاب ، أي صارت النعمة مع عدم الشكر نكالا وعذابا عليهم في الدنيا والآخرة ، وصار البلاء على الصّابر نعمة في الدنيا والآخرة.

الحديث التاسع عشر : مجهول وآخره مرسل.

وكأنه تتمة الخبر الثاني المتقدّم في باب أداء الفرائض وقد مرّ تفسير الآية ولا تنافي بينها فإن للآيات معاني شتى ظهراً وبطنا.

الحديث العشرون : ضعيف.

والتفطر التشقق من الفطر وهو الشق ، والصفا جمع الصفاة وهي الحجر الصلد الضخم لا تنبت ، وفيه إيماء إلى أن الصّبر من لوازم الإيمان ومن لم يصبر عند البلاء لا يستحقّ اسم الإيمان كما مرّ أنه من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ويشعر بكثرة ورود البلاء على المؤمن.

١٤٥

٢١ - أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار وعبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله عزَّ وجلَّ إنّي جعلت الدنيا بين عبادي قرضاً فمن أقرضني منها قرضاً أعطيته بكلّ واحدة عشراً إلى سبعمائة ضعفّ وما شئت من ذلك ومن لم يقرضني منها قرضاً فأخذت منه شيئاً قسراً فصبر أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا بها

_________________________________________________

الحديث الحادي والعشرون : صحيح.

« بين عبادي قرضاً » القرض القطع وما سلفت من إساءة أو إحسان ، وما تعطيه لتقضاه ، والمعنى أعطيتهم مقسوما بينهم ليقرضوني فأعوضهم أضعافها لا ليمسكوا عليها ، وقيل : أي جعلتها قطعة قطعة وأعطيت كلا منهم نصيبا « فمن أقرضني منها قرضاً » أي نوعاً من القرض كصلة الإمام والصدقة والهدية إلى الإخوان ونحوها « وما شئت من ذلك » أي من عدد العطيّة أو الزيادة زائداً على السبعمائة كما قال تعالى : «وَاللهُ يُضاعفّ لِمَنْ يَشاءُ »(١) وقيل : إشارة إلى كيفيّة الثواب المذكور والتفاوت باعتبار تفاوت مراتب الإخلاص وطيب المال ، واستحقاق الأخذ وصلاحه وقرابته وأشباه ذلك ، والقسر : القهر « لرضوا بها منّي » أي رضا كاملاً.

«الَّذِينَ » صدر الآية : «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ » قال الطبرسي قدّس الله روحه : أي نالتهم نكبة في النفس أو المال فوطنوا أنفسهم على ذلك احتسابا للأجر ، والمصيبة المشقة الداخلة على النفس لما يلحقها من المضرة وهو من الإصابة كأنها يصيبها بالنكبة «قالُوا إِنَّا لِلَّهِ » إقرارا بالعبودية أي نحن عبيد الله وملكه «وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » هذا إقرار بالبعث والنشور أي نحن إلى حكمه نصير ، ولهذا قال

____________________

(١) سورة البقرة : ٢٦١.

١٤٦

منّي قال : ثم تلا أبو عبد اللهعليه‌السلام - قول الله عزَّ وجلَّ : «الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ » فهذه واحدة من ثلاث خصال : «وَرَحْمَةٌ » اثنتان «وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ »(١) ثلاث ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام هذا لمن أخذ الله منه شيئاً قسراً.

٢٢ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاساني ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود ، عن يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال مروّة الصّبر في حال الحاجة والفاقة والتعفّف والغنى أكثر من

_________________________________________________

أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّ قولنا إنّا لله ، إقرار علي أنفسنا بالملك ، وقولنا وإنا إليه راجعون ، إقرار على أنفسنا بالهلك ، وإنّما كانت هذه اللفظة تعزية عن المصيبة لما فيها من الدلالة على أن الله تعالى يجبرها إن كانت عدلا ، وينصف من فاعلها إن كانت ظلماً ، وتقديره إنا لله تسليما لأمره ورضا بتدبيره ، وإنا إليه راجعون ، ثقة بأنا نصير إلى عدله وانفراده بالحكم في أموره.

«صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ » أي ثناء جميل من ربهم وتزكية وهو بمعنى الدّعاء لأن الثناء يستحقّ دائماً ، ففيه معنى اللزوم كما أن الدّعاء يدعى به مرة بعد مرة ، ففيه معنى اللزوم ، وقيل : بركات من ربهم عن ابن عباس ، وقيل : مغفرة من ربهم ورحمة أي نعمة عاجلا وآجلا ، فالرحمة النعمة على المحتاج ، وكلّ أحد يحتاج إلى نعمة الله في دنياه وعقباه.

«وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ » أي المصيبون طريق الحق في الاسترجاع وقيل : إلى الجنّة والثواب ، انتهى.

قوله : هذا لمن أخذ الله منه شيئاً قسراً ، أي فكيف من أنفق بطيب نفسه.

الحديث الثاني والعشرون : ضعيف.

وقد مضى معنى المروة وهي الصّفات التّي بها تكمل إنسانيّة الإنسان ، و

____________________

(١) سورة البقرة : ١٧٥.

١٤٧

مروّة الإعطاء.

٢٣ - أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمرّ ، عن جابر قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام يرحمك الله ما الصّبر الجميل قال ذلك صبر ليس فيه شكوى إلى الناس.

٢٤ - حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن بعض أصحابه ، عن أبان ، عن عبد الرّحمن بن سيابة ، عن أبي النّعمان ، عن أبي عبد الله أو أبي جعفرعليه‌السلام قال من لا يعد الصّبر لنوائب الدهر يعجز.

٢٥ - أبو عليّ الأشعريّ ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشاء ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنا صبر وشيعتنا أصبر منّا قلت جعلت فداك كيف

_________________________________________________

الفاقة الفقر والحاجة ، والتعفف ترك السؤال عن النّاس وهو عطف على الصّبر والغناء بالغين المعجمة أيضاً الاستغناء عن النّاس وإظهار الغناء لهم ، وفي بعض النسخ بالمهملة بمعنى التعب فعطفه على الحاجة حينئذ أنسب ، وتخلل التعطف في البين ممّا يبعده فالأظهر على تقديره عطفه على الصّبر أيضا.

الحديث الثالث والعشرون : كالسابق.

« شكوى إلى النّاس » ظاهره عموم النّاس وربمّا يختص بغير المؤمن لقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : من شكا الحاجة إلى مؤمن فكأنما شكاها إلى الله ، ومن شكاها إلى كافر فكأنّما شكا الله.

الحديث الرابع والعشرون : مرسل.

« من لا يعد الصّبر » أي لم يجعل الصّبر ملكة راسخة في نفسه يدفع صولة نزول النوائب والمصائب به يعجز طبعه ونفسه عن مقاومتها وتحملها فيهلك بالهلاك الصوري والمعنوي أيضاً بالجزع وتفويت الأجر ، وربمّا انتهى به إلى الفسق بل الكفر.

الحديث الخامس والعشرون : ضعيف.

والصّبر بضم الصاد وتشديد الباء المفتوحة جمع الصابر « أصبر منّا » أي الصبر

١٤٨

صار شيعتكم أصبر منكم ؟ قال : لأنّا نصبر على ما نعلم وشيعتنا يصبرون على ما لا يعلمون.

_________________________________________________

عليهم أشقّ وأشدّ« لأنا نصبر على ما نعلم ».

أقول : يحتمل وجوهاً : « الأوّل » وهو الأظهر أن المعنى إنا نصبر على ما نعلم نزوله قبل وقوعه ، وهذا ممّا يهين المصيبة ويسهّلها وشيعتنا تنزل عليهم المصائب فجأة مع عدم علمهم بها قبل وقوعها ، فهي عليهم أشدّ ، ويؤيّده ما مرّ أن قوله تعالى : «ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إلّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ »(١) نزل فيهمعليهم‌السلام فتدبر.

الثّاني : أنّ المعنى إنّا نصبر على ما نعلم كنه ثوابه ، والحكمة في وقوعه ، ورفعة الدرجات بسببه وشيعتنا ليس علمهم بجميع ذلك كعلمنّا وهذه كلّها ممّا يسكن النفس عند المصيبة ويعزيها.

الثالث : أنا نصبر على ما نعلم عواقبه وكيفيّة زواله وتبدل الأحوال بعده كعلم يوسفعليه‌السلام في الجب بعاقبة أمره واحتياج الأخوة إليه ، وكذا علم الأئمّةعليهم‌السلام برجوع الدّولة إليهم والانتقام من أعدائهم وابتلاء أعدائهم بأنواع العقوبات في الدنيا والآخرة ، وهذا قريب من الوجه الثاني.

____________________

(١) سورة الحديد : ٢٢ - ٢٣.

١٤٩

( باب الشكر )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الطاعم الشّاكر له من الأجر كأجر الصائم

_________________________________________________

باب الشكر

الحديث الأوّل : ضعيف على المشهور.

وقال الراغب : الشكر تصور النعمة وإظهارها ، قيل : وهو مقلوب عن الكشر أي الكشف ويضادّه الكفر وهو نسيان النعمة وسترها ، ودابة شكور مظهر لسمنه إسداء صاحبه إليه ، وقيل : أصله من عين شكري أي ممتلئة ، فالشكر عليّ هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه والشكر ثلاثة أضرب شكر القلب وهو تصور النعمة ، وشكر باللسان وهو الثناء على المنعم ، وشكر بسائر الجوارح وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقها ، انتهى.

وقال المحقّق الطّوسيقدس‌سره : الشكر أشرف الأعمال وأفضلها ، واعلم أن الشكر مقابلة النعمة بالقول والفعل والنيّة ، وله أركان ثلاثة : الأوّل : معرفة المنعم وصفاته اللائقة به ومعرفة النعمة من حيث إنها نعمة ، ولا تتم تلك المعرفة إلّا بأن يعرف أن النعم كلّها جليها وخفيها من الله سبحانه ، وأنه المنعم الحقيقي ، وأن الأوساط كلّها منقادون لحكمه مسخرون لأمره ، الثاني : الحال التّي هي ثمرة تلك المعرفة ، وهي الخضوع والتواضع والسرور بالنعم من حيث إنّها هديّة دالة على عناية المنّعم بك ، وعلامة ذلك أن لا تفرح من الدنيا إلّا بما يوجب القرب منه ، الثالث : العمل الذي هو ثمرة تلك الحال فإنّ تلك الحال إذا حصلت في القلب حصل فيه نشاط للعمل الموجب للقرب منه.

وهذا العمل يتعلّق بالقلب واللّسان والجوارح ، أمّا عمل القلب فالقصد إلى

١٥٠

المحتسب ؛ والمعافى الشّاكر له من الأجر كأجر المبتلى الصابر ؛ والمعطى الشّاكر له من الأجر كأجر المحروم القانع.

_________________________________________________

تعظيمه وتحميده وتمجيده ، والتفكّر في صنائعه وأفعاله وآثار لطفه ، والعزم على إيصال الخير والإحسان إلى كافّة خلقه ، وإمّا عمل اللسّان فإظهار ذلك المقصود بالتحميد والتمجيد والتسبيح والتهليل ، والأمرّ بالمعروف والنهي عن المنكر إلى غير ذلك ، وإمّا عمل الجوارح فاستعمال نعمه الظاهرة والباطنة في طاعته وعبادته ، والتوقي من الاستعانة بها في معصيته ومخالفته ، كاستعمال العين في مطالعة مصنوعاته وتلاوة كتابه وتذكّر العلوم المأثورة من الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، وكذا سائر الجوارح.

فظهر أنّ الشكر من أمهات صفات الكمال وتحقّق الكامل منه نادر كما قال سبحانه : «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ »(١) ولما كان الشكر بالجوارح التّي هي من نعمه تعالى ولا يتأتى إلّا بتوفيقه سبحانه فالشكر أيضاً نعمة من نعمه ويوجب شكرا آخر ، فينتهي إلى الاعتراف بالعجز عن الشكر ، فآخر مراتب الشكر الاعتراف بالعجز عنه ، كما أن آخر مراتب المعرفة والثناء الاعتراف بالعجز عنهما ، وكذا العبادة كما قال سيد العابدين والعارفين والشاكرينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما عبدناك حق عبادتك وما عرفناك حق معرفتك.

قولهعليه‌السلام : الطأعمّ الشّاكر ، الطأعمّ يطلق على الآكلّ والشارب ، كما قال تعالى : «وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ »(٢) ويقال : فلان احتسب عمله وبعمله إذا نوى به وجه الله ، والمعطي اسم مفعول ، والمحروم من حرم العطاء من الله أو من الخلق والقانع الراضي بما أعطاه الله.

____________________

(١) سورة سبأ : ١٣ :.

(٢) سورة البقرة : ٢٤٩.

١٥١

٢ - وبهذا الإسناد قالّ : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما فتح الله على عبد باب شكر فخزن عنه باب الزيادة.

٣ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن جعفر بن محمّد البغداًدي ، عن عبد الله بن إسحاق الجعفري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال مكتوب في التوراة اشكر من أنعم عليك وأنعم على من شكرك فإنه لا زوال للنعماء إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت الشكر زيادة في النعم وأمان من الغير.

٤ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمّد بن عليّ ، عن عليّ بن أسباط ، عن يعقوب بن سالم ، عن رجل ، عن [ أبي جعفر أو ] أبي عبد اللهعليه‌السلام قال المعافى الشّاكر له من الأجر ما للمبتلى الصّابر ؛ والمعطى الشّاكر له من الأجر كالمحروم القانع.

_________________________________________________

الحديث الثاني : مثل الأول.

« فخزن » أي أحرز ومنع ، ومثله في نهج البلاغة : ما كان الله ليفتح على عبد باب الشكر ويغلق عليه باب الزيادة وهما إشارتان إلى قوله تعالى : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ »(١) .

الحديث الثالث : مجهول.

« من أنعم عليك » يشمل المنعم الحقيقي وغيره « زيادة في النعّم » أي سبب لزيادتها « وأمان من الغير » أي من تغير النعمة بالنقمة والغير بكسر الغين وفتح الباء اسم للتغير ويظهر من القاموس أنه بفتح الغين وسكون الياء ، قال في النهاية في حديث الاستسقاء : من يكفر بالله يلق الغير ، أي تغير الحال وانتقالها من الصلاح إلى الفساد ، والغير الاسم من قولك غيّرت الشيء فتغيّر ، وفي بعض النّسخ بالباء الموحّدة وهو محركة داهية لا يهتدي لمثلها ، والظاهر أنه تصحيف.

الحديث الرابع : ضعيف.

وقد مرّ مضمونه.

____________________

(١) سورة إبراهيم : ٧.

١٥٢

٥ - عنه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن داود بن الحصين ، عن فضل البقباق قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ : «وَأمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ »(١) قال الذي أنعم عليك بما فضّلك وأعطاك وأحسن إليك ثمَّ قال : فحدّث بدينه وما أعطاه الله وما أنعم به عليه.

_________________________________________________

الحديث الخامس : موثق.

«وَأمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ » قال في مجمع البيان : معناه : اذكر نعم الله تعالى وأظهرها وحدّث بها ، وفي الحديث التحدّث بنعمة الله شكر وتركه كفر ، وقال الكلبي : يريد بالنعمة القرآن وكان أعظم ما أنعم الله عليه به ، فأمره أن يقرأه وقال مجاهد والزجاج : يريد بالنبوة التّي أعطاك ربك أي بلغ ما أرسلت به وحدث بالنبوة التّي أتاكها الله ، وهي أجل النعم وقيل : معناه اشكر بما ذكر من النعمة عليك في هذه السورة ، وقال الصّادقعليه‌السلام : معناه فحدث بما أعطاك الله وفضّلك ورزقك وأحسن إليك وهداك ، انتهى.

قوله : بما فضلك ، بيان للنعمّة أي بتفضيلك على سائر الخلق ، أو بما فضلك به من النبوة الخاصّة وأعطاك من العلم والمعرفة والمحبة وسائر الكمالات النفسانيّة والشفاعة واللواء والحوض وسائر النّعم الأخرويّة « وأحسن إليك » من النعم الدنيويّة أو الأعمّ.

« ثم قال » : أي الإمامعليه‌السلام ، فحدث بصيغة الماضي أي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عملاً بما أمرّ به« بدينه » أي العقائد الإيمانيّة والعبادات القلبيّة والبدنيّة « وما أعطاه » من النبوة والفضل والكرامة في الدنيا والآخرة « وما أنعم به عليه » من النعم الدنيوية والأخروية والجسمانيّة والروحانيّة.

____________________

(١) سورة الضحى : ١١.

١٥٣

٦ - حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند عائشة ليلتها فقالت يا رسول الله لم تتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ؟ فقال يا

_________________________________________________

الحديث السادس : كالسابق.

« وقد غفر الله لك » إشارة إلى قوله تعالى : «إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ » وللشيعة في تأويله أقوال : أحدها : أن المراد ليغفر لك الله ما تقدم من ذنب أمتك وما تأخر بشفاعتك وإضافة ذنوب أمته إليه للاتصال والسبب بينه وبين أمته ، ويؤيده ما رواه المفضّل بن عمرّ عن الصادقعليه‌السلام قال :

سأله رجل عن هذه الآية فقال : والله ما كان له ذنب ولكن الله سبحانه ضمن له أن يغفر ذنوب شيعة على ما تقدم من ذنبهم وما تأخر ، وروى عمرّ بن يزيد عنهعليه‌السلام قال : ما كان له ذنب ولا هم بذنب ولكن الله حمله ذنوب شيعته ثم غفرها له.

والثاني : ما ذكره السيد المرتضىرضي‌الله‌عنه أن الذنب مصدر والمصدر يجوز إضافته إلى الفاعل والمفعول معاً فيكون هنا مضافاً إلى المفعول والمراد ما تقدم من ذنبهم إليك في منعهم إياك عن مكة وصدهم لك عن المسجد الحرام ويكون معنى المغفرة على هذا التأويل الإزالة والنسخ لأحكام أعدائه من المشركين عليه أي يزيل الله ذلك عنده ويستر عليك تلك الوصمة بما يفتح الله لك من مكة فستدخلها فيما بعد ، ولذلك جعله جزاء على جهاده وغرضا في الفتح ووجها له ، قال : ولو أنه أراد مغفرة ذنوبه لم يكن لقوله : «إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ » معنى معقول لأن المغفرة للذنوب لا تعلق لها بالفتح فلا يكون غرضا فيه ، وإمّا قوله : « ما تقدم وما تأخر » فلا يمتنع أن يريد به ما تقدم زمانه من فعلهم القبيح بك وبقومك.

الثالث : أن معناه لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه لك.

الرابع : أن المراد بالذنب هناك ترك المندوب ، وحسن ذلك لأن من المعلوم

١٥٤

عائشة إلّا أكون عبداً شكوراً ؟ قال وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقوم على أطراف أصابع

_________________________________________________

أنّهعليه‌السلام ممّن لا يخالف الأوامرّ الواجبة فجاز أن يسمّى ذنباً منه ما لو وقع من غيره لم يسم ذنبا لعلو قدره ورفعة شأنه.

الخامس : أن القول خرج مخرج التعظيم وحسن الخطاب كما قيل في قوله : «عفّاً اللهُ عَنْكَ »(١) .

أقول : وقد روى الصّدوق في العيون بإسناده عن عليّ بن محمّد بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرّضاعليه‌السلام فقال له المأمون : يا بن رسول الله أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ قال : بلى ، قال : فما معنى قول الله : «لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ »؟ قال الرّضاعليه‌السلام : لم يكن أحد عند مشركي مكة أعظم ذنبا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما ، فلما جاءهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا : «أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً وأحداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ » إلى قوله : «إِنْ هذا إلّا اخْتِلاقٌ »(٢) فلما فتح الله تعالى على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة قال له : يا محمّد «إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ » عند مشركي أهل مكة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا النّاس إليه ، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم ، فقال المأمون : لله درك يا أبا الحسن.

وكان هذا الحديث بالوجه الرابع أنسب ، لتقريرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلام عائشة وإن أمكن توجيهه على بعض الوجوه الأخر.

والحاصل أن عائشة توهمت أن ارتكاب المشقة في الطاعات إنما يكون

____________________

(١) سورة التوبة : ٤٣.

(٢) سورة ص : ٥ - ٧.

١٥٥

رجليه فأنزل الله سبحانه وتعالى : «طه * ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى »(١) .

_________________________________________________

لمحو السيئات فأجابصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه ليس منحصرا في ذلك بل يكون لشكر النعم الغير المتناهية ورفع الدرجات الصورية والمعنوية بل الطاعات عند المحبين من أعظم اللذات كما عرفت.

«طه » قيل : معنى «طه » يا رجل عن ابن عباس وجماعة ، وقد دلت الأخبار الكثيرة أنه من أسماء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم روى عليّ بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام قإلّا : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صلى قام على أصابع رجليه حتّى تورم فأنزل الله تبارك وتعالى «طه » بلغة طي يا محمّد «ما أَنْزَلْنا ». الآية.

وروى الصّدوق في معاني الأخبار بإسناده عن سفيان الثوري عن الصادقعليه‌السلام في حديث طويل قال فيه : فإمّا طه فاسم من أسماء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعناه : يا طالب الحق الهادي إليه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى بل لتسعد ، وروى الطبرسي في الاحتجاج عن موسى بن جعفر عن آبائهعليهم‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ولقد قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشر سنين على أطراف أصابعه حتّى تورمت قدماه وأصفرّ وجهه يقوم الليل أجمع حتّى عوتب في ذلك ، فقال الله عزَّ وجلَّ «طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى » بل لتسعد به « الخبر ».

وقال النسفي من العامّة : قال القشيري : الطّاء إشارة إلى طهارة قلبه عن غير الله ، والهاء إلى اهتداء قلبه إلى الله ، وقيل : الطاء طرب أهل الجنّة والهاء هوان أهل النار ، وقال الطبرسي (ره) : روي عن الحسن أنه قرأ طه بفتح الطاء وسكون الهاء ، فإن صحّ ذلك عنه فأصله طاه فأبدل من الهمزة هاء ومعناه طأ الأرض بقدميك جميعاً فقد روي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يرفع إحدى رجليه في الصلاة ليزيد تعبه ، فأنزل الله : طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ، فوضعها ، وروي ذلك عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

____________________

(١) سورة طه : ١ - ٢.

١٥٦

٧ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن حسن بن جهم ، عن أبي اليقظان ، عن عبيد الله بن الوليد قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ثلاث لا يضر معهنَّ شيء : الدعاء عند الكرب والاستغفار عند الذنب ، والشّكر عند النعّمة.

_________________________________________________

وقال الحسن : هو جواب للمشركين حين قالوا إنّه شقي فقال سبحانه : يا رجل «ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى » لكن لتسعد به تنال الكرامة به في الدّنيا والآخرة.

قال قتادة : وكان يصلّي اللّيل كلّه ويعلق صدره بحبل حتّى لا يغلبه النوم فأمره الله سبحانه أن يخفف عن نفسه ، وذكر أنه ما أنزل عليه الوحي ليتعب كلّ هذا التعب.

وقال البيضاوي : المعنى ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب بفرط تأسفك على كفر قريش ، إذ ما عليك إلّا أن تبلغ أو بكثرة الرياضة وكثرة التهجد والقيام على ساق ، والشقاء شائع بمعنى التعب. ولعله عدل إليه للإشعار بأنه أنزل عليه ليسعد ، وقيل : رد وتكذيب للكفرة فإنهم لما رأوا كثرة عبادته قالوا إنك لتشقى بترك ديننا وأن القرآن أنزل إليك لتشقى به ، انتهى.

وأقول : القيام على رجل واحد وعلى أطراف الأصابع وأمثالهما لعلها كانت ابتداء في شريعتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نسخت ، بناء على ما هو الأظهر من أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عاملا بشريعة نفسه أو في شريعة من كان يعمل بشريعته على الأقوال الأخر ، وقد بسطنا القول في ذلك في الكتاب الكبير.

الحديث السابع : مجهول.

ومفاده معلوم لأن الدّعاء يدفع الكرب والاستغفار يمحو الذنوب والشكر يوجب عدم زوال النعمة ، ويؤمن من كونها استدراجا ووبإلّا في الآخرة.

١٥٧

٨ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد الله بن جبلة ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أعطي الشكر أعطي الزيادة يقول الله عزَّ وجلَّ : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ »(١) .

٩ - أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، عن رجلين من أصحابنا سمعاه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما أنعم الله على عبد من نعمة فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهراً بلسانه فتم كلامه حتّى يؤمرّ له بالمزيد.

١٠ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن بعض أصحابنا ، عن محمّد بن هشام ، عن ميسر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال شكر النعمة اجتناب المحارم وتمام الشكر قول الرّجل :الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ .

_________________________________________________

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

الحديث التاسع : مرسل.

« فعرفها بقلبه » أي عرف قدر النعمة وعظمتها وأنها من الله تعالى لأنه مسبب الأسباب وفيه إشعار بأن الشكر الموجب للمزيد هو القلبي مع اللساني.

الحديث العاشر : مجهول.

ويدلّ على أن اجتناب المحارم من أعظم الشكر الأركاني ، وأن الحمد لله رب العالمين فرد كامل من الشكر لأنه يستفاد منه اختصاص جميع المحامد بالله سبحانه فيدلّ على أنه المولى بجميع النعم الظاهرة والباطنة ، وأنه رب لجميع ما سواه وخالق ومرب لها ، وأنه لا شريك له في الخالقية والمعبودية والرازقية ، وقوله :

تمام الشكر ، المراد به الشكر التام الكامل أو هو متمم لاجتناب المحارم ومكمل له.

____________________

(١) سورة إبراهيم : ٧.

١٥٨

١١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عليّ بن عيينة ، عن عمرّ بن يزيد قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول شكر كلّ نعمة وإن عظمت أن تحمد الله عزَّ وجلَّ عليها.

١٢ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكراً ؟ قال نعم قلت ما هو قال يحمد الله على كلّ نعمة عليه في أهل ومال وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حقُّ أدّاه ومنه قوله جل وعزَّ : «سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ »(١) ومنه قوله تعالى : «رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً

_________________________________________________

الحديث الحادي عشر : حسن.

ويدلّ على أنّ الشكر يتحقّق بالحمد اللسّاني ولا ينافي كون كماله بانضمام شكر الجنان والأركان.

الحديث الثاني عشر : صحيح.

قوله : حقّ ، أي واجب أو الأعمّ « ومنه» أي من الشكر أو من الحق الذي يجب أداؤه فيما أنعم الله عليه أن يقول عند ركوب الفلك أو الدابة اللتين أنعم الله بهما عليه ما قال سبحانه تعليماً لعباده وإرشاداً لهم حيث قال عزَّ وجلَّ : «وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي » إلى قوله : «وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ » أي مطيقين ، من أقرنت الشيء إقرانا أطقته وقويت عليه.

قال الطّبرسي (ره) في تفسير هذه الآية : ثمّ تذكروا نعمة ربّكم فتشكروه على تلك النّعمة التّي هي تسخير ذلك المركب وتقولوا معترفين بنعمة منزهين له عن شبه المخلوقين : سبحان الذي سخّر لنا هذا ، أي ذلله لنا حتّى ركبناه قال قتادة

____________________

(١) سورة الزخرف : ١٣.

١٥٩

وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ »(١) وقوله : «رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ

_________________________________________________

قد علّمكم كيف تقولون إذا ركبتم.

وروى العياشي بإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : ذكر النعمة أن تقول : الحمد لله الذي هدانا للإسلام وعلمنّا القرآن ومن علينا بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول بعده : «سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا » إلى قوله : «وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ » ومنه قوله تعالى : «رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ».

ليس هذا في بعض النسخ وعلى تقديره المعنى أنّه من موسىعليه‌السلام كان متضمنّا للشكر على نعمة الفقر وغيره لاشتماله على الاعتراف بالمنعم الحقيقي والتوسل إليه في جميع الأمور ، وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال : والله ما سأله إلّا خبزا يأكله لأنه كان يأكلّ بقلة الأرض ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذب لحمه ، وكذا علم سبحانه نوحاًعليه‌السلام الشكر حيث أمره أن يقول عند دخول سفينة أو عند الخروج منها : «رَبِّ أَنْزِلْنِي » وصدر الآية هكذا :

«فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً » قرأ أبو بكر منزلا بفتح الميم وكسر الزاي أي موضع النزول ، قيل : هو السفينة بعد الركوب ، وقيل : هو الأرض بعد النزول ، وقرأ الباقون منزلا بضم الميم وفتح الزاي أي إنزالاً مباركاً ، فالبركة في السفينة النجاة وفي النزول بعد الخروج كثرة النسل من أولاده ، وقيل : مباركاً بالماء والشجر.

«وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ » لأنه لا يقدر أحد على أن يصون غيره من الآفات إذا أنزل منزلا ويكفيه جميع ما يحتاج إليه إلّا أنت فظهر أن هذا شكر أمرّ الله به وتوسل إلى جنابه سبحانه ، وكذا كلّ من قرأ هذه الآية عند نزول منزل أو دار فقد شكر الله ، وكذا ما علمه الله الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول عند دخول مكة أو في جميع

____________________

(١) سورة المؤمنون : ٩٢.

١٦٠