مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 437

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 437
المشاهدات: 18765
تحميل: 8660


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18765 / تحميل: 8660
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 8

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : إنَّ حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم.

( باب )

( حسن البشر )

١ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن الحسن بن الحسين قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا بني عبد المطّلب إنّكم لن تسعوا النّاس بأموالكم فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر.

ورواه عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن رأشدّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام إلّا أنّه قال يا بني هاشم.

_________________________________________________

وقد مرّ مضمونه ويبلغ كينصر والباء للتعدية.

باب حسن البشر

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

لأنّ الحسن بن الحسين وإن كان مشتركاً لكنّ الراوي عن الصادقعليه‌السلام منهم ثقة وسنده الثاني ضعيف.

وفي النّهاية يقال : وسعه الشيء يسعه سعة فهو واسع ووسع بالضمّ وساعة فهو وسيع ، والوسع والسعة الجدة والطاقة ، ومنه الحديث إنكم لن تسعوا النّاس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم أي لا تتسع أموالكم بعطائهم فوسعّوا أخلاقكم لصحبتهم ، وقال :

فيه أن تلقاه بوجه طلق ، يقال : طلق الرّجل بالضمّ يطلق طلاقة فهو طلق وطليق ، أي منبسط الوجه متهلله ، وفي القاموس : هو طلق الوجه مثلثة وككتف وأمير ضاحكة مشرقة ، والبشر بالكسر طلاقة الوجه وبشاشته ، وقيل : حسن البشر تنبيه على أنّ زيادة البشر وكثرة الضّحك مذمومة بل الممدوح الوسط من ذلك.

أقول : ويحتمل أن يكون للمبالغة في ذلك أو يكون إشارة إلى أنّ البشر إنمّا

١٨١

٢ - عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ثلاث من أتى الله بواحدة منهنّ أوجب الله له الجنّة : الإنفاق من إقتار والبشر لجميع العالم والإنصاف من نفسه.

_________________________________________________

يكون حسناً إذا كان عن صفاء الطويّة والمحبّة القلبيّة لا ما يكون على وجه الخداع والحيلة.

وبنو هاشم وبنو عبد المطّلب مصداقهما واحد ، لأنّه لم يبق لهاشم ولد إلّا من عبد المطّلب.

الحديث الثاني : موثق.

والإقتار التضييق على الإنسان في الرزق ، يقال أقتر الله رزقه أي ضيقه وقلله والإنفاق أعمّ من الواجب والمستحبّ وكان المراد بالإقتار عدم الغناء والتوسعة في الرزق وإن كان له زائداً على رزقه ورزق عياله ما ينفقه ، ويحتمل شموله للإيثار أيضاً بناء على كونه حسناً مطلقا أو لبعض النّاس فإن الأخبار في ذلك مختلفة ظاهرا فبعضها يدلّ على حسنه وبعضها يدلّ على ذمه وأنه كان ممدوحاً في صدر الإسلام فنسخ ، وربمّا يجمع بينهما باختلاف ذلك بحسب الأشخاص ، فيكون حسناً لمن يمكنه تحمل المشقّة في ذلك ، ويكمل توكله ولا يضطرب عند شدّة الفاقة ، ومذموماً لمن لم يكن كذلك ، وعسى أن نفصل ذلك في موضع آخر إنشاء الله ، وربمّا يحمل ذلك على من ينقص من كفافه شيئاً ويعطيه من هو أحوج منه أو من لا شيء له.

« والبشر بجميع العالم » هذا إمّا على عمومه بأن يكون البشر للمؤمنين لإيمانهم وحبّه لهم ، وللمنافقين والفاسقين تقيّة منهم ومداراة لهم كما قيل : دارهم ما دمت في دارهم وأرضهم ما كنت في أرضهم ، أو مخصوص بالمؤمنين كما يشعر به الخبر الآتي.

وعلى التّقديرين لا بدّ من تخصيصه بغير الفسّاق الذين يعلم من حالتهم أنّهم يتركون المعصية إذا لقيهم بوجه مكفهرّ ولا يتركونها بغير ذلك ولا يتضرّر منهم في ذلك فإنّ ذلك أحد مراتب النّهي عن المنكر الواجب على المؤمنين « والإنصاف من

١٨٢

٣ – عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل فقال يا رسول الله أوصني فكان فيما أوصاه أن قال الق أخاك بوجه منبسط.

٤ - عنه ، عن ابن محبوب ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له ما حد حسن الخلق ؟ قال : تليّن جناحك ، وتطيّب كلامك وتلقى أخاك

_________________________________________________

نفسه » هو أن يرجع إلى نفسه ويحكم لهم عليها فيما ينبغي أن يأتي به إليهم من غير أن يحكم عليه حاكم ، وسيأتي في باب الإنصاف هو أن يرضى لهم ما يرضى لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه.

قال الراغب : الإنصاف في المعاملة العدالة وهو أن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلّا مثل ما يعطيه ولا ينيله من المضارّ إلّا مثل ما يناله منه ، وقال الجوهري : أنصف أي عدل ، يقال : أنصفه من نفسه وانتصفت أنا منه ، وتناصفوا أي أنصف بعضهم بعضاً من نفسه.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

والتخصيص بالأخ لشدّة الاهتمام أو المراد به انبساط الوجه مع حبّ القلب.

الحديث الرابع : مرسل كالحسن لإجماع العصابة على المرسل والضّمير فيه وفي الخبر الآتي راجعان إلى إبراهيم بن هاشم.

وتليين الجناح كناية عن عدم تأذي من يجاوره ويجالسه ويحاوره من خشونته بأن يكون سلس الانقياد لهم ويكفّ أذاه عنهم أو كناية عن شفقتّه عليهم كما أنّ الطائر يبسط جناحه على أولاده ليحفظهم ويكنفهم كقوله تعالى : «وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ »(١) .

قال الراغب : الجناح جناح الطّائر وسمّي جانبا الشيء جناحاه ، فقيل

____________________

(١) سورة الإسراء : ٢٤.

١٨٣

ببشر حسن.

٥ - عنه ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن ربعيّ ، عن فضيل قال صنائع المعروف وحسن البشر يكسبان المحبّة ويدخلان الجنّة والبخل وعبوس الوجه يبعدان من الله ويدخلان النار.

_________________________________________________

جناحا السفينة وجناحا العسكر ، وجناحا الإنسان لجانبيه ، وقوله تعالى : «وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ » فاستعارة وذلك أنّه لـمّا كان الذلّ ضربين ضرب يضع الإنسان ، وضرب يرفعه ، وقصد في هذا المكان إلى ما يرفع الإنسان لا إلى ما يضعه استعار لفظ الجناح فكأنه قيل : استعمل الذلّ الذي يرفعك عند الله من أجل اكتسابك الرحمة أو من أجل رحمتك لهم وقال : الخفض ضدّ الرفع والخفض الدعة والسير اللين ، فهو حثّ على تليين الجانب والانقياد وكأنه ضدّ قوله : أن لا تعلوا على.

وقال البيضاوي في قوله تعالى : «وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذلّ » تذّلل لهما وتواضع فيهما ، جعل للذل جناحا وأمره بخفضها للمبالغة أو أراد جناحه كقوله : «وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ »(١) وإضافته إلى الذلّ للبيان والمبالغة كما أضيف حاتم إلى الجود ، والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل.

الحديث الخامس : كالصحيح موقوف والظاهر أنه مضمر.

والضمير في « قال » راجع إلى الباقر أو الصّادقعليهما‌السلام وكأنه سقط من النساخ أو الرّواة ، وصنائع المعروف الإحسان إلى الغير بما يعرف حسنه شرعاً وعقلاً وكان الإضافة للبيان. قال في النّهاية : الاصطناع افتعال من الصنيعة ، وهي العطيّة والكرامة والإحسان. وقال : المعروف اسم جامع لكلّ ما عرف من طاعة الله تعالى ، والتقرّب إليه والإحسان إلى النّاس وكلّ ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات « وهو من الصّفات الغالبة » أي أمرّ معروف بين النّاس إذا رأوه لا ينكرونه ، والمعروف

____________________

(١) سورة الحجر : ٨٨.

١٨٤

٦ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حسن البشر يذهب بالسخيمة.

( باب )

( الصدق وأداء الأمانة )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عزَّ وجلَّ لم يبعث نبيّاً إلّا بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر.

_________________________________________________

النصفة وحسن الصحبة مع الأهل وغيرهم من النّاس والمنكر ضدّ ذلك جميعه« يكسبان المحبّة » أي المحبّة تعالى بمعنى إفاضة الرحمات والهدايات أو محبة الخلق ، ويؤيّد الأوّل قوله : ويبعدان من الله لأن الظاهر أن يترتّب على أحد الضّدين نقيض ما يترتّب على الضدّ الآخر.

الحديث السادس : موثق.

والسخيمة الحقد في النّفس.

( باب الصدق وأداء الأمانة )

الحديث الأول : حسن.

« إلّا بصدق الحديث » أي متّصفاً بهما أو كان الأمرّ بهما في شريعته ، وقد مرّ أنّه يحتمل شمول الأمانة لجميع حقوق الله ، وحقوق الخلق ، لكنّ الظاهر منه أداء كلّ حق ائتمنك عليه إنسان ، برّاً كان أو فأجراً ، والظاهر أن الفاجر يشمل الكافر أيضاً فيدلّ على عدم جواز الخيانة بل التقاصّ أيضاً في ودائع الكفّار وأماناتهم ، واختلف الأصحاب في التقاصّ مع تحقّق شرائطه في الوديعة فذهب الشيخ في الاستبصار وأكثر المتأخرين إلى الجواز على كراهة وذهب الشيخ في النهاية

١٨٥

٢ - عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن إسحاق بن عمّار وغيره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا تغترُّوا بصلاتهم ولا بصيامهم فإنّ الرّجل ربمّا لهج بالصلاة والصوم حتّى لو تركه استوحش ولكنّ اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة.

٣ - عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن أبي نجران ، عن مثنى الحناط ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من صدق لسانه زكى عمله.

_________________________________________________

وجماعة إلى التحريم ، والأخبار مختلفة وسيأتي تحقيقه في محله إنشاء الله ، وستأتي الأخبار في وجوب أداء الأمانة والوديعة إلى الكافر ، وإلى قاتل عليّ صلوات الله عليه.

الحديث الثاني : موثق.

وقال الجوهري : اغترّ بالشيء خدع به ، وقال : اللهّج بالشيء الولوع به ، وقد لهج به بالكسر يلهج لهجاً إذا أغرى به فثابر عليه ، انتهى.

وحاصل الحديث أن كثرة الصلاة والصوم ليست ممّا يختبر به صلاح المرء وخوفه من الله تعالى ، فإنهما من الأفعال الظاهرة التّي لا بدّ للمرء من الإتيان بها خوفاً أو طمعاً ورياء لا سّيما للمتسمين بالصلاح فيأتون بها من غير إخلاص حتّى يعتادونها ، ولا غرض لهم في تركها غالباً والدّواعي الدنيوية في فعلها لهم كثيرة بخلاف الصّدق والأمانة فإنّهما من الأمور الخفيّة وظهور خلافهما على النّاس نادر ، والدواعي الدنيويّة على تركهما كثيرة فاختبروهم بهما ، لأن الآتي بهما غالباً من أهل الصلاح والخوف من الله مع أنّهما من الصّفات الحسنة التّي تدعو إلى كثير من الخيرات ، وبهما يحصل كمال النّفس وإن لم تكونا لله ، وأيضاً الصّدق يمنع كون العمل لغير الله فإن الرياء حقيقة من أقبح أنواع الكذب كما يومئ إليه الخبر الآتي.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« زكي عمله » أي يصير عمله بسببه زاكياً أي نامياً في الثواب لأنّه إنّما يتقبّل الله من المتقين ، وهو من أعظم أركان التّقوى ، أو كثيراً لأن الصّدق مع الله يوجب

١٨٦

٤ - محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عمرو بن أبي المقدام قال قال لي أبو جعفرعليه‌السلام في أول دخلة دخلت عليه تعلّموا الصدق قبل الحديث.

_________________________________________________

الإتيان بما أمرّ الله والصّدق مع الخلق أيضاً يوجب ذلك ، لأنه إذا سئل عن عمل هل يفعله؟ ولم يفعله لا يمكنه ادّعاء فعله ، فيأتي بذلك ، ولعلّه بذلك يصير خالصا لله ، أو يقال لـمّا كان الصّدق لازماً للخوف والخوف ملزوماً لكثرة الأعمال فالصّدق ملزوم لها ، أو المعنى طهر عمله من الرياء فإنّها نوع من الكذب كما أشرنا إليه في الخبر السّابق وفي بعض النّسخ زكّي على المجهول من بناء التفعيل بمعنى القبول ، أي يمدح الله عمله ويقبله ، فيرجع إلى المعنى الأوّل ويؤيّده.

الحديث الرابع : ضعيف.

والدخلة مصدر كالجلسة وإن لم يذكر بخصوصه في اللّغة « تعلّموا الصّدق » أي قواعده كجواز النقل بالمعنى ، ونسبة الحديث المأخوذ عن واحد من الأئمّة إلى آبائه أو إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تبعيض الحديث وأمثال ذلك ، أو يكون تعلمه كناية عن العمل به والتمرن عليه على المشاكلة ، أو المراد تعلم وجوبه ولزومه وحرمة تركه « قبل الحديث » أي قبل سماع الحديث منّا وروايته وضبطه ونقله ، وهذا يناسب أول دخوله فإنه كان مريداً لسماع الحديث منهعليه‌السلام ولم يسمع بعد هذا ما أفهمه.

وقيل فيه وجوه مبنيّة على أنّ المراد بالحديث التكلم لا الحديث بالمعنى المصطلح :

الأوّل : أنّ المراد التفكر في الكلام ليعرف الصّدق وفيما يتكلم به ، ومثله قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : لسان العاقل وراء قلبه وقلب الأحمق وراء لسانه ، يعني أنّ العاقل يعلم الصّدق والكذب أوّلاً ويتفكّر فيما يقول ثمَّ يقول ما هو الحقّ والصّدق ، والأحمق يتكلم ويقول من غير تأمل وتفكر فيتكلّم بالكذب والباطل كثيراً.

الثّاني : أن لا يكون قبل متعلقاً بتعلّموا ، بل يكون بدلا من قوله في أوّل دخلة.

١٨٧

٥ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي كهمس قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام - عبد الله بن أبي يعفور يقرئك السلام قال عليك وعليه‌السلام إذا أتيت عبد الله فأقرئه السلام وقل له إن جعفر بن محمّد يقول لك انظر ما بلغ به عليّعليه‌السلام عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فالزمه فإن علياعليه‌السلام إنما بلغ ما بلغ به عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصدق الحديث وأداء الأمانة.

٦ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي إسماعيل البصري ، عن فضيل بن يسار قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا فضيل إنَّ الصادق أوّل من يصدِّقه الله عزَّ وجلَّ يعلم أنّه صادق وتصدّقه نفسه تعلم أنّه صادق.

_________________________________________________

الثالث : أن يكون قبل متعلقاً بقال أي قالعليه‌السلام ابتداءاً قبل التكلم بكلام آخر : تعلّموا.

الرّابع : أنّ يكون المعنى تعلّموا الصّدق قبل تعلّم آداب التكلّم من قواعد العربيّة والفصاحة والبلاغة وأمثالها.

ولا يخفى بعد الجميع لا سّيما الثّاني والثّالث ، وكون ما ذكرنا أظهر وأنسب.

الحديث الخامس : مجهول.

« ما بلغ به عليّعليه‌السلام » كان مفعول البلوغ محذوف ، أي انظر الشيء الذي بسببه بلغ عليّعليه‌السلام عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المبلغ الذي بلغه من القرب والمنزلة ، وقوله بعد ذلك : ما بلغ به ، كأنه زيدت كلمة « به » من النساخ ، وليست في بعض النّسخ ، وعلى تقديرها كان الباء زائدة ، فإنه يقال بلغت المنزل أو الدار ، وقد يقال بلغت إليه بتضمين ، فيمكن أن يكون الباء بمعنى إلى ، ويحتمل على بعد أن يكون قوله : فإن عليّاً تعليلاً للزوم وضمير « به » راجعا إلى الموصول في ما بلغ به أوّلاً ، وقوله : بصدق الحديث كلإمّا مستأنفاً متعلقاً بفعل مقدر أي بلغ ذلك بصدق الحديث.

الحديث السادس : مجهول ، والمضمون معلوم.

١٨٨

٧ - ابن أبي عمير ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنّما سمّي إسماعيل صادق الوعد لأنّه وعد رجلاً في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة فسّماه الله عزَّ وجلَّ صادق الوعد ثمَّ [ قال ] إنَّ الرّجل أتاه بعد ذلك فقال له إسماعيل ما زلت منتظراً لك.

٨ - أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن سالم ، عن أحمد بن النضر الخزّاز ، عن جدّه الربيع بن سعد قال قال لي أبو جعفرعليه‌السلام يا ربيع إن الرّجل ليصدق حتّى يكتبه الله صدّيقاً.

_________________________________________________

الحديث السابع : حسن.

واختلف المفسّرون في إسماعيل المذكور في هذه الآية ، قال الطّبرسي (ره) :

هو إسماعيل بن إبراهيم وأنه كان صادق الوعد ، إذا وعد بشيء وفي به ولم يخلف ، وكان مع ذلك رسولا إلى جرهم نبيّاً رفيع الشأن ، عالي القدر ، قال ابن عباس : أنه واعد رجلا أن ينتظره في مكان ونسي الرّجل فانتظره سنة حتّى أتاه الرّجل ، وروي ذلك عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وقيل : أقام ينتظره ثلاثة أيام عن مقاتل.

وقيل : إن إسماعيل بن إبراهيم مات قبل أبيه إبراهيم وإنّ هذا هو إسماعيل بن حزقيل ، بعثه الله إلى قوم فسلخوا جلدة وجهه وفروة رأسه فخيّره الله فيما شاء من عذابهم فاستعفاه ورضي بثوابه ، وفوض أمرهم إلى الله في عفوه وعقابه ، ورواه أصحابنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، ثم قال في آخره : أتاه ملك من ربّه يقرئه السلام ويقول : قد رأيت ما صنع بك وقد أمرني بطاعتك ، فمرني بما شئت ، فقال : يكون بي بالحسين أسوة.

الحديث الثامن : مجهول.

والصّديق مبالغة في الصّدق أو التصديق والإيمان بالرسول قولا وفعلا ، قال الطبرسي (ره) في قوله تعالى : «إِنَّهُ كانَ صدّيقاً »(١) أي كثير التصديق في أمور الدّين عن الجبائي ، وقيل : صادقاً مبالغاً في الصّدق فيما يخبر عن الله.

____________________

(١) سورة مريم : ٤١ - ٥٦.

١٨٩

٩ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إنَّ العبد ليصدق حتّى يكتب عند الله من الصادقين ويكذب حتّى يكتب عند الله من الكاذبين فإذا صدق قال الله عزَّ وجلَّ :

_________________________________________________

وقال الرّاغب : الصّدق والكذب أصلهما في القول ماضياً كان أو مستقبلاً وعداً كان أو غيره ، ولا يكونان بالقصد الأوّل إلّا في القول ، ولا يكونان من القول إلّا في الخبر دون غيره من أصناف الكلام ، وقد يكونان بالعرض في غيره من أنواع الكلام الاستفهام والأمرّ والدّعاء ، وذلك نحو قول القائل : أزيد في الدار؟ فإن في ضمنه إخباراً بكونه جاهلاً بحال زيد ، وكذا إذا قال : واسني ، في ضمنه أنّه محتاج إلى المواساة ، وإذا قال : لا تؤذني ففي ضمنه أنّه يؤذيه.

والصدّيق من كثر منه الصّدق ، وقيل : بل يقال ذلك لمن لم يكذب قط ، وقيل : بل لمن لا يتأتى منه الكذب لتعوده الصّدق ، وقيل : بل لمن صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله فالصديقون هم قوم دوين الأنبياء في الفضيلة وقد يستعمل الصّدق والكذب في كلّ ما يحق ويحصل في الاعتقاد ، نحو صدق ظنّي وكذب ، ويستعملان في أفعال الجوارح ، فيقال : صدق في القتال إذا وفي حقّه ، وفعل على ما يجب وكما يجب ، وكذب في القتال إذا كان بخلاف ذلك ، قال الله تعالى : «رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ »(١) أي حقّقوا العهد بما أظهروه من أفعالهم ، وقوله : «لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ »(٢) أي يسأل من صدق بلسانه عن صدق فعله تنبيهاً على أنّه لا يكفي الاعتراف بالحقّ دون تحريّه بالفعل.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور.

ويدلّ على رفعة درجة الصادقين عند الله ، وقال الراغب : البرّ التوسّع في فعل

____________________

(١) سورة الأحزاب : ٢٣.

(٢) سورة الأحزاب : ٨.

١٩٠

صدق وبرَّ ، وإذا كذب قال الله عزَّ وجلَّ : كذب وفجر.

١٠ - عنه ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كونوا دعاة للنّاس بالخير بغير ألسنتكم ليروا منكم الاجتهاد والصّدق والورع.

١١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم قال قال أبو الوليد حسن بن زياد الصيقلّ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من صدق لسانه زكى عمله ومن حسنت نيّته زيد في رزقه ومن حسن برَّه بأهل بيته مدّ له في عمره.

١٢ - عنه ، عن أبي طالب رفعه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لا تنظروا إلى طول ركوع الرّجل وسجوده فإنّ ذلك شيء اعتاده فلو تركه استوحش لذلك ولكنّ انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته.

_________________________________________________

الخير ويستعمل في الصّدق لكونه بعض الخيرات المتوسّع فيه ، وبرّ العبد ربه : توسّع في طاعته ، وقال : سمّي الكاذب فاجراً لكون الكذب بعض الفجور.

الحديث العاشر : صحيح ، والضمير راجع إلى أحمد.

« بغير ألسنتكم » أي بجوار حكم وأعمالكم الصّادرة عنها ، وإن كان اللسان أيضاً داخلاً فيها من جهة الأعمال لا من جهة الدعوة الصريحة ، والاجتهاد المبالغة في الطاعات والورع اجتناب المنهيات والشبهات كما مرّ.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

« ومن حسنت نيّته » أي عزمه على الطّاعات أو على إيصال النّفع إلى العبّاد « أو سريرته » في معاملة الخلق بأن يكون ناصحاً لهم غير مبطن لهم غشّاً وعداوة وخديعة ، أو في معاملة الله أيضاً بأن يكون مخلصا ، ولا يكون مرّائيا ولا يكون عازماً على المعاصي ، ومبطناً خلاف ما يظهر من مخافة الله عزَّ وجلَّ ، والمرّاد بأهل بيته عياله أو الأعمّ منهم ومن أقاربه بالتّوسعة عليهم وحسن المعاشرة معهم.

الحديث الثاني عشر : مرّفوع.

والمرّاد بطول الركوع والسّجود حقيقته أو كناية عن كثرة الصّلاة والأول أظهر

١٩١

( باب الحياء )

١ - عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الحياء من الإيمان والإيمان في الجنّة.

_________________________________________________

باب الحياء

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

والحياء ملكة للنّفس توجب انقباضها عن القبيح وانزجارها عن خلاف الآداب خوفاً من اللّوم ، و « من » في قوله : من الإيمان ، إمّا سببيّة أي تحصل بسبب الإيمان ، لأن الإيمان بالله وبرسوله وبالثواب والعقاب وقبح ما بين الشارع قبحه يوجب الحياء من الله ومن الرسول ، ومن الملائكة وانزجار النّفس من القبائح والمحرّمات لذلك ، أو تبعيضيّة أي من الخصال التّي هي من أركان الإيمان ، أو توجب كماله وقال الراوندي (ره) في ضوء الشهاب : الحياء انقباض النّفس عن القبائح وتركها لذلك ، يقال : حيي يحيي حياء فهو حيي واستحيا فهو مستحيي ، واستحى فهو مستح ، والحياء إذا نسب إلى الله فالمرّاد به التنزيه ، وأنّه لا يرضي فيوصف بأنّه يستحي منه ، ويتركه كرماً.

وما أكثر ما يمنع الحياء من الفواحش والذنوب ، ولذلك قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحياء من الإيمان ، الحياء خير كله ، الحياء لا يأتي إلّا بالخير ، فإنّ الرّجل إذا كان حييّاً لم يرخص حياؤه من الخلق في شيء من الفواحش فضلاً عن الحياء من الله ، وروى ابن مسعود أنّه جاء قوم إلى النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : إن صاحبنا قد أفسده الحياء؟ فقال النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الحياء من الإسلام وإن البذاء من لؤم المرّء ، انتهى.

« والإيمان في الجنّة » أي صاحبه.

١٩٢

٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن الحسن الصيقلّ قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام الحياء والعفاف والعيُّ - أعنّي عيّ اللّسان لا عيّ القلب - من الإيمان.

٣ - الحسين بن محمّد ، عن محمّد بن أحمد النهدي ، عن مصعب بن يزيد ، عن العوّام

_________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

والعفاف أي ترك المحرّمات بل الشبهات أيضاً ويطلق غالباً على عفّة البطن والفرج ، وفي القاموس : عيّ بالأمرّ وعيي كرضي ، وتعايا واستعيي وتعييّ لم يهتد لوجه مرّاده أو عجز عنه ولم يطق أحكامه ، وعيي في المنطق كرضى عيّاً بالكسر حصر ، وأعيى الماشي كلَّ ، انتهى.

والمرّاد بعي اللسان ترك الكلام فيما لا فائدة فيه ، وعدم الاجتراء على الفتوى بغير علم ، وعلى إيذاء النّاس وأمثاله وهذا ممدوح ، وعي القلب عجزه عن إدراك دقائق المسائل ، وحقائق الأمور وهو مذموم.

« من الإيمان » قيل : أي من قبيلة في المنع عن القبائح أو من أفراده أو من أجزائه ، أو من شيم أهله ومحاسنه التّي ينبغي التخلق بها ، انتهى.

أقول : وروى الحسين بن سعيد في كتاب الزّهد عن محمّد بن سنان عن ابن مسكان عن الصيقلّ قال : كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام جالسا فبعث غلاما له أعجميا في حاجة إلى رجل فانطلق ثم رجع فجعل أبي عبد اللهعليه‌السلام يستفهمه الجواب وجعل الغلام لا يفهمه مرّاراً ، قال : فلـمّا رأيته لا يتعبر لسانه ولا يفهمه ظننت أن أبا عبد اللهعليه‌السلام سيغضب عليه ، قال : وأحد أبو عبد اللهعليه‌السلام النظر إليه ثم قال : إمّا والله لئن كنت عيي اللسان فما أنت بعيي القلب ، ثم قال : إن الحياء والعي عي اللسان لا عي القلب من الإيمان ، والفحش والبذاء والسلاطة من النفاق.

الحديث الثالث : ضعيف.

١٩٣

بن الزّبير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من رق وجهه رق علمه.

٤ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن يحيى أخي دارم ، عن معاذ بن كثير ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال الحياء والإيمان مقرونان في قرن فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه.

_________________________________________________

والمراد برقّة الوجه الاستحياء عن السّؤال وطلب العلم ، وهو مذموم فإنه لا حياء في طلب العلم ، ولا في إظهار الحقّ ، وإنّما الحياء عن الأمرّ القبيح ، قال تعالى : «وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ »(١) ورقة العلم كناية عن قلته ، وما قيل : إن المرّاد برقة الوجه قلة الحياء فضعفه ظاهر ، وفي القاموس : الرقة بالكسر الرحمة ، رققت له أرق والاستحياء والرقة ، رق يرق فهو رقاق ، انتهى.

واستعارة رقة الوجه للحياء شائع بين العرب والعجم ، وقيل : المرّاد برقة العلم الاكتفاء بما يجب ويحسن طلبه ، لا الغلو فيه بطلب ما لا يفيد بل يضر كعلم الفلاسفة ونحوه ، أو استعارة للإنتاج فإن الثوب الرقيق يحكي ما تحته أو يكون نسبة الرقة إلى العلم على المجاز ، والمرّاد رقة المعلوم أي يتعلق علمه بالدقائق والحقائق الخفيّة ، ولا يخفى ما في الجميع من التكلّف والتعسّف.

الحديث الرابع : مجهول.

وفي القاموس : القرن بالتحريك حبل يجمع به البعيران ، وخيط من سلب يشدّ به الفدّان ، انتهى.

والغرض بيان تلازمهما ، ولا ينافي الجزئيّة ، ويحتمل أن يكون المرّاد هنا بالإيمان العقائد اليقينيّة المستلزمة للأخلاق الجميلة والأفعال الحسنة كما عرفت أنه أحد معانيه.

____________________

(١) سورة الأحزاب : ٥٣.

١٩٤

٥ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ بن يقطين ، عن الفضل بن كثير عمّن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا إيمان لمن لا حياء له.

٦ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن بعض أصحابنا رفعه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحياء حياءان حياء عقل وحياء حمق فحياء العقل هو العلم وحياء الحمق هو الجهل.

٧ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن عليّ ، عن عبد الله بن إبراهيم ، عن عليّ بن أبي عليّ اللّهبيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أربع من كنّ فيه وكان من قرنه إلى قدمه ذنوباً بدّلها الله حسنات :

_________________________________________________

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور ومؤيّد للسّابق.

الحديث السادس : مرسل.

ويدلّ على انقسام الحياء إلى قسمين ، ممدوح ومذموم ، فإمّا الممدوح فهو حياء ناش عن العقل بأن يكون حياؤه وانقباض نفسه عن أمرّ يحكم العقل الصّحيح أو الشّرع بقبحه ، كالحياء عن المعاصي أو المكروهات ، وإمّا المذموم فهو الحياء الناشئ عن الحمق بأن يستحيي عن أمرّ يستقبحه أهل العرف من العوام ، وليست له قباحة واقعية يحكم بها العقل الصحيح والشّرع الصريح كالاستحياء عن سؤال المسائل العلمية أو الإتيان بالعبادات الشرعيّة التّي يستقبحها الجهال « فحياء العقل هو العلم » أي موجب لوفور العلم ، أو سببه العلم المميّز بين الحسن والقبيح ، وحياء الحمق سببه الجهل وعدم التميز المذكور ، أو موجب للجهل لأنّه يستحيى عن طلب العلم ، فهو مؤيّد لـمّا ذكرنا في الخبر الثالث.

الحديث السابع : ضعيف.

« بدّلها الله حسنات » إشارة إلى قوله تعالى : «إلّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً

١٩٥

الصّدق والحياء وحسن الخلق والشّكر.

_________________________________________________

صالحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً »(١) وقد قيل في هذا التبديل وجوه : « الأوّل » : أنه يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة ويثبت مكانّها لوأحقّ طاعاتهم « الثاني » أنّه يبدل ملكة المعصية في النّفس بملكة الطّاعة « الثالث » أنه تعالى يوفقه لأضداد ما سلف منه «الرابع» أنه يثبت له بدل كلّ عقاب ثوابا.

ويؤيّده ما رواه مسلم عن أبي ذررضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يؤتى بالرّجل يوم القيامة فيقال :(٢) أعرضا عليه صغار ذنوبه ونحيا عنه كبارها ، فيقال : عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا ، وهو مقر لا ينكر وهو مشفق من الكبار ، فيقال : أعطوه مكان كلّ سيئة عملها حسنة ، فيقول : إن لي ذنوبا ما أراها ههنا؟ قال : ولقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضحك حتّى بدت نواجذه.

وما رواه عليّ بن إبراهيم بإسناده عن الرّضاعليه‌السلام قال : إذا كان يوم القيامة أوقف الله عزَّ وجلَّ المؤمن بين يديه ويعرض عليه عمله فينظر في صحيفته فأول ما يرى سيئاته فيتغير لذلك لونه وترتعد فرائصه ثم تعرض عليه حسناته فتفرح لذلك نفسه ، فيقول الله عزَّ وجلَّ : بدلوا سيئاتهم حسنات وأظهروها للنّاس ، فيبدل الله لهم فيقول النّاس : إمّا كان لهؤلاء سيئة واحدة؟ وهو قوله تعالى : «يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ».

وأقول : أكثر الوجوه جارية في الخبر بأن يوفقه الله للتوبة والأعمال الصالحة فيبدل فسوقه بالطّاعات ، أو مساوئ أخلاقه بمحاسنها أو يكتب له في القيامة بدل سيئاته حسنات.

____________________

(١) سورة الفرقان : ٧٠.

(٢) أي للملكان ، بقرينة ضمير التثنيّة في الأفعال الآتية.

١٩٦

( باب العفو )

١ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبته إلّا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة ؟ : العفو عمّن ظلمك وتصل من قطعك والإحسان إلى من أساء إليك وإعطاء من حرمك.

٢ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن يونس بن يعقوب ، عن غرّة بن دينار الرقّي ، عن أبي إسحاق السبيعي ، رفعه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أدلكم على خير أخلاق الدُّنيا والآخرة ؟ تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمّن ظلمك.

_________________________________________________

باب العفو

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

والخلائق جمع الخليفة وهي الطّبيعة ، والمرّاد هنا الملكات النّفسانيّة الراسخة أي خير الصّفات النافعة في الدّنيا والآخرة ، وتصل في سائر الرّوايات وصلة وعلى ما هنا لعله مصدر أيضاً بتقدير « أن » أو يقال : عدل إلى الجملة الفعلية التّي هي في قوة الأمرّ لزيادة التأكيد ، والفرق بينها وبين الأولى أن القطع لا يستلزم الظلم بل أريد بها المعاشرّة لمن اختار الهجران ، ويمكن تخصيصها بالرحم لاستعمال الصلة غالباً فيها ، والإحسان في مقابلة الإساءة أخصّ منهما ، لأن الإحسان يزيد على العفو ، والإساءة أخص من القطع الذي هو ترك المواصلة ، وكذا الحرمان غير الإساءة والقطع إذ يعتبر في الإساءة فعل ما يضره والقطع إنّما هو في المعاشرّة مع أنّه يمكن أن يكون بعضها تأكيداً لبعض كما هو الشائع في الخطب والمواعظ.

الحديث الثاني : ضعيف.

١٩٧

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرّحمن ، عن أبي عبد الله نشيب اللفائفي ، عن حمرّان بن أعين قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ثلاث من مكارم الدّنيا والآخرة تعفو عمّن ظلمك وتصل من قطعك وتحلم إذا جهل عليك.

٤ - عليُّ ، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعاً ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام قال سمعته يقول إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأوّلين والآخرين في صعيد واحد ثم ينادي مناد أين أهل الفضل - قال فيقوم عنق من النّاس فتلقاهم الملائكة فيقولون وما كان فضلكم فيقولون : كنّا نصل من قطعنا ونعطي من حرمنّا ونعفو عمّن ظلمنا ، قال : فيقال لهم : صدقتم ادخلوا الجنة.

_________________________________________________

الحديث الثالث : مجهول.

واللفائفي كأنّه بيّاع اللفافة ، وفي القاموس : اللفّافة بالكسر ما يلفّ به على الرّجل وغيرها ، والجمع لفائف ، انتهى.

ويقال : جهل على غيره سفه.

الحديث الرابع : حسن موثق.

وفي القاموس : العنق بالضمّ وبضمّتين وكأمير وصرد الجيد ، والجمع أعناق ، والجماعة من النّاس والرؤساء ، انتهى.

والمرّاد بأهل الفضل إمّا أهل الفضيلة والكمال أو أهل الرجحان أو أهل التّفضيل والإحسان « فيقال لهم » أي من قبل الله تعالى « صدقتم » أي في اتصافكم بتلك الصّفات أو في كونها سبب الفضل أو فيهما معاً وهو أظهر.

واعلم أن هذه الخصال فضيلة وأية فضيلة ، ومكرمة وأية مكرمة ، لا يدرك كنه شرفها وفضلها ، إذ العامل بها يثبت بها لنفسه الفضيلة ، ويرفع بها عن صاحبه الرذيلة

١٩٨

٥ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن جهم بن الحكم المدائني ، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليكم بالعفو فإنّ العفو لا يزيد العبد إلّا عزّاً ، فتعافوا يعزكم الله.

٦ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي خالد القمّاط ، عن حمران ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الندامة على العفو أفضل

_________________________________________________

ويغلب على صاحبه بقوّة قلبه يكسر بها عدوّ نفسه ونفس عدوّه ، وإلى هذا أشير في القرآن المجيد بقوله سبحانه : «ادْفَعْ بِالتّي هِيَ أَحْسَنُ »(١) يعنّي « السيئة «فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ » ثم أشير إلى فضلها العالي وشرفها الرفيع بقوله عزَّ وجلَّ : «وَما يُلَقَّاها إلّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ » يعنّي من الإيمان والمعرفة ، رزقنا الله الوصول إليها وجعلنا من أهلها.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« لا يزيد العبد إلّا عزّاً » أي في الدنيا ردا على يسول الشيطان للإنسان بأن ترك الانتقام يوجب المذلّة بين النّاس ، وجرأتهم عليه ، وليس كذلك ، بل يصير سبباً لرفعة قدره وعلو أمرّه عند النّاس ، لا سّيما إذا عفّاً مع القدرة ، وترك العفو ينجرّ إلى المعارضات والمجادلات والمرّافعة إلى الحكام أو إلى إثارة الفتن الموجبة لتلف النفوس والأموال ، وكلّ ذلك مورث للمذلة ، والعزّة الأخروية ظاهرة كما مرّ ، والتعافي عفو كلّ عن صاحبه.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور حسن عندي.

« النّدامة على العفو أفضل » يحتمل وجوهاً : الأوّل : أنّ صاحبّ الندامة الأولى أفضل من صاحبّ الندامة الثانيّة وإن كانت الندامة الأولى أخسّ وأرذل.

الثاني : أن يكون الكلام مبنيّاً على التنزّل ، أي لو كان في العفو ندامة فهي

____________________

(١) سورة فصلت : ٣٤.

١٩٩

وأيسر من الندامة على العقوبة.

٧ - عدّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن سعدان ، عن معتب قال كان أبو الحسن موسىعليه‌السلام في حائط له يصرم فنظرت إلى غلام له قد أخذ كارة من تمرّ فرمى بها وراء الحائط فأتيته وأخذته وذهبت به إليه فقلت جعلت فداك إنّي وجدت هذا وهذه الكارة فقال للغلام يا فلان قال لبيك قال أتجوع قال لا يا سيدي قال فتعرى قال لا يا سيّدي ، قال فلأيّ شيء أخذت هذه قال اشتهيت ذلك قال اذهب فهي لك وقال : خلوّا عنه.

٨ - عنه ، عن ابن فضّال قال سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول ما التقت فئتان قطُّ إلّا نصر أعظمهما عفواً.

_________________________________________________

أفضل وأيسر إذ يمكن تداركه غالباً ، بخلاف الندامة على العقوبة فإنّه لا يمكن تدارك العقوبة بعد وقوعها غالباً ، فلا تزول تلك الندامة ، فيرجع إلى أن العفو أفضل فإنه يمكن إزالة الندامة بخلاف المبادرة بالعقوبة فإنه لا يمكن إزالة ندامتها وتداركها.

الثالث : أن يقدّر مضاف فيهما مثل الدفع أو الرّفع ، أي رفع تلك الندامة أيسر من رفع هذه.

الرّابع : أن يكون المعنى أنّ مجموع تلك الحالتين أي العفو والنّدم عليه أفضل من مجموع حالتّي العقوبة والندم عليها فلا ينافي كون الندم على العقوبة ممدوحاً والندم على العفو مذموماً ، إذ العفو أفضل من تلك الندم والعقوبة أقبح من هذا النّدم وهذا وجه وجيه.

الحديث السابع : مجهول.

وصرم النخل جزّه ، والفعل كضرب ، وفي القاموس : الكارة مقدار معلوم من الطّعام ، ويدلّ على استحباب العفو عن السارق وترك ما سرقه له.

الحديث الثامن : موثق كالصحيح.

وأبو الحسن هو الرضاعليه‌السلام ويدلّ على أنّ نيّة العفو تورث الغلبة على الخصم.

٢٠٠