مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 437

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 437
المشاهدات: 18774
تحميل: 8660


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18774 / تحميل: 8660
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 8

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٩ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتي باليهودية التّي سمت الشاة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لها ما حملك على ما صنعت فقالت قلت إن كان نبيّاً لم يضره وإن كان ملكاً أرحت النّاس منه قال فعفّاً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنها.

١٠ - عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن عمرّو بن شمرّ ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ثلاث لا يزيد الله بهن المرّء المسلم إلّا عزا الصفح عمّن ظلمه وإعطاء من حرمه والصلة لمن قطعه.

_________________________________________________

الحديث التاسع : كالسّابق ويدلّ عليّ حسن العفو عن الكافر وإن أراد القتل وتمسك بحجّة كاذبة ، وظاهر أكثر الرّوايات أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكلّ منها ولكنّ بإعجازه لم يؤثر فيه عاجلاً ، وفي بعض الرّوايات أن أثره بقي في جسدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى توّفي به بعد سنين ، فصار شهيداً فجمع الله له بذلك بين كرم النبوة وفضل الشّهادة ، واختلف المخالفون في أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل قتلها أم لا؟ واختلفت رواياتهم أيضاً في ذلك ، ففي أكثر روايات الفريقين أنّه عفّاً عنها ولم يقتلها ، وقال بعضهم : أنّه قتلها ، ورووا عن ابن عبّاس أنّه دفعها إلى أولياء بشر وقد كان أكلّ من الشاة فمات فقتلوها ، وبه جمعوا بين الروايات.

الحديث العاشر : ضعيف.

٢٠١

( باب كظم الغيظ )

١ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان عليّ بن الحسينعليه‌السلام يقول ما أحبُّ أن لي بذلّ نفسي حمرّ النعم وما تجرّعت جرعة أحبّ إلي من جرعة غيظ لا أكافي

_________________________________________________

( باب كظم الغيظ )

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

وذلّ النفس بالكسر سهولتها وانقيادها ، وهي ذلول وبالضمّ مذلتها وضعفها وهي ذليل ، والنعم المال الراعي وهو جمع لا واحد له من لفظه ، وأكثر ما يقع على الإبل ، قال أبو عبيد : النعم الجمّال فقط ، ويؤنث ويذكر ، وجمعه نعمان وإنعام أيضاً ، وقيل : النعم الإبل خاصّة ، والأنعام ذوات الخف والظلف وهي الإبل والبقر والغنم ، وقيل : تطلق الأنعام على هذه الثلاثة فإذا انفردت الإبل فهي نعم ، وإن انفردت البقر والغنم لم تسم نعمّا كذا في المصباح وقال الكرماني : حمرّ النعم بضم الحاء وسكون الميم أي أقواها وأجلدها ، وقال الطيبي : أي الإبل الحمرّ وهي أنفس أموال العرب ، وقال في المغرب : حمرّ النعم كرائمها وهي مثل في كلّ نفيس ، وقيل : الحسن أحمرّ ، انتهى.

وربمّا يقرأ النعم بالكسر جمع نعمة ، والحمرّة كناية عن الحسن أي محاسن النعم والأوّل أشهر وأظهر.

والخبر يحتمل وجهين : « الأوّل » أن يكون الذلّ بالضمّ والباء للسببية أو المصاحبة أي لا أحبّ أن يكون لي مع ذل نفسي أو بسببه نفائس أموال الدنيا أقتنيها أو أتصدق بها لأنه لم يكن للمال عندهعليه‌السلام قدر ومنزلة ، وقال الطيبي : هو كناية عن خير الدنيا كله ، والحاصل أني ما أرضى أن أذل نفسي ولي بذلك كرائم الدنيا ،

٢٠٢

بها صاحبها.

٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان وعليّ بن النّعمان ، عن عمّار بن مرّوان ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال نعم الجرعة الغيظ لمن صبر عليها فإن عظيم الأجر لمن عظيم البلاء وما أحبّ الله قوما

_________________________________________________

ونبهعليه‌السلام بذكر تجرّع الغيظ عقيب هذا عليّ أن في التجرّع العزَّ وفي المكافاة الذلّ كما مرّ وسيأتي ، أو المعنى مع أني لا أرضى بذل نفسي أحبّ ذلك لكثرة ثوابه وعظم فوائده والأوّل أظهر.

الثاني : أن يكون الذلّ بالكسر والباء للعوض ، أي لا أرضى أن يكون لي عوض انقياد نفسي وسهولتها وتواضعها ، أو بالضمّ أيضاً أي المذلة الحاصلة عند إطاعة أمرّ الله بكظم الغيظ والعفو نفائس الأموال ، وقيل : التّشبيه للتقريب إلى الأفهام وإلّا قذرّة من الآخرة خير من الأرض وما فيها.

قولهعليه‌السلام : وما تجرّعت جرعة ، الجرعة من الماء كاللقمة من الطعام وهو ما يجرع مرّة واحدة والجمع جرع كغرفة وغرف ، وتجرّع الغصص مستعار منه وأصله الشرب من عجلة وقيل : الشرب قليلاً وإضافة الجرعة إلى الغيظ من قبيل لجين الماء ، والغيظ صفة للنفس عند احتدادها موجبة لتحركها نحو الانتقام ، وفي الكلام تمثيل.

وقال بعض الأفاضل : لا يقال الغيظ أمرّ جبلي لا اختيار للعبد في حصوله فكيف يكلف برفعه؟ لأنا نقول : هو مكلف بتصفية النّفس على وجه لا يحركّها أسباب الغيظ بسهولة.

وأقول : على تقدير حصول الغيظ بغير اختيار فهو غير مكلف برفعه ولكنه بعدم العمل بمقتضاه فإنه باختياره غالباً وإن سلب اختياره فلا يكون مكلفاً.

الحديث الثاني : صحيح.

« لمن عظيم البلاء » أي الامتحان والاختبار فإنّ الله تعالى ابتلى المؤمنين بمعاشرة

٢٠٣

إلّا ابتلاهم.

٣ - عنه ، عن عليّ بن النعمان ومحمّد بن سنان ، عن عمّار بن مرّوان ، عن أبي الحسن الأوّلعليه‌السلام قال اصبر على أعداء النعم فإنك لن تكافئ من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه.

٤ - عنه ، عن محمّد بن سنان ، عن ثابت مولى آل حريز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كظم الغيظ عن العدوّ في دولاتهم تقيّة حزم لمن أخذ به وتحرُّز من التعرُّض

_________________________________________________

المخالفين والظلمة وأرباب الأخلاق السيئة وأمرّهم بالصّبر وكظم الغيظ وهذا من أشدّ البلاء وأشقّ الابتلاء.

الحديث الثالث : كالسابق.

والضمير لأحمد ولعلّ المراد بأعداء النعم الحاسدون الّذين يحبون زوال النعم عن غيرهم فهم أعداء لنعم غيرهم يسعون في سلبها ، أو الذين أنعم الله عليهم بنعم وهم يطغون ويظلمون النّاس فبذلك يتعرضون لزوال النعم عن أنفسهم فهم أعداء لنعم أنفسهم ، ويحتمل أن يكون المرّاد بالنعم الأئمّةعليهم‌السلام « من عصى الله فيك » بالحسد وما يترتّب عليه ، أو بالظلم والطغيان والأذى« من أن تطيع الله فيه » بالعفو وكظم الغيظ والصّبر على أذاه كما قال تعالى : «وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ » الآية وفي صيغة التّفضيل دلالة على جواز المكافاة بشرط أن لا يتعدى كما قال سبحانه «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ »(١) وغيره ولكنّ العفو أفضل.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور ، وفي النّهاية كظم الغيظ تجرعه واحتمال سببه والصّبر عليه ، ومنه الحديث إذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع ، أي ليحبسه ما أمكنه ، وقال : الحزم ضبط الرّجل أمرّه والحذر من فواته من قولهم حزمت الشيء أي شددته ، وفي القاموس الحزم : ضبط الأمرّ والأخذ فيه بالثقة ، وقال : المظاظة شدة

____________________

(١) سورة البقرة : ١٩٤.

٢٠٤

للبلاء في الدُّنيا ومعاندة الأعداء في دولاتهم ومماظتهم في غير تقية ترك أمرّ الله فجاملوا النّاس يسمن ذلك لكم عندهم ولا تعادوهم فتحملوهم على رقابكم فتذلوا.

٥ - عليّ بن إبراهيم ، عن بعض أصحابه ، عن مالك بن حصين السكوني قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ما من عبد كظم غيظا إلّا زاده الله عزَّ وجلَّ عزا في الدنيا والآخرة وقد قال الله عزَّ وجلَّ : «وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ

_________________________________________________

الخلق وفظاظته ومظظته لمته. وماظظته مماظّة وممّاظاً شاردته ونازعته ، والخصم لازمته وقال : جامله لم يصفه الإخاء بل ماسحة بالجميل له وأحسن عشرته ، قوله : يسمن ذلك عندهم ، كذا في أكثر النّسخ من قولهم سمن فلان يسمن من باب تعب ، وفي لغة من باب قرب إذا كثر لحمه وشحمه كناية عن العظمة والنمو ويمكن أن يقرأ على بناء المفعول من الأفعال أو التفعيل ، أي يفعل الله ذلك مرضياً محبوباً عندهم ، وفي بعض النّسخ يسمى على بناء المفعول من التسمية أي يذكر عندهم ويحمدونكم بذلك ، فيكون مرفوعاً بالاستيناف البياني والحمل على الرقاب كناية عن التسلط والاستيلاء.

الحديث الخامس : مجهول.

« وقد قال الله » بيان لعزَّ الآخرة لأنّه تعالى قال في سورة آل عمران : «وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ »(١) قال البيضاوي : الممسكين عليه ، الكافين عن إمضائه مع القدرة ، من كظمت القربة إذا ملأتها وشددت رأسها ، وعن النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنّا وإيمانا «وَالْعافِينَ عَنِ النّاس » التاركين عقوبة من استحقّوا مؤاخذته «وَاللهُ يُحبّ الْمُحْسِنِينَ »(١) يحتمل الجنس ويدخل تحته هؤلاء ، والعهد فيكون إشارة إليهم ، انتهى.

____________________

(١) سورة آل عمران : ١٣٤.

٢٠٥

وَاللهُ يُحبّ الْمُحْسِنِينَ »(١) وأثابه الله مكان غيظه ذلك.

٦ - عدّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة قال حدَّثني من سمع أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول من كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه أملأ الله قلبه يوم القيامة رضاه.

_________________________________________________

فكفى عزا لهم في الآخرة بأن بشر الله لهم بالجنّة وحكم بأنها أعدت لهم وأنه تعالى يحبهم ، ويحتمل أن يكون تعليلا لعزَّ الدنيا أيضاً بأنهم يدخلون تحت هذه الآية وهذا شرف في الدنيا أيضاً ، أو تدل الآية على أنهم من المحسنين وممّن يحبهم الله ومحبوبة تعالى عزيز في الدنيا والآخرة كما قيل.

قولهعليه‌السلام : وأثابه الله مكان غيظه ذلك ، يحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى المذكور في الآية ويكون فيه تقدير أي مكان كظم غيظه أي لأجله أو عوضه ، ويحتمل أن يكون ذلك عطف بيان أو بدلا من غيظه ، ويكون أثابه عطفا على زاده أي ويعطيه الله أيضاً مع عزَّ الدنيا والآخرة أجراً لأصل الغيظ لأنه من البلايا التّي يصيب الإنسان بغير اختياره ، ويعطي الله لها عوضا على اصطلاح المتكلّمين فالمرّاد بالثواب العوض لأن الثواب إنما يكون عليّ الأمور الاختيارية بزعمهم ، والغيظ ليس باختياره وإن كان الكظم باختياره فالجنّة على الكظم ، والثواب أي العوض لأصل الغيظ ، وقيل : المرّاد بالمكان المنزل المخصوص لكلّ من أهل الجنّة وإضافته من قبيل إضافة المعلول إلى العلّة.

الحديث السادس : مرسل.

« ولو شاء أن يمضيه » أي يعمل بمقتضى الغيظ « أملاء الله قلبه يوم القيامة » أي يعطيه من الثّواب والكرامة والشفاعة والدّرجة حتّى يرضى رضا كاملاً لا يتصوّر فوقه.

____________________

(١) سورة آل عمران : ١٢٨.

٢٠٦

٧ - أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ابن فضّال ، عن غالب بن عثمان ، عن عبد الله بن منذر ، عن الوصافي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال من كظم غيظاً وهو يقدر على إمضائه حشا الله قلبه أمناً وإيماناً يوم القيامة.

٨ - الحسينُ بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن عبد الكريم بن عمرّو ، عن أبي أسامة زيد الشحّام ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال لي يا زيد اصبر على أعداء النعم فإنّك لن تكافئ من عصى الله فيك بأفضل من إنَّ تطيع الله فيه يا زيد إن الله اصطفى الإسلام واختاره فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق.

٩ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن حفص بيّاع السابري ، عن أبي حمزة ، عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أحبّ السبيل إلى الله عزَّ وجلَّ جرعتان : جرعة غيظ تردُّها بحلم وجرعة مصيبة تردّها بصبر.

_________________________________________________

الحديث السابع : مجهول.

« أمناً وإيماناً » كان المرّاد بالإيمان التّصديق الكامل بكرمه ولطفه ورحمته ، لكثرة ما يعطيه من الثواب فيرجع إلى الخبر السّابق ، ويحتمل الأعمّ بأن يزيد الله تعالى في يقينه وإيمانه فيستحقّ مزيد الثواب والكرامة ، ولا دليل على عدم جواز مزيد الإيمان في ذلك اليوم.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

وفي قوله : فأحسنوا صحبته ، إيماء إلى أن مع ترك هاتين الخصلتين يخاف زوال الإسلام ، فإن لم يحسن صحبته يهجر غالبا.

الحديث التاسع : مجهول.

« تردّها » هذا على التمثيل كأنّ المغتاظ الذّي يريد إظهار غيظه فيدفعه ولا يظهره لمنافعه الدنيويّة والأخرويّة كمن شرب دواء بشعاً لا يقبله طبعه ، ويريد

٢٠٧

١٠ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن ربعيّ عمّن حدَّثه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال لي أبي يا بني ما من شيء أقرُّ لعين أبيك من جرعة غيظ عاقبتها صبر وما من شيء يسرني أنَّ لي بذلّ نفسي حمرّ النعم.

_________________________________________________

أن يدفعه فيتصور نفع هذا الدواء فيردّه ، وكذا الصّبر عند البلاء وترك الجزع يشبه تلك الحالة ، ففيهما استعارة تمثيليّة ، والفرق بين الكظم والصبر أنّ الكظم فيما يقدر على الانتقام ، والصّبر فيما لا يقدر عليه.

الحديث العاشر : مرسل.

« ما من شيء » ما نافية ومن زائدة للتصريح بالتّعميم ، وهو مرفوع محلّاً لأنه اسم « ما » وأقر خبره ، واللام في لعين للتعدية ، قال الراغب : قرت عينه تقر سرت قال تعالى : «كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها »(١) وقيل : لمن يسر به قرة عين قال تعالى : «قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ »(٢) قيل : أصله من القر أي البرد ، فقرت عينه قيل : معناه بردت فصحت ، وقيل : بل لأن للسرور دمعة قارة ، وللحزن دمعة حارة ، وكذلك يقال فيمن يدعي عليه : أسخن الله عينه ، وقيل : هو من القرار والمعنى أعطاه الله ما تسكن به عينه ، فلا تطمح إلى غيره.

قولهعليه‌السلام : عاقبتها صبر ، كأنّ المرّاد بالصّبر الرّضا بكظم الغيظ ، والعزم على ترك الانتقام ، أو المعنى أنّه يكظم الغيظ بشدّة ومشقّة إلى أن ينتهي إلى درجة الصابرين ، بحيث يكون موافقاً لطبعه غير كاره له ، وهذا من أفضل صفات المقرّبين ، وقيل : إشارة إلى أن كظم الغيظ إنما هو مع القدرة على الانتقام ، وهو محبوب ، وإن انتهى إلى حدّ يصبر مع عدم القدرة عليّ الانتقام أيضاً ، ولا يخفى ما فيه.

____________________

(١) سورة القصص : ١٣.

(٢) سورة القصص : ٩.

٢٠٨

١١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن وهب ، عن معاذ بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال اصبروا على أعداء النعم فإنّك لن تكافئ من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه.

١٢ - عنه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن خلّاد ، عن الثمالي ، عن عليّ بن الحسين صلوات الله عليه قال قال ما أحبُّ أنَّ لي بذلّ نفسي حمرّ النعم وما تجرعت من جرعة أحبّ إليَّ من جرعة غيظ لا أكافي بها صاحبها.

١٣ - عدّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن مثنّى الحنّاط ، عن أبي حمزة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ما من جرعة يتجرَّعها العبد أحبّ إلى الله عزَّ وجلَّ من جرعة غيظ يتجرَّعها عند تردُّدها في قلبه إمّا بصبر وإمّا بحلم.

_________________________________________________

الحديث الحادي عشر : حسن كالصحيح وقد مرّ بسند آخر.

الحديث الثاني عشر : مجهول وقد مرّ.

الحديث الثالث عشر : حسن.

والمراد بتردّدها في قلبه إقدام القلب تارة إلى تجرعها لـمّا فيه من الأجر الجزيل وإصلاح النّفس ، وتارة إلى ترك تجرعها لـمّا فيه من البشاعة والمرّارة« إمّا بصبر وإمّا بحلم » الفرق بينهما إمّا بأن الأوّل فيما إذا لم يكن حليما فيتحلم ويصبر ، والثاني فيما إذا كان حليما وكان ذلك خلقه وكان عليه يسراً ، أو الأوّل فيما إذا لم يقدر على الانتقام فيصبر ولا يجزع ، والثاني فيما إذا قدر ولم يفعل حلـماً وتكرّماً بناء على أن كظم الغيظ قد يستعمل فيما إذا لم يقدر عليّ الانتقام أيضاً ، وقيل : الصّبر هو أن لا يقول ولا يفعل شيئاً أصلا ، والحلم أن يقول أو يفعل شيئاً يوجب رفع الفتنة وتسكين الغضب ، فيكون الحلم بمعنى العقل واستعماله.

٢٠٩

( باب الحلم )

١ - محمّدُ بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن محمّد بن عبيد الله قال سمعت الرّضاعليه‌السلام يقول لا يكون الرّجل عابداً حتّى يكون حليماً وإنَّ الرّجل كان إذا تعبد في بني إسرائيل لم يعد عابداً حتّى يصمت قبل ذلك عشر سنين.

_________________________________________________

باب الحلم الحديث الأوّل : مجهول.

وقال الراغب : الحلم ضبط النّفس عن هيجان الغضب ، وقيل : الحلم الأناءة والتثبت في الأمور ، وهو يحصل من الاعتدال في القوة الغضبية ويمنع النّفس من الانفعال عن الواردات المكروهة المؤذية ، ومن آثاره عدم جزع النّفس عند الأمور الهائلة ، وعدم طيشها في المؤاخذة وعدم صدور حركات غير منتظمة منها ، وعدم إظهار المزية على الغير ، وعدم التهاون في حفظ ما يجب حفظه شرعاً وعقلاً ، انتهى.

ويدلّ الحديث على اشتراط قبول العبادة وكمالها بالحلم لأن السفيه يبادر بأمور قبيحة من الفحش والبذاء والضرب والإيذاء بل الجراحة والقتل ، وكلّ ذلك يفسد العبادة فإن الله إنمّا يتقبّلها من المتقين ، وقيل : الحليم هنا العاقل وقد مرّ أن عبادة غير العاقل ليس بكامل ولـمّا كانت الصمت عمّا لا يعنّي من لوازم الحلم غالباً ذكره بعده ، ولذلك قال النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا غضب أحدكم فليسكت.

وصوم الصمّت كان في بني إسرائيل ، وهو وإن نسخ في هذه الأمّة لكنّ كمال الصمّت غير منسوخ فاستشهدعليه‌السلام على حسنه بكونه شرعاً مقرّراً في بني إسرائيل ولم يكونوا يعدّون الرّجل في العابدين المعروفين بالعبادة إلّا بعد المواظبة على صوم الصمّت أو أصله عشر سنين.

٢١٠

٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن النّعمان ، عن ابن مسكان ، عن أبي حمزة قال المؤمن خلط عمله بالحلم يجلس ليعلم وينطق ليفهم لا يحدث أمانته الأصدقاء ولا يكتم شهادته الأعداء ولا يفعل شيئاً من الحق رياء ولا يتركه حياء إن زكي خاف ممّا يقولون واستغفر الله ممّا لا يعلمون لا يغره قول :

_________________________________________________

الحديث الثاني : صحيح.

« خلط عمله » في مجالس الصّدوق علمه وهو أظهر وأوفق بسائر الأخبار ، إذ العلم بدون العمل يصير غالباً سبباً للتكبّر والترفّع والسّفاهة وترك الحلم « يجلس ليعلم » أي يختار مجلساً يحصل فيه التعلم وإنّما يجلس له لا للأغراض الفاسدة ، وفي المجالس بعده : وينصت ليسلّم أي من مفاسد النطق « وينطق ليفهم » أي إنّما ينطق في تلك المجالس ليفهم ما أفاده العالم إن لم يفهمه لا للمعارضة والجدال وإظهار الفضل « لا يحدث أمانته » أي السر الذي ائتمن عليه« الأصدقاء » فكيف الأعداء « ولا يكتم شهادته الأعداء » أي لو كان عنده شهادة لعدو لا تحمله العداوة على أن لا - يقول له أنا شاهد لك ، أو لا يكتمه إذا استشهده ، وطلب منه أداء الشهادة ، أو المرّاد للأعداء « ولا يفعل شيئاً من الحق » أي العبادات الحقّة ليراه النّاس ، وفيه إشعار بأنه لا يفعل شيئاً إلّا ما هو حقّ ولا يأتي ببدعة.

« ولا يتركه » أي الحق « حياء » لأنه من الحياء المذموم ولا حياء في الحقّ « إن زكي » أي أثنى عليه ومدح بما يفعله « خاف ممّا يقولون » وفي المجالس ما يقولون وكلاهما حسن ، أي خاف أن يصير قولهم سبباً لإعجابه بنفسه وبعمله فتضيع أعماله ، أو يكونوا في ذلك كاذبين ورضي بكذبهم فيعاقب على ذلك ، مع أنّه لا ينفع تزكيتهم كما قال تعالى : «فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ »(١) .

« ممّا لا يعلمون » أي من عيوبه ومعاصيه التّي صار عدم علمهم بها سبباً لتزكيتهم ،

____________________

(١) سورة النساء : ٤٩.

٢١١

من جهله ويخشى إحصاء ما قد عمله.

٣ - محمّدُ بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كان عليّ بن الحسينعليه‌السلام يقول إنّه ليعجبني الرَّجل أن يدركه حلمه عند غضبه.

٤ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إنَّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ الحييَّ الحليم.

٥ - عنه ، عن عليّ بن حفص العوسي الكوفي رفعه إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أعزَّ الله بجهل قطُّ ولا أذلَّ بحلم قطّ.

_________________________________________________

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : وإذا زكي أحد منهم خاف ممّا يقال فيه فيقول : أنا أعلم بنفسي من غيري ، وربّي أعلم منّي بنفسي اللهّم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني أفضل ممّا يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون « لا يغره » تأكيد لـمّا سبق أو استيناف بياني وكذا الفقرة الثانيّة على اللف والنشر المرّتب ، أي لا يغترّ بتزكية من لا يطلع على عيوبه الخفيّة ، فيعجب بقولهم ، ويخشى إحصاء الله أو الملائكة ما عمله من المعاصي ، وفي المجالس ويخشى إحصاء من قد علمه وكأنه أظهر.

الحديث الثالث : موثّق كالصّحيح ، وقوله : أن يدركه بدل اشتمال للرّجل.

الحديث الرابع : ضعيف.

الحديث الخامس : مرّفوع.

والجهل يطلق على خلاف العلم ، وعلى ما هو مقتضاه من السّفاهة وصدور الأفعال المخالفة للعقل ، وهنا يحتمل الوجهين كما أنّ الحلم يحتمل مقابلهما والثاني أظهر فيهما.

٢١٢

٦ - عنه ، عن بعض أصحابه رفعه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام كفى بالحلم ناصرا وقال إذا لم تكن حليماً فتحلّم.

٧ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عبد الله الحجّال ، عن حفص بن أبي عائشة قال بعث أبو عبد اللهعليه‌السلام غلاماً له في حاجة فأبطأ فخرج أبو عبد اللهعليه‌السلام على أثره لـمّا أبطأ فوجدّه نائماً فجلس عند رأسه يروحه حتّى انتبه فلـمّا تنبه قال له أبو عبد اللهعليه‌السلام يا فلان والله ما ذلك لك تنام الليل والنهار لك الليل ولنا منك النهار.

٨ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن النّعمان ، عن عمرّو بن شمرّ ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله يحبّ الحيي الحليم العفيف المتعفف.

_________________________________________________

الحديث السادس : مرسل.

« كفى بالحلم ناصراً » لأنّه بالحلم تندفع الخصومة ، بل يصير الخصم محبا له وهذا أحسن النصر ، مع أن. الحليم يصير محبوباُ عند النّاس فالنّاس ينصرونه على الخصوم ويعينونه في المكاره « وقال : إذا لم تكن حليماً » أي بحسب الخلقة والطبع « فتحلّم » أي أظهر الحلم تكلفا ، وجاهد نفسك في ذلك حتّى يصير خلقاً لك ويسهل عليك ، مع أن تكلفه بمشقّة أكثر ثواباً كما مرّ ، وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن لم تكن حليماً فتحلّم فإنه قل من تشبه بقوم إلّا أوشك أن يكون منهم.

الحديث السابع : مجهول.

« تنام » مرّفوع أو منصوب بتقدير أن ، وهو بدل ذلك « لك الليل » استئناف ويدلّ على جواز تكليف العبد بعدم النوم في النهار إذا لم يستخدمه في الليل ، وعلى استحباب عدم تنبيه المملوك عن النوم وترويحه ، وهذا غاية المرّوّة والحلم.

الحديث الثامن : ضعيف.

والعفيف المجتنب عن المحرّمات لا سّيما ما يتعلق منها بالبطن والفرج ، والمتعفّف إمّا تأكيد كقولهم ليل أليل أو العفيف عن المحرّمات المتعفّف عن المكروهات

٢١٣

٩ - أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن أيّوب بن نوح ، عن عباس بن عامرّ ، عن ربيع بن محمّد المسلي ، عن أبي محمّد ، عن عمران ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان فيقولان للسّفيه منهما قلت وقلت وأنت أهل لـمّا قلت ستجزى بما قلت ويقولان للحليم

_________________________________________________

لأنّه أشدّ فيناسب هذا البناء ، أو العفيف في البطن المتعفّف في الفرج أو العفيف عن الحرام المتعفّف عن السؤال كما قال تعالى : «يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ »(١) أو العفيف خلقاً المتعفّف تكلفا فإن العفّة قد يكون عن بعض المحرّمات خلقاً وطبيعياً ، وعن بعضها تكلّفاً ولعلّ هذا أنسب.

قال الرّاغب : العفّة حصول حالة للنّفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة ، والتعفّف التعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر ، وأصله الاقتصار على تناول الشيء القليل الجاري مجرى العفافة ، والعفّة أي البقية من الشيء أو العفف وهو ثمرّ الأراك ، وفي النّهاية فيه من يستعفف يعفه الله ، الاستعفاف طلب العفاف والتعفّف وهو الكفّ عن الحرام والسؤال من النّاس ، أي من طلب العفّة وتكلفها أعطاه الله تعالى إياها.

الحديث التاسع : مجهول.

« قلت وقلت » التكرار لبيان كثرة الشتم وقول الباطل ، وربمّا يقرأ الثاني بالفاء ، قال في النّهاية يقال : فال الرّجل في رأيه وفيّل إذا لم يصب فيه ، ورجل فائل الرأي وفاله وفيّل ، انتهى والظاهر أنّه تصحيف.

____________________

(١) سورة البقرة : ٢٧٣.

٢١٤

منهما صبرت وحلمت سيغفر الله لك إن أتممت ذلك ، قال : فإن ردَّ الحليم عليه ارتفع الملكان.

( باب )

( الصمت وحفظ اللسان )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال قال أبو الحسن الرّضاعليه‌السلام من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت ؛ إنّ

_________________________________________________

« فإن رد الحليم عليه » أي بعد حلمه عنه أوّلاً ارتفع الملكان ساخطين عليهما ويكلانهما إلى الملكين ليكتبا عليهما قولهما ، والردّ بعد مبالغة الآخر في الشتم والفحش لا ينافي وصفه بالحلم لأنه قد حلم أوّلاً ومراتب الحلم متفاوتة.

باب الصمّت وحفظ اللسان

الحديث الأول : صحيح.

وكأنّ المراد بالفقه العلم المقرون بالعمل ، فلا ينافي كون مطلق العلم من علاماته ، أو المرّاد بالفقه التفكر والتدبر في الأمور ، قال الرّاغب : الفقه هو التوصّل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم ، قال تعالى : «فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حديثاً »(١) «بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ »(٢) إلى غير ذلك من الآيات ، والفقه العلم بأحكام الشريعة ، انتهى.

وقيل : أراد العلم فيما يقول والصمّت عمّا لا يعلم أو يضرّ ، وقيل : المرّاد بالعلم آثاره أعنّي إثبات الحقّ وإبطال الباطل ، وترويج الدين وحلّ المشكلات ، انتهى.

____________________

(١) سورة النساء : ٧٨.

(٢) سورة الأنفال : ٦٥.

٢١٥

الصمّت بابٌ من أبواب الحكمة ، إنَّ الصمت يكسب المحبّة إنّه دليل على كلّ خير.

٢ - عنه ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول إنّما شيعتنا الخرس.

٣ - عنه ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي عليّ الجوَّاني قال شهدت أبا عبد اللهعليه‌السلام وهو يقول لمولى له يقال له سالم - ووضع يده على شفتيه وقال :

_________________________________________________

وأقول : قد مرّ بسند آخر عنهعليه‌السلام من علامات الفقيه الحلم والصمّت ، ويظهر من بعض الأخبار أن الفقه هو العلم الرباني المستقر في القلب الذي يظهر آثاره على الجوارح.

« إن الصمّت باب من أبواب الحكمة » أي سبب من أسباب حصول العلوم الربانيّة فإن بالصمّت يتم التفكر ، وبالتفكر يحصل الحكمة أو هو سبب لإفاضة الحكم عليه من الله سبحانه ، أو الصمّت عند العالم وعدم معارضته ، والإنصات إليه سبب لإفاضة الحكم منه ، أو الصمّت دليل من دلائل وجود الحكمة في صاحبه « يكسب المحبّة » أي محبة الله أو محبة الخلق ، لأن عمدة أسباب العداوة بين الخلق الكلام من المنازعة والمجادلة والشتم والغيبة والنميمة والمزاح ، وفي بعض النّسخ يكسب الجنّة ، وفي سائر نسخ الحديث المحبّة « أنه دليل على كلّ خير » أي وجود كلّ خير في صاحبه أو دليل لصاحبه إلى كلّ خير.

الحديث الثاني : صحيح.

والخرس بالضمّ جمع الأخرس ، أي هم لا يتكلّمون باللغو والباطل ، وفيما لا يعلمون ، وفي مقام التقيّة خوفاً على أئمّتهم وأنفسهم وإخوانهم فكلامهم قليل فكأنّهم خرس.

الحديث الثالث : مجهول.

٢١٦

يا سالم احفظ لسانك تسلم ولا تحمل النّاس على رقابنا.

٤ - عنه ، عن عثمان بن عيسى قال حضرت أبا الحسن صلوات الله عليه وقال له رجل أوصني فقال له احفظ لسانك تعزَّ ولا تمكّن النّاس من قيادك فتذلَّ رقبتك.

٥ - عنه ، عن الهيثم بن أبي مسروق ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل أتاه إلّا أدلك على أمرّ يدخلك الله به الجنّة ؟ قال بلى يا رسول الله قال أنل ممّا أنالك الله قال : فإن كنت أحوج ممن

_________________________________________________

وضمير شفتيه للإمامعليه‌السلام ورجوعه إلى سالم بعيد « تسلم » أي من معاصي الّلسان ومفاسد الكلام « ولا تحمل النّاس على رقابنا » أي لا تسلطهم علينا بترك التقيّة وإذاعة أسرارنا.

الحديث الرابع : موثق.

وقال الرّاغب الوصيّة التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترناً بوعظ ، من قولهم أرض واصية متصلة النبات ، يقال : أوصاه ووصاه ، والقياد ككتاب حبل تقاد به الدابة وتمكين النّاس من القياد كناية عن تسلطهم وإعطاء حجّة لهم على إيذائه وإهانته بترك التقيّة ، ونسبة الإذلال إلى الرقبة لظهور الذلّ فيها أكثر من سائر الأعضاء ، وفيه ترشيح للاستعارة السابقة لأن القياد يشد على الرقبة.

الحديث الخامس : حسن.

« أنل ممّا أنالك الله » أي أعط المحتاجين ممّا أعطاك الله تعالى ، قال الجوهري : نال خيراً ينال نيلا أي أصاب ، وأنا له غيره والأمرّ فيه نل بفتح النون « للأخرق » أي الجاهل بمصالح نفسه ، في القاموس : صنع إليه معروفاً كمنع صنعاً بالضمّ وصنع به صنيعاً قبيحاً فعله ، والشيء صنعاً بالفتح والضم عمله ، وصنعة الفرس حسن القيام عليه ، وأصنع أعان آخر والأخرق تعلم وأحكم واصطنع عنده صنيعة اتخذها ، و

٢١٧

اُنيله ؟ قال فانصر المظلوم ، قال وإن كنت أضعف ممّن أنصره قال فاصنع للأخرق يعنّي أشر عليه قال : فإن كنت أخرق ممّن أصنع له ؟ قال فأصمت لسانك إلّا من خير إمّا يسرك أن تكون فيك خصلةٌ من هذه الخصال تجرُّك إلى الجنة؟.

_________________________________________________

في النّهاية : الخرق بالضمّ الجهل والحمق ، وقد خرق يخرق خرقاً فهو أخرق ، والاسم الخرق بالضمّ ، ومنه الحديث تعين ضائعاً أو تصنع لأخرق ، أي جاهل بما يجب أن يعمله ولم يكن في يده صنعة يكتسب بها ، انتهى.

والظاهر أنّ « يعني » من كلام الصادقعليه‌السلام ويحتمل كونه كلام بعض الرواة أي ليس المرّاد نفعه بمال ونحوه ، بل برأي ومشورة ينفعه ، وفيه حثّ على إرشاد كلّ من لم يعلم أمرّاً من مصالح الدّين والدّنيا.

« فإن كنت أخرق » أي أشدّ خرقاً وإن كان نادرا « فأصمت » على بناء المجرّد أو الأفعال ، وفي القاموس : الصمّت والصموت والصمات السكوت كالأصمات والتصميت وأصمته وصمته أسكته لا زمان متعدّيان ، والمرّاد بالخير ما يورث ثواباً في الآخرة أو نفعا في الدنيا بلا مضرة أحد فالمباح غالباً ممّا ينبغي السّكوت عنه ، والأمرّ لمطلق الطّلب الشامل للوجوب والرجحان.

واختلف في المباح هل يكتب أم لا؟ نقل عن ابن العباس أنّه لا يكتب ولا يجازي عليه والأظهر أنه يكتب لعموم قوله تعالى : «ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ »(١) وقوله سبحانه : «كلّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ »(٢) ولدلالة كثير من الرّوايات عليه ، وقد أوردناها في كتابنا الكبير ، وعدم المجازاة لا يدلّ على عدم الكتابة إذ لعلّ الكتابة لغرض آخر كالتأسّف والتحسّر على تضييع العمرّ فيما لا ينفع مع القدرة

____________________

(١) سورة ق : ١٨.

(٢) سورة القمر : ٥٣.

٢١٨

٦ - عدّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمّد الأشعري ، عن ابن القدَّاح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال لقمان لابنه يا بني إن كنت زعمت أنَّ الكلام من فضّة فإن السكوت من ذهب.

_________________________________________________

على فعل ما يوجب الثّواب ، ويدلّ الخبر على أن كمال خصلة واحدة من تلك الخصال يوجب الجنّة ، ويحتمل اشتراطها بترك الكبائر أو نحوه ، أو يكون الجر إليها كناية عن القرب منها ، وقيل : يمكن أن يراد أن الخصلة الواحدة تجر إلى أسباب الدخول في الجنّة وهي الخصال الأخر ، فإن الخير بعضه يفضي إلى بعض.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

ويدلّ على أن السكوت أفضل من الكلام ، وكأنه مبني على الغالب وإلّا فظاهر أن الكلام خير من السكوت في كثير من الموارد ، بل يجب الكلام ويحرم السكوت عند إظهار أصول الدين وفروعه والأمرّ بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويستحبّ في المواعظ والنصائح وإرشاد النّاس إلى مصالحهم وترويج العلوم الدينيّة والشفاعة للمؤمنين وقضاء حوائجهم وأمثال ذلك.

فتلك الأخبار مخصوصة بغير تلك الموارد ، أو بأحوال عامة الخلق فإن غالب كلامهم إنّما هو فيما لا يعنيهم أو هو مقصور على المباحات كما روى الطبرسي في كتاب الاحتجاج أنّه سئل عليّ بن الحسينعليه‌السلام عن الكلام والسكوت أيهما أفضل؟

فقالعليه‌السلام : لكلّ واحد منهما آفات فإذا سلـمّا من الآفات فالكلام أفضل من السكوت ، قيل : كيف ذلك يا بن رسول الله؟ قال : لأن الله عزَّ وجلَّ ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت إنّما بعثهم بالكلام ، ولا استحقت الجنّة بالسكوت ، ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت ، ولا توفيت النار بالسكوت ، إنمّا ذلك كله بالكلام ، ما كنت لأعدل القمرّ بالشمس إنك تصف السكوت بالكلام ولست تصف فضل الكلام بالسكوت.

٢١٩

_________________________________________________

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من حسن إسلام المرّء تركه ما لا يعنيه ، وقال أمير - المؤمنينعليه‌السلام : جمع الخير كلّه في ثلاث خصال : النظر والسكوت والكلام فكلّ نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو ، وكلّ سكوت ليس فيه فكرة فهو سهو ، وكلّ كلام ليس فيه ذكر فهو لغو ، وقال أبو جعفرعليه‌السلام : إن داود قال لسليمانعليه‌السلام يا بني عليك بطول الصمّت إلّا من خير ، فإن الندامة على طول الصمّت مرّة واحدة خير من الندامة على كثرة الكلام مرّات.

وقال الصادقعليه‌السلام : النوم راحة للجسد ، والنطق راحة للروح ، والسكوت راحة للعقل.

وقالعليه‌السلام : لا تتكلّم بما لا يعنيك ودع كثيراً من الكلام فيما يعنيك.

وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لا خير في الصمّت عن الحكم كما أنّه لا خير في القول بالجهل.

وقالعليه‌السلام : من كثر كلامه كثر خطاؤه ، ومن كثر خطاؤه قلّ حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ، ومن قّل ورعه مات قلبه ، ومن مات قلبه دخل النّار.

وقالعليه‌السلام : من علم أنّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلّا فيما يعنيه.

وقالعليه‌السلام : تكلّموا تعرفوا فإنّ المرء مخبوء تحت لسانه.

وقد مرّ في كتاب العقل في حديث هشام أن أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يقول إن من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال : يجيب إذا سئل وينطق إذا عجز القوم عن الكلام ، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله ، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شيء فهو أحمق.

أقول : وقد أوردت الأخبار الكثيرة في ذلك في كتاب البحار وإنما أوردت قليلاً منها هنا لتعرف موقع حسن الكلام وموضع فضل السكوت وتجمع به بين الأخبار.

٢٢٠