مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول13%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 434

  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11848 / تحميل: 6941
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٨

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ »(١) وأثابه الله مكان غيظه ذلك.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة قال حدثني من سمع أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول من كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه أملأ الله قلبه يوم القيامة رضاه.

_________________________________________

فكفى عزا لهم في الآخرة بأن بشر الله لهم بالجنة وحكم بأنها أعدت لهم وأنه تعالى يحبهم ، ويحتمل أن يكون تعليلا لعز الدنيا أيضا بأنهم يدخلون تحت هذه الآية وهذا شرف في الدنيا أيضا ، أو تدل الآية على أنهم من المحسنين وممن يحبهم الله ومحبوبة تعالى عزيز في الدنيا والآخرة كما قيل.

قوله عليه‌السلام : وأثابه الله مكان غيظه ذلك ، يحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى المذكور في الآية ويكون فيه تقدير أي مكان كظم غيظه أي لأجله أو عوضه ، ويحتمل أن يكون ذلك عطف بيان أو بدلا من غيظه ، ويكون أثابه عطفا على زاده أي ويعطيه الله أيضا مع عز الدنيا والآخرة أجرا لأصل الغيظ لأنه من البلايا التي يصيب الإنسان بغير اختياره ، ويعطي الله لها عوضا على اصطلاح المتكلمين فالمراد بالثواب العوض لأن الثواب إنما يكون علي الأمور الاختيارية بزعمهم ، والغيظ ليس باختياره وإن كان الكظم باختياره فالجنة على الكظم ، والثواب أي العوض لأصل الغيظ ، وقيل : المراد بالمكان المنزل المخصوص لكل من أهل الجنة وإضافته من قبيل إضافة المعلول إلى العلة.

الحديث السادس : مرسل.

« ولو شاء أن يمضيه » أي يعمل بمقتضى الغيظ« أملأ الله قلبه يوم القيامة » أي يعطيه من الثواب والكرامة والشفاعة والدرجة حتى يرضى رضا كاملا لا يتصور فوقه.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٢٨.

٢٠١

٧ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن غالب بن عثمان ، عن عبد الله بن منذر ، عن الوصافي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال من كظم غيظا وهو يقدر على إمضائه حشا الله قلبه أمنا وإيمانا يوم القيامة.

٨ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن عبد الكريم بن عمرو ، عن أبي أسامة زيد الشحام ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال لي يا زيد اصبر على أعداء النعم فإنك لن تكافئ من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه يا زيد إن الله اصطفى الإسلام واختاره فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن حفص بياع السابري ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أحب السبيل إلى الله عز وجل جرعتان جرعة غيظ تردها بحلم وجرعة مصيبة تردها بصبر.

_________________________________________

الحديث السابع : مجهول.

« أمنا وإيمانا » كان المراد بالإيمان التصديق الكامل بكرمه ولطفه ورحمته ، لكثرة ما يعطيه من الثواب فيرجع إلى الخبر السابق ، ويحتمل الأعم بأن يزيد الله تعالى في يقينه وإيمانه فيستحق مزيد الثواب والكرامة ، ولا دليل على عدم جواز مزيد الإيمان في ذلك اليوم.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

وفيقوله : فأحسنوا صحبته ، إيماء إلى أن مع ترك هاتين الخصلتين يخاف زوال الإسلام ، فإن لم يحسن صحبته يهجر غالبا.

الحديث التاسع : مجهول.

« تردها » هذا على التمثيل كان المغتاظ الذي يريد إظهار غيظه فيدفعه ولا يظهره لمنافعه الدنيوية والأخروية كمن شرب دواء بشعا لا يقبله طبعه ، ويريد

٢٠٢

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن ربعي عمن حدثه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال لي أبي يا بني ما من شيء أقر لعين أبيك من جرعة غيظ عاقبتها صبر وما من شيء يسرني أن لي بذل نفسي حمر النعم.

_________________________________________

أن يدفعه فيتصور نفع هذا الدواء فيرده ، وكذا الصبر عند البلاء وترك الجزع يشبه تلك الحالة ، ففيهما استعارة تمثيلية ، والفرق بين الكظم والصبر أن الكظم فيما يقدر على الانتقام ، والصبر فيما لا يقدر عليه.

الحديث العاشر : مرسل.

« ما من شيء » ما نافية ومن زائدة للتصريح بالتعميم ، وهو مرفوع محلا لأنه اسم « ما » وأقر خبره ، واللام فيلعين للتعدية ، قال الراغب : قرت عينه تقر سرت قال تعالى : «كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها »(١) وقيل : لمن يسر به قرة عين قال تعالى : «قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ »(٢) قيل : أصله من القر أي البرد ، فقرت عينه قيل : معناه بردت فصحت ، وقيل : بل لأن للسرور دمعة قارة ، وللحزن دمعة حارة ، وكذلك يقال فيمن يدعي عليه : أسخن الله عينه ، وقيل : هو من القرار والمعنى أعطاه الله ما تسكن به عينه ، فلا تطمح إلى غيره.

قوله عليه‌السلام : عاقبتها صبر ، كان المراد بالصبر الرضا بكظم الغيظ ، والعزم على ترك الانتقام ، أو المعنى أنه يكظم الغيظ بشدة ومشقة إلى أن ينتهي إلى درجة الصابرين ، بحيث يكون موافقا لطبعه غير كاره له ، وهذا من أفضل صفات المقربين ، وقيل : إشارة إلى أن كظم الغيظ إنما هو مع القدرة على الانتقام ، وهو محبوب ، وإن انتهى إلى حد يصبر مع عدم القدرة علي الانتقام أيضا ، ولا يخفى ما فيه.

__________________

(١) سورة القصص : ١٣.

(٢) سورة القصص : ٩.

٢٠٣

١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن وهب ، عن معاذ بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال اصبروا على أعداء النعم فإنك لن تكافئ من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه.

١٢ ـ عنه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن خلاد ، عن الثمالي ، عن علي بن الحسين صلوات الله عليه قال قال ما أحب أن لي بذل نفسي حمر النعم وما تجرعت من جرعة أحب إلي من جرعة غيظ لا أكافي بها صاحبها.

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الوشاء ، عن مثنى الحناط ، عن أبي حمزة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ما من جرعة يتجرعها العبد أحب إلى الله عز وجل من جرعة غيظ يتجرعها عند ترددها في قلبه إما بصبر وإما بحلم.

_________________________________________

الحديث الحادي عشر : حسن كالصحيح وقد مر بسند آخر.

الحديث الثاني عشر : مجهول وقد مر.

الحديث الثالث عشر : حسن.

والمرادبترددها في قلبه إقدام القلب تارة إلى تجرعها لما فيه من الأجر الجزيل وإصلاح النفس ، وتارة إلى ترك تجرعها لما فيه من البشاعة والمرارة« إما بصبر وإما بحلم » الفرق بينهما إما بأن الأول فيما إذا لم يكن حليما فيتحلم ويصبر ، والثاني فيما إذا كان حليما وكان ذلك خلقه وكان عليه يسرا ، أو الأول فيما إذا لم يقدر على الانتقام فيصبر ولا يجزع ، والثاني فيما إذا قدر ولم يفعل حلما وتكرما بناء على أن كظم الغيظ قد يستعمل فيما إذا لم يقدر علي الانتقام أيضا ، وقيل : الصبر هو أن لا يقول ولا يفعل شيئا أصلا ، والحلم أن يقول أو يفعل شيئا يوجب رفع الفتنة وتسكين الغضب ، فيكون الحلم بمعنى العقل واستعماله.

٢٠٤

باب الحلم

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن محمد بن عبيد الله قال سمعت الرضاعليه‌السلام يقول لا يكون الرجل عابدا حتى يكون حليما وإن الرجل كان إذا تعبد في بني إسرائيل لم يعد عابدا حتى يصمت قبل ذلك عشر سنين.

_________________________________________

باب الحلم الحديث الأول : مجهول.

وقال الراغب :الحلم ضبط النفس عن هيجان الغضب ، وقيل : الحلم الأناءة والتثبت في الأمور ، وهو يحصل من الاعتدال في القوة الغضبية ويمنع النفس من الانفعال عن الواردات المكروهة المؤذية ، ومن آثاره عدم جزع النفس عند الأمور الهائلة ، وعدم طيشها في المؤاخذة وعدم صدور حركات غير منتظمة منها ، وعدم إظهار المزية على الغير ، وعدم التهاون في حفظ ما يجب حفظه شرعا وعقلا ، انتهى.

ويدل الحديث على اشتراط قبول العبادة وكمالها بالحلم لأن السفيه يبادر بأمور قبيحة من الفحش والبذاء والضرب والإيذاء بل الجراحة والقتل ، وكل ذلك يفسد العبادة فإن الله إنما يتقبلها من المتقين ، وقيل : الحليم هنا العاقل وقد مر أن عبادة غير العاقل ليس بكامل ولما كانت الصمت عما لا يعني من لوازم الحلم غالبا ذكره بعده ، ولذلك قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا غضب أحدكم فليسكت.

وصوم الصمت كان في بني إسرائيل ، وهو وإن نسخ في هذه الأمة لكن كمال الصمت غير منسوخ فاستشهدعليه‌السلام على حسنه بكونه شرعا مقررا في بني إسرائيل ولم يكونوا يعدون الرجل في العابدين المعروفين بالعبادة إلا بعد المواظبة على صوم الصمت أو أصله عشر سنين.

٢٠٥

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن أبي حمزة قال المؤمن خلط عمله بالحلم يجلس ليعلم وينطق ليفهم لا يحدث أمانته الأصدقاء ولا يكتم شهادته الأعداء ولا يفعل شيئا من الحق رياء ولا يتركه حياء إن زكي خاف مما يقولون واستغفر الله مما لا يعلمون لا يغره قول :

_________________________________________

الحديث الثاني : صحيح.

« خلط عمله » في مجالس الصدوق علمه وهو أظهر وأوفق بسائر الأخبار ، إذ العلم بدون العمل يصير غالبا سببا للتكبر والترفع والسفاهة وترك الحلم « يجلس ليعلم » أي يختار مجلسا يحصل فيه التعلم وإنما يجلس له لا للأغراض الفاسدة ، وفي المجالس بعده : وينصت ليسلم أي من مفاسد النطق« وينطق ليفهم » أي إنما ينطق في تلك المجالس ليفهم ما أفاده العالم إن لم يفهمه لا للمعارضة والجدال وإظهار الفضل« لا يحدث أمانته » أي السر الذي ائتمن عليه« الأصدقاء » فكيف الأعداء« ولا يكتم شهادته الأعداء » أي لو كان عنده شهادة لعدو لا تحمله العداوة على أن لا ـ يقول له أنا شاهد لك ، أو لا يكتمه إذا استشهده ، وطلب منه أداء الشهادة ، أو المراد للأعداء« ولا يفعل شيئا من الحق » أي العبادات الحقة ليراه الناس ، وفيه إشعار بأنه لا يفعل شيئا إلا ما هو حق ولا يأتي ببدعة.

« ولا يتركه » أي الحق« حياء » لأنه من الحياء المذموم ولا حياء في الحق« إن زكي » أي أثنى عليه ومدح بما يفعله« خاف مما يقولون » وفي المجالس ما يقولون وكلاهما حسن ، أي خاف أن يصير قولهم سببا لإعجابه بنفسه وبعمله فتضيع أعماله ، أو يكونوا في ذلك كاذبين ورضي بكذبهم فيعاقب على ذلك ، مع أنه لا ينفع تزكيتهم كما قال تعالى : «فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ »(١) .

« مما لا يعلمون » أي من عيوبه ومعاصيه التي صار عدم علمهم بها سببا لتزكيتهم ،

__________________

(١) سورة النساء : ٤٩.

٢٠٦

من جهله ويخشى إحصاء ما قد عمله.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كان علي بن الحسينعليه‌السلام يقول إنه ليعجبني الرجل أن يدركه حلمه عند غضبه.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن الحكم ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الله عز وجل يحب الحيي الحليم.

٥ ـ عنه ، عن علي بن حفص العوسي الكوفي رفعه إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أعز الله بجهل قط ولا أذل بحلم قط.

_________________________________________

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : وإذا زكي أحد منهم خاف مما يقال فيه فيقول : أنا أعلم بنفسي من غيري ، وربي أعلم مني بنفسي اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني أفضل مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون« لا يغره » تأكيد لما سبق أو استيناف بياني وكذا الفقرة الثانية على اللف والنشر المرتب ، أي لا يغتر بتزكية من لا يطلع على عيوبه الخفية ، فيعجب بقولهم ، ويخشى إحصاء الله أو الملائكة ما عمله من المعاصي ، وفي المجالس ويخشى إحصاء من قد علمه وكأنه أظهر.

الحديث الثالث : موثق كالصحيح ، وقوله : أن يدركه بدل اشتمال للرجل.

الحديث الرابع : ضعيف.

الحديث الخامس : مرفوع.

والجهل يطلق على خلاف العلم ، وعلى ما هو مقتضاه من السفاهة وصدور الأفعال المخالفة للعقل ، وهنا يحتمل الوجهين كما أن الحلم يحتمل مقابلهما والثاني أظهر فيهما.

٢٠٧

٦ ـ عنه ، عن بعض أصحابه رفعه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام كفى بالحلم ناصرا وقال إذا لم تكن حليما فتحلم.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الله الحجال ، عن حفص بن أبي عائشة قال بعث أبو عبد اللهعليه‌السلام غلاما له في حاجة فأبطأ فخرج أبو عبد اللهعليه‌السلام على أثره لما أبطأ فوجده نائما فجلس عند رأسه يروحه حتى انتبه فلما تنبه قال له أبو عبد اللهعليه‌السلام يا فلان والله ما ذلك لك تنام الليل والنهار لك الليل ولنا منك النهار.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله يحب الحيي الحليم العفيف المتعفف.

_________________________________________

الحديث السادس : مرسل.

« كفى بالحلم ناصرا » لأنه بالحلم تندفع الخصومة ، بل يصير الخصم محبا له وهذا أحسن النصر ، مع أن. الحليم يصير محبوبا عند الناس فالناس ينصرونه على الخصوم ويعينونه في المكاره« وقال : إذا لم تكن حليما » أي بحسب الخلقة والطبع« فتحلم » أي أظهر الحلم تكلفا ، وجاهد نفسك في ذلك حتى يصير خلقا لك ويسهل عليك ، مع أن تكلفه بمشقة أكثر ثوابا كما مر ، وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن لم تكن حليما فتحلم فإنه قل من تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم.

الحديث السابع : مجهول.

« تنام » مرفوع أو منصوب بتقدير أن ، وهو بدل ذلك« لك الليل » استئناف ويدل على جواز تكليف العبد بعدم النوم في النهار إذا لم يستخدمه في الليل ، وعلى استحباب عدم تنبيه المملوك عن النوم وترويحه ، وهذا غاية المروة والحلم.

الحديث الثامن : ضعيف.

والعفيف المجتنب عن المحرمات لا سيما ما يتعلق منها بالبطن والفرج ،والمتعفف إما تأكيد كقولهم ليل أليل أو العفيف عن المحرمات المتعفف عن المكروهات

٢٠٨

٩ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن أيوب بن نوح ، عن عباس بن عامر ، عن ربيع بن محمد المسلي ، عن أبي محمد ، عن عمران ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان فيقولان للسفيه منهما قلت وقلت وأنت أهل لما قلت ستجزى بما قلت ويقولان للحليم

_________________________________________

لأنه أشد فيناسب هذا البناء ، أو العفيف في البطن المتعفف في الفرج أو العفيف عن الحرام المتعفف عن السؤال كما قال تعالى : «يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ »(١) أو العفيف خلقا المتعفف تكلفا فإن العفة قد يكون عن بعض المحرمات خلقا وطبيعيا ، وعن بعضها تكلفا ولعل هذا أنسب.

قال الراغب : العفة حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة ، والتعفف التعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر ، وأصله الاقتصار على تناول الشيء القليل الجاري مجرى العفافة ، والعفة أي البقية من الشيء أو العفف وهو ثمر الأراك ، وفي النهاية فيه من يستعفف يعفه الله ، الاستعفاف طلب العفاف والتعفف وهو الكف عن الحرام والسؤال من الناس ، أي من طلب العفة وتكلفها أعطاه الله تعالى إياها.

الحديث التاسع : مجهول.

« قلت وقلت » التكرار لبيان كثرة الشتم وقول الباطل ، وربما يقرأ الثاني بالفاء ، قال في النهاية يقال : فال الرجل في رأيه وفيل إذا لم يصب فيه ، ورجل فائل الرأي وفاله وفيل ، انتهى والظاهر أنه تصحيف.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٧٣.

٢٠٩

منهما صبرت وحلمت سيغفر الله لك إن أتممت ذلك قال فإن رد الحليم عليه ارتفع الملكان.

باب

الصمت وحفظ اللسان

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال قال أبو الحسن الرضاعليه‌السلام من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت إن

_________________________________________

« فإن رد الحليم عليه » أي بعد حلمه عنه أولا ارتفع الملكان ساخطين عليهما ويكلانهما إلى الملكين ليكتبا عليهما قولهما ، والرد بعد مبالغة الآخر في الشتم والفحش لا ينافي وصفه بالحلم لأنه قد حلم أولا ومراتب الحلم متفاوتة.

باب الصمت وحفظ اللسان

الحديث الأول : صحيح.

وكان المرادبالفقه العلم المقرون بالعمل ، فلا ينافي كون مطلق العلم من علاماته ، أو المراد بالفقه التفكر والتدبر في الأمور ، قال الراغب : الفقه هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم ، قال تعالى : «فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً »(١) «بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ »(٢) إلى غير ذلك من الآيات ، والفقه العلم بأحكام الشريعة ، انتهى.

وقيل : أراد العلم فيما يقول والصمت عما لا يعلم أو يضر ، وقيل : المراد بالعلم آثاره أعني إثبات الحق وإبطال الباطل ، وترويج الدين وحل المشكلات ، انتهى.

__________________

(١) سورة النساء : ٧٨.

(٢) سورة الأنفال : ٦٥.

٢١٠

الصمت باب من أبواب الحكمة إن الصمت يكسب المحبة إنه دليل على كل خير.

٢ ـ عنه ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول إنما شيعتنا الخرس.

٣ ـ عنه ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي علي الجواني قال شهدت أبا عبد اللهعليه‌السلام وهو يقول لمولى له يقال له سالم ووضع يده على شفتيه وقال :

_________________________________________

وأقول : قد مر بسند آخر عنهعليه‌السلام من علامات الفقيه الحلم والصمت ، ويظهر من بعض الأخبار أن الفقه هو العلم الرباني المستقر في القلب الذي يظهر آثاره على الجوارح.

« إن الصمت باب من أبواب الحكمة » أي سبب من أسباب حصول العلوم الربانية فإن بالصمت يتم التفكر ، وبالتفكر يحصل الحكمة أو هو سبب لإفاضة الحكم عليه من الله سبحانه ، أو الصمت عند العالم وعدم معارضته ، والإنصات إليه سبب لإفاضة الحكم منه ، أو الصمت دليل من دلائل وجود الحكمة في صاحبه« يكسب المحبة » أي محبة الله أو محبة الخلق ، لأن عمدة أسباب العداوة بين الخلق الكلام من المنازعة والمجادلة والشتم والغيبة والنميمة والمزاح ، وفي بعض النسخ يكسب الجنة ، وفي سائر نسخ الحديث المحبة« أنه دليل على كل خير » أي وجود كل خير في صاحبه أو دليل لصاحبه إلى كل خير.

الحديث الثاني : صحيح.

والخرس بالضم جمع الأخرس ، أي هم لا يتكلمون باللغو والباطل ، وفيما لا يعلمون ، وفي مقام التقية خوفا على أئمتهم وأنفسهم وإخوانهم فكلامهم قليل فكأنهم خرس.

الحديث الثالث : مجهول.

٢١١

يا سالم احفظ لسانك تسلم ولا تحمل الناس على رقابنا.

٤ ـ عنه ، عن عثمان بن عيسى قال حضرت أبا الحسن صلوات الله عليه وقال له رجل أوصني فقال له احفظ لسانك تعز ولا تمكن الناس من قيادك فتذل رقبتك.

٥ ـ عنه ، عن الهيثم بن أبي مسروق ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل أتاه ألا أدلك على أمر يدخلك الله به الجنة قال بلى يا رسول الله قال أنل مما أنالك الله قال فإن كنت أحوج ممن

_________________________________________

وضميرشفتيه للإمامعليه‌السلام ورجوعه إلى سالم بعيد« تسلم » أي من معاصي اللسان ومفاسد الكلام« ولا تحمل الناس على رقابنا » أي لا تسلطهم علينا بترك التقية وإذاعة أسرارنا.

الحديث الرابع : موثق.

وقال الراغبالوصية التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ ، من قولهم أرض واصية متصلة النبات ، يقال : أوصاه ووصاه ، والقياد ككتاب حبل تقاد به الدابة وتمكين الناس من القياد كناية عن تسلطهم وإعطاء حجة لهم على إيذائه وإهانته بترك التقية ، ونسبة الإذلال إلى الرقبة لظهور الذل فيها أكثر من سائر الأعضاء ، وفيه ترشيح للاستعارة السابقة لأن القياد يشد على الرقبة.

الحديث الخامس : حسن.

« أنل مما أنالك الله » أي أعط المحتاجين مما أعطاك الله تعالى ، قال الجوهري : نال خيرا ينال نيلا أي أصاب ، وأنا له غيره والأمر فيه نل بفتح النون« للأخرق » أي الجاهل بمصالح نفسه ، في القاموس : صنع إليه معروفا كمنع صنعا بالضم وصنع به صنيعا قبيحا فعله ، والشيء صنعا بالفتح والضم عمله ، وصنعة الفرس حسن القيام عليه ، وأصنع أعان آخر والأخرق تعلم وأحكم واصطنع عنده صنيعة اتخذها ، و

٢١٢

أنيله قال فانصر المظلوم قال وإن كنت أضعف ممن أنصره قال فاصنع للأخرق يعني أشر عليه قال : فإن كنت أخرق ممن أصنع له قال فأصمت لسانك إلا من خير أما يسرك أن تكون فيك خصلة من هذه الخصال تجرك إلى الجنة؟.

_________________________________________

في النهاية : الخرق بالضم الجهل والحمق ، وقد خرق يخرق خرقا فهو أخرق ، والاسم الخرق بالضم ، ومنه الحديث تعين ضائعا أو تصنع لأخرق ، أي جاهل بما يجب أن يعمله ولم يكن في يده صنعة يكتسب بها ، انتهى.

والظاهر أن« يعني » من كلام الصادقعليه‌السلام ويحتمل كونه كلام بعض الرواة أي ليس المراد نفعه بمال ونحوه ، بل برأي ومشورة ينفعه ، وفيه حث على إرشاد كل من لم يعلم أمرا من مصالح الدين والدنيا.

« فإن كنت أخرق » أي أشد خرقا وإن كان نادرا« فأصمت » على بناء المجرد أو الأفعال ، وفي القاموس : الصمت والصموت والصمات السكوت كالأصمات والتصميت وأصمته وصمته أسكته لا زمان متعديان ، والمراد بالخير ما يورث ثوابا في الآخرة أو نفعا في الدنيا بلا مضرة أحد فالمباح غالبا مما ينبغي السكوت عنه ، والأمر لمطلق الطلب الشامل للوجوب والرجحان.

واختلف في المباح هل يكتب أم لا؟ نقل عن ابن العباس أنه لا يكتب ولا يجازي عليه والأظهر أنه يكتب لعموم قوله تعالى : «ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ »(١) وقوله سبحانه : «كُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ »(٢) ولدلالة كثير من الروايات عليه ، وقد أوردناها في كتابنا الكبير ، وعدم المجازاة لا يدل على عدم الكتابة إذ لعل الكتابة لغرض آخر كالتأسف والتحسر على تضييع العمر فيما لا ينفع مع القدرة

__________________

(١) سورة ق : ١٨.

(٢) سورة القمر : ٥٣.

٢١٣

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال لقمان لابنه يا بني إن كنت زعمت أن الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب.

_________________________________________

على فعل ما يوجب الثواب ، ويدل الخبر على أن كمال خصلة واحدة من تلك الخصال يوجب الجنة ، ويحتمل اشتراطها بترك الكبائر أو نحوه ، أو يكون الجر إليها كناية عن القرب منها ، وقيل : يمكن أن يراد أن الخصلة الواحدة تجر إلى أسباب الدخول في الجنة وهي الخصال الأخر ، فإن الخير بعضه يفضي إلى بعض.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

ويدل على أن السكوت أفضل من الكلام ، وكأنه مبني على الغالب وإلا فظاهر أن الكلام خير من السكوت في كثير من الموارد ، بل يجب الكلام ويحرم السكوت عند إظهار أصول الدين وفروعه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويستحب في المواعظ والنصائح وإرشاد الناس إلى مصالحهم وترويج العلوم الدينية والشفاعة للمؤمنين وقضاء حوائجهم وأمثال ذلك.

فتلك الأخبار مخصوصة بغير تلك الموارد ، أو بأحوال عامة الخلق فإن غالب كلامهم إنما هو فيما لا يعنيهم أو هو مقصور على المباحات كما روى الطبرسي في كتاب الاحتجاج أنه سئل علي بن الحسينعليه‌السلام عن الكلام والسكوت أيهما أفضل؟

فقالعليه‌السلام : لكل واحد منهما آفات فإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت ، قيل : كيف ذلك يا بن رسول الله؟ قال : لأن الله عز وجل ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت إنما بعثهم بالكلام ، ولا استحقت الجنة بالسكوت ، ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت ، ولا توفيت النار بالسكوت ، إنما ذلك كله بالكلام ، ما كنت لأعدل القمر بالشمس إنك تصف السكوت بالكلام ولست تصف فضل الكلام بالسكوت.

٢١٤

...........................................................................

_________________________________________

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ، وقال أمير ـ المؤمنينعليه‌السلام : جمع الخير كله في ثلاث خصال : النظر والسكوت والكلام فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو ، وكل سكوت ليس فيه فكرة فهو سهو ، وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو ، وقال أبو جعفرعليه‌السلام : إن داود قال لسليمانعليه‌السلام يا بني عليك بطول الصمت إلا من خير ، فإن الندامة على طول الصمت مرة واحدة خير من الندامة على كثرة الكلام مرات.

وقال الصادقعليه‌السلام : النوم راحة للجسد ، والنطق راحة للروح ، والسكوت راحة للعقل.

وقالعليه‌السلام : لا تتكلم بما لا يعنيك ودع كثيرا من الكلام فيما يعنيك.

وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لا خير في الصمت عن الحكم كما أنه لا خير في القول بالجهل.

وقالعليه‌السلام : من كثر كلامه كثر خطاؤه ، ومن كثر خطاؤه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ، ومن قل ورعه مات قلبه ، ومن مات قلبه دخل النار.

وقالعليه‌السلام : من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.

وقالعليه‌السلام : تكلموا تعرفوا فإن المرء مخبوء تحت لسانه.

وقد مر في كتاب العقل في حديث هشام أن أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يقول إن من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال : يجيب إذا سئل وينطق إذا عجز القوم عن الكلام ، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله ، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شيء فهو أحمق.

أقول : وقد أوردت الأخبار الكثيرة في ذلك في كتاب البحار وإنما أوردت قليلا منها هنا لتعرف موقع حسن الكلام وموضع فضل السكوت وتجمع به بين الأخبار.

٢١٥

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحلبي رفعه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمسك لسانك فإنها صدقة تصدق بها على نفسك ثم قال ولا يعرف عبد حقيقة الإيمان حتى يخزن من لسانه.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن عبيد الله بن علي الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا

_________________________________________

الحديث السابع : مرفوع.

« فإنها » أي الإمساك والتأنيث بتأويل الخصلة أو الفعلة أو الصفة أي صفته أنه صدقة أو باعتبار تأنيث الخبر وتشبيه الإمساك بالصدقة على النفس باعتبار أنه ينفعها في الدنيا والآخرة ، كما أن الصدقة تنفع الفقير وباعتبار أنه معط يدفع عنه البلايا ويوجب قربه من الحق كالصدقة فالتشبيه كامل من الجهتين.

« ولا يعرف عبد. إلخ » أشارعليه‌السلام بذلك إلى أن الإيمان لا يكمل إلا باستقامة اللسان على الحق وخزنه عن الباطل كالغيبة والنميمة والقذف والشتم والكذب والزور والفتوى بغير الحق والقول بالرأي وأشباهها من الأمور التي نهى الشارع عنها ، وذلك لأن الإيمان عبارة عن التصديق بالله وبرسوله والاعتقاد بحقية جميع ما جاء به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يستلزم استقامة اللسان وهي إقراره بالشهادتين وجميع العقائد الحقة ولوازمها وإمساكه عما لا ينبغي ، ومن البين أن الملزوم لا يستقيم بدون استقامة اللازم ، وقد أشار إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ، وأيضا كلما يتناوله اللسان من الأباطيل والأكاذيب تدخل مفهوماتها في القلب ، وهو ينافي استقرار حقيقة الإيمان فيه.

الحديث الثامن : حسن موثق.

والآية في سورة النساء هكذا : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ

٢١٦

أَيْدِيَكُمْ »(١) قال يعني كفوا ألسنتكم.

_________________________________________

أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ، قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً » وقال المفسرون : قيل لهم أي بمكة «كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ » أي أمسكوا عن قتال الكفار فإني لم أومر بقتالهم «فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ » بالمدينة خافوا من الناس وقتلهم إياهم كخشية الله من عقابه «أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ » وهو أن نموت بآجالنا وكذا في تفسير علي بن إبراهيم أيضا.

وفي بعض الأخبار أن ذلك أمر لشيعتنا بالتقية إلى زمن القائمعليه‌السلام كما قال الصادقعليه‌السلام : أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفوا وتدخلوا الجنة ، وعن الباقرعليه‌السلام : أنتم والله أهل هذه الآية ، وفي بعض الأخبار «كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ » مع الحسنعليه‌السلام «كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ » مع الحسينعليه‌السلام «إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ » إلى خروج القائمعليه‌السلام فإن معه الظفر ، فهذا الخبر إما تفسير لظهر الآية كما ذكرنا أولا أو لبطنها بتنزيل الآية على الشيعة في زمن التقية وهذا أنسب بكف الألسن تقية فإن أحوال أمير المؤمنين صلوات الله عليه في أول أمره وآخره كان شبيها بأحوال الرسول في أول الأمر حين كونه بمكة وترك القتال لعدم الأعوان وأمره في المدينة بالجهاد لوجود الأنصار ، وكذا حال الحسنعليه‌السلام في الصلح والهدنة وحال الحسينعليه‌السلام عند وجود الأنصار ظاهرا وحال سائر الأئمةعليهم‌السلام في ترك القتال والتقية مع حال القائمعليه‌السلام ، فالآية وإن نزلت في حال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهي شاملة لتلك الأحوال أيضا لمشابهتها لها واشتراك العلل بينها وبينها.

وأما تفسيرهعليه‌السلام كف الأيدي بكف الألسن على الوجهين يحتمل وجوها

__________________

(١) سورة النساء : ٧٧.

٢١٧

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحلبي رفعه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نجاة المؤمن في حفظ لسانه.

١٠ ـ يونس ، عن مثنى ، عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول كان أبو ذررحمه‌الله يقول يا مبتغي العلم إن هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح

_________________________________________

الأول : أن يكون المعنى أن المراد بكف الأيدي عن القتال الكف عنها وعما يوجب بسطها بسط الأيدي وهي الألسنة فإن مع عدم كف الألسنة ينتهي الأمر إلى القتال شاءوا أم أبوا ، فالنهي عن بسط الأيدي يستلزم النهي عن بسط الألسنة فالنهي عن القتال في زمن الهدنة يستلزم الأمر بالتقية.

الثاني : أن يكون المراد بكف الأيدي كف الألسن إطلاقا لاسم المسبب على السبب أو الملزوم على اللازم.

الثالث : أن يكون المراد بالأيدي في الآية الألسن لتشابههما في القوة وكونهما آلة المجادلة وهذا أبعد الوجوه كما أن الأول أقربها.

الحديث التاسع : مرفوع.

« نجاة المؤمن » أي من مهالك الدنيا والآخرة« حفظ لسانه » الحمل علي المبالغة وفي بعض النسخ من حفظ لسانه أي هو من أعظم أسباب النجاة فكأنها منحصرة فيه ، والحاصل أنه لا ينجو إلا من حفظ لسانه.

الحديث العاشر : حسن.

« يا مبتغي العلم » أي يا طالبه ، وفيه ترغيب على التكلم بما ينفع في الآخرة أو في الدنيا أيضا إذا لم يضر بالآخرة« فاختم على لسانك » أي إذا كان اللسان مفتاحا للشر فاخزنه حتى لا يجري عليه ما يوجب خسارك وبوارك ، كما أن ذهبك وفضتك تخزنهما لتوهم صلاح عاجل فيهما فاللسان أولى بذلك ، فإنه مادة لصلاح الدنيا والآخرة ، وفساده يوجب فساد الدارين ، وفي القاموس :الورق مثلثة وككتف

٢١٨

شر فاختم على لسانك كما تختم على ذهبك وورقك.

١١ ـ حميد بن زياد ، عن الخشاب ، عن ابن بقاح ، عن معاذ بن ثابت ، عن عمرو بن جميع ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان المسيحعليه‌السلام يقول لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله فإن الذين يكثرون الكلام في غير ذكر الله قاسية قلوبهم ولكن لا يعلمون.

١٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن أبي نجران ، عن أبي جميلة عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من يوم إلا وكل عضو من أعضاء

_________________________________________

وجبل ، الدراهم المضروبة والجمع أوراق ووراق ، وفي المصباح : ومنهم من يقول هو النقرة مضروبة أو غير مضروبة ، وقال الفارابي : الورق المال من الدراهم.

وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به فإذا تكلمت به صرت في وثاقه ، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك فرب كلمة سلبت نعمة.

الحديث الحادي عشر : ضعيف.

وقساوة القلب غلظه وشدته وصلابته بحيث يتأبى عن قبول الحق كالحجر الصلب يمر عليه الماء ولا يقف فيه ، وفيه دلالة على أن كثرة الكلام في الأمور المباحة يوجب قساوة القلب ، وأما الكلام في الأمور الباطلة فقليله كالكثير في إيجاب القساوة والنهي عنه ، وكان في الحديث إشارة إلى قوله سبحانه : «أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ »(١) قال البيضاوي : الآية في حمزة وعلى وأبي لهب وولده.

الحديث الثاني عشر : كالسابق.

وفي النهاية في حديث الخدري : إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر

__________________

(١) سورة الزمر : ٢٢.

٢١٩

الجسد يكفر اللسان يقول نشدتك الله أن نعذب فيك.

١٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن إبراهيم بن مهزم الأسدي ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال إن لسان ابن آدم يشرف على جميع جوارحه ـ كل صباح فيقول كيف أصبحتم فيقولون بخير إن تركتنا ويقولون الله الله فينا ويناشدونه ويقولون إنما نثاب ونعاقب بك.

١٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن قيس أبي إسماعيل وذكر أنه لا بأس به من أصحابنا رفعه قال جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :

_________________________________________

اللسان أي تذل وتخضع ، والتكفير هو أن ينحني الإنسان ويطأطئ رأسه قريبا من الركوع كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه وقال :نشدتك الله والرحم أي سألتك بالله وبالرحم ، يقال : نشدتك الله وأنشدك الله وبالله وناشدتك الله وبالله ، أي سألتك وأقسمت عليك وتعديته إلى مفعولين إما لأنه بمنزلة دعوت ، أو لأنهم ضمنوه معنى ذكرت فأما أنشدتك بالله فخطأ ، انتهى.

وكان الكلام بلسان الحال ، وفيه استعارة تمثيلية.

قوله : « أن نعذب » كان في الكلام تقديرا أي تكف نفسك منأن نعذب فيك أي بسببك.

الحديث الثالث عشر : صحيح.

قوله عليه‌السلام : يشرف كان إشرافه كناية عن تسلطه عليها وعليها وكونها تحت حكمهوالله منصوب بتقدير اتق أو أحذر ، والتكرار للتأكيد ، والحصر فيقوله : إنما نثاب ، ادعائي بناء على الغالب ، والحاصل أن العمدة في ثوابنا وعقابنا أنت.

الحديث الرابع عشر : مرفوع.

« جاء رجل » في روايات العامة أن الرجل كان معاذ بن جبل ، وويح كأنه

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

محمّد بن يحيى(١) .

والظاهر من هذا أنّه الرجل المذكور ؛ لأنّ الراوي عنه هنا محمّد بن يحيى ، إلاّ أنّ وصفه بالكوفي في الرواية وبالنيشابوري في الرجال لا يوافقه ، إلاّ أن يكون انتقل إلى أحد البلدين.

ثم إنّ استفادة توثيقه من النجاشي يتوقف على ثبوت توثيق أحمد بن عبد الواحد ، وقد تقدّم القول فيه مفصّلاً(٢) . واحتمال رجوع الإشارة من النجاشي إلى أنّه من وجوه الأصحاب ، لا إلى التوثيق ، بعيد عن إشارة البعيد ، ويقرّبه أنّ الظاهر عود الإشارة إلى الجميع من التوثيق وكونه من الوجوه ، ولو رجع إلى البعيد فقط لزم ما لا يخفى ، فليتأمّل.

أمّا محمّد بن عبد الله فمشترك(٣) . ومحمّد بن أبي حمزة تكرّر القول فيه من أنّه الثقة على الظاهر(٤) ، واحتمال غيره بعيد. أمّا محمّد بن يزيد فهو مشترك بين مهملين(٥) . وأبو بصير معلوم ممّا تكرّر الكلام فيه(٦) .

المتن :

في الأخبار الستّة الأُول ظاهر الدلالة على أنّ تكبيرات صلاة الجنازة خمس ، أمّا الدلالة على الوجوب فغير ظاهرة ، لكن بعض الأصحاب ذكر‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٣٨ / ٣٥٧.

(٢) راجع ج ٤ ص ١٩٣ ١٩٤.

(٣) هداية المحدثين : ٢٤١.

(٤) راجع ج ١ ص ١٤٠ ، ج ٢ ص ٢٣٢ ، ج ٣ ص ٢٦٦ ، ٣٣١ ، ج ٤ ص ٢٧١ ، ٤٩٢ ، ج ٥ ص ١٦.

(٥) هداية المحدثين : ٢٥٩.

(٦) راجع ج ١ ص ٧٢ ، ج ٢ ص ٩٠ ، ٢١٠ ، ج ٤ ص ١٦ ، ٣٩٢ ، ج ٦ ص ٤٦.

٤٠١

الإجماع على الوجوب ، وأسنده إلى العلاّمة في المنتهى(١) ، وعبارة المنتهى المنقولة : وهي خمس تكبيرات بينها أربعة أدعية ، وعليه علماؤنا أجمع(٢) . وغير خفي عدم دلالتها على الوجوب ؛ إذ الأدعية الخلاف فيها موجود ، فإنّ المحقّق في الشرائع قال : والدعاء بينهن غير لازم ، ولو قلنا بوجوبه لم نوجب لفظاً(٣) .

وما قاله الشهيدرحمه‌الله في الذكرى من أنّ الأصحاب بأجمعهم يذكرون ذلك في كيفية الصلاة ، ولم يصرّح أحد منهم بندبيته ، والمذكور في بيان الواجب ظاهره الوجوب(٤) ؛ لا يخلو من غرابة بعد قول المحقّق.

فإنْ قلت : ما وجه عدم دلالة الأخبار على الوجوب؟

قلت : لأنّ الأوّل يدلّ على أنّ التكبيرات خمس ، وهذا لا يستفاد منه الوجوب ، إلاّ بتقدير إرادة ( التكبير الواجب )(٥) ، وهو غير معلوم.

والثاني : يدلّ على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كبّر خمساً ، والتأسّي إنّما يجب فيما علم وجهه عند المحققين.

والثالث : كالأوّل.

والرابع : كالثاني.

والخامس : والسادس كذلك(٦) .

نعم روى الصدوق في الفقيه بطريقه الصحيح عن عبد الله بن سنان ،

__________________

(١) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٤٣١.

(٢) المنتهى ١ : ٤٥١.

(٣) الشرائع ١ : ١٠٦.

(٤) الذكرى ١ : ٤٣٣.

(٥) بدل ما بين القوسين في « رض » : التكبيرات الوجوب.

(٦) أي كالأوّل.

٤٠٢

عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال : « لمّا مات آدمعليه‌السلام فبلغ إلى الصلاة عليه فقال هبة الله لجبرئيل : تقدّم يا رسول الله فصلّ على نبي الله ، فقال جبرئيلعليه‌السلام : إنّ الله أمرنا بالسجود لأبيك فلسنا نتقدّم أبرار ولده وأنت من أبرّهم ، فتقدّم فكبر خمساً عدّة الصلوات التي فرضها الله عزّ وجلّ على امّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي السنّة الجارية في ولده إلى يوم القيامة »(١) .

وهذا الخبر ربما يقتضي الوجوب وإنْ كان في البين كلام ، غير أنّ عدم الخلاف يسهّل الخطب. ومن هنا يعلم أنّ ما عساه يقال من أنّ بعض الأخبار الدالّة على أنّ صلاة الجنازة استغفار(٢) (٣) ، لا يخلو من دلالة على عدم وجوب ما سوى المذكور ؛ يدفعه ما ذكرناه ، مضافاً إلى وجوب غير ما ذكر بلا ريب فيما يعلم.

وبالجملة : فالمقصود ممّا قلناه مجرّد التنبيه على حقيقة الحال ، ليتّضح ما يأتي من المقال.

أمّا السابع : فما ذكره الشيخ في توجيهه أوّلاً لا يخلو من وجاهة وإنْ بعد عن الظاهر.

أمّا ما قاله من حمل الأربع على التقية فقد يتوجه عليه أنّ الخبر إذا كان واحداً فحمل بعضه على التقية والبعض على وجهٍ يوافق المذهب الحقّ مستبعد.

وجوابه أنّ من أهل الخلاف من قال بالخمس(٤) ، على ما يقتضيه‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠٠ / ٤٦٨ ، الوسائل ٣ : ٧٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ١٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٥٩ أبواب صلاة الجنازة ب ١.

(٣) في « فض » زيادة : ونحو ذلك.

(٤) حكاه في شرح النووي عن ابن أبي ليلى ، ( إرشاد الساري ٤ ) : ٢٨٥.

٤٠٣

كلام الشيخ بعد الخبر الآتي في ما بعد هذا الباب المتضمّن للانصراف بالخامسة مع قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ، من أنّه محمول على التقية ، وحينئذٍ لا مانع من الحمل على التقية ، ولو فرض انتفاؤه أمكن توجيه الخمس بما قاله الشيخ ، ويندفع به شرّ المخالفين.

وحمل الشيخ على أنّه إخبار عن فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع المنافقين إنْ أراد به كما هو الظاهر غير التقية ففيه أنّه لا ينافي التقية ، والأمر سهل.

والثامن : المستدلّ به قد ذكره في التهذيب بزيادة قوله : يعني بالنفاق. والرواية بطريقٍ حسن في الزيادات عن محمّد بن يعقوب(١) ، وكذلك في الكافي(٢) ، وهي محتملة لأن تكون من محمّد بن يعقوب ، أو من الراوي ، لكن احتمال كونها من الراوي عن الإمامعليه‌السلام له قرب ، إذ الجزم بقوله : يعني ، يقتضي ذلك ، ولولاه لأمكن احتمال غير النفاق وإنْ بعد.

ثم إنّ التفسير باتّهام النفاق ربما يدلّ على أنّ غير المنافق يصلّى عليه بالخمس ، فيدخل فيه المخالف بتقدير الصلاة عليه ، إلاّ أنْ يدّعى دخوله في المنافق ، وفي الذكرى بعد ذكر الخبر قال : وهو جمع حسن بين ما رواه العامّة لو كانوا يعقلون(٣) ، انتهى.

وما عساه يقال : إنّ التكبير أربعاً يقتضي تحقق النفاق ، فما وجه ذكر التهمة؟.

__________________

(١) ذكرها الشيخ في موضعين ، الأوّل في الزيادات : التهذيب ٣ : ١٩٧ / ٤٥٤ عن محمّد بن يعقوب ، وفيه زيادة قوله : يعني بالنفاق ، والآخر في الصلاة على الأموات كما هنا في ، التهذيب ٣ : ٣١٧ / ٩٨٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٨١ / ٢.

(٣) الذكرى ١ : ٤٣١.

٤٠٤

يمكن الجواب عنه بقيام احتمال التخيير في التكبيرات بين الخمس والأربع ونحو ذلك.

أمّا التاسع : فظاهر في أنّ التكبير أربعاً على المنافق ، حيث قال : « ولم يدعُ له لأنّه كان منافقاً » فيؤيد إرادة الاتّهام بالنفاق في الثامن.

وقد ذكر شيخناقدس‌سره في المدارك عند قول المحقق : وإنْ كان منافقاً اقتصر المصلّي على أربع وانصرف بالرابعة ـ : إنّ المراد بالمنافق هنا المخالف ، كما يدلّ عليه ذكره في مقابلة المؤمن في الأخبار وكلام الأصحاب(١) ، انتهى.

وما ذكره من دلالة الأخبار فالذي وقفت عليه ما رواه الشيخ في الباب الآتي(٢) عن أحمد بن محمّد ، عن إسماعيل بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة على الميت؟ فقال : « أمّا المؤمن فخمس تكبيرات ، وأمّا المنافق فأربع ».

وهذا الحديث لا يقتضي انحصار المنافق في المخالف ، وإذا عملنا بالخبر المبحوث عنه دلّ على المنافق غير المخالف ؛ لأنّ فعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله على المنافق يقتضي ما ذكرناه ، والخبر الثامن مع صحّته يدلّ أيضاً ، غاية الأمر إمكان أنْ يقال : إنّ المخالف يُدعى عليه والمنافق غيره لا يُدعى عليه ولا له ؛ لدلالة الخبر المبحوث عنه على الانصراف في الرابعة. وقد يقال : إنّ الخبر يدلّ على عدم الدعاء له ، أمّا الدعاء عليه فلا مانع منه ، والانصراف بالرابعة يحتمل أنْ يراد به عدم الاحتياج إلى تكبيرٍ خامس.

فإنْ قلت : إثبات الدعاء على المنافق غير المخالف محتاج إلى الدليل.

__________________

(١) المدارك ٤ : ١٦٩.

(٢) باب : أنه لا تسليم في الصلاة على الميت ، انظر ص ٤١٤.

٤٠٥

قلت : قد روى الصدوق عن عبيد الله بن علي الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنّه قال : « إذا صلّيت على عدو الله فقل » إلى آخره(١) . وروى في الكافي ( الحديث عن الحلبي في الحسن نحوه )(٢) (٣) . وروى أيضاً في الحسن عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال : « إنْ كان جاحداً للحقّ فقل : اللهم » إلى آخره(٤) .

ولا يخفى أنّ تمييز المنافق من المخالف بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله محلّ خفاء ، هذا.

ويظهر من بعض الأصحاب التوقف في وجوب الدعاء على المخالف ، من حيث إنّ الأربع يخرج بها من الصلاة(٥) ، واعترضه شيخناقدس‌سره بأنّ الدعاء للميت أو عليه لا يتعين كونه بعد الرابعة ، قالقدس‌سره : وقد ورد بالدعاء على المنافق روايات ، منها : ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن صفوان بن مهران الجمّال ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « مات رجل من المنافقين فخرج الحسين بن عليعليهما‌السلام يمشي فلقي مولىً له ، فقال له : إلى أين تذهب؟ فقال : أفرّ من جنازة هذا المنافق أنْ أُصلّي عليه ، فقال له الحسينعليه‌السلام : قم إلى جنبي فما سمعتني أقول فقل مثله ، فرفع يديه فقال. »(٦) (٧) .

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠٥ / ٤٩١.

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض » ، وفي « م » بنقيصة : نحوه.

(٣) الكافي ٣ : ١٨٩ / ٤.

(٤) الكافي ٣ : ١٨٩ / ٥ ، الوسائل ٣ : ٧١ أبواب صلاة الجنازة ب ٤ ح ٥.

(٥) الذكرى ١ : ٤٣٩.

(٦) الفقيه ١ : ١٠٥ / ٤٩٠.

(٧) المدارك ٤ : ١٧٠.

٤٠٦

وهذا الحديث لا يخفى أنّه غير دالّ على أنّهعليه‌السلام صلّى على المنافق ليصلح لردّ ما ذكره القائل من الانصراف بالرابعة ، ولا يثبت الدعاء في غير الرابعة ، على أنّ في وصفه بالصحّة تأمّلاً ، لولا ما قدّمناه من إخبار الصدوق.

وقد ذكرقدس‌سره الخبر الذي نقلناه ( عن الكافي حسناً(١) . ولا يخفى أنّه ظاهر في الصلاة على عدوّ الله ، وقد سبق ما قلناه )(٢) عنه من أنّ وجوب الصلاة على المؤمن انعقد عليها الإجماع ، وغير المؤمن لا تخلو الأدلّة على الوجوب عليه من ضعفٍ في سند ، أو قصورٍ في دلالة ، والواجب التمسك بمقتضى الأصل ، إلى أنْ يقوم على الوجوب دليل.

وغير خفي أنّ خبر الكليني ظاهر الدلالة على الصلاة على عدوّ الله ، والخبر الثامن من المبحوث عنها هنا كذلك ، والخبران عند شيخنا معتمد عليهما ، فالقصور من جهة السند منتفٍ ، ومن جهة الدلالة على الوجوب يمكن توجيههما ، لكن ينبغي الكلام في مشروعية الصلاة ؛ لدلالة الخبرين وغيرهما عليها ، غاية الأمر أنّ هذه الصلاة إمّا أنْ توصف بالاستحباب أو هي نوع من الدعاء المستحب ، ولم أر الآن من أوضح المقام ، وفعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقتضي استحباب التأسّي ، فليتأمّل.

وأمّا العاشر : فذكره من الشيخ في مقام الاستدلال على مطلوبه غير واضح الوجه ؛ لأنّ مفاده جواز تكرار الصلاة على الوجه المبيّن في الرواية ، والمطلوب إثبات الإخبار عن فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع المنافقين ، ويمكن أنْ يوجّه مراد الشيخ بأنّ الخبر تضمّن صدره السؤال عن ما روي أنّ [عليّاًعليه‌السلام ](٣)

__________________

(١) المدارك ٤ : ١٧٠ ، وهو خبر محمّد بن مسلم المتقدّم في ص ٤٠٤.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٣) في النسخ : النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والصواب ما أثبتناه.

٤٠٧

كبّر على سهل بن حنيف ستّاً فنفاه الإمامعليه‌السلام ، ونفيه يدلّ على أنّ التكبير لا يكون أزيد من خمس ، إلاّ على الوجه المذكور ، فيدلّ على أنّ الخبر الذي بصدد توجيهه الشيخ منتفٍ عنه الموافقة لغير المخالفين ، لا أنّه موافق لهم.

لكن لا يخفى أنّ الشيخ في التهذيب زاد احتمالاً في الخبر الذي هو بصدد توجيهه ، وهو أنّه إذا كان أهل الميت يريدون أنْ يكبّروا عليه أربعاً فيتركون مع اختيارهم ، واستدلّ على هذا بما رواه عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل ( بن بزيع ، عن محمّد بن عذافر ، عن عقبة ، عن جعفر ، قال : سُئل جعفرعليه‌السلام )(١) عن التكبير على الجنائز؟ فقال : « ذاك إلى أهل المبيت ما شاؤوا كبّروا » [ فقيل](٢) إنّهم يكبّرون أربعاً ، فقال : « ذاك إليهم » ثم قال : « أما بلغكم أنّ رجلاً صلّى عليه عليعليه‌السلام فكبّر عليه خمساً حتى صلّى خمس صلوات » الحديث(٣) .

وفيه دلالة على أنّ التكبيرات تابعة للإرادة.

ومن عجيب ما وقع للشيخ في التهذيب أنّه قال بعد الخبر المتضمّن للإحدى عشرة تكبيرة والتسع والست والأربع ـ : ما تضمّنه من الزيادة على الخمس مرّات متروك بالإجماع ، ويجوز أنْ يكون أخبر عن فعل النبي ، إلى آخر ما ذكره هنا(٤) ، ثم ذكر احتمال إرادة أهل الميت الأربع ، واستدلّ بما قدّمناه من الرواية عنه.

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « فض ».

(٢) في النسخ : فقال ، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) التهذيب ٣ : ٣١٨ / ٩٨٥ ، الوسائل ٣ : ٨٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٨.

(٤) التهذيب ٣ : ٣١٦.

٤٠٨

وأنت خبير بأنّ الإجماع على نفي الزائد عن الخمس ينافي مدلول الرواية المستدلّ بها ، حيث تضمّنت قوله : « ما شاؤوا كبّروا » وذكر الأربع في الرواية بعد ذلك لا يدلّ على اختصاص النقيصة بالإرادة ، هذا.

ثم إنّ ( الجواب )(١) في الخبر المبحوث عنه المتضمّن لنفي الست ليس على وجه المنع منها لكونها غير مشروعة ، بل لأنّ الواقع من عليّعليه‌السلام على غير ما نقل ، فلا يتمّ توجيه مرام الشيخ بالخبر المبحوث عنه في الكتابين ؛ لأنّه ذكره في التهذيب كما هنا.

وعلى كلّ حال إنْ تحقق المنع من زيادة التكبير أمكن حمل النفي في الخبر على عدم المشروعية ، وبدونه فاحتمال نفي الواقع ممكن.

ومن هنا يعلم أنّ إطلاق بعض الأصحاب بطلان صلاة الجنازة بالنقيصة عن الخمس إذا لم يمكن تداركه(٢) محلّ تأمل إذا لم يثبت الإجماع.

وقول شيخناقدس‌سره : إنّ الصلاة لا تبطل بالزيادة ؛ لتحقق الخروج بالخامسة ، نعم يأثم مع اعتقاد المشروعية(٣) . محلّ بحث ؛ لأنّ الزيادة إنْ كانت من أوّل الصلاة بمعنى قصد فعل الستّة مثلاً فالبطلان بتقدير ثبوت عدم شرعيتها له وجه ؛ وإنْ كان الشروع بقصد الخمس أمكن ما ذكر.

ويظهر من كلام بعض ركنية التكبيرات(٤) ، والكلام في الدليل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما حرّرناه في المقام قد أشرنا إليه في أوّل‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « فض » : الخبر المستدلّ به الشيخ في التهذيب قد ذكر قبله الخبر المبحوث عنه هنا ، وربما كان في خبر التهذيب دلالة على أن.

(٢) كما في المدارك ٤ : ١٦٥.

(٣) المدارك ٤ : ١٦٥.

(٤) جامع المقاصد ١ : ٤٢٢.

٤٠٩

البحث من جهة الإجماع ، وبالتأمّل الصادق تظهر حقيقة الأمر.

وأمّا توجيه الشيخ الأخير فمن البعد بمكان ؛ لأنّه يوجب زيادة التخالف بين الأعداد في الخبر ، الموجب لمنافرة الحكمة في بيان الأحكام ، ولعلّ الشيخ لو ذكر هذا في مقام التقية على معنى أنّ التقية تندفع بذكر الأربع مع كون الكلام صحيحاً بإرادة الدعوات كان أولى.

والخبر الحادي عشر : واضح المعنى ، والله تعالى أعلم.

قوله :

باب أنّه لا قراءة في الصلاة على الميت‌

محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة(١) ، عن محمّد بن مسلم وزرارة ومعمّر بن يحيى وإسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقّت ، تدعو بما بدا لك ، وأحقّ الموتى أنْ يدعى له(٢) أنْ يبدأ بالصلاة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عمّه حمزة بن بزيع ، عن علي بن سويد عن الرضاعليه‌السلام فيما نعلم قال في الصلاة على الجنائز ، قال : « تقرأ في الأُولى بأُمّ الكتاب ، وفي الثانية تصلّي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتدعو في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات ، وتدعو في الرابعة لميتك ، والخامسة تنصرف بها ».

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٧٦ / ١٨٤٣ يوجد : عمر بن أُذينة.

(٢) في الاستبصار ١ : ٤٧٦ / ١٨٤٣ يوجد : المؤمن و.

٤١٠

وما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن جعفر بن محمّد ، عن(١) عبد الله القمّي ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن جعفر ، عن أبيه : « أنّ علياًعليه‌السلام كان إذا صلّى على ميت قرأ بفاتحة الكتاب ، ويصلّي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله » تمام الحديث.

فالوجه في هذين الخبرين التقية ، لأنّهما موافقان لمذاهب بعض العامّة.

السند :‌

في الأوّل : حسن ، ورجاله المشاركون لمحمّد بن مسلم مضى القول فيهم مفصّلاً(٢) .

والثاني : فيه حمزة بن بزيع ، وحاله في الرجال أنّه غير ممدوح ولا موثق(٣) ، وغيرهما السكوت عنه أولى ، وقول العلاّمة في الخلاصة : إنّه من الثقات(٤) . موهوم من النجاشي ، فإنّه ذكر في ترجمة محمّد بن إسماعيل بن بزيع(٥) ما أوقع العلاّمة في الوهم ، كما نبّه عليه الوالد ـقدس‌سره في فوائد المنتقى(٦) .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٧٧ / ١٨٤٥ : بن.

(٢) راجع ج ١ ص ٥٦ ، ج ٢ ص ٣٥٥ ، ٤٠٠ ، ج ٣ ص ١٦٦ ، ٣٠٧ ، ج ٤ ص ٢٦١ ، ٢٩٢ ، ج ٥ ص ٦٦ ، ٢٩٧ ، ج ٦ ص ١١٤.

(٣) رجال الطوسي : ٣٧٤ / ٣٦.

(٤) الخلاصة : ٥٤ / ٥.

(٥) رجال النجاشي : ٣٣٠ / ٨٩٣.

(٦) منتقى الجُمان : ١٨.

٤١١

أمّا علي بن سويد فقد وثّقه الشيخ في رجال الرضاعليه‌السلام من كتابه(١) ، والنجاشي ذكره بما لا يزيد عن الإهمال ، وذكر أنّه روى عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، وقيل : إنّه روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وليس أعلم(٢) . وفي الخلاصة قال العلاّمة : إنّه ثقة من أصحاب الرضاعليه‌السلام ، ثم حكى روايةً عن الكشّي تشهد بأنّه نزل من آل محمّد منزلةً خاصّة(٣) . وفي فوائد جدّيقدس‌سره عليها ما هذه صورته : فيه مع عدم سلامة السند أنّه شهادة لنفسه ، ففي إثبات مدحه بذلك نظر ، فضلاً عن توثيقه(٤) ، انتهى.

ولا يخفى أنّ العلاّمة استند في توثيقه إلى الشيخ لا إلى الرواية ، وإنّما ذكرها لزيادة فائدة في الجملة.

وما تضمّنه السند من قوله : فيما نعلم ، محتمل لأن يكون من الرواة غير علي بن سويد ، لكن الشيخ في التهذيب ذكر أنّ الشك من الراوي ، وهو علي بن سويد ، لأنّه قال : ( أوّل ما في هذا الخبر : )(٥) أنّه قال : عن الرضا فيما نعلم ، ولم يروه متيقناً وإنما رواه شاكّاً ، وما يكون الراوي شاكّاً فيما يخبر عنه يجوز أنْ يكون قد وَهَم في قوله : « تقرأ في الأُولى بأُمّ الكتاب » وأيضاً فإنّه روى أحمد بن محمّد ، وساق السند إلى علي بن سويد السّائي ، عن أبي الحسن الأوّلعليه‌السلام مثل ذلك. ثم قال الشيخ : وروى في هذه الرواية عن أبي الحسن الأوّل يعني موسىعليه‌السلام ، وفي الرواية الأُولى‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٨٠ / ٦.

(٢) رجال النجاشي : ٢٧٦ / ٧٢٤.

(٣) الخلاصة : ٩٢ / ٥.

(٤) حواشي الشهيد الثاني على الخلاصة : ١٦.

(٥) بدل ما بين القوسين في « م » : في أوّل هذا الحديث.

٤١٢

عن الرضاعليه‌السلام ، والراوي واحد ، وهذا يبيّن أنّه وهم في الأصل(١) ، انتهى.

ولا يخفى أنّه يتوجه على الشيخ أوّلاً : أنّ الظاهر العلم لا الشك ، ثم التعبير بقوله : نعلم ، ربما كان دالاًّ على أنّ القائل الرواة عن علي بن سويد ، والوجه في ذلك احتمال كون علي بن سويد رواه مضمراً ، فظهر لكلّ راوٍ أنّه عن الرضاعليه‌السلام ، فوقع التعبير بما ذُكر. ولو نوقش في هذا فاحتمال القول من علي بن سويد أو من غيره للشك بعيد ، وبتقديره لا مانع من الشك في الرواية عن الرضاعليه‌السلام والجزم بالرواية عن موسىعليه‌السلام .

وأمّا ثانياً : فلأنّ النجاشي قد سمعت قوله في علي بن سويد ، وهو يدلّ على أنّه لم يرو عن الرضاعليه‌السلام ، وربما يعطي هذا أنّ القائل غير علي ابن سويد ، فليتأمّل.

والثالث : فيه جعفر بن محمّد ، وفي رجال من لم يرو عن الأئمّةعليهم‌السلام من كتاب الشيخ : جعفر بن محمّد الكوفي روى عنه محمّد بن أحمد بن يحيى(٢) . وفي كتاب الرجال(٣) لشيخناقدس‌سره كلام في هذا حاصله أنّ الذي ينبغي أحمد بن محمّد بن يحيى ، لوجهٍ ذكره ، وأظنّه موهوماً.

والحاصل أنّه بعد ما ذكرناه عن الشيخ قال : وفيه نظر ، لأنّه روى أبو جعفر بن بابويه عنه كتاب عبد الله بن المغيرة ، وأبو جعفر يروي عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى. والذي رأيته روايته(٤) عن جعفر بن علي الكوفي لا ابن محمّد.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٩٣.

(٢) رجال الطوسي : ٤٦١ / ٢٣.

(٣) منهج المقال : ٨٥.

(٤) ليست في « رض » و « م ».

٤١٣

وأمّا عبد الله القمّي [ فالظاهر ](١) أنّه عبد الله بن الصلت ، لأنّه الراوي عن عبد الله بن ميمون في الفهرست ، ويروي عن عبد الله بن ميمون : جعفر ابن محمّد بن عبيد(٢) الله(٣) . ولا يبعد كون جعفر بن محمّد المذكور هو هذا وإنْ كان بواسطة عبد الله. وجعفر مهمل في الفهرست(٤) . وعبد الله بن ميمون ثقة في النجاشي(٥) ، وفي الكشّي فيه قدح(٦) لا يخفى حاله على من راجعه.

المتن :

في الأوّل : استدلّ به بعض الأصحاب على عدم تعين لفظ مخصوص في الدعاء بين التكبيرات(٧) ؛ لأنّ الظاهر من قوله : « موقّت » الموظف على التعيّن(٨) ، بقرينة قوله : « تدعو بما بدا لك » وما ورد في بعض الأخبار(٩) بما ظاهره التوظيف يحمل على الأكملية.

وفي الخبر أيضاً دلالة على ذلك من قوله : « وأحقّ الموتى » على ما هنا وفي التهذيب(١٠) ، لكن في الكافي : « أحقّ الموتى أنْ يدعى له‌

__________________

(١) في النسخ : والظاهر ، والأنسب ما أثبتناه.

(٢) في المصدر : عبد.

(٣) الفهرست : ١٠٣ / ٤٣١.

(٤) الفهرست : ٤٣ / ١٣٩.

(٥) رجال النجاشي : ٢١٣ / ٥٥٧.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٦٨٧ / ٧٣٢.

(٧) جامع المقاصد ١ : ٤٢٣.

(٨) في « فض » : التعيين.

(٩) الوسائل ٣ : ٨٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٧.

(١٠) التهذيب ٣ : ١٨٩ / ٤٢٩.

٤١٤

المؤمن وأنْ يبدأ »(١) والظاهر سقوط « المؤمن » هنا.

ثم إنّ قولهعليه‌السلام « أحقّ الموتى أنْ يدعى له » يشمل ما بدا للإنسان وغيره. وقوله : « وأنْ يبدأ » إلى آخره. لا يقتضي تعين البدأة بالصلاة ، لاحتمال إرادة البدأة قبل الدعاء للمؤمن ، واحتمال البدأة بعد التكبير الأوّل ، والأخبار في الدعاء مختلفة ، والخبر لا يأبى الحمل على ما يوافق غيره.

ولا يخفى ما في تركيب قوله : « وأحقّ » إلى آخره. من الغموض على تقدير ما في الكافي ، أمّا على ما هنا فالغموض أزيد. وغير بعيد الاستئناف في قوله : « وأنْ يبدأ » والخبر محذوف من جنس المذكور ، واحتمال غير هذا في غاية البعد.

وأمّا الخبران الآخران فما ذكره الشيخ فيهما واضح ؛ لأنّه أعلم بالحال ، والأوّل يدلّ قول الشيخ فيه على أنّ بعض العامّة يقول بالخمس تكبيرات كما قدّمنا الإشارة إلى ذلك(٢) .

قوله :

باب أنّه لا تسليم في الصلاة على الميت‌

محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن سنان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن الحلبي قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ليس في الصلاة على الميت تسليم ».

عنه ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٨٥ / ١.

(٢) في ص ٤٠٢.

٤١٥

عثمان ، عن الحلبي وزرارة(١) عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام ، قالا : « ليس في الصلاة على الميت تسليم ».

أحمد بن محمّد ، عن إسماعيل بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة على الميت؟ قال : « أمّا المؤمن فخمس تكبيرات و [ أمّا ] المنافق(٢) فأربع ، ولا سلام فيها ».

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة قال : سألته عن الصلاة على الميت؟ قال : « خمس تكبيرات ، فإذا فرغت منها سلّمت عن يمينك ».

فالوجه في هذه الرواية التقية ؛ لأنّها موافقة لمذاهب العامّة.

السند :‌

في الأوّل : ضعيف بسهل بن زياد ومحمّد بن سنان على ما مضى(٣) ، وربما كان فيه قرينة على أنّ ما في كثير من الأخبار من ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي ، يراد به المفسّر هنا.

والثاني : حسن.

والثالث : صحيح.

والرابع : موثق.

__________________

(١) في النسخ : عن حمّاد بن عثمان وزرارة ، والصحيح ما أثبتناه ، وهو موافق لما في التهذيب ٣ : ١٩٢ / ٤٣٨ ، والاستبصار ١ : ٤٧٧ / ١٨٤٧.

(٢) في النسخ : والمنافق ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٤٧٧ / ١٨٤٨ ، والتهذيب ٣ : ١٩٢ / ٤٣٩.

(٣) راجع ج ١ ص ١١٧ ، ١٢٩ ، ٣٣٤ ، ج ٢ ص ٣٣٤ ، ج ٣ ص ٢٢٢.

٤١٦

المتن :

في الثلاثة الأُول : ظاهر في نفي التسليم.

والثالث : قدّمنا فيه كلاماً من جهة المؤمن والمنافق يغني عن الإعادة(١) .

وأمّا الرابع : فما ذكره الشيخ من أنّه موافق لمذاهب العامّة يقتضي أنّ جميعهم قائل بمضمون الخبر ، والحال أنّه اشتمل على خمس تكبيرات والأكثر لا يقولون بذلك ، وإرادة التسليم فقط مع انضمامه للخمس لا يخفى أنّها غير تامّة ، ولعلّ مراد الشيخ في موافقة المذاهب في الجملة.

قوله :

باب رفع اليدين في كلّ تكبيرة‌

أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمّد بن الصلت الأهوازي ، قال : أخبرني(٢) أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة ، قال : حدّثني أحمد بن عمر بن محمّد بن الحسن(٣) ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثنا محمّد ابن عبد الله بن خالد مولى بني الصيداء أنّه صلّى خلف جعفر بن محمّدعليهما‌السلام على جنازة فرآه يرفع يديه في كلّ تكبيرة.

أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الرحمن العرزمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (٤) ، قال : صلّيت خلف‌

__________________

(١) راجع ص ٤٠٢ ٤٠٥.

(٢) في الاستبصار ١ : ٤٧٨ / ١٨٥٠ : أخبرنا.

(٣) في « م » : الحسين.

(٤) في الاستبصار ١ : ٤٧٨ / ١٨٥١ لا يوجد :عليه‌السلام .

٤١٧

أبي عبد اللهعليه‌السلام على جنازة فكبّر خمساً ، يرفع يديه في كلّ تكبيرة.

محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس قال : سألت الرضاعليه‌السلام [ قلت ] : جعلت فداك إنّ الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الأُولى ولا يرفعون فيما بعد ذلك ، فأقتصر على التكبيرة الأُولى كما يفعلون ، أو أرفع يدي في كلّ تكبيرة؟ فقال : « ارفع يدك في كلّ تكبيرة ».

فأمّا ما رواه علي بن الحسين بن بابويه ، عن سعد بن عبد الله ، عن سلمة بن الخطّاب ، قال : حدّثني إسماعيل بن إسحاق بن أبان الورّاق ، عن جعفر ، عن أبيهعليهما‌السلام قال : « كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يرفع يديه في أوّل تكبيرة على الجنازة ، ثم لا يعود حتى ينصرف ».

سعد ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله ، ( عن أبيه )(١) ، عن عليعليه‌السلام : « إنّه كان لا يرفع يديه في الجنازة إلاّ مرّة » يعني في التكبيرة.

فالوجه في هاتين الروايتين ضرب من الجواز ورفع الوجوب ، وإنْ كان الأفضل ما تضمنته الروايات الأوّلة ، ويمكن أنْ يكونا وردا مورد التقية ؛ لأنّ ذلك مذهب كثير من العامّة.

السند :‌

في الأوّل : أحمد بن محمّد فيه هو ابن موسى المعروف بابن‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليست في « رض ».

٤١٨

الصلت على ما يستفاد من الفهرست ، وكتاب الرجال للشيخ ، حيث قال في الأوّل في ترجمة أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة : أخبرنا بجميع رواياته وكتبه أبو الحسن أحمد بن محمّد بن موسى الأهوازي ، وكان معه خطّ أبي العباس بإجازته وشرح رواياته(١) .

وقال في الثاني في ترجمة المذكور : روى عنه التلعكبري من شيوخنا وغيره ، سمعنا من ابن المهتدي(٢) ومن أحمد بن محمّد المعروف بابن الصلت رويا عنه ، وأجاز لنا ابن الصلت عنه جميع رواياته(٣) .

وفي كتاب شيخناقدس‌سره في الرجال أنّه يستفاد من إجازة ابن الصلت للشيخ صحّة روايته عنه بخصوصه ، واعتبار الرجل(٤) . ولا يخفى عليك الحال.

أمّا ما قد يقال : إنّ ما في كتاب الشيخ من رواية التلعكبري عن أحمد ابن محمّد بن سعيد يقتضي أنّ رواية الشيخ عنه بواسطتين ؛ لأنّ الشيخ يروي عن التلعكبري بواسطة جماعة ، كما في الرجال للشيخ(٥) ، لا ما ظنّه العلاّمة من روايته عنه بغير واسطة(٦) .

ثم إنّ الشيخ كما ترى روى عن ابن عقدة بواسطة أحمد بن محمّد بن الصلت فقط ؛ ولا بعد في هذا ، كما يعرف من مواضع أكثر من أنْ‌

__________________

(١) الفهرست : ٢٩ / ٧٦.

(٢) في المصدر : ابن المهدي.

(٣) رجال الطوسي : ٤٤١ / ٣٠.

(٤) منهج المقال : ٤٧.

(٥) رجال الطوسي : ٥١٦ / ١.

(٦) خلاصة العلاّمة : ٢٨٢.

٤١٩

تحصى(١) .

( وأحمد بن محمّد(٢) فلم أقف عليه )(٣) كأبيه ومحمّد بن عبد الله بن خالد ، والظاهر أنّهم(٤) من الزيدية.

والثاني : لا ارتياب فيه إلاّ من جهة عبد الرحمن ، وقد قدّمنا ما يدفعه(٥) .

والثالث : معلوم الحال ممّا تكرّر من المقال(٦) .

والرابع : سلمة بن الخطّاب فيه ضعيف في الرجال(٧) . وإسماعيل بن إسحاق لم أقف عليه الآن.

والخامس : مضى من القول في رجاله ما يغني عن الإعادة(٨) .

المتن :

في الأوّل : واضح.

والثاني : في الظن أنّه كذلك ، وما قاله العلاّمة في المختلف مجيباً عن الرواية حيث نقل احتجاج الشيخ بها بالمنع من صحّة السند ؛ لأنّ‌

__________________

(١) في « رض » : يخفى.

(٢) أي أحمد بن عمر بن محمّد ، وذلك نسبة إلى جدّه.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٤) في « فض » : أنّه.

(٥) في ص ٦٣.

(٦) أي ضعيف بسهل بن زياد ورواية محمّد بن عيسى عن يونس ، راجع ج ١ : ٧٦ ، ١٣٤ وج ٣ : ٢٣٥ وج ٤ : ٨ ، ١٨٧ وج ٥ : ١٤١.

(٧) رجال النجاشي : ١٨٧ / ٤٩٨.

(٨) راجع ج ١ : ٦٠ ، ١٣٩ وج ٣ : ١٨ ، ١٨٨ ، ٢٩٥ ، ٤٣٨ وج ٤ : ٤١٠ وج ٥ : ٢٧٨ وج ٦ : ٣٠٩.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434