مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 437

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 437
المشاهدات: 18777
تحميل: 8660


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18777 / تحميل: 8660
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 8

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٧ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحلبي رفعه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمسك لسانك ، فإنّها صدقة تصدّق بها على نفسك ثم قال ولا يعرف عبدٌ حقيقة الإيمان حتّى يخزن من لسانه.

٨ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعاً ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن عبيد الله بن عليّ الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا

_________________________________________________

الحديث السابع : مرفوع.

« فإنّها » أي الإمساك والتأنيث بتأويل الخصلة أو الفعلة أو الصفة أي صفته أنّه صدقة أو باعتبار تأنيث الخبر وتشبيه الإمساك بالصّدقة على النّفس باعتبار أنه ينفعها في الدنيا والآخرة ، كما أنّ الصدقة تنفع الفقير وباعتبار أنه معط يدفع عنه البلايا ويوجب قربه من الحق كالصدقة فالتشبيه كامل من الجهتين.

« ولا يعرف عبد. إلخ » أشارعليه‌السلام بذلك إلى أن الإيمان لا يكمل إلّا باستقامة الّلسان على الحق وخزنه عن الباطل كالغيبة والنميمة والقذف والشتم والكذب والزور والفتوى بغير الحق والقول بالرأي وأشباهها من الأمور التّي نهى الشارع عنها ، وذلك لأن الإيمان عبارة عن التّصديق بالله وبرسوله والاعتقاد بحقية جميع ما جاء به النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يستلزم استقامة الّلسان وهي إقراره بالشهادتين وجميع العقائد الحقّة ولوازمها وإمساكه عمّا لا ينبغي ، ومن البين أن الملزوم لا يستقيم بدون استقامة اللازم ، وقد أشار إليه النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : لا يستقيم إيمان عبد حتّى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه ، وأيضاً كلـمّا يتناوله الّلسان من الأباطيل والأكاذيب تدخل مفهوماتها في القلب ، وهو ينافي استقرار حقيقة الإيمان فيه.

الحديث الثامن : حسن موثق.

والآية في سورة النساء هكذا : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ

٢٢١

أَيْدِيَكُمْ »(١) قال يعني كفّوا ألسنتكم.

_________________________________________________

أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فلـمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاس كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أشدّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ، قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً » وقال المفسّرون : قيل لهم أي بمكة «كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ » أي أمسكوا عن قتال الكفّار فإني لم أومرّ بقتالهم «فلـمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ » بالمدينة خافوا من النّاس وقتلهم إياهم كخشية الله من عقابه «أَوْ أشدّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ » وهو أن نموت بآجالنا وكذا في تفسير عليّ بن إبراهيم أيضا.

وفي بعض الأخبار أن ذلك أمرّ لشيعتنا بالتقيّة إلى زمن القائمعليه‌السلام كما قال الصادقعليه‌السلام : إمّا ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفوا وتدخلوا الجنّة ، وعن الباقرعليه‌السلام : أنتم والله أهل هذه الآية ، وفي بعض الأخبار «كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ » مع الحسنعليه‌السلام «كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ » مع الحسينعليه‌السلام «إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ » إلى خروج القائمعليه‌السلام فإن معه الظفر ، فهذا الخبر إمّا تفسير لظهر الآية كما ذكرنا أوّلاً أو لبطنها بتنزيل الآية على الشيعة في زمن التقيّة وهذا أنسب بكفّ الألسن تقية فإن أحوال أمير المؤمنين صلوات الله عليه في أول أمرّه وآخره كان شبيها بأحوال الرسول في أول الأمرّ حين كونه بمكة وترك القتال لعدم الأعوان وأمرّه في المدينة بالجهاد لوجود الأنصار ، وكذا حال الحسنعليه‌السلام في الصلح والهدنة وحال الحسينعليه‌السلام عند وجود الأنصار ظاهراً وحال سائر الأئمّةعليهم‌السلام في ترك القتال والتقيّة مع حال القائمعليه‌السلام ، فالآية وإن نزلت في حال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهي شاملة لتلك الأحوال أيضاً لمشابهتها لها واشتراك العلل بينها وبينها.

وإمّا تفسيرهعليه‌السلام كفّ الأيدي بكفّ الألسن على الوجهين يحتمل وجوها

____________________

(١) سورة النساء : ٧٧.

٢٢٢

٩ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحلبي رفعه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نجاة المؤمن في حفظ لسانه.

١٠ - يونس ، عن مثنّى ، عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول كان أبو ذررحمه‌الله يقول يا مبتغي العلم إن هذا الّلسان مفتاح خير ومفتاح

_________________________________________________

الأوّل : أن يكون المعنى أن المرّاد بكفّ الأيدي عن القتال الكفّ عنها وعمّا يوجب بسطها بسط الأيدي وهي الألسنة فإن مع عدم كفّ الألسنة ينتهي الأمرّ إلى القتال شاءوا أم أبوا ، فالنهي عن بسط الأيدي يستلزم النهي عن بسط الألسنة فالنهي عن القتال في زمن الهدنة يستلزم الأمرّ بالتقيّة.

الثاني : أن يكون المرّاد بكفّ الأيدي كفّ الألسن إطلاقا لاسم المسبب على السبب أو الملزوم على اللازم.

الثالث : أن يكون المرّاد بالأيدي في الآية الألسن لتشابههما في القوة وكونهما آلة المجادلة وهذا أبعد الوجوه كما أن الأوّل أقربها.

الحديث التاسع : مرّفوع.

« نجاة المؤمن » أي من مهالك الدنيا والآخرة « حفظ لسانه » الحمل عليّ المبالغة وفي بعض النّسخ من حفظ لسانه أي هو من أعظم أسباب النجاة فكأنها منحصرة فيه ، والحاصل أنه لا ينجو إلّا من حفظ لسانه.

الحديث العاشر : حسن.

« يا مبتغي العلم » أي يا طالبه ، وفيه ترغيب على التكلّم بما ينفع في الآخرة أو في الدنيا أيضاً إذا لم يضرّ بالآخرة « فاختم على لسانك » أي إذا كان الّلسان مفتاحا للشر فاخزنه حتّى لا يجري عليه ما يوجب خسارك وبوارك ، كما أن ذهبك وفضتك تخزنهما لتوهم صلاح عاجل فيهما فالّلسان أولى بذلك ، فإنه مادة لصلاح الدنيا والآخرة ، وفساده يوجب فساد الدارين ، وفي القاموس : الورق مثلثة وككتف

٢٢٣

شرّ ، فاختم على لسانك كما تختم على ذهبك وورقك.

١١ - حميد بن زياد ، عن الخشّاب ، عن ابن بقّاح ، عن معاذ بن ثابت ، عن عمرّو بن جميع ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان المسيحعليه‌السلام يقول لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله فإن الذين يكثرون الكلام في غير ذكر الله قاسية قلوبهم ولكنّ لا يعلمون.

١٢ - عدّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن أبي نجران ، عن أبي جميلة عمّن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من يوم إلّا وكلّ عضو من أعضاء

_________________________________________________

وجبل ، الدَّراهم المضروبة والجمع أوراق ووراق ، وفي المصباح : ومنهم من يقول هو النقرة مضروبة أو غير مضروبة ، وقال الفارابي : الورق المال من الدّراهم.

وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : الكلام في وثاقك ما لم تتكلّم به فإذا تكلمت به صرت في وثاقه ، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك فربّ كلمة سلبت نعمة.

الحديث الحادي عشر : ضعيف.

وقساوة القلب غلظه وشدته وصلابته بحيث يتأبى عن قبول الحق كالحجر الصلب يمرّ عليه الماء ولا يقف فيه ، وفيه دلالة على أن كثرة الكلام في الأمور المباحة يوجب قساوة القلب ، وإمّا الكلام في الأمور الباطلة فقليله كالكثير في إيجاب القساوة والنهي عنه ، وكان في الحديث إشارة إلى قوله سبحانه : «أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ »(١) قال البيضاوي : الآية في حمزة وعلى وأبي لهب وولده.

الحديث الثاني عشر : كالسابق.

وفي النّهاية في حديث الخدري : إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلّها تكفر

____________________

(١) سورة الزمر : ٢٢.

٢٢٤

الجسد يكفّر الّلسان يقول نشدتك الله أن نعذَّب فيك.

١٣ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن إبراهيم بن مهزم الأسدي ، عن أبي حمزة ، عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام قال إن لسان ابن آدم يشرف على جميع جوارحه كلَّ صباح فيقول كيف أصبحتم فيقولون بخير إن تركتنا ويقولون الله الله فينا ويناشدونه ويقولون إنّما نثاب ونعاقب بك.

١٤ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعاً ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن قيس أبي إسماعيل وذكر أنه لا بأس به من أصحابنا رفعه قال : جاء رجلٌ إلى النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :

_________________________________________________

الّلسان أي تذلّ وتخضع ، والتكفير هو أن ينحني الإنسان ويطأطئ رأسه قريبا من الركوع كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه وقال: نشدتك الله والرحم أي سألتك بالله وبالرحم ، يقال : نشدتك الله وأنشدك الله وبالله وناشدتك الله وبالله ، أي سألتك وأقسمت عليك وتعديته إلى مفعولين إمّا لأنه بمنزلة دعوت ، أو لأنهم ضمنوه معنى ذكرت فإمّا أنشدتك بالله فخطأ ، انتهى.

وكان الكلام بلسان الحال ، وفيه استعارة تمثيلية.

قوله : « أن نعذَّب » كان في الكلام تقديرا أي تكفّ نفسك من أن نعذَّب فيك أي بسببك.

الحديث الثالث عشر : صحيح.

قولهعليه‌السلام : يشرف كان إشرافه كناية عن تسلطه عليها وعليها وكونها تحت حكمه والله منصوب بتقدير اتّق أو أحذر ، والتكرار للتأكيد ، والحصر في قوله : إنّما نثاب ، ادعائي بناء على الغالب ، والحاصل أن العمدة في ثوابنا وعقابنا أنت.

الحديث الرابع عشر : مرّفوع.

« جاء رجل » في روايات العامة أن الرّجل كان معاذ بن جبل ، وويح كأنه

٢٢٥

يا رسول الله أوصني فقال احفظ لسانك قال يا رسول الله أوصني قال احفظ لسانك قال : يا رسول الله أوصني قال احفظ لسانك ويحك وهل يكب النّاس على مناخرهم في النار إلّا حصائد ألسنتهم.

١٥ - أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ابن فضّال عمّن رواه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من لم يحسب كلامه من

_________________________________________________

منصوب على النّداء كما يصرّح به كثير ، أوردّ للتعجّب من حاله كيف استصغر ما أوصاه به ولم يكتف وطلب غيره بتكرار السؤال ، وفي النّهاية ويح كلمة ترحم وتوجع ، يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقّها ، وقد يقال بمعنى المدح والتعجّب وهي منصوبة على المصدر ، وقال في الحديث : وهل يكب النّاس على مناخر هم في النار إلّا حصائد ألسنتهم ، أي ما يقطعونه من الكلام الذي لا خير فيه ، واحدتها حصيدة تشبيها بما يحصد من الزرع ، وتشبيها للسان وما يقتطعه من القول بحد المنجل الذي يحصد به ، وفي القاموس كبه : قلبه وصرعه كأكبه وكبكبه فأكب فهو لازم متعد وقال : المنخر بفتح الميم والخاء وبكسرهما وضمهما وكمجلس ومملول : الأنف ، انتهى.

والحصر كما مرّ وكأنه إشارة إلى قوله تعالى : «فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ »(١) وقد وردت أخبار بأن الغاوين قوم وصفوا عدلا ثم خالفوه إلى غيره.

الحديث الخامس عشرّ : مرسل.

« من لم يحسب » من باب نصر من الحساب أو كنعم من الحسبان بمعنى الظنّ والأوّل أظهر ، وهذا رد عليّ ما يسبق إلى أوهام أكثر الخلق ، من الخواصّ والعوام أن الكلام ليس ممّا يترتّب عليه عقاب فيجترون على أنواع الكلام بلا تأمّل وتفكر مع أن أكثر أنواع الكفر والمعاصي من جهة الّلسان لأن الّلسان له تصرّف في كلّ موجود وموهوم ومعدوم ، وله يد في العقليّات والخياليّات والمسموعات والمشمومات

____________________

(١) سورة الشعراء : ٩٤.

٢٢٦

عمله كثرت خطاياه وحضر عذابه.

١٦ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعذب الله الّلسان بعذاب لا يعذب به شيئاً من الجوارح فيقول أي رب عذّبتني بعذاب لم تعذب به شيئاً فيقال له خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها فسفك بها الدم الحرام وانتهب بها المال الحرام وانتهك بها الفرج الحرام وعزتي [ وجلالي ] لأعذبنك بعذاب لا أعذب به شيئاً من جوارحك.

١٧ - وبهذا الإسناد قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن كان في شيء شؤم ففي

_________________________________________________

والمبصرات والمذوقات والملموسات ، فصاحبّ هذا الحسبان الباطل لا يبالي بالكلام في أباطيل هذه الأمور وأكاذيبها فيجتمع عليه من كلّ وجه خطيئة فتكثر خطاياه ، وإمّا غير الّلسان فخطاياه قليلة بالنّسبة إليه ، فإن خطيئة السمع ليست إلّا المسموعات وخطيئة البصر ليست إلّا المبصرات ، وقس عليهما سائر الجوارح ، والمرّاد بحضور عذابه حضور أسبابه ، وقيل : إنما حضر عذابه لأنه أكثر ما يكون يندم على بعض ما قاله ولا ينفعه الندم ، ولأنّه قلـمّا يكون كلام لا يكون مورداً للاعتراض ولا سّيما إذا كثر.

الحديث السادس عشر : ضعيف على المشهور.

« خرجت منك كلمة » أي من الفتاوى الباطلة أو الأعمّ منها ومن أحكام الملوك وغيرهم ، وسائر ما يكون سبباً لأمثال ذلك ، وقوله : من جوارحك إمّا بتقدير مضاف أي جوارح صاحبك ، أو الإضافة للمجاورة والملابسة أو للإشارة إلى أن سائر الجوارح تابعة له وهو رئيسها ، وكان الكلام مبني على التمثيل والسؤال والجواب بلسان الحال ، ويحتمل أن يكون الله تعالى يعطيه حياة وشعوراً وقدرة على الكلام كما قيل في شهادة الجوارح.

الحديث السابع عشر : كالسابق.

والشؤم أصله الهمز وقد يخفف ، بل الغالب عليه التخفيف لكنّ الجوهري و

٢٢٧

اللسان.

١٨ - عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد والحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد جميعاً ، عن الوشّاء قال سمعت الرّضاعليه‌السلام يقول كان الرّجل من بني إسرائيل إذا أراد العبادة صمت قبل ذلك عشر سنين.

_________________________________________________

الفيروزآبادي لم يذكراه إلّا مهموزاً قال الجوهري : الشؤم نقيض اليمن ، يقال : رجل مشوم ومشؤوم ، وقد شام فلان على قومه يشأمهم فهو شائم إذا جرّ عليهم الشؤم وقد شئم عليهم فهو مشؤوم إذا صار شؤما عليهم ، انتهى.

وقال في النّهاية : فيه إن كان الشؤم ففي ثلاث المرّأة والدار والفرس ، أي إن كان ما يكره ويخاف عاقبته ثم قال : والواو في الشؤم همزة ولكنها خففت فصارت واوا غلب عليها التخفيف حتّى لم ينطق بها مهموزة ، والشؤم ضدّ اليمن يقال : تشأمت بالشيء وتيمنت به.

وأقول : الحديث الذي أورده مرّوي في طرقنا أيضاً ، فالحصر في هذا الخبر بالنسبة إلى أعضاء الإنسان ، وكثرة شؤم الّلسان لكثرة المضرات والمفاسد المترتبة عليها ظاهرة قد سبق القول فيها.

الحديث الثامن عشر : ضعيف على المشهور معتبر ، لتعاضدّ السندين مع عدم ضرر ضعفّ الرجلين لكونهما من مشايخ إجازة كتاب الوشّاء وهو أشهر من البيضاء.

« صمت قبل ذلك » أي عمّا لا ينبغي وتلك المدة ليصير الصمّت ملكة له ثم كان يشتغل بالعبادة والاجتهاد فيها لتقع العبادة صافية خالية عن المفاسد.

وأقول : يحتمل أن يكون الصمّت في تلك المدة للتفكر في المعارف اليقينيّة والعلوم الدينيّة حتّى يكمل في العلم ويستحقّ لتعليم العبّاد وإرشادهم وتكميل نفسه بالأعمال الصالحة أيضاً فيأمن عن الخطإ والخطل في القول والعمل ، ثم يشرع في

٢٢٨

١٩ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن بكر بن صالح ، عن الغفاري ، عن جعفر بن إبراهيم قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من رأى موضع كلامه من عمله قل كلامه إلّا فيما يعنيه.

٢٠ - أبو عليّ الأشعري ، عن الحسن بن عليّ الكوفي ، عن عثمان بن عيسى ، عن سعيد بن يسار ، عن منصور بن يونس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال في حكمة آل داود على العاقل أن يكون عارفا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه.

_________________________________________________

أنواع العبادات التّي منها هداية الخلق وتعليمهم وتكميلهم كما مرّ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : كلّ سكوت ليس فيه فكرة فهو سهو ، وقال الكاظمعليه‌السلام : دليل العقل التفكر ودليل التفكر الصمّت ومثله كثير ، وهذا وجه حسن لم يسبقني إليه فطن وإن كان بفضل المفيض المالك ، وجلَّ ما أوردته في تلك التعليقات كذلك.

الحديث التاسع عشر : ضعيف.

والغفار ككتاب حي من العرب.

« من رأى موضع كلامه من عمله » أي يعلم أن كلامه أكثر من سائر أعماله ، أو يعلم أنه محسوب من أعماله ومجازي به كما مرّ والأوّل هنا أظهر ، ويمكن إدرّاج المعنيين فيه « فيما يعنيه » أي يهمه وينفعه.

الحديث العشرون : موثق.

« في حكم آل داود » أي الزبور أو الأعمّ منه وممّا صدر عنهعليه‌السلام أو عنهم من الحكم « على العاقل » أي يجب أو يلزم عليه « أن يكون عارفاً بزمانه» أي بأهل زمانه ليميز بين صديقه وعدوه الواقعيين وبين من يضله ومن يهديه ، وبين من تجب متابعته ومن تجب مفارقته ومجانبته ، فلا ينخدع منهم في دينه ودنياه ، ويعلم موضع التقيّة والعشرّة والعزلة والحبّ والبغض ، وقد مرّ في حديث : والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس ، وفي حديث آخر : عارفاً بأهل زمانه مستوحشاً

٢٢٩

٢١ - محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن عليّ بن الحسن بن رباط ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا يزال العبد المؤمن يكتب محسناً ما دام ساكتاً فإذا تكلم كتب محسناً أو مسيئاً.

_________________________________________________

من أوثق إخوانه ، وفي وصيّة أمير المؤمنين للحسن صلوات الله عليهما : يا بني إنّه لا بدّ للعاقل من أن ينظر في شأنه فليحفظ لسانه وليعرف أهل زمانه.

قولهعليه‌السلام : مقبلا على شأنه أي يكون دائماً مشتغلا بإصلاح نفسه ومحاسبتها ومعالجة أدوائها وتحصيل ما ينفعها والاجتناب عمّا يرديها ويضرها ولا يصرف شيئاً من عمرّه فيما لا يعنيه حافظاً للسانه من اللّغو والباطل كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إذا تم العقل نقص الكلام.

الحديث الحادي والعشرون : مرسل.

« يكتب محسناً » إمّا لإيمانه أو لسكوته فإنّه من الأعمال الصالحة كما ذكره الناظرون في هذا الخبر.

وأقول : الأوّل عندي أظهر وإن لم يتفطن به الأكثر لقولهعليه‌السلام : فإذا تكلم كتب محسناً أو مسيئاً لأنه على الاحتمال الثاني يبطل الحصر لأنه يمكن أن يتكلم بالمباح فلا يكون محسناً ولا مسيئاً إلّا أن يعم المسيء تجوزا بحيث يشمل غير المحسن مطلقا وهو بعيد.

فإن قيل : يرد على ما اخترته أن في حال التكلم بالحرام ثواب الإيمان حاصل له فيكتب محسناً ومسيئاً معاً فلا يصحّ الترديد.

قلت : يمكن أن يكون المرّاد بالمحسن المحسن من غير إساءة كما هو الظّاهر فتصحّ المقابلة مع أن بقاء ثواب استمرّار الإيمان مع فعل المعصية في محلّ المنع ، ويومئ إلى عدمه قولهمعليه‌السلام : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن وأمثاله ممّا قد مرّ بعضها ، ويمكن أن يكون هذا أحد محامل هذه الأخبار ، وأحد علل ما

٢٣٠

( باب المداراة )

١ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث من لم يكن فيه لم يتمَّ له عمل ورع يحجزه عن معاصي الله وخلق يداري به النّاس وحلم يردُّ به جهل الجاهل.

٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن الحسين بن الحسن قال سمعت جعفراَعليه‌السلام يقول جاء جبرئيلعليه‌السلام إلى النبيّ

_________________________________________________

ورد أنّ نوم العالم عبادة أي هو في حال النوم في حكم العبادة لاستمرّار ثواب عمله وإيمانه ، وعدم صدور شيء منه يبطله في تلك الحالة.

باب المداراة

الحديث الأوّل : ضعيف على المشهور.

و « ثلاث » أي ثلاث خصال « لم يتم له عمل » أي لم يكمل ولم يقبل منه عمل من العبادات أو الأعمّ منها ومن أمور المعاش ومعاشرّة الخلق فتأثير الورع في قبول الطّاعات وكمالها ظاهر لأنه إنما يتقبّل الله من المتقين ، وكذا الأخيران لأن تركهما قد ينتهي إلى ارتكاب المعاصي ويحتمل أن يكونا لأمور المعاش بناء على تعميم العمل ، وكان الفرق بين الخلق والحلم أن الخلق وجودي وهو فعل ما يوجب تطييب قلوب النّاس ورضاهم ، والحلم عدمي وهو ترك المعارضة والانتقام في الإساءة ، وقال في النّهاية : فيه رأس العقل بعد الإيمان مداراة النّاس ، المداراة غير مهموزة ملائنة النّاس وحسن صحبتهم واحتمالهم لئلا ينفروا عنك وقد تهمز.

الحديث الثاني : مجهول : والمداراة إمّا مخصوصة بالمؤمنين أو مع المشركين أيضاً مع عدم الاضطرار إلى المقاتلة والمحاربة ، كما كان دأبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه كان يداريهم ما أمكن ، فإذا

٢٣١

صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمّد ربك يقرئك السلام ويقول لك دار خلقي.

٣ - عنه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السجستاني ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال في التوراة مكتوب فيما ناجى الله عزَّ وجلَّ به موسى بن عمرانعليه‌السلام يا موسى اكتم مكتوم سري في سريرتك

_________________________________________________

لم يكن ينفع الوعظ والمداراة كان يقاتلهم ليسلموا ، وبعد الظفر عليهم أيضاً كان يعفو ويصفح ولا ينتقم منهم ، أو كان ذلك قبل أن يؤمرّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجهاد.

الحديث الثالث : حسن.

« فيما ناجى الله » يقال : ناجاه مناجاة ونجاء ساتره ، والمرّاد هنا وحيه إليه بلا توسط ملك ، وإضافة المكتوم إلى السر من إضافة الصفة إلى الموصوف للمبالغة فإن السر هو الحديث المكتوم في النّفس ، فكان المرّاد بالسريرة هنا القلب ، لأنّه محلّ السر تسمية للمحلّ باسم الحال قال الجوهري : السر الذي يكتم والجمع الأسرار ، والسريرة مثله والجمع السرائر ، انتهى.

ويحتمل أن يكون بمعناه أي في جملة ما تسره وتكتمه من أسرارك ، وكان المرّاد بالسر هنا ما أمرّ بإخفائه عنهم من العلوم التّي ألقاه إليه من عدم إيمانهم مثلاً ، وانتهاء أمرّهم إلى الهلاك والفرق ، أو الحكم بكون أسلافهم في النار ، كما أن فرعون لـمّا سألهعليه‌السلام عن أحوالهم من السعادة والشقاوة بقوله : «فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى » لم يحكم بشقاوتهم وكونهم في النار ، بل أجمل و «قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى » على بعض الوجوه المذكورة في الآية أو بعض الأسرار التّي لم يكونوا قابلين لفهمها « وأظهر في علانيتك المداراة عنّي » كان التعدية بعن لتضمين معنى الدفع أو يكون مهموزاً من الدرء بمعنى الدفع أو لأن أصله لـمّا كان من الدرء بمعنى الدفع عدي بها ، والنسبة إلى المتكلم لبيان أن الضرر الواصل إليك كأنّه واصل إلى فالمرّاد المداراة عنك ،

٢٣٢

وأظهر في علانيتك المداراة عنّي لعدوّي وعدوّك من خلقي ولا تستسبَّ لي عندهم بإظهار مكتوم سرّي فتشرك عدوَّك وعدوّي في سبّي.

٤ - أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن حمزة بن بزيع ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمرني ربّي بمداراة النّاس كما أمرني بأداء الفرائض.

٥ - عليُّ بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مداراة النّاس نصف الإيمان والرّفق بهم

_________________________________________________

ويحتمل أن يكون عنّي متعلقاً بأظهر أي أظهر من قبلي المداراة كما قال تعالى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً »(١) .

« ولا تستسبّ لي عندهم » أي لا تظهر عندهم من مكتوم سري ما يصير سبباً لسبهم وشتمهم لي أو لك فيكون بمنزلة سبي كما ورد هذا في قوله تعالى : «وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ »(٢) فقد روى العيّاشي عن الصادقعليه‌السلام أنه سئل عن هذه الآية؟ فقال : أرأيت أحداً يسب الله؟ فقيل : لا ، وكيف؟ قال : من سبّ ولي الله فقد سبّ الله؟ وفي غيره عنهعليه‌السلام قال : لا تسبوهم فإنهم يسبوكم ، ومن سبّ وليّ الله فقد سبّ الله.

« فتشرك عدوّك » يدلّ على أنّ السبب للفعل كالفاعل له.

الحديث الرابع : صحيح على الظاهر لأن في حمزة كلام « بأداء الفرائض » أي الصّلوات الخمس أو كلـمّا أمرّ به في القرآن.

الحديث الخامس : ضعيف.

وكان المرّاد بالمداراة هنا التغافل والحلم عنهم وعدم معارضتهم ، وبالرفق الإحسان إليهم وحسن معاشرتهم ، ويحتمل أن يكون مرّجعهما إلى أمرّ واحد ،

____________________

(١) سورة طه : ٤٤.

(٢) سورة الأنعام : ١٠٨.

٢٣٣

نصف العيش ثمَّ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : خالطوا الأبرار سرّاً وخالطوا الفجّار جهاراً ولا تميلوا عليهم فيظلموكم فإنه سيأتي عليكم زمانٌ لا ينجو فيه من ذوي الدين إلّا من ظنّوا أنّه أبله وصبّر نفسه على أن يقال [ له ] إنّه أبله لا عقل له.

_________________________________________________

ويكون تفنّناً في العبارة ، فالغرض بيان أن المداراة والرفق بالعبّاد لهما مدخل عظيم في صلاح أمور الدين وتعيش الدنيا ، والثاني ظاهر والأوّل لأنه إطاعة لأمرّ الشارع حيث أمرّ به وموجب لهداية الخلق وإرشادهم بأحسن الوجوه كما قال تعالى : «ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالتّي هِيَ أَحْسَنُ »(١) والعيش الحياة والمرّاد هنا التعيش الحسن برفاهية « خالطوا الأبرار سرّاً » أي أحبوهم بقلوبكم أو أفشوا إليهم أسراركم بخلاف الفجار فإنه إنّما يحسن مخالطتهم في الظاهر للتقية والمداراة ، ولا يجوز مودتهم قلباً من حيث فسقهم وليسوا محالاً لأسرار المؤمنين ، وبينعليه‌السلام ذلك بقوله : ولا تميلوا عليهم ، على بناء المجرّد ، والتعدية بعلى للضرر أي لا تعارضوهم إرادة للغلبة ، قال في المصباح : مال الحاكم في حكمه ميلا جار وظلم فهو مائل ، ومال عليهم الدهر أصابهم بجوانحه.

وفي النّهاية : فيه لا يهلك أمتي حتّى يكون بينهم التمايل والتمايز ، أي لا يكون لهم سلطان يكفّ النّاس عن التظالم فيميل بعضهم على بعض بالأذى والحيف ، انتهى.

وقيل : هو على بناء الأفعال أو التفعيل أي لا تعارضوهم لتميلوهم من مذهب إلى مذهب آخر وهو تكلف وإن كان أنسب بما بعده ، وفي القاموس : رجل أبله بين البله والبلاهة : غافل أو عن الشرّ أو أحمق لا تمييز له ، والميت الداء ، أي من شره ميت ، والحسن الخلق القليل الفطنة لمداق الأمور أو من غلبة سلامة الصدر.

____________________

(١) سورة النحل : ١٢٥.

٢٣٤

٦ - عليُّ بن إبراهيم ، عن بعض أصحابه ذكره ، عن محمّد بن سنان ، عن حذيفة بن منصور قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إنّ قوماً من النّاس قلت مداراتهم للنّاس فأنفوا من قريش وايم الله ما كان بأحسابهم بأسٌ وإنَّ قوماً من

_________________________________________________

وفي المصباح : صبرت صبراً من باب ضرب حبست النّفس عن الجزع وصبرت زيداً يستعمل لازماً ومتعدّياً ، وصبّرته بالتثقيل حملته على الصّبر بوعد الأجر أو قلت له : اصبر ، انتهى.

والحاصل أنّه لفساد الزّمان وغلبة أهل الباطل يختار العزلة ، والخمول ، ولا يعارض النّاس ولا يتعرّض لهم ، ويتحمّل منهم أنواع الأذى حتّى يظنّ النّاس أن ذلك لبلاهته وقلة عقله.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : فأنفوا من قريش ، كذا في أكثر النّسخ وكأنه على بناء الأفعال مشتقّاً من النفي بمعنى الانتفاء فإن النفّي يكون لازماً ومتعدّياً لكنّ هذا البناء لم يأت في اللّغة أو هو على بناء المفعول من أنف ، من قولهم أنفه يأنفه ويأنفه ضرب أنفه ، فيدلّ على النفي مع مبالغة فيه وهو أظهر وأبلغ ، وقيل : كأنه صيغة مجهول من الأنفة بمعنى الاستنكاف ، إذ لم يأت الإنفاء بمعنى النفي ، انتهى.

وأقول : هذا أيضاً لا يستقيم لأن الفساد مشترك إذ لم يأت أنف بهذا المعنى على بناء المجهول فإنه يقال : أنف منه كفرح أنفاً وأنفة استنكفّ ، وفي كثير من النّسخ فألقوا أي أخرجوا وأطرحوا منهم ، وفي الخصال : فنفوا وهو أظهر.

ثم أشارعليه‌السلام مؤكّداً بالقسم إلى أنّ ذلك الإلقاء كان باعتبار سوء معاشرتهم وفوات حسب أنفسهم ومأثرها لا باعتبار قدح في نسبهم أو في حسب آبائهم ومآثر أسلافهم بقوله : وأيم الله ما كان بأحسابهم بأس.

قال الجوهري : اليمين القسم والجمع أيمن وأيمان ثمّ قال : وأيمن الله

٢٣٥

غير قريش حسنت مداراتهم فألحقوا بالبيت الرَّفيع قال : ثمَّ قال : من كفَّ يده

_________________________________________________

إسم وضع للقسم هكذا بضمّ الميم والنّون وألفه ألف وصل عند أكثر النحوييّن ولم يجيء في الأسماء ألف الوصل مفتوحة غيرها ، وقد تدخل عليه اللام لتأكيد الابتداء تقول : ليمن الله فتذهب الألف في الوصل وهو مرّفوع بالابتداء وخبره محذوف ، والتقدير ليمن الله قسمّي وليمن الله ما أقسم به ، وإذا خاطبت قلت ليمنك ، وربمّا حذفوا منه النون قالوا : أيم الله وايم الله بكسر الهمزة ، وربمّا حذفوا منه الياء قالوا أم الله ، وربمّا أبقوا الميم وحدها قالوا : م الله ، ثم يكسرونها لأنّها صارت حرفاً وأحداً فيشبهونها بالباء فيقولون م الله ، وربمّا قالوا من الله بضمّ الميم والنون ، ومن الله بفتحهما ، ومن الله بكسرهما ، قال أبو عبيد : وكانوا يحلفون باليمين يقولون : يمين الله لا أفعل ثم يجمع اليمين على أيمن ثم حلفوا به فقالوا : أيمن الله لأفعلن كذا ، قال : فهذا هو الأصل في أيمن الله ثم كثر هذا في كلامهم وخف على ألسنتهم حتّى حذفوا منه النون كما حذفوا في قوله : لم يكن فقالوا لم يك ، قال : وفيها لغات كثيرة سوى هذا ، وإلى هذا ذهب ابن كيسان وابن درستويه فقالاً : ألف أيمن ألف قطع ، وهو جمع يمين وإنّما خففت وطرحت في الوصل لكثرة استعمالهم لها.

وقال : الحسب ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه ويقال : حسبه دينه ويقال : ماله والرّجل حسيب ، قال ابن السكّيت : الحسب والكرم يكونان في الرّجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف ، قال : والشرف والمجد لا يكونان إلّا بالآباء انتهى.

والحاصل أنّ الكلام يحتمل وجهين : أحدهما : أنّه لا بدّ من حسن المعاشرّة والمداراة مع المخالفين في دولاتهم مع المخالفة لهم باطناً في أديانهم وأعمالهم فإنّ قوماً قلت مداراتهم للمخالفين فنفاهم خلفاء الجور والضّلالة من قبيلة قريش

٢٣٦

عن الناس فإنّما يكفُّ عنهم يداً واحدة ويكفّون عنه أيدي كثيرة.

_________________________________________________

وضيّعوا أنسابهم وأحسابهم مع أنهّ لم يكن في أحساب أنفسهم شيء إلّا ترك المداراة والتقيّة أو لم يكن في شرف آبائهم نقص ، وإن قوماً من غير قريش لم يكن فيهم حسب أو في آبائهم شرف فألحقهم خلفاء الضلالة وقضاة الجور في الشرف والعطاء والكرم بالبيت الرفيع من قريش ، وهم بنو هاشم.

وثانيهما : أنّ المعنى أن القوم الأوّل بتركهم متابعة الأئمّةعليهم‌السلام في أو أمرّهم التّي منها المداراة مع المخالفين في دولاتهم ومع سائر النّاس نفاهم الأئمّة عن أنفسهم فذهب فضلهم وكأنهم خرجوا من قريش ولم ينفعهم شرف آبائهم ، وإن قوماً من غير قريش بسبب متابعة الأئمّةعليهم‌السلام ألحقوا بالبيت الرفيع وهم أهل البيتعليهم‌السلام كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سلمان منّا أهل البيت وكأصحاب سائر الأئمّةعليهم‌السلام ، من الموالي فإنهم كانوا أقرب إلى الأئمّة من كثير من بني هاشم بل كثير من أولاد الأئمّةعليهم‌السلام والمرّاد بالبيت هنا بيت الشرف والكرامة.

قال في المصباح : بيت العرب شرفها يقال بيت تميم في حنظلة أي شرفها ، أو المرّاد أهل البيت الرفيع وهم آل النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من كفّ يده » هذا مثل ما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما يقبض عنهم يداً واحدة ويقبض منهم عنه أيدي كثيرة ، ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودة.

قال السيد الرضيرضي‌الله‌عنه : وما أحسن هذا المعنى الذي أرادهعليه‌السلام بقوله : من يقبض فإن الممسك خيره يعنّي ماله عن عشيرته إنّما يمسك نفع يد واحدة ، وإذا احتاج إلى نصرتهم واضطر إلى مرّادفتهم ومعاونتهم قعدوا من نصره وتثاقلوا عن صوته واستغاثته فمنع ترافد الأيدي الكثيرة وتناهض الأقدام الجمة ، انتهى.

وأقول : يحتمل أن يكون المرّاد بكفّ يد واحدة كفّ ضرر يد واحدة ويصير ذلك سبباً لكفّ ضرر أيد كثيرة عنه ، وكان هذا أنسب بالمقام.

٢٣٧

( باب الرفق )

١ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه عمّن ذكره ، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إنّ لكلّ شيء قفلاً وقفل الإيمان الرفق.

_________________________________________________

باب الرفق

الحديث الأول : ضعيف.

وقال في النّهاية : الرفق لين الجانب وهو خلاف العنف ، تقول منه رفق يرفق ويرفق ومنه الحديث : ما كان الرّفق في شيء إلّا زانه أي اللّطف والحديث الآخر : أنت رفيق والله الطبيب ، أي أنت ترفق بالمرّيض وتتلطفه وهو الذي يبرئه ويعافيه ، ومنه الحديث في إرفاق ضعيفهم وسد خلّتهم أي إيصال الرفق إليهم ، انتهى.

« إنّ لكلّ شيء قفلا » أي حافظاً له من ورود أمر فاسد عليه ، وخروج أمرّ صالح منه على الاستعارة وتشبيه المعقول بالمحسوس « وقفل الإيمان الرفق » وهو لين الجانب والرأفة وترك العنف والغلظة في الأفعال والأقوال على الخلق في جميع الأحوال ، سواء صدر عنهم بالنسبة إليه خلاف الآداب أو لم يصدر ، ففيه تشبيه الإيمان بالجوهر النّفيس الذي يعتنى بحفظه والقلب بخزانته ، والرفق بالقفل لأنه يحفظه عن خروجه وطريان المفاسد عليه ، فإنّ الشّيطان سارق الإيمان ومع فتح القفل وترك الرفق يبعث الإنسان على أمور من الخشونة والفحش والقهر والضرب ، وأنواع الفساد وغيرها من الأمور التّي توجب نقص الإيمان ، أو زواله.

وقال بعض الأفاضل : وذلك لأن من لم يرفق يعنف فيعنف عليه فيغضب فيحمله الغضب على قول أو فعل به يخرج الإيمان من قلبه فالرفق قفل الإيمان يحفظه.

٢٣٨

٢ - وبإسناده قال قال أبو جعفرعليه‌السلام من قُسم له الرفق قُسم له الإيمان.

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن يحيى الأزرق ، عن حمّاد بن بشير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنَّ الله تبارك وتعالى رفيق يحبُّ

_________________________________________________

الحديث الثاني : كالسابق.

« من قسّم له الرّفق » أي قدّر له قسط منه في علم الله « قسّم له الإيمان » أي الكامل منه.

الحديث الثالث : مجهول.

« إنّ الله تعالى رفيق » أقول : روى مسلم في صحيحه عن النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :

إنّ الله رفيق يحبّ الرّفق ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف ، قال القرطبي : الرفيق هو الكثير الرّفق يجيء بمعنى التسهيل وهو ضدّ العنف والتشديد والتعصيب ، وبمعنى الإرفاق وهو إعطاء ما يرتفق به ، وبمعنى التأني والعجلة ، وصحت نسبة هذه المعاني إلى الله تعالى لأنّه المسهّل والمعطي وغير المعجل في عقوبة العصاة ، وقال الطيبي : الرّفق اللّطف وأخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها « الله رفيق » أي لطيف بعباده يريد بهم اليسر لا العسر ولا يجوز إطلاقه على الله لأنّه لم يتواتر ولم يستعمل هنا على التسمية ، بل تمهيد الأمرّ أي الرّفق أنجح الأسباب وأنفعها فلا ينبغي الحرص في الرزّق بل يكلّ إلى الله.

وقال النووي : يجوز تسمية الله بالرّفيق وغيره ممّا ورد في خبر الواحد على الصّحيح واختلف أهل الأصول في التسمية بخبر الواحد ، انتهى.

وقال في المصباح : رفقت العمل من باب قتل أحكمته ، انتهى.

فيجوز أن يكون إطلاق الرفيق عليه سبحانه بهذا المعنى ، ومعنى يحبّ الرّفق أنه يأمرّ به ويحثّ عليه ويثيب به ، والسلّ انتزاعك الشيء وإخراجه في رفق كالاستلال كذا في القاموس ، وكأنّ بناء التفعيل للمبالغة ، والضغن بالكسر والضغينة

٢٣٩

الرّفق فمن رفقه بعباده تسليله أضغانهم ومضادَّتهم لهواهم وقلوبهم ومن رفقه بهم

_________________________________________________

الحقد ، والأضغان جمع الضغن كالأحمال والحمل ، والمعنى أنّه من رفقه بعباده ولطفه لهم أنّه يخرج أضغانهم قليلاً وتدريجاً من قلوبهم وإلّا لأفنى بعضهم بعضاً ، وقيل : لم يكلّفهم برفعها دفعة لصعوبتها عليهم بل كلفهم بأن يسعوا في ذلك ويخرجوها تدريجاً وهو بعيد.

ويحتمل أن يكون المعنى أنه أمرّ أنبياءه وأوصياءهم بالرّفق بعباده الكافرين والمنافقين والإحسان إليهم وتأليف قلوبهم ببذل الأموال وحسن العشرّة فيسل بذلك أضغانهم الله وللرسول وللمؤمنين برفق ، ويمكن أن يكون المرّاد بالتسليل إظهار كفرهم ونفاقهم على المؤمنين لئلّا ينخدعوا منهم كما قال سبحانه : «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مرّضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ » أي أحقادهم على المؤمنين ثم قال : «وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ » ، «إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ، إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ »(١) قالوا إن يسألكموها فيحفكم أي يجهدكم بمسألة جميعها أو أجراً على الرسالة فيبالغ فيه تبخلوا بها فلا تعطوها ويخرج أضغانكم أي بغضكم وعداوتكم لله والرّسول ، ولكنه فرض عليكم ربع العشر أو لم يسألكم أجراً على الرّسالة ، وهذا يؤيّد المعنى السّابق أيضاً.

قوله : ومضادّتهم لهواهم وقلوبهم ، هذا أيضاً يحتمل وجوها : « الأوّل » أن يكون معطوفاً على الأضغان أي من لطفه بعباده دفع مضادة أهوية بعضهم لبعض وقلوب بعضهم لبعض ، فيكون قريباً من الفقرة السّابقة على بعض الوجوه.

الثاني : أن يكون عطفاً على تسليله ، أي من لطفه بعباده المؤمنين أن جعل

____________________

(١) سورة محمد : ٢٩.

٢٤٠