مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 437

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 437
المشاهدات: 18748
تحميل: 8660


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18748 / تحميل: 8660
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 8

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عن أبي الحسن الرّضاعليه‌السلام قال قال التّواضع أن تعطي النّاس - ما تحبّ أن تعطاه.

وفي حديث آخر قال قلت ما حد التّواضع الذي إذا فعله العبد كان متواضعاً فقال التّواضع درجات منها أن يعرف المرّء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم لا يحبّ أن يأتي إلى أحد إلّا مثل ما يؤتى إليه إن رأى سيئة درأها بالحسنة كاظم الغيظ عاف عن النّاس «وَاللهُ يُحبّ الْمُحْسِنِينَ ».

_________________________________________________

« أن تعطى النّاس » أي من التعظيم والإكرام والعطاء « ما تحبّ أن تعطاه » منهم في جميع ذلك « التّواضع درجات » أي التّواضع لله وللخلق درجات أو ذوو درجات باعتبار كمال النّفس ونقصها « أن يعرف المرّء قدر نفسه » بملاحظة عيوبها وتقصيراتها في خدمة خالقه « بقلب سليم» من الشك والشرك والرياء والعجب والحقّد والعداوة والنفاق ، فإنّها من أمرّاض القلب قال تعالى : «فِي قُلُوبِهِمْ مرّضٌ »(١) « لا يحبّ أن يأتي إلى أحد» من قبل الله أو من قبله أو الأعمّ « إلّا مثل ما يؤتى إليه » كان المناسب للمعنى المذكور ما ذكرنا « أن يأتي إليه » على المعلوم وكان الظرف فيهما مقدر والتقدير لا يحبّ أن يأتي إلى أحد بشيء إلّا مثل ما يؤتى به إليه ، ويؤيده أنه روي في مشكاة الأنوار نقلا من المحاسن عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام أنّه سأله عليّ بن سويد المدني عن التّواضع الذي إذا فعل العبد كان متواضعا؟ فقال : التّواضع درجات منها أن يعرف المرّء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم ، ولا يحبّ أن يأتي إلى أحد إلّا مثل ما يأتون إليه ، إلى آخر الخبر.

ويمكن أن يقرأ على بناء التفعيل في الموضعين من قولهم أتيت الماء تأتيه وتأتيا أي سهّلت سبيله ليخرج إلى موضع ، ذكره الجوهري لكنّه بعيد « درأها » أي دفعها « بالحسنة » أي بالخصلة أو المداراة أو الموعظة الحسنة إشارة إلى قوله تعالى : «وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ »(٢) قال البيضاوي : يدفعونها بها فيجازون الإساءة بالإحسّان أو يتبعون الحسنة السيّئة فتمحوها.

____________________

(١) سورة البقرة : ١٠. (٢) سورة الرعد : ٢٢.

٢٦١

( باب )

( الحب في الله والبغض في الله )

١ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى وأحمد بن محمّد بن خالد ؛ وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وسهل بن زياد جميعاً ، عن ابن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أحبَّ لله وأبغض لله وأعطى لله فهو ممّن كمل إيمانه.

٢ - ابن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن سعيد الأعرج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أوثق عرى الإيمان أن تحبَّ في الله وتبغض في الله وتعطي في الله وتمنع

_________________________________________________

باب الحب في الله والبغض في الله

الحديث الأول : صحيح.

« من أحبّ لله » أي أحبّ من أحبّ لأنّ الله يحبّه وأمرّ بحبة من الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام والصلحاء من المؤمنين لا للأغراض الدنيويّة والأطماع الدنيّة « وأبغض لله» أي أبغض من أبغض لأن الله يبغضه وأمرّ ببغضه من أئمة الضلالة والكفّار والمشركين والمخالفين والظلمة والفجّار لمخالفتهم لله تعالى « وأعطى لله » أي أعطى من أمرّ الله بإعطائه من أئمة الدين وفقراء المؤمنين وصلحائهم خالصاً لله من غير رياء ولا سمعة ، وفي بعض النّسخ في الله في المواضع فهو أيضاً بمعنى لله وفي للتعليل أو بمعنى الحبّ في سبيل طاعته فيرجع إليه أيضاً « فهو ممّن كمل إيمانه » لأنّ ولاية أولياء الله ومعاداة أعدائه وإخلاص العمل عمدة الإيمان وأعظم أركانه.

الحديث الثاني : كالسابق سنداً ومتناً.

والعروة ما يكون في الجبل يتمسّك به من أراد الصّعود وعروة الكوز ونحوه ، والأوّل هنا أنسب كأنّهعليه‌السلام شبّه الإيمان بجبل يرتقي به إلى الجنّة و

٢٦٢

في الله.

٣ - ابن محبوب ، عن أبي جعفر محمّد بن النّعمان الأحول صاحب الطاق ، عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودُّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان إلّا ومن أحبّ في الله وأبغض في الله وأعطى في الله ومنع في الله فهو من أصفياء الله.

٤ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول : إنّ المتحابيّن

_________________________________________________

الدرجات العالية ، والأعمال الإيمانيّة وأخلاقها بالعري التّي تكون فيه يتمسّك بها من أراد الصعود عليه ، وفيه إشارة إلى قوله تعالى : «فَمَنْ يكفّر بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها »(١) .

والمنع في الله أن يكون عدم بذله وإعطائه لكونه سبحانه منع منه كالحد المنتهى إلى التبذير أو إعطاء الكفّار لغير مصلحة والفجّار لإعانتهم عليّ الفجور وأمثال ذلك.

الحديث الثالث : مجهول ، وفي القاموس الود والوداد الحبّ ويثلثان كالودادة والمودة ، وفي المصباح الشعبة من الشجرة الغصن المتفرع منها والجمع شعب مثل غرفة وغرف ، والشعبة من الشيء الطائفة منه ، وانشعبت أغصان الشجرة تفرعت عن أصلها وتفرقت ويقال : هذه المسألة كثيرة الشعب ، انتهى.

وشعب الإيمان الأعمال والأخلاق التّي يقتضي الإيمان الإتيان بها ، والصفي : الحبيب المصافي وخالص كلّ شيء.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

« إن المتحابيّن في الله » أي الذين يحبّ كلّ منهم الآخرين لمحض رضاء الله

____________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٦.

٢٦٣

في الله يوم القيامة على منابر من نور قد أضاء نور وجوههم ونور أجسادهم ونور منابرهم كلّ شيء حتّى يعرفوا به فيقال هؤلاء المتحابون في الله.

٥ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن فضيل بن يسار قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الحبّ والبغض أمن الإيمان هو ؟ فقال : وهل الإيمان إلا

_________________________________________________

وكونهم من أحبّاء الله لا للأغراض الباطلة ويكون أضاء لازماً ومتعدّياً يقال : أضاء الشيء وإضاءة غيره ، ذكره في المصباح.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

« عن الحبّ والبغض » أي حبّ الأئمّة عليهم‌السلام وبغض أعدائهم أو الأعمّ منهما ومن حبّ المؤمنين والطّاعة وبغض المخالفين والمعصية ، والغرض من السؤال إمّا استعلام أن الاعتقاد بإمامة الأئمّةعليهم‌السلام ومحبتهم والتبري عن أعدائهم هل هما من أجزاء الإيمان وأصول الدين كما هو مذهب الإمامية ، أو من فروع الدين والواجبات الخارجة عن حقّيقة الإيمان كما ذهب إليه المخالفون ، أو استبانة أن حبّ أولياء الله وبغض أعدائه هل هما من الأمور الاختيارية التّي يقع التكليف بهما أو هما من فعل الله تعالى ، وليس للعبد فيه اختيار فلا يكون ممّا كلف الله به ، والأوّل أظهر.

فأجابعليه‌السلام على الاستفهام الإنكاري بأن مدار الإيمان على الحبّ والبغض ، لأن الاعتقاد بالشيء لا ينفك عن حبه وإنكاره عن بغضه ، أو عمدة الإيمان ولاية الأئمّةعليهم‌السلام والبراءة من أعدائهم إذ بهما يتم الإيمان وبدونهما لا ينفع شيء من العقائد والأعمال كما مرّ مفصلا ، فكان الإيمان منحصر فيهما أو لـمّا كانا أصل الإيمان وعمدته كيف لم يكونا مكلفا به وكيف لم تكن مباديهما بالاختيار ، والاستشهاد بالآية على الأوّل ظاهر ، وعلى الثاني فلأنه لـمّا حصر الله تعالى الرشد والصلاح فيهما فلو لم يكونا اختيارييّن لزم الجبر والتكليف بما لا يطاق ، وهما منفيان بالدلائل العقليّة.

٢٦٤

الحبّ والبغض ثم تلا هذه الآية «حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفّرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ »(١) .

٦ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمّد بن عيسى ، عن أبي الحسن عليّ بن يحيى فيما أعلم ، عن عمرّو بن مدرك الطائي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه أي عرى الإيمان أوثق فقالوا الله ورسوله أعلم

_________________________________________________

والنقليّة.

وإمّا الآية فقال الطبرسي (ره): « ولكنّ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ » أي جعله أحبّ الأديان إليكم بأن أقام الأدلة على صحته وبما وعد من الثّواب عليه «وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ » بالألطاف الداعية إليه «وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفّرَ » بما وصف من العقاب عليه وبوجوه الألطاف الصارفة عنه «وَالْفُسُوقَ » أي الخروج عن الطّاعة إلى المعاصي «وَالْعِصْيانَ » أي جميع المعاصي ، وقيل : الفسوق الكذب وهو المرّوي عن أبي جعفرعليه‌السلام «أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ » يعنّي الذين وصفهم بالإيمان وزينه في قلوبهم هم المهتدون إلى معالي الأمور ، وقيل : هم الذين أصابوا الرشد واهتدوا إلى الجنّة ، انتهى.

ويحتمل أن يكون المرّاد بالكفّر الإخلال بالعقائد الإيمانيّة ، وبالفسوق الكبائر وبالعصيان الصغائر أو الأعمّ أو بالكفّر ترك الإيمان ظاهرا وباطناً ، وبالفسق النفاق وبالعصيان جميع المعاصي ، وقد ورد في أخبار كثيرة قد مرّ بعضها أن الإيمان أمير المؤمنين وولايته والكفّر والفسوق والعصيان الأوّل والثاني والثالث لعنهم الله ، فيؤيّد المعنى الأوّل الذي ذكرنا في صدر الكلام.

الحديث السادس : مجهول.

والغرض من السؤال امتحان فهم القوم وشدّة اهتمامهم باستعلام ما هو الحقّ في ذلك وبالعمل به وكان اختيار كلّ منهم فعلاً وذكره على سبيل الاحتمال أو الاستفهام ، ولم يكن حكماً منهم بأنه كذلك فإنّه حينئذ يكون قولا بغير علم

____________________

(١) سورة الحجرات : ٧.

٢٦٥

وقال بعضهم : الصلاة وقال بعضهم الزكاة وقال بعضهم الصيام وقال بعضهم الحجّ والعمرّة وقال بعضهم الجهاد فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لكلّ ما قلتم فضل وليس به ولكنّ أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله وتوالي أولياء الله والتبري من أعداء الله.

٧ - عنه ، عن محمّد بن عليّ ، عن عمرّ بن جبلة الأحمسي ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المتحابّون في الله يوم القيامة على أرض زبرجدة خضراء في ظلّ عرشه عن يمينه وكلتا يديه يمين - وجوههم أشدّ بياضاً وأضوأ من

_________________________________________________

وفتوى بالباطل وهذا حرام ، فكيف يقرّر همصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به ويحثهمعليه « وليس به » ضمير ليس للفضل المذكور ، وضمير « به » للأوثق ، أو ضمير ليس لكلّ من المذكورات وضمير به للذي أرادصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوالي أولياء الله الاعتقاد بإمامة الذين جعلهم الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأعداء الله أضدادهم وغاصبوا خلافتهم أو الأعمّ منهم ومن سائر المخالفين والكفّار.

الحديث السابع : ضعيف.

« على أرض زبرجدة » الإضافة كخاتم حديد « في ظلّ عرشه » قال في النّهاية :

أي في ظلّ رحمته ، وقال النووي : قيل : الظلّ عبارة عن الراحة والنعيم ، نحو هو في عيش ظليل ، والمرّاد ظلّ الكرامة لا ظلّ الشمس لأنها وسائر العالم تحت العرش ، وقال الآبي : ومن جواب شيخنا أنه يحتمل جعل جزء من العرش حائلاً تحت فلك الشمس ، وقال عياض : ظاهره أنه سبحانه يظلهم حقّيقة من حرّ الشمس ووهج الموقف ، وأنفاس الخلائق وهو تأويل أكثرهم ، وقال بعضهم : هو كناية عن كنهم وجعلهم في كنفه وستره ، ومنه قولهم : السلطان ظلّ الله ، وقولهم : فلان في ظلّ فلان أي في كنفه وعزّه ، انتهى.

وظاهر الأخبار والآيات أنّ العرش يوضع يوم القيامة في الموقف وأن له

٢٦٦

الشمس الطالعة يغبطهم بمنزلتهم كلّ ملك مقرّب وكلّ نبيّ مرسل يقول النّاس من هؤلاء فيقال هؤلاء المتحابّون في الله.

٨ - عنه ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام قال إذا جمع الله عزَّ وجلَّ الأولين والآخرين قام مناد فنادى يسمع النّاس فيقول أين المتحابّون في الله قال فيقوم عنق من النّاس فيقال لهم اذهبوا إلى الجنّة بغير حساب قال فتلقّاهم الملائكة فيقولون إلى أين فيقولون إلى الجنّة بغير حساب قال فيقولون : فأيّ ضرب أنتم من الناس

_________________________________________________

يميناً وشمالاً ، فيمكن أن يكون المقربون في يمينه ومن دونهم في شماله ، وكلاهما يمين مبارك يأمن من استقر فيهما. وقيل : يحتمل أن يراد به الرحمة ولها أفراد متفاوتة فأقواهما يمين وأدونهما يسار وكلاهما مبارك ينجي من أهوال القيامة وقال في النّهاية :فيه : وكلتا يديه يمين ، أي أن يديه تبارك وتعالى بصفة الكمال لا نقص في واحدة منهما ، لأن الشمال ينقص عن اليمين ، وكلّ ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد والأيدي واليمين وغير ذلك من أسماء الجوارح إلى الله فإنّما هو على سبيل المجاز والاستعارة ، والله تعالى منزّه عن التشبيه والتجسيم ، انتهى.

« يغبطهم » تقول : غبطهم كضرب غبطاً إذا تمنى مثل ما ناله من غير أن يريد زواله لـمّا أعجبه من حسنه ، وكان المعنى أن الملك والنبيَّ مع جلالة قدرهما وعظم نعمتهما يعجبهما هذه المنزلة ويعدانها عظيمة ، فلا يستلزم كون منزلته دون منزلتهما وربمّا يقرأ يغبطهم على بناء التفعيل ، أي يعدّ أنهم ذوي غبطة ، وحسن حال أو مغبوطين للناس.

الحديث الثامن : صحيح.

« يسمع النّاس » على بناء الأفعال حال عن فاعل فنادى « فتلقاهم » على بناء

٢٦٧

فيقولون : نحن المتحابّون في الله قال : فيقولون : وأي شيء كانت أعمالكم قالوا كنا نحبّ في الله ونبغض في الله قال فيقولون : «نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ».

٩ - عنه ، عن عليّ بن حسّان عمّن ذكره ، عن داود بن فرقد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ثلاث من علامات المؤمن علمه بالله ومن يحبّ ومن يبغض.

١٠ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنّ الرّجل ليحبكم وما يعرف ما أنتم عليه فيدخله الله

_________________________________________________

المجرّد أو على بناء التفعيل بحذف إحدى التائين أي تستقبلهم « وأي شيء كانت أعمالكم » أي منصوب بخبرية كانت ، أي أية مرّتبة بلغ تحابكم ، وأي شيء فعلتم حتّى سميتم بهذا الاسم؟ قيل : هو استبعاد لكون محض التحاب سبب هذه المنزلة «نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ » المخصوص بالمدح محذوف أي أجركم وما أعطاكم ربكم.

الحديث التاسع : ضعيف.

« علمه بالله » أي بذاته وصفاته بقدر وسعه وطاقته « ومن يحبّ ومن يبغض » أي من يحبّه الله من الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ومن يبغضه الله من الكفّار وأهل الضّلال أو الضمير في الفعلين راجع إلى المؤمن أي علمه بمن يحبّ أن يحبّه ويحبّ أن يبغضه وكأنه أظهر.

الحديث العاشرّ : حسن كالصحيح.

قولهعليه‌السلام : إنّ الرّجل ليحبكم ، أقول : يحتمل وجوها : الأوّل : أن يكون المرّاد بهم المستضعفين من المخالفين فإنّهم يحبوّن الشيعة ولا يعرفون مذهبهم ، ويحتمل دخولهم الجنّة بذلك.

الثاني : أن يكون المرّاد بهم المستضعفين من الشيعة فإنهم يحبون علماء الشيعة وصلحائهم ولكنّ لم يصلوا إلى ما هم عليه من العقائد الحقّة والأعمال الصالحة فيدخلون بذلك الجنّة ، ومنهم من يبغض العلماء والصلحاء فيدخلون بذلك النّار ،

٢٦٨

الجنّة بحبكم وإن الرّجل ليبغضكم وما يعرف ما أنتم عليه فيدخله الله ببغضكم النار.

١١ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن العرزمي ، عن أبيه ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً فانظر إلى قلبك فإن كان يحبّ أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبك وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحبّ أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك والمرّء مع من أحب.

_________________________________________________

فإن كان بغضهم للعلم والصلاح فهم كفرة وإلّا فهم فسقة كما ورد : كن عالـمّا أو متعلـمّا أو محبا للعلماء ولا تكن رابعا فتهلك.

الثالث : أن يكون المرّاد بما أنتم عليه الصلاح والورع دون التشيّع كما ذكره بعض المحقّقين.

الرابع : أن يكون المرّاد بما أنتم عليه المعصية كما روي أن حفصا كان يلعب. بالشطرنج ، فالمرّاد أن من أحبكم لظاهر إيمانكم وتشيعكم مع عدم علمه بالمعاصي التّي أنتم عليه فبذلك يدخل الجنّة ، ومن أبغضكم لكونكم مؤمنين ولم يعلم فسقكم ليبغضكم لذلك فهو من أهل النار لأن بغض المؤمن لإيمانه كفر.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

« يحبّ أهل طاعة الله » أي سواء وصل منهم ضرر إلى دنياه أو لم يصل « ويبغض أهل معصيته» سواء وصل منهم إليه نفع أو لم يصل « وإذا كان يبغض أهل طاعة الله » لضرر دنيوي « ويحبّ أهل معصيته » لنفع دنيوي ، وقيل : أصل المحبّة الميل وهو على الله سبحانه محال ، فمحبة الله للعبد رحمته وهدايته إلى بساط قربه ورضاه عنه ، وإرادته إيصال الخير إليه وفعله له فعل المحبّ ، وبغضه سلب رحمته عنه وطرده عن مقام قربه ووكوله إلى نفسه ، وكون المرّء من أحبّ لا يستلزم أن يكون مثله في الدرجات أو في الدركات فإن دخوله مع محبوبة في الجنّة أو في النار يكفي لصدق ذلك.

٢٦٩

١٢ - عنه ، عن أبي عليّ الواسطي ، عن الحسين بن أبان عمّن ذكره ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لو أنّ رجلاً أحبّ رجلاً لله لأثابه الله على حبّه إيّاه وإن كان المحبوب في علم الله من أهل النار ولو أنّ رجلاً أبغض رجلاً لله لأثابه الله على بغضه إيّاه وإن كان المبغض في علم الله من أهل الجنة.

١٣ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبيّ ، عن بشير الكناسي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قد يكون حبّ في الله ورسوله وحبُّ في الدنيا فما كان في الله ورسوله فثوابه على الله

_________________________________________________

الحديث الثاني عشر مرسل.

قولهعليه‌السلام : لأثابه الله ، أقول : هذا إذا لم يكن مقصرا في ذلك ولم يكن مستنداً إلى ضلالته وجهالته كالذين يحبّون أئمّة الضلالة ويزعمون أن ذلك لله فإن ذلك لمحض تقصيرهم عن تتبع الدلائل واتكالهم على متابعة الآباء وتقليد الكبراء واستحسّان الأهواء بل هو كمن أحبّ منافقا يظهر الإيمان والأعمال الصالحة وفي باطنه منافق فاسق فهو يحبّه لإيمانه وصلاحه لله وهو مثاب بذلك وكذا الثاني فإن أكثر المنافقين يبغضون الشيعة ويزعمون أنه لله وهم مقصرون في ذلك كما عرفت.

وإمّا من رأي شيعة يتقي من المخالفين ويظهر عقائدهم وأعمالهم ولم ير ولا سمع منه ما يدلّ على تشيعه فإن أبغضه ولعنه فهو في ذلك مثاب مأجور وإن كان من أبغضه من أهل الجنّة ومثابا عند الله بتقية أو كأحد من علماء الشيعة زعم عقيدة من العقائد كفرا أو عملاً من الأعمال فسقاً وأبغض المتصف بأحدهما لله ولم يكن أحدهما مقصرا في بذل الجهد في تحقّيق تلك المسألة فهما مثابان وهما من أهل الجنّة إن لم يكن أحدهما ضروريا للدين.

الحديث الثالث عشر : مجهول.

« قد يكون حبّ في الله ورسوله » أي لهما كحبّ الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام وحب

٢٧٠

وما كان في الدّنيا فليس بشيء.

١٤ - عدّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن المسلمين يلتقيان فأفضلهما أشدهما حبّاً لصاحبه.

١٥ - عنه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر وابن فضّال ، عن صفوان الجمّال ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما التقى مؤمنان قط إلّا كان أفضلهما أشدّهما حبّاً لأخيه.

١٦ - الحسين بن محمّد ، عن محمّد بن عمران السبيعي ، عن عبد الله بن جبلة ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كلّ من لم يحبّ على الدين ولم يبغض على الدين فلا دين له.

_________________________________________________

العلماء والسادات والصلحاء والإخوان من المؤمنين لعلمهم وسيادتهم وصلاحهم وإيمانهم ولأمرّه تعالى ورسولهبحبهم « وحبّ في الدنيا » كحبّ النّاس لبذل مال وتحصيله أو لنيل جاه وغرض من الأغراض الدنيويّة« فليس بشيء » أي فأقل مرّاتبه أنه لا ينفع في الآخرة بل ربمّا أضر إذا كان لتحصيل الأموال المحرمة والمناصب الباطلة أو لفسقهم أو للعشق الباطل وأمثال ذلك.

الحديث الرابع عشر : موثق.

« فأفضلهما » أي عند الله وأكثرهما ثواباً « أشدّهما حبّاً لصاحبه » في الله كما مرّ.

الحديث الخامس عشر : صحيح.

الحديث السادس عشر : مجهول.

« كلّ من لم يحبّ على الدين » إن كان المرّاد أنه لم يكن شيء من حبّه وبغضه للدين ، فقوله : فلا دين له ، على الحقّيقة لأنه لم يحبّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّةعليهم‌السلام أيضاً لله ولا أبغض أعداءهم لله ، وإن كان المرّاد غالب حبّه وبغضه أو حبّ أهل زمانه ، أو لم يكن جميع حبّه وبغضه للدين فالمعنى لا دين له كاملاً.

٢٧١

( باب )

( ذم الدنيا والزهد فيها )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن الهيثم بن واقد الحريري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من زهد في الدّنيا أثبت الله

_________________________________________________

باب ذم الدنيا والزهد فيها

الحديث الأول : مجهول.

وقال في المغرب : زهد في الشيء وعن الشيء زهداً وزهادة إذا رغب عنه ولم يرده ، ومن فرق بين زهد فيه وعنه فقد أخطأ ، وقال في عدّة الداعي : روي أن النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل جبرئيل عن تفسير الزّهد فقال جبرئيلعليه‌السلام : الزاهد يحبّ من يحبّ خالقه ويبغض من يبغض خالقه ويتحرج من حلال الدنيا ولا يلتفت إلى حرامها ، فإن حلالها حساب وحرامها عقاب ويرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه ويتحرج من الكلام فيما لا يعنيه كما يتحرج من الحرام ويتحرج من كثرة الأكلّ كما يتحرج من الميتة التّي قد اشتد نتنها ويتحرج من حطام الدنيا وزينتها كما يتجنب النار أن يغشاها وأن يقصر أمله وكان بين عينيه أجله.

والحكمة : العلوم الحقّة المقرونة بالعمل أو العلوم الربانيّة الفائضة من الله تعالى بعد العمل بطاعته ، وقد مرّ تحقّيقها في كتاب العقل وغيره.

قال الرّاغب : الحكمة إصابة الحقّ بالعلم والفعل فالحكمة من الله تعالى معرفة الأشياء وإيجادها عليّ غاية الأحكام ، ومن الإنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات وهذا هو الذي وصف به لقمان في قوله تعالى : «وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ »(١) ونبه عليّ جملتها بما وصفه بها ، انتهى.

____________________

(١) سورة لقمان : ١٢.

٢٧٢

الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها وأخرجه من الدنيا سالـمّا إلى دار السلام.

٢ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاساني جميعاً ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول جعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزّهد في الدنيا ثم

_________________________________________________

قوله عليه‌السلام : داءها ودواءها ، كأنه بدل اشتمال للعيوب أي المرّاد بتبصير العيوب أن يعرفه أدواء الدنيا من ارتكاب المحرَّماًت والصّفات الذميمة المتفرعة على حبّ الدنيا ويعرفه ما يعالج به تلك الأدواء من التفكرات الصحيحة والمواعظ الحسنة وفعل الطّاعات والرياضات ومجاهدة النّفس في ترك الشهوات كان يقال : الطب معرفة الأمرّاض بأن يعرف ما تحصل منه ، وأصل المرّض وكيفيّة علاجه ، أو يقال : الدنيا دنياءان دنيا بلاغ يصير سبباً لتحصيل الآخرة ، ودنيا ملعونة ، فلـمّا ذكر عيوب الدنيا فصلها وبين أن منها ما هو داء ومنها ما هو دواء.

ويحتمل حينئذ ارتكاب استخدام بأن يكون المرّاد بالدنيا أوّلاً الدنيا المذمومة وبالضمير الأعمّ ، ويحتمل أن يكون داؤها تأكيداً لعيوب الدنيا ودوائها عطفاً على العيوب ، وقيل : داؤها ودواؤها مجروران بدلا بعض للدنيا فالمرّاد بعيوب دواء الدنيا شدتها على النّفس وصعوبتها ، وربمّا يقرأ دواها بالقصر بمعنى الأحمق أي المبتلي بحبّ الدنيا ، ولا يخفى بعده.

« وأخرجه من الدنيا سالـمّا » من العيوب والمعاصي « إلى دار السلام» أي الجنّة التّي من دخلها سلم من جميع المكاره والآلام.

الحديث الثاني : ضعيف.

« جعل الخير ». اه لـمّا كان الزّهد في الدنيا سبباً لحصول جميع السعادات العلمية والعملية شبه تلك الكمالات بالأمتعة المخزونة في بيت والزّهد بمفتاح

٢٧٣

قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يجد الرّجل حلاوة الإيمان في قلبه حتّى لا يبالي من أكلّ الدّنيا ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان حتّى تزهد في الدنيا.

٣ - عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي أيّوب الخزاز ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام إن من أعون الأخلاق على الدين الزّهد في الدنيا.

٤ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعليّ بن محمّد ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان

_________________________________________________

ذلك البيت « لا يجد الرّجل ». اه شبّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإيمان بشيء حلو في ميل الطبع السليم إليه وأثبت له الحلاوة عليّ الاستعارة المكنيّة والتخييلية ، أو استعار لفظ الحلاوة لآثار الإيمان التّي تلتذّ الروح بها.

« حتّى لا يبالي من أكلّ الدنيا » يحتمل أن يكون من اسم موصول وأكلّ فعلا ماضياً وأن يكون « من » حرف جر وأكلّ مصدراً ، فعلى الأوّل المعنى أنه لا يعتني بشأن الدنيا بحيث لا يحسد أحداً عليها ، ولو كانت كلّها لقمة في فم كلب لم يغتم لذلك ، ولم ير ذلك له كثيراً ، وعليّ الثاني أيضاً يرجع إلى ذلك ، أو المعنى لا يعتني بأكلّ الدنيا والتصرف فيها.

الحديث الثالث : صحيح.

« إن من أعون الأخلاق ». اه وذلك لأن الاشتغال بالدنيا وصرف الفكر في طرق تحصيلها ووجه ضبطها ورفع موانعها مانع عظيم من تفرغ القلب للأمور الدينيّة وتفكره فيها بل حبها لا يجتمع مع حبّ الله تعالى وطاعته وطلب الآخرة كما روي : أنّ الدّنيا والآخرة ضرّتان ، إذ الميل بأحدهما يضرّ بالآخر.

الحديث الرابع : ضعيف.

وقد مرّ صدر هذا الخبر في باب الرّضا بالقضاء إلى قوله : إلّا إن الزّهد ، و

٢٧٤

بن داود المنقري ، عن عليّ بن هاشم بن البريد ، عن أبيه أنّ رجلاً سأل عليّ بن الحسينعليه‌السلام عن الزُّهد فقال عشرّة أشياء فأعلى درجة الزّهد أدنى درجة الورع وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرّضا

_________________________________________________

كان فيه الزّهد عشرّة أجزاء ، ومنهم من جعل الأجزاء العشرّة باعتبار ترك عشرّة أشياء : المال والأولاد واللباس والطّعام والزوجة والدار والمرّكوب والانتقام من العدوّ والحكومة وحبّ الشّهرة بالخير ، وهو تكلف مستغنى عنه ، وسيأتي بعض الأقسام في الحديث الثاني عشر.

والآيات في الحديد هكذا : «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ » إلى قوله سبحانه «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إلّا مَتاعُ الْغُرُورِ » ثم قال تعالى بعد آية : «ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إلّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ، لِكَيْلا تَأْسَوْا ».

قال المفسّرون : أي كتبنا ذلك في كتاب لكيلا تأسوا أي تحزنوا على ما فاتكم من نعم الدنيا «وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » أي بما أعطاكم منها ، وقال الطبرسي (ره) :

والذي يوجب نفي الأسي والفرح من هذا أن الإنسان إذا علم أن ما فات منها ضمن الله تعالى العوض عليه في الآخرة فلا ينبغي أن يحزن لذلك ، وإذا علم أن ما ناله منها كلف الشكر عليه والحقّوق الواجبة فيه فلا ينبغي أن يفرح به وأيضاً فإذا علم أن شيئاً منها لا يبقى فلا ينبغي أن يهتمّ له بل يجب أن يهتمّ لأمرّ الآخرة التّي تدوم ولا تبيد ، انتهى.

ولا يخفى أنّ هذين الوجهين لا ينطبقان على التعليل المذكور في الآية إلّا أن يقال : أن هذه الأمور أيضاً من الأمور المكتوبة ، ولذا قال غيره : أن العلّة في ذلك أن من علم أن الكلّ مقدر هان عليه الأمرّ.

٢٧٥

إلّا وإنَّ الزّهد في آية من كتاب الله عزَّ وجلَّ : «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ »(١) .

٥ - وبهذا الإسناد ، عن المنقري ، عن سفيان بن عيينة قال سمعت أبا عبد الله

_________________________________________________

وقال بعض الأفاضل : هو تعليل لقوله قبل ذلك بثلاث آيات : «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ » وهذا وجه حسن بحسب المعنى ولا تكلف في التعليل حينئذ لكنه بحسب اللفظ بعيد وإن كانت الآيات متصلة بحسب المعنى مسوقة لأمرّ واحد وقد مرّ وجه آخر في تأويل الآية في كتاب الحجّة وأنها نازلة في أهل البيتعليهم‌السلام وقد بيناه هناك.

وقال البيضاوي : المرّاد منه نفي الأسي المانع عن التسليم لأمرّ الله والفرح الموجب للبطر والاختيال «وَاللهُ لا يُحبّ كلّ مُخْتالٍ فَخُورٍ » إذ قل من يثبت نفسه حالي السّراء والضّراء ، انتهى.

وروي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال : الزّهد كلمة بين كلمتين في القرآن ، قال الله سبحانه : «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » فمن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزّهد بطرفيه.

الحديث الخامس : كالسابق.

وروي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال : الزّهد كلمة بين كلمتين في القرآن ، قال الله سبحانه : «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » فمن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزّهد بطرفيه.

الحديث الخامس : كالسابق.

وقد مرّ الحديث في باب الإخلاص مع زيادة في صدره وهو قوله : قال سألته عن قول الله عزَّ وجلَّ «إلّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » قال : القلب السليم الذي يلقى ربّه وليس فيه أحد سواه ، وقال : وكلّ قلب. اه ، وفيه دلالة على أن حبّ الدنيا متفرع على الشكّ أي عدم اليقين الكامل بالآخرة ، والشرك أي عدم التوكلّ التام على الله تعالى في الرزق وغيره ، والاعتماد على السّعي والعمل والاشتغال بتحصيل الدنيا والتوسّل بغيره تعالى ، وهو إحدى مرّاتب الشرك الخفي

____________________

(١) سورة الحديد : ٢٣.

٢٧٦

عليه‌السلام وهو يقول : كلُّ قلب فيه شكّ أو شركٌ فهو ساقط وإنما أرادوا بالزّهد في الدُّنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة.

٦ - عليُّ ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام إنَّ علامة الرّاغب في ثواب الآخرة زهده في عاجل زهرة الدنيا إمّا إنَّ زهد الزاهد في هذه الدنيا لا ينقصه ممّا قسّم الله

_________________________________________________

« فهو ساقط » أي عن درجة الاعتبار والقبول ، والترديد على سبيل منع الخلو « وإنما أرادوا » أي الأنبياء والأوصياء وخلص أصحابهم « بالزّهد » الباء زائدة زيادتها في قوله تعالى : «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ »(١) .

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

« إن علامة الرّاغب » إشارة إلى ما عرفت من أن الدنيا والآخرة ضرتان لا يجتمع حبهما في قلب ، فالرّاغب في أحدهما زاهد في الآخر لا محالة وإنما أدخل العاجل لأنه السبب لاختيار النّاس الدنيا غالباً على ثواب الآخرة آجلا ، أو لدلالته على عدم الثبات ، وقيل : لأن زهرة الدنيا المتعلقة بالآجلة والآخرة كقدر ما يحتاج به الإنسان لتحصيل ما ينفع في الآخرة لا ينافي الرغبة في ثوابها بل معين لحصوله ، والمرّاد بزهرة الدنيا بهجتها ونضارتها أو متاعها تشبيها له بزهرة النبات لكونها أقل الرياحين ثباتا ، وهو إشارة إلى قوله تعالى : «وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى »(٢) .

قال في القاموس : الزهرة ويحرك النبات ونوره أو الأصفر منه ، ومن الدنيا بهجتها ونضارتها وحسنها ، انتهى.

قولهعليه‌السلام : في هذه الدنيا الإشارة للتحقّير « وإن زهد » أي بالغ في الزّهد ، وكذا قوله : وإن حرص ، أو المرّاد بقوله : وإن زهد ، وإن سعى في صرفها عن نفسه ،

____________________

(١) سورة الحج : ٢٥.

(٢) سورة طه : ١٣١.

٢٧٧

عزَّ وجلَّ له فيها وإن زهد ، وإنَّ حرص الحريص على عاجل زهرة [ الحياة ] الدّنيا لا يزيده فيها وإن حرص فالمغبون من حرم حظّه من الآخرة.

٧ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن يحيى الخثعمي ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما أعجب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيء من الدُّنيا إلّا أن يكون فيها جائعاً خائفاً.

_________________________________________________

وبقوله : إن حرص أي بالغ في تحصيلها فالمرّاد بالزّهد والحرص الأوّلين القلبيّان وبالآخرين الجسمانيّان.

والحاصل أنّ الرزق لكلّ أحدٍ مقدّر وإن كان وصولها إليه مشروطاً بقدر من السّعي على ما أمرّه الشارع من غير إفراط يمنعه عن الطّاعات ولا تقصير كثير بترك السّعي مطلقا ولا مدخل لكثرة السّعي في كثرة الرزق ، فمن ترك الطّاعات وارتكب المحرَّماًت في ذلك حرم ثواب الآخرة ولا يزيد رزقه في الدنيا فهو مغبون ، وهذا على القول بأن مقدار الرزق معين مقدر لا يزيد بالسّعي ولا ينقص بتركه ، وعلى القول بأن الرزق المقدر الواجب على الله تعالى هو القدر الضروري ويزيد بالكسب والسّعي ، فيحتاج الخبر إلى تأويل بعيد ، وسيأتي الكلام عليه في محله إنشاء الله تعالى.

الحديث السابع : ضعيف كالموثق.

« إلّا أن يكون فيها » كان الاستثناء منقطع ويحتمل الاتصال « جائعاً » أي بسبب الصوم أو الإيثار على الغير أو لأن الجوع موجب للقرب من الله تعالى بخلاف الشبع فإنه موجب للبعد مع أن في الجوع الاضطراري والصّبر عليه والرّضا بقضائه سبحانه لذة للمقربين « خائفاً » أي من عذاب الآخرة أو من العدوّ في الجهاد أيضاً أو لأنّ الضراء في الدنيا مطلقا موجب للسراء في الآخرة ، وقد أشبعنا الكلام في جوعه وقناعته وتواضعهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المأكلّ والملبس والمجلس وسائر أحواله في كتابنا الكبير ، وذكرها هنا يوجب الإطناب.

٢٧٨

٨ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن رأشدّ ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال خرج النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو محزون فأتاه ملك ومعه مفاتيح خزائن الأرض فقال يا محمّد هذه مفاتيح خزائن الأرض يقول لك ربك افتح وخذ منها ما شئت من غير أن تنقص شيئاً عندي فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له فقال الملك والذي بعثك بالحقّ نبيّاً لقد سمعت هذا الكلام من ملك يقوله في السماء الرّابعة حين أعطيت المفاتيح.

_________________________________________________

الحديث الثامن : ضعيف.

« خرج النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » أي من البيت أو إلى بعض الغزوات « وهو محزون » لعلّ حزنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لضعفّ المسلمين وعدم رواج الدين وقوة المشركين وقلة أسباب الجهاد « من غير أن تنقص » على بناء المجهول ، قال الجوهري : نقص الشيء ونقصته أنا يتعدى ولا يتعدى ، انتهى.

ويمكن أن يقرأ على بناء المعلوم فالمستتر راجع إلى المفاتيح ، وفي بعض النّسخ على الغيبة أي ينقص أخذك شيئاً من المنزلة والدرجة التّي لك عندي « من لا دار له » أي في الآخرة فالمعنى أن الذي يهتمّ لتحصيل الدنيا وتعميرها ليست له دار في الآخرة ، أو يختار الدنيا من لا يؤمن بأن له دارا في الآخرة أو من لا دار له أصلا ، فإن دار الآخرة قد فوتها ودار الدنيا لا تبقى له « ولها » أي للدنيا والعيش فيها.

« يجمع الأموال » والأسباب « من لا عقل له » لأن العاقل لا يختار الفاني على الباقي ، وربمّا يقرأ يجمع على بناء الأفعال من العزم والاهتمام.

في القاموس : الإجماع الاتفاق ، وصر أخلاف الناقة جمع ، وجعل الأمر جمعاً بعد تفرقه والأعداد والإيناس وسوق الإبل جميعاً والعزم على الأمر أجمعت الأمر وعليه والأمر مجمع ، انتهى.

ويناسب هنا أكثر المعاني لكنّ الأوّل أظهر.

٢٧٩

٩ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن درّاج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال مرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بجدي أسك ملقى على مزبلة ميتا فقال لأصحابه كم يساوي هذا فقالوا لعله لو كان حيا لم يساو درهما فقال النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذا الجدي على أهله.

١٠ - عليّ بن إبراهيم ، عن عليّ بن محمّد القاساني عمّن ذكره ، عن عبد الله بن القاسم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا أراد الله بعبد خيراً زهده في الدنيا وفقهه في الدين وبصره عيوبها ومن أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا والآخرة وقال لم

_________________________________________________

الحديث التاسع : حسن كالصحيح.

وقال في النّهاية : فيه أنّه مرّ بجدي أسكّ ، أي مصطلم الأذنين مقطوعهما ، وفي القاموس : السكك محركة الصمم وصغر الأذن ولزوقها بالرأس وقلة أشرافها أو صغر قوف الأذن وضيق الصّماخ يكون في النّاس وغيرهم وسككت وهو أسك وهي سكاء.

وأقول : روى مسلم في صحيحه هذا الحديث بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّ بالسوق فمرّ بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بإذنه ثم قال : أيكم يحبّ أن هذا له بدرهم؟ فقالوا : ما نحبّ أنه لنا بشيء وما نصنع به؟ قال : تحبون أنه لكم؟ قالوا : والله لو كان حيا كان عيبا فيه لأنه أسك فكيف وهو ميت؟ فقال : فو الله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم ، والمزبلة بفتح الباء والضم لغة : موضع يلقى فيه الزبل بالكسر وهو السرقين.

الحديث العاشر : ضعيف.

« وبصره عيوبها » أي الدنيا « ومن أوتيهن » أي تلك الخصال الثلاث وفيه إشعار بأنه لا يتيسّر إلّا بتوفيق الله تعالى «فَقَدْ أُوتِيَ » كأنه إشارة إلى قوله تعالى : «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خيراً كثيراً »(١) فالحكمة العلم بالدين أصوله وفروعه وبعيوب

____________________

(١) سورة البقرة : ٢٦٩.

٢٨٠