مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 437

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 437
المشاهدات: 18749
تحميل: 8660


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18749 / تحميل: 8660
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 8

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

( باب )

١ - الحسين بن محمّد الأشعريّ ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الله عزَّ وجلَّ يقول وعزتي وجلالي وعظمتي وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هوى

باب

إنّما لم يعنون هذا الباب لأنه قريب من الباب الأوّل فكأنّه داخل في عنوانه لأنه فيه المنع عن إيثار هوى الأنفس وشهواتها على رضا الله تعالى ، وليس هذا الإيثار إلّا لحبّ الدّنيا وشهواتها ، لكنّ لـمّا لم تذكر في الخبرين ذكر الدّنيا صريحاً أفرد لهما باباً وألحقّه بالباب السابق.

الحديث الأوّل : ضعيف على المشهور ، ولا يضرّ عندي ضعفّ المعلى.

قوله تعالى : وعزّتي ، العزّة القوة والشدّة والغلبة ، وقيل : عزته عبارة عن كونه منزها عن سمات الإمكان وذل النقصان ، ورجوع كلّ شيء إليه وخضوعه بين يديه ، والعظمة في صفة الأجسام كبر الطول والعرض والعمق ، وفي وصفه تعالى عبارة عن تجاوز قدره عن حدود العقول والأوهام حتّى لا تتصور الإحاطة بكنه حقّيقته عند ذوي الأفهام وعلوه علو عقلي على الإطلاق بمعنى أنه لا رتبة فوق رتبته ، وذلك لأن أعلى مرّاتب الكمال العقلي هو مرّتبته العلية ولـمّا كانت ذاته المقدسة مبدأ كلّ موجود حسي وعقلي ، لا جرم كانت مرّتبته أعلى مرّاتب العقلية مطلقا وله العلو المطلق في الوجود العاري عن الإضافة إلى شيء ، وعن إمكان أن يكون فوقه ما هو أعلى منه ، وهذا معنى قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : سبق في العلو فلا أعلى منه ، وارتفاع مكانه كناية عن عدم إمكان الإشارة إليه بالعقول والحواس « لا يؤثر عبد هواي على هوى نفسه » المرّاد بهوى النّفس ميلها إلى ما هو مقتضى طباعها من اللذات الحاضرة الدنيويّة والخروج عن الحدود الشرعيّة ، وبإيثار هواه سبحانه

٣٢١

_________________________________________________

إعراضها عن هذا الميل ورجوعها إلى ما يوجب قرب الحقّ تعالى ورضاه ، وقد قال تعالى مخاطبا لداودعليه‌السلام : «إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاس بِالْحقّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ، إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ »(١) فبيّن سبحانه أنّ متابعة الهوى أي ما تهوي الأنفس مخالفة لاتباع سبيل الله وسلوك طريق الحقّ.

ثم بيّن أنّ متابعة الهوى متفرّع على نسيان يوم الحساب فإن من تذكر الآخرة ونعيمها وعذابها لا يتبع الأهواء النّفسانيّة والدواعي الشهوانيّة وقال سبحانه : «فَإمّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدّنيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى ، وَإمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النّفس عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الجنّة هِيَ الْمَأْوى »(٢) فأشار إلى أن إيثار الحياة الدّنيا مقابل لنهي النّفس عن الهوى واتباع الهوى إيثار الحياة الدّنيا ولذّاتها على الآخرة. وقال سبحانه : «أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً »(٣) وقال عزَّ من قائل : «فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ ممّن اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ »(٤) ومثله في الكتاب العزيز كثير.

قولهعليه‌السلام : إلّا كففت عليه ضيعته ، قال في النّهاية : فيه أمرّت أن لا أكفّ شعرا ولا ثوبا يعنّي في الصلاة يحتمل أن يكون بمعنى المنع أي لا أمنعها من الاسترسال حال السجود ، ليقعا على الأرض ، ويحتمل أن يكون بمعنى الجمع أي لا يجمعهما ويضمهما ، ومنه الحديث : المؤمن أخو المؤمن يكفّ عليه ضيعته ، أي يجمع عليه

____________________

(١) سورة ص : ٢٦.

(٢) سورة النازعات : ٤٠.

(٣) سورة الفرقان : ٤٣.

(٤) سورة القصص : ٥٠.

٣٢٢

نفسه إلّا كففت عليه ضيعته وضمّنت السماوات والأرض رزقه وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر.

_________________________________________________

معيشته ويضمها إليه ، وقال في حديث سعد : إنّي أخاف على الأعناب الضيعة أي أنها تضيع وتتلف ، والضيعة في الأصل المرّة من الضياع ، وضيعة الرّجل في غير هذا ما يكون منه معاشه كالصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك ، ومنه الحديث : أفشى الله عليه ضيعته أي أكثر عليه معاشه ، انتهى.

وأقول : هذه الفقرة تحتمل وجوها : الأوّل : ما ذكره في النّهاية أي جمعت عليه ضيعته ومعيشته ، والتعدية بعلى لتضمين معنى البركة أو الشفقة ونحوهما ، أو على بمعنى إلى كما أومأ إليه في النّهاية فيحتاج أيضاً إلى تضمين.

الثاني : أن يكون الكفّ بمعنى المنع وعلى بمعنى عن والضيعة بمعنى الضياع ، أي أمنع عنه ضياع نفسه وما له وولده وسائر ما يتعلق به ، ويؤيده أن الصّدوق (ره) رواه في الخصال عن ابن الوليد عن الصفار عن الحسن بن عليّ بن فضّال عن عاصم عن أبي عبيدة ، وفيه : وكففت عنه ضيعته.

الثالث : ما ذكره بعض المحقّقين وتبعه غيره أنه من الكفّاف وهو ما يفي بمعيشته ويغنيه عن غيره ، أي جعلت معيشته مباركاً عليه كفافا له ، ولا يخفى بعده لفظا إذ لا تساعده اللغة.

قوله تعالى : وضمنت ، على صيغة المتكلم من باب التفعيل أي جعلت السماوات والأرض ضامنتين لرزقه كناية عن تسبيب الأسباب السماوية والأرضية له وربمّا يقرأ بصيغة الغائب على بناء المجرّد ، ورفع السماوات والأرض ، وهو بعيد « وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر » الوراء فعال ولامه همزة عند سيبويه وأبي عليّ الفارسي ، وياء عند العامة ، وهو من ظروف المكان بمعنى قدام وخلف ، والتجارة مصدر بمعنى البيع والشراء للنفع وقدير أدبها ما يتجر به من الأمتعة ونحوها على تسمية المفعول باسم المصدر ، وهذه الفقرة أيضاً تحتمل وجوها :

٣٢٣

٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن ابن سنان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال الله عزَّ وجلَّ وعزتي وجلالي وعظمتي وبهائي وعلو ارتفاعي لا يؤثر عبد مؤمن هواي على هواه في شيء

_________________________________________________

الأوّل : أن يكون المعنى كنت له عقب تجارة كلّ تاجر أسوقها إليه أي ألقى المحبّة في قلوب التجار ليتجروا له ويكفوا مهماته.

الثاني : أن يكون المعنى كنت له عوضا من تجارة كلّ تاجر فإن كلّ تاجر يتجر لمنفعة دنيوية أو أخروية ، ولـمّا أعرض عن جميع ذلك كنت أنا ربح تجارته ، وهذا معنى رفيع دقيق خطر بالبال ، لكنّ لا يناسب إلّا من بلغ في درجات المحبّة أقصى مرّاتب الكمال.

الثالث : الجمع بي المعنيين أي كنت له بعد حصول تجارة كلّ تاجر له.

الرابع : ما قيل : أن كلّ تاجر في الدّنيا للآخرة يجد نفع تجارته فيها من الجنّة ونعيمها ، والله سبحانه بذاته المقدسة والتجليات اللائقة وراء هذا لهذا العبد ، ففيه دلالة على أن للزاهدين في الجنّة نعمة روحانيّة أيضاً وهو قريب من الثالث.

الخامس : أن يكون الوراء بمعنى القدام أي كنت له أنيسا ومعينا ومحبّاً ومحبوباُ قبل وصوله إلى نعيم الآخرة الذي هو غاية مقصود التاجرين لها.

السادس : ما قيل : أي أنا أتجر له فأربح له مثل ربح جميع التجار لو اتجروا له ، ولا يخفى بعده.

الحديث الثاني : صحيح.

والبهاء الحسن والمرّاد الحسن المعنوي ، وهو الاتصاف بجميع الصّفات الكماليّة « إلّا جعلت غناه في نفسه » أي أجعل نفسه غنيّة قانعة بما رزقته ، لا بالمال فإن الغني بالمال الحريص في الدّنيا أحوج النّاس ، وإنما الغني غنى النّفس فكلمة في للتعليل ، و

٣٢٤

من أمرّ الدّنيا إلّا جعلت غناه في نفسه وهمّته في آخرته وضمنت السماوات والأرض رزقه وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر.

( باب القناعة )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مرّوان ، عن زيد الشحّام ، عن عمرّو بن هلال قال قال أبو جعفرعليه‌السلام إيّاك أن تطمح بصرك إلى من فوقك فكفى بما قال الله عزَّ وجلَّ - لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله «فَلا تُعْجِبْكَ

_________________________________________________

يحتمل الظرفية أيضاًبتكلف « وهمته » أي عزمه وقصده في آخرته ففي للتعليل أيضاً ، أو المعنى أنّها مقصورة في آخرته ولا يوجه همته إلى الدّنيا أصلا.

باب القناعة

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« أن تطمح بصرك » الظاهر أنّه على بناء الأفعال ونصب البصر ، ويحتمل أن يكون على بناء المجرّد ورفع البصر أي لا ترفع بصرك بأن تنظر إلى من هو فوقك في الدّنيا ، فتتمنى حاله ولا ترضى بما أعطاك الله ، وإذا نظرت إلى من هو دونك في الدّنيا ترضى بما أوتيت وتشكر الله عليه وتقنع به ، قال في القاموس : طمح بصره إليه كمنع فهي طامح ، وأطمح بصره رفعه ، انتهى.

« فكفى بما قال الله » الباء زائدة أي كفاك للاتعاظ ولقبول ما ذكرت ما قال الله لنبيّه وإن كان المقصود بالخطاب غيره «وَلا تُعْجِبْكَ » كذا في النّسخ التّي عندنا والظاهر « فلا » إذ الآية في سورة التوبة في موضعين أحدهما «فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدّنيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ »(١) والأخرى : «وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدّنيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ »(٢) وما ذكر هنا لا يوافق شيئاً منهما ، وإن احتمل أن يكون نقلا بالمعنى إشارة إلى الآيتين معاً.

____________________

(١) الآية : ٥٥.

(٢) الآية : ٨٥.

٣٢٥

أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ »(١) وقال : «وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ

_________________________________________________

وقال البيضاوي في الأولى : فَلا تُعْجِبْكَ « إلخ » فإن ذلك استدرّاج ووبال لهم كما قال «إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها » ، بسبب ما يكابدون لجمعها وحفظها من المتاعب وما يرون فيها من الشدائد والمصائب «وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ » أي فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر في العاقبة فيكون ذلك استدراجا له ، وقال في الأخرى : تكرير للتأكيد والأمر حقّيق به فإن الأبصار طامحة إلى الأموال والأولاد ، والنفوس مغتبطة عليها ، ويجوز أن يكون هذه في فريق غير الأول.

«وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ » قال في الكشاف : أي نظر عينيك ومد النظر تطويله وإن لا يكاد يرده استحسانا للمنظور إليه وتمنياَ أن يكون له مثله ، وفيه أن النظر غير الممدود معفو عنه ، وذلك مثل نظر من باده الشيء بالنظر ثم غض الطرف وقد شدد العلماء من أهل التقوى في وجوب غض البصر عن أبنيّة الظلمة وعدد الفسقة في اللباس والمرّاكب وغير ذلك ، لأنهم اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة فالناظر إليها محصل لغرضهم وكالمغرى لهم على اتخاذها.

«أَزْواجاً مِنْهُمْ » قال البيضاوي : أصنافا من الكفّرة ويجوز أن يكون حإلّا من الضمير والمفعول منهم أي إلى الذي متعنا به ، وهو أصناف بعضهم وناسا منهم «زَهْرَةَ الْحَياةِ الدّنيا » منصوب بمحذوف دل عليه متعنا أو به على تضمينه معنى أعطينا أو بالبدل من محلّ به أو من أزواجا بتقدير مضاف وذويه ، أو بالذمّ وهي الزينة والبهجة «لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ » لنبلونهم ونختبرهم فيه أو لنعذبهم في الآخرة بسببه «وَرِزْقُ ربّك » وما ادخره لك في الآخرة أو ما رزقك من الهدى والنبوة «خَيْرٌ » ممّا منحهم في الدّنيا «وَأَبْقى » فإنه لا ينقطع وإنما ذكرنا تتمّة الآيتين لأنهما مرّادتان

____________________

(١) سورة التوبة : ٥٦. وفي المصحف « فلا تعجبك » كما تنبّه به الشارح (ره).

٣٢٦

الْحَياةِ الدّنيا »(١) فإن دخلك من ذلك شيء فاذكر عيش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنما كان قوته الشعير وحلواه التمرّ ووقوده السعفّ إذا وجده.

_________________________________________________

وتركنا اختصاراً « فإن دخلك من ذلك » أي من إطماح البصر أي من جملته« شيء » أو بسببه شيء من الرغبة في الدّنيا فاذكر لعلاج ذلك وإخراجه عن نفسك « عيش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » أي طريق تعيشه في الدّنيا لتسهل عليك مشاق الدّنيا والقناعة فيها فإنه إذا كان أشرف المكونات هكذا تعيشه فكيف لا يرضى من دونه به ، وإن كان شريفاً رفيعاً عند النّاس ، مع أن التأسي بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لازم.

« فإنما قوته الشعير » أي خبزه غالباً « وحلواه التمرّ » قال في المصباح الحلواء التّي تؤكلّ ، تمد وتقصر وجمع الممدود حلاوي مثل صحراء وصحاري بالتشديد وجمع المقصور حلاوي بفتح الواو ، وقال الأزهري : الحلواء اسم لـمّا يؤكلّ من الطعام إذا كان معالجا بحلاوة « ووقوده السعفّ » الوقود بالفتح الحطب وما يوقد به والسعفّ أغصان النخل ما دامت بالخوص ، فإن زال الخوص عنها قيل جريدة ، الواحدة سعفّة ذكره في المصباح ، وفي القاموس : السعفّ محركة جريد النخل أو ورقه وأكثر ما يقال إذا يبست والضمير في « إن وجدّه » راجع إلى كلّ من الأمور المذكورة أو إلى السعفّ وحده ، وفسر بعضهم السعفّ بالورق ، وقال : الضمير راجع إليه ، والمعنى أنه كان يكتفي في خبز الخبز ونحوه بورق النخل ، فإذا انتهى ذلك ولم يجدّه كان يطبخ بالجريد ، بخلاف المسرفين فإنهم يطرحون الورق ويستعملون الجريد ابتداء.

وأقول : كأنه (ره) تكلف ذلك لأنه لا فرق بين جريد النخل وغيره في الإيقاد فأي قناعة فيه ، وليس كذلك لأن الجريد أرذل الأحطاب للإيقاد لنتنه وكثرة دخانه ، وعدم اتقاد جمرّة ، وهذا بين لمن جربه.

____________________

(١) سورة البقرة : ١٣١.

٣٢٧

٢ - الحسين بن محمّد بن عامرّ ، عن معلّى بن محمّد وعليّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد جميعاً ، عن الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله.

٣ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن الهيثم بن واقد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من رضي من الله باليسير من المعاش رضي الله منه باليسير من العمل.

_________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف.

« ومن استغنى » أي عن النّاس وترك الطلب أغناه الله عنه بإعطاء ما يحتاج إليه.

الحديث الثالث : مجهول.

« رضي الله منه » قيل : لأن كثرة النعمة توجب مزيد الشكر فكلـمّا كانت النعمة أقل كان الشكر أسهل ، وبعبارة أخرى يسقط عنه كثير من العبادات المالية كالزكاة والحجّ وبرّ الوالدين وصلة الأرحام وإعانة الفقراء وأشباه ذلك والظاهر أن المرّاد به أكثر من ذلك من المسامحة والعفو ، كما روى الصّدوق (ره) في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن النصر بن قابوس قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن معنى الحديث من رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله منه باليسير من العمل؟

قال : يطيعه في بعض ويعصيه في بعض ، وقد ورد في طريق العامة عن النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخلص قلبك يكفك القليل من العمل ، وقال بعضهم : لأن من زهد في الدّنيا وطهر ظاهره وباطنه من الأعمال والأخلاق القبيحة التّي يقتضيها الدّنيا وفرغ من المجاهدات التّي يحتاج إليها السالك المبتدي ، وجعلها وراء ظهره فلم يبق عليه إلّا فعل ما ينبغي فعله ، وهذا يسير بالنسبة إلى تلك المجاهدات ، انتهى.

وأقول : يحتمل إجراء مثله في هذا الخبر لأن من رضي بالقليل فقد زهد في الدّنيا وأخلص قلبه من حبها.

٣٢٨

٤ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عمرّو بن أبي المقدام ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال مكتوب في التوراة ابن آدم كن كيف شئت كما تدين تدان من رضي من الله بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل ومن رضي باليسير من الحلال خفت مئونته وزكت مكسبته وخرج من حد الفجور.

٥ - عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن عرفة ، عن أبي الحسن الرّضاعليه‌السلام قال من لم يقنعه من الرزق إلّا الكثير لم يكفه من العمل إلّا الكثير ومن كفاه من الرزق القليل فإنه يكفيه من العمل القليل.

_________________________________________________

الحديث الرابع : ضعيف.

« كن كيف شئت » الظاهر أنه أمرّ عليّ التهديد نحو قوله تعالى : «اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ »(١) وقيل : كن كما شئت أن يعمل معك وتتوقعه لقوله : كما تدين تدان ، وقد مرّ معناه « خفت مؤنته» أي مشقته في طلب المال وحفظه « وزكت » أي طهرت من الحرام « مكسبه » لأن ترك الحرام والشبهة في القليل أسهل أو نمت وحصلت فيه بركة مع قلته « وخرج من حد الفجور » أي من قرب الفجور والإشراف على الوقوع في الحرام ، فإن بين المال القليل والوقوع في الفجور فاصلة كثيرة لقلة الدواعي ، فصاحبّ المال الكثير لكثرة دواعي الشرور والفجور فيه كأنه على حد هو منتهى الحلال وبأدنى شيء يخرج منه إلى الفجور ، إمّا بالتقصير في الحقّوق الواجبة فيه أو بالطغيان اللازم له أو القدرة عليّ المحرَّماًت التّي تدعو النّفس إليه ، أو بالحرص الحاصل منه فلا يكتفي بالحلال ، ويتجاوز إلى الحرام وأشباه ذلك ، ويحتمل أن يكون المعنى خرج من حد الفجور الذي تستلزمه كثرة المال إلى الخير والصلاح اللازم لقلة المال والأوّل أبلغ وأتم.

الحديث الخامس : مجهول ، والمضمون ممّا مرّ معلوم.

____________________

(١) سورة فصلت : ٤٠.

٣٢٩

٦ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول ابن آدم إن كنت تريد من الدّنيا ما يكفيك فإن أيسر ما فيها يكفيك وإن كنت إنما تريد ما لا يكفيك فإن كلّ ما فيها لا يكفيك.

٧ - محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن عبد الرّحمن بن محمّد الأسدي ، عن سالم بن مكرم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال اشتدت حال رجل من أصحاب النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت له امرّأته لو أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسألته فجاء إلى النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله فلـمّا رآه النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله فقال الرّجل ما يعنّي غيري فرجع إلى امرّأته فأعلمها فقالت إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بشرّ فأعلمه فأتاه فلـمّا رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله حتّى فعل الرّجل ذلك ثلاثاً ثم ذهب الرّجل فاستعار معولا ثم أتى الجبل فصعده فقطع

_________________________________________________

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

« ما يكفيك » أي ما تكتفي وتقنع به ، أي بقدر الكفّاف والضرورة ، وقوله :

فإن أيسر ، من قبيل وضع الدليل موضع المدلول أي فيحصل مرّادك لأن أيسر ما في الدّنيا يمكن أن يكتفي به « وإن كنت تريد مإلّا يكفيك » أي مالا تكتفي به وتريد أزيد منه ، فلا تصل إلى مقصودك ولا تنتهي إلى حد فإنه إن حصل لك جميع الدّنيا تريد أزيد منها لـمّا مرّ وجرّب أن كثرة المال يصير سبباً لكثرة الحرص ، وسيأتي أوضح من ذلك في العاشر وبعده.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

« لو أتيت » لو للتمنّي « إن رسول الله بشرّ » أي لا يعلم الغيب إلّا الله وهو بشرّ لا يعلم الغيب ، أي لم يكن هذا الكلام معك لأنّه لا يعلم ما في ضميرك أو لا يعلم كنه شدّة حالنا وإنّما عرف حاجتك في الجملة ، وفي الصحاح : المعول الفأس العظيمة

٣٣٠

حطباً ثم جاء به فباعه بنصف مد من دقيق فرجع به فأكله ثم ذهب من الغد فجاء بأكثر من ذلك فباعه فلم يزل يعمل ويجمع حتّى اشترى معولا ثم جمع حتّى اشترى بكرين وغلاماً ثم أثرى حتّى أيسر فجاء إلى النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأعلمه كيف جاء يسأله وكيف سمع النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله قلت لك من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله.

٨ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عليّ بن الحكم ، عن الحسين بن الفرات ، عن عمرّو بن شمرّ ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أراد أن يكون أغنى النّاس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يد غيره.

٩ - عنه ، عن ابن فضّال ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر أو أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس.

_________________________________________________

التّي ينقر بها الصخر « من الغد » من بمعنى في ، والبكر بالفتح : الفتى من الإبل ، ويقال : أثرى الرّجل إذا كثرت أمواله ، وأيسر الرّجل أي استغنى ، كلّ ذلك ذكره الجوهري.

الحديث الثامن : ضعيف.

« فليكن بما في يد الله » أي في قدرة الله وقضائه وقدره « أوثق منه بما في يد غيره » ولو نفسه فإنه لا يصل إليه الأوّل ولا ينتفع بالثاني إلّا بقضاء الله وقدره ، والحاصل أن الغناء عن الخلق لا يحصل إلّا بالوثوق بالله سبحانه والتوكلّ عليه وعدم الاعتماد على غيره ، والعلم بأن الضار النافع هو الله ، ويفعل بالعبّاد ما علم صلاحهم فيه ويمنعهم ما علم أنه لا يصلح لهم.

الحديث التاسع : موثق كالصحيح.

« فهو من أغنى النّاس » لأن الغناء عدم الحاجة إلى الغير ، والقانع بما رزقه الله لا يحتاج إلى السؤال عن غيره تعالى.

٣٣١

١٠ - عنه ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن حمزة بن حمرّان قال شكا رجل إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه يطلب فيصيب ولا يقنع وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه وقال علمنّي شيئاً أنتفع به فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن كان ما يكفيك يغنيك فأدنى ما فيها يغنيك وإن كان ما يكفيك لا يغنيك فكلّ ما فيها لا يغنيك.

١١ - عنه ، عن عدّة من أصحابنا ، عن حنان بن سدير رفعه قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام من رضي من الدّنيا بما يجزيه كان أيسر ما فيها يكفيه ومن لم يرض من الدّنيا بما يجزيه لم يكن فيها شيء يكفيه.

( باب الكفّاف )

١ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن غير واحد ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي عبيدة الحذّاء قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله عز

_________________________________________________

الحديث العاشر : مجهول وقد مرّ مضمونه.

الحديث الحادي عشر : مرّفوع « وأجزأ » مهموز وقد يخفف أي أغنى وكفى ، قال في المصباح : قال الأزهري والفقهاء يقولون فيه أجزي من غير همز ولم أجدّه لأحد من أئمّة اللّغة ولكنّ إن همز أجزأ فهو بمعنى كفى ، وفيه نظر لأنه أراد امتناع التسهيل فقد توقف في غير موضع التوقف ، فإن تسهيل همزة الطرف في الفعل المزيد ، وتسهيل الهمزة الساكنة قياسي فيقال أرجأت الأمر وأرجيته وأنسأت وأنسيت وأخطأت وأخطيت.

باب الكفّاف

الحديث الأول : مرسل كالحسن.

والأغبط مأخوذ من الغبطة بالكسر وهي حسن الحال والمسرة « خفيف الحال » في بعض النّسخ بالحاء المهملة وفي بعضها بالمعجمة فعلى الثاني أي قليل المال والحظ

٣٣٢

وجلَّ إن من أغبط أوليائي عندي رجلاً خفيف الحال ذا حظ من صلاة أحسن

_________________________________________________

من الدّنيا والأوّل أيضاً قريب منه ، قال في النّهاية : فيه أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يشبع من طعام إلّا على حفف ، الحفف الضيق وقلة المعيشة ، يقال : أصابه حفف وحفوف ، وحفت الأرض إذا يبس نباتها ، أي لم يشبع إلّا والحال عنده خلاف الرخاء والخصب ، ومنه حديث قال له وفد العراق إن أمير المؤمنين بلغ منّا وهو حاف المطعم أي يابسه وقحله ومنه رأيت أبا عبيدة حفوفا أي ضيق عيش ، ومنه أن عبد الله بن جعفر حفف وجهد أي قل ماله ، انتهى.

« ذا حظ من صلاة » أي صاحبّ نصيب حسن وافر من الصلاة فرضا ونفلا كما وكيفا ، ويحتمل أن يكون من للتعليل أي ذا حظ عظيم من القرب أو الثّواب أو العفّة وترك المحرَّماًت أو الأعمّ بسبب الصلاة لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وهي قربان كلّ تقي.

« أحسن عبادة ربه بالغيب » أي غائباً عن النّاس والتخصيص لأنه أخلص وأبعد من الرياء أو بسبب إيمانه بموعود غائب عن حواسه كما قال تعالى : «يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ »(١) أو الباء للآلة أي إحسّان عبادتهم بالقلب لا بالجوارح الظاهرة فقط والأوّل أظهر.

« وكان غامضا في النّاس » في النّهاية أي مغمورا غير مشهور.

وأقول : إمّا للتقية أو المعنى أنه ليس طالبا للشهرة ورفعة الذكر بين النّاس « جعل » على بناء المفعول « رزقه كفافاً » أي بقدر الحاجة وبقدر ما يكفه عن السؤال قال في النّهاية : الكفّاف هو الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة إليه ، ومنه لا تلام على كفاف ، أي إذا لم يكن عندك كفاف لم تلم على أن لا تعطى أحداً ، وفي المصباح : قوته كفاف ، بالفتح أي مقدار حاجته من غير زيادة ولا نقص ، سمّي بذلك لأنه يكفّ عن سؤال النّاس ويغني عنهم.

____________________

(١) سورة البقرة : ٥.

٣٣٣

عبادة ربه بالغيب وكان غامضا في النّاس جعل رزقه كفافا فصبر عليه عجلت منيّته فقل تراثه وقلت بواكيه.

٢ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طوبى لمن أسلم وكان عيشه كفافا.

٣ - النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اللّهم ارزق محمّداً وآل محمّد ومن أحبّ محمّداً وآل محمّد العفاف والكفّاف وارزق من أبغض

_________________________________________________

« عجلت منيّته » كان ذكر تعجيل المنيّة لأنه من المصائب التّي ترد عليه ، وعلم الله صلاحه في ذلك لخلاصه من أيدي الظلمة أو بذله نفسه لله بالشهادة ، وقيل : كان المرّاد بعجلة منيّته زهده في مشتهيات الدّنيا وعدم افتقاره إلى شيء منها كأنه ميت ، وقد ورد في الحديث المشهور : موتوا قبل أن تموتوا ، أو المرّاد أنه مهما قرب موته قل تراثه وقلت بواكيه لانسلاله متدرجاً عن أمواله وأولاده.

وأقول : في مشكاة الأنوار : مات فقل تراثه ، وقال في الصحاح : التراث أصل التاء فيه واو ، وقلة البواكي لقلة عياله وأولاده وغموضه وعدم اشتهاره ، ولأنه ليس له مال ينفق في تعزيته فيجتمع عليه الناس.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

وقال في النّهاية : فيه فطوبى للغرباء ، طوبى اسم الجنّة وقيل : هي شجرة فيها وأصلها فعلى من الطيب ، فلـمّا ضمت الطاء انقلبت الياء واوا ، وفي القاموس : العيش الحياة عاش يعيش عيشا ومعيشة وعيشة بالكسر ، والطعام وما يعاش به والخبز.

الحديث الثالث : كالسابق.

والعفاف بالفتح عفّة البطن والفرج ، أو التعفف عن السؤال من الخلق أو الأعم.

ثم إن هذه الأخبار تدل على ذم كثرة الأموال والأولاد ، والأخبار في ذلك

٣٣٤

محمّداً وآل محمّد المال والولد.

_________________________________________________

مختلفة وورد في كثير من الأدعية طلب الغناء وكثرة الأموال والأولاد ، وورد في كثير منها ذم الفقر والاستعاذة منه ، والجمع بينها لا يخلو من إشكال ، ويمكن الجمع بينها بأن الغناء الممدوح ما يكون وسيلة إلى تحصيل الآخرة ، ولا يكون مانعاً من الاشتغال بالطّاعات كما ورد : نعم المال الصالح للعبد الصالح وهو نادر ، والفقر المذموم هو ما لا يصبر عليه ، ويكون سبباً للمذلة والافتقار إلى النّاس وربمّا يحمل الفقر والغناء الممدوحان على الكفّاف فإنه غنى بحسب الواقع ، ويعده أكثر النّاس فقرا ولا ريب في أن كثرة الأموال والأولاد والخدم ملهية غالباً عن ذكر الله والآخرة كما قال سبحانه : «أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ »(١) وقال «إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى »(٢) وإمّا إذا لم تكن حصول هذه الأشياء مانعة عن تحصيل الآخرة وكان الغرض فيها طاعة الله وكثرة العابدين لله فهي من نعم الله على من علم الله صلاحه فيه ، وكان هذه الأخبار محمولة على الغالب.

ومضمون هذا الحديث مرّوي في طريق العامة أيضاً ، ففي صحيح مسلم عن النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : اللّهم اجعل رزق محمّد قوتا ، وعنه أيضاً : اللّهم اجعل رزق محمّد كفافا ، وفي رواية أخرى اللّهم اجعل رزق آل محمّد قوتا.

قال عياض : لا خلاف في فضيلة ذلك لقلة الحساب عليه وإنما اختلف أيهما أفضل الفقر أو الغناء واحتج من فضل الفقر بدخول الفقراء الجنّة قبل الأغنياء قال القرطبي : القوت ما يقوت الأبدان ويكفّ عن الحاجة ، وهذا الحديث حجّة لمن قال أن الكفّاف أفضل لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما يدعو بالأرجح ، وأيضاً فإن الكفّاف حالة متوسطة بين الفقر والغناء ، وخير الأمور أوسطها ، وأيضاً فإنه حالة يسلّم معها من آفات الفقر وآفات الغناء ، وقال الآبي في إكمال الإكمال : في المسألة خلاف والمتحصل

____________________

(١) سورة التغابن : ١٥.

(٢) سورة العلق : ٧.

٣٣٥

٤ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن إبراهيم بن محمّد النوفليّ رفعه إلى عليّ بن الحسين صلوات الله عليه قال مرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله براعي إبل فبعث يستسقيه فقال إمّا ما في ضروعها فصبوح الحي وإمّا ما في آنيتنا فغبوقهم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - اللّهم أكثر ماله وولده ثم مرّ براعي غنم فبعث إليه يستسقيه فحلب له ما في ضروعها وأكفأ ما في إنائه في إناء - رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعث إليه بشاة وقال هذا ما عندنا وإن أحببت أن نزيدك زدناك قال فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - اللّهم ارزقه الكفّاف فقال له بعض أصحابه يا رسول الله دعوت للذي ردك بدعاء عامتنا نحبّه ودعوت للذي أسعفك بحاجتك بدعاء كلنا نكرهه فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن ما قل وكفى خير ممّا كثر وألهى اللّهم ارزق محمّداً وآل محمّد الكفّاف.

٥ - عنه ، عن أبيه ، عن أبي البختري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عز

_________________________________________________

فيها أربعة أقوال : قيل الغناء أفضل وقيل : الفقر أفضل وقيل : الكفّاف أفضل ، وقيل : بالوقف ، وقال : المرّاد بالرزق المذكور ما ينتفع بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفسه وفي أهل بيته ، وليس المرّاد به الكسب لأنه كسب من خيبر وغيرها فوق القوت ، انتهى.

الحديث الرابع : مرّفوع.

والصبوح بالفتح شرب الغداًة وما حلب أوّل النهار ، والغبوق بالفتح أيضاً الشرب بالعشي أو ما حلب آخر النهار ، وفي القاموس : كفاه كمنعه صرفه وكبه وقلبه كاكفاه ، وقال الجوهري : كفأت الإناء كببته وقلبته فهو مكفوء وزعم ابن الأعرابي أن أكفأته لغة وقال الكسائي : كفأت الإناء وأكفأته أملته ، وقال : أسعفت الرّجل بحاجته إذا قضيتها له.

الحديث الخامس : ضعيف.

والحزن بالضمّ الهم وحزن كفرح لازم وحزن كنصر متعد ، يقال حزنه

٣٣٦

وجلَّ يقول يحزن عبدي المؤمن إن قترت عليه وذلك أقرب له منّي ويفرح عبدي المؤمن إن وسعت عليه وذلك أبعد له مني.

٦ - الحسين بن محمّد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمّد الأزدي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله عزَّ وجلَّ إن من أغبط أوليائي عندي عبداً مؤمناً ذا حظ من صلاح أحسن عبادة ربه وعبد الله في السريرة وكان غامضا في النّاس فلم يشرّ إليه بالأصابع وكان رزقه كفافا فصبر عليه فعجلت به المنيّة فقل تراثه وقلت بواكيه.

_________________________________________________

الأمر حزنا وأحزنه ، وهنا يحتمل الوجهين بأن يكون يحزن بفتح الزاي ، وعبدي فاعله وإن بالكسر حرف شرط ، أو يحزن بالضمّ وعبدي مفعوله وأن بالفتح مصدرية في محلّ الفاعل ، والتقتير التضييق ، وكذا قوله : يفرح يحتمل بناء المجرّد ورفع عبدي ، وكسر إن ، أو بناء التفعيل ونصب عبدي وفتح أن واللام في له في الموضعين للتعدية.

الحديث السادس : صحيح.

والسر والسريرة ما يكتم ، أي عبد الله خفية فهو يؤيّد الغيب بالمعنى الأوّل ، أو في القلب عند حضور المخالفين ، فيؤيّد الأخير ، والأوّل أظهر « فلم يشرّ » عليّ بناء المجهول كناية عن عدم الشهرة تأكيداً وتفريعاً على الفقرة السّابقة وقد مرّ مضمونه في الحديث الأوّل ، ولله در من نظم الحديثين فقال :

أخصّ الناس بالإيمان عبد

خفيف الحال مسكنه القفار

له في الليل حظ من صلاة

ومن صوم إذا طلع النهار

وقوت النّفس يأتي من كفاف

وكان له على ذاك اصطبار

وفيه عفّة وبه خمول

إليه بالأصابع لا يشار

وقل الباكيات عليه لما

قضى وليس له يسار

فذاك قد نجا من كلّ شرّ

ولم تمسسه يوم البعث نار.

٣٣٧

( باب )

( تعجيل فعل الخير )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن النّعمان قال حدثني حمزة بن حمرّان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إذا همَّ أحدكم بخير فلا يؤخّره فإن العبد ربمّا صلى الصلاة أو صام اليوم فيقال له اعمل ما شئت بعدها فقد غفر [ الله ] لك.

_________________________________________________

باب تعجيل فعل الخير

الحديث الأول : مجهول.

قولهعليه‌السلام : فإن العبد ، يعنّي أن العبادة التّي توجب المغفرة التامة والقرب الكامل من جناب الحقّ تعالى مستورة على العبد لا يدري أيّها هي فكلـمّا هم بعبادة فعليه إمضاؤها قبل أن تفوته فلعلها تكون هي تلك العبادة كما روي عن النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لربكم في أيام دهركم نفحات إلّا فتعرضوا لها ، والصلاة والصوم منصوبان بالمصدرية للنوع أي نوعا من الصلاة ونوعا من الصوم ، وفي بعض النّسخ مكان الصوم اليوم ، فهو منصوب على الظرفية.

« فيقال له » القائل هو الله كما سيأتي أو الملائكة « بعدها » الضمير راجع إلى الصلاة على المثال أو إلى كلّ منهما بتأويل العبادة وفي قوله : « اعمل ما شئت » إشكال فإنه ظاهرا أمرّ بالقبيح؟ والجواب أنه معلوم أنه ليس الأمر هنا على حقّيقته بل الغرض بيان أن الأعمال السيئة لا تضرك بحيث تحرمك عن دخول الجنّة بأن وفقت لعدم الإصرار على الكبيرة ، أو صرت قابلا للعفو والمغفرة فيغفر الله لك ، فإن قيل : هذا إغراء بالقبيح؟ قلت : الإغراء بالقبيح إنّما يكون إذا علم العبد صدور مثل ذلك العمل عنه ، وأنه أي عمل هو وهو مستور عنه ، وقد يقال : إن

٣٣٨

٢ - عنه ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبي جميلة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام افتتحوا نهاركم بخير وأملوا على حفظتكم في أوله خيراً وفي آخره خيراً يغفر لكم ما بين ذلك إن شاء الله.

٣ - عنه ، عن ابن أبي عمير ، عن مرّازم بن حكيم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أبي يقول إذا هممت بخير فبادر فإنك لا تدري ما يحدث.

_________________________________________________

المعنى أنك لا تحاسب على ما مضى فقد غفر لك فبعد ذلك استأنف العمل إمّا للجنة فتستوجبها ، وإمّا للنار فتستحقّها كقوله : اعمل ما شئت فإنك ملاقيه.

وهذا الخبر منقول في طرق العامة وقال القرطبي : الأمر في قوله : اعمل ما شئت أمرّ إكرام كما في قوله تعالى : «ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ »(١) وإخبار عن الرّجل بأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه ومحفوظ في الآتي ، وقال الآبي : يريد بأمرّ الإكرام أنه ليس إباحة لأن يفعل ما يشاء.

الحديث الثاني : ضعيف.

ويدلّ على الحثّ على فعل الطّاعات في أوّل النهار وافتتاح النهار بالأدعية والأذكار والتلاوة وسائر الأقوال الحسنة فإن ملائكة النهار يكتبونها في أوّل صحيفة أعمالهم فكأنهم يملي عليهم ، وكذا في آخر النهار فإن الإملاء هو أن تلقى شيئاً على غيرك ليكتب وأصله الإملال وعلى أن فعل ذلك يوجب غفران ما بينهما من الذنوب ، ولذا وردت عن أئمتناعليهم‌السلام أذكار وأدعية كثيرة للصباح والمساء ، والتقييد بالمشية للتبرك أو لعدم الاغترار.

الحديث الثالث : صحيح.

« فإنك لا تدري ما يحدث » أي كموت أو هرم أو مرّض أو سهو أو نسيان أو وسوسة شيطان أو مانع من الموانع التّي لا تعد ولا تحصى.

____________________

(١) سورة الحجر : ٣٦.

٣٣٩

٤ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله يحبّ من الخير ما يعجل.

٥ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن بشير بن يسار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا أردت شيئاً من الخير فلا تؤخره فإن العبد يصوم اليوم الحار يريد ما عند الله فيعتقه الله به من النار ولا تستقل ما يتقرّب به إلى الله عزَّ وجلَّ ولو شق تمرّة.

٦ - عنه ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من هم بخير فليعجله ولا يؤخره فإن العبد ربمّا عمل العمل فيقول

_________________________________________________

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

ويدلّ على استحباب تعجيل الخيرات كما قال تعالى : «وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ »(١) وقال سبحانه : «أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ »(٢) ويدلّ على استحباب المبادرة إلى الصلوات في أوائل أوقاتها وكذا سائر العبادات.

الحديث الخامس : مجهول.

« ولو بشق تمرّة » أي نصفها فإنه قد يحفظ به النّفس عن الجوع المهلك ، وقد يعلل به اليتيم ولأنه إذا اجتمع منه كثير يصير قوتا لشخص ، قال في النّهاية : فيه : اتقوا النار ولو بشق تمرّة فإنها تقع من الجائع موقعها من الشبعان ، قيل : أراد أن شق التمرّة أي نصفها لا يتبين له كبير موقع من الجائع إذا تناوله كما لا يتبين على شبع الشبعان إذا أكله فلا تعجزوا أن تتصدقوا به ، وقيل : لأنه يسأل هذا شق تمرّة وذا شق تمرّة وثالثاً ورابعا فيجتمع له ما يسد به جوعته.

الحديث السادس : مرسل.

____________________

(١) سورة آل عمران : ١٣٣.

(٢) سورة المؤمنون : ٦١.

٣٤٠