مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 437

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 437
المشاهدات: 18747
تحميل: 8660


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18747 / تحميل: 8660
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 8

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عوّل على مالي.

٦ - عنه ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن معاوية بن عمّار ، عن نجم بن حطيم الغنوي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال اليأس ممّا في أيدي النّاس عزَّ المؤمن في دينه أوما سمعت قول حاتم :

إذا ما عزمت اليأس ألفيته الغنى

إذا عرّفته النفس والطمع الفقر

٧ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار الساباطي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول ليجتمع في قلبك الافتقار إلى النّاس والاستغناء عنهم فيكون افتقارك إليهم في لين

_________________________________________________

عنده قال : فقلت : أنصرف؟ قال : لا تنصرف فقد أمسيت ، قال : فأقمت عنده فقال لجاريته : هاتي مضربتي ووسادتي فافرشي لأحمد في ذلك البيت ، قال : فلـمّا صرت في البيت دخلني شيء فجعل يخطر ببالي : من مثلي في بيت ولي الله وعلىّ مهاده! فناداني : يا أحمد إن أمير المؤمنينعليه‌السلام عاد صعصعة بن صوحان فقال : يا صعصعة لا تجعل عيادتي إياك فخرا على قومك وتواضع لله يرفعك.

الحديث السادس : مجهول.

وذكر شعر حاتم ليس للاستشهاد بل للشهرة والدلالة على أن هذا ممّا يحكم به عقل جميع النّاس حتّى الكفّار « إذا ما عزمت اليأس » كلمة ما زائدة أي إذا عزمت على اليأس عن النّاس « ألفيته » أي وجدته « الغناء ، إذا عرفته» بصيغة الخطاب من باب التفعيل ونصب النّفس أو بصيغة الغيبة ورفع النّفس والطمع مرّفوع بالابتدائية والفقر بالخبرية.

الحديث السابع : ضعيف بسنديه على المشهور.

« ليجتمع في قلبك الافتقار إلى النّاس والاستغناء عنهم » أي العزم عليهما بأن تعاملهم ظاهراً معاملة من يفتقر إليهم في لين الكلام وحسن البشرّ وأن تعاملهم من

٣٦١

كلامك وحسن بشرك ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزّك.

عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن معبد قال حدّثني عليُّ بن عمرّ ، عن يحيى بن عمران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول ثمَّ ذكر مثله.

_________________________________________________

جهة أخرى معاملة من يستغني عنهم بأن تنزّه عرضك من التدنس بالسؤال عنهم ، وتبقى عزّك بعدم التذّلل عندهم للأطماع الباطلة أو يجتمع في قلبك اعتقادان اعتقادك بأنك مفتقر إليهم للمعاشرة لأنّ الإنسان مدني بالطبع يحتاج بعضهم إلى بعض في التعيش والبقاء ، واعتقادك بأنك مستغن عنهم غير محتاج إلى سؤالهم لأن الله تعالى ضمن أرزاق العبّاد وهو مسبب الأسباب ، وفائدة الأوّل حسن المعاشرّة والمخالطة معهم بلين الكلام وحسن الوجه والبشاشة ، وفائدة الثاني حفظ العرض وصوته عن النقص وحفظ العزَّ بترك السؤال والطمع.

والحاصل أن ترك المعاشرّة والمعاملة بالكلية مذموم والاعتماد عليهم والسؤال منهم والتذّلل عندهم أيضاً مذموم ، والممدوح من ذلك التوسط بين الإفراط والتفريط كما عرفت مراراً.

وفي القاموس : التنزّه التباعد والاسم النزهة ، ونزه الرّجل تباعد عن كلّ مكروه فهو نزيه ونزه نفسه عن القبيح تنزيها نحاها.

وقال : العرض بالكسر النفس وجانب الرّجل يصونه من نفسه وحسبه أن ينتقص ويثلب ، أو سواء كان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمرّه أو موضع المدح والذّم منه ، أو ما يفتخر به من حسب وشرف ، وقد يراد به الآباء والأجداد ، والخليفة المحمودة.

٣٦٢

( باب )

( صلة الرحم )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن درَّاج قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله جلَّ ذكره : «وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ

_________________________________________________

( باب صلة الرحم )

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

«وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ » قال البيضاوي : أي يسأل بعضكم بعضاً فيقول : أسألك بالله ، وأصله تتساءلون فأدغمت الثانيّة في السين ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بطرحها ، انتهى.

والظاهر أنّ ضمير « به » راجع إلى الله وعوده إلى التقوى بعيد ، والأرحام بالجر على قراءة حمزة عطف على الضمير المجرور ، واستدل به الكوفيون على جواز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار ومنعه البصريون لأنه من قبيل العطف على بعض الكلمة ، وأجابوا عن الآية بأن الأرحام مرفوعة كما في بعض القراءات الشاذة على أنه مبتدأ محذوف الخبر ، تقديره والأرحام كذلك أي ممّا يتقى أو يتساءل به ، أو منصوبة كما قرأ به غير حمزة من القراء السبعة بالعطف على محلّ الجار والمجرور كما في قولك مرّرت بزيد وعمرّوا ، أو على الله أي اتقوا الأرحام فصلوها ولا تقطعوها ، على أن الواو يحتمل أن يكون للقسّم أو بمعنى مع.

وأجيب بأن الكلّ خلاف الظاهر إمّا الأوّل فلان الأصل عدم الحذف ، وإمّا الثاني فلان العطف على المحلّ نادر في كلام الفصحاء ومع ندرته لا يجوز إلّا مع تعذر العطف على اللفظ ، ودليل التعذر غير تام لأن امتناع العطف على بعض الكلمة إذا كان ذلك البعض أيضاً كلمة ممنوع ، وإمّا الثالث فلبعد المسافة ولعدم فهم المساءلة في

٣٦٣

الْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً »(١) قال فقال هي أرحام النّاس إن الله عزَّ وجلَّ أمرّ بصلتها وعظّمها ، إلّا ترى أنّه جعلها منه.

٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن النّعمان ، عن إسحاق بن عمّار قال قال بلغني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنَّ رجلاً أتى النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله أهل بيتي أبوا إلّا توثّباً عليّ وقطيعة لي وشتيمة فأرفضهم قال

_________________________________________________

الأرحام حينئذ وإمّا الأخيران فلأن الأصل في الواو هو العطف ولا يعدل عنه إلّا بدليل «إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً » أي حافظاً مطلعا.

قولهعليه‌السلام : هي أرحام النّاس ، أي ليس المرّاد هنا رحم آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في أكثر الآيات « أمرّ بصلتها » أي في سائر الآيات أو في هذه الآية على قراءة النصب بالعطف على الله والأمر باتقاء الأرحام أمرّ بصلتها « وعظمها » حيث قرنها بنفسه ، « إلّا ترى أنه جعلها منه » أي قرنها بنفسه ، وعلى قراءة الجر حيث قررهم على ذلك حيث كانوا يجمعون بينه تعالى وبين الرحم في السؤال فيقولون أنشدك الله والرحم وربمّا يقرأ منة بضم الميم وتشديد النون أي جعلها قوة وسبباً لحصول المطالب أو بالكسر والتشديد أي أنعم بهما على الخلائق ولا يخفى ما فيهما من التعسف.

وفي تفسير العيّاشي في روايتين إلّا ترى أنه جعلها معه ويؤيّد العطف على الجلالة ما رواه الصّدوق في العيون والخصال بإسناده عن الرّضاعليه‌السلام قال : إن الله عزَّ وجلَّ أمرّ ثلاثة مقرون بها ثلاثة أخرى ، أمرّ بالصلاة والزكاة فمن صلى ولم يزك لم تقبل منه صلاته ، وأمرّ بالشكر له وللوالدين ، فمن لم يشكر والدية لم يشكر الله ، وأمرّ باتقاء الله وصلة الأرحام فمن لم يصل رحمه لم يتق الله عزَّ وجل.

الحديث الثاني : موثق.

وفي القاموس : الوثب الظفر وواثبه ساوره وتوثب في ضيعتي استولى عليها ظلـماً ،

____________________

(١) سورة النساء : ٢.

٣٦٤

إذاً يرفضكم الله جميعاً ، قال : فكيف أصنع قال تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمّن ظلمك فإنك إذا فعلت ذلك كان لك من الله عليهم ظهير.

٣ - وعنه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن محمّد بن عبيد الله قال قال أبو الحسن الرّضاعليه‌السلام يكون الرّجل يصل رحمه فيكون قد بقي

_________________________________________________

وقال : شتمه يشتمه شتماً سبّه والاسم الشتيمة ، وقال : رفضه يرفضه ويرفضه رفضاً ورفَضاً تركه ، انتهى.

ورفض الله كناية عن سلب الرحمة والنصرة وإنزال العقوبة و « تصل » وما عطف عليه خبر بمعنى الأمر وقد مرّ تفسيرها والظهير الناصر والمعين ، والمرّاد هنا نصرة الله والملائكة وصالح المؤمنين كما قال تعالى في شأن زوجتي النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخائنتين : «وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ »(١) .

الحديث الثالث : مجهول.

ويدلّ على أنّ العمر يزيد وينقص وأن صلة الرحم توجب زيادته ، وقوله :

يفعل الله ما يشاء ، إشارة إلى المحو والإثبات وأنه قادر على ذلك أو قد يزيد أكثر ممّا ذكر وأقل منه وقال الرّاغب : الرحم رحم المرّأة ومنه أستعير الرحم للقرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة ، يقال رحم ورحم قال عزَّ وجلَّ : «وَأَقْرَبَ رُحْماً »(٢) ، انتهى.

واعلم أنّ العلماء اختلفوا في الرحم التّي يلزم صلتها ، فقيل : الرحم والقرابة نسبة واتصال بين المنتسبين يجمعها رحم واحدة ، وقيل : الرحم عبارة عن قرابة الرّجل من جهة طرفيه ، آبائه وإن علوا ، وأولاده وإن سفلوا ، وما يتصل بالطرفين من الأخوة والأخوات وأولادهم والأعمام والعمات ، وقيل : الرحم التّي تجب صلتها كلّ رحم بين اثنين لو كان ذكرا لم يتناكحا فلا يدخل فيهم أولاد الأعمام والأخوال ، وقيل : هي عام في كلّ ذي رحم من ذوي الأرحام المعروفين بالنّسب محرّمات أو غير محرَّماًت

____________________

(١) سورة التحريم : ٤.

(٢) سورة الكهف : ٨١.

٣٦٥

من عمره ثلاث سنين فيصيّرها الله ثلاثين سنة «وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ ».

_________________________________________________

وإن بعدوا ، وهذا أقرب إلى الصواب بشرط أن يكونوا في العرف من الأقارب ، وإلّا فجميع النّاس يجمعهم آدم وحواء.

وأمّا القبائل العظيمة كبني هاشم في هذا الزمان هل يعدّون أرحاماً؟ فيه إشكال.

ويدلّ على دخولهم فيها ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى : «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ »(١) أنّها نزلت في بني أمية وما صدر منهم بالنسبة إلى أهل البيتعليهم‌السلام .

قال ابن الأثير في النهاية : فيه من أراد أن يطول عمره فليصل رحمه وقد تكرر في الحديث ذكر صلة الرحم وهي كناية عن الإحسّان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار ، والتعطف عليهم والرفق بهم والرعاية لأحوالهم ، وكذلك إن بعدوا وأساءوا ، وقطع الرحم ضدّ ذلك كله يقال : وصل رحمه يصلها وصلا وصلة والهاء فيها عوض من الواو المحذوفة فكأنه بالإحسّان إليهم قد وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والصهر ، انتهى.

وقال الشهيد الثاني (ره) : اختلف الأصحاب في أن القرابة من هم؟ لعدم النص الوارد في تحقّيقه ، فالأكثر أحالوه على العرف وهم المعروفون بنسبة عادة سواء في ذلك الوارث وغيره ، وللشيخ قول بانصرافه إلى من يتقرّب إليه إلى آخر أب وأم في الإسلام ، ولا يرتقي إلى آباء الشرك وإن عرفوا بقرابته عرفا لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قطع الإسلام أرحام الجاهلية ، وقوله تعالى لنوح : «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ »(٢) وقال ابن الجنيد : من جعل وصيته لقرابته وذوي رحمه غير مسمين كانت لمن تقرّب إليه من جهة ولده أو والديه ولا اختار أن يتجاوز بالتفرقة ولد الأب الرابع ، لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتجاوز ذلك في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس ، ثم على أي معنى حمل،

____________________

(١) سورة محمد : ٢٢.

(٢) سورة هود : ٤٦.

٣٦٦

_________________________________________________

يدخل فيه الذكر والأنثى والقريب والبعيد والوارث وغيره ، ولا فرق بين ذوي القرابة وذوي الرحم ، انتهى.

فإذا عرفت هذا فاعلم أنّه لا ريب في حسن صلة الأرحام ولزومها في الجملة ، ولها درجات متفاوتة بعضها فوق بعض ، وأدناها الكلام والسّلام وترك المهاجرة ويختلف ذلك أيضاً باختلاف القدرة عليها والحاجة إليها فمن الصلة ما يجب ومنها ما يستحبّ ، والفرق بينهما مشكلّ والاحتياط ظاهر ، ومن وصل بعض الصلة ولم يبلغ أقصاها ومن قصر عمّا ينبغي أو عمّا يقدر عليه هل هو واصل أو قاطع؟ فيه نظر.

وبالجملة التميز بين المرّاتب الواجبة والمستحبة في غاية الإشكال والله أعلم بحقّيقة الحال والاحتياط طريق النجاة.

قال الشيخ الشهيد روح الله روحه في قواعده : كلّ رحم يوصل للكتاب والسنة والإجماع على الترغيب في صلة الأرحام والكلام فيها في مواضع :

الأوّل : ما الرحم؟ الظاهر أنه المعروف بنسبة وإن بعد وإن كان بعضه آكد من بعض ، ذكرا كان أو أنثى ، وقصره بعض العامة على المحارم الذي يحرم التناكح بينهم إن كانوا ذكورا وإناثا وإن كانوا من قبيل يقدر أحدهما ذكرا والآخر أنثى ، فإن حرم التناكح فهم الرحم ، واحتج بأن تحريم الأختين إنما كان لـمّا يتضمن من قطيعة الرحم وكذا تحريم أصالة الجمع بين العمة والخالة وابنه الأخ والأخت مع عدم الرّضا عندنا ومطلقا عندهم.

وهذا بالإعراض عنه حقّيق ، فإن الوضع اللغوي يقتضي ما قلناه والعرف أيضاً والأخبار دلت عليه ، وقوله تعالى : «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ »(١) عن عليّعليه‌السلام أنها نزلت في بني أمية أورده عليّ بن إبراهيم

____________________

(١) سورة محمد : ٢٢.

٣٦٧

٤ - وعنه ، عن عليّ بن الحكم ، عن خطّاب الأعور ، عن أبي حمزة قال قال أبو جعفرعليه‌السلام صلة الأرحام تزكّي الأعمال وتنمي الأموال وتدفع البلوى و

_________________________________________________

في تفسيره ، وهو يدلّ على تسمية القرابة المتباعدة رحماً.

الثاني : ما الصّلة التي يخرج بها عن القطيعة؟ والجواب : المرّجع في ذلك إلى العرف لأنه ليس له حقّيقة شرعيّة ولا لغويّة وهو يختلف باختلاف العادات وبعد المنازل وقربها.

الثالث : بم الصلة؟ والجواب قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صلوا أرحامكم ولو بالسلام ، وفيه تنبيه على أن السلام صلة ولا ريب أن مع فقر بعض الأرحام وهم العمودان تجب الصلة بالمال ، ويستحبّ لباقي الأقارب وتتأكد في الوارث وهو قدر النفقة ، ومع الغناء فبالهدية في الأحيان بنفسه وأعظم الصلة ما كان بالنّفس وفيه أخبار كثيرة ، ثم بدفع الضرر عنها ، ثم بجلب النّفع إليها ، ثم بصلة من تجب نفقته وإن لم يكن رحما للواصل ، كزوجة الأب والأخ ومولاه وأدناها السلام بنفسه ثم برسوله والدّعاء بظهر الغيب والثناء في المحضر.

الرابع : هل الصلة واجبة أو مستحبة؟ والجواب : أنها تنقسّم إلى الواجب وهو ما يخرج به عن القطيعة فإن قطيعة الرحم معصية بل هي من الكبائر ، والمستحبّ ما زاد على ذلك.

الحديث الرابع : كالسابق.

« تزكي الأعمال » أي تنميها في الثّواب أو تطهرها من النقائص أو تصيرها مقبولة كأنّها تمدحها وتصفها بالكمال.

« وتنمي الأموال » قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : صلة الرحم مثراة في المال ، وذكر بعض شراح النهج لذلك وجهين : أحدهما أن العناية الإلهية قسمت لكلّ حي قسطا من الرزق يناله مدة الحياة ، وإذا أعدت شخصا من النّاس للقيام بأمر جماعة

٣٦٨

تيسّر الحساب وتنسئ في الأجل.

_________________________________________________

وكفلته بإمدادهم ومعونتهم وجب في العناية إفاضة أرزاقهم على يده ، وما يقوم بإمدادهم على حسب استعداده لذلك ، سواء كانوا ذوي أرحام أو مرّحومين في نظره ، حتّى لو نوى قطع أحد منهم فربمّا نقص ما له بحسب رزق ذلك المقطوع ، وهذا معنى قوله : مثراة في المال.

الثاني : أنها من الأخلاق الحميدة التّي يستمال بها طباع الخلق ، فواصل رحمه مرّحوم في نظر الكلّ ، فيكون ذلك سبباً لإمداده ومعونته من ذوي الأمداد والمعونات.

« وتدفع البلوى » البلاء والبليّة والبلوى بمعنى وهو ما يمتحن به الإنسان من المحن والنوائب والمصائب « وتيسّر الحساب » أي حساب الأموال والأعمال أيضاً « وتنسئ في الأجل » أي تؤخر فيه كما مرّ ، قال في النّهاية : فيه من أحبّ أن ينسأ في أجله فليصل رحمه ، النسأ التأخير يقال : أنسأت الشيء نسأ ونسأته إنساء إذا أخرته والنسأ الاسم ، ويكون في العمرّ والدين ، ومنه الحديث : صلة الرحم مثراة في المال منسأة في الأثر ، هي مفعلة منه أي مظنة له وموضع ، وقال النووي وذا بأن يبارك فيه بالتوفيق للطاعات وعمارة أوقاته بالخيرات ، وكذا بسط الرزق عبارة عن البركة ، وقيل : عن توسيعه ، وقيل : إنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ أن عمره ستون وإن وصل فمائة ، وقد علم الله ما سيقع ، وقيل : هو ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت.

وقال عياض : الأثر الأجل سمّي بذلك لأنه تابع للحياة ، والمرّاد بنساء الأجل يعنّي تأخيره هو بقاء الذكر الجميل بعده ، فكأنه لم يمت وإلّا فالأجل لا يزيد ولا ينقص ، وقال بعضهم : يمكن حمله على ظاهره لأن الأجل يزيد وينقص إذ قد يكون في أم الكتاب أنّه إن وصل رحمه فأجله كذا ، وإن لم يصلّ

٣٦٩

٥ - وعنه ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمرّو بن أبي المقدام ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرّجال وأرحام النّساء إلى يوم القيامة أن يصل الرحم وإن كانت

_________________________________________________

فأجله كذا.

وقال المازري : وقيل : معنى الزيادة في عمره أنه بالبركة فيه بتوفيقه لإعمال الطّاعة وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة ، فالتوجيه ببقاء ذكره بعد الموت ضعيف.

وقال الطيبي : بل التوجيه به أظهر فإن أثر الشيء هو حصول ما يدلّ على وجوده ، فمعنى يؤخر في أثره يؤخر ذكره الجميل بعد موته ، قال الله تعالى : «نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ »(١) ومنه قول الخليلعليه‌السلام : «وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ »(٢) .

وقال بعض شراح النهج : النسأ التأخير وذلك من وجهين : أحدهما : أنّها يوجب تعاطف ذوي الأرحام وتوازرهم وتعاضدهم لواصلهم ، فيكون من أذى الأعداء أبعد ، وفي ذلك مظنة تأخيره وطول عمرّة ، الثاني : أن مواصلة ذوي الأرحام توجب همتهم ببقاء وأصلهم وإمداده بالدّعاء ، وقد يكون دعاؤهم له وتعلق همهم ببقائه وإنساء أجله ، انتهى.

وأقول : لا حاجة إلى التكلفات ولا استبعاد في تأثير بعض الأعمال في طول الأعمار وقد بسطنا الكلام في ذلك في شرح أخبار البداء.

الحديث الخامس : ضعيف.

« وإن كانت منه » وفي بعض النّسخ كان ، وكلاهما جائز لأنّ الرحم يذكر ، ويؤنث « فإن ذلك » أي الارتحال إليهم لزيارتهم أو الأعمّ منه ومن إرسال الكتب

____________________

(١) سورة يس : ١٢.

(٢) سورة الشعراء : ٨٤.

٣٧٠

منه على مسيرة سنة ، فإن ذلك من الدّين.

٦ - وعنه ، عن عليّ بن الحكم ، عن حفص ، عن أبي حمزة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال صلة الأرحام تحسن الخلق وتسمّح الكفّ وتطيّب النّفس وتزيد في الرزق وتنسئ في الأجل.

٧ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول إن الرحم معلقة

_________________________________________________

والهدايا إليهم« من الدّين » أي من الأمور التّي أمرّ الله به في الدين المتين والقرآن المبين.

الحديث السادس : مجهول.

« تحسّن الخلق » فإنّ بصلة الرّحم تصير حسن المعاشرة ملكة ، فيسري إلى الأجانب أيضاً ، وكذا سماحة الكفّ تصير عادة ، والسماحة الجود ونسبتها إلى الكفّ على المجاز لصدورها منها غالباً « وتطيب النّفس » أي تجعلها سمحة بالبذل والعفو والإحسّان ، يقال : طابت نفسه بالشيء إذا سمحت به من غير كراهة ولا غضب ، أو تطهرها من الحقّد والحسد وسائر الصّفات الذميمة ، فإنه كثيراً ما يستعمل الطيب بمعنى الطاهر ، أو يجعل باله فارغا عن الهموم والغموم والتفكّر في دفع الأعادي ، فإنّها ترفع العداوة بينه وبين أقاربه ، وذلك يوجب أمنه من شرّ سائر الخلق بل يوجب حبّهم أيضاً لـمّا عرفت.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

« إنّ الرحم معلقة بالعرش » قيل : تمثيل للمعقول بالمحسوس وإثبات لحقّ الرحم على أبلغ وجه وتعلقها بالعرش كناية عن مطالبة حقّها بمشهد من الله ، ومعنى ما تدعو به كن له كما كان لي ، وافعل به ما فعل بي من الإحسّان والإساءة ، وقيل : محمول على الظاهر إذ لا يبعد من قدرة الله تعالى أن يجعلها ناطقة كما ورد

٣٧١

بالعرش تقول : اللّهمَّ صل من وصلني واقطع من قطعنّي وهي رحم آل محمّد وهو قول :

_________________________________________________

أمثال ذلك في بعض الأعمال أنّه يقول أنا عملك ، وقيل : المشهور من تفاسير الرحم أنهّا قرابة الرّجل من جهة طرفيه ، وهي أمرّ معنوي والمعاني لا تتكلّم ولا تقوم ، فكلام الرحم وقيامها وقطعها ووصلها استعارة لتعظيم حقّها وصلة واصلها ، وإثم قاطعها ، ولذا سمّي قطعها عقوقاً وأصل العق الشق فكأنه قطع ذلك السبب الذي يصلهم ، وقيل : يحتمل أن الذي تعلق بالعرش ملك من الملائكة تكلم بذلك عوضا منها بأمرّ الله سبحانه فأقام الله ذلك الملك يناضل عنها ويكتب ثواب وأصلها وإثم قاطعها كما وكلّ الحفظة بكتب الأعمال.

قولهعليه‌السلام : وهي رحم آل محمّد ، أي التّي تتعلق بالعرش هي رحم آل محمّد ، فالمرّاد أن الرحم المعلقة بالعرش رحم النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذوو قرباه وأهل بيته وهم الأئمّة بعده فإن الله أمرّ بصلتهم وجعل مودتهم أجر الرسالة لقرابتهم بالرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا بالنّاس ، ولذلك يجب عليّ النّاس صلتهم ، أو المرّاد به قرابة المؤمنين بالقرابة المعنوية الإيمانيّة فإن حقّ والدي النسب على النّاس لأنهما صارا سببين للحياة الظاهرية الدنيويّة ، وحقّ ذوي الأرحام لاشتراكهما في الانتساب بذلك ، والرّسول وأمير المؤمنينعليهما‌السلام أبوا هذه الأمّة لصيرورتهما سبباً لوجود كلّ شيء وعلة غائية لجميع الموجودات كما ورد في الحديث القدسي : لو لا كما لـمّا خلقت الأفلاك. وأيضاً صاراً سببين للحياة المعنوية الأبدية بالعلم والإيمان لجميع المؤمنين ولا نسبة لهذه الحياة بالحياة الفانيّة الدنيويّة وبهذا السبب صار المؤمنون إخوة فبهذه الجهة صارت قرابة النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرابتهم وذوي أرحامهم ، وأيضاً قال الله تعالى : «النبيَّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ »(١) وفي قراءة أهل البيتعليهم‌السلام : وهو أب لهم ، فصار النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخديجة أبوا هذه الأمّة وذريتهما الطيبة ذوي أرحامهم فبهذه الجهات

____________________

(١) سورة الأحزاب : ٤.

٣٧٢

الله عزَّ وجلَّ : «الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمرّ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ »(١) ورحم كلّ ذي رحم.

٨ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن يونس بن عمّار قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام أوّل ناطق من الجوارح - يوم القيامة الرحم تقول يا رب من وصلني في الدّنيا فصل اليوم ما بينك وبينه ومن قطعنّي في الدّنيا فاقطع اليوم ما بينك وبينه.

٩ - عنه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرّضاعليه‌السلام قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام صل رحمك ولو بشربة من ماء وأفضل ما توصل به الرَّحم كفّ الأذى عنها وصلة الرَّحم منسأة في الأجل محببة في الأهل.

_________________________________________________

صاروا بالصّلة أولى وأحقّ من جميع القرابات.

وقولهعليه‌السلام : ورحم كلّ ذي رحم ، يحتمل وجوها : الأوّل أن يكون عطفاً على ضمير هو ، أي قوله : الذين يصلون نزل فيهم وفي رحم كلّ ذي رحم ، الثاني : أن يكون مبتدأ محذوف الخبر ، أي ورحم كلّ ذي رحم داخلة فيها أيضاً ، الثالث : أن يكون معطوفاً على رحم آل محمّد أي المعلقة بالعرش رحم آل محمّد وكلّ رحم فالآية يحتمل اختصاصها برحم آل محمّد بل هو حينئذ أظهر ، لكنّ سيأتي ما يدلّ على التعميم ، وقوله تعالى : «أَنْ يُوصَلَ » بدل من ضمير به.

الحديث الثامن : مجهول.

« أوّل ناطق » لأنه حصل الجميع منها وكأنه تعالى يخلق خلفا مكانها يطلب حقّها « من وصلني » أي رعي النسبة الحاصلة بسببي « فصل اليوم » أي بالرحمة.

الحديث التاسع : صحيح.

« المحبّة » في بعض النّسخ على صيغة اسم الفاعل من باب التفعيل ، وفي بعضها بفتح الميم على بناء المجرّد إمّا عليّ المصدر على المبالغة أي سبب لمحبة الأهل أو اسم المكان أي مظنة كثرة المحبّة لأن الإنسان عبيد الإحسان.

____________________

(١) سورة الرعد : ٢٧.

٣٧٣

١٠ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن فضيل بن يسار قال قال أبو جعفرعليه‌السلام إنَّ الرَّحم معلقة يوم القيامة بالعرش تقول اللهمَّ صل من وصلني واقطع من قطعني.

١١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال أبو ذررضي‌الله‌عنه سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول حافّتا الصراط يوم القيامة الرحم والأمانة فإذا مرّ الوصول للرحم المؤدي للأمانة نفذ إلى الجنّة وإذا مرّ الخائن للأمانة القطوع للرحم لم ينفعه معهما عمل وتكفأ به الصراط في النار.

١٢ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن قرط ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال صلة الأرحام

_________________________________________________

الحديث العاشر : حسن كالصحيح.

الحديث الحادي عشر : حسن موثق.

قوله : حافتا الصّراط ، الظاهر أنّه بتخفيف الفاء من الأجوف ، لا بتشديده من المضاعفّ كما توهمّه بعض الشارحين ، قال في القاموس في الخوف : حافتا الوادي وغيره جانباه ، وقال في حف الحفاف ككتاب الجانب ، وكان هذا منشأ توهم هذا الفاضل وتشبيه الخصلتين بالحافتين لأنهّما يمنعان من السقوط من الصراط في الجحيم ، كما أن من سلك طريق ضيقاً مشرفاً على هوي يمنعه الحافتان عن السقوط ، وفي النّهاية وفي حديث الصّراط آخر من يمرّ رجل يتكفأ به الصراط ، أي يتميل وينقلب ، انتهى.

وأقول : الباء للملابسة أو للتعدية ولا يبعد أن يشمل الرحم رحم آل محمّد والأمانة الإقرار بإمامتهم كما مرّت الأخبار فيهما.

الحديث الثانيعشر : مجهول وقد مضى مضمونه.

٣٧٤

تحسن الخلق ، وتسمح الكفَّ ، وتطيّب النفس ، وتزيد في الرزق ، وتنسئ في الأجل.

١٣ - عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن خطّاب الأعور ، عن أبي حمزة قال قال أبو جعفرعليه‌السلام صلة الأرحام تزكّي الأعمال وتدفع البلوى وتنمي الأموال وتنسئ له في عمره وتوسّع في رزقه وتحبّب في أهل بيته فليتّق الله وليصل

_________________________________________________

الحديث الثالث عشر : كالسابق.

وقال الشهيدقدس‌سره في القواعد : تظافرت الأخبار بأن صلة الأرحام تزيد في العمرّ ، وقد أشكلّ هذا على كثير من النّاس باعتبار أن المقدرات في الأزل والمكتوبات في اللوح المحفوظ لا تتغير بالزيادة والنقصان لاستحالة خلاف معلومه تعالى ، وقد سبق العلم بوجود كلّ ممكن أراد وجوده وبعدم كلّ ممكن أراد بقائه على حالة العدم الأصلي أو إعدامه بعد إيجاده فكيف الحكم بزيادة العمرّ أو نقصانه بسبب من الأسباب ، واضطربوا في الجواب فتارة يقولون : هذا عليّ سبيل الترغيب وتارة المرّاد به الثناء الجميل بعد الموت ، وقد قال الشاعر :

ذكر الفتى عمرّة الثاني ولذته

ما فاته وفضول العيش أشغال

وقال : « ماتوا فعاشوا بحسن الذكر بعدهم ».

وقيل : بل المرّاد زيادة البركة في الأجل ، فإمّا في نفس الأجل فلا ، وهذا الإشكال ليس بشيء ، إمّا أوّلاً : فلوروده في كلّ ترغيب مذكور في القرآن والسنة حتّى الوعد بالجنّة والنعيم على الإيمان وبجواز الصراط والحور والولدان ، وكذلك التوعدات بالنيران وكيفيّة العذاب ، لأنا نقول : أن الله تعالى علم ارتباط الأسباب بالمسببات في الأزل وكتبه في اللوح المحفوظ ، فمن علمه مؤمناً فهو مؤمن أقر بالإيمان أو لا ، بعث إليه نبي أو لا ، ومن علمه كافرا فهو كافر على التقديرات ، وهذا لازم يبطل الحكمة في بعثة الأنبياء والأوامرّ الشرعيّة والمناهي ومتعلقاتها ، وفي

٣٧٥

رحمه.

_________________________________________________

ذلك هدم الأديان.

والجواب عن الجميع واحد ، وهو أنّ الله تعالى كما علم كمية العمرّ علم ارتباطه بسببه المخصوص ، وكما علم من زيد دخول الجنّة جعله مرتبطاً بأسبابه المخصوصة من إيجاده وخلق العقل له ، ونصب الألطاف ، وحسن الاختيار ، والعمل بموجب الشرع ، فالواجب على كلّ مكلف الإتيان بما أمرّ فيه ولا يتّكل على العلم فإنه مهما صدر منه فهو المعلوم بعينه ، فإذا قال الصادق أن زيداً إذا وصل رحمه زاد الله في عمره ثلاثين ففعل ، كان ذلك إخباراً بأن الله تعالى علم أن زيداً يفعل ما يصير به عمره زائداً ثلاثين سنة كما أنّه إذا أخبر أن زيداً إذا قال لا إله إلّا الله دخل الجنّة ففعل تبينا أن الله تعالى علم أنه يقول ويدخل الجنّة بقوله.

وبالجملة جميع ما يحدث في العالم معلوم لله تعالى على ما هو عليه واقع من شرط أو سبب وليس نصب صلة الرحم زيادة في العمرّ ، إلّا كنصب الإيمان سبباً في دخول الجنّة والعمل بالصالحات في رفع الدرجة ، والدعوات في تحقّق المدعو به ، وقد جاء في الحديث لا تملوا من الدّعاء فإنكم لا تدرون متى يستجاب لكم ، وفي هذا سر لطيف وهو أن المكلّف عليه الاجتهاد ، ففي كلّ ذرّة من الاجتهاد إمكان سببية لخير علمه الله ، كما قال : «وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا »(١) .

والعجب كيف ذكر الإشكال في صلة الرحم ولم يذكر في جميع التصرفات الحيوانيّة مع أنه وارد فيها عند من لا يتفطن للخروج منه.

فإن قلت : هذا كلمة مسلم ولكنّ قال الله تعالى : «وَلِكلّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ »(٢) وقال تعالى : «وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا

____________________

(١) سورة العنكبوت : ٦٩.

(٢) سورة الأعراف : ٣٤.

٣٧٦

١٤ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعاً ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن الحكم الحناط قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام صلة الرحم وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار.

١٥ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبيدة الحذَّاء ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال

_________________________________________________

جاءَ أَجَلُها »(١) .

قلت : الأجل صادق على كلّ ما يسمّي أجلاً موهبيّاً أو أجلاً مسبّباً فيحمل ذلك على الموهبي ، ويكون وقته وفاء لحقّ اللفظ كما تقدّم في قاعدّة الجزئي والجزء ويجاب أيضاً بأن الأجل عبارة عمّا يحصل عنده الموت لا محالة ، سواء كان بعد العمرّ الموهبي والمسببي ، ونحن نقول كذلك لأنه عند حضور أجل الموت لا يقع التأخر وليس به العمرّ إذا لأجل مجرّد الوقت.

وينبه على قبول العمرّ للزيادة والنقصان بعد ما دلت عليه الأخبار الكثيرة قوله تعالى : «وَما يُعَمرّ مِنْ مُعَمرّ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عمره إلّا فِي كِتابٍ »(٢) .

الحديث الرابع عشر : كالسابق.

وحسن الجوار رعاية المجاور في الدار والإحسّان إليه وكفّ الأذى عنه أو الأعمّ منه ومن المجاور في المجلس والطريق ومن أجرته وجعلته في أمانك ، في القاموس : الجار المجاور والذي أجرته من أن يظلم ، والمجير والمستجير والشريك في التجارة ، وما قرب من المنازل ، والجواز بالكسر أن تعطى الرّجل ذمة فيكون بها جارك فتجيره ، وجاوره مجاورة وجوارا وقد يكسر : صار جاره.

الحديث الخامس عشر : ضعيف على المشهور.

____________________

(١) سورة المنافقون : ١١.

(٢) سورة فاطر : ١١.

٣٧٧

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّ أعجل الخير ثواباً صلة الرَّحم.

١٦ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من سره النّساء في الأجل والزيادة في الرزق فليصل رحمه.

١٧ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمّار قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ما نعلم شيئاً يزيد في العمرّ إلّا صلة الرحم حتّى إن الرّجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولا للرحم فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سنة ويكون أجله ثلاثاً وثلاثين سنة فيكون قاطعا للرحم فينقصه الله ثلاثين سنة ويجعل أجله إلى ثلاث سنين.

الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أبي الحسن الرّضاعليه‌السلام مثله.

١٨ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن عمرّو بن شمرّ ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لـمّا خرج أمير المؤمنينعليه‌السلام يريد البصرة نزل

_________________________________________________

« إن أعجل الخير ثواباً » لأن كثيراً من ثوابها يصل إلى الواصل في الدّنيا مثل زيادة العمرّ والرزق ومحبة الأهل ونحوها.

الحديث السادس عشر : كالسّابق ، والنّساء بالفتح أو كسحاب كما مرّ.

الحديث السابع عشر : حسن أو موثق وسنده الآتي ضعيف على المشهور.

وقولهعليه‌السلام : ما نعلم شيئاً يدلّ على أن غيرها لا تصير سبباً لزيادة العمرّ وإلّا كان هوعليه‌السلام عالـماً به ، ولعله محمول على المبالغة أو هي أكثر تأثيرا من غيرها وزيادة العمرّ بسببها أكثر من غيرها ، أو هي مستقلة في التأثير وغيرها مشروط بشرائط أو يؤثر منضماً إلى غيره ، لأنّه قد وردت الأخبار في أشياء غيرها من الصدقة والبرّ وحسن الجوار وغيرها أنّها تصير سبباً لزيادة العمرّ.

الحديث الثامن عشر : ضعيف.

٣٧٨

بالربذة فأتاه رجل من محارب فقال يا أمير المؤمنين إني تحملت في قومي حمالة وإني سألت في طوائف منهم المواساة والمعونة فسبقت إلي ألسنتهم بالنكد فمرّهم يا أمير المؤمنين بمعونتي وحثهم على مواساتي فقال أين هم فقال هؤلاء فريق منهم حيث ترى قال فنص راحلته فادلفت كأنها ظليم فادلف بعض أصحابه في

_________________________________________________

وفي النّهاية : الربذة بالتحريك قرية معروفة قرب المدينة ، بها قبر أبي ذر الغفاري وفي القاموس محارب قبيلة ، وفي النّهاية فيه : لا تحل المسألة إلّا لثلاثة ، رجل تحمل بحمالة ، الحمالة بالفتح ما يتحمله الإنسان من غيره من دية أو غرامة مثل أن يقع حرب بين فريقين تسفك فيها الدماء فيدخل بينهم رجل يتحمّل ديات القتلى ليصلح ذات البين ، والتحمّل أن يحملها عنهم على نفسه ، انتهى.

« وإنّي سألت في طوائف » أي منهم أو داخلاً فيهم ، وفي القاموس : نكد عيشهم كفرح اشتد وعسر والبئر قل ماؤها ، وزيد حاجة عمرّ ومنعه إياها وفلاناً منعه ما سأله أو لم يعطه إلّا أقله ، ورجل نكد ونكد ونكد وأنكد شؤم عسر. والنكد بالضمّ قلة العطاء ويفتح وقال : نص ناقته استخرج أقصى ما عندها من السير والشيء حركة ، وقال : دلف الشيخ يدلف دلفا ويحرك ودليفا ودلفانا محركة مشى مشي المقيد ، وفوق الدبيب ، والكتيبة في الحرب تقدمت يقال : دلفناهم والدالف الماشي بالحمل الثقيل مقاربا للخطو وككتب الناقة التّي تدلف بحملها أي تنهض به ، واندلف على انصب وتدلف إليه تمشي ودنا ، انتهى.

وقيل : أدلفت من باب الأفعال أو التفعل والأخير أشهر من الدليف وهو المشي مع تقارب الخطو والإسراع ، وكأنّه الوخدان ، قال الثعالبي في سر الأدب : الوخدان نوع من سير الإبل وهو أن يرمي بقوائمها كمشي النعام ، والظليم : الذكر من النعام « في طلبها » أي في طلب الراحلة ، وقيل : أي طلب الجماعة المشهورين أو طلب بقية القوم وإلحاقهم بالمشهورين ، ولا يخفى بعدهما.

٣٧٩

طلبها فلأيا بلأي ما لحقّت فانتهى إلى القوم فسلم عليهم وسألهم ما يمنعهم من مواساة صاحبّهم فشكوه وشكاهم فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام وصل امرّؤ عشيرته

_________________________________________________

قولهعليه‌السلام : فلأيا بلا أي ما لحقّت ، قال الجوهري : يقال فعل كذا بعد لأي أي بعد شدّة وإبطاء وفي النّهاية : في حديث أم أيمن فبلأي ما استغفر لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أي بعد مشقّة وجهد وإبطاء ومنه حديث عائشة وهجرتها ابن الزّبير فبلأي ما كلمته ، انتهى.

وأقول : هذا الكلام يحتمل وجوها : الأوّل : أن يكون المعنى فلحقّت مرّاكب القوم مرّكبةعليه‌السلام بعد إبطاء مع إبطاء وشدّة مع شدّة « وما » مزيدة للتفخيم فقوله لأيا منصوب بنزع الخافض أي لحقّت متلبسة بلأي مقرون بلأي ما ، أو على الحال أو على المصدرية بغير لفظ الفعل ، ولحقّت على بناء المعلوم ، والمستتر راجع إلى البعض بتأويل الجماعة ، أو على بناء المجهول والضمير لراحلتهعليه‌السلام .

الثاني : أن يكون لأي مصدرا لفعل محذوف ، وما مصدرية في موضع الفاعل أي فلأي لأيا بعد لأي لحوقها.

الثالث : أن يكون نصب لأي على العلّة ولحقّت على بناء المجهول كقولهم : قعدت من الحرب جبنا ، أي أنهعليه‌السلام جذب زمام راحلته ، وأبطأ في السير حتّى لحقّوا لـمّا رأى توجه أصحابه.

الرابع : ما قيل : إن كلمة ما نافية أي فجهد جهدا بعد جهد ومشقّة بعد مشقّة ما لحقّت.

الخامس : قال بعضهم فلأي بلأي ما لحقّت ، ما مصدرية يعنّي فأبطأعليه‌السلام واحتبس بسبب إبطاء لحوق القوم ، وفي بعض النّسخ : فلأيا على التثنيّة بضم الرّجل معهعليه‌السلام أو بالنصب على المصدر.

قولهعليه‌السلام : وسألهم ما يمنعهم ، ما استفهامية وضمير الغائب في يمنعهم وصاحبّهم لتغليب زمان الحكاية على زمان المحكي « وصل امرّؤ » أمرّ في صورة الخبر وكذا قوله

٣٨٠