مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 437

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 437
المشاهدات: 18757
تحميل: 8660


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18757 / تحميل: 8660
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 8

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فإنّهم أولى ببره وذات يده ووصلت العشيرة أخاها إن عثر به دهر وأدبرت عنه دنيا فإن المتواصلين المتباذلين مأجورون وإن المتقاطعين المتدابرين موزورون قال ثم بعث راحلته وقال حل.

١٩ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عثمان بن عيسى ، عن يحيى ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام لن يرغب المرّء عن عشيرته وإن كان ذا مال وولد وعن مودتهم وكرامتهم ودفاعهم بأيديهم وألسنتهم هم أشد

_________________________________________________

ووصلت العشيرة ، والنكرة هنا للعموم نحوها في قولهم : أنجز حرما وعد « إن عثر به » الباء للتعدية يقال : عثر كضرب ونصر وعلم وكرم أي كبا وسقط « وقال حل » في أكثر النّسخ بالحاء المهملة ، وفي القاموس : حلحلهم أزالهم عن مواضعهم وحركهم فتحلحلوا ، والإبل قال لها حل حل منونين أو حل مسكنة. وقال في النّهاية : حل ، زجر للناقة إذا حثثتها على السير ، انتهى.

وقيل : هو بالتشديد أي حل العذاب على أهل البصرة لأنه كان متوجها إليهم ، ولا يخفى ما فيه.

وفي بعض النّسخ بالخاء المعجمة : أي خل سبيل الراحلة كان السائل كان آخذاً بغرز راحلته ، وهو المسموع عن المشايخ رضي الله عنهم.

الحديث التاسع عشر : ضعيف.

« لن يرغب المرّء » نهي مؤكد مؤبدّ في صورة النفي « وإن كان ذا مال وولد » فلا يتّكل عليهما فإنهما لا يغنيانه عن العشيرة ، وعشيرة الرّجل قبيلته ، وقيل : بنو أبيه الأدنون « وعن مودتهم وكرامتهم » الإضافة فيهما إلى الفاعل أو إلى المفعول والأوّل أنسب بقوله : ودفاعهم بأيديهم وألسنتهم ، فإن الإضافة فيه إلى الفاعل ، وكون الجمع باعتبار عموم المرّء بعيد جداً.

وفي نهج البلاغة : أيّها النّاس أنه لا يستغني الرّجل وإن كان ذا مال عن عشيرته

٣٨١

الناس حيطة من ورائه وأعطفهم عليه وألمهم لشعثه إن أصابته مصيبة أو نزل به بعض مكاره الأمور ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما يقبض عنهم يداً واحدة وتقبض عنه منهم أيدي كثيرة ومن يلن حاشيته يعرف صديقه منه المودَّة ومن بسط يده

_________________________________________________

ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم وهم أعظم النّاس حيطة من ورائه والمهم لشعثه وأعطفهم عليه عند نازلة إذا نزلت به ، ولسان الصّدق يجعله الله للمرّء في النّاس خير له من المال يورثه غيره ، انتهى.

وهو يعيّن الإضافة إلى الفاعل ، ويحتمل أن يكون المرّاد بكرامتهم رفعة شأنهم بين النّاس لا إكرامهم له.

« هم أشدّ النّاس حيطة » أي حفظا في القاموس : حاطه حوطا وحيطة وحياطة حفظه وصانه وتعهده ، والاسم الحوطة والحيطة ويكسر ، انتهى.

وهذا إذا كان حيطة بالكسر كما في بعض نسخ النهج وفي أكثرها حيطة كبينة بفتح الباء وكسر الياء المشددة وهي التحنن « من ورائه » أي في غيبته ، وقيل : أي في الحرب والأظهر عندي أنه إنما نسب إلى الوراء لأنها الجهة التّي لا يمكن التحرز منها ، ولذا يشتق الاستظهار من الظهر « وعطف عليه » أي أشفق ، وفي النّهاية : الشعث انتشار الأمر ، ومنه قولهم : لم الله شعثه ، ومنه حديث الدّعاء : أسألك رحمة تلم بها شعثي ، أي تجمع بها ما تفرق من أمرّي.

« ومن يقبض يده » قد مرّ في باب المداراة أنه يحتمل أن يكون المرّاد باليد هنا النعمة والمدد والإعانة ، أو الضرر والعداوة ، وكان الأوّل هنا أنسب ، وفي النهج : فإنما تقبض منه عنهم يد واحدة وتقبض منهم عنه أيد كثيرة « ومن يلن حاشيته » قال في النّهاية في حديث الزكاة خذ من حواشي أموالهم ، هي صغار الإبل كابن مخاض وابن لبون واحدها حاشية ، وحاشية كلّ شيء جانبه وطرفه ، ومنه أنه كان يصلي في حاشية المقام أي جانبه وطرفه تشبيها بحاشية الثوب ، وفي القاموس : الحاشية جانب

٣٨٢

بالمعروف إذا وجدّه يخلف الله له ما أنفق في دنياه ويضاعفّ له في آخرته ، ولسان الصدق للمرء يجعله الله في النّاس خيراً من المال يأكله ويورّثه لا يزدادنَّ أحدكم كبراً

_________________________________________________

الثوب وغيره ، وأهل الرّجل وخاصّته وناحيته وظلّه ، انتهى.

وقيل : المراد خفض الجناح وعدم تأذّي من يجاوره وقيل : يعنّي لين الجانب وحسن الصّحبة مع العشيرة وغيرهم موجب لمعرفتهم المودة منه ومن البين أن ذلك موجب لمودتهم له ، فلئن الجانب مظهر للمودة من الجانبين ، وقيل : « يلن » إمّا بصيغة المعلوم من باب ضرب أو باب الأفعال ، والحاشية الأقارب والخدمة أي من جعلهم في أمن وراحة تعتمد الأجانب على مودته.

وأقول : الظاهر أنه من باب الأفعال والمعنى من أدب أولاده وأهاليه وعبيده وخدمه باللين وحسن المعاشرّة والملاطفة بالعشائر وسائر النّاس يعرف أصدقاؤه أنه يودهم وإن أكرمهم بنفسه وآذاه خدمه وأهاليه لا يعتمد على مودته كما هو المجرب.

وفي النهج : ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودة ، فيحتمل الوجهين أيضاً بأن يكون المرّاد لين جانبه وخفض جناحه أو لين خدمه وأتباعه.

« يخلف الله » على بناء الأفعال « في دنياه » متعلّق بيخلف إشارة إلى قوله تعالى :

«وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ »(١) ولسان الصّدق للمرّء أي الذكر الجميل له بعده ، أطلق الّلسان وأريد به ما يوجد به أو من يذكر المرّء بالخير ، وإضافته إلى الصّدق لبيان أنّه حسن وصأحبّه مستحقّ لذلك الثناء ، ويجعله صفة للسان لأنّه في قوة لسان صدق ، أو حال وخير خبره ، وفي بعض النّسخ خيراً بالنصب فيحتمل نصب لسان من قبيل ما أضمرّ عامله على شريطة التفسير ، ورفعه بالابتداء ويجعله خبره وخيراً مفعول ثان ليجعله ، وعلى التقادير فيه ترغيب على الإنفاق على العشيرة فإنّه

____________________

(١) سورة سبأ : ٣٩.

٣٨٣

وعظماً في نفسه ونأياً عن عشيرته إن كان موسراً في المال ولا يزدادن أحدكم في أخيه زهداً ولا منه بعداً إذا لم ير منه مرّوّة وكان معوزا في المال ولا يغفل أحدكم عن القرابة بها الخصاصة أن يسدها بما لا ينفعه إن أمسكه ولا يضره إن استهلكه

_________________________________________________

سبب للصيت الحسن وأن يذكره الناس بالإحسّان وكذلك يذكره من أحسن إليه بإحسانه وسائر صفاته الجميلة ، وقال تعالى : «وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا »(١) وقال حاكيا عن إبراهيمعليه‌السلام : «وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ »(٢) .

« كبرا » تميز وكذا « عظما » ونأيا أي بعداً إن كان بفتح الهمزة أي من أن أو بكسرها حرف شرط ، وعلى هذا التقييد ليس لأن في غير تلك الحالة حسن ، بل لأن الغالب حصول تلك الأخلاق الذميمة في تلك الحالة.

وقولهعليه‌السلام : في أخيه ، متعلّق بزهد أو منه متعلّق بقوله بعداً وقوله : إذا لم ير ، مؤيّد لشرطية إن والتقييد على نحو ما مرّ ، والمرّوءة بالهمز وقد يخفف بالتشديد :

الإنسانيّة وهي الصّفات التّي يحقّ للمرّء أن يكون عليها ، وبها يمتاز عن البهائم والمرّاد هنا الإحسّان واللّطف والعطاء.

والمعوز على بناء اسم الفاعل ويحتمل المفعول : القليل المال ، في القاموس : عوز الرّجل كفرح افتقر كأعوز وأعوزه الشيء احتاج إليه ، والدهر أحوجه ، والخصاصة : الفقر ، والخلل وجملة « بها الخصاصة » صفة للقرابة أو حال عنها ، وفي النهج : يرى بها الخصاصة.

« أن يسدها » بدل اشتمال للقرابة أي عن أن يسدها ، وضمير يسدها للخصاصة والعائد محذوف أي عنها أو للقرابة وإسناد السد إليها مجاز أي يسد خلتها ، وسد الخلل إصلاحه وسد الخلة إذهاب الفقر « بما لا ينفعه إن أمسكه » أي بالزائد عن قدر الكفّاف فإن إمساكه لا ينفعه بل يبقى لغيره واستهلاكه وإنفاقه لا يضره أو

____________________

(١) سورة مريم : ٥٠.

(٢) سورة الشعراء : ٨٤.

٣٨٤

٢٠ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن سليمان بن هلال قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إنَّ آل فلان يبرُّ بعضهم بعضاً ويتواصلون فقال إذا تنمي أموالهم وينمون فلا يزالون في ذلك حتّى يتقاطعوا فإذا فعلوا ذلك انقشع عنهم.

٢١ - عنه ، عن غير واحد ، عن زياد القندي ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن القوم ليكونون فجرة ولا يكونون بررة فيصلون أرحامهم فتنمي أموالهم وتطول أعمارهم فكيف إذا كانوا أبراراً بررة.

_________________________________________________

بمال الدّنيا مطلقا فإنّ شأنه ذلك ، والرزق على الله أو المرّاد بقليل من المال كدرهم فإنّه لا يتبيّن إنفاق ذلك في ماله والمستحقّ ينتفع به والأوّل أظهر.

وفي النهج : بالذي لا يزيده إن أمسكه ولا ينقصه إن أهلكه ، وقيل : الضمير في لا يزيده عائد إلى الموصول ولا يخفى بعده بل هو عائد إلى الرجل.

الحديث العشرون : مجهول.

« تنمي أموالهم » على بناء الفاعل أو المفعول ، وكذا « ينمون » يحتملهما ونموهم كثرة أولادهم وزيادتهم عدداً وشرفاً ، في القاموس : نما ينمو نموا زاد كنمى ينمي نميا ونميا ونمية وأنمى ونمى. وفي المصباح : نمى الشيء ينمي من باب رمى نماء بالفتح والمدّ كثر ، وفي لغة ينمو نموا من باب قعد ويتعدى بالهمزة والتضعيف ، انتهى.

والمشار إليه بذلك أو لا النمو وثانياً التقاطع « انقشع » أي انكشف وزال نمو الأموال والأنفس عنهم ، قال في القاموس : قشع القوم كمنع فرقهم فأقشعوا نادر ، والريح السحاب كشفته كأقشعته ، فأقشع وانقشع وتقشع.

الحديث الحادي والعشرون : مرسل كالموثق.

« فكيف إذا كانوا أبراراً » أي صلحاء « بررة » أي واصلين للأرحام.

٣٨٥

٢٢ - وعنه ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن رأشدّ ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام صلوا أرحامكم ولو بالتسليم يقول الله تبارك وتعالى : «وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً »(١) .

٢٣ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن صفوان الجمّال قال وقع بين أبي عبد اللهعليه‌السلام وبين عبد الله بن الحسن كلام حتّى وقعت الضوضاء بينهم واجتمع النّاس فافترقا عشيّتهما بذلك وغدوت في حاجة فإذا أنا بأبي عبد اللهعليه‌السلام على باب عبد الله بن الحسن وهو يقول يا جارية قولي لأبي محمّد يخرج قال فخرج فقال يا أبا عبد الله ما بكّر بك ؟ فقال إني تلوت آية

_________________________________________________

الحديث الثاني والعشرون : ضعيف.

ويدلّ على أن أقل مراتب الصلةّ الابتداء بالتسليم و، بإطلاقه يشمل ما إذا علم أو ظنّ أنه لا يجيب وقيل : التسليم حينئذ ليس براجح لأنّه يوقعهم في الحرام ، وفيه كلام.

الحديث الثالث والعشرون : صحيح.

وقال الجوهري : الضوّة الصوّت والجلبة والضوضاة أصوات النّاس وجلبتهم ، يقال : ضوضو بلا همز ، انتهى.

وفي تفسير العيّاشي وغيره مكانه : حتّى ارتفعت أصواتهما واجتمع النّاس عليهما.

قوله : « بذلك » أي بهذا النزاع من غير صلح وإصلاح « قولي لأبي محمّد » في الكلام اختصار أي إني أتيته أو أنا بالباب ، وفي العيّاشي لأبي محمّد هذا أبو عبد الله بالباب « ما بكربّك » قال في المصباح : بكر إلى الشيء بكوراً من باب قعد أسرع أيّ

____________________

(١) سورة النساء : ٢.

٣٨٦

من كتاب الله عزَّ وجلَّ البارحة فأقلقتني قال وما هي ؟ قال قول الله جل وعزَّ ذكره : «الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمرّ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ

_________________________________________________

وقت كان وبكّر تبكيراًمثله ، والقلق الاضطراب «الَّذِينَ يَصِلُونَ » قال الطبرسيقدس‌سره : قيل : المرّاد به الإيمان بجميع الرسل والكتب كما في قوله : «لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ » وقيل : هو صلة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وموازرته والجهاد معه ، وقيل :

هو صلة الرحم عن ابن عباس وهو المرّوي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وقيل : هو ما يلزم من صلة المؤمنين أن يتولوهم وينصروهم ويذبوا عنهم. وتدخل فيه صلة الرحم وغير ذلك.

وروى جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بر الوالدين وصلة الرحم يهونان الحساب ، ثم تلا هذه الآية.

وروى محمّد بن الفضيل عن الكاظمعليه‌السلام في هذه الآية قال : هي رحم آل محمّد معلقة بالعرش تقول : اللّهم صل من وصلني واقطع من قطعنّي ، وهي تجري في كلّ رحم.

وروى الوليد عن الرّضاعليه‌السلام قال : قلت له : هل على الرّجل في ما له شيء سوى الزكاة؟ قال : نعم أين ما قال الله «وَالَّذِينَ يَصِلُونَ » « الآية ».

«وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ » أي يخافون عقاب ربهم في قطعها «وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ » قيل فيه أقوال : أحدها : أن سوء الحساب أخذهم بذنوبهم كلّها من دون أن يغفر لهم شيء منها.

والثاني : هو أن يحاسبوا للتقريع والتوبيخ فإن الكافر يحاسب على هذا الوجه والمؤمن يحاسب ليسر بما أعد الله له.

والثالث : هو أن لا تقبل لهم حسنة ولا يغفر لهم سيئة ، روي ذلك عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

٣٨٧

الْحِسابِ »(١) فقال صدقت لكأنّي لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله جلّ وعزَّ قطُّ فاعتنقا وبكيا.

_________________________________________________

والرابع : أنّ سوء الحساب هو سوء الجزاء فسمّي الجزاء حسابا لأن فيه إعطاء المستحقّ حقّه ، وروى هشام بن سالم عن أبي عبد الله قال : سوء الحساب أن تحسب عليهم السيئات ولا تحسب لهم الحسنات وهو الاستقصاء وروى حمّاد عنهعليه‌السلام أنه قال لرجل : يا فلان ما لك ولأخيك؟ قال : جعلت فداك لي عليه شيء فاستقصيت منه حقّي ، قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : أخبرني عن قول الله : «يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ » أتراهم خافوا أن يجور عليهم أو يظلمهم؟ لا والله ولكنّ خافوا الاستقصاء والمداقة ، انتهى.

وأقول : قال تعالى بعد ذلك بآيات : «وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمرّ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ » فعلى هذا التفسير تلك الآيات من أشدّ ما ورد في قطع الرحم.

ثم الظاهر أن هذا كان لتنبيه عبد الله وتذكيره بالآية ليرجع ويتوب وإلّا فلم يكن ما فعلهعليه‌السلام بالنسبة إليه قطعاً للرحم ، بل كان عين الشفقة عليه لينزجر عمّا أراده من الفسق بل الكفّر لأنه كان يطلب البيعة منهعليه‌السلام لولده الميشوم كما مرّ ، أو شيء آخر مثل ذلك ، وأي أمرّ كان إذا تضمن مخالفته ومنازعتهعليه‌السلام كان على حد الشرك بالله ، وأيضاً مثله صلوات الله عليه لا يغفل عن هذه الأمور حتّى يتذكر بتلاوة القرآن ، فظهر أن ذكر ذلك على وجه المصلحة ليتذكّر عبد الله عقوبة الله ويترك مخالفة إمامه شفقة عليه ، ولعلّ التورية في قوله : أقلقتني ، القلق لعبد الله لا لنفسه لكنّ فيه دلالة على حسن رعاية الرّحم وإن كان بهذه المثابة وكان فاسقاً ضالاًّ فتدبّر.

____________________

(١) سورة الرعد : ٢١.

٣٨٨

٢٤ - وعنه ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد الله بن سنان قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إن لي ابن عمّ أصله فيقطعني وأصله فيقطعنّي حتّى لقد هممت لقطيعته إياي أن أقطعه أتأذن لي قطعه قال إنك إذا وصلته وقطعك وصلكما الله عزَّ وجلَّ جميعاً وإن قطعته وقطعك قطعكما الله.

٢٥ - عنه ، عن عليّ بن الحكم ، عن داود بن فرقد قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام إني أحبّ أن يعلم الله أني قد أذللت رقبتي في رحمي وأني لأبادر أهل بيتي أصلهم قبل أن يستغنوا عني.

٢٦ - عنه ، عن الوشّاء ، عن محمّد بن فضيل الصيرفي ، عن الرّضاعليه‌السلام قال إن رحم آل محمّد الأئمّةعليهم‌السلام - لمعلقة بالعرش تقول اللّهم صل من وصلني واقطع

_________________________________________________

الحديث الرابع والعشرون : صحيح.

قولهعليه‌السلام : وصلكما الله ، لعلّ ذلك لأنّه تصير صلته سبباً لترك قطيعته فيشملهما الله برحمته لا إذا أصر مع ذلك على القطع ، فإنه يصير سبباً لقطع رحمة الله عنه ، وتعجيل فنائه في الدّنيا وعقوبته في الآخرة كما دلت عليه سائر الأخبار ، وفي قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : خذ على عدوّك بالفضل فإنه أحد الظفرين إشارة إلى ذلك فإنه إمّا أن يرجع أن يستحقّ العقوبة والخذلان.

الحديث الخامس والعشرون : صحيح.

« إنّي أحبّ أن يعلم الله » هو كناية من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم أي أحبّ فعليّ ذلك ، فذكر لازمه وهو العلم لأنه أبلغ أو مجاز من إطلاق السبب على المسبب فأطلق العلم وأريد معلولة وهو الجزاء.

قولهعليه‌السلام : قبل أن يستغنوا عنّي ، فيه إشارة إلى أن الرّزق لا بدّ من أن يصل إليهم فأبادر إلى إيصاله إليهم قبل أن يصل إليهم بسبب آخر ومن جهة أخرى.

الحديث السادس والعشرون : مجهول.

٣٨٩

من قطعني ثمّ هي جارية بعدها في أرحام المؤمنين ثم ّتلاهذه الآية : «وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ »(١) .

٢٧ - عدّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن عمرّ بن يزيد قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ : «الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمرّ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ »(٢) فقال قرابتك.

٢٨ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان وهشام بن الحكم ودرست بن أبي منصور ، عن عمرّ بن يزيد قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : «الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمرّ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ » قال نزلت في رحم آل محمّد عليه وآله السلام وقد تكون في قرابتك ثم قال فلا تكوننّ ممّن يقول للشيء : إنّه في شيء واحد.

_________________________________________________

والأئمّة بدل أو عطف بيان لآل محمّد « ثمّ هي » أي الرّحم أو صلتها أو الكلمة وهي : اللّهم صل « إلخ ».

الحديث السابع والعشرون : موثق كالصحيح.

قوله : قرابتك ، أي هي شاملة لقرابة المؤمنين أيضاً.

الحديث الثامن والعشرون : حسن كالصحيح.

« وقد تكون » كلمة قد للتحقّيق أو للتقليل مجازاً كناية عن أن الأصل فيها هو الأوّل « فلا تكونن » أي إذا نزلت آية في شيء خاصّ فلا تخصص حكمها بذلك الأمر ، بل عممه في نظائره ، أو المعنى إذا ذكرنا لآية معنى ثم ذكرنا لها معنى آخر فلا تنكر شيئاً منهما فإن للآيات ظهراً وبطونا ، ونذكر في كلّ مقام ما يناسبه والكلّ حقّ ، وبهذا يجمع بين كثير من الأخبار المتخالفة ظاهراً الواردة في تفسير الآيات وتأويلها.

____________________

(١) سورة النساء : ٢.

(٢) سورة الرعد : ٢١.

٣٩٠

٢٩ - عدّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمّد بن عليّ ، عن أبي جميلة ، عن الوصّافي ، عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من سره أن يمدّ الله في عمره وأن يبسط له في رزقه فليصل رحمه فإنّ الرحم لها لسان يوم القيامة ذلق تقول يا ربّ صل من وصلني واقطع من قطعنّي فالرّجل ليرى بسبيل خير إذا أتته الرحم التّي قطعها فتهوي به إلى أسفل قعر في النّار.

٣٠ - عليُّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن الحسن بن عليّ ، عن صفوان ، عن الجهم بن حميد قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : تكون لي القرابة على غير أمرّي ،

_________________________________________________

الحديث التاسع والعشرون : ضعيف.

وفي القاموس ذلق الّلسان كنصر وفرح وكرم فهو ذليق وذلق بالفتح ، وكصرد وعنق أي حديد بليغ ، وقال : طلق الّلسان بالفتح والكسر وكأمير ولسان طلق ذلق وطليق ذليق وطلق ذلق بضمّتين وكصرد وكتف ذو حدة وفي النّهاية في حديث الرحم جاءت الرحم فتكلمت بلسان ذلق طلق أي فصيح بليغ ، هكذا جاء في الحديث على فعل بوزن صرد يقال : طلق ذلق وطليق ذليق يراد بالجميع المضاء والنفاذ ، انتهى.

« فالرّجل » قيل : الفاء للتفريع على « واقطع من قطعنّي » واللام في الرّجل للعهد الذهني« ليرى » على بناء المجهول أي ليظنّ لكثرة أعماله الصّالحة في الدّنيا « أنه بسبيل » أي في سبيل « خير » ينتهي به إلى الجنّة « فتهوي به » الباء للتعدية أي تسقطه في أسفل قعور النار التّي يستحقّها مثله ، وربما يحمل على المستحلّ ويمكن حمله على من قطع رحم آل محمّدعليهم‌السلام .

الحديث الثلاثون : ضعيف.

ويدلّ على أن الكفّر لا يسقط حقّ الرّحم ولا ينافي ذلك قوله تعالى : «لا تَجِدُ قوماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ

٣٩١

ألهم عليّ حقٌّ ؟ قال : نعم حقُّ الرّحم لا يقطعه شيء وإذا كانوا على أمرك كان لهم حقّان : حقُّ الرّحم وحقُّ الإسلام.

٣١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن إسحاق بن عمّار قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن صلة الرّحم والبرّ ليهوَّنان الحساب ويعصمان من الذنوب فصلوا أرحامكم وبرُّوا بإخوانكم ولو بحسن السلام وردِّ الجواب.

٣٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن عبد الصمد بن بشير قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام صلة الرّحم تهوِّن الحساب يوم القيامة وهي منسأة في العمرّ وتقي مصارع السوء وصدقة اللّيل تطفئ غضب الربّ.

_________________________________________________

أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ »(١) فإنّها محمولة على المحبّة القلبيّة فلا ينافي حسن المعاشرّة ظاهراً ، أو المرّاد به الموالاة في الدين كما ذكره الطبّرسي (ره) أو محمول على ما إذا كانوا معارضين للحقّ ويصير حسن عشرتهم سبب غلبة الباطل على الحقّ ولا يبعد أن يكون نفقة الأرحام أيضاً من حقّ الرحم فيجب الإنفاق عليهم فيما يجب على غيرهم.

الحديث الحادي والثلاثون : موثق.

والمرّاد بالبرّ البرّ بالإخوان كما سيأتي وبرّ الوالدين داخل في صلة الرحم ، ورد الجواب كأنه عطف على السلام.

الحديث الثاني والثلاثون : صحيح.

وفي النّهاية منسأة هي مفعلة « منه » أي مظنة له وموضع والصرع الطرح على الأرض ، والمصرع يكون مصدراً أو اسم مكان ومصارع السوء كناية عن الوقوع في البلايا العظيمة الفاضحة الفادحة ، وصلة الليل أفضل لأنه أقرب إلى الإخلاص.

____________________

(١) سورة المجادلة : ٢٢.

٣٩٢

٣٣ - عليٌّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين بن عثمان عمّن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن صلّة الرّحم تزكّي الأعمال وتنمي الأموال وتيسّر الحساب وتدفع البلوى وتزيد في الرّزق.

( باب )

( البر بالوالدين )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى وعليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي ولّاد الحنّاط قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ : «وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً »(١) ما هذا الإحسان فقال الإحسان أن تحسن صحبتهما وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئاً ممّا يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين أليس يقول الله عزَّ وجلَّ : «لَنْ تَنالُوا البرّ حتّى تُنْفِقُوا ممّا تُحِبُّونَ »(٢) قال ثم قال أبو عبد الله

_________________________________________________

الحديث الثالث والثلاثون : مرسل.

باب البر بالوالدين

إنّما قدّم المصنّفقدس‌سره باب صلة الرحم مع أنّ حقّ الوالدين أعظم لـمّا أشرنا إليه من أن صلة الرّحم يشمل برّهما أيضاً.

الحديث الأوّل : صحيح.

«وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً » أي وأحسنوا بهما إحساناً « أن تحسن صحبتهما » أي بالملاطفة وحسن البشرّ وطلاقة الوجه والتّواضع والترحّم وغيرهما ممّا يوجب سرورهما ، وفي إلحاق الأجداد والجدّات بهما نظر « وإن كانا مستغنيين » أي يمكنهما تحصيل ما احتاجا إليه بما لهما «لَنْ تَنالُوا البرّ » ظاهر الخبر أنّ المراد بالبرّ في الآية برّ الوالدين ، ويمكن أن يكون المراد أعمّ منه ويكون إيرادها

____________________

(١) سورة الإسراء : ٢٣.

(٢) سورة آل عمران : ٩٢.

٣٩٣

عليه‌السلام وأمّا قول الله عزَّ وجلَّ : «إمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ

_________________________________________________

لشمولها بعمومها له.

وعلى التقديرين الاستشهاد إمّا لأصل البرّ أو لأنّ إطلاق الآية شامل للإنفاق قبل السؤال وحال الغناء لعدم التقييد فيها بالفقر والسؤال ، فلا حاجة إلى ما تكلفه بعض الأفاضل حيث قال : كان الاستشهاد بالآية الكريمة أنه على تقدير استغنائهما عنه لا ضرورة داعية إلى قضاء حاجتهما كما أنه لا ضرورة داعية إلى الإنفاق من المحبوب ، إذ بالإنفاق من غير المحبوب أيضاً يحصل المطلوب إلّا أن ذلك لـمّا كان شاقّاً على النّفس فلا ينال البرّ إلّا به فكذلك لا ينال بر الوالدين إلّا بالمبادرة إلى قضاء حاجتهما قبل أن يسألاه وإن استغنيا عنه ، فإنّه أشقّ على النّفس لاستلزامه التفقد الدائم ، ووجه آخر وهو أن سرور الوالدين بالمبادرة إلى قضاء حاجتهما أكثر منه بقضائها بعد الطلب كما أنّ سرور المنفق عليه بإنفاق المحبوب أكثر منه بإنفاق غيره ، انتهى.

وأقول : سيأتي في الكتاب وروى العيّاشي أيضاً أن في قراءة أهل البيتعليهم‌السلام « ما تنفقون » بدون من فالإطلاق بل العموم أظهر ، ويمكن أن يقال : على تقدير تعميم البرّ كما هو المشهور أنه لـمّا استفيد من الآية أن الرّجل لا يبلغ درجة الأبرار إلّا إذا أنفق جميع ما يحبّ ولم يذكر الله المنفق عليهم ، وقد ثبت أن الوالدين ممّن تجب نفقته فلا بدّ من إنفاق كلّ محبوب عليهم سألوا أم لم يسألوا.

قال الطبرسي (ره) : البرّ أصله من السعة ومنه البرّ خلاف البحر ، والفرق بين البرّ والخير أن البرّ هو النّفع الواصل إلى الغير ابتداء مع القصد إلى ذلك ، والخير يكون خيراً وإن وقع عن سهو ، وضدّ البرّ العقوق وضدّ الخير الشرّ أي لن تدركوا بر الله لأهل الطاعة.

واختلف في البرّ هنا فقيل : هو الجنّة عن ابن عباس وغيره ، وقيل : هو

٣٩٤

لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما »(١) قال : إن أضجراك فلا تقل لهما : اُفّ ؛ ولا تنهرهما إن ضرباك قال «وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً » قال : إن ضرباك فقل لهما : غفر الله لكما ،

_________________________________________________

الثواب في الجنّة ، وقيل هو الطّاعة والتقوى ، وقيل : معناه لن تكونوا أبراراً أي صالحين أتقياء «حتّى تُنْفِقُوا ممّا تُحِبُّونَ » أي حتّى تنفقوا المال ، وإنّما كنّي بهذا اللّفظ عن المال لأنّ جميع الناس يحبّون المال ، وقيل : معناه ما تحبون من نفائس أموالكم دون رذالها كقوله تعالى : «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ »(٢) وقيل : هو الزكاة الواجبة وما فرضه الله في الأموال عن ابن عباس وقيل : هو جميع ما ينفقه المرّء في سبيل الخيرات ، وقال بعضهم : دلهم سبحانه بهذه الآية على الفتوة فقال : لن تنالوا برّي بكم إلّا ببركم إخوانكم ، والإنفاق عليهم من مالكم وجاهكم وما تحبّون ، فإذا فعلتم ذلك نالكم برّي وعطفي.

«وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ » فيه وجهان : أحدهما أن تقديره وما تنفقوا من شيء فإنّ الله يجازيكم به قلّ أو كثر لأنّه عليم لا يخفى عليه شيء منه ، والآخر : أن تقديره فإنّه يعلمه الله موجوداً على الحد الذي تفعلونه من حسن النيّة أو قبحها ، فإن قيل : كيف قال سبحانه ذلك والفقير ينال الجنّة وإن لم ينفق؟ قيل : الكلام خرج مخرج الحثّ على الإنفاق وهو مقيّد بالإمكان وإن أطلق على سبيل المبالغة في الترغيب ، والأولى أن يكون المرّاد لن تنالوا البرّ الكامل الواقع على أشرف الوجوه حتّى تنفقوا ممّا تحبوّن ، انتهى.

« قال إن أضجراك » « قال » كلام الراويّ وفاعله الإمامعليه‌السلام أو كلام الإمام وفاعله هو الله تعالى ، وكذا قال وقل وقال إن ضرباك وما بعدهما يحتملهما ، وقيل : قال في « قال إن أضجراك » كلام الراوي وجواب أمّا إن أضجراك بتقدير فقال فيه إن أضجراك ، إذ لا يجوز حذف الفاء في جواب أمّا ، وقيل : الأفّ في الأصل

____________________

(١) سورة الإسراء : ٢٣.

(٢) سورة البقرة : ٢٦٧.

٣٩٥

فذلك منك قولٌ كريم ؛ قال «وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذلّ مِنَ الرَّحْمَةِ » قال : لا تملأ

_________________________________________________

وسخ الأظفار ، ثم استعمل فيما يستقذر ثمّ في الضجر ، وقيل : معناه الاحتقار.

وقال الطبرّسي (ره) روي عن الرّضا عن أبيه عن أبي عبد اللهعليهم‌السلام قال : لو علم الله لفظة أوجز في ترك عقوق الوالدين من أف لأتى به ، وفي رواية أخرى عنهعليه‌السلام قال : أدنى العقوق أف ، ولو علم الله شيئاً أيسر منه وأهون منه لنهى عنه ، فالمعنى لا تؤذهما بقليل ولا كثير «وَلا تَنْهَرْهُما » أي لا تزجرهما بإغلاظ وصياح ، وقيل : معناه لا تمتنع من شيء أراداه منك كما قال : «وَإمّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ » «وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً » وخاطبهما بقول رفيق لطيف حسن جميل بعيد عن اللغو والقبيح ، يكون فيه كرامة لهما «وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذلّ مِنَ الرَّحْمَةِ » أي وبالغ في التّواضع والخضوع لهما قولا وفعلا برا بهما وشفقة لهما ، والمرّاد بالذلّ هيهنا اللين والتّواضع دون الهوان ، من خفض الطائر جناحه إذا ضم ّفرخه إليه فكأنه سبحانه قال : ضم أبويك إلى نفسك كما كاناُ يفعلان بك وأنت صغير ، وإذا وصفت العرب إنسانا بالسهولة وترك الإباء قالوا : هو خافض الجناح ، انتهى.

وقال البيضاوي : واخفض لهما ، أي تذّلل لهما وتواضع فيهما ، جعل للذل جناحا وأمرّ بخفضها مبالغة وأراد جناحه كقوله : واخفض جناحك للمؤمنين ، وإضافته إلى الذلّ البيان والمبالغة ، كما أضيف حاتم إلى الجود ، والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل ، وقرئ الذلّ بالكسر وهو الانقياد ، انتهى.

والضجر والتضجّر التبرّم قوله : لا تمل(١) ، الظاهر لا تملأ بالهمزة كما في مجمع البيان وتفسير العيّاشي ، وإمّا على ما في نسخ الكتاب فلعله أبدلت الهمزة حرف علّة ثم حذفت بالجازم فهو بفتح اللام المخففة ولعلّ الاستثناء في قوله : إلّا برحمة ، منقطع والمرّاد بملإ العينين حدّة النظر ، والرقة رقة القلب ، وعدم رفع الصوت نوع من الأدب كما قال تعالى : «لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبيَّ »(٢) .

____________________

(١) هذا على ما في النّسخ الموجودة عند الشارح (ره) وإلّا ففي التّي عندنا « لا تملأ » كما في المتن. (٢) سورة الحجرات : ٢.

٣٩٦

عينيك من النظر إليهما إلّا برحمة ورقّة ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ولا يدك فوق أيديهما ولا تقدّم قدّامهما

_________________________________________________

« ولا يدك فوق أيديهما » الظاهر أنّ المراد أنّ عند التكلّم معهما لا ترفع يدك فوق أيديهما كما هو الشائع عند العرب أنّه عند التكلم يبسطون أيديهم ويحركونها ، وقال الوالد قدّس الله روحه : المرّاد أنّه إذا نلتهما شيئاً فلا تجعل يدك فوق أيديهما وتضع شيئاً في يدهما بل أبسط يدك حتّى يأخذا منها ، فإنه أقرب إلى الأدب ، وقيل : المعنى لا تأخذ أيديهما إذا أرادا ضربّك « ولا تقدم قدامهما » أي في المشي أو في المجالس أيضاً.

ثمّ اعلم أنّه لا ريب في رعاية تلك الأمور من الآداب الراجحة لكنّ الكلام في أنّها هل هي واجبة أو مستحبة ، وعلى الأوّل هل تركها موجب للعقوق أم لا بحيث إذا قال لهما أف خرج من العدالة واستحقّ العقاب؟ فالظاهر أنه بمحض إيقاع هذه الأمور نادراً لا يسمّى عاقاً ما لم يستمرّ زمان ترك برهما ، ولم يكونا راضيين عنه لسوء أفعاله وقلة احترامه لهما ، بل لا يبعد القول بأن هذه الأمور إذا لم يصر سبباً لحزنهما ولم يكن الباعث عليها قلة اعتنائه بشأنهما واستخفافهما لم تكن حراماً بل هي من الآداب المستحبة وإذا صارت سبب غيظهما واستمرّ على ذلك يكون عاقاً وإذا رجع قريباً وتداركهما بالإحسّان وأرضاهما لم تكن في حد العقوق ولا تعدّ من الكبائر.

ويؤيّده ما رواه الصّدوق في الصحيح قال : سأل عمرّ بن يزيد أبا عبد اللهعليه‌السلام عن إمام لا بأس به في جميع أموره عارف غير أنّه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما أقرأ خلفه؟ قال : لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقّاً قاطعاً ، والأحوط ترك الجميع.

وقد روى الصّدوق بأسانيد عن الرّضاعليه‌السلام أنه قال : أدنى العقوق أف ، ولو لو علم الله عزَّ وجلَّ شيئاً أهون من أف لنهى عنه.

٣٩٧

٢ - ابن محبوب ، عن خالد بن نافع البجليّ ، عن محمّد بن مرّوان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إنّ رجلاً أتى النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله أوصني فقال لا تشرك بالله شيئاً وإن حرقت بالنار وعذبت إلّا وقلبك مطمئنٌ بالإيمان ووالديك فأطعهما وبرّهما حيّين كانا أو ميتّين وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك

_________________________________________________

وروي في الخصال بسند معتبر عن الصّادقعليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : من أحزن والدية فقد عقّهما.

ورأيت في بعض كتب الحسين بن سعيد عن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : لو علم الله شيئاً أدنى من أف لنهى عنه وهو من العقوق ، وهو أدنى العقوق ، ومن العقوق أن ينظر الرّجل إلى أبويه يحد إليهما النظر.

الحديث الثاني : مجهول.

« لا تشرك بالله شيئاً » أي لا بالقلب ولا بالّلسان ، أو المرّاد به الاعتقاد بالشريك ، فعلى الأوّل الاستثناء متصل أي إلّا إذا خفت التحريق أو التعذيب فتتكلّم بالشرك تقية « وقلبك مطمئن بالإيمان » كما قال سبحانه في قصّة عمّار حيث أكره على الشرك وتكلم به : «إلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ »(١) .

« ووالديك فأطعهما » الظاهر أن والديك منصوب بفعل مقدّر يفسّره الفعل المذكور ، والكلام يفيد الحصر والتأكيد إن قدر المحذوف بعده ، والتأكيد فقط إن قدر قبله ، كذا قيل.

وأقول : يمكن أن يقدر فعل آخر أي وارع والديك فأطعهما « وبرهما » بصيغة الأمر من باب علم ونصر « حيين » كما مرّ « وميّتين » كما سيأتي في السابع ، أي بطلب المغفرة لهما وقضاء الديون والعبادات عنهما وفعل الخيرات والصدقات وكلّ ما يوجب حصول الثّواب عنهما « وإن أمرّاك أن تخرج من أهلك » أي من زوجتك بطلاقها « ومالك » بهبته « فإنّ ذلك من الإيمان » أي من شرائطه أو من

____________________

(١) سورة النحل ١٠٦.

٣٩٨

فافعل فإن ذلك من الإيمان.

_________________________________________________

مكمّلاته وظاهره وجوب طاعتهما فيما لم يكن معصية وإن كان في نفسه مرجوحاً لا سّيما إذا صار تركه سبباً لغيظهما وحزنهما ، وليس ببعيد لكنّه تكليف شاقّ بل ربمّا انتهى إلى الحرج العظيم.

قال المحقّق الأردبيلي قدّس الله روحه : العقل والنقل يدلان على تحريم العقوق ، ويفهم وجوب متابعة الوالدين وطاعتهما من الآيات والأخبار ، وصّرح به بعض العلماء أيضاً.

قال في مجمع البيان : «وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً » أي قضى بالوالدين إحساناً أو أوصى بهما إحسانا وخص حال الكبر وإن كان الواجب طاعة الوالدين على كلّ حال ، لأن الحاجة أكثر في تلك الحال ، وقال الفقهاء في كتبهم : للأبوين منع الولد عن الغزو والجهاد ما لم يتعين عليه بتعيين الإمام أو بهجوم الكفّار على المسلمين مع ضعفهم ، وبعضهم ألحقوا الجدّين بهما.

قال في شرح الشرائع : وكما يعتبر إذنهما في الجهاد يعتبر في سائر الأسفار المباحة والمندوبة ، وفي الواجبة الكفّائية مع قيام من فيه الكفّاية فالسفر لطلب العلم إن كان لمعرفة العلم العيني كإثبات الواجب تعالى وما يجب له ويمتنع والنبوة والإمامة والمعاد لم يفتقر إلى إذنهما ، وإن كان لتحصيل الزائد منه على الفرض العيني كدفع الشبهات وإقامة البراهين المرّوجة للدين زيادة على الواجب كان فرضه كفاية فحكمه وحكم السفر إلى أمثاله من العلوم الكفّائية كطلب التفقه إن كان هناك قائم بفرض الكفّاية اشترط إذنهما ، وهذا في زماننا فرض بعيد فإن فرض الكفّاية في التفقه لا يكاد يسقط مع وجود مائة مجتهد في العالم ، وإن كان السّفر إلى غيره من العلوم الماديّة مع عدم وجوبها توقّف على إذنهما.

هذا كلّه إذا لم يجد في بلده من يعلّمه ما يحتاج إليه بحيث لا تجد في السّفر

٣٩٩

إلّا ماله عند نفسك ، فان تكن الدنيا على غير ما وصفت لك فتحوَّل إلى دار المستعتب ،

_________________________________________________

الثاني : أن يكون المرّاد لا تسئل أحداً عمّا لك عند الله من الأجر والرزق وأمثالهما فإنّها بيد الله وعلمها عنده ولا ينفعك السؤال عنها بل سل العلماء عمّا لله عندك من الطّاعات لتعلم شرائطها وكيفيّاتها.

الثالث : أن يكون المعنى أنّك لا تحتاج إلى السؤال عمّا لك عند الله من الثّواب فإنه بقدر ما لله عندك من عملك فيمكنك معرفته بالرجوع إلى نفسك وعملك فعلى هذا يحتمل أن يكون التقدير لا تسئل عمّا لك عند الله من أحد إلّا ممّا له عندك فيكون ما له عنده مسئولا والاستثناء متّصلاً لكنّ في السؤال تجوز.

ويؤيّد الأخير على الوجهين ما روي في المحاسن عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحبّ أن يعلم ما له عند الله فليعلم ما لله عنده ، وفي تحف العقول في هذا الخبر مكان هذه الفقرة هكذا : وانظر ما لله عندك في حياتك فكذلك يكون لك العهد عنده في مرّجعك.

قولهعليه‌السلام : فإن تكن الدّنيا ، أقول : هذه الفقرة أيضاً تحتمل وجوها :

الأوّل : ما ذكره بعض المحقّقين أن المعنى إن تكن الدّنيا عندك على غير ما وصفت لك فتكون تطمئن إليها فعليك أن تتحول فيها إلى دار ترضى فيها ربّك يعنّي أن تكون في الدّنيا ببدنك وفي الآخرة بروحك تسعى في فكاك رقبتك وتحصيل رضا ربّك عنك حتّى يأتيك الموت.

الثاني : ما ذكره بعض الأفاضل أن المعنى إن تكن الدّنيا عندك على غير ذلك فانتقل إلى مقام التوبة والاستعتاب والاسترضاء فإن هذه عقيدة سيئة.

الثالث : ما خطر بالبال أن المعنى إن لم تكن الدّنيا عندك على ما وصفت لك فتوجه إلى الدّنيا وانظر بعين البصيرة فيها وتفكر في أحوالها من فنائها وتقلبها بأهلها ليتحقّق لك حقّية ما ذكرت ، وإنّما عبّرعليه‌السلام عن ذلك بالتحول إشعارا بأن من أنكر ذلك فكأنه لغفلته وغروره ليس في الدّنيا فليتحول إليها ليعرف ذلك.

٤٠٠