مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 437

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 437
المشاهدات: 18762
تحميل: 8660


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18762 / تحميل: 8660
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 8

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٧ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن بعض أصحابه ، عن صالح بن حمزة رفعه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن من العبادة شدّة الخوف من الله عزَّ وجلَّ يقول الله : «إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ »(١) وقال جل ثناؤه : «فَلا تَخْشَوُا

_________________________________________________

والحاصل أنّ الأحاديث الواردة في سعة عفو الله سبحانه وجزيل رحمته ووفور مغفرته كثيرة جدّاً ، ولكن لا بدّ لمن يرجوها ويتوقّعها من العمل الخالص المعدّ لحصولها ، وترك الانهماك في المعاصي ، المفوت لهذا الاستعداد كما عرفت في التمثيل بالباذرين سابقا ، فاحذر أن يغرك الشيطان ويثبطك عن العمل ويقنعك بمحض الرجاء والأمل ، وانظر إلى حال الأنبياء والأولياء واجتهادهم في الطاعات وصرفهم العمرّ في العبادات ليلاً ونهاراً ، إمّا كانوا يرجون عفو الله ورحمته! بلى والله إنّهم كانوا أعلم بسعة رحمته وأرجى لها منك ومن كلّ أحد ، ولكن علموا أن رجاء الرحمة من دون العمل غرور محض وسفه بحث فصرفوا في العبادات أعمارهم ، وقصروا على الطاعات ليلهم ونهارهم.

الحديث السابع : كالسابق.

« إن من العبادة » أي من أعظم أسبابها أو هي بنفسها عبادة أمرّ الله بها كما سيأتي ، والخوف مبدؤه تصوّر عظمة الخالق ووعيده وأهوال الآخرة ، والتصديق بها وبحسب قوة ذلك التصوّر وهذا التصديق يكون قوة الخوف وشدته وهي مطلوبة ما لم تبلغ حدّ القنوط.

«إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » وهم الذين علموا عظمة الله وجلاله وعزه وقهره وجوده وفضله علما يقينيّاً يورث العمل ومعاينة أحوال الآخرة وأهوالها كما مر.

وقال المحقق الطوسيّ (ره) في أوصاف الأشراف ما حاصله : أنّ الخوف

____________________

(١) سورة الفاطر : ٢٨.

٤١

النّاس وَاخْشَوْنِ »(١) وقال تبارك وتعالى : «وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً »(٢) قال وقال

_________________________________________________

والخشية وإن كانا بمعنى واحد في اللغة إلّا أنّ بينهما فرقاً بين أرباب القلوب ، وهو أن الخوف تألم النفس من المكروه المنتظر ، والعقاب المتوقع بسبب احتمال فعل المنهيات وترك الطاعات ، وهو يحصل لأكثر الخلق وإن كانت مراتبه متفاوتة جدا والمرتبة العليا منه لا تحصل إلّا للقليل ، والخشية حالة نفسانية تنشأ عن الشعور بعظمة الرب وهيبته ، وخوف الحجب عنه ، وهذه الحالة لا تحصل إلّا لمن اطلع على جلال الكبرياء وذاق لذة القرب ، ولذلك قال سبحانه : «إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » والخشية خوف خاص وقد يطلقون عليها الخوف أيضاً ، انتهى.

«وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً » التقوى على مراتب : أولها : التبري عن الشرك وما يوجب الخلود في النار ، وثانيها : التجنب عمّا يؤثم والاتقاء عن العذاب مطلقاً ، وثالثها : التنزه عمّا يشغل القلب عن الحق ، وبناء الكلّ على الخوف من العقوبة ، والبعد عن الحق.

ولعلّ المراد هنا إحدى الأخيرتين ، أي ومن يتّق الله خوفاً منه يجعل له مخرجا من شدائد الدنيا والآخرة ، كما روي عن ابن عباس أو من ضيق المعاش كما يشعر به قوله تعالى : «وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ » قيل : وكان السر في الأوّل أن شدائد الدارين من الحرص على الدنيا واقتراف الذنوب والغفلة عن الحق والمتقي منزه عن جميع ذلك ، وفي الثاني أن فيضه تعالى وجوده عام لا بخل فيه ، وإنّما المانع من قبول فيضه هو بعد العبد عنه ، وعدم استعداده له بالذنوب ، فإذا اتقى منها قرب منه تعالى ، واستحق قبول فيضه بلا تعب ولا كلفة ، فيجمع بذلك خير الدنيا والآخرة.

____________________

(١) سورة المائدة : ٤٤.

(٢) سورة الطلاق : ٢.

٤٢

أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنَّ حبَّ الشرف والذّكر لا يكونان في قلب الخائف الراهب.

٨ - عليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن الحسن بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي سعيد المكاري ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن عليّ بن الحسين صلوات الله عليه [ قال ] قال إن رجلا ركب البحر بأهله فكسر بهم فلم ينج ممن كان في السفينة إلّا امرأة الرّجل فإنها نجت على لوح من ألواح السفينة حتّى ألجأت على جزيرة من جزائر البحر وكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق ولم يدع لله حرمة إلّا انتهكها فلم يعلم إلّا والمرأة قائمة على رأسه فرفع رأسه إليها فقال إنسيّة أم جنيّة ؟ فقالت : إنسية فلم يكلمها كلمة حتّى جلس منها مجلس الرّجل من أهله فلما أن هم بها اضطربت فقال لها ما لك تضطربين فقالت :

_________________________________________________

« إنّ حبّ الشرف والذكر » أي حبّ الجاه والرئاسة والعزة في النّاس ، وحبّ الذكر والمدح والثناء منهم والشهرة فيهم « لا يكونان في قلب الخائف الراهب » لأن حبهما من آثار الميل إلى الدنيا وأهلها ، والخائف الراهب منزه عنه ، وأيضاً حبهما من الأمراض النفسانيّة المهلكة ، والخوف والرهبة ينزهان النفس عنها ، وذكر الراهب بعد الخائف من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ إذ الرهبة بمعنى الخشية وهي أخصّ من الخوف.

الحديث الثامن : ضعيف.

« ركب البحر » البحر مفعول به أو مفعول فيه ، أي ركب السفينة في البحر ، وقيل : أراد بالبحر السفينة من قبيل تسمية الحالّ باسم المحلّ بقرينة رجوع الضمير المستتر في قوله « فكسر» إليه ، والباء في « بأهله » بمعنى مع ، وانتهاك الحرمة تناولها بما لا يحل ، والحرمة بالضمّ ما لا يحل انتهاكه « فلم يعلم » أي تلك الواقعة « إلّا » في حالة كانت المرأة قائمة على رأسها.

« مجلس الرّجل » أي وقت الجماع ، ويقال : فرق كتعب أي خاف ، والمصدر الفرق بالتحريك وصادفه وجده ولقيه ، حمي الشمس كرضى اشتدّ حرّها ، وتجاسر

٤٣

أفرق من هذا - وأومأت بيدها إلى السّماء - قال فصنعت من هذا شيئاً ؟ قالت : لا وعزَّته قال : فأنت تفرقين منه هذا الفرق ولم تصنعي من هذا شيئاً وإنما أستكرهك استكراها فأنا والله أولى بهذا الفرق والخوف وأحقّ منك قال فقام ولم يحدث شيئاً ورجع إلى أهله وليست له همة إلّا التوبة والمراجعة فبينا هو يمشي إذ صادفه راهب يمشي في الطريق فحميت عليهما الشمس فقال الراهب للشاب ادع الله يظلنا بغمامة فقد حميت علينا الشّمس فقال الشّابُّ : ما أعلم أنّ لي عند ربّي حسنة فأتجاسر على أن أسأله شيئاً قال فأدعو أنا وتؤمن أنت قال نعم فأقبل الراهب يدعو والشاب يؤمن فما كان بأسرع من أن أظلتهما غمامة فمشيا تحتها مليا من النهار ثم تفرقت الجادة جادتين فأخذ الشاب في واحدة وأخذ الراهب في واحدة فإذا السحابة مع الشاب فقال الراهب أنت خير منّي لك استجيب ولم يستجب لي فأخبرني ما قصتك فأخبره بخبر المرأة فقال غفر لك ما مضى حيث دخلك الخوف فانظر كيف تكون فيما تستقبل.

٩ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن النّعمان ، عن حمزة بن حمران قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن ممّا حفظ من خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال

_________________________________________________

عليه اجترأ « وتؤمّن » على بناء التفعيل ، أي تقول آمين « فما كان » أي شيء أسرع من تظليل الغمامة ، وفي النهاية : الملي طائفة من الزمان لا حد لها ، يقال : مضى ملي من النهار ، وملي من الدهر ، أي طائفة منه ويدلّ على أن ترك كبيرة واحدة مع القدرة عليها خوفا من الله وخالصا لوجهه موجب لغفران الذنوب كلّها ولو كان حق النّاس ، لأن الرّجل كان يقطع الطريق مع احتمال أن تكون المغفرة للخوف مع التوبة إلى الله والمراجعة إلى النّاس في حقوقهم ، كما يفهم من قوله : وليس له همة إلّا التوبة والمراجعة.

الحديث التاسع : مجهول.

٤٤

يا أيها النّاس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم إلّا إن المؤمن يعمل بين مخافتين بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته وفي الشبيبة قبل الكبر وفي الحياة قبل الممات فو الذي نفس محمّد بيده ما بعد الدنيا من

_________________________________________________

« إن لكم معالم » في القاموس معلم الشيء كمقعد مظنته وما يستدل به ، وفي الصحاح المعلم الأثر يستدل به على الطريق والمراد هنا إمّا الآيات القرآنية لا سيما الآيات الدالة على إمامة أئمة الدين ووجوب متابعتهم ، أو كلّ ما يعلم منه حكم من أحكام الدين أصولا وفروعاً من الكتاب والسنة ، بل البراهين القاطعة العقلية أيضاً ، ويمكن شموله لكلّ ما يعتبر به من آيات الله في الآفاق والأنفس ، أو المراد بها أئمة الدين فإنّها معالم الحلال والحرام والحكم والأحكام كما مرّ في الأخبار ، والنهاية بالكسر الغاية التّي ينتهي إليها ، والمراد هنا إمّا الإمام بقرينة الأفراد إذ ليس في كلّ عصر إلّا إمام واحد ، أو المراد نهاية كلّ شخص في القرب والكمال بحسب استعداده وقابليته ، وقيل : المستقر في الجنّة والقرار في دار القرار ، وقيل : المراد به الأجل الموعود وهو بعيد.

قوله : بين أجل ، قد مضى المراد بالأجل هنا العمرّ ، وقيل : دل هذا على أن الخوف يطلق بالنسبة إلى ما مضى ، ولا يخفى وهنه لأن الخوف ليس من الأجل ، بل من العقوبة المترتّبة على ما عمل في ما مضى من العمرّ ، فالخوف من المستقبل ، بل المعنى يعمل بين سبب مخافتين ، وقوله : لا يدري ما الله قاض فيه ، شامل للمصائب الدينية والدنيوية معاً « فليأخذ العبد من نفسه لنفسه » يعنّي ليجتهد في الطّاعة والعبادة ويروض نفسه بالأعمال الصّالحة في أيام قلائل لراحة الأبدّ ، والنعيم المخلّد ، ومن دنياه لآخرته بأن ينفق ما حصله في دنياه لتحصيل آخرته.

« وفي الشيبة قبل الكبر » كذا في بعض النسخ الشبيبة بالبائين كسفينة ، قال

٤٥

مستعتب وما بعدها من دار إلّا الجنّة أو النار.

١٠ - عنه ، عن أحمد ، عن ابن محبوب ، عن داود الرقّي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : «وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ »(١) قال : من علم أنّ الله يراه ويسمع

_________________________________________________

الجوهري : الشّباب الحداثة وكذلك الشبيبة وهو خلاف الشيب ، وفي بعض النسخ وفي الشيبة وهي كبر السّن وابيضاض الشعر ، وعلى الأوّل وهو الأظهر المعنى وليعمل في سن الشّباب قبل سنّ الشيخوخة لأنّه قد لا يصل إلى الكبر ، وإن وصل فالعمل في الحالتين أفضل من العمل في حالة واحدة ، مع أن المرء في الشّباب أقوى على العمل منه في المشيب ، وإذا صار العمل ملكة في الشّباب تصير سبباً لسهولة العمل عليه في المشيب وأيضاً إذا أقبل على الطاعات في شبابه لا يتكدر ولا يرين مرآة قلبه بالفسوق والمعاصي وإذا أقبل على المعاصي وران قلبه بها فلما ينفك عنها ، ولو تركها قلما تصفو نفسه من كدوراتها ، وعلى الثاني المراد بالكبر سن الهرم والزمن أي ينبغي أن يغتنم أوائل الشيخوخة للطاعة قبل تعطل القوي وذهاب العقل ، فيكون قريبا من الفقرة الآتية « وفي الحياة قبل الممات » أي ينبغي أن يغتنم كلّ جزء من الحياة ولا يسوف العمل لاحتمال انقطاع الحياة بعده.

والمستعتب إمّا مصدر أو اسم مكان ، والاستعتاب الاسترضاء قال في النهاية : أعتبني فلان ، إذا عاد إلى مسرتي واستعتب طلب أن يرضى عنه كما يقول : استرضيته فأرضاني ، والمعتب المرضي ، ومنه الحديث : لا يتمنّينّ أحدكم الموت إمّا محسناً فلعله يزداد ، وإمّا مسيئاً فلعله يستعتب أي يرجع عن الإساءة ويطلب الرّضا ، ومنه الحديث : ولا بعد الموت من مستعتب ، أي ليس بعد الموت من استرضاء لأن الأعمال بطلت وانقضى زمانها ، وما بعد الموت دار جزاء لا دار عمل والعتبي الرجوع عن الذنب والإساءة.

الحديث العاشر : مختلف فيه صحيح عندي.

«وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ » قال البيضاوي : أي موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب

____________________

(١) سورة الرّحمن : ٤٦.

٤٦

ما يقول ويعلم ما يعمله من خير أو شرّ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الذي «خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ».

١١ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن الحسن بن أبي سارة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لا يكون المؤمن مؤمنّا حتّى يكون خائفاً راجياً ولا يكون خائفاً راجياً حتّى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو.

_________________________________________________

أو قيامه على أحواله من قام عليه إذا راقبه أو مقام الخائف عند ربّه للحساب بأحد المعنيين فأضاف إلى الرب تفخيماً وتهويلاً أو ربه مقام مقحم للمبالغة «جَنَّتانِ » جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجني ، فإن الخطاب للفريقين والمعنى لكلّ خائفين منكما ، أو لكلّ أحد جنّة لعقيدته وأخرى لعمله ، أو جنة لفعل الطاعات وأخرى لترك المعاصي ، أو جنّة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه ، أو روحانيّة وجسمانيّة ، انتهى.

وأقول : يحتمل أن يكون المراد جنّة البرزخ وجنة الخلد أو اللذات المعنوية في الدنيا للمقربين وجنات الآخرة ، قوله : فذلك الذي ، إشارة إلى تفسير آية أخرى في النازعات تنبيها على تقارب مضمون الآيتين واتحاد الموصول في الموضعين وأن نهي النفس عن الهوى مراد في تلك الآية أيضاً ، فإن الخوف بدون ترك المناهي ليس بخوف حقيقة ، ووحدة الجنّة لا تنافي التثنية في الأخرى ، لأن المراد بها الجنس وأشارعليه‌السلام إلى أن الخوف تابع للعلم كما قال سبحانه : «إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ».

الحديث الحادي عشر ضعيف على المشهور ، ويدلّ على أنّ كمال الإيمان منوط بالخوف والرجاء ، والخوف والرجاء لا يصدقان إلّا بالعمل.

٤٧

١٢ - عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن فضيل بن عثمان ، عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال المؤمن بين مخافتين ذنب قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه وعمرّ قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك فهو لا يصبح إلّا خائفاً ولا يصلحه إلّا الخوف.

١٣ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أبيعليه‌السلام يقول إنه ليس من عبد مؤمن إلّا وفي قلبه نوران نور خيفة ونور رجاء لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا.

( باب )

( حسن الظن بالله عز وجل )

١ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن داود بن كثير ، عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله تبارك وتعالى لا يتّكل العاملون على أعمالهم التّي يعملونها لثوابي فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي كانوا مقصّرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي والنعيم في جناتي ورفيع الدرجات العلى في جواري

_________________________________________________

الحديث الثاني عشر : صحيح.

ويدلّ على أنّه لا يصلح الإنسان ، ولا تنكسر شهواته إلّا بالخوف منه تعالى.

الحديث الثالث عشر : حسن وقد مرّ مضمونه.

باب حسن الظن بالله عز وجلَّ

الحديث الأول : مختلف فيه صحيح عندي ، وهو جزءٌ من خبر قد مضى في باب الرضا.

٤٨

ولكن برحمتي فليثقوا وفضلي فليرجوا وإلى حسن الظنّ بي فليطمئنّوا فإن رحمتي عند ذلك تدركهم ومنّي يبلّغهم رضواني ومغفرتي تلبسهم عفوي فإني أنا الله الرّحمن الرّحيم وبذلك تسمّيت.

٢ - ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن بريد بن معاوية ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال وجدنا في كتاب عليّعليه‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال وهو على منبره والذي لا إله إلّا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلّا بحسن ظنه بالله ورجائه له وحسن خلقه والكفّ عن اغتياب المؤمنين والذي لا إله إلّا هو لا يعذب الله مؤمنّا بعد التوبة والاستغفار إلّا بسوء ظنه بالله وتقصيره من رجائه وسوء خلقه واغتيابه للمؤمنين والذي لا إله إلّا هو لا يحسن ظنّ عبد مؤمن بالله إلّا كان الله عند ظن عبده المؤمن لأن الله كريم بيده الخيرات يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظنّ ثم يخلف ظنه ورجاءه فأحسنوا بالله الظنّ وارغبوا إليه.

_________________________________________________

الحديث الثاني : صحيح ومعلق على الخبر السابق.

قولهعليه‌السلام : إلّا بحسن ظنه قيل : معناه حسن ظنّه بالغفران إذا ظنّه حين يستغفر ، وبالقبول إذا ظنّه حين يتوب وبالإجابة إذا ظنّه حين يدعو ، وبالكفاية إذا ظنها حين يستكفي ، لأن هذه صفات لا تظهر إلّا إذا حسن ظنّه بالله تعالى وكذلك تحسين الظنّ بقبول العمل عند فعله إياه ، فينبغي للمستغفر والتائب والداعي والعامل أن يأتوا بذلك موقنين بالإجابة بوعد الله الصادق ، فإن الله تعالى وعد بقبول التوبة الصادقة والأعمال الصالحة ، وإمّا لو فعل هذه الأشياء وهو يظن أن لا يقبل ولا ينفعه فذلك قنوط من رحمة الله تعالى والقنوط كبيرة مهلكة ، وإمّا ظن المغفرة مع الإصرار وظنّ الثواب مع ترك الأعمال فذلك جهل وغرور يجر إلى مذهب المرجئة ، والظنّ هو ترجيح أحد الجانبين بسبب يقتضي الترجيح ، فإذا خلا عن سبب فإنما هو غرور وتمن للمحال.

٤٩

٣ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي الحسن الرّضاعليه‌السلام قال أحسن الظنّ بالله فإن الله عزَّ وجلَّ يقول : أنا عند ظن عبدي المؤمن بي إن خيراً فخيراً وإن شرّاً فشرّاً.

٤ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، عن المنقري ، عن سفيان بن عيينة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول حسن الظنّ بالله أن لا ترجو إلّا الله ولا تخاف إلّا ذنبك.

( باب )

( الاعتراف بالتقصير )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن سعد بن أبي خلف ، عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال قال لبعض ولده يا بنيّ عليك بالجد لا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله عزَّ وجلَّ وطاعته ، فإنّ الله

_________________________________________________

الحديث الثالث : صحيح.

« أنا عند ظنّ عبدي » هذا الخبر مروي من طرق العامة أيضاً ، وقال الخطابي : معناه أنا عند ظنّ عبدي في حسن عمله وسوء عمله ، لأن من حسن عمله حسن ظنّه ومن ساء عمله ساء ظنّه.

الحديث الرابع : ضعيف.

وفيه إشارة إلى أن حسن الظنّ بالله ليس معناه ومقتضاه ترك العمل والاجتراء على المعاصي اتكإلّا على رحمة الله ، بل معناه أنه مع العمل لا يتّكل على عمله وإنّما يرجو قبوله من فضله وكرمه ، ويكون خوفه من ذنبه وقصور عمله لا من ربه فحسن الظنّ لا ينافي الخوف ، بل لا بدّ من الخوف وضمه مع الرجاء وحسن الظنّ كما مرّ.

باب الاعتراف بالتقصير

الحديث الأوّل : صحيح.

« لا تخرجنّ نفسك من حدّ التقصير » أي عد نفسك مقصّراً في طاعة الله وإن

٥٠

لا يعبد حق عبادته.

٢ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن بعض العراقيين ، عن محمّد بن المثنى الحضرمي ، عن أبيه ، عن عثمان بن زيد ، عن جابر قال قال لي أبو جعفرعليه‌السلام يا جابر لا أخرجك الله من النقص و [ لا ] التقصير.

٣ - عنه ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم قال سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول إن رجلا في بني إسرائيل عبد الله أربعين سنة ثم قرب قربانا فلم يقبل منه فقال لنفسه ما أتيت إلّا منك وما الذنب إلّا لك قال فأوحى الله تبارك وتعالى إليه ذمك لنفسك أفضل من عبادتك أربعين سنة.

_________________________________________________

بذلت الجهد فيها ، فإنّ الله لا يمكن أنّ يعبد حق عبادته كما قال سيد البشر : ما عبدناك حق عبادتك.

الحديث الثاني : مجهول.

« عن بعض العراقيّين » أي علماء الكوفة « لا أخرجك الله » أي وفّقك الله لأن تعد عبادتك ناقصة ونفسك مقصّرة أبداً.

الحديث الثالث : موثق.

والقربان بالضم ما يتقرّب به إلى الله من هدى أو غيره ، وكانت علامة القبول في بني إسرائيل أن تجيء نار من السماء فتحرقه ، وقال في المغرب : من هنا أتيت ، أي من هنا دخل البلاء عليك.

« فأوحى الله » يحتمل أن يكون ذلك الرّجل نبيا ويحتمل أن يكون الوحي بتوسط نبي في ذلك الزمان ، مع أنه لم يثبت امتناع نزول الوحي على غير الأنبياء كما أن ظاهر الآية نزول الوحي على أمّ موسى.

قال الطبرسيقدس‌سره في قوله تعالى : «وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى » أي ألهمناها وقذفنا في قلبها وليس بوحي نبوّة ، عن قتادة وغيره ، وقيل : أتاها جبرئيل بذلك ، عن مقاتل ، وقيل : كان هذا الوحي رؤيا منام عبّر عنها من تثق به من علماء بني إسرائيل عن الجبائي.

٥١

٤ - أبو عليّ الأشعري ، عن عيسى بن أيوب ، عن عليّ بن مهزيار ، عن الفضل بن يونس ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال قال أكثر من أن تقول - اللّهم لا تجعلني من المعارين ولا تخرجني من التقصير - قال قلت إمّا المعارون فقد عرفت أن الرّجل يعار الدّين ثم يخرج منه فما معنى لا تخرجني من التقصير فقال كلّ عمل تريد به الله عزَّ وجلَّ فكن فيه مقصّراً عند نفسك فإن النّاس كلهم في أعمالهم فيما بينهم وبين الله مقصّرون إلّا من عصمه الله عزَّ وجل.

_________________________________________________

الحديث الرابع : مجهول.

« من المعارين » قال السيد الداماد قدّس الله روحه : المعاري من يركب الفرس عريانا ، قال في القاموس : اعرورى سار في الأرض وحده وقبيحاً أتاه ، وفرسه ركبه عريانا ، ونحن نعاري : نركب الخيل أعراء ، والمعنّي بالمعاري هيهنا : المتعبدون الذين يتعبدون لا على أسبغ الوجوه ، والطائعون الذين يلتزمون الطاعات ولكن لا على قصيا المراتب بل على ضرب من التقصير كالذين يركبون الخيل ولكن أعراء بلغنا الله تعالى أقصى المدى في طاعته ، انتهى.

ولعله « ره » غفل عن هذا الخبر وغيره ممّا سيأتي في باب المعارين فإنها صريحة في أنه مأخوذ من العارية.

« إلّا من عصمه الله » أي من الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام فإنهم لا يقصرون في شرائط الطّاعة بحسب الإمكان وإن كانوا أيضاً يعدون أنفسهم مقصّرين ، إظهاراً للعجز والنقصان ولما يرون أعمالهم قاصرة في جنب ما أنعم الله عليهم من الفضل والإحسان إلّا من عصمه الله من التقصير بالاعتراف بالتقصير.

٥٢

( باب )

( الطاعة والتقوى )

١ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن محمّد أخي عرام ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لا تذهب بكم المذاهب فو الله ما شيعتنا إلّا من أطاع الله عزَّ وجل.

٢ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضال ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال خطب رسول اللهعليه‌السلام في حجّة الوداع فقال يا أيّها النّاس والله ما من شيء يقربكم من الجنّة ويباعدكم من النار إلّا وقد أمرتكم به وما من شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنّة إلّا وقد نهيتكم عنه إلّا وإن الروح الأمين نفث في روعي أنّه لن تموت نفس حتّى تستكمل رزقها

_________________________________________________

( باب الطاعة والتقوى )

الحديث الأوّل : مجهول.

« لا يذهب بكم المذاهب » على بناء المعلوم والباء للتعدية وإسناد الإذهاب إلى المذاهب على المجاز فإن فاعله النفس أو الشيطان ، أي لا يذهبكم المذاهب الباطلة إلى الضّلال والوبال أو على بناء المجهول أي لا يذهب بكم الشيطان في المذاهب الباطلة من الأماني الكاذبة والعقائد الفاسدة بأن تجترئوا على المعاصي اتّكالاً على دعوى التشيّع والمحبة والولاية من غير حقيقة فإنه ليس شيعتهم إلّا من شايعهم في الأقوال والأفعال لا من ادعى التشيّع بمحض المقال.

الحديث الثاني : موثق كالصحيح.

والروح الأمين جبرئيل لأنّه سبب لحياة النفوس بالعلم وأمين على وحي الله

٥٣

فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحمل أحدكم استبطاء شيء من الرزق أن يطلبه بغير حله فإنه لا يدرك ما عند الله إلّا بطاعته.

_________________________________________________

إلى الرسل ، وفي النهاية :فيه : أنّ روح القدّس نفث في روعي ، يعنّي جبرئيل أي أوحى وألقى ، من النفث بالضم وهو شبيه بالنفخ ، وهو أقل من التفل لأن التفل لا يكون إلّا ومعه شيء من الريق ، في روعي أي في نفسي وخلدي ، انتهى.

« حتّى تستكمل رزقها » أي تأخذ رزقها المقدر على وجه الكمال « فاتقوا الله » أي في خصوص طلب الرزق أو مطلقاً « وأجملوا في الطلب » أي اطلبوا طلبا جميلا ولا يكن كدكم كدا فاحشا ، وفي المصباح أجملت في الطلب رفقت ، قال الشيخ البهائيقدس‌سره : يحتمل معنيين : الأوّل أن يكون المراد اتقوا الله في هذا الكد الفاحش أي لا تقيموا عليه ، كما تقول : اتق الله في فعل كذا أي لا تفعله ، والثاني : أن يكون المراد أنكم إذا اتقيتموه لا تحتاجون إلى هذا الكد والتعب ، ويكون إشارة إلى قوله تعالى : «وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ »(١) .

« ولا يحمل أحدكم » أي لا يبعثه ويحدوه ، والمصدر المسبوك من أن المصدرية ومعمولها منصوب بنزع الخافض ، أي لا يبعثكم استبطاء الرزق على طلبه من غير حله ، وسيأتي في خبر آخر : ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بشيء من معصية الله فإن الله تعالى قسم الأرزاق بين خلقه حلالاً ولم يقسمها حرإمّا فمن اتقى الله وصبر أتاه رزقه من حله ، ومن هتك حجاب ستر الله عزَّ وجلَّ وأخذه من غير حله قصر به من رزقه الحلال وحوسب عليه يوم القيامة.

وأقول : هذه الجمل كالتفسير لقولهعليه‌السلام : فإنّه لا يدرك ما عند الله ، أي من الثواب الجزيل والرزق الحلال إلّا بطاعته في الأوامرّ والنواهي ، والحاصل أنّ

____________________

(١) سورة الطلاق : ٢.

٥٤

٣ - أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن سالم وأحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه جميعاً ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمرّ ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال لي يا جابر أيكتفي من انتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت ، فو الله ما شيعتنا إلّا من اتّقى الله وأطاعه وما كانوا يعرفون يا جابر إلّا بالتواضع والتخشّع والأمانة

_________________________________________________

قوله : ما عند الله يحتمل الرزق الحلال والدرجات الأخروية والأعم والأوّل أوفق بالتعليل ، وكذا الثالث وإن كان الثاني أظهر في نفسه.

واعلم أن الرزق عند المعتزلة كلّما صحّ الانتفاع به بالتغذّي وغيره وليس لأحد منعه منه ، وليس الحرام عندهم رزقاً ، والحديث يدلّ عليه ، وعند الأشاعرة كلّما ينتفع به ذو حياة بالتغذّي وغيره ، وإن كان حراماً ، وخص بعضهم بالأغذية والأشربة ، وسيأتي تمام القول في ذلك في كتاب المكاسب إنشاء الله تعالى.

الحديث الثالث : ضعيف.

« من ينتحل التشيّع » أي يدعيه من غير أن يتصف به ، في القاموس : انتحله وتنحله ادعاه لنفسه وهو لغيره « وما كانوا يعرفون » على بناء المجهول ، والضمير راجع إلى الشيعة أو إلى خيار العبّاد ، أي كان في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين وسائر الأئمة الماضين صلوات الله عليهم يعرفون الشيعة بتلك الصّفات فمن لم يكن فيه تلك الخلال لم يكونوا يعدونهم من الشيعة أو كانوا موصوفين معروفين باتصافهم بها « إلّا بالتواضع » أي بالتذلل لله عند أو أمره ونواهيه ولأئمة الدين بتعظيمهم وإطاعتهم وللمؤمنين بتكريمهم وإظهار حبهم وعدم التكبر عليهم وحسن العشرة معهم والتخشع إظهار الخشوع وهو التذلل لله مع الخوف منه واستعمال الجوارح فيما أمرّ الله به ، وينسب إلى القلب وإلى الجوارح معاً ، والأمانة ضدّ الخيانة أي أداء حقوق الله والخلق وعهودهم وترك الغدر والخيانة فيها ، وفي مجالس الشيخ والإنابة أي التوبة والرجوع إلى الله.

٥٥

وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن النّاس إلّا من خير وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء قال جابر فقلت يا ابن رسول الله ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة فقال يا جابر لا تذهبن بك المذاهب حسب الرّجل أن يقول أحبّ عليا وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعإلّا فلو قال إني أحبّ رسول الله - فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خير من عليّعليه‌السلام ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته

_________________________________________________

« وكثرة ذكر الله » باللسان والقلب ، والصوم عطف على الذكر ، والتعهد للجيران أي رعاية أحوالهم وترك إيذائهم ، وتحمل الأذى عنهم ، وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم وعدم منع الماعون عنهم وسيأتي الخلاف في كون الفقير أسوأ حإلّا أو المسكين والتخصيص بهما لكون رعايتهما أهم وإلّا يلزم رعاية الجيران مطلقاً ، وفي المجالس : وتعاهد الجيران « والغارمين » إمّا عطف على الفقراء أو على الجيران « وكانوا أمناء عشائرهم » أي يأتمنونهم ويعتمدون عليهم في جميع الأشياء من الأموال والفروج وحفظ الأسرار ، والعشائر جمع العشيرة وهي القبيلة.

« حسب الرّجل أن يقول » التركيب مثل حسبك درهم أي كافيك وحرف الاستفهام مقدر وهو على الإنكار أي لا يكفيه ذلك « فعالاً » أي كثير الفعل لما يقتضيه اعتقاده من متابعة الأئمةعليهم‌السلام في جميع الأمور.

قوله : فرسول الله ، الظاهر أنّها جملة معترضة ، وفي المجالس وبعض الكتب ورسول الله وهو أظهر ، فتكون جملة حالية ، ويحتمل أن يكون على النسختين عطفا على أحبّ ويكون داخلا في مقول القول ، أي لو قال المخالف إني أحبّ رسول الله وهو أفضل من عليّ فكما أنكم تتكلمون على حبّ عليّعليه‌السلام أنا اتكلّ على حبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يمكنكم إلزامه بالجواب لأنّكم إذا قلتم لا ينفعكم حبّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع مخالفته في القول بأوصيائه يمكنه أن يقول فكذا لا ينفعكم حبّ على

٥٦

ما نفعه حبه إياه شيئاً فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ليس بين الله وبين أحد قرابة أحبّ العبّاد إلى الله عزَّ وجلَّ وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته يا جابر والله ما يتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلّا بالطّاعة وما معنا براءة من النار ولا على الله لأحد من حجة من كان لله مطيعا فهو لنا ولي ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو وما تنال

_________________________________________________

مع مخالفتكم له في الأقوال والأفعال.

« ليس بين الله وبين أحد قرابة » أي ليس بين الله وبين الشيعة قرابة حتّى يسامحكم ولا يسامح مخالفيكم مع كونكم مشتركين معهم في مخالفته تعالى أو ليس بينه وبين عليّعليه‌السلام قرابة حتّى يسامح شيعة عليّعليه‌السلام ، ولا يسامح شيعة الرسول ، والحاصل أن جهة القرب بين العبد وبين الله إنما هي بالطّاعة والتقوى ، ولذا صار أئمتكم أحبّ الخلق إلى الله فلو لم تكن هذه الجهة فيكم لم ينفعكم شيء « وما معنا براءة من النار » أي ليس معنا صكّ وحكم ببراءتنا وبراءة شيعتنا من النار ، وإن عملوا بعمل الفجّار.

« ولا على الله لأحد من حجّة » أي ليس لأحد على الله حجّة إذا لم يغفر له بأن يقول. كنت من شيعة عليّ ، فلم لم تغفر لي ، لأنّ الله لم يحتم بغفران من ادعى التشيّع بلا عمل ، أو المعنى ليس لنا على الله حجّة في إنقاذ من ادعى التشيّع من العذاب ، ويؤيده أن في المجالس : وما لنا على الله حجّة « من كان لله مطيعاً » كأنه جواب عمّا يتوهم في هذا المقام أنهمعليهم‌السلام حكموا بأن شيعتهم وأولياءهم لا يدخلون النار ، فأجابعليه‌السلام بأن العاصي لله ليس بولي لنا ولا تدرك ولايتنا إلّا بالعمل بالطاعات والورع عن المعاصي.

قيل : للورع أربع درجات : الأولى : ورع التائبين وهو ما يخرج به الإنسان من الفسق وهو المصحح لقبول الشهادة ، الثانية : ورع الصالحين وهو الاجتناب عن الشبهات خوفاً منها ومن الوقوع في المحرمات ، الثالثة : ورع المتقين وهو ترك

٥٧

ولايتنا إلّا بالعمل والورع.

٤ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ؛ ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعاً ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من النّاس فيأتون باب الجنّة فيضربونه فيقال لهم : من أنتم ؟ فيقولون نحن أهل الصبر فيقال لهم على ما صبرتم فيقولون كنا نصبر على طاعة الله ونصبر عن معاصي الله فيقول الله عزَّ وجلَّ صدقوا أدخلوهم الجنّة وهو قول الله عزَّ وجلَّ : «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ »(١) .

_________________________________________________

الحلال خوفاً من أن ينجرّ إلى الحرام مثل ترك التحدّث بأحوال النّاس مخافة أن ينجرّ إلى الغيبة ، الرابع : ورع السالكين وهو الإعراض عمّا سواه تعالى خوفاً من صرف ساعة من العمرّ فيما لا يفيد زيادة القرب منه تعالى وإن علم أنه ينجرّ إلى الحرام.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

وفي النّهاية : عنق ، أي جماعة من النّاس وفي القاموس : العنق بالضمّ وبضمّتين الجماعة من النّاس والرؤساء «أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ » قيل : أي أجراً لا يهتدي إليه حساب الحساب ، ويظهر من الخبر أن المعنى أنّهم لا يوقفون في موقف الحساب بل يذهب بهم إلى الجنّة بغير حساب ، قال الطبرسي (ره) : لكثرته لا يمكن عده وحسابه ، وروى العيّاشي بالإسناد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا نشرت الدّواوين ونصبت الموازين لم ينصب لأهل البلاء ميزان ، ولم ينشر لهم ديوان ، ثم تلا هذه الآية : «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ ».

____________________

(١) سورة الزمر : ١٠.

٥٨

٥ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن فضيل بن عثمان ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقلّ ما يتقبّل.

٦ - حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن بعض أصحابه ، عن أبان ، عن عمرو بن خالد ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال يا معشر الشيعة شيعة آل محمّد كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي فقال له رجل من الأنصار

_________________________________________________

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« وكيف يقلّ ما يتقبّل » لأنّ الله تعالى يقول : «إِنَّما يتقبّل اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ »(١) .

الحديث السادس : مرسل.

وقال الجوهري : النمرقة وسادة صغيرة وكذلك النمرقة بالكسر لغة حكاها يعقوب ، وربما سمّوا الطنفسة التّي فوق الرّحل نمرقة عن أبي عبيد ، وفي القاموس : النمرق والنمرقة مثلثة الوسادة الصغيرة أو المثيرة أو الطنفسة فوق الرّحل ، والنمرقة بالكسر من السحاب ما كان بينه فتوق ، انتهى.

وكأنّ التشبيه بالنّمرقة باعتبار أنّها محلّ الاعتماد ، والتقييد بالوسطى لكونهم واسطة بين الإفراط والتفريط ، أو التشبيه بالنمرقة الوسطى باعتبار أنّها في المجالس صدر ومكان لصاحبه يلحق به ، ويتوجّه إليه من على الجانبين ، وقيل : المراد كونوا أهل النمرقة الوسطى وقيل : المراد أنّه كما كانت الوسادة التّي يتوسد عليها الرّجل إذا كانت رفيعة جدا أو خفيفة جداً لا تصلح للتوسد بل لا بدّ لها من حد من الارتفاع والانخفاض ، حتّى يصلح لذلك ، كذلك أنتم في دينكم وأئمتكم لا تكونوا غالين تجاوزون بهم عن مرتبتهم التّي أقامهم الله عليها وجعلهم أهلا لها وهي الإمامة

____________________

(١) سورة المائدة : ٢٧.

٥٩

يقال له سعد : جعلت فداك ما الغالي قال قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا فليس أولئك منّا ولسنا منهم قال فما التالي ؟ قال المرتاد يريد الخير ، يبلّغه الخير يؤجر عليه ثمّ أقبل علينا فقال : والله ما معنا من الله براءة ولا بيننا وبين الله

_________________________________________________

والوصاية النّازلتان عن الألوهيّة والنبوّة كالنصارى الغالين في المسيح المعتقدين فيه الألوهيّة أو النبوة لآله ، ولا تكونوا أيضاً مقصّرين فيهم تنزلونهم عن مرتبتهم وتجعلونهم كسائر النّاس أو أنزل ، كالمقصّرين من اليهود في المسيح المنزلين له عن مرتبته ، بل كونوا كالنمرقة الوسطى وهي المقتصدة للتوسّد « يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي ».

قولهعليه‌السلام : ما لا نقوله في أنفسنا ، كالألوهيّة وكونهم خالقين للأشياء والنبوّة « المرتاد يريد الخير يبلغه الخير » كأنه من قبيل وضع الظاهر موضع المضمرّ أي يريد الأعمال الصالحة التّي تبلغه أن يعملها ، ولكن لا يعمل بها يؤجر عليه بمحض هذه النية ، أو المعنى أنه المرتاد الطالب لدين الحق وكما له ، وقوله : يبلغه الخير ، جملة أخرى لبيان أن طالب الخير سيجده ويوفقه الله لذلك ، كما قال تعالى : «وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا »(١) وقوله : يؤجر عليه ، لبيان أنه بمحض الطّلب مأجور ، وقيل : المرتاد الطالب للاهتداء الذي لا يعرف الإمام ، ومراسم الدين بعد يريد التعلم ونيل الحق ، يبلغه الخير بدل من الخير يعنّي يريد أن يبلغه الخير ليوجر عليه ، وقيل : المرتاد أي الطالب من ارتاد الرّجل الشيء إذا طلبه ، والمطلوب أعم من الخير والشّر ، فقوله : يريد الخير تخصيص وبيان للمعنى المراد هيهنا « يبلغه الخير » من الإبلاغ أو التبليغ وفاعله معلوم بقرينة المقام ، أي من يوصله إلى الخير المطلوب ثم يؤجر عليه لهدايته وإرشاده.

وأقول : على هذا يمكن أن يكون فاعله الضمير الراجع إلى النمرقة لما فهم

____________________

(١) سورة العنكبوت : ٦٩.

٦٠