مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول13%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 434

  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11840 / تحميل: 6940
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٨

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعلي بن محمد ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان المنقري ، عن حفص بن غياث قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الورع من الناس فقال الذي يتورع عن محارم الله عز وجل.

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن أبي أسامة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم وكونوا زينا ولا تكونوا شينا وعليكم بطول الركوع والسجود فإن أحدكم

_________________________________________

المحارم وترك الطاعات كما هو الشائع بين الناس ، أو هو تعريض بأرباب البدع الذين يحرمون ما أحل الله على أنفسهم ويسمونه ورعا أو تنبيه على أن الورع إنما هو بترك المعاصي لا بالمبالغة في الطاعات والإكثار منها.

الحديث الثامن : ضعيف والوجوه السابقة جارية فيه.

الحديث التاسع : صحيح.

« وحسن الجوار » لكل من جاوره وصاحبه أو لجار بيته« وكونوا دعاة » أي كونوا داعين للناس إلى طريقتكم المثلي ومذهبكم الحق بمحاسن أعمالكم ومكارم أخلاقكم ، فإن الناس إذا رأوكم على سيرة حسنة وهدى جميل نازعتهم أنفسهم إلى الدخول فيما ذهبتم إليه من التشيع وتصويبكم فيما تقلدتم من طاعة أئمتكمعليهم‌السلام « وكونوا زينا » أي زينة لنا« ولا تكونوا شينا » أي عيبا وعارا علينا ، وفي النهاية في حديث أبي هريرة إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله ، الويل : الحزن والهلاك والمشقة من العذاب وكل من وقع في هلكة دعا بالويل ، ومعنى النداء فيه يا ويلي ويا حزني ويا هلاكي ويا عذابي احضر فهذا وقتك وأو أنك ، فكأنه نادى الويل أن يحضره لما عرض له من الأمر الفظيع وهو الندم على ترك السجود لآدمعليه‌السلام ، وأضاف الويل إلى ضمير الغائب حملا على

٦١

إذا أطال الركوع والسجود هتف إبليس من خلفه وقال يا ويله أطاع وعصيت وسجد وأبيت.

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن أبي زيد ، عن أبيه قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فدخل عيسى بن عبد الله القمي فرحب به وقرب من مجلسه ثم قال يا عيسى بن عبد الله ليس منا ولا كرامة من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون وكان في ذلك المصر أحد أورع منه.

_________________________________________

المعنى ، وعدل عن حكاية قول إبليس يا ويلي كراهة أن يضيف الويل إلى نفسه ، انتهى.

وقال : النووي : هو من أدب الكلام أنه إذا عرض في الحكاية عن الغير ما فيه سوء صرف الحاكي عن نفسه إلى الغيبة صونا عن صورة إضافة السؤال إلى نفسه ، انتهى.

وقيل : الضمير راجع إلى الساجد ودعا إبليس له بالعذاب والويل ، أو هو من كلام الإمام والضمير لإبليس والجملة معترضة ، ولا يخفى بعدهما ، ويحتمل على الأول أن يكون المنادي محذوفا نحو ألا يا اسجدوا أي يا قوم احضروا ويلي.

الحديث العاشر : مجهول.

وقال الجوهري :الرحب بالضم السعة ، وقولهم : مرحبا وأهلا أي أتيت سعة وأتيت أهلا فاستأنس ولا تستوحش ، وقدر حب به ترحيبا إذا قال له مرحبا ، انتهى.

وفي النهاية : وقيل : معناه رحب الله بك مرحبا ، فجعل المرحب موضع الترحيب ، انتهى.

وقوله : ولا كرامة جملة معترضة أي لا كرامة له عند الله أو عندنا أو أعم منهما« فيه مائة ألف » أي من المخالفين أو الأعم ، ويدل على مدح عيسى بن عبد الله وروى الشيخ المفيد في مجالسه حديثا يدل على مدح عظيم له ، وأنه قالعليه‌السلام فيه هو منا أهل البيت ، وزعم الأكثر أنه الأشعري جد أحمد بن محمد ، والأظهر عندي أنه غيره لبعد ملاقاة الأشعري الصادقعليه‌السلام ، بل ذكروا أن له مسائل عن الرضاعليه‌السلام .

٦٢

١١ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبي كهمس ، عن عمرو بن سعيد بن هلال قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أوصني قال أوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه.

١٢ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال أعينونا بالورع فإنه من لقي الله عز وجل منكم بالورع كان له عند الله فرجا وإن الله عز وجل يقول : «مَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ

_________________________________________

الحديث الحادي عشر : مجهول ، وقد مر مضمونه.

الحديث الثاني عشر : صحيح.

« أعينونا بالورع » إشارة إلى أن الأئمةعليهم‌السلام متكفلون لنجاة شيعتهم من العذاب ، فكلما كان ورعهم أشد وأكمل كانت الشفاعة عليهم أسهل ، فالورع إعانة لهمعليهم‌السلام على ذلك.

فإن قلت : مع الورع أي حاجة إلى الشفاعة فإنه يجب عليه سبحانه بمقتضى وعده إدخالهم الجنة وإبعادهم عن العذاب.

قلت : يحتمل أن يكون المراد عدم تجشم الشفاعة أو يكون الورع ترك المعاصي فقط ، فلا ينافي الاحتياج إلى الشفاعة للتقصير في الواجبات ، أو يكون المراد بالورع ترك الكبائر أو أعم من ترك كل المعاصي أو بعضها مع أنه لا استبعاد في الحاجة إلى الشفاعة مع فعل الطاعات وترك المعاصي لسرعة دخول الجنة أو التخلص من أهوال القيامة أو عدم الحساب ، أو تخفيفه.

« كان له عند الله فرجا » اسم كان الضمير المستتر الراجع إلى الورع ، وقيل : إلى اللقاء وفرجا بالجيم خبره ، وربما يقرأ بالحاء المهملة وعلى التقديرين التنوين للتعظيم «مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ » في سورة النساء «وَالرَّسُولَ » وكأنه نقل بالمعنى مع الإشارة إلى ما في سورة النور «وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ

٦٣

أُولئِكَ رَفِيقاً »(١) فمنا النبي ومنا الصديق والشهداء والصالحون.

١٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنا لا نعد الرجل مؤمنا حتى يكون لجميع أمرنا متبعا مريدا ألا وإن من اتباع أمرنا وإرادته الورع فتزينوا به يرحمكم الله وكبدوا أعداءنا [ به ] ينعشكم الله.

_________________________________________

الْفائِزُونَ » وإطاعة الله والرسول لا تكون إلا مع الورع ، فالاستشهاد لذلك وقيل : المراد بطاعة الله ورسوله إطاعتهما في الاعتقاد بإمامة أئمة الهدىعليهم‌السلام وإن كان مع المعاصي فالاستشهاد للشفاعة.

« فمنا » أي من بني هاشم وكان المرادبالصديق أمير المؤمنينعليه‌السلام وبالشهداء الحسنانعليه‌السلام أو الحسينعليه‌السلام وبالصالحين باقي الأئمةعليهم‌السلام ، أو المراد بالشهداء جميع الأئمةعليهم‌السلام وبالصالحين شيعتهم ، وقد فسرت الآية بالوجهين في الأخبار.

الحديث الثالث عشر : حسن« إنا لا نعد الرجل مؤمنا » هذا أحد معاني الإيمان التي مضت« مريدا » أي لجميع أمرنا« يرحمكم الله » جواب الأمر أو جملة دعائية وكذا قوله : ينعشكم الله يحتمل الوجهين« وكيدوا به » في أكثر النسخ بالياء المثناة أي حاربوهم بالورع لتغلبوا أو ادفعوا به كيدهم سمي كيدا مجازا أي الورع يصير سببا لكف ألسنتهم عنكم وترك ذمهم لكم أو احتالوا بالورع ليرغبوا في دينكم كما مر في قوله :عليه‌السلام « كونوا دعاة » إلخ ، وكأنه أظهر ، وفي بعض النسخ بالباء الموحدة المشددة من الكبد بمعنى الشدة والمشقة ، أي أوقعوهم في الألم والمشقة لأنه يصعب عليهم ورعكم والأول أكثر وأظهر.

« ينعشكم الله » أي يرفعكم الله في الدنيا والآخرة ، في القاموس : نعشه الله كمنعه رفعه كأنعشه ونعشه وفلانا جبره بعد فقر ، والميت ذكره ذكرا حسنا.

__________________

(١) سورة النساء : ٦٩ ، وفيها « والرسول » كما ذكره الشارح (ره).

٦٤

١٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال ، عن العلاء ، عن ابن أبي يعفور قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير فإن ذلك داعية.

١٥ ـ الحسين بن محمد ، عن علي بن محمد بن سعيد ، عن محمد بن مسلم ، عن محمد بن حمزة العلوي قال أخبرني عبيد الله بن علي ، عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام قال كثيرا ما كنت أسمع أبي يقول ليس من شيعتنا من لا تتحدث المخدرات بورعه في خدورهن وليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم [ من ] خلق [ ا ] لله أورع منه.

_________________________________________

الحديث الرابع عشر : صحيح.

« فإن ذلك داعية » أي للمخالفين إلى الدخول في دينكم كما مر ، والتاء للمبالغة وسيأتي هذا الخبر في باب الصدق بأدنى تفاوت في السند والمتن ، وفيه الصدق مكان الصلاة.

الحديث الخامس عشر : مجهول.

وفي القاموسالخدر بالكسر ستر يمد للجارية في ناحية البيت ، وكل ما واراك من بيت ونحوه ، والجمع خدور وأخدار ، وبالفتح إلزام البنت الخدر كالإخدار والتخدير وهي مخدرة ومخدرة ، انتهى.

والمعنى اشتهر ورعه بحيث تتحدث النساء المستورات غير البارزات بورعه في بيوتهن ، وقيل : إنه يدل على أن إظهار الصلاح ليشتهر أمر مطلوب ، ولكن بشرط أن لا يكون لقصد الرياء والسمعة بل لغرض صحيح مثل الاقتداء به والتحفظ من نسبة الفسق إليه ونحوهما ، وفيه نظر.

٦٥

باب العفة

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما عبد الله بشيء أفضل من عفة بطن وفرج.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه قال قال أبو جعفرعليه‌السلام إن أفضل العبادة عفة البطن والفرج.

_________________________________________

باب العفة

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

والعفة في الأصل الكف قال في القاموس : عف عفا وعفافا وعفافة بفتحهن وعفة بالكسر فهو عف وعفيف : كف عما لا يحل ولا يجمل كاستعف وتعفف ، وقال الراغب : العفة حصول حالة للنفس تمنع بها عن غلبة الشهوة ، والمتعفف المتعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر ، وأصله الاقتصار على تناول الشيء القليل الجاري مجرى العفافة ، والعفة أي البقية من الشيء أو مجرى العفف وهو ثمر الأراك ، والاستعفاف طلب العفة ، انتهى.

وتطلق في الأخبار غالبا على عفة البطن والفرج وكفهما عن مشتهياتها المحرمة بل المشتبهة والمكروهة أيضا من المأكولات والمشروبات والمنكوحات ، بل من مقدماتهما من تحصيل الأموال المحرمة لذلك ومن القبلة واللمس والنظر إلى المحرم ، ويدل على أن ترك المحرمات من العبادات وكونهما من أفضل العبادات ، لكونهما أشقهما.

الحديث الثاني : حسن أو موثق.

٦٦

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول أفضل العبادة العفاف.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن معلى أبي عثمان ، عن أبي بصير قال قال رجل لأبي جعفرعليه‌السلام إني ضعيف العمل قليل الصيام ولكني أرجو أن لا آكل إلا حلالا قال فقال له أي الاجتهاد أفضل من عفة بطن وفرج.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر ما تلج به أمتي النار الأجوفان البطن والفرج.

٦ ـ وبإسناده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث أخافهن على أمتي من بعدي الضلالة بعد المعرفة ومضلات الفتن وشهوة البطن والفرج.

_________________________________________

الحديث الثالث : ضعيف ، ويمكن حملالعفاف هنا على ما يشمل ترك جميع المحرمات.

الحديث الرابع : صحيح ، والاجتهاد بذل الوسع في طلب الأمر والمراد هنا المبالغة في الطاعة.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« ما تلج » أي تدخل ، وفي النهاية :الأجوف الذي له جوف ، ومنه الحديث :

أن لا تنسوا الجوف وما وعى ، أي ما يدخل إليه من الطعام والشراب ويجمع فيه ، وقيل : أراد بالجوف القلب وما وعى وحفظ من معرفة الله تعالى ، وقيل : أراد بالجوف البطن والفرج معا ، ومنه الحديث : إن أخوف ما أخاف عليكم الأجوفان.

« وبإسناده » الضمير لعلي أو للسكوني ، وعلى التقديرين المراد به الإسناد

٦٧

٦ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن بعض أصحابه ، عن ميمون القداح قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول ما من عبادة أفضل من عفة بطن وفرج.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن منصور بن حازم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما من عبادة أفضل عند الله من عفة بطن وفرج.

باب اجتناب المحارم

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن داود بن كثير الرقي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ »(١) قال من علم أن الله عز وجل يراه ويسمع ما يقوله ويفعله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الذي «خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ».

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر

_________________________________________

السابق وقيل : ليس هذا في نسخة الشهيد الثاني (ره) ، وأقول : قد وقعت الأمة في كل ما خافصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم إلا من عصمه الله ، وهم قليل من الأمة.

الحديث السادس : مرسل.

الحديث السابع : صحيح.

باب اجتناب المحارم

الحديث الأول : مختلف فيه صحيح على الأقوى ، وقد مر في آخر باب الخوف والرجاء بأدنى تغيير في المتن مع شرحه.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

__________________

(١) سورة الرحمن : ٤٦.

٦٨

اليماني ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كل عين باكية يوم القيامة غير ثلاث عين سهرت في سبيل الله وعين فاضت من خشية الله وعين غضت عن محارم الله.

٣ ـ علي ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال فيما ناجى الله عز وجل به موسىعليه‌السلام يا موسى ما تقرب إلي المتقربون بمثل الورع عن محارمي فإني أبيحهم جنات عدن لا أشرك معهم أحدا.

٤ ـ علي [ بن إبراهيم ] ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبيدة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أشد ما فرض الله على خلقه ذكر الله كثيرا ثم قال لا أعني سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وإن كان منه ولكن

_________________________________________

« في سبيل الله » أي في الجهاد أو الأعم منه ومن السفر إلى الحج والزيارات أو الأعم منها ومن السهر للعبادة ومطالعة العلوم الدينية وهذا أظهر ، وإسناد الفيض إلى العين مجاز يقال : فاض الماء والدمع يفيض فيضا كثر حتى سال ، وغضت على بناء المفعول يقال غض طرفه أي كسره وأطرق ولم يفتح عينه.

الحديث الثالث : مرسل.

« جنات عدن » قال الراغب : أي استقرار وثبات ، وعدن بمكان كذا استقر ومنه المعدن لمستقر الجواهر.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

« ما فرض الله » أي قرره أعم من الواجب والندب ، ويحتمل الوجوب« وإن كان » أي هذا الذكر اللساني« منه » أي من مطلق الذكر ، لكن الذكر الشديد الذكر عند الطاعة والمعصية ، والذكر اللساني هين بالنسبة إليه ، والحاصل أن الله سبحانه أمر بالذكر ومدحه في مواضع كثيرة من الذكر الحكيم كقوله سبحانه : «اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً »(١) وقوله «وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٤١.

٦٩

ذكر الله عند ما أحل وحرم فإن كان طاعة عمل بها وإن كان معصية تركها.

٥ ـ ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً

_________________________________________

الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ »(١) وقوله تعالى : «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ »(٢) وأصل الذكر التذكر بالقلب ومنه : و «اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ »(٣) أي تذكروا ثم يطلق على الذكر اللساني حقيقة أو من باب تسمية الدال باسم المدلول ثم كثر استعماله فيه لظهوره حتى صار هو السابق إلى الفهم ، فنصعليه‌السلام على إرادة الأول دون الثاني فقط دفعا لتوهم تخصيصه بالثاني ، وإشارة إلى أكمل أفراده.

وقال بعضهم : ذكر اللسان مع خلو القلب عنه لا يخلو من فائدة لأنه يمنعه من التكلم باللغو ، ويجعل لسانه معتادا بالخير ، وقد يلقي الشيطان إليه أن حركة اللسان بدون توجه القلب عبث ينبغي تركه فاللائق بحال الذكر حينئذ أن يحضر قلبه رغما للشيطان ، ولو لم يحضره فاللائق به أن لا يترك ذكر اللسان رغما لأنفه أيضا.

وأن يجيبه بأن اللسان آلة للذكر كالقلب ولا يترك أحدهما بترك الآخر فإن لكل عضو عبادة.

ثم اعلم أن الذكر القلبي من أعظم بواعث المحبة والمحبة أرفع منازل المقربين ، رزقنا الله إياها وسائر المؤمنين.

الحديث الخامس : كالسابق «وَقَدِمْنا » أي عمدنا وقصدنا «إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ » كقري الضعيف وصلة الرحم وإغاثة الملهوف وغيرها «فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً » فلم يبق له أثر والهباء غبار

__________________

(١) سورة الأعراف : ٢٠٧.

(٢) سورة آل عمران : ١٩١.

(٣) سورة البقرة : ١٢١.

٧٠

مَنْثُوراً »(١) قال أما والله إن كانت أعمالهم أشد بياضا من القباطي ولكن كانوا إذا عرض لهم الحرام لم يدعوه

_________________________________________

في شعاع الشمس الطالع من الكوة من الهبوة وهو الغبار ، والقباطي بالفتح جمع القبطية بالكسر ثياب بيض رقاق من كتان تتخذ بمصر وقد يضم لأنهم يغيرون في النسبة ، وفي المصباح القبطي بالضم من كتان رقيق يعمل بمصر نسبة إلى القبط على غير قياس فرقا بين الإنسان والثوب وثياب قبطية أيضا بالضم والجمع قباطي ، انتهى.

وفيه دلالة على حبط الطاعات بالفسوق وخصه بعض المفسرين بالكفر ولا كلام فيه.

ولنذكر هنا مجملا من معاني الحبط والتكفير والاختلافات الواردة فيه.

اعلم أن الإحباط في عرف المتكلمين عبارة عن إبطال الحسنة بعدم ترتب ما يتوقع منها عليها ويقابلها التكفير وهو إسقاط السيئة بعدم جريان مقتضاها عليها فهو في المعصية نظير الإحباط في الطاعة ، والحبط والتكفير ، وإطلاقهما بهذين اللفظين وبما يساوقهما كثير في الآيات والأخبار ، وقد اشتهر بين المتكلمين أن الوعيدية من المعتزلة وغيرهم يقولون بالإحباط والتكفير دون من سواهم من الأشاعرة وغيرهم وهذا على إطلاقه غير صحيح فإن أصل الإحباط والتكفير مما لا يمكن إنكاره لأحد من المسلمين كما ظهر مما تلونا عليك فلا بد أن يحرر مقصود كل طائفة ليتبين ما هو الحق.

فنقول : لا خلاف بين من يعتد به من أهل الإسلام في أن كل مؤمن صالح يدخل الجنة خالدا فيها حقيقة ، وكل كافر يدخل النار خالدا فيها كذلك ، وأما المؤمن الذي خلط عملا صالحا بعمل غير صالح فاختلفوا فيه فذهب بعض المرجئة إلى أن الإيمان يحبط الزلات فلا عقاب على زلة مع الإيمان ، كما لا ثواب لطاعة مع

__________________

(١) سورة الفرقان : ٢٣.

٧١

...........................................................................

_________________________________________

الكفر ، وذهب الآخرون إلى ثبوت الثواب والعقاب في حقه ، أما المعتزلة فبعنوان الاستحقاق المعلوم عقلا باعتبار الحسن والقبح العقليين ، وشرعا باعتبار الآيات الدالة عليه من الوعد والوعيد ، وأما الأشاعرة فبعنوان الاتفاق يقولون : أنه لا يجب على الله شيء فلا يستحق المكلف ثوابا منه تعالى فإن أثابه فبفضله وإن عاقبه فبعدله ، بل له أثابه العاصي وعقاب المطيع أيضا ، وبالجملة قول المعتزلة في المؤمن الخارج من الدنيا بغير توبة عن كبيرة ارتكبها أنه استحق الخلود في النار لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار أما مطلق الاستحقاق فلما عرفت وأما خصوص الخلود فللعمومات المتداولة عند غيرهم بتخصيصها بالكفار أو بحمل الخلود على المكث الطويل لقوله تعالى : «وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها »(١) وقوله : «وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها »(٢) فلهذا حكموا بأن كبيرة واحدة تحبط جميع الطاعات فإن الخلود الموعود مستلزم لذلك.

هذا قول جمهورهم في أصل الإحباط.

ثم إن الجبائيين أبا علي وابنه أبا هاشم منهم على ما نقل عنهما الآمدي ذهبا إلى اشتراط الكثرة في المحبط بمعنى أن من زادت معاصيه على طاعاته أحبطت معاصيه طاعاته وبالعكس ، لكنهما اختلفا فقال أبو علي : ينحبط الناقص برمته من غير أن ينتقص من الزائد شيء ، وقال أبو هاشم : بل ينتقص من الزائد أيضا بقدره ويبقى الباقي.

إذا عرفت هذا فاعلم أن ما ذكره أكثر أصحابنا من نفي الإحباط والتكفير مع ورود الآيات الكثيرة والأخبار المستفيضة بل المتواترة بالمعنى في كل منهما مما يقضي منه العجب ، مع أنه ليس لهم على ذلك إلا شبه ضعيفة مذكورة في كتب

__________________

(١) سورة الجنّ : ٢٣.

(٢) سورة النساء : ١٤.

٧٢

...........................................................................

_________________________________________

الكلام كالتجريد وغيره ، لكن بعد التأمل والتحقيق يظهر أن الذي ينفونه منهما لا ينافي ظواهر الآيات والأخبار كثيرا بل يرجع إلى مناقشة لفظية لأنهم قائلون بأن التوبة ترفع العقاب وأن الموت على الكفر تبطل ثواب جميع الأعمال ، لكن الأكثر يقولون ليس هذا بالإحباط ، بل باشتراط الموافاة على الإيمان في استحقاق الثواب على القول بالاستحقاق ، وفي الوعد بالثواب علي القول بعدم الاستحقاق ، وكذا يمكنهم القول بأحد الأمرين في المعاصي التي وردت أنها حابطة لبعض الحسنات من غير قول بالحبط بأن يكون الاستحقاق أو الوعد مشروطا بعدم صدور تلك المعصية وأما التوبة والأعمال المكفرة فلا حاجة إلى ارتكاب أمثال ذلك فيها إذ في تجويز التفضل والعفو كما هو مذهبنا غنى عنها ، وأيضا لا نقول بإذهاب كل معصية كل طاعة وبالعكس كما ذهب إليه المعتزلة ، بل نتبع في ذلك النصوص الواردة في ذلك فكل معصية وردت في الكتاب أو في الآثار الصحيحة أنها ذاهبة أو منقصة لثواب جميع الحسنات وبعضها نقول به وبالعكس ، تابعين للنص في جميع ذلك.

ومن أصحابنا من لم يقل بالموافاة ولا بالإحباط بل يقول كل من الإيمان والكفر يتحقق بتحقق شروطه المقارنة ، وليس شيء من استحقاق الثواب والعقاب مشروطا بشرط متأخر ، بل إن تحقق الإيمان تحقق استحقاق الثواب وإن تحقق الكفر تحقق معه استحقاق العقاب ، فإن كفر بعد الإيمان كان كفره اللاحق كاشفا عن أنه لم يكن مؤمنا سابقا ولم يكن مستحقا للثواب عليه ، وإطلاق المؤمن عليه بمحض اللفظ وبحسب الظاهر ، وإن آمن أحد بعد الكفر زال كفره الأصلي بالإيمان اللاحق ، وسقط استحقاقه العقاب لعفو الله تعالى لا بالإحباط ولا لعدم الموافاة كما يقول الآخرون.

وتفصيل هذا المطلب وتنقيحه يحتاج إلى إيراد مقاصد :

الأول : أن النافين للحسن والقبح لا يثبتون استحقاق شيء من الثواب والعقاب بشيء من الأعمال ، بل المالك للعباد عندهم قادر على الثواب والعقاب ومالك للتصرف

٧٣

...........................................................................

_________________________________________

فيهم كيف شاء ، وليس من شأن فعله في خلقه استحقاق الذم بل ولا المدح وكلاهما اصطلاح ومواضعة من الشارع ، وأما المثبتون لهما فلا كلام عندهم في استحقاق العقاب نعم ربما قيل بعدم استقلال العقل فيه ضرورة أو نظرا وأما الثواب فعند بعضهم أنه مما يستحقه العبد بطاعته ، وإليه يذهب جماعة من أصحابنا ويحتجون لذلك بأن إلزام المشقة بدون التزام نفع في مقابله قبيح ، وربما يوجه عليه أن التزام النفع في مقابله إنما يلزم لو لم يسبق النعم عليه بما يحسن إلزام المشقة بإزائها والفرق بين النفع المستقبل والنعمة الماضية تحكم وربما كفى في إلزام المشقة حسن العمل الشاق ولم نحتج في حسن الإلزام إلى أزيد منه ، ولهذا ذهب بعض أصحابنا وغيرهم إلى أن الثواب تفضل ووعد منه تعالى بدون استحقاق للعبد ، وهو الظاهر من كلام أكثر أصحابنا رضوان الله عليهم ، ويدل عليه كثير من الأخبار والأدعية.

الثاني : أن الثواب والعقاب هل يجب دوامهما أم لا فذهب المعتزلة إلى الأول وطريقه العقل عندهم ، والصحيح عند أصحابنا أنه لا يجب عقلا ، وأما شرعا فالثواب دائم وكذا عقاب الكفر إجماعا من المسلمين إلا ما نقل من شذاذ من المتصوفين الذين لا يعدون من المسلمين ، وأما عقاب العاصي فمنقطع ويكفي هنا عدم وجدان طريق عقلي إلى دوامهما ، وفي عبارة التجريد في هذا المطلب تناقض يحتاج إلى تكلف تام في دفعه.

الثالث : أن الإحباط بالمعنى الذي ذكرناه من إفناء كل من الاستحقاقين للآخر أو المتأخر للمتقدم باطل عند أصحابنا ، ومذهب أبي علي وهو بقاء المتأخر وفناء المتقدم مناف للنصوص الكثيرة المتضمنة لعدم تضييع العمل ، وأما مذهب أبي هاشم فلا ينافي ظواهر النصوص لأنه إذا أفنى المتقدم المتأخر أيضا فليس بضائع ولا مما لم يره العامل ، لكن الظاهر أن ما ذهب إليه من إبطاله له من جهة المنافاة بينهما فليس بصحيح ، إذ لا منافاة عقلا بين الثواب والعقاب واستحقاقهما ، بل يكاد

٧٤

...........................................................................

_________________________________________

العقل يجزم بعدم مساواة من أعقب كثيرا من الطاعة بقليل من المعصية مع من اكتفى بالفضل بينهما حسب ، وعدم مساواة من أعقب أحدهما بما يساوي الآخر مع من لم يفعل شيئا.

ثم إنه يمكن أن يسقط العقاب المتقدم عند الطاعة المتأخرة وعلى سبيل العفو وهو إسقاط الله تعالى ما يستحقه على العبد من العقوبة وهو الظاهر من مذاهب أصحابنا رضي الله عنهم ، وأما الثواب فلا يتصور فيه ذلك ، ويمكن أن يكون الوعد بالثواب على الطاعة المتقدمة أو استحقاقه مشروطا بعدم معاقبة المعصية لها كما يشترط ثواب الإيمان والطاعات بالموافاة على الإيمان بأن يموت مؤمنا عند كثير من أصحابنا.

لكن ذلك الاشتراط ليس بعام لجميع المعاصي بل مخصوص بمقتضى النصوص ببعضها ، وليس كلما ورد بطلان الطاعة بسببه مما يقطع باشتراط الثواب به لأن كلا منها أخبار آحاد لا تفيد القطع ، نعم ربما حصل القطع بأن شيئا من تلك المعاصي يشترط استمرار انتفائه لاستحقاق الثواب أو هو شرط في الوعد به.

والفرق بين هذا وبين الإحباط ظاهر من وجوه :

الأول : أن إبطال الثواب في الإحباط من حيث التضاد عقلا بين الاستحقاقين وهيهنا من جهة اشتراطه شرعا بنفي المعصية.

الثاني : أن المنافاة هناك بين الاستحقاقين فلو لم يحصل استحقاق العقاب لانتفاء شرطه لم يحصل الإحباط وهيهنا بنفس المعصية ينتفي الثواب ، أو استحقاقه إن ثبت وكان مستمرا وإن توقف أصل الاستحقاق على استمرار النفي لم يحصل أصلا وإنما يحصل في موضع الحصول بالموت ، ولا يختلف الحال باستحقاق العقاب على تلك المعصية لاستجماع شرائطه وعدمه لفقد شيء منه كمنع الله تعالى لطفا معلوما عن المكلف ، وكما لو أعلم الله تعالى المكلف أنه يغفر له ويعفو عن جميع معاصيه فكان مغريا له بالقبيح ، وكما لو لم يقع فعل القبيح ولا الإخلال بالواجب عن المكلف على سبيل

٧٥

...........................................................................

_________________________________________

إيثاره على فعل الواجب والامتناع من القبيح ، بل وقع لا على وجه الإيثار فإن العاصي في جميع هذه الصور يستحق ذما ، ولا يستحق عقابا عند أبي هاشم ومن يحذو حذوه وعلى تقدير الاشتراط باستمرار انتفاء المعصية ينتفي استحقاق الثواب وعلى تقدير الإحباط لا ينتفي.

الثالث : أن التوبة على مذهب الإحباط يمنع من الإحباط وعلى ما ذكرنا لا يمنع من الإحباط ، نعم لو كان الشرط استمرار انتفاء المعصية أو الموافاة بالتوبة من المعصية دون استمرار انتفائها فقط منع من الإحباط كمذهب القائلين به.

الثالث : أن التوبة على مذهب الإحباط يمنع من الإحباط وعلى ما ذكرنا لا يمنع من إحباط ، نعم لو كان الشرط استمرار انتفاء المعصية أو الموافاة بالتوبة من المعصية دون استمرار انتفائها فقط منع من الإحباط كمذهب القائلين به.

الرابع : أن هذا يجري في مذهب النافين للاستحقاق دون الإحباط ، وهذا الذي ذكرناه وإن لم يكن مذهبا صريحا لأصحابنا إلا أن من يذهب إلى الموافاة لا بدله من تجويزه وبه يجمع بين نفي الإحباط كما تقتضيه الأدلة بزعمهم وبين الآيات وكثير من الروايات الدالة على أن بعضا من المعاصي يبطل الأعمال السابقة ويمكن القول بمثل هذا في المعاصي بأن يكون استحقاق العقاب عليها أو استمراره مشروط بعدم بعض الطاعات في المستقبل ، فيأول ما يتضمن شبه هذا المعنى من الروايات به لكن عدم استحقاق العقاب بتعمد معصية الله تعالى وتوقفه على أمر منتظر بعيد ، وكذلك انقطاع استمراره وفي العفو مندوحة عنه ، والكلام فيه كالكلام في التوبة وهو ظاهر النصوص.

وفي كلام الشارح العلامة الحليقدس‌سره في شرح التجريد عند قول المصنف (ره) : وهو مشروط بالموافاة « إلخ » ما يدل على أن في المعتزلة من يقول باشتراط الطاعات بالمعاصي المتأخرة وبالعكس ، وظاهره أنه حمل كلام المصنف على هذا المعنى فيكون قائلا بالموافاة في الطاعات باشتراطه بانتفائه الذنب في المستقبل ، وفي المعاصي باشتراطه بعدم الطاعة الصالحة للتكفير في المستقبل إلا أني لم أقف على

٧٦

...........................................................................

_________________________________________

قائل به من الأصحاب صريحا ، وكلام التجريد ليس بصريح إلا في الموافاة بالإيمان.

الرابع :(١) أن العفو مطلقا سواء كانت المعصية مما تاب المكلف منها أو لا وسواء كانت صغيرة مكفرة أو كبيرة غير واقع بالسمع عند جميع المعتزلة وذهب بعضهم وهم البغداديون منهم إلى أنه قبيح عقلا والسمع أكده ، والبصريون إلى جوازه عقلا وإنما المانع منه السمع فمزيل العقاب عندهم منحصر في أمرين أحدهما التوبة ، والثاني التكفير بالثواب ، وذلك عند من قال بأن التوبة إنما تسقط العقاب لكونه ندما على المعصية ، وإما عند من قال أنه يسقط لكثرة الثواب فالمزيل منحصر في أمر واحد هو الإحباط فتوهم غير هذا باطل ، ودعوى الاتفاق على العفو من الصغائر عند اجتناب الكبائر ، ومن الذنوب مطلقا عند التوبة كما وقع من الشارح الجديد للتجريد مضمحل عند التحقيق كما ذكره بعض الأفاضل.

قال صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ »(٢) نمط ما تستحقونه من العقاب في كل وقت على صغائركم ، ونجعلها كان لم تكن لزيادة الثواب المستحق على اجتنابكم الكبائر وصبركم عنها على عقاب السيئات ، وأما إسقاط التوبة للعقاب ففيه ثلاث مذاهب : « الأول » أنها تسقطه على سبيل الوجوب عند اجتماع شرائطها لكونها ندما على المعصية كما أن الندم على الطاعة يحبطها لكونه ندما عليها مع قطن النظر عن استتباعها الثواب والعقاب الثاني : أنها تسقطه على سبيل الوجوب ، لا لكونها ندما عليها ، بل لاستتباعها ثوابا كثيرا ، الثالث : أنها لا تسقطه وإنما تسقط العقاب عندها ، لأنها على سبيل العفو دون الاستحقاق ، وهذه المذاهب مشهورة مسطورة في كتب الكلام.

وأقول : بهذا التفصيل الذي ذكر ارتفع التشنيع واللوم عن محققي أصحابنا

__________________

(١) أي الرابع من المقاصد.

(٢) سورة النساء : ٣١.

٧٧

٦ ـ علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ترك معصية لله مخافة الله تبارك وتعالى أرضاه الله يوم القيامة.

باب

أداء الفرائض

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي قال قال علي بن الحسين صلوات الله عليه من عمل بما افترض الله عليه فهو من خير الناس.

_________________________________________

رضوان الله عليهم بمخالفتهم للآيات المتظافرة والروايات المتواترة ، وأن الإحباط والتكفير بالمعنى الذي هو المتنازع فيه بين أصحابنا وبين المعتزلة نفيهما لا ينافي شيئا من ذلك وإنما أطنبنا الكلام في هذا المقام لأنه من مهمات المسائل الكلامية ، ومن تعرض لتحقيقه لم يستوف حقه ، والله الموفق.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

ويمكن تعميم المعصية ليشمل ترك الطاعة أيضا ، وعدم ذكر ما يرضيه به لتفخيمه إيماء إلى أن عقل البشر لا يصل إلى كنه حقيقته كما قال سبحانه : «وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ »(١) .

باب أداء الفرائض

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« فهو من خير الناس » ليس من في بعض النسخ فالخيرية إضافية بالنسبة إلى من يأتي بالمستحبات ، ويترك بعض الفرائض.

__________________

(١) سورة التوبة : ٧٢.

٧٨

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا »(١) قال اصبروا على الفرائض.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي السفاتج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا » قال «اصْبِرُوا » على الفرائض «وَصابِرُوا » على المصائب «وَرابِطُوا »

_________________________________________

الحديث الثاني : حسن أو موثق.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور وآخره مجهول.

«اصْبِرُوا » قال الطبرسي (ره) : اختلف في معناها على وجوه :

أحدها : أن المعنى فاصبروا على دينكم أي اثبتوا عليه وصابروا الكفار ورابطوهم في سبيل الله فالمعنى اصبروا على طاعة الله سبحانه وعن معاصيه ، وقاتلوا العدو «وَصابِرُوا » على قتالهم في الحق كما يصبرون على قتالكم في الباطل لأن الرباط هو المرابطة فيكون بين اثنين يعني أعدوا لهم من الخيل ما يعدونه لكم.

وثانيها : أن المراد اصبروا على دينكم وصابروا وعدي إياكم ، ورابطوا عدوي وعدوكم.

وثالثها : أن المراد اصبروا على الجهاد ، وقيل : إن معنى رابطوا رابطوا الصلوات ، ومعناه انتظروها واحدة بعد واحدة ، لأن المرابطة لم تكن حينئذ روي ذلك عن عليعليه‌السلام ، وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سئل عن أفضل الأعمال فقال : إسباغ الوضوء في السبرات ، ونقل الأقدام إلى الجماعات ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط.

وروي عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال : معناه اصبروا على المصائب وصابروا على عدوكم ورابطوا عدوكم وهو قريب من الأول ، انتهى.

« على الفرائض » يحتمل شمولها لترك المحرمات أيضا« وصابروا على المصائب »

__________________

(١) سورة آل عمران : ٢٠٠.

٧٩

على الأئمةعليهم‌السلام .

وفي رواية ابن محبوب ، عن أبي السفاتج وزاد فيه فاتقوا الله ربكم فيما افترض عليكم.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الله تبارك وتعالى ما تحبب إلي عبدي بأحب مما افترضت عليه.

باب

استواء العمل والمداومة عليه

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا كان الرجل على عمل فليدم عليه سنة ثم يتحول عنه إن

_________________________________________

لعل صيغة المفاعلة على هذا الوجه للمبالغة لأن ما يكون بين الاثنين يكون الاهتمام فيه أشد أو لأن فيه معارضة النفس والشيطان ، وكذاقوله : رابطوا يحتمل الوجهين لأن المراد به ربط النفس على طاعتهم وانقيادهم وانتظار فرجهم مع أن في ذلك معارضة لعدوهم« فيما افترض عليكم » من فعل الواجبات وترك المحرمات.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور وقد مر الكلام فيه.

الحديث الخامس : ضعيف والتحبب جلب المحبة وإظهارها والأول أنسب ، ولو لم تكن الفرائض أحب إليه تعالى لما افترضه.

باب استواء العمل والمداومة عليه

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« ثم يتحول عنه إنشاء » إلى غيره من الطاعات لا أن يتركه بغير عوض« يكون »

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

اندفعت المطالبة عنه ، وبرئ المشتري من الحقّين ؛ لأنّ البائع قد ثبت بالبيّنة أنّه قبض ، والآذن قد ثبت أنّ وكيله - وهو البائع - قد قبض.

ولو شهد له الشريك الآذن ، لم تُقبل شهادته في نصيبه ؛ لأنّه لو ثبت ذلك لطالَب المشهود عليه بحقّه ، وذلك جرّ نفعٍ ظاهر ، فلا تُقبل ؛ للتهمة.

وهل تُقبل شهادته في نصيب البائع؟ قال بعض علمائنا : نعم(١) .

وللشافعيّة قولان مبنيّان على أنّ الشهادة إذا رُدّت في بعض ما شهدت به ؛ للتهمة ، فهل تردّ في الباقي؟(٢) .

ولو لم يكن للمشتري بيّنة بالقبض ، كان القولُ قولَ البائع مع يمينه ؛ لأنّه منكر ، والأصل عدم القبض ، فيحلف البائع أنّه لم يقبض ، فإذا حلف أخذ نصيبه من المشتري ، ولا يشاركه الآذن ؛ لإقراره أنّ البائع قبض أوّلاً ما هو الحقّ ، ويزعم أنّ الذي قبضه ثانياً بيمينه ظلم ، فلا يستحقّ مشاركته فيه ، فإن نكل البائع عن اليمين رُدّت اليمين على المشتري ، فإذا حلف أنّه أقبض البائع جميع الثمن انقطعت المطالبة عنه ، ولو نكل المشتري أيضاً أُلزم بنصيب البائع.

وقال بعض الشافعيّة : لا يُلزم بنصيب البائع أيضاً ؛ لأنّا لا نحكم بالنكول(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ هذا ليس حكماً بالنكول ، وإنّما هو مؤاخذة له بإقراره بلزوم المال بالشراء ابتداءً.

____________________

(١) لم نهتد إلى القائل به ، وراجع المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٥٣.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٤١ ، الوسيط ٣ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

٣٦١

فإذا انفصلت(١) [ خصومة ](٢) البائع و(٣) المشتري فلو جاء الشريك الآذن وطالَب البائعَ بحقّه ؛ لزعمه أنّه قبض جميع الثمن ، فعليه البيّنة ، ويُقدَّم قول البائع مع اليمين أنّه لم يقبض إلّا نصيبه بعد الخصومة الجارية بينهما ، فإن نكل البائع حلف الآذن وأخذ منه نصيبه ، ولا يرجع البائع به على المشتري ؛ لأنّه يزعم أنّ شريكه ظَلَمه بما فَعَل ، ولا يمنع البائعَ من الحلف نكولُه عن اليمين في الخصومة مع المشتري ؛ لأنّها خصومة أُخرى مع خصمٍ آخَر.

هذا إذا تقدّمت خصومة البائع والمشتري وتبعتها خصومة الشريكين ، وأمّا إن تقدّمت خصومة الشريكين فادّعى الذي لم يبع قبضَ الثمن على البائع وطالَبه بحقّه وأنكر البائع ، قُدّم قوله مع اليمين ، وكان على الشريك الآذن البيّنة بأنّ البائع قبض الثمن ، ولا تُقبل شهادة المشتري له بحالٍ البتّة ؛ لأنّه يدفع عن نفسه ، فإن فُقدت البيّنة حلف البائع على أنّه ما قبض ، فإن نكل حلف الآذن على أنّه قبض ، وأخذ نصيبه من البائع.

ثمّ إذا انفصلت الخصومة بين الشريكين ، فلو طالَب البائع المشتري بحقّه ، وادّعى المشتري الأداءَ ، فعليه البيّنة ، فإن لم تكن بيّنة حلف البائع ، وقبض حقّه ، فإن نكل حلف المشتري وبرئ ، ولا يمنع البائعَ من أن يحلف ويطلب من المشتري حقَّه نكولُه في الخصومة الأُولى مع شريكه.

وللشافعيّة وجهٌ : إنّه يمنع ؛ بناءً على أنّ يمين الردّ كالبيّنة أو كإقرار المدّعى عليه؟ إن كانت كالبيّنة فكأنّه قامت البيّنة على قبضه جميعَ الثمن ،

____________________

(١) في « خ » : « انقضت » بدل « انفصلت ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « حكومة ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) في « ث ، خ ، ر » : « مع » بدل « و».

٣٦٢

وإن كانت كالإقرار فكأنّه أقرّ بقبض جميع الثمن ، وعلى التقديرين يمنع عليه مطالبة المشتري(١) .

وضعّفه باقي الشافعيّة ؛ لأنّ اليمين إنّما تجعل كالبيّنة أو كالإقرار في حقّ المتخاصمين وفيما فيه تخاصمهما لا غير ، ومعلومٌ أنّ الشريك إنّما يحلف على أنّه قبض نصيبه ، فإنّه الذي يطالب به ، فكيف تؤثّر يمينه في غيره!؟(٢) .

وعلى ضعفه فقد قال الجويني : [ القياس ](٣) طرده فيما إذا تقدّمت خصومة البائع والمشتري ونكل البائع وحلف المشتري اليمينَ المردودة حتى يقال : تثبت للّذي لم يبع مطالبة البائع بنصيبه من غير تجديد خصومةٍ ؛ لكون يمين الردّ بمنزلة البيّنة أو الإقرار(٤) .

مسألة ١٧٩ : لو باع الشريك - المأذون له في البيع - العبدَ ، ثمّ اختلف الشريكان‌ ، فادّعى البائع على الآذن بأنّه قبض الثمن بأسره من المشتري ، فأنكر الآذن القبضَ ، وصدّق المشتري المدّعي ، فإن كان الآذن في البيع مأذوناً له في القبض للثمن من جهة البائع ، برئ المشتري من حصّة البائع ؛ لأنّه قد اعترف بأنّ وكيله قد قبض.

ثمّ تُفرض حكومتان كما تقدّم.

فإن تخاصم الذي لم يبع والمشتري ، فالقول قول الذي لم يبع في عدم القبض ، فيحلف ويأخذ نصيبه ويسلّم إليه المأخوذ.

وإن تخاصم البائع والذي لم يبع ، حلف الذي لم يبع ، فإن نكل‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

٣٦٣

حلف البائع ، وأخذ منه نصيبه ، ولا رجوع له على المشتري.

ولو شهد البائع للمشتري على القبض ، لم تُقبل ؛ لأنّه يشهد لنفسه على الذي لم يبع.

وإن لم يكن الآذن في البيع مأذوناً له في القبض من جهة البائع ، لم تبرأ ذمّة المشتري عن شي‌ءٍ من الثمن.

أمّا عن حقّ الذي لم يبع : فلأنّه منكر للقبض ، والقول قوله في إنكاره مع اليمين.

وأمّا عن حقّ المباشر للبيع : فلأنّه لم يعترف بقبضٍ صحيح.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يكون البائع مأذوناً من جهة الذي لم يبع في القبض ، أو لا يكون هو مأذوناً أيضاً.

فإن كان مأذوناً ، فله مطالبة المشتري بنصيبه من الثمن ، ولا يتمكّن من مطالبته بنصيب الذي لم يبع ؛ لأنّه لـمّا أقرّ بقبض الذي لم يبع نصيب نفسه فقد صار معزولاً عن وكالته.

ثمّ إذا تخاصم الذي لم يبع والمشتري ، فعلى المشتري البيّنة على القبض ، فإن لم تكن بيّنة فالقول قول الذي لم يبع.

فإذا حلف ، ففي مَنْ يأخذ حقّه منه للشافعيّة وجهان :

قال المزني منهم : إن شاء أخذ تمام حقّه من المشتري ، وإن شاء شارك البائع في المأخوذ ، وأخذ الباقي من المشتري ؛ لأنّ الصفقة واحدة ، وكلّ جزءٍ من الثمن شائع بينهما ، فإن أخذ بالخصلة الثانية لم يبق مع البائع إلّا ربع الثمن(١) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٤٣ ، الوسيط ٣ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٦ ، التهذيب =

٣٦٤

و [ يفارق ](١) هذا ما إذا كان الذي لم يبع مأذوناً في القبض حيث لا يشاركه البائع فيما أخذه من المشتري ؛ لأنّ زعمه أنّ الذي لم يبع ظالمٌ فيما أخذه ، فلا يشاركه فيما ظلم به(٢) .

وقال آخَرون منهم ابن سريج : ليس له إلّا أخذ حقّه من المشتري ، ولا يشارك البائع فيما أخذه ؛ لأنّ البائع قد انعزل عن الوكالة بإقراره : إنّ الذي لم يبع قَبَض حقَّه ، فما يأخذه بعد الانعزال يأخذه لنفسه خاصّةً(٣) .

وقال آخَرون : إنّه وإن انعزل فالمسألة تحتمل وجهين بناءً على أنّ مالكَي السلعة إذا باعاها صفقةً واحدة هل ينفرد أحدهما بقبض حصّته من الثمن؟ فيه وجهان :

أحدهما : لا ، بل إذا انفرد بأخذ شي‌ءٍ شاركه الآخَر فيه ، كما أنّ الحقّ الثابت للورثة لا ينفرد بعضهم باستيفاء حصّته منه ، ولو فَعَل شاركه الآخَرون فيه ، وكذا لو كاتبا عبداً صفقةً واحدةً ، لم ينفرد أحدهما بأخذ حقّه من النجوم.

والثاني : نعم ، كما لو باع كلّ واحدٍ منهما نصيبَه بعقدٍ مفرد ، بخلاف الميراث والكتابة ، فإنّهما لا يثبتان في الأصل بصفة التجزّي ؛ إذ لا ينفرد‌

____________________

= - للبغوي - ٤ : ٢٠٥ ، البيان ٦ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٠ - ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يقارب ». والصحيح ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٤٤ ، الوسيط ٣ : ٢٧١ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٥ - ٢٠٦ ، البيان ٦ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

٣٦٥

بعض الورثة ببعض أعيان التركة ، ولا تجوز كتابة البعض من العبد ، فلذلك لم يجز التجزّي في القبض(١) .

ولو شهد البائع للمشتري على أنّ الذي لم يبع قد قبض الثمن ، فعلى قول المزني لا تُقبل شهادته ؛ لأنّه يدفع بها شركة صاحبه فيما أخذه(٢) ، وعلى قول ابن سريج تُقبل(٣) .

وإن لم يكن البائع مأذوناً في القبض ، قال بعض الشافعيّة : للبائع مطالبة المشتري بحقّه هنا ، وما يأخذه يسلم له ، وتُقبل هنا شهادة البائع للمشتري على الذي لم يبع(٤) .

وقال آخَرون : ينبغي ثبوت الخلاف في مشاركة صاحبه فيما أخذه ، ويُخرَّج قبول الشهادة على الخلاف(٥) .

مسألة ١٨٠ : لو غصب واحد نصيبَ أحد الشريكين بأن نزّل نفسه منزلته‌ ، فأزال يده ولم يُزل يدَ صاحبه الآخَر ، بل استولى على العبد ومَنَع أحدَهما الانتفاع به دون الآخَر ، فإنّه يصحّ من الذي لم يغصب نصيبه بيع نصيبه ، ولا يصحّ من الآخَر بيع نصيبه ، إلّا من الغاصب ، أو ممّن يتمكّن من انتزاعه من يد الغاصب.

ولو باع الغاصب والذي لم يغصب نصيبه جميعَ العين في عقدٍ واحد ، صحّ في نصيب المالك ، ووقف نصيب الآخَر إن أمضاه المغصوب منه صحّ ، وإلّا فلا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١.

(٢ و ٣) الوسيط ٣ : ٢٧١ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٦ ، البيان ٦ : ٣٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

٣٦٦

وقالت الشافعيّة : يصحّ في نصيب مَنْ لم يغصب منه ، ويبطل في الآخَر ، ولا يُخرَّج على الخلاف في تفريق الصفقة عندهم ؛ لأنّ الصفقة تتعدّد بتعدّد البائع(١) .

ومنهم مَنْ قال : يبنى القول في نصيب المالك على أنّ أحد الشريكين إذا باع نصفَ العبد مطلقاً ينصرف إلى نصيبه أو يشيع؟ وجهان ، فإن قلنا : ينصرف إلى نصيبه ، صحّ بيع المالك في نصيبه ، وإن قلنا بالشيوع ، بطل البيع في ثلاثة أرباع العبد ، وفي ربعه قولان.

ولا يُنظر إلى هذا البناء فيما إذا باع المالكان معاً وأطلقا ، ولا يُجعل كما إذا أطلق كلّ واحدٍ منهما بيعَ نصف العبد ؛ لأنّ هناك تناول العقد الصحيح جميعَ العبد(٢) .

مسألة ١٨١ : قد بيّنّا(٣) أنّ شركة الأبدان باطلة ، سواء اشترك العمل أو اختصّ بأحدهما وتقبّل الآخَر.

فلو قال واحد لآخَر : أنا أتقبّل العمل وأنت تعمل والأُجرة بيننا بالسويّة أو على نسبة أُخرى ، لم يصح عند علمائنا - وبه قال زفر(٤) - ولا يستحقّ العامل المسمّى ، بل له أُجرة المثل.

وقال أحمد : تصحّ الشركة ؛ لأنّ الضمان يستحقّ به الربح بدليل شركة الأبدان ، وتقبّل العمل يوجب الضمان على المتقبّل ، ويستحقّ به الربح ،

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٤٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٧ ، البيان ٦ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٢ - ٢٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢١.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢١.

(٣) في ص ٣١٢ ، المسألة ١٤٢.

(٤) المغني ٥ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٧.

٣٦٧

فصار كتقبّله المالَ في المضاربة ، والعمل يستحقّ به العامل الربح كعمل المضاربة ، فينزَّل منزلة المضاربة(١) .

والحكم في الأصل ممنوع.

مسألة ١٨٢ : الربح في شركة الأبدان على نسبة العملين ، لا على الشرط الذي شرطاه‌ ، عند علمائنا ؛ لأنّ الشركة باطلة على ما تقدّم(٢) بيانه.

وقال أحمد : إنّها صحيحة ، والشركة على ما اتّفقوا عليه من مساواةٍ أو تفاضلٍ ، ولكلٍّ منهما المطالبة بالأُجرة ، وللمستأجر دفعها إلى كلّ واحدٍ منهما ، وإلى أيّهما دفع برئ منها ، وإن تلفت في يد أحدهما من غير تفريطٍ فهي من ضمانهما معاً ؛ لأنّهما كالوكيلين في المطالبة ، وما يتقبّله كلّ واحدٍ منهما من عملٍ فهو من ضمانهما يطالب به كلّ واحدٍ منهما ، ويلزمه عمله ؛ لأنّ هذه الشركة لا تنعقد إلّا على الضمان ، ولا شي‌ء منها تنعقد عليه الشركة حال الضمان ، فكأنّ الشركة تتضمّن ضمان كلّ واحدٍ منهما عن الآخَر ما يلزمه.

ولو أقرّ أحدهما بما في يده ، قُبِل عليه وعلى شريكه ؛ لأنّ اليد له ، فيُقبل إقراره بما فيها ، ولا يُقبل إقراره بما في يد شريكه ولا بدَيْنٍ عليه(٣) .

وهذا كلّه عندنا باطل.

ولو عمل أحدهما دون صاحبه ، فالكسب للعامل خاصّةً عندنا ، وإن حصل من الآخَر سفارة فله أُجرته عليها.

وقال أحمد : إذا عمل أحدهما خاصّةً ، كان الكسب بينهما على‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١١٣ و ١١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٧ و ١٨٨.

(٢) في ص ٣١٢ - ٣١٣ ، المسألة ١٤٢.

(٣) المغني ٥ : ١١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٨.

٣٦٨

ما شرطاه ، سواء ترك العمل لمرضٍ أو غيره ، ولو طالَب أحدهما الآخَر أن يعمل معه ، أو يقيم مقامه مَنْ يعمل ، فله ذلك ، فإن امتنع فللآخَر الفسخ(١) .

وهو باطل عندنا على ما سلف(٢) .

ولو كان لقصّارٍ أداةٌ ولآخَر بيتٌ ، فاشتركا على أن يعملا بأداة هذا في بيت هذا والكسب بينهما ، جاز ، والأجر بينهما على ما شرطاه ، عند أحمد ؛ لأنّ الشركة وقعت على عملهما ، والعمل يستحقّ به الربح في الشركة ، والآلة والبيت لا يستحقّ بهما شي‌ء(٣) .

وعندنا أنّ هذه الشركة باطلة ، وقد سلف(٤) .

مسألة ١٨٣ : إذا كانت الشركة باطلةً ، قسّما الربح على قدر رؤوس أموالهما‌ ، ويرجع كلٌّ منهما على الآخَر بأجر عمله - وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لأنّ المسمّى يسقط في العقد الفاسد ، كالبيع الفاسد إذا تلف المبيع في يد المشتري ، والنماء فائدة مالهما ، فيكون تابعاً للأصل ، كالثمرة.

والرواية الأُخرى لأحمد : إنّهما يقتسمان الربح على ما شرطاه ، ولا يستحقّ أحدهما على الآخَر أجر عمله ، وأجراها مجرى الصحيحة ؛ لأنّه عقد يصحّ مع الجهالة ، فيثبت المسمّى في فاسده ، كالنكاح(٦) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١١٤ و ١١٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٩.

(٢) في ص ٣٤٠ - ٣٤١ ، المسألة ١٦١.

(٣) المغني ٥ : ١١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩١.

(٤) في ص ٣٤٥ ، المسألة ١٦٥.

(٥) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٦ ، الفقه النافع ٣ : ٩٩٦ / ٧٢١ ، البيان ٦ : ٣٣٣ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٢٨.

(٦) المغني ٥ : ١٢٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٨.

٣٦٩

إذا عرفتَ هذا ، فلو كان مال كلّ واحدٍ منهما متميّزاً ، وكان ربحه معلوماً ، كان لكلٍّ ربحُ ماله ، ولا يشاركه الآخَر فيه.

ولو ربح في جزءٍ منه ربحاً متميّزاً وباقيه مختلطاً ، كان له تمام ما تميّز(١) من ربح ماله ، وله بحصّة باقي ماله من الربح.

مسألة ١٨٤ : ليس لأحد الشريكين أن يكاتب الرقيق ، ولا يعتق على مالٍ ولا غيره ، ولا يزوّج الرقيق‌ ؛ لأنّ الشركة منعقدة على التجارة ، وليست هذه الأنواع تجارةً ، لا سيّما تزويج العبد ؛ فإنّه محض ضررٍ.

وليس له أن يُقرض ولا يحابي ؛ لأنّه تبرّع.

وليس له أن يشارك بمال الشركة ولا يدفعه مضاربةً ؛ لأنّ ذلك يُثبت في المال حقوقاً ، ويستحقّ غير المالك ربحه ، وليس له ذلك إلّا بإذن ربّ المال.

وليس له أن يمزج مال الشركة بماله ، ولا مال غيره ؛ لأنّه تعيّب في المال.

وليس له أن يستدين على مال الشركة ، فإن فَعَل فربحه له ، وعليه خسرانه.

وقال بعض العامّة : إذا استدان شيئاً ، لزم الشريكين معاً ، وربحه لهما وخسرانه عليهما ؛ لأنّ ذلك تملّك مالٍ بمالٍ ، فأشبه الصرف(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدخل في الشركة أكثر ممّا رضي الشريك أن يشاركه فيه ، فلم يجز ، كما لو ضمّ إلى مال الشركة شيئاً من ماله ، ويفارق الصرف ؛ لأنّه بيع وإبدال عينٍ بعينٍ ، فهو كبيع الثياب بالدراهم.

____________________

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « يتميّز ».

(٢) المغني ٥ : ١٣٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٣.

٣٧٠

وليس له أن يُقرّ على مال الشركة ، فإن فَعَل لزم في حقّه دون صاحبه ، سواء أقرّ بدَيْنٍ أو عينٍ ؛ لأنّ شريكه إنّما أذن له في التجارة ، والإقرار ليس منها.

ولو أقرّ بعيبٍ في عينٍ باعها أو أقرّ الوكيل على موكّله بالعيب ، لم يُقبَل ، خلافاً لأحمد(١) .

ولو أقرّ بقبض ثمن المبيع أو أجر المكاري والحمّال وأشباه ذلك ، فالأقرب : القبول ؛ لأنّه من توابع التجارة ، فكان له ذلك كتسليم المبيع وأداء ثمنه.

ولو رُدّت السلعة عليه بعيبٍ ، قَبِلها ، أو أعطى أرشها.

ولو حطّ من الثمن شيئاً أو أسقط دَيْناً لهما عن [ غريمهما ](٢) لزم في حقّه ، وبطل في حقّ شريكه ؛ لأنّ ذلك تبرّع ، والتبرّع يمضى في حصّته دون شريكه.

ولو كان لهما دَيْنٌ حالّ فأخّر أحدهما حصّته من الدَّيْن ، جاز - وبه قال أبو يوسف ومحمّد(٣) - لأنّه أسقط حقّه من التعجيل ، فصحّ أن ينفرد به أحدهما ، كالإبراء.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز(٤) .

مسألة ١٨٥ : قد بيّنّا أنّ الشركة تتضمّن نوع وكالةٍ ، ولا يتعدّى الشريك حدّ الوكالة ، فليس له أن يبيع نَسْأً.

____________________

(١) المغني ٥ : ١٣١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٠.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « غيرهما ». والمثبت كما في المغني ٥ : ١٣١.

(٣ و ٤) المغني ٥ : ١٣١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٤.

٣٧١

وإذا اشترى بجنس ما عنده دَفَعه ، وإن اشترى بغير جنسه لم يكن له أن يستدين الجنس ويصرفه في الثمن ؛ لأنّا منعناه من الاستدانة ، لكن له أن يبيع بثمنٍ من النقد الذي عيّنه ويدفع.

وليس له أن يودع إلّا مع الحاجة ؛ لأنّه ليس من الشركة ، وفيه غرور ، أمّا مع الحاجة فإنّه من ضرورة الشركة ، فأشبه دفع المتاع إلى الحمّال ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.

والثانية : يجوز ؛ لأنّه عادة التجّار ، وقد تدعو الحاجة إلى الإيداع(١) .

والعادة لا تقضي على الشرع ، والحاجة مسوّغة كما قلنا.

وليس له أن يوكّل فيما يتولّاه بنفسه ، كالوكيل.

وفي إحدى الروايتين عن أحمد : الجواز(٢) .

فإن وكّل أحدهما بإذن صاحبه جاز ، وكان لكلٍّ منهما عزله.

وليس لأحدهما أن يرهن بالدَّيْن الذي عليهما إلّا بإذن صاحبه أو مع الحاجة.

وعن أحمد روايتان(٣) .

وليس لأحدهما السفر بالمال المشترك إلّا بإذن صاحبه. والأقرب : إنّ له الإقالة ؛ لأنّها إمّا بيعٌ عند جماعةٍ من العامّة(٤) ، وهو يملك البيع ، أو فسخٌ عندنا ، وهو يملك الفسخ ، ويردّ بالعيب ، كلّ ذلك مع المصلحة.

ولو قال له : اعمل برأيك ، جاز أن يعمل كلّ ما يصلح في التجارة من الإبضاع والمضاربة بالمال والمشاركة وخلطه بماله والسفر والإيداع والبيع نسيئةً والرهن والارتهان والإقالة ونحو ذلك ؛ لأنّه فوّض إليه الرأي في‌

____________________

(١ - ٣) المغني ٥ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٢.

(٤) راجع ج ١٢ - من هذا الكتاب - ص ١١٧ ، الهامش (٣)

٣٧٢

التصرّف الذي تقتضيه الشركة ، فجاز له كلّ ما هو من التجارة ، فأمّا ما يكون تمليكاً بغير عوضٍ - كالهبة والحطيطة لغير فائدةٍ والقرض والعتق ومكاتبة الرقيق وتزويجه - فلا يفعله إلّا بإذنه ؛ لأنّه إنّما فوّض إليه العمل برأيه في التجارة ، وليس ذلك منها.

ولو أخذ أحد الشريكين مالاً مضاربةً ، فربحه له دون صاحبه ؛ لأنّه يستحقّ ذلك في مقابلة عمله ، وليس ذلك من المال الذي اشتركا فيه.

مسألة ١٨٦ : قد بيّنّا أنّ الشركة من العقود الجائزة لكلٍّ منهما فسخها والرجوع في الإذن والمطالبة بالقسمة‌ ؛ لأنّ الإنسان مسلّط على ماله ، فكان له المطالبة بإفرازه من مال غيره وتمييزه عنه ، وليس لأحدهما مطالبة الآخَر بإقامة رأس المال ، بل يقتسمان الأعواض إذا لم يتّفقا على البيع ، ولا يصحّ التأجيل في الشركة.

ولو كان بعض المال في أيديهما والآخَر غائب عنهما فاقتسما الذي في أيديهما والغائب عنهما ، صحّت في المقبوض ، دون الغائب [ عن ](١) الناس ؛ لأنّ الباقرعليه‌السلام سُئل عن رجلين بينهما مال منه بأيديهما ومنه غائب عنهما ، فاقتسما الذي بأيديهما وأحال كلّ واحدٍ منهما بنصيبه من الغائب ، فاقتضى أحدهما ولم يقتض الآخَر ، قال : « ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ، وما يذهب بماله!؟ »(٢) .

وسأل [ عبد الله بن سنان ](٣) الصادقَعليه‌السلام : عن رجلين بينهما مال منه‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « على ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) التهذيب ٧ : ١٨٥ - ١٨٦ / ٨١٨.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والطبعة الحجريّة : « معاوية بن عمّار » وهو في سند الحديث ٨٢٠ من التهذيب ٧ : ١٨٦ ، والمثبت من المصدر.

٣٧٣

دَيْنٌ ومنه عينٌ ، فاقتسما العين والدَّيْن فتوى(١) الذي كان لأحدهما من الدَّيْن أو بعضه وخرج الذي للآخَر [ أيردّ ](٢) على صاحبه؟ قال : « نعم ، ما يذهب بماله!؟ »(٣) .

مسألة ١٨٧ : لو كان لرجلين دَيْنٌ بسببٍ واحد إمّا عقد أو ميراث أو استهلاك أو غيره ، فقبض أحدهما منه شيئاً ، فللآخَر مشاركته فيه - وهو ظاهر مذهب أحمد بن حنبل(٤) - لما تقدّم(٥) في المسألة السابقة في رواية [ عبد الله بن سنان ](٦) عن الصادق(٧) .

ولأنّ تمليك القابض ما قبضه يقتضي قسمة الدَّيْن في الذمّة من غير رضا الشريك ، وهو باطل ، فوجب أن يكون المأخوذ لهما والباقي بينهما.

ولغير القابض الرجوعُ على القابض بنصفه ، سواء كان باقياً في يده أو أخرجه عنها ، وله أن يرجع على الغريم ؛ لأنّ الحقّ ثبت في ذمّته لهما على وجهٍ سواء ، فليس له تسليم حقّ أحدهما إلى الآخَر ، فإن أخذ من الغريم لم يرجع على الشريك بشي‌ءٍ ؛ لأنّ حقّه ثابت في أحد المحلّين ، فإذا اختار أحدهما سقط حقّه من الآخَر.

وليس للقابض منعه من [ الرجوع على ](٧) الغريم بأن يقول : أنا‌

____________________

(١) راجع الهامش (١) من ص ٣٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يراد ». والمثبت من المصدر.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٦ / ٨٢١.

(٤) المغني ٥ : ١٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨١.

(٥) آنفاً.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « معاوية بن عمّار ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٧) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٣٧٤

أُعطيك نصف ما قبضت ، بل الخيرة إليه من أيّهما شاء قبض ، فإن قبض من شريكه شيئاً رجع الشريك على الغريم بمثله.

وإن هلك المقبوض في يد القابض ، تعيّن حقّه فيه ، ولم يضمنه للشريك ؛ لأنّه قدر حقّه فيما تعدّى بالقبض ، وإنّما كان لشريكه مشاركته ؛ لثبوته في الأصل مشتركاً.

ولو أبرأ أحد الشريكين الغريمَ من حقّه ، برئ منه ؛ لأنّه بمنزلة قبضه منه ، وليس لشريكه الرجوعُ عليه بشي‌ءٍ ؛ لأنّه لم يقبض شيئاً من حقّ الشريك.

ولو أبرأ أحدهما من جزءٍ مشاع ، سقط من حقّه ، وبسط ما يقبضانه من الغريم على النسبة ، فلو أبرأ أحدهما الغريمَ من عُشْر الدَّيْن ثمّ قبضا من الدَّيْن شيئاً ، قسّماه على قدر حقّهما في الباقي ، للمُبرئ أربعة أتساعه ، ولشريكه خمسة أتساعه.

وإن قبض(١) نصف الدَّيْن ثمّ أبرأ أحدهما من عُشْر الدين كلّه ، نفذت البراءة في خُمس الباقي ، وما بقي بينهما على ثمانية ، للمُبرئ ثلاثة أثمانه ، وللآخَر خمسة أثمانه ، فما قبضاه بعد ذلك اقتسماه على هذا.

ولو اشترى أحدهما بنصيبه من الدَّيْن ثوباً ، قال بعض العامّة : كان للآخَر إبطال الشراء ، فإن بذل له المشتري نصف الثوب ولا يبطل البيع ، لم يلزمه(٢) ذلك(٣) .

وإن أجاز البيع ليملك [ نصف ] الثوب جاز ، ويبنى على بيع الفضولي

____________________

(١) الظاهر : « قبضا ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يلزم ». والمثبت من المصدر.

(٣) المغني ٥ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٢.

٣٧٥

هل يقف على الإجازة أو لا؟ فعندنا نعم ، وبين العامّة خلاف(١) .

ولو أجّل أحدهما نصيبه من الدَّيْن جاز ، فإنّه لو أسقط حقّه جاز فتأخيره أولى ، فإن قبض الشريك بعد ذلك [ شيئاً ] لم يكن لشريكه الرجوعُ عليه بشي‌ءٍ.

هذا إذا أجّله في عقدٍ لازم ، وإن لم يكن في عقدٍ لازم كان له الرجوعُ ؛ لأنّ الحالّ لا يتأجّل بالتأجيل ، فوجوده كعدمه.

وعن أحمد رواية أُخرى : إنّ ما يقبضه أحدهما له ، دون صاحبه ؛ لأنّ ما في الذمّة لا ينتقل إلى العين إلّا بتسليمه إلى غريمه أو وكيله ، وما قبضه أحدهما فليس لشريكه فيه قبض ولا لوكيله ، فلا يثبت له فيه حقٌّ ، وكان لقابضه(٢) ؛ لثبوت يده عليه بحقٍّ ، فأشبه ما لو كان الدَّيْن بسببين ، ولأنّ هذا يشبه الدَّيْن في الذمّة ، وإنّما يتعيّن حقّه بقبضه ، فأشبه تعيينه بالإبراء ، ولأنّه لو كان لغير القابض حقٌّ في المقبوض لسقط بتلفه كسائر الحقوق ، ولأنّ هذا القبض إن كان بحقٍّ لم يشاركه غيره فيه ، كما لو كان الدَّيْن بسببين ، وإن كان بغير حقٍّ لم يكن له مطالبته ؛ لأنّ(٣) حقّه في الذمّة لا في العين ، فأشبه ما لو أخذ غاصب منه مالاً ، فعلى هذا ما قبضه القابض يختصّ به ، دون شريكه ، وليس لشريكه الرجوعُ عليه ، فإن اشترى بنصيبه ثوباً أو غيره صحّ ، ولم يكن لشريكه إبطال الشراء ، وإن قبض أكثر‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٢.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « له قبضه » بدل « لقابضه ». والصواب ما أثبتناه من المصدر.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ولأنّ ». والصحيح ما أثبتناه بدون الواو ، كما في المصدر.

٣٧٦

من حقّه بغير إذن شريكه لم يبرأ الغريم ممّا زاد على حقّه(١) .

والمشهور ما قلناه أوّلاً.

ولا تصحّ قسمة ما في الذمم ؛ لأنّ الذمم لا تتكافأ ولا تتعادل ، والقسمة تقتضي التعديل ، والقسمة من غير تعديلٍ بيعٌ ، ولا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّيْن ، فلو تقاسما ثمّ تَوى(٢) بعض المال ، رجع مَنْ تَوى ماله على مَنْ لم يَتْو ، وبه قال ابن سيرين والنخعي وأحمد في إحدى الروايتين ، وفي الأُخرى : يجوز ذلك ؛ لأنّ الاختلاف لا يمنع القسمة ، كما لو اختلفت الأعيان ، وبه قال الحسن وإسحاق(٣) .

وهذا إذا كان في ذممٍ متعدّدة ، فأمّا في ذمّةٍ واحدة فلا يمكن القسمة ؛ لأنّ معنى القسمة إفراز الحقّ ، ولا يتصوّر ذلك في ذمّةٍ واحدة.

مسألة ١٨٨ : قد بيّنّا أنّه إذا تساوى المالان تساوى الشريكان في الربح‌ ، وإن تفاوت المالان تفاوتا في الربح على النسبة ، فإن شرطا خلاف ذلك جاز عندنا ، وصحّت الشركة ، وبه قال أبو حنيفة(٤) ، خلافاً للشافعي(٥) .

فلو كان لأحدهما ألف وللآخَر ألفان فأذن صاحب الألفين لصاحب الألف أن يتصرّف فيهما على أن يكون الربح بينهما نصفين فإن كان صاحب الألفين شرط على نفسه العمل فيهما أيضاً ، صحّ عندنا.

وقال الشافعي : تفسد الشركة ، ويكون الربح على قدر المالين ،

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٨ - ١٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٢ - ١٨٣.

(٢) راجع الهامش (١) من ص ٣٩.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٨ / ٥٠ ، المغني ٥ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٤.

(٤) راجع الهامش (٢) من ص ٣٥٣.

(٥) راجع الهامش (٢) من ص ٣٥٢.

٣٧٧

ويجب لكلّ واحدٍ منهما على الآخَر أُجرة عمله في نصيبه(١) .

وقال أبو حنيفة : إذا كانت الشركة فاسدةً لم يجب لواحدٍ منهما أُجرة ؛ لأنّ العمل لا يقابله عوض في الشركة الصحيحة فكذلك الفاسدة(٢) .

والمعتمد عندنا : إنّ الشركة إذا فسدت كان لكلٍّ منهما أُجرة مثل عمله - كما هو قول الشافعي - لأنّ المتشاركين إذا شرطا في مقابلة عملهما ما لم يثبت ، يجب أن يثبت عوض المثل ، كما لو شرطا في الإجارة شرطاً فاسداً.

وما ذكره في الصحيحة فإنّما لم يستحق في مقابلة العمل عوضاً ؛ لأنّه لم يشترط في مقابلته شيئاً ، وفي مسألتنا بخلافه.

ولو شرط صاحب الألفين العمل على صاحب الألف خاصّةً ، صحّت الشركة ، وكانت شركةً وقراضاً عند الشافعي ، ويكون لصاحب الألف ثلث الربح بحقّ ماله ، والباقي - وهو ثلثا الربح - بينهما ، لصاحب المال ثلاثة أرباعه ، وللعامل ربعه ، وذلك لأنّه جعل النصف له ، فجعلنا الربح ستّة أسهم منها ثلاثة شرط حصّة ماله منها سهمان ، وسهم هو ما يستحقّه بعمله على مال شريكه [ و ](٣) حصّة مال شريكه أربعة أسهم ، للعامل سهم ، وهو الربع(٤) .

وعندنا أنّه يكون شركةً صحيحة ؛ عملاً بالشرط.

ولو كان لرجلين ألفا درهم فأذن أحدهما لصاحبه أن يعمل في ذلك‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٩٦ ، البيان ٦ : ٣٣٣.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٩٦ و ٩٧ ، البيان ٦ : ٣٣٣.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « من ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٣٢ - ١٣٣ ، البيان ٦ : ٣٣٤ ، المغني ٥ : ١٣٦ - ١٣٧.

٣٧٨

ويكون الربح بينهما نصفين ، فإنّ هذا ليس بشركةٍ ولا قراض ؛ لأنّ شركة العنان تقتضي أن يشتركا في المال والعمل ، والقراض يقتضي أن يكون للعامل نصيب من الربح في مقابلة عمله ، وهنا لم يشرط له ، فإذا عمل كان الربح بينهما نصفين على قدر المالين ، وكان عمله في نصيب شريكه معونةً له منه وتبرّعاً ؛ لأنّه لم يشترط لنفسه في مقابلته عوضاً.

مسألة ١٨٩ : لو اشتريا عبداً وقبضاه فأصابا به عيباً فأراد أحدهما الإمساكَ والآخَر الردَّ ، لم يجز‌ ، وبه قال أبو حنيفة(١) .

وقال الشافعي : يجوز(٢) .

وقد سلف(٣) ذلك في كتاب البيوع(٤) .

إذا تقرّر هذا ، فإذا اشترى أحد الشريكين عبداً فوجد به عيباً ، فإن أرادا الردَّ كان لهما.

وإن أراد أحدهما الردَّ والآخَر الإمساك ، فإن كان قد أطلق الشراء ولم يذكر أنّه يشتريه له ولشريكه لم يكن له الردّ ؛ لأنّ الظاهر أنّه يشتريه لنفسه ، فلم يلزم البائع حكماً بخلاف الظاهر.

وإن كان قد أعلمه أنّه يشتريه بمال الشركة أو له ولشريكه ، لم يكن لأحدهما الردّ وللآخَر الأرش على ما تقدّم.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : ليس له الردّ ؛ لأنّه إنّما أوجب إيجاباً واحداً ، فلا يبعّض‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٣٤٢ ، وراجع ج ١١ - من هذا الكتاب - ص ١٧٢ ، الهامش (٣)

(٢) البيان ٦ : ٣٤٢ ، وراجع ج ١١ - من هذا الكتاب - ص ١٧٢ ، الهامش (٤)

(٣) في ج ١١ ، ص ١٧٢ ، المسألة ٣٤٠.

(٤) في النسخ الخطّيّة : « البيع ».

٣٧٩

عليه.

والثاني : له الردّ ؛ لأنّه إذا كان يقع الشراء لاثنين ، كان بمنزلة أن يوجب لهما ، ولو أوجب لهما كان في حكم العقدين ، كذا هنا(١) .

وإذا باع أحد الشريكين عيناً من أعيان الشركة وأطلق البيع ثمّ ادّعى بعد ذلك أنّه باع ماله ومال شريكه بغير إذنه ، لم تُسمع دعواه ؛ لأنّه يخالف ظاهر قوله ، فإن ادّعى ذلك شريكه ، كان عليه إقامة البيّنة أنّه شريكه فيه ، فإذا قامت البيّنة به وادّعى المشتري أنّه أذن للبائع في البيع ، كان القولُ قولَه : إنّه لم يأذن ، مع يمينه ، فإذا حلف فسخ البيع في نصيبه إن لم يجز البيع ، ولا ينفسخ في الباقي إلّا برضا المشتري.

وللشافعي قولان مبنيّان على تفريق الصفقة(٢) .

مسألة ١٩٠ : إذا كان لكلٍّ من الرجلين عبد بانفراده ، صحّ بيعهما معاً صفقةً واحدة ومتعدّدة‌ ، اتّفقت قيمتهما أو اختلفت ، عندنا.

وللشافعي قولان :

أحدهما : يصحّ مطلقاً ؛ لأنّ جملة الثمن معلومة في العقد.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : إنّ البيع فاسد ؛ لأنّ العقد إذا كان في أحد طرفيه عاقدان كان بمنزلة العقدين ، فتكون حصّة كلّ واحدٍ منهما مجهولةً ؛ لأنّ ما يخصّ كلّ واحدٍ من العبدين من الثمن غير معلومٍ في العقد ، بخلاف ما لو كان العبدان لواحدٍ ؛ لوحدة العقد(٣) .

وهو غلط ؛ إذ مجموع الثمن في مقابلة مجموع الأجزاء ، وهُما‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٨٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٣٧ ، البيان ٦ : ٣٤٢.

(٢) راجع بحر المذهب ٨ : ١٣٨.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٢.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434