مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 437

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 437
المشاهدات: 18770
تحميل: 8660


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18770 / تحميل: 8660
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 8

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قرابة ولا لنا على الله حجّة ولا نتقرّب إلى الله إلّا بالطّاعة فمن كان منكم مطيعاً لله تنفعه ولايتنا ومن كان منكم عاصياً لله لم تنفعه ولايتنا ويحكم لا تغترّوا ، ويحكم لا تغتروا.

٧ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن مفضّل بن عمر قال : كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فذكرنا الأعمال فقلت أنا : ما أضعف

_________________________________________________

سابقاً أنّه يلحق التالي بنفسه ، وقيل : جملة يريد الخير صفة المرتاد ، إذ اللام للعهد الذهني وهو في حكم النكرة ، وجملة « يبلّغه » إمّا على المجرّد من باب نصر أو على بناء الأفعال أو التفعيل استئناف بيانيّ ، وعليّ الأوّل الخير مرفوع بالفاعلية إشارة إلى أن الدين الحق لوضوح براهينه كأنه يطلبه ويصل إليه ، وعليّ الثاني والثالث الضمير راجع إلى مصدر يريد ، والخير منصوب ويؤجر عليه استئناف للاستئناف الأوّل لدفع توهم أن لا يؤجر لشدّة وضوح الأمرّ ، فكأنّه اضطرّ إليه وأكثر الوجوه لا تخلو من تكلف ، وكان فيه تصحيفاً وتحريفاً.

« ولا لنا عليّ الله حجّة » أي بمحض قرابة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير عمل لأنفسنا ، ولا لتخليص شيعتنا « ولا نتقرّب » بصيغة المتكلم أو الغائب المجهول « ويحكم لا تغتروا » في القاموس ويح لزيد وويحاً له كلمة رحمة ورفعه على الابتداء ، ونصبه بإضمار فعل وويح زيد وويحه نصبهما به أيضاً أو أصله وي فوصلت بحاء مرة وبلام مرة ، وبياء مرة وبسين مرة ، وفي النهاية : ويح كلمة ترحّم وتوجّع يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقّها وقد يقال بمعنى المدح والتعجّب وهي منصوبة على المصدر ، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف ، يقال : ويح زيد وويحاً له وويح له ، انتهى.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور معتبر.

« فذكرنا الأعمال » أي قلّتها وكثرتها أو مدخليّتها في الإيمان « ما أضعف » على صيغة تعجّب كما هو الظاهر ، أو ما نافية وأضعف بصيغة المتكلّم أي ما أعدّ

٦١

عملي ، فقال : مه استغفر الله ، ثمّ قال لي : إنّ قليل العمل مع التقوى خير من كثير العمل بلا تقوى قلت : كيف يكون كثير بلا تقوى قال نعم مثل الرّجل يطعم طعامه ويرفق جيرانه ويوطىء رحله فإذا ارتفع له الباب من الحرام دخل فيه

_________________________________________________

عملي ضعيفاً ، وعلى الأوّل يتوهّم في نهيهعليه‌السلام عنه وأمره بالاستغفار منافاة لما مرّ في الأخبار من ترك العجب والاعتراف بالتقصير.

ويمكن الجواب عنه بوجوه : « الأوّل » ما قيل : أنّ النهي للفتوى بغير علم لا للاعتراف بالتقصير.

الثاني : أنّه كان ذلك لاستشمامه منه رائحة الاتّكال عليّ العمل ، مع أنّ العمل هيّن جدّاً في جنب التقوى لاشتراط قبوله بها ، ولذا نبّهه على ذلك ، والحاصل أنّه لما كان كلامه مبنيا على أن المدار عليّ قلة العمل وكثرته نهاه عن ذلك.

الثالث : ما قيل أن الأقوال والأفعال يختلف حكمها باختلاف النيات والقصود ، وهو لم يقصد بهذا القول أن عمله ضعيف قليل بالنظر إلى عظمة الحق وما يستحقّه من العبادة وإنّما قصد به ضعفه وقلته لذاته ، وبينهما فرق ظاهر والأوّل هو الاعتراف بالتقصير دون الثاني.

الرابع : أنهعليه‌السلام لما علم أن المفضّل يعتد بعمله ويعده كثيراً وإنما يقول ذلك تواضعاً وإخفاء للعمل نهاه عن ذلك ، وفي القاموس : رفق فلاناً نفعه كأرفقه ووطئ الرّجل كناية عن كثرة الضيافة قال في القاموس : رجل موطأ الأكناف كمعظم سهل دمث كريم مضياف ، أو يتمكن في ناحيته صاحبه غير مؤذى ولا ناب به موضعه ، وفي النهاية في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أحاسنكم أخلاقاً الموطّئون أكنافاً ، هذا مثل وحقيقته من التوطئة وهي التمهيد والتذليل ، وفراش ووطؤ لا يؤذي جنب النائم والأكناف الجوانب ، أراد الذين جوانبهم وطئة يتمكّن فيها من يصاحبهم ، ولا

٦٢

فهذا العمل بلا تقوى ويكون الآخر ليس عنده فإذا ارتفع له الباب من الحرام لم يدخل فيه.

٨ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أبي داود المسترقّ ، عن محسن الميثمي ، عن يعقوب بن شعيب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ما نقل الله عزَّ وجلَّ عبداً من ذل المعاصي إلى عزَّ التقوى إلّا أغناه من غير مال وأعزّه من غير عشيرة وآنسه من غير بشر.

( باب الورع )

١ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي المغراء ، عن زيد الشحّام ، عن عمرو بن سعيد بن هلال الثقفي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له : إنّي لا ألقاك إلّا في السنين ، فأخبرني بشيء آخذ به فقال : أوصيك بتقوى الله والورع

_________________________________________________

يتأذّى ، انتهى.

وقيل : توطئة الرّجل كناية عن التواضع والتذلّل.

« فإذا ارتفع له الباب من الحرام » أي ظهر له ما يدخله في الحرام من مال حرام أو فرج حرام وغير ذلك « ليس عنده » أي العمل الكثير الذي كان عند صاحبه.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

« وآنسه من غير بشر » أي من غير أنيس من البشر بل الله مؤنسه كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : اللهم إنك أنس الآنسين بأوليائك.

باب الورع

الحديث الأول : مجهول كالحسن.

ولعلّ المراد بالتقوى ترك المحرّمات وبالورع ترك الشبهات بل بعض المباحات

٦٣

والاجتهاد واعلم أنّه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه.

٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن حديد بن حكيم قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام : اتّقوا الله وصونوا دينكم بالورع.

٣ - أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن يزيد بن خليفة قال وعظنا أبو عبد اللهعليه‌السلام فأمر وزهّد ثم قال : عليكم بالورع فإنه لا ينال ما عند الله إلّا بالورع.

٤ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن فضّال ، عن أبي جميلة ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه.

٥ - عنه ، عن أبيه ، عن فضالة بن أيّوب ، عن الحسن بن زياد الصيقل ، عن

_________________________________________________

وبالاجتهاد بذل الجهد في فعل الطاعات ، يقال : وقاه الله السّوء يقيه وقاية ، أي حفظه واتّقيت الله اتّقاء أي حفظت نفسي من عذابه أو من مخالفته ، والتقوى اسم منه والتاء مبدّلة من واو ، والأصل وقوي من وقيت لكن أبدل ولزمت التاء في تصاريف الكلمة ، وفي النهاية : فيه ملاك الدّين الورع ، الورع في الأصل الكفّ عن المحارم والتحرّج منه ، يقال : ورع الرّجل يرع بالكسر فيهما ورعاً ورعة فهو ورع ، وتورّع من كذا ثم أستعير للكفّ عن المباح والحلال « لا ينفع» أي نفعاً كاملاً.

الحديث الثاني : صحيح ، ويدلّ على أنّ ترك الورع عن المحرّمات يصيّر الإيمان بمعرض الضياع والزوال ، فإنّ فعل الطاعات وترك المعاصي حصون للإيمان من أن يذهب به الشيطان.

الحديث الثالث : ضعيف بيزيد لأنّه واقفي لكن فيه مدح « فأمرّ » أي بالطاعّات وما يوجب الفوز بأرفع الدّرجات ، و « زهّد » على بناء التفعيل أي أمرّ بالزّهد في الشيء وعن الشيء خلاف الترغيب فيه.

الحديث الرابع : ضعيف وقد مر.

الحديث الخامس : مجهول.

٦٤

فضيل بن يسار قال : قال أبو جعفرعليه‌السلام إنّ أشدّ العبادة الورع.

٦ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن حنان بن سدير قال : قال أبو الصباح الكناني - لأبي عبد اللهعليه‌السلام ما نلقى من النّاس فيك ؟! فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام وما الذي تلقى من النّاس في فقال لا يزال يكون بيننا وبين الرّجل الكلام فيقول جعفري خبيث فقال يعيركم النّاس بي فقال له أبو الصباح نعم قال فقال ما أقل والله من يتبع جعفراً منكم إنمّا أصحابي من اشتد ورعه وعمل لخالقه ورجا ثوابه فهؤلاء أصحابي.

٧ - حنان بن سدير ، عن أبي سارة الغزال ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال الله عزَّ وجلَّ ابن آدم اجتنب ما حرمت عليك تكن من أورع الناس.

_________________________________________________

« إنّ أشدّ العبادة الورع » إذ ترك المحرّمات أشقّ على النفس من فعل الطاعات وأفضل الأعمال أحمزها.

الحديث السادس : موثق.

وكأنّ فيه نوع ذمّ لأبي الصبّاح وإن كان ثقة ، قال الشيخ البهائيرحمه‌الله : يعلم منه أنه لم يرتضعليه‌السلام ما قاله أبو الصبّاح ، لما فيه من الخشونة وسوء الأدب « وعمل لخالقه » أي أخلص العمل لله « ورجا ثوابه » كأنّه إشارة إلى أن رجاء الثواب إنما يحسن مع الورع والطّاعة وإلّا فهو غرور كما مرّ ، وإلى أنّه مع العمل أيضاً لا ينبغي اليقين بالثواب لكثرة آفات العمل ، ويمكن أن يكون ما ذكرهعليه‌السلام إيماء إلى أن ما تسمعون من المخالفين إنّما هو لعدم الطّاعة إمّا بترك الطاعات والأعمال الرضية أو لترك ما أمرتكم به من التقيّة.

الحديث السابع : مجهول.

وكأنّ الأورع بالنّسبة إلى من يجتنب المكروهات ويأتي بالسنن ويجترئ على

٦٥

٨ - علي بن إبراهيم ، عن أبيه ؛ وعليّ بن محمّد ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان المنقري ، عن حفص بن غياث قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الورع من النّاس فقال الّذي يتورّع عن محارم الله عزّ وجلّ.

٩ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن النعمان ، عن أبي أسامة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً ، وعليكم بطول الركوع والسجود فإنَّ أحدكم

_________________________________________________

المحارم وترك الطّاعات كما هو الشائع بين النّاس ، أو هو تعريض بأرباب البدع الذين يحرمون ما أحل الله على أنفسهم ويسمونه ورعا أو تنبيه على أن الورع إنما هو بترك المعاصي لا بالمبالغة في الطاعات والإكثار منها.

الحديث الثامن : ضعيف والوجوه السابقة جارية فيه.

الحديث التاسع : صحيح.

« وحسن الجوار » لكلّ من جاوره وصاحبه أو لجار بيته « وكونوا دعاة » أي كونوا داعين للناس إلى طريقتكم المثلي ومذهبكم الحق بمحاسن أعمالكم ومكارم أخلاقكم ، فإن النّاس إذا رأوكم على سيرة حسنة وهدى جميل نازعتهم أنفسهم إلى الدخول فيما ذهبتم إليه من التشيّع وتصويبكم فيما تقلدتم من طاعة أئمتكمعليهم‌السلام « وكونوا زيناً » أي زينة لنا « ولا تكونوا شينا » أي عيبا وعارا علينا ، وفي النهاية في حديث أبي هريرة إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله ، الويل : الحزن والهلاك والمشقة من العذاب وكلّ من وقع في هلكة دعا بالويل ، ومعنى النداء فيه يا ويلي ويا حزني ويا هلاكي ويا عذابي احضر فهذا وقتك وأو أنك ، فكأنه نادى الويل أن يحضره لما عرض له من الأمرّ الفظيع وهو الندم على ترك السجود لآدمعليه‌السلام ، وأضاف الويل إلى ضمير الغائب حملاً على

٦٦

إذا أطال الركوع والسجود هتف إبليس من خلفه وقال يا ويله أطاع وعصيت وسجد وأبيت.

١٠ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن أبي زيد ، عن أبيه قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فدخل عيسى بن عبد الله القمي فرحبّ به وقرب من مجلسه ثم قال يا عيسى بن عبد الله ليس منّا ولا كرامة من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون وكان في ذلك المصر أحد أورع منه.

_________________________________________________

المعنى ، وعدل عن حكاية قول إبليس يا ويلي كراهة أن يضيف الويل إلى نفسه ، انتهى.

وقال : النووي : هو من أدب الكلام أنّه إذا عرض في الحكاية عن الغير ما فيه سوء صرف الحاكي عن نفسه إلى الغيبة صونا عن صورة إضافة السؤال إلى نفسه ، انتهى.

وقيل : الضمير راجع إلى الساجد ودعا إبليس له بالعذاب والويل ، أو هو من كلام الإمام والضمير لإبليس والجملة معترضة ، ولا يخفى بعدهما ، ويحتمل على الأوّل أن يكون المنادي محذوفاً نحو إلّا يا اسجدوا أي يا قوم احضروا ويلي.

الحديث العاشر : مجهول.

وقال الجوهري : الرحبّ بالضمّ السعة ، وقولهم : مرحباً وأهلا أي أتيت سعة وأتيت أهلاً فاستأنس ولا تستوحش ، وقدر حبّ به ترحيبا إذا قال له مرحباً ، انتهى.

وفي النهاية : وقيل : معناه رحبّ الله بك مرحبا ، فجعل المرحبّ موضع الترحيب ، انتهى.

وقوله : ولا كرامة جملة معترضة أي لا كرامة له عند الله أو عندنا أو أعم منهما « فيه مائة ألف» أي من المخالفين أو الأعم ، ويدلّ على مدح عيسى بن عبد الله وروى الشيخ المفيد في مجالسه حديثاً يدلّ على مدح عظيم له ، وأنه قالعليه‌السلام فيه هو منّا أهل البيت ، وزعم الأكثر أنه الأشعري جد أحمد بن محمّد ، والأظهر عندي أنه غيره لبعد ملاقاة الأشعري الصادقعليه‌السلام ، بل ذكروا أن له مسائل عن الرّضاعليه‌السلام .

٦٧

١١ - عنه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن عليّ بن عقبة ، عن أبي كهمس ، عن عمرو بن سعيد بن هلال قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أوصني قال أوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه.

١٢ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي الصبّاح الكناني ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال أعينونا بالورع فإنه من لقي الله عزَّ وجلَّ منكم بالورع كان له عند الله فرجاً وإن الله عزَّ وجلَّ يقول : «مَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصّديقين وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ

_________________________________________________

الحديث الحادي عشر : مجهول ، وقد مرّ مضمونه.

الحديث الثاني عشر : صحيح.

« أعينونا بالورع » إشارة إلى أنّ الأئمّةعليهم‌السلام متكفلون لنجاة شيعتهم من العذاب ، فكلّما كان ورعهم أشدّ وأكمل كانت الشفاعة عليهم أسهل ، فالورع إعانة لهمعليهم‌السلام على ذلك.

فإن قلت : مع الورع أيّ حاجة إلى الشفاعة فإنّه يجب عليه سبحانه بمقتضى وعده إدخالهم الجنّة وإبعادهم عن العذاب.

قلت : يحتمل أن يكون المراد عدم تجشّم الشفاعة أو يكون الورع ترك المعاصي فقط ، فلا ينافي الاحتياج إلى الشفاعة للتقصير في الواجبات ، أو يكون المراد بالورع ترك الكبائر أو أعمّ من ترك كلّ المعاصي أو بعضها مع أنه لا استبعاد في الحاجة إلى الشفاعة مع فعل الطاعات وترك المعاصي لسرعة دخول الجنّة أو التخلص من أهوال القيامة أو عدم الحساب ، أو تخفيفه.

« كان له عند الله فرجاً » اسم كان الضمير المستتر الراجع إلى الورع ، وقيل : إلى اللّقاء وفرجاً بالجيم خبره ، وربما يقرأ بالحاء المهملة وعلى التقديرين التنوين للتعظيم «مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ » في سورة النساء «وَالرَّسُولَ » وكأنه نقل بالمعنى مع الإشارة إلى ما في سورة النور «وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ

٦٨

أُولئِكَ رَفِيقاً (١) » فمنّا النبي ومنّا الصديق والشهداء والصالحون.

١٣ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنّا لا نعدّ الرّجل مؤمنّا حتّى يكون لجميع أمرنا متّبعاً مريداً ، إلّا وإنّ من اتّباع أمرنا وإرادته الورع ، فتزيّنوا به يرحمكم الله وكبّدوا أعداءنا [ به ] ينعشكم الله.

_________________________________________________

الْفائِزُونَ » وإطاعة الله والرّسول لا تكون إلّا مع الورع ، فالاستشهاد لذلك وقيل : المراد بطاعة الله ورسوله إطاعتهما في الاعتقاد بإمامة أئمّة الهدىعليهم‌السلام وإن كان مع المعاصي فالاستشهاد للشفاعة.

« فمنّا » أي من بني هاشم وكان المراد بالصّديق أمير المؤمنينعليه‌السلام وبالشهداء الحسنانعليه‌السلام أو الحسينعليه‌السلام وبالصالحين باقي الأئمّةعليهم‌السلام ، أو المراد بالشهداء جميع الأئمّةعليهم‌السلام وبالصالحين شيعتهم ، وقد فسرت الآية بالوجهين في الأخبار.

الحديث الثالث عشر : حسن « إنا لا نعد الرّجل مؤمنّا » هذا أحد معاني الإيمان التّي مضت « مريداً » أي لجميع أمرنا « يرحمكم الله » جواب الأمرّ أو جملة دعائية وكذا قوله : ينعشكم الله يحتمل الوجهين « وكيدوا به » في أكثر النسخ بالياء المثناة أي حاربوهم بالورع لتغلبوا أو ادفعوا به كيدهم سمي كيدا مجازا أي الورع يصير سبباً لكف ألسنتهم عنكم وترك ذمهم لكم أو احتالوا بالورع ليرغبوا في دينكم كما مرّ في قوله :عليه‌السلام « كونوا دعاة » إلخ ، وكأنه أظهر ، وفي بعض النسخ بالباء الموحدة المشددة من الكبدّ بمعنى الشدّة والمشقّة ، أي أوقعوهم في الألم والمشقّة لأنّه يصعب عليهم ورعكم والأوّل أكثر وأظهر.

« ينعشكم الله » أي يرفعكم الله في الدنيا والآخرة ، في القاموس : نعشه الله كمنعه رفعه كأنعشه ونعّشه وفلاناً جبره بعد فقر ، والميّت ذكره ذكراً حسناً.

____________________

(١) سورة النساء : ٦٩ ، وفيها « والرسول » كما ذكره الشارح (ره).

٦٩

١٤ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحجّال ، عن العلاء ، عن ابن أبي يعفور قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام كونوا دعاة للنّاس بغير ألسنتكم ، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير فإنّ ذلك داعية.

١٥ - الحسين بن محمّد ، عن عليّ بن محمّد بن سعيد ، عن محمّد بن مسلم ، عن محمّد بن حمزة العلوي قال أخبرني عبيد الله بن عليّ ، عن أبي الحسن الأوّلعليه‌السلام قال كثيراً ما كنت أسمع أبي يقول ليس من شيعتنا من لا تتحدّث المخدّرات بورعه في خدورهنّ وليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم [ من ] خلق [ ا ] لله أورع منه.

_________________________________________________

الحديث الرابع عشر : صحيح.

« فإن ذلك داعية » أي للمخالفين إلى الدخول في دينكم كما مرّ ، والتاء للمبالغة وسيأتي هذا الخبر في باب الصّدق بأدنى تفاوت في السند والمتن ، وفيه الصّدق مكان الصلاة.

الحديث الخامس عشر : مجهول.

وفي القاموس الخدر بالكسر ستر يمدّ للجارية في ناحية البيت ، وكلّ ما واراك من بيت ونحوه ، والجمع خدور وأخدار ، وبالفتح إلزام البنت الخدر كالإخدار والتخدير وهي مخدّرة ومخدّرة ، انتهى.

والمعنى اشتهر ورعه بحيث تتحدث النساء المستورات غير البارزات بورعه في بيوتهنّ ، وقيل : إنّه يدلّ على أنّ إظهار الصّلاح ليشتهر أمرّ مطلوب ، ولكن بشرط أنّ لا يكون لقصد الرّياء والسمعة بل لغرض صحيح مثل الاقتداء به والتحفّظ من نسبة الفسق إليه ونحوهما ، وفيه نظر.

٧٠

( باب العفة )

١ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما عبد الله بشيء أفضل من عفة بطن وفرج.

٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه قال قال أبو جعفرعليه‌السلام إنّ أفضل العبادة عفّة البطن والفرج.

_________________________________________________

باب العفّة

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

والعفّة في الأصل الكفّ قال في القاموس : عفّ عفّاً وعفافاً وعفافة بفتحهن وعفّة بالكسر فهو عفّ وعفيف : كفّ عمّا لا يحلّ ولا يجمل كاستعفّ وتعفّفّ ، وقال الراغب : العفّة حصول حالة للنفس تمنع بها عن غلبة الشهوة ، والمتعفّف المتعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر ، وأصله الاقتصار على تناول الشيء القليل الجاري مجرى العفافة ، والعفّة أي البقية من الشيء أو مجرى العفف وهو ثمرّ الأراك ، والاستعفاف طلب العفّة ، انتهى.

وتطلق في الأخبار غالباً على عفّة البطن والفرج وكفّهما عن مشتهياتها المحرمة بل المشتبهة والمكروهة أيضاً من المأكولات والمشروبات والمنكوحات ، بل من مقدماتهما من تحصيل الأموال المحرمة لذلك ومن القبلة واللمس والنظر إلى المحرم ، ويدلّ على أنّ ترك المحرّمات من العبادات وكونهما من أفضل العبادات ، لكونهما أشقّهما.

الحديث الثاني : حسن أو موثق.

٧١

٣ - عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول أفضل العبادة العفاف.

٤ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن معلّى أبي عثمان ، عن أبي بصير قال قال رجل لأبي جعفرعليه‌السلام إني ضعيف العمل قليل الصيام ولكني أرجو أن لا آكلّ إلّا حلإلّا قال فقال له أي الاجتهاد أفضل من عفّة بطن وفرج.

٥ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر ما تلج به أمّتي النار الأجوفان البطن والفرج.

٦ - وبإسناده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث أخافهن علىّ أمّتي من بعدي : الضلالة بعد المعرفة ومضلّات الفتن وشهوة البطن والفرج.

_________________________________________________

الحديث الثالث : ضعيف ، ويمكن حمل العفاف هنا على ما يشمل ترك جميع المحرّمات.

الحديث الرابع : صحيح ، والاجتهاد بذل الوسع في طلب الأمرّ والمراد هنا المبالغة في الطاعة.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« ما تلج » أي تدخل ، وفي النهاية : الأجوف الذي له جوف ، ومنه الحديث :

أن لا تنسوا الجوف وما وعى ، أي ما يدخل إليه من الطعام والشراب ويجمع فيه ، وقيل : أراد بالجوف القلب وما وعى وحفظ من معرفة الله تعالى ، وقيل : أراد بالجوف البطن والفرج معاً ، ومنه الحديث : إنّ أخوف ما أخاف عليكم الأجوفان.

« وبإسناده » الضمير لعليّ أو للسّكوني ، وعلى التقديرين المراد به الإسناد

٧٢

٦ - أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن بعض أصحابه ، عن ميمون القداح قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول ما من عبادة أفضل من عفّة بطن وفرج.

٧ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن منصور بن حازم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما من عبادة أفضل عند الله من عفّة بطن وفرج.

( باب )

( اجتناب المحارم )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن داود بن كثير الرقي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : «وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ »(١) قال من علم أن الله عزَّ وجلَّ يراه ويسمع ما يقوله ويفعله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الذي «خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ».

٢ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر

_________________________________________________

السّابق وقيل : ليس هذا في نسخة الشهيد الثاني (ره) ، وأقول : قد وقعت الأمّة في كلّ ما خافصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم إلّا من عصمه الله ، وهم قليل من الأمّة.

الحديث السادس : مرسل.

الحديث السابع : صحيح.

باب اجتناب المحارم

الحديث الأول : مختلف فيه صحيح على الأقوى ، وقد مرّ في آخر باب الخوف والرّجاء بأدنى تغيير في المتن مع شرحه.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

____________________

(١) سورة الرحمن : ٤٦.

٧٣

اليمانيّ ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كلّ عين باكية يوم القيامة غير ثلاث عين سهرت في سبيل الله وعين فاضت من خشية الله وعين غضّت عن محارم الله.

٣ - عليّ ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال فيما ناجى الله عزَّ وجلَّ به موسىعليه‌السلام يا موسى ما تقرّب إلي المتقرّبون بمثل الورع عن محارمي ، فإنّي أبيحهم جنّات عدن لا أشرك معهم أحداً.

٤ - عليّ [ بن إبراهيم ] ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبيدة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أشدّ ما فرض الله على خلقه ذكر الله كثيراً ثم قال لا أعنّي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر وإن كان منه ولكن

_________________________________________________

« في سبيل الله » أي في الجهاد أو الأعمّ منه ومن السّفر إلى الحجّ والزيارات أو الأعمّ منها ومن السّهر للعبادة ومطالعة العلوم الدينيّة وهذا أظهر ، وإسناد الفيض إلى العين مجاز يقال : فاض الماء والدمع يفيض فيضاً كثر حتّى سال ، وغضّت على بناء المفعول يقال غضّ طرفه أي كسره وأطرق ولم يفتح عينه.

الحديث الثالث : مرسل.

« جنّات عدن » قال الراغب : أي استقرار وثبات ، وعدن بمكان كذا استقر ومنه المعدن لمستقرّ الجواهر.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

« ما فرض الله » أي قرّره أعمّ من الواجب والندب ، ويحتمل الوجوب « وإن كان » أي هذا الذكر اللساني « منه » أي من مطلق الذكر ، لكن الذكر الشديد الذكر عند الطّاعة والمعصية ، والذكر اللساني هين بالنسبة إليه ، والحاصل أن الله سبحانه أمرّ بالذكر ومدحه في مواضع كثيرة من الذكر الحكيم كقوله سبحانه : «اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كثيراً »(١) وقوله «وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ

____________________

(١) سورة الأحزاب : ٤١.

٧٤

ذكر الله عند ما أحلّ وحرّم فإن كان طاعة عمل بها وإن كان معصية تركها.

٥ - ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ : «وَقَدِمنّا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءاً

_________________________________________________

الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ »(١) وقوله تعالى : «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيإمّا وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ »(٢) وأصل الذكر التذكر بالقلب ومنه : و «اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ التّي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ »(٣) أي تذكروا ثم يطلق على الذكر اللساني حقيقة أو من باب تسمية الدال باسم المدلول ثم كثر استعماله فيه لظهوره حتّى صار هو السّابق إلى الفهم ، فنصعليه‌السلام على إرادة الأوّل دون الثاني فقط دفعاً لتوهم تخصيصه بالثاني ، وإشارة إلى أكمل أفراده.

وقال بعضهم : ذكر اللسان مع خلو القلب عنه لا يخلو من فائدة لأنه يمنعه من التكلم باللغو ، ويجعل لسانه معتادا بالخير ، وقد يلقي الشيطان إليه أن حركة اللسان بدون توجه القلب عبث ينبغي تركه فاللائق بحال الذكر حينئذ أن يحضر قلبه رغما للشيطان ، ولو لم يحضره فاللائق به أن لا يترك ذكر اللسان رغما لأنفه أيضاً.

وأن يجيبه بأنّ اللسان آلة للذكر كالقلب ولا يترك أحدهما بترك الآخر فإن لكلّ عضو عبادة.

ثم اعلم أن الذكر القلبي من أعظم بواعث المحبة والمحبة أرفع منازل المقربين ، رزقنا الله إياها وسائر المؤمنين.

الحديث الخامس : كالسّابق «وَقَدِمنّا » أي عمدنا وقصدنا «إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ » كقري الضعيف وصلة الرّحم وإغاثة الملهوف وغيرها «فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً » فلم يبق له أثر والهباء غبار

____________________

(١) سورة الأعراف : ٢٠٧.

(٢) سورة آل عمران : ١٩١.

(٣) سورة البقرة : ١٢١.

٧٥

مَنْثُوراً »(١) قال إمّا والله إن كانت أعمالهم أشدّ بياضاً من القباطي ولكن كانوا إذا عرض لهم الحرام لم يدعوه

_________________________________________________

في شعاع الشمس الطالع من الكوّة من الهبوة وهو الغبار ، والقباطي بالفتح جمع القبطية بالكسر ثياب بيض رقاق من كتّان تتخّذ بمصر وقد يضمّ لأنّهم يغيّرون في النسبة ، وفي المصباح القبطي بالضمّ من كتان رقيق يعمل بمصر نسبة إلى القبط على غير قياس فرقا بين الإنسان والثوب وثياب قبطيّة أيضاً بالضمّ والجمع قباطي ، انتهى.

وفيه دلالة على حبط الطاعات بالفسوق وخصّه بعض المفسرين بالكفر ولا كلام فيه.

ولنذكر هنا مجملاً من معاني الحبط والتكفير والاختلافات الواردة فيه.

اعلم أنّ الإحباط في عرف المتكلّمين عبارة عن إبطال الحسنة بعدم ترتب ما يتوقع منها عليها ويقابلها التكفير وهو إسقاط السيئة بعدم جريان مقتضاها عليها فهو في المعصية نظير الإحباط في الطّاعة ، والحبط والتكفير ، وإطلاقهما بهذين اللفظين وبما يساوقهما كثير في الآيات والأخبار ، وقد اشتهر بين المتكلّمين أن الوعيدية من المعتزلة وغيرهم يقولون بالإحباط والتكفير دون من سواهم من الأشاعرة وغيرهم وهذا على إطلاقه غير صحيح فإن أصل الإحباط والتكفير ممّا لا يمكن إنكاره لأحد من المسلمين كما ظهر ممّا تلونا عليك فلا بدّ أن يحرّر مقصود كلّ طائفة ليتبيّن ما هو الحق.

فنقول : لا خلاف بين من يعتدّ به من أهل الإسلام في أنّ كلّ مؤمن صالح يدخل الجنّة خالداً فيها حقيقة ، وكلّ كافر يدخل النار خالداً فيها كذلك ، وإمّا المؤمن الذي خلط عملا صالحاً بعمل غير صالح فاختلفوا فيه فذهب بعض المرجئة إلى أن الإيمان يحبط الزلّات فلا عقاب على زلة مع الإيمان ، كما لا ثواب لطاعة مع

____________________

(١) سورة الفرقان : ٢٣.

٧٦

_________________________________________________

الكفر ، وذهب الآخرون إلى ثبوت الثواب والعقاب في حقّه ، إمّا المعتزلة فبعنوان الاستحقاق المعلوم عقلاً باعتبار الحسن والقبح العقليين ، وشرعا باعتبار الآيات الدالة عليه من الوعد والوعيد ، وإمّا الأشاعرة فبعنوان الاتفاق يقولون : أنه لا يجب على الله شيء فلا يستحقّ المكلف ثوابا منه تعالى فإن أثابه فبفضله وإن عاقبه فبعدله ، بل له أثابه العاصي وعقاب المطيع أيضاً ، وبالجملة قول المعتزلة في المؤمن الخارج من الدنيا بغير توبة عن كبيرة ارتكبها أنّه استحقّ الخلود في النار لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفّار إمّا مطلق الاستحقاق فلما عرفت وإمّا خصوص الخلود فللعمومات المتداولة عند غيرهم بتخصيصها بالكفّار أو بحمل الخلود على المكث الطويل لقوله تعالى : «وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها »(١) وقوله : «وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالداً فِيها »(٢) فلهذا حكموا بأن كبيرة واحدة تحبط جميع الطاعات فإن الخلود الموعود مستلزم لذلك.

هذا قول جمهورهم في أصل الإحباط.

ثم إنّ الجبائيين أبا عليّ وابنه أبا هاشم منهم على ما نقل عنهما الآمدي ذهبا إلى اشتراط الكثرة في المحبط بمعنى أن من زادت معاصيه على طاعاته أحبطت معاصيه طاعاته وبالعكس ، لكنهما اختلفا فقال أبو عليّ : ينحبط الناقص برمّته من غير أن ينتقص من الزائد شيء ، وقال أبو هاشم : بل ينتقص من الزائد أيضاً بقدره ويبقى الباقي.

إذا عرفت هذا فاعلم أن ما ذكره أكثر أصحابنا من نفي الإحباط والتكفير مع ورود الآيات الكثيرة والأخبار المستفيضة بل المتواترة بالمعنى في كلّ منهما ممّا يقضي منه العجب ، مع أنّه ليس لهم على ذلك إلّا شبه ضعيفة مذكورة في كتب

____________________

(١) سورة الجنّ : ٢٣.

(٢) سورة النساء : ١٤.

٧٧

_________________________________________________

الكلام كالتجريد وغيره ، لكن بعد التأمل والتحقيق يظهر أن الذي ينفونه منهما لا ينافي ظواهر الآيات والأخبار كثيراً بل يرجع إلى مناقشة لفظية لأنهم قائلون بأن التوبة ترفع العقاب وأن الموت على الكفر تبطل ثواب جميع الأعمال ، لكن الأكثر يقولون ليس هذا بالإحباط ، بل باشتراط الموافاة على الإيمان في استحقاق الثواب على القول بالاستحقاق ، وفي الوعد بالثواب عليّ القول بعدم الاستحقاق ، وكذا يمكنهم القول بأحد الأمرين في المعاصي التّي وردت أنها حابطة لبعض الحسنات من غير قول بالحبط بأن يكون الاستحقاق أو الوعد مشروطا بعدم صدور تلك المعصية وإمّا التوبة والأعمال المكفرة فلا حاجة إلى ارتكاب أمثال ذلك فيها إذ في تجويز التفضل والعفو كما هو مذهبنا غنى عنها ، وأيضاً لا نقول بإذهاب كلّ معصية كلّ طاعة وبالعكس كما ذهب إليه المعتزلة ، بل نتبع في ذلك النصوص الواردة في ذلك فكلّ معصية وردت في الكتاب أو في الآثار الصحيحة أنها ذاهبة أو منقصة لثواب جميع الحسنات وبعضها نقول به وبالعكس ، تابعين للنص في جميع ذلك.

ومن أصحابنا من لم يقلّ بالموافاة ولا بالإحباط بل يقول كلّ من الإيمان والكفر يتحقق بتحقق شروطه المقارنة ، وليس شيء من استحقاق الثواب والعقاب مشروطاً بشرط متأخر ، بل إن تحقق الإيمان تحقّق استحقاق الثواب وإن تحقّق الكفر تحقّق معه استحقاق العقاب ، فإن كفر بعد الإيمان كان كفره اللأحقّ كاشفاً عن أنّه لم يكن مؤمناً سابقاً ولم يكن مستحقّاً للثواب عليه ، وإطلاق المؤمن عليه بمحض اللفظ وبحسب الظاهر ، وإن آمن أحد بعد الكفر زال كفره الأصلي بالإيمان اللأحقّ ، وسقط استحقاقه العقاب لعفو الله تعالى لا بالإحباط ولا لعدم الموافاة كما يقول الآخرون.

وتفصيل هذا المطلب وتنقيحه يحتاج إلى إيراد مقاصد :

الأوّل : أنّ النافين للحسن والقبح لا يثبتون استحقاق شيء من الثواب والعقاب بشيء من الأعمال ، بل المالك للعبّاد عندهم قادر على الثواب والعقاب ومالك للتصرّف

٧٨

_________________________________________________

فيهم كيف شاء ، وليس من شأن فعله في خلقه استحقاق الذمّ بل ولا المدح وكلاهما اصطلاح ومواضعة من الشارع ، وإمّا المثبتون لهما فلا كلام عندهم في استحقاق العقاب نعم ربما قيل بعدم استقلال العقل فيه ضرورة أو نظراً وإمّا الثواب فعند بعضهم أنه ممّا يستحقّه العبد بطاعته ، وإليه يذهب جماعة من أصحابنا ويحتجون لذلك بأن إلزام المشقة بدون التزام نفع في مقابله قبيح ، وربما يوجه عليه أن التزام النفع في مقابله إنما يلزم لو لم يسبق النعم عليه بما يحسن إلزام المشقة بإزائها والفرق بين النفع المستقبل والنعمة الماضية تحكم وربما كفى في إلزام المشقة حسن العمل الشاق ولم نحتج في حسن الإلزام إلى أزيد منه ، ولهذا ذهب بعض أصحابنا وغيرهم إلى أن الثواب تفضّل ووعد منه تعالى بدون استحقاق للعبد ، وهو الظاهر من كلام أكثر أصحابنا رضوان الله عليهم ، ويدلّ عليه كثير من الأخبار والأدعية.

الثاني : أن الثواب والعقاب هل يجب دوامهما أم لا فذهب المعتزلة إلى الأوّل وطريقه العقل عندهم ، والصحيح عند أصحابنا أنه لا يجب عقلاً ، وإمّا شرعا فالثواب دائم وكذا عقاب الكفر إجماعا من المسلمين إلّا ما نقل من شذاذ من المتصوفين الذين لا يعدون من المسلمين ، وإمّا عقاب العاصي فمنقطع ويكفي هنا عدم وجدان طريق عقلي إلى دوامهما ، وفي عبارة التجريد في هذا المطلب تناقض يحتاج إلى تكلف تام في دفعه.

الثالث : أن الإحباط بالمعنى الذي ذكرناه من إفناء كلّ من الاستحقاقين للآخر أو المتأخر للمتقدم باطل عند أصحابنا ، ومذهب أبي عليّ وهو بقاء المتأخر وفناء المتقدّم مناف للنصوص الكثيرة المتضمنة لعدم تضييع العمل ، وإمّا مذهب أبي هاشم فلا ينافي ظواهر النصوص لأنه إذا أفنى المتقدّم المتأخر أيضاً فليس بضائع ولا ممّا لم يره العامل ، لكن الظاهر أن ما ذهب إليه من إبطاله له من جهة المنافاة بينهما فليس بصحيح ، إذ لا منافاة عقلاً بين الثواب والعقاب واستحقاقهما ، بل يكاد

٧٩

_________________________________________________

العقل يجزم بعدم مساواة من أعقب كثيراً من الطّاعة بقليل من المعصية مع من اكتفى بالفضل بينهما حسب ، وعدم مساواة من أعقب أحدهما بما يساوي الآخر مع من لم يفعل شيئا.

ثمّ إنّه يمكن أن يسقط العقاب المتقدّم عند الطّاعة المتأخرة وعلى سبيل العفو وهو إسقاط الله تعالى ما يستحقّه على العبد من العقوبة وهو الظاهر من مذاهب أصحابنا رضي الله عنهم ، وأمّا الثواب فلا يتصور فيه ذلك ، ويمكن أن يكون الوعد بالثواب على الطّاعة المتقدمة أو استحقاقه مشروطاً بعدم معاقبة المعصية لها كما يشترط ثواب الإيمان والطاعات بالموافاة على الإيمان بأن يموت مؤمناً عند كثير من أصحابنا.

لكن ذلك الاشتراط ليس بعام لجميع المعاصي بل مخصوص بمقتضى النصوص ببعضها ، وليس كلّما ورد بطلان الطّاعة بسببه ممّا يقطع باشتراط الثواب به لأن كلا منها أخبار آحاد لا تفيد القطع ، نعم ربما حصل القطع بأن شيئاً من تلك المعاصي يشترط استمرار انتفائه لاستحقاق الثواب أو هو شرط في الوعد به.

والفرق بين هذا وبين الإحباط ظاهر من وجوه :

الأوّل : أن إبطال الثواب في الإحباط من حيث التضاد عقلاً بين الاستحقاقين وهيهنا من جهة اشتراطه شرعا بنفي المعصية.

الثاني : أن المنافاة هناك بين الاستحقاقين فلو لم يحصل استحقاق العقاب لانتفاء شرطه لم يحصل الإحباط وهيهنا بنفس المعصية ينتفي الثواب ، أو استحقاقه إن ثبت وكان مستمراً وإن توقف أصل الاستحقاق على استمرار النفي لم يحصل أصلا وإنما يحصل في موضع الحصول بالموت ، ولا يختلف الحال باستحقاق العقاب على تلك المعصية لاستجماع شرائطه وعدمه لفقد شيء منه كمنع الله تعالى لطفا معلوماً عن المكلّف ، وكما لو أعلم الله تعالى المكلّف أنّه يغفر له ويعفو عن جميع معاصيه فكان مغريا له بالقبيح ، وكما لو لم يقع فعل القبيح ولا الإخلال بالواجب عن المكلّف على سبيل

٨٠