مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 437

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 437
المشاهدات: 18782
تحميل: 8660


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18782 / تحميل: 8660
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 8

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

_________________________________________________

إيثاره على فعل الواجب والامتناع من القبيح ، بل وقع لا على وجه الإيثار فإن العاصي في جميع هذه الصور يستحقّ ذمّاً ، ولا يستحقّ عقاباً عند أبي هاشم ومن يحذو حذوه وعلى تقدير الاشتراط باستمرار انتفاء المعصية ينتفي استحقاق الثواب وعلى تقدير الإحباط لا ينتفي.

الثالث : أنّ التوبة على مذهب الإحباط يمنع من الإحباط وعلى ما ذكرنا لا يمنع من الإحباط ، نعم لو كان الشرط استمرار انتفاء المعصية أو الموافاة بالتوبة من المعصية دون استمرار انتفائها فقط منع من الإحباط كمذهب القائلين به.

الثالث : أنّ التوبة على مذهب الإحباط يمنع من الإحباط وعلى ما ذكرنا لا يمنع من إحباط ، نعم لو كان الشرط استمرار انتفاء المعصية أو الموافاة بالتوبة من المعصية دون استمرار انتفائها فقط منع من الإحباط كمذهب القائلين به.

الرابع : أنّ هذا يجري في مذهب النافين للاستحقاق دون الإحباط ، وهذا الذي ذكرناه وإن لم يكن مذهبا صريحا لأصحابنا إلّا أن من يذهب إلى الموافاة لا بدله من تجويزه وبه يجمع بين نفي الإحباط كما تقتضيه الأدلة بزعمهم وبين الآيات وكثير من الروايات الدالة على أن بعضا من المعاصي يبطل الأعمال السابقة ويمكن القول بمثل هذا في المعاصي بأن يكون استحقاق العقاب عليها أو استمراره مشروط بعدم بعض الطاعات في المستقبل ، فيأول ما يتضمن شبه هذا المعنى من الروايات به لكن عدم استحقاق العقاب بتعمد معصية الله تعالى وتوقفه على أمرّ منتظر بعيد ، وكذلك انقطاع استمراره وفي العفو مندوحة عنه ، والكلام فيه كالكلام في التوبة وهو ظاهر النصوص.

وفي كلام الشارح العلامة الحليقدس‌سره في شرح التجريد عند قول المصنّف (ره) : وهو مشروط بالموافاة « إلخ » ما يدلّ على أن في المعتزلة من يقول باشتراط الطاعات بالمعاصي المتأخرة وبالعكس ، وظاهره أنه حمل كلام المصنّف على هذا المعنى فيكون قائلا بالموافاة في الطاعات باشتراطه بانتفائه الذنب في المستقبل ، وفي المعاصي باشتراطه بعدم الطّاعة الصالحة للتكفير في المستقبل إلّا أنّي لم أقف على

٨١

_________________________________________________

قائل به من الأصحاب صريحاً ، وكلام التجريد ليس بصريح إلّا في الموافاة بالإيمان.

الرابع :(١) أن العفو مطلقا سواء كانت المعصية ممّا تاب المكلّف منها أو لا وسواء كانت صغيرة مكفرة أو كبيرة غير واقع بالسمع عند جميع المعتزلة وذهب بعضهم وهم البغداديون منهم إلى أنه قبيح عقلاً والسمع أكده ، والبصريون إلى جوازه عقلاً وإنما المانع منه السمع فمزيل العقاب عندهم منحصر في أمرين أحدهما التوبة ، والثاني التكفير بالثواب ، وذلك عند من قال بأن التوبة إنما تسقط العقاب لكونه ندما على المعصية ، وإمّا عند من قال أنه يسقط لكثرة الثواب فالمزيل منحصر في أمرّ واحد هو الإحباط فتوهم غير هذا باطل ، ودعوى الاتفاق على العفو من الصغائر عند اجتناب الكبائر ، ومن الذنوب مطلقا عند التوبة كما وقع من الشارح الجديد للتجريد مضمحلّ عند التحقيق كما ذكره بعض الأفاضل.

قال صاحبّ الكشاف في تفسير قوله تعالى : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ »(٢) نمط ما تستحقونه من العقاب في كلّ وقت على صغائركم ، ونجعلها كان لم تكن لزيادة الثواب المستحقّ على اجتنابكم الكبائر وصبركم عنها على عقاب السيئات ، وإمّا إسقاط التوبة للعقاب ففيه ثلاث مذاهب : « الأوّل » أنها تسقطه على سبيل الوجوب عند اجتماع شرائطها لكونها ندما على المعصية كما أن الندم على الطّاعة يحبطها لكونه ندماً عليها مع قطن النظر عن استتباعها الثواب والعقاب الثاني : أنّها تسقطه على سبيل الوجوب ، لا لكونها ندما عليها ، بل لاستتباعها ثوابا كثيراً ، الثالث : أنّها لا تسقطه وإنّما تسقط العقاب عندها ، لأنّها على سبيل العفو دون الاستحقاق ، وهذه المذاهب مشهورة مسطورة في كتب الكلام.

وأقول : بهذا التفصيل الذي ذكر ارتفع التشنيع واللوم عن محقّقي أصحابنا

____________________

(١) أي الرابع من المقاصد. (٢) سورة النساء : ٣١.

٨٢

٦ - عليّ ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السّكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ترك معصية لله مخافة الله تبارك وتعالى أرضاه الله يوم القيامة.

( باب )

( أداء الفرائض )

١ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة الثماليّ قال قال عليُّ بن الحسين صلوات الله عليه من عمل بما افترض الله عليه فهو من خير الناس.

_________________________________________________

رضوان الله عليهم بمخالفتهم للآيات المتظافرة والروايات المتواترة ، وأن الإحباط والتكفير بالمعنى الذي هو المتنازع فيه بين أصحابنا وبين المعتزلة نفيهما لا ينافي شيئاً من ذلك وإنمّا أطنبنا الكلام في هذا المقام لأنّه من مهمات المسائل الكلاميّة ، ومن تعرض لتحقيقه لم يستوف حقّه ، والله الموفّق.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

ويمكن تعميم المعصية ليشمل ترك الطّاعة أيضاً ، وعدم ذكر ما يرضيه به لتفخيمه إيماءاً إلى أنّ عقل البشر لا يصل إلى كنه حقيقته كما قال سبحانه : «وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ »(١) .

باب أداء الفرائض

الحديث الأوّل : حسن كالصحيح.

« فهو من خير النّاس » ليس من في بعض النسخ فالخيريّة إضافيّة بالنسبة إلى من يأتي بالمستحبّات ، ويترك بعض الفرائض.

____________________

(١) سورة التوبة : ٧٢.

٨٣

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : «اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا »(١) قال اصبروا على الفرائض.

٣ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران ، عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي السفاتج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : «اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا » قال «اصْبِرُوا » على الفرائض «وَصابِرُوا » على المصائب «وَرابِطُوا »

_________________________________________________

الحديث الثاني : حسن أو موثق.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور وآخره مجهول.

«اصْبِرُوا » قال الطبرسي (ره) : اختلف في معناها على وجوه :

أحدها : أنّ المعنى فاصبروا على دينكم أي اثبتوا عليه وصابروا الكفّار ورابطوهم في سبيل الله فالمعنى اصبروا على طاعة الله سبحانه وعن معاصيه ، وقاتلوا العدو «وَصابِرُوا » على قتالهم في الحق كما يصبرون على قتالكم في الباطل لأن الرباط هو المرابطة فيكون بين اثنين يعنّي أعدوا لهم من الخيل ما يعدونه لكم.

وثانيها : أن المراد اصبروا على دينكم وصابروا وعدي إياكم ، ورابطوا عدوي وعدوكم.

وثالثها : أن المراد اصبروا على الجهاد ، وقيل : إن معنى رابطوا رابطوا الصلوات ، ومعناه انتظروها واحدة بعد واحدة ، لأن المرابطة لم تكن حينئذ روي ذلك عن عليّعليه‌السلام ، وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سئل عن أفضل الأعمال فقال : إسباغ الوضوء في السبرات ، ونقل الأقدام إلى الجماعات ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط.

وروي عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال : معناه اصبروا على المصائب وصابروا على عدوكم ورابطوا عدوكم وهو قريب من الأوّل ، انتهى.

« على الفرائض » يحتمل شمولها لترك المحرّمات أيضاً « وصابروا على المصائب »

____________________

(١) سورة آل عمران : ٢٠٠.

٨٤

على الأئمّةعليهم‌السلام .

وفي رواية ابن محبوب ، عن أبي السفاتج [ وزاد فيه ] فاتّقوا الله ربّكم فيما افترض عليكم.

٤ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس.

٥ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن أبي جميلة ، عن محمّد الحلبيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الله تبارك وتعالى ما تحبّب إليَّ عبدي بأحبَّ ممّا افترضت عليه.

( باب )

( استواء العمل والمداومة عليه )

١ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبيّ قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا كان الرّجل على عمل فليدم عليه سنة ثّم يتحوَّل عنه إن

_________________________________________________

لعلّ صيغة المفاعلة على هذا الوجه للمبالغة لأنّ ما يكون بين الاثنين يكون الاهتمام فيه أشدّ أو لأن فيه معارضة النفس والشيطان ، وكذا قوله : رابطوا يحتمل الوجهين لأن المراد به ربط النفس على طاعتهم وانقيادهم وانتظار فرجهم مع أن في ذلك معارضة لعدوهم « فيما افترض عليكم » من فعل الواجبات وترك المحرّمات.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور وقد مرّ الكلام فيه.

الحديث الخامس : ضعيف والتحبّب جلب المحبة وإظهارها والأوّل أنسب ، ولو لم تكن الفرائض أحبّ إليه تعالى لما افترضه.

باب استواء العمل والمداومة عليه

الحديث الأوّل : حسن كالصحيح.

« ثم يتحوّل عنه إنشاء » إلى غيره من الطاعات لا أن يتركه بغير عوض « يكون »

٨٥

شاء إلى غيره وذلك أن ليلة القدر يكون فيها في عامه ذلك ما شاء الله أن يكون.

٢ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال أحبّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ ما داوم عليه العبد وإن قلَّ.

٣ - أبو عليّ الأشعريّ ، عن عيسى بن أيّوب ، عن عليّ بن مهزيار ، عن فضالة بن أيوب ، عن معاوية بن عمّار ، عن نجبة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما من شيء أحبّ إلى الله عزَّ وجلَّ من عمل يداوم عليه وإن قلَّ.

_________________________________________________

خبر أن و « فيها » خبر يكون ، والضمير راجع إلى اللّيلة وقوله : ما شاء الله أن يكون ، اسم يكون ، وقوله : في عامه متعلق بيكون أو حال عن اللّيلة ، والحاصل أنّه إذا داوم سنة يصادف ليلة القدر التّي يكون فيها ما شاء الله كونه من البركات والخيرات والمضاعفات ، فيصير له هذا العمل مضاعفّاً مقبولاً ، ويحتمل أن يكون الكون بمعنى التقدير أو يقدّر مضاف في ما شاء الله ، فالمعنى لما كان تقدير الأمور في ليلة القدر ، فإذا صادفها يصير سبباً لتقدير الأمور العظيمة له ، وكون العمل في اليوم لا ينافي ذلك فإنه قد ورد أن يومها مثل اللّيلة في الفضل ، وقيل : المستتر في تكون لليلة القدر ، وضمير فيها للسنة ، وفي عامة بتشديد الميم متعلق بتكون أو بقوله فيها ، والمراد بالعامّة المجموع ، والمشار إليه بذلك مصدر فليدم ، والمراد زمان الدوام ، وما شاء الله بدل بعض للعامّة ، والحاصل أنّه يكون فيه ليلة القدر ، سواء وقع أوّ له أو وسطه أو آخره ، وما ذكرنا أظهر.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح ، ويدلّ على أنّ العمل القليل الذي يداوم عليه خير من عمل كثير يفارقه ويتركه كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : قليل من عمل يدوم عليه خير من كثير من عمل مملول ، أي يملّ منه.

الحديث الثالث : مجهول.

٨٦

٤ - عنه ، عن فضالة بن أيّوب ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان عليّ بن الحسين صلوات الله عليه يقول : إنّي لأحبّ أن أداوم على العمل وإن قلَّ.

٥ - عنه ، عن فضالة بن أيوب ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كان عليّ بن الحسين صلوات الله عليه يقول إني لأحبّ أن أقدم على ربي وعملي مستو.

٦ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن جعفر بن بشير ، عن عبد الكريم بن عمرو ، عن سليمان بن خالد قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إياك أن تفرض على نفسك فريضة فتفارقها اثني عشر هلالاً.

_________________________________________________

الحديث الرابع : كالسابق.

الحديث الخامس : كالسابق.

« وعملي مستو » كان المراد بالاستواء الاشتراك في الكمال وعدم النقص ، فلا ينافي ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من استوى يوماه فهو مغبون ، ويمكن أن يكون المراد الاستواء في الترقّي فإن من كان كلّ يوم منه أزيد من السّابق فعمله مستو للاشتراك في هذا المعنى ، أو يكون المراد بأحدهما الكيفية وبالأخرى الكمية.

الحديث السادس : موثق.

« أن تفرض على نفسك » أي تقرّر عليها أمراً من الطاعات لا على سبيل النذر فإنه لا تجوز مفارقته بعد السنة أيضاً ، ويحتمل شموله للنذر القلبي أيضاً فإن الوفاء به مستحبّ أيضاً.

٨٧

( باب )

( العبادة )

١ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن عمرّ بن يزيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال في التوراة مكتوب يا ابن آدم تفرَّغ لعبادتي أملأ قلبك غنى ولا أكلك إلى طلبك وعليّ أن أسد فاقتك وأملأ قلبك خوفاً منّي ؛ وإن لا تفرِّغ لعبادتي أملأ قلبك شغلاً بالدنيا ثم لا أسد فاقتك وأكلك إلى طلبك.

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن أبي جميلة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام قال الله تبارك وتعالى يا عبادي الصّديقين تنعموا بعبادتي في الدنيا فإنكم

_________________________________________________

باب العبادة

الحديث الأول : صحيح.

« تفرغ لعبادتي » في القاموس تفرغ تخلى من الشغل ، أي اجعل نفسك وقلبك فارغا عن أشغال الدنيا وشهواتها وعلائقها ، واللام للتعليل أو للظرفية « أملأ قلبك غنى » أي عن النّاس وعليّ بتشديد الياء والجملة حالية ، وربما يقرأ بالتخفيف عطفا على أملأ بحسب المعنى لأنه في قوة على أن أملأ والأوّل أظهر « وإن لا تفرغ » إن للشرط ولا نافية وأكلك بالجزم.

الحديث الثاني : ضعيف.

« تنعموا بعبادتي » الظاهر أن الباء صلة فإن الصّديقين والمقربين يلتذون بعبادة ربهم ويتقون بها وهي عندهم أعظم اللذات الروحانية ، وقيل : الباء سببية فإن العبادة سبب الرزق كما قال تعالى : «وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً »(١) وهو

____________________

(١) سورة الطلاق : ٢.

٨٨

تتنعمّون بها في الآخرة.

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن عمرو بن جميع ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل النّاس من عشق العبادة فعانقها وأحبّها بقلبه وباشرها بجسده وتفرّغ لها فهو لا يبالي على ما أصبح من الدّنيا ، على عسر أم على يسر.

_________________________________________________

بعيد « فإنّكم تتنعمّون بها » أي بأصل العبادة فإنّها أشهى عندهم من اللذات الجسمانية فهم يعبدون للّذة لا للتكليف ، كما أنّ الملائكة طعامهم التسبيح وشرابهم التقديس أو بسببها أو بقدرها أو بعوضها والأوّل أظهر.

الحديث الثالث : كالسابق.

وعشق من باب تعب ، والاسم العشق وهو الإفراط في المحبة أي أحبها حبا مفرطا من حيث كونه وسيلة إلى القرب الذي هو المطلوب الحقيقي وربما يتوهّم أن العشق مخصوص بمحبة الأمور الباطلة فلا يستعمل في حبه سبحانه وما يتعلق به ، وهذا يدلّ على خلافه وإن كان الأحوط عدم إطلاق الأسماء المشتقة منه على الله تعالى بل الفعل المشتق منه أيضاً بناء على التوقيف ، قيل : ذكرت الحكماء في كتبهم الطبية أن العشق ضرب من الماليخوليا والجنون والأمراض السوداوية وقرروا في كتبهم الإلهية أنه من أعظم الكمالات والسعادات وربما يظنّ أن بين الكلامين تخالفاً وهو من واهي الظنون ، فإن المذموم هو العشق الجسماني الحيواني الشهواني والممدوح هو الروحاني الإنساني النفساني ، والأوّل يزول ويفنى بمجرد الوصال والاتصال ، والثاني يبقى ويستمرّ أبدّ الآباد ، وعلى كلّ حال.

« على ما أصبح » أي على أي حال دخل في الصبّاح ، أو صار « أم على يسر » فيه دلالة على أن اليسر والمال لا ينافي حبّه تعالى وحبّ عبادته وتفريغ القلب عن غيرها لأجلها ، وإنّما المنافي له تعلق القلب به.

٨٩

٤ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن شاذان بن الخليل قال وكتبت من كتابه بإسناد له يرفعه إلى عيسى بن عبد الله قال قال عيسى بن عبد الله لأبي عبد اللهعليه‌السلام جعلت فداك ما العبادة قال حسن النية بالطّاعة من الوجوه التّي يطاع الله منها إمّا إنّك يا عيسى لا تكون مؤمناً حتّى تعرف الناسخ من المنسوخ قال قلت جعلت فداك وما معرفة الناسخ من المنسوخ قال فقال أليس تكون مع الإمام موطنا نفسك على حسن النيّة في طاعته فيمضي ذلك الإمام ويأتي إمام آخر

_________________________________________________

الحديث الرابع : مرسل.

« حسن النيّة بالطّاعة » كان المعنى أن العبادة الصحيحة المقبولة هي ما يكون مع النية الحسنة الخالصة من شوائب الرياء والسمعة وغيرها ، مع طاعة أئمة الحقعليهم‌السلام وتكون تلك العبادة مأخوذة من الوجوه التّي يطاع الله منها أي لا تكون مبتدعة بل تكون مأخوذة عن الدلائل الحقة والآثار الصحيحة أو تكون تلك الطّاعة مستندة إلى البراهين الواضحة ليخرج منها طاعة أئمة الضلالة أو المعنى شدّة العزم في طاعة من تجب طاعته حال كون تلك الطّاعة من الوجوه التّي يطاع الله منها ، أي لم تكن مخلوطة ببدعة ولا رياء ولا سمعة وهذا أنسب بما بعده.

وقيل : يعنّي أن يكون له في طاعة من يعبده نية حسنة ، فإن تيسر له الإتيان بما وافق نيّته وإلّا فقد أدى ما عليه من العبادة بحسن نيته.

« أليس تكون » هذا المعنى للناسخ والمنسوخ موافق ومؤيد لما ورد في الأخبار في تفسير قوله تعالى : «ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها »(١) أن المراد به ذهاب إمام ونصب إمام بعده فهو خير منه أو مثله وقيل : لعلّ المراد بهذه الوجوه الأئمّة واحد بعد واحد لأنهم الوجوه التّي يطاع الله منها لإرشادهم وهدايتهم وبالطّاعة الطّاعة المعلومة بتعليمهم وإطاعتهم والانقياد لهم وبحسن النية تعلق القلب بها من

____________________

(١) سورة البقرة : ١٠٦.

٩٠

فتوطّن نفسك على حسن النيّة في طاعته ؟ قال : قلت : نعم قال هذا معرفة الناسخ من المنسوخ.

٥ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن جميل ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن العبّاد ثلاثة قوم عبدوا الله عزَّ وجلَّ خوفاً فتلك عبادة العبيد وقومٌ عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء وقوم عبدوا الله عزَّ وجلَّ حبّاً له ، فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة.

_________________________________________________

صميمه بلا منازعة ولا مخاطرة ، ويحتمل أن يراد بالوجوه وجوه العبادات وأنواعها وبحسن النيّة تخليصها عن شوائب النقص.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

« العبّاد ثلاثة » في بعض النسخ هكذا فلا يحتاج إلى تقدير ، وفي بعضها : العبادة ، فيحتاج إلى تقدير إمّا في العبادة أو ذوو العبادة أو في الأقوام أي عبادة قوم ، وحاصل المعنى أن العبادة الصحيحة المترتبة عليها الثواب والكرامة في الجملة ثلاثة أقسام ، وإمّا غيرها كعبادة المرائين ونحوها فليست بعبادة ولا داخلة في المقسم « فتلك عبادة العبيد » إذا لعابدّ فيها شبيه بالعبيد في أنه يطيع السيد خوفاً منه ، وتحرزا من عقوبته.

« فتلك عبادة الأجراء » فإنهم يعبدون للثواب كما أن الأجير يعمل للأجر « حبا له » أي لكونه محبا له ، والمحبّ يطلب رضا المحبوب أو يعبده ليصل إلى درجة المحبين ويفوز بمحبة رب العالمين والأوّل أظهر.

« فتلك عبادة الأحرار » أي الذين تحرّروا من رق الّشهوات ، وخلعوا من رقابهم طوق طاعة النفس الأمّارة بالسوء الطّالبة اللذات والشهوات فهم لا يقصدون في عبادتهم شيئاً سوى رضا عالم الأسرار وتحصيل قرب الكريم الغفار ولا ينظرون إلى الجنّة والنار ، وكونها أفضل العبادة لا يخفى على أولي الأبصار ، وفي صيغة التفضيل دلالة على أن كلا من الوجهين السابقين أيضاً عبادة صحيحة ولها فضل في الجملة فهو حجّة على من قال ببطلان عبادة من قصد التحرّز عن العقاب أو الفوز بالثواب.

٩١

٦ - عليُّ ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أقبح الفقر بعد الغنى وأقبح الخطيئة بعد المسكنة وأقبح من ذلك العابدّ لله ثم يدع عبادته.

٧ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة ، عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام قال من عمل بما افترض الله عليه فهو من أعبد النّاس.

_________________________________________________

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

« ما أقبح الفقر بعد الغناء » لعلّ المعنى قبحه عند النّاس وإن كان ممدوحاً عند الله ، أو يكون محمولا على من فعل ذلك باختياره بالإسراف والتبذير أو ترك الكسب وأشباهه ، أو يكون المراد التعيّش بعيش الفقراء بعد حصول الغناء على سياق قولهعليه‌السلام : وأقبح الخطيئة بعد المسكنة ، فإن الظاهر أن المراد به بيان قبح ارتكاب الخطايا بعد حصول الفقر والمسكنة ، لضعفّ الدواعي وقلة الآلات والأدوات وإن احتمل أن يكون الغرض بيان قبح الذنوب بعد كونه مبتلى بالفقر والمسكنة فأغناه الله فارتكب بعد ذلك الخطايا لتضمنه كفران النعمة ونسيان الحالة السابقة ، ويحتمل أن يكون المراد بالمسكنة التذلل لله بترك المعصية فيكون أنسب بما قبله وما بعده ، وأقبح مبتدأ أو خبر فالعابدّ أيضاً يحتملهما ، و « ثم يدع » عطف على العابدّ إذ اللّام في اسم الفاعل بمعنى الذي فهو بتقدير الذي يعبد الله ثمّ يدع.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور وقد مرّ مضمونه.

٩٢

( باب )

( النية )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن أبي حمزة ، عن عليّ بن الحسين صلوات الله عليه قال لا عمل إلّا بنيّة.

_________________________________________________

باب النية

الحديث الأوّل : حسن كالصحيح.

« لا عمل إلّا بنيّة » أي لا عمل صحيحة كما فهمه الأكثر إلّا بنيّة ، وخص بالعبادات لأنه لو كان المراد مطلق تصور الفعل وتصور فائدته والتصديق بترتب الغاية عليه وانبعاث العزم من النفس إليه فهذا لازم لكلّ فعل اختياري ، ومعلوم أنه ليس غرض الشارع بيان هذا المعنى بل لا بدّ أن يكون المراد بها نية خاصّة خالصة بها يصير العمل كاملاً أو صحيحاً ، والصحّة أقرب إلى نفي الحقيقة الذي هو الحقيقة في هذا التركيب فلا بدّ من تخصيصها بالعبادات لعدم القول باشتراط نية القربة وأمثالها في غيرها ، ولذا استدلوا به وبأمثاله على وجوب النيّة وتفصيله في كتب الفروع وقد حققناه في كتاب بحار الأنوار وغيره.

وقال المحقق الطوسيقدس‌سره في بعض رسائله : النيّة هي القصد إلى الفعل وهي واسطة بين العلم والعمل إذ ما لم يعلم الشيء لم يمكن قصده وما لم يقصده لم يصدر عنه ، ثم لما كان غرض السالك العامل الوصول إلى مقصد معين كامل على الإطلاق وهو الله تعالى لا بدّ من اشتماله على قصد التقرّب به وقال بعض المحققين : يعنّي لا عمل يحسب من عبادة الله تعالى ويعدّ من طاعته بحيث يصحّ أن يترتب عليه الأجر في الآخرة إلّا ما يراد به التقرّب إلى الله تعالى والدار الآخرة أعنّي يقصد به وجه الله سبحانه أو التوصّل إلى ثوابه أو الخلاص من عقابه ، وبالجملة امتثال أمرّ الله تعالى فيما ندب

٩٣

_________________________________________________

عباده إليه ووعدهم الأجر عليه وإنّما يأجرهم على حسب أقدارهم ومنازلهم ونياتهم ، فمن عرف الله بجماله وجلاله ولطف فعاله فأحبه واشتاق إليه وأخلص عبادته له لكونه أهلا للعبادة ولمحبته له أحبه الله وأخلصه واجتباه وقربه إلى نفسه وأدناه قرباً معنويّاً ودنوّاً روحانيّاً كما قال في حق بعض من هذه صفته : «وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ »(١) وقال أمير المؤمنين وسيد الموحدين صلوات الله عليه : ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك ، ومن لم يعرف من الله سوى كونه إلها صانعا للعالم قادراً قاهراً عالماً وأن له جنة ينعم بها المطيعين ونارا يعذب بها العاصين فعبده ليفوز بجنته أو يكون له النجاة من ناره أدخله الله تعالى بعبادته وطاعته الجنّة وأنجاه من النار لا محالة كما أخبر عنه في غير موضع من كتابه ، فإنما لكلّ امرئ ما نوى.

فلا تصغ إلى قول من ذهب إلى بطلان العبادة إذا قصد بفعلها تحصيل الثواب أو الخلاص من العقاب زعمّا منه أن هذا القصد مناف للإخلاص الذي هو إرادة وجه الله سبحانه وحده وأن من قصد ذلك فإنما قصد جلب النفع إلى نفسه ودفع الضرر عنها لا وجه الله سبحانه ، فإن هذا قول من لا معرفة له بحقائق التكاليف ومراتب النّاس فيها ، فإن أكثر النّاس يتعذر منهم العبادة ابتغاء وجه الله بهذا المعنى ، لأنهم لا يعرفون من الله إلّا المرجو والمخوف فغايتهم أن يتذكروا النار ويحذروا أنفسهم عقابها ويتذكروا الجنّة ويرغبوا أنفسهم ثوابها وخصوصا من كان الغالب على قلبه الميل إلى الدنيا.

فإنه قلما ينبعث له داعية إلى فعل الخيرات لينال بها ثواب الآخرة فضلاً عن عبادته على نية إجلال الله عزَّ وجلَّ لاستحقاقه الطّاعة والعبودية فإنه قل من

____________________

(١) سورة ص : ٤٠.

٩٤

_________________________________________________

يفهمها فضلاً عمّن يتعاطاها والنّاس في نيّاتهم في العبادات على أقسام أدناهم من يكون عمله إجابة لباعث الخوف فإنّه يتّقي النار ، ومنهم من يعمل إجابة لباعث الرجاء فإنه يرغب في الجنّة وكلّ من القصدين وإن كان نازلا بالإضافة إلى قصد طاعة الله وتعظيمه لذاته ولجلالة لا لأمرّ سواه ، إلّا أنه من جملة النيات الصحيحة لأنه ميل إلى الموعود في الآخرة وإن كان من جنس المألوف في الدنيا.

وأمّا قول القائل إنه ينافي الإخلاص ، فجوابه أنك ما تريد بالإخلاص؟ إن أردت به أن يكون خالصاً للآخرة لا يكون مشوباً بشوائب الدنيا والحظوظ العاجلة للنفس كمدح النّاس والخلاص من النفقة بعتق العبد ونحو ذلك فظاهر أن إرادة الجنّة والخلاص من النار لا ينافيان الإخلاص بهذا المعنى ، وإن أردت بالإخلاص أن لا يراد بالعمل سوى جمال الله وجلاله من غير شوب من حظوظ النفس وإن كان حظا أخروياً فاشتراطه في صحّة العبادة متوقف على دليل شرعي وأنى لك به؟ بل الدلائل على ، خلافه أكثر من أن تذكر ، مع أنه تكليف بما لا يطاق بالنسبة إلى أكثر الخلائق لأنّهم لا يعرفون الله بجماله وجلاله ، ولا تتأتى منهم العبادة إلّا من خوف النار أو للطمع في الجنة.

وأيضاً فإن الله سبحانه قد قال «ادْعُوهُ خوفاً وَطَمعاً »(١) «وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً »(٢) فرغب ورهب ووعد وأوعد ، فلو كان مثل هذه النيّات مفسداً للعبادات لكان الترغيب والترهيب والوعد والوعيد عبثاً بل مخلاً بالمقصود.

وأيضاً فإن أولياء الله قد يعملون بعض الأعمال للجنة وصرف النار لأنّ حبيبهم يحبّ ذلك أو لتعليم النّاس إخلاص العمل للآخرة ، إذا كانوا أئمّة يقتدى بهم.

هذا أمير المؤمنين سيد الأولياء قد كتب كتاباً لبعض ما وقفه من أمواله فصدر

____________________

(١) سورة الأعراف : ٥٦.

(٢) سورة الأنبياء : ٩٠.

٩٥

_________________________________________________

كتابه بعد التسمية بهذا : هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبد الله علىّ ابتغاء وجه الله تعالى ليولجني به الجنّة ويصرفني به عن النار ، ويصرف النار عنّي يوم تبيضّ وجوه وتسوّد وجوه.

فإن لم تكن العبادة بهذه النيّة صحيحة لم يصلح له أن يفعل ذلك ويلقّن به غيره ويظهره في كلامه ، إن قيل : إن جنة الأولياء لقاء الله وقربه ، ونارهم فراقه وبعده ، فيجوز أن يكون أمير المؤمنينعليه‌السلام أراد ذلك؟ قلنا : إرادة ذلك ترجع إلى طلب القرب المعنوي والدنو الروحاني ومثل هذه النيّة مختص بأولياء الله كما اعترفت به ، فغيرهم لما ذا يعبدون وليس في الآخرة إلّا الله والجنّة والنار ، فمن لم يكن من أهل الله وأوليائه لا يمكن له أن يطلب إلّا الجنّة أو يهرب إلّا من النار المعهودتين إذ لا يعرف غير ذلك ، وكلّ يعمل على شاكلته ولما يحبه ويهواه ، غير هذا لا يكون أبداً.

ولعلّ هذا القائل لم يعرف معنى النيّة وحقيقتها وأن النيّة ليست مجرد قولك عند الصلاة ، والصوم أو التدريس أصلي أو أصوم أو أدرس قربة إلى الله تعالى ملاحظا معاني هذه الألفاظ بخاطرك ومتصورا لها بقلبك.

هيهات إنما هذا تحريك لسان وحديث نفس وإنما النيّة المعتبرة انبعاث النفس وميلها وتوجهها إلى ما فيه غرضها ومطلبها إمّا عاجلا وإمّا آجلا ، وهذا الانبعاث والميل إذا لم يكن حاصلا لها لا يمكنها اختراعه واكتسابه بمجرد النطق بتلك الألفاظ وتصور تلك المعاني وما ذلك إلّا كقول الشبعان : أشتهي الطعام وأميل إليه قاصدا حصول الميل والاشتهاء ، وكقول الفارغ : أعشق فلانا وأحبه وانقاد إليه وأطيعه ، بل لا طريق إلى اكتساب صرف القلب إلى الشيء وميلة إليه وإقباله عليه إلّا بتحصيل الأسباب الموجبة لذلك الميل والانبعاث واجتناب الأمور المنافية لذلك المضادة له فإن النفس

٩٦

٢ - عليُّ ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نيّة المؤمن خيرٌ من عمله ونية الكافر شر من عمله وكل

_________________________________________________

إنّما تنبعث إلى الفعل أو تقصده وتميل إليه تحصيلاً للغرض الملائم لها بحسب ما يغلب عليها من الصفات.

فإذا غلب على قلب المدرس مثلا حبّ الشهرة وإظهار الفضيلة وإقبال الطلبة إليه فلا يتمكن من التدريس بنيّة القربة إلى الله سبحانه. بنشر العلم وإرشاد الجاهلين بل لا يكون تدريسه إلّا لتحصيل تلك المقاصد الواهية والأغراض الفاسدة وإن قال بلسانه أدرس قربة إلى الله وتصور ذلك بقلبه وأثبته في ضميره ، وما دام لم يقلع تلك الصّفات الذميمة عن قلبه لا عبرة بنيّته أصلاً.

وكذلك إذا كان قلبك عند نية الصلاة منهمكا في أمور الدنيا والتهالك عليها والانبعاث في طلبها فلا يتيسر لك توجيهه بكليته ، وتحصيل الميل الصادق إليها والإقبال الحقيقي عليها ، بل لا يكون دخولك فيها دخول متكلف لها متبرم بها ويكون قولك أصلي قربة إلى الله كقول الشبعان أشتهي الطعام ، وقول الفارغ : أعشق فلاناً مثلاً.

والحاصل أنه لا يحصل لك النيّة الكاملة المعتد بها في العبادات من دون ذلك الميل والإقبال ، وقمع ما يضاده من الصوارف والأشغال ، وهو لا يتيسر إلّا إذا صرفت قلبك عن الأمور الدنيوية وطهرت نفسك عن الصّفات الذميمة الدنية وقطعت نظرك عن حظوظك العاجلة بالكلية.

وأقول : أمرّ النيّة قد اشتبه على كثير من علمائنا رضوان الله عليهم لاشتباهه على المخالفين ولم يحققوا ذلك على الحق واليقين ، وقد حقق شيخنا البهائيقدس‌سره شيئاً من ذلك في شرح الأربعين ، وحققنا كثيراً من غوامض إسرارها في كتاب عين الحياة ورسالة العقائد فمن أراد تحقيق ذلك فليرجع إليهما.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« نيّة المؤمن خير من عمله ، ونية الكافر شر من عمله » هذا الحديث من الأخبار

٩٧

عامل يعمل على نيّته.

_________________________________________________

المشهورة بين الخاصّة والعامّة وقد قيل فيه وجوه :

الأوّل : أنّ المراد بنيّة المؤمن اعتقاده الحقّ ولا ريب أنّه خير من أعماله إذ ثمرته الخلود في الجنّة وعدمه يوجب الخلود في النار بخلاف العمل.

الثاني : أنّ المراد أنّ النيّة بدون العمل خير من العمل بدون النيّة ، ورد بأن العمل بدون نيّة لا خير فيه أصلا ، وحقيقة التفضيل تقتضي المشاركة ولو في الجملة.

الثالث : ما نقل عن ابن دريد وهو أن المؤمن ينوي خيرات كثيرة لا يساعده الزمان على عملها فكان الثواب المترتب على نياته أكثر من الثواب المترتب على أعماله.

الرابع : ما ذكره بعض المحققين وهو أن المؤمن ينوي أن يوقع عباداته على أحسن الوجوه لأن إيمانه يقتضي ذلك ثم إذا كان يشتغل بها لا يتيسر له ذلك ، ولا يتأتى كما يريد فلا يأتي بها كما ينبغي ، فالذي ينوي دائماً خير من الذي يعمل في كلّ عبادة ، وهذا قريب من المعنى الأوّل ويمكن الجمع بينهما ويؤيدهما الخبر الثالث والخامس ، وما رواه الصدوق في علل الشرائع بإسناده عن أبي جعفر أنّه كان يقول نية المؤمن خير من عمله وذلك لأنه ينوي من الخير ما لا يدركه ، ونية الكافر شر من عمله وذلك لأنّ الكافر ينوي الشّر ويأمل من الشّر ما لا يدركه ، ونية الكافر شر من عمله وذلك لأنّ الكافر ينوي الشّر ويأمل من الشّر ما لا يدركه ، وبإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال له زيد الشحّام : إني سمعتك تقول : نية المؤمن خير من عمله فكيف تكون النيّة خيراً من العمل؟ قال : لأن العمل إنما كان رياء للمخلوقين والنيّة خالصة لرب العالمين ، فيعطي عزَّ وجلَّ على النيّة ما لا يعطي على العمل ، قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن العبد لينوي من نهاره أن يصلي بالليل فتغلبه عينه فينام فيثبت الله له صلاته ويكتب نفسه تسبيحاً ويجعل نومه صدقة.

الخامس : أن طبيعة النيّة خير من طبيعة العمل لأنّه لا يترتّب عليها عقاب أصلا بل إن كانت خيراً أثيب عليها وإن كانت شرّاً كان وجودها كعدمها بخلاف

٩٨

_________________________________________________

العمل فإنّ من يعمل مثقال ذرّة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرّة شرا يره فصحّ أنّ النيّة بهذا الاعتبار خير من العمل. وأقول : يمكن أن يقال هذا في الشّر أيضاً بناء على أن الكافر يعاقب على نيات الشّر وإنّما العفو عن المؤمنين.

السادس : أن النيّة من أعمال القلب وهو أفضل من الجوارح فعمله أفضل من عملها إلّا ترى إلى قوله تعالى : «أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي »(١) جعل سبحانه الصلاة وسيلة إلى الذكر والمقصود أشرف من الوسيلة ، وأيضاً فأعمال القلب مستورة عن الخلق لا يتطرق إليها الرياء وغيره بخلاف أعمال الجوارح.

السابع : أن المراد أن نية بعض الأعمال الشاقة كالحجّ والجهاد خير من بعض الأعمال الخفية كتلاوة آية من القرآن والصدقة بدرهم مثلاً.

الثامن : ما ذكره السيد المرتضىرضي‌الله‌عنه في الغرر أن لفظة خير ليست اسم تفضيل بل المراد أن نية المؤمن عمل خير من جملة أعماله ، و « من » تبعيضية وبه دفع التنافي بين هذا الحديث وبين ما يروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفضل الأعمال أحمزها ، ويجري هذا الوجه في قوله : ونية الكافر شر من عمله فإن المعنى فيه ليس معنى التفضيل بل المعنى شر من جملة أعماله ، فإن قيل : كيف يصحّ هذا مع ما ورد في الحديث من أن ابن آدم إذا هم بالحسنة ، كتبت له حسنة وإذا هم بالسيئة لم يكتب عليه شيء حتّى يعمل؟ قلنا : قد ذكرنا سابقاً أن ظاهر بعض الأخبار أن ذلك مخصوص بالمؤمنين.

التاسع : أن المراد بالنيّة تأثر القلب عند العمل وانقياده إلى الطّاعة وإقباله على الآخرة وانصرافه عن الدنيا وذلك يشتد بشغل الجوارح في الطاعات وكفها عن المعاصي فإن بين الجوارح والقلب علاقة شديدة يتأثر كلّ منهما بالآخر كما إذا حصل للأعضاء آفة سرى أثرها إلى القلب فاضطرب وإذا تألم القلب بخوف مثلا سرى أثره

____________________

(١) سورة طه : ١٤.

٩٩

_________________________________________________

إلى الجوارح فارتعدت والقلب هو الأمير المتبوع والجوارح كالرعايا والأتباع ، والمقصود من أعمالها حصول ثمرة للقلب فلا تظنّ أن في وضع الجبهة على الأرض غرضا من حيث أنه جمع بين الجبهة والأرض بل من حيث أنه بحكم العادة يؤكد صفة التواضع في القلب فإن من يجد في نفسه تواضعاً فإذا استعان بأعضائه وصورها بصورة التواضع تأكد بذلك تواضعه ، وإمّا من يسجد غافلاً عن التواضع وهو مشغول القلب بأغراض الدنيا فلا يصل من وضع جبهته على الأرض أثر إلى قلبه بل سجوده كعدمه نظراً إلى الغرض المطلوب منه فكانت النيّة روح العمل وثمرته والمقصد الأصلي من التكليف به فكانت أفضل ، وهذا الوجه قريب ممّا ذكره الغزالي في إحيائه وهو أن كلّ طاعة تنتظم بنيّة وعمل ، وكلّ منهما من جملة الخيرات إلّا أن النيّة من الطاعتين خير من العمل ، لأن أثر النيّة في المقصود أكثر من أثر العمل ، لأن صلاح القلب هو المقصود من التكليف ، والأعضاء آلات موصلة إلى المقصود ، والغرض من حركات الجوارح أن يعتاد القلب إرادة الخير ويؤكد الميل إليه ليتفرغ عن شهوات الدنيا ويقبل على الذكر والفكر ، فبالضرورة يكون خيراً بالإضافة إلى الغرض ، قال الله تعالى : «لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ »(١) والتقوى صفة القلب ، وفي الحديث : أن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد.

العاشر : أنّ نيّة المؤمن هي الباعثة له على عمل الخير فهي أصل العمل وعلته والعمل فرعها ، لأنّه لا يحصل العمل ولا يوجد إلّا بتصوّر المقصود الحقيقيّ والتصديق بحصوله وانبعاث النفس إليه حتّى يشتدّ العزم ويوجد الفعل فبهذه الجهة هي أشرف وكذا نية الكافر سبب لعمله الخبيث فهي شرّ منه.

الحاديعشر : أنّ النيّة روح العمل ، والعمل بمثابة البدن لها فخيريّته وشرّيته

____________________

(١) سورة الحج : ٣٧.

١٠٠