مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول18%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 434

  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11841 / تحميل: 6940
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٨

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

شاء إلى غيره وذلك أن ليلة القدر يكون فيها في عامه ذلك ما شاء الله أن يكون.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال أحب الأعمال إلى الله عز وجل ما داوم عليه العبد وإن قل.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن عيسى بن أيوب ، عن علي بن مهزيار ، عن فضالة بن أيوب ، عن معاوية بن عمار ، عن نجبة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما من شيء أحب إلى الله عز وجل من عمل يداوم عليه وإن قل.

_________________________________________

خبر أن و« فيها » خبر يكون ، والضمير راجع إلى الليلة وقوله : ما شاء الله أن يكون ، اسم يكون ، وقوله : في عامه متعلق بيكون أو حال عن الليلة ، والحاصل أنه إذا داوم سنة يصادف ليلة القدر التي يكون فيها ما شاء الله كونه من البركات والخيرات والمضاعفات ، فيصير له هذا العمل مضاعفا مقبولا ، ويحتمل أن يكون الكون بمعنى التقدير أو يقدر مضاف في ما شاء الله ، فالمعنى لما كان تقدير الأمور في ليلة القدر ، فإذا صادفها يصير سببا لتقدير الأمور العظيمة له ، وكون العمل في اليوم لا ينافي ذلك فإنه قد ورد أن يومها مثل الليلة في الفضل ، وقيل : المستتر في تكون لليلة القدر ، وضمير فيها للسنة ، وفي عامة بتشديد الميم متعلق بتكون أو بقوله فيها ، والمراد بالعامة المجموع ، والمشار إليه بذلك مصدر فليدم ، والمراد زمان الدوام ، وما شاء الله بدل بعض للعامة ، والحاصل أنه يكون فيه ليلة القدر ، سواء وقع أو له أو وسطه أو آخره ، وما ذكرنا أظهر.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح ، ويدل على أن العمل القليل الذي يداوم عليه خير من عمل كثير يفارقه ويتركه كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : قليل من عمل يدوم عليه خير من كثير من عمل مملول ، أي يمل منه.

الحديث الثالث : مجهول.

٨١

٤ ـ عنه ، عن فضالة بن أيوب ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان علي بن الحسين صلوات الله عليه يقول إني لأحب أن أداوم على العمل وإن قل.

٥ ـ عنه ، عن فضالة بن أيوب ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كان علي بن الحسين صلوات الله عليه يقول إني لأحب أن أقدم على ربي وعملي مستو.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن جعفر بن بشير ، عن عبد الكريم بن عمرو ، عن سليمان بن خالد قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إياك أن تفرض على نفسك فريضة فتفارقها اثني عشر هلالا.

_________________________________________

الحديث الرابع : كالسابق.

الحديث الخامس : كالسابق.

« وعملي مستو » كان المراد بالاستواء الاشتراك في الكمال وعدم النقص ، فلا ينافي ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من استوى يوماه فهو مغبون ، ويمكن أن يكون المراد الاستواء في الترقي فإن من كان كل يوم منه أزيد من السابق فعمله مستو للاشتراك في هذا المعنى ، أو يكون المراد بأحدهما الكيفية وبالأخرى الكمية.

الحديث السادس : موثق.

« أن تفرض على نفسك » أي تقرر عليها أمرا من الطاعات لا على سبيل النذر فإنه لا تجوز مفارقته بعد السنة أيضا ، ويحتمل شموله للنذر القلبي أيضا فإن الوفاء به مستحب أيضا.

٨٢

باب

العبادة

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال في التوراة مكتوب يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى ولا أكلك إلى طلبك وعلي أن أسد فاقتك وأملأ قلبك خوفا مني وإن لا تفرغ لعبادتي أملأ قلبك شغلا بالدنيا ثم لا أسد فاقتك وأكلك إلى طلبك.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي جميلة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام قال الله تبارك وتعالى يا عبادي الصديقين تنعموا بعبادتي في الدنيا فإنكم

_________________________________________

باب العبادة

الحديث الأول : صحيح.

« تفرغ لعبادتي » في القاموس تفرغ تخلى من الشغل ، أي اجعل نفسك وقلبك فارغا عن أشغال الدنيا وشهواتها وعلائقها ، واللام للتعليل أو للظرفية« أملأ قلبك غنى » أي عن الناس وعلي بتشديد الياء والجملة حالية ، وربما يقرأ بالتخفيف عطفا على أملأ بحسب المعنى لأنه في قوة على أن أملأ والأول أظهر« وإن لا تفرغ » إن للشرط ولا نافية وأكلك بالجزم.

الحديث الثاني : ضعيف.

« تنعموا بعبادتي » الظاهر أن الباء صلة فإن الصديقين والمقربين يلتذون بعبادة ربهم ويتقون بها وهي عندهم أعظم اللذات الروحانية ، وقيل : الباء سببية فإن العبادة سبب الرزق كما قال تعالى : «وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً »(١) وهو

__________________

(١) سورة الطلاق : ٢.

٨٣

تتنعمون بها في الآخرة.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن عمرو بن جميع ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبها بقلبه وباشرها بجسده وتفرغ لها فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أم على يسر.

_________________________________________

بعيد« فإنكم تتنعمون بها » أي بأصل العبادة فإنها أشهى عندهم من اللذات الجسمانية فهم يعبدون للذة لا للتكليف ، كما أن الملائكة طعامهم التسبيح وشرابهم التقديس أو بسببها أو بقدرها أو بعوضها والأول أظهر.

الحديث الثالث : كالسابق.

وعشق من باب تعب ، والاسم العشق وهو الإفراط في المحبة أي أحبها حبا مفرطا من حيث كونه وسيلة إلى القرب الذي هو المطلوب الحقيقي وربما يتوهم أن العشق مخصوص بمحبة الأمور الباطلة فلا يستعمل في حبه سبحانه وما يتعلق به ، وهذا يدل على خلافه وإن كان الأحوط عدم إطلاق الأسماء المشتقة منه على الله تعالى بل الفعل المشتق منه أيضا بناء على التوقيف ، قيل : ذكرت الحكماء في كتبهم الطبية أن العشق ضرب من الماليخوليا والجنون والأمراض السوداوية وقرروا في كتبهم الإلهية أنه من أعظم الكمالات والسعادات وربما يظن أن بين الكلامين تخالفا وهو من واهي الظنون ، فإن المذموم هو العشق الجسماني الحيواني الشهواني والممدوح هو الروحاني الإنساني النفساني ، والأول يزول ويفنى بمجرد الوصال والاتصال ، والثاني يبقى ويستمر أبد الآباد ، وعلى كل حال.

« على ما أصبح » أي على أي حال دخل في الصباح ، أو صار« أم على يسر » فيه دلالة على أن اليسر والمال لا ينافي حبه تعالى وحب عبادته وتفريغ القلب عن غيرها لأجلها ، وإنما المنافي له تعلق القلب به.

٨٤

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن شاذان بن الخليل قال وكتبت من كتابه بإسناد له يرفعه إلى عيسى بن عبد الله قال قال عيسى بن عبد الله لأبي عبد اللهعليه‌السلام جعلت فداك ما العبادة قال حسن النية بالطاعة من الوجوه التي يطاع الله منها أما إنك يا عيسى لا تكون مؤمنا حتى تعرف الناسخ من المنسوخ قال قلت جعلت فداك وما معرفة الناسخ من المنسوخ قال فقال أليس تكون مع الإمام موطنا نفسك على حسن النية في طاعته فيمضي ذلك الإمام ويأتي إمام آخر

_________________________________________

الحديث الرابع : مرسل.

« حسن النية بالطاعة » كان المعنى أن العبادة الصحيحة المقبولة هي ما يكون مع النية الحسنة الخالصة من شوائب الرياء والسمعة وغيرها ، مع طاعة أئمة الحقعليهم‌السلام وتكون تلك العبادة مأخوذة من الوجوه التي يطاع الله منها أي لا تكون مبتدعة بل تكون مأخوذة عن الدلائل الحقة والآثار الصحيحة أو تكون تلك الطاعة مستندة إلى البراهين الواضحة ليخرج منها طاعة أئمة الضلالة أو المعنى شدة العزم في طاعة من تجب طاعته حال كون تلك الطاعة من الوجوه التي يطاع الله منها ، أي لم تكن مخلوطة ببدعة ولا رياء ولا سمعة وهذا أنسب بما بعده.

وقيل : يعني أن يكون له في طاعة من يعبده نية حسنة ، فإن تيسر له الإتيان بما وافق نيته وإلا فقد أدى ما عليه من العبادة بحسن نيته.

« أليس تكون » هذا المعنى للناسخ والمنسوخ موافق ومؤيد لما ورد في الأخبار في تفسير قوله تعالى : «ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها »(١) أن المراد به ذهاب إمام ونصب إمام بعده فهو خير منه أو مثله وقيل : لعل المراد بهذه الوجوه الأئمة واحد بعد واحد لأنهم الوجوه التي يطاع الله منها لإرشادهم وهدايتهم وبالطاعة الطاعة المعلومة بتعليمهم وإطاعتهم والانقياد لهم وبحسن النية تعلق القلب بها من

__________________

(١) سورة البقرة : ١٠٦.

٨٥

فتوطن نفسك على حسن النية في طاعته قال قلت نعم قال هذا معرفة الناسخ من المنسوخ.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن جميل ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن العباد ثلاثة قوم عبدوا الله عز وجل خوفا فتلك عبادة العبيد وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء وقوم عبدوا الله عز وجل حبا له فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة.

_________________________________________

صميمه بلا منازعة ولا مخاطرة ، ويحتمل أن يراد بالوجوه وجوه العبادات وأنواعها وبحسن النية تخليصها عن شوائب النقص.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

« العباد ثلاثة » في بعض النسخ هكذا فلا يحتاج إلى تقدير ، وفي بعضها : العبادة ، فيحتاج إلى تقدير إما في العبادة أو ذوو العبادة أو في الأقوام أي عبادة قوم ، وحاصل المعنى أن العبادة الصحيحة المترتبة عليها الثواب والكرامة في الجملة ثلاثة أقسام ، وأما غيرها كعبادة المرائين ونحوها فليست بعبادة ولا داخلة في المقسم« فتلك عبادة العبيد » إذا لعابد فيها شبيه بالعبيد في أنه يطيع السيد خوفا منه ، وتحرزا من عقوبته.

« فتلك عبادة الأجراء » فإنهم يعبدون للثواب كما أن الأجير يعمل للأجر« حبا له » أي لكونه محبا له ، والمحب يطلب رضا المحبوب أو يعبده ليصل إلى درجة المحبين ويفوز بمحبة رب العالمين والأول أظهر.

« فتلك عبادة الأحرار » أي الذين تحرروا من رق الشهوات ، وخلعوا من رقابهم طوق طاعة النفس الأمارة بالسوء الطالبة اللذات والشهوات فهم لا يقصدون في عبادتهم شيئا سوى رضا عالم الأسرار وتحصيل قرب الكريم الغفار ولا ينظرون إلى الجنة والنار ، وكونها أفضل العبادة لا يخفى على أولي الأبصار ، وفي صيغة التفضيل دلالة على أن كلا من الوجهين السابقين أيضا عبادة صحيحة ولها فضل في الجملة فهو حجة على من قال ببطلان عبادة من قصد التحرز عن العقاب أو الفوز بالثواب.

٨٦

٦ ـ علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أقبح الفقر بعد الغنى وأقبح الخطيئة بعد المسكنة وأقبح من ذلك العابد لله ثم يدع عبادته.

٧ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال من عمل بما افترض الله عليه فهو من أعبد الناس.

_________________________________________

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

« ما أقبح الفقر بعد الغناء » لعل المعنى قبحه عند الناس وإن كان ممدوحا عند الله ، أو يكون محمولا على من فعل ذلك باختياره بالإسراف والتبذير أو ترك الكسب وأشباهه ، أو يكون المراد التعيش بعيش الفقراء بعد حصول الغناء على سياققوله عليه‌السلام : وأقبح الخطيئة بعد المسكنة ، فإن الظاهر أن المراد به بيان قبح ارتكاب الخطايا بعد حصول الفقر والمسكنة ، لضعف الدواعي وقلة الآلات والأدوات وإن احتمل أن يكون الغرض بيان قبح الذنوب بعد كونه مبتلى بالفقر والمسكنة فأغناه الله فارتكب بعد ذلك الخطايا لتضمنه كفران النعمة ونسيان الحالة السابقة ، ويحتمل أن يكون المراد بالمسكنة التذلل لله بترك المعصية فيكون أنسب بما قبله وما بعده ، وأقبح مبتدأ أو خبر فالعابد أيضا يحتملهما ، و« ثم يدع » عطف على العابد إذ اللام في اسم الفاعل بمعنى الذي فهو بتقدير الذي يعبد الله ثم يدع.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور وقد مر مضمونه.

٨٧

باب

النية

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين صلوات الله عليه قال لا عمل إلا بنية.

_________________________________________

باب النية

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« لا عمل إلا بنية » أي لا عمل صحيحة كما فهمه الأكثر إلا بنية ، وخص بالعبادات لأنه لو كان المراد مطلق تصور الفعل وتصور فائدته والتصديق بترتب الغاية عليه وانبعاث العزم من النفس إليه فهذا لازم لكل فعل اختياري ، ومعلوم أنه ليس غرض الشارع بيان هذا المعنى بل لا بد أن يكون المراد بها نية خاصة خالصة بها يصير العمل كاملا أو صحيحا ، والصحة أقرب إلى نفي الحقيقة الذي هو الحقيقة في هذا التركيب فلا بد من تخصيصها بالعبادات لعدم القول باشتراط نية القربة وأمثالها في غيرها ، ولذا استدلوا به وبأمثاله على وجوب النية وتفصيله في كتب الفروع وقد حققناه في كتاب بحار الأنوار وغيره.

وقال المحقق الطوسيقدس‌سره في بعض رسائله : النية هي القصد إلى الفعل وهي واسطة بين العلم والعمل إذ ما لم يعلم الشيء لم يمكن قصده وما لم يقصده لم يصدر عنه ، ثم لما كان غرض السالك العامل الوصول إلى مقصد معين كامل على الإطلاق وهو الله تعالى لا بد من اشتماله على قصد التقرب به وقال بعض المحققين : يعني لا عمل يحسب من عبادة الله تعالى ويعد من طاعته بحيث يصح أن يترتب عليه الأجر في الآخرة إلا ما يراد به التقرب إلى الله تعالى والدار الآخرة أعني يقصد به وجه الله سبحانه أو التوصل إلى ثوابه أو الخلاص من عقابه ، وبالجملة امتثال أمر الله تعالى فيما ندب

٨٨

...........................................................................

_________________________________________

عباده إليه ووعدهم الأجر عليه وإنما يأجرهم على حسب أقدارهم ومنازلهم ونياتهم ، فمن عرف الله بجماله وجلاله ولطف فعاله فأحبه واشتاق إليه وأخلص عبادته له لكونه أهلا للعبادة ولمحبته له أحبه الله وأخلصه واجتباه وقربه إلى نفسه وأدناه قربا معنويا ودنوا روحانيا كما قال في حق بعض من هذه صفته : «وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ »(١) وقال أمير المؤمنين وسيد الموحدين صلوات الله عليه : ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك ، ومن لم يعرف من الله سوى كونه إلها صانعا للعالم قادرا قاهرا عالما وأن له جنة ينعم بها المطيعين ونارا يعذب بها العاصين فعبده ليفوز بجنته أو يكون له النجاة من ناره أدخله الله تعالى بعبادته وطاعته الجنة وأنجاه من النار لا محالة كما أخبر عنه في غير موضع من كتابه ، فإنما لكل امرئ ما نوى.

فلا تصغ إلى قول من ذهب إلى بطلان العبادة إذا قصد بفعلها تحصيل الثواب أو الخلاص من العقاب زعما منه أن هذا القصد مناف للإخلاص الذي هو إرادة وجه الله سبحانه وحده وأن من قصد ذلك فإنما قصد جلب النفع إلى نفسه ودفع الضرر عنها لا وجه الله سبحانه ، فإن هذا قول من لا معرفة له بحقائق التكاليف ومراتب الناس فيها ، فإن أكثر الناس يتعذر منهم العبادة ابتغاء وجه الله بهذا المعنى ، لأنهم لا يعرفون من الله إلا المرجو والمخوف فغايتهم أن يتذكروا النار ويحذروا أنفسهم عقابها ويتذكروا الجنة ويرغبوا أنفسهم ثوابها وخصوصا من كان الغالب على قلبه الميل إلى الدنيا.

فإنه قلما ينبعث له داعية إلى فعل الخيرات لينال بها ثواب الآخرة فضلا عن عبادته على نية إجلال الله عز وجل لاستحقاقه الطاعة والعبودية فإنه قل من

__________________

(١) سورة ص : ٤٠.

٨٩

...........................................................................

_________________________________________

يفهمها فضلا عمن يتعاطاها والناس في نياتهم في العبادات على أقسام أدناهم من يكون عمله إجابة لباعث الخوف فإنه يتقي النار ، ومنهم من يعمل إجابة لباعث الرجاء فإنه يرغب في الجنة وكل من القصدين وإن كان نازلا بالإضافة إلى قصد طاعة الله وتعظيمه لذاته ولجلالة لا لأمر سواه ، إلا أنه من جملة النيات الصحيحة لأنه ميل إلى الموعود في الآخرة وإن كان من جنس المألوف في الدنيا.

وأما قول القائل إنه ينافي الإخلاص ، فجوابه أنك ما تريد بالإخلاص؟ إن أردت به أن يكون خالصا للآخرة لا يكون مشوبا بشوائب الدنيا والحظوظ العاجلة للنفس كمدح الناس والخلاص من النفقة بعتق العبد ونحو ذلك فظاهر أن إرادة الجنة والخلاص من النار لا ينافيان الإخلاص بهذا المعنى ، وإن أردت بالإخلاص أن لا يراد بالعمل سوى جمال الله وجلاله من غير شوب من حظوظ النفس وإن كان حظا أخرويا فاشتراطه في صحة العبادة متوقف على دليل شرعي وأنى لك به؟ بل الدلائل على ، خلافه أكثر من أن تذكر ، مع أنه تكليف بما لا يطاق بالنسبة إلى أكثر الخلائق لأنهم لا يعرفون الله بجماله وجلاله ، ولا تتأتى منهم العبادة إلا من خوف النار أو للطمع في الجنة.

وأيضا فإن الله سبحانه قد قال «ادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً »(١) «وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً »(٢) فرغب ورهب ووعد وأوعد ، فلو كان مثل هذه النيات مفسدا للعبادات لكان الترغيب والترهيب والوعد والوعيد عبثا بل مخلا بالمقصود.

وأيضا فإن أولياء الله قد يعملون بعض الأعمال للجنة وصرف النار لأن حبيبهم يحب ذلك أو لتعليم الناس إخلاص العمل للآخرة ، إذا كانوا أئمة يقتدى بهم.

هذا أمير المؤمنين سيد الأولياء قد كتب كتابا لبعض ما وقفه من أمواله فصدر

__________________

(١) سورة الأعراف : ٥٦.

(٢) سورة الأنبياء : ٩٠.

٩٠

...........................................................................

_________________________________________

كتابه بعد التسمية بهذا : هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبد الله على ابتغاء وجه الله تعالى ليولجني به الجنة ويصرفني به عن النار ، ويصرف النار عني يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.

فإن لم تكن العبادة بهذه النية صحيحة لم يصلح له أن يفعل ذلك ويلقن به غيره ويظهره في كلامه ، إن قيل : إن جنة الأولياء لقاء الله وقربه ، ونارهم فراقه وبعده ، فيجوز أن يكون أمير المؤمنينعليه‌السلام أراد ذلك؟ قلنا : إرادة ذلك ترجع إلى طلب القرب المعنوي والدنو الروحاني ومثل هذه النية مختص بأولياء الله كما اعترفت به ، فغيرهم لما ذا يعبدون وليس في الآخرة إلا الله والجنة والنار ، فمن لم يكن من أهل الله وأوليائه لا يمكن له أن يطلب إلا الجنة أو يهرب إلا من النار المعهودتين إذ لا يعرف غير ذلك ، وكل يعمل على شاكلته ولما يحبه ويهواه ، غير هذا لا يكون أبدا.

ولعل هذا القائل لم يعرف معنى النية وحقيقتها وأن النية ليست مجرد قولك عند الصلاة ، والصوم أو التدريس أصلي أو أصوم أو أدرس قربة إلى الله تعالى ملاحظا معاني هذه الألفاظ بخاطرك ومتصورا لها بقلبك.

هيهات إنما هذا تحريك لسان وحديث نفس وإنما النية المعتبرة انبعاث النفس وميلها وتوجهها إلى ما فيه غرضها ومطلبها إما عاجلا وإما آجلا ، وهذا الانبعاث والميل إذا لم يكن حاصلا لها لا يمكنها اختراعه واكتسابه بمجرد النطق بتلك الألفاظ وتصور تلك المعاني وما ذلك إلا كقول الشبعان : أشتهي الطعام وأميل إليه قاصدا حصول الميل والاشتهاء ، وكقول الفارغ : أعشق فلانا وأحبه وانقاد إليه وأطيعه ، بل لا طريق إلى اكتساب صرف القلب إلى الشيء وميلة إليه وإقباله عليه إلا بتحصيل الأسباب الموجبة لذلك الميل والانبعاث واجتناب الأمور المنافية لذلك المضادة له فإن النفس

٩١

٢ ـ علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نية المؤمن خير من عمله ونية الكافر شر من عمله وكل

_________________________________________

إنما تنبعث إلى الفعل أو تقصده وتميل إليه تحصيلا للغرض الملائم لها بحسب ما يغلب عليها من الصفات.

فإذا غلب على قلب المدرس مثلا حب الشهرة وإظهار الفضيلة وإقبال الطلبة إليه فلا يتمكن من التدريس بنية القربة إلى الله سبحانه. بنشر العلم وإرشاد الجاهلين بل لا يكون تدريسه إلا لتحصيل تلك المقاصد الواهية والأغراض الفاسدة وإن قال بلسانه أدرس قربة إلى الله وتصور ذلك بقلبه وأثبته في ضميره ، وما دام لم يقلع تلك الصفات الذميمة عن قلبه لا عبرة بنيته أصلا.

وكذلك إذا كان قلبك عند نية الصلاة منهمكا في أمور الدنيا والتهالك عليها والانبعاث في طلبها فلا يتيسر لك توجيهه بكليته ، وتحصيل الميل الصادق إليها والإقبال الحقيقي عليها ، بل لا يكون دخولك فيها دخول متكلف لها متبرم بها ويكون قولك أصلي قربة إلى الله كقول الشبعان أشتهي الطعام ، وقول الفارغ : أعشق فلانا مثلا.

والحاصل أنه لا يحصل لك النية الكاملة المعتد بها في العبادات من دون ذلك الميل والإقبال ، وقمع ما يضاده من الصوارف والأشغال ، وهو لا يتيسر إلا إذا صرفت قلبك عن الأمور الدنيوية وطهرت نفسك عن الصفات الذميمة الدنية وقطعت نظرك عن حظوظك العاجلة بالكلية.

وأقول : أمر النية قد اشتبه على كثير من علمائنا رضوان الله عليهم لاشتباهه على المخالفين ولم يحققوا ذلك على الحق واليقين ، وقد حقق شيخنا البهائيقدس‌سره شيئا من ذلك في شرح الأربعين ، وحققنا كثيرا من غوامض إسرارها في كتاب عين الحياة ورسالة العقائد فمن أراد تحقيق ذلك فليرجع إليهما.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« نية المؤمن خير من عمله ، ونية الكافر شر من عمله » هذا الحديث من الأخبار

٩٢

عامل يعمل على نيته.

_________________________________________

المشهورة بين الخاصة والعامة وقد قيل فيه وجوه :

الأول : أن المراد بنية المؤمن اعتقاده الحق ولا ريب أنه خير من أعماله إذ ثمرته الخلود في الجنة وعدمه يوجب الخلود في النار بخلاف العمل.

الثاني : أن المراد أن النية بدون العمل خير من العمل بدون النية ، ورد بأن العمل بدون نية لا خير فيه أصلا ، وحقيقة التفضيل تقتضي المشاركة ولو في الجملة.

الثالث : ما نقل عن ابن دريد وهو أن المؤمن ينوي خيرات كثيرة لا يساعده الزمان على عملها فكان الثواب المترتب على نياته أكثر من الثواب المترتب على أعماله.

الرابع : ما ذكره بعض المحققين وهو أن المؤمن ينوي أن يوقع عباداته على أحسن الوجوه لأن إيمانه يقتضي ذلك ثم إذا كان يشتغل بها لا يتيسر له ذلك ، ولا يتأتى كما يريد فلا يأتي بها كما ينبغي ، فالذي ينوي دائما خير من الذي يعمل في كل عبادة ، وهذا قريب من المعنى الأول ويمكن الجمع بينهما ويؤيدهما الخبر الثالث والخامس ، وما رواه الصدوق في علل الشرائع بإسناده عن أبي جعفر أنه كان يقول نية المؤمن خير من عمله وذلك لأنه ينوي من الخير ما لا يدركه ، ونية الكافر شر من عمله وذلك لأن الكافر ينوي الشر ويأمل من الشر ما لا يدركه ، ونية الكافر شر من عمله وذلك لأن الكافر ينوي الشر ويأمل من الشر ما لا يدركه ، وبإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال له زيد الشحام : إني سمعتك تقول : نية المؤمن خير من عمله فكيف تكون النية خيرا من العمل؟ قال : لأن العمل إنما كان رياء للمخلوقين والنية خالصة لرب العالمين ، فيعطي عز وجل على النية ما لا يعطي على العمل ، قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن العبد لينوي من نهاره أن يصلي بالليل فتغلبه عينه فينام فيثبت الله له صلاته ويكتب نفسه تسبيحا ويجعل نومه صدقة.

الخامس : أن طبيعة النية خير من طبيعة العمل لأنه لا يترتب عليها عقاب أصلا بل إن كانت خيرا أثيب عليها وإن كانت شرا كان وجودها كعدمها بخلاف

٩٣

...........................................................................

_________________________________________

العمل فإن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فصح أن النية بهذا الاعتبار خير من العمل. وأقول : يمكن أن يقال هذا في الشر أيضا بناء على أن الكافر يعاقب على نيات الشر وإنما العفو عن المؤمنين.

السادس : أن النية من أعمال القلب وهو أفضل من الجوارح فعمله أفضل من عملها ألا ترى إلى قوله تعالى : «أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي »(١) جعل سبحانه الصلاة وسيلة إلى الذكر والمقصود أشرف من الوسيلة ، وأيضا فأعمال القلب مستورة عن الخلق لا يتطرق إليها الرياء وغيره بخلاف أعمال الجوارح.

السابع : أن المراد أن نية بعض الأعمال الشاقة كالحج والجهاد خير من بعض الأعمال الخفية كتلاوة آية من القرآن والصدقة بدرهم مثلا.

الثامن : ما ذكره السيد المرتضىرضي‌الله‌عنه في الغرر أن لفظة خير ليست اسم تفضيل بل المراد أن نية المؤمن عمل خير من جملة أعماله ، و « من » تبعيضية وبه دفع التنافي بين هذا الحديث وبين ما يروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفضل الأعمال أحمزها ، ويجري هذا الوجه في قوله : ونية الكافر شر من عمله فإن المعنى فيه ليس معنى التفضيل بل المعنى شر من جملة أعماله ، فإن قيل : كيف يصح هذا مع ما ورد في الحديث من أن ابن آدم إذا هم بالحسنة ، كتبت له حسنة وإذا هم بالسيئة لم يكتب عليه شيء حتى يعمل؟ قلنا : قد ذكرنا سابقا أن ظاهر بعض الأخبار أن ذلك مخصوص بالمؤمنين.

التاسع : أن المراد بالنية تأثر القلب عند العمل وانقياده إلى الطاعة وإقباله على الآخرة وانصرافه عن الدنيا وذلك يشتد بشغل الجوارح في الطاعات وكفها عن المعاصي فإن بين الجوارح والقلب علاقة شديدة يتأثر كل منهما بالآخر كما إذا حصل للأعضاء آفة سرى أثرها إلى القلب فاضطرب وإذا تألم القلب بخوف مثلا سرى أثره

__________________

(١) سورة طه : ١٤.

٩٤

...........................................................................

_________________________________________

إلى الجوارح فارتعدت والقلب هو الأمير المتبوع والجوارح كالرعايا والأتباع ، والمقصود من أعمالها حصول ثمرة للقلب فلا تظن أن في وضع الجبهة على الأرض غرضا من حيث أنه جمع بين الجبهة والأرض بل من حيث أنه بحكم العادة يؤكد صفة التواضع في القلب فإن من يجد في نفسه تواضعا فإذا استعان بأعضائه وصورها بصورة التواضع تأكد بذلك تواضعه ، وأما من يسجد غافلا عن التواضع وهو مشغول القلب بأغراض الدنيا فلا يصل من وضع جبهته على الأرض أثر إلى قلبه بل سجوده كعدمه نظرا إلى الغرض المطلوب منه فكانت النية روح العمل وثمرته والمقصد الأصلي من التكليف به فكانت أفضل ، وهذا الوجه قريب مما ذكره الغزالي في إحيائه وهو أن كل طاعة تنتظم بنية وعمل ، وكل منهما من جملة الخيرات إلا أن النية من الطاعتين خير من العمل ، لأن أثر النية في المقصود أكثر من أثر العمل ، لأن صلاح القلب هو المقصود من التكليف ، والأعضاء آلات موصلة إلى المقصود ، والغرض من حركات الجوارح أن يعتاد القلب إرادة الخير ويؤكد الميل إليه ليتفرغ عن شهوات الدنيا ويقبل على الذكر والفكر ، فبالضرورة يكون خيرا بالإضافة إلى الغرض ، قال الله تعالى : «لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ »(١) والتقوى صفة القلب ، وفي الحديث : أن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد.

العاشر : أن نية المؤمن هي الباعثة له على عمل الخير فهي أصل العمل وعلته والعمل فرعها ، لأنه لا يحصل العمل ولا يوجد إلا بتصور المقصود الحقيقي والتصديق بحصوله وانبعاث النفس إليه حتى يشتد العزم ويوجد الفعل فبهذه الجهة هي أشرف وكذا نية الكافر سبب لعمله الخبيث فهي شر منه.

الحادي عشر : أن النية روح العمل ، والعمل بمثابة البدن لها فخيريته وشريته

__________________

(١) سورة الحجّ : ٣٧.

٩٥

...........................................................................

_________________________________________

تابعتان لخيرية النية وشريتها كما أن شرافة البدن وخباثته تابعتان لشرافة الروح وخباثته ، فبهذا الاعتبار نية المؤمن خير من عمله ونية الكافر شر من عمله.

الثاني عشر : أن نية المؤمن وقصده أو لا هو الله ، وثانيا العمل لأنه يوصل إليه ، ونية الكافر وقصده غيره تعالى وعمله يوصله إليه ، وبهذا الاعتبار صح ما ذكر ، وهذا الوجه وما تقدمه مستفادان من كلام المحقق الطوسيقدس‌سره ، والوجوه المذكورة ربما يرجع بعضها إلى بعض.

وبعد ما أحطت خبرا بما ذكرنا نذكر ما هو أقوى عندنا بعد الإعراض عن الفضول وهو الحق الحقيق بالقبول ، فاعلم أن الإشكالات الناشئة من هذا الخبر إنما هو لعدم تحقيق معنى النية وتوهم أنها تصور الغرض والغاية وإخطارها بالبال ، وإذا حققتها كما أومأنا إليها سابقا عرفت أن تصحيح النية من أشق الأعمال وأحمزها وأنها تابعة للحالة التي النفس متصفة بها ، وكمال الأعمال وقبولها وفضلها منوط. بها ، ولا يتيسر تصحيحها إلا بإخراج حب الدنيا وفخرها وعزها من القلب برياضات شاقة وتفكرات صحيحة ومجاهدات كثيرة ، فإن القلب سلطان البدن وكل ما استولى عليه يتبعه سائر الجوارح ، بل هو الحصن الذي كل حب استولى عليه وتصرف فيه يستخدم سائر الجوارح والقوي ، ويحكم عليها ولا تستقر فيه محبتان غالبتان كما قال الله عز وجل : يا عيسى لا يصلح لسانان في فم واحد ولا قلبان في صدر واحد ، وكذلك الأذهان ، وقال سبحانه : «ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ »(١) فالدنيا والآخرة ضرتان لا يجتمع حبهما في قلب.

فمن استولى على قلبه حب المال لا يذهب فكره وخياله وقواه وجوارحه إلا إليه ولا يعمل عملا إلا ومقصوده الحقيقي فيه تحصيله وإن ادعى غيره كان كاذبا

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٤.

٩٦

...........................................................................

_________________________________________

ولذا يطلب الأعمال التي وعد فيها كثرة المال ولا يتوجه إلى الطاعات التي وعد فيها قرب ذي الجلال ، وكذا من استولى عليه حب الجاه ليس مقصوده في أعماله إلا ما يوجب حصوله ، وكذا سائر الأغراض الباطلة الدنيوية فلا يخلص العمل لله سبحانه وللآخرة إلا بإخراج حب هذه الأمور من القلب وتصفيته عما يوجب البعد عن الحق.

فللناس في نياتهم مراتب شتى بل غير متناهية بحسب حالاتهم ، فمنها ما يوجب فساد العمل وبطلانه ، ومنها ما يوجب صحته ، ومنها ما يوجب كما له ، ومراتب كما له أيضا كثيرة فأما ما يوجب بطلانه فلا ريب في أنه إذا قصد الرياء المحض أو الغالب بحيث لو لم يكن رؤية الغير له لا يعمل هذا العمل أنه باطل لا يستحق الثواب عليه بل يستحق العقاب كما دلت عليه الآيات والأخبار الكثيرة ، وأما إذا ضم إلى القربة غيرها بحيث كان الغالب القربة ولو لم تكن الضميمة يأتي بها ففيه إشكال ولا تبعد الصحة ، ولو تعلق الرياء ببعض صفاته المندوبة كإسباغ الوضوء وتطويل الصلاة فأشد إشكالا ، ولو ضم إليها غير الرياء كالتبريد ففيه أقوال ثالثها التفصيل بالصحة مع كون القربة مقصودة بالذات ، والبطلان مع العكس.

قال في الذكرى : لو ضم إلى النية منافيا فالأقرب البطلان كالرياء والندب في الواجب ، لأن تنافي المرادات يستلزم تنافي الإرادات ، وظاهر المرتضى الصحة بمنى عدم الإعادة لا بمعنى حصول الثواب ، ذكر ذلك في الصلاة المنوي بها الرياء وهو يستلزم الصحة فيها وفي غيرها ، مع ضم الرياء إلى التقرب ، ولو ضم اللازم كالتبرد قطع الشيخ وصاحب المعتبر بالصحة لأنه فعل الواجب وزيادة غير منافية ، ويمكن البطلان لعدم الإخلاص الذي هو شرط الصحة ، وكذا التسخن والنظافة ، انتهى.

وأقول : لو ضم إلى القربة بعض المطالب المباحة الدنيوية فهل تبطل عبادته؟

٩٧

...........................................................................

_________________________________________

ظاهر جماعة من الأصحاب البطلان ، ويشكل بأن صلوات الحاجة والاستخارة وتلاوة القرآن والأذكار والدعوات المأثورة للمقاصد الدنيوية عبادات بلا ريب ، مع أن تكليف خلو القصد عنها تكليف بالمحال ، والجمع بين الضدين كان يقول أحد : ائت الموضع الفلاني لرؤية الأسد من غير أن يكون غرضك رؤيته ، أو اذهب إلى السوق واشتر المتاع من غير أن تقصد شراء المتاع ، وقد ورد في الأخبار الكثيرة منافع دنيوية للطاعات ككون صلاة الليل سببا لوسعة الرزق ، وكون الحج موجبا للغناء وأمثال ذلك كثيرة ، فلو كانت هذه مخلة بالقربة لكان ذكرها إغراء بالقبيح ، إذ بعد السماع ربما يمتنع تخلية القصد عنها.

نعم يمكن أن تؤول هذه القصود بالأخرة إلى القربة ، كان يكون غرض طالب الرزق صرفه في وجوه البر والتقوى به على الطاعة ، ومن يكون مقصوده من طول العمر تحصيل رضا الرب تعالى ، لكن هذا القصد لا يتحقق واقعا وحقيقة إلا لآحاد المقربين ولا يتيسر لأكثر الناس هذه النية وهذا الغرض إلا بالانتحال والدعاوي الكاذبة ، وتوهم أن الإخطار بالبال نية واقعية وبينهما بعد المشرقين فالظاهر أنه يكفي لكونه طاعة وقربة كونه بأمره سبحانه ، وموافقا لرضاه ومتضمنا لذكره والتوسل إليه وإن كان المقصود تحصيل بعض الأمور المباحة لنيل اللذات المحللة ، وأما النيات الكاملة والأغراض العرية عن المطالب الدنية الدنيوية فهي تختلف بحسب الأشخاص والأحوال ، ولكل منهم نية تابعة لشاكلته وطريقته وحالته ، بل لكل شخص في كل حالة نية تتبع تلك الحالة ، ولنذكر بعض منازلها ودرجاتها :

فالأولى : نية من تنبه وتفكر في شديد عذاب الله وأليم عقابه ، فصار ذلك موجبا لحط الدنيا ولذاتها عن نظره ، فهو يعمل كلما أراد من الأعمال الحسنة ويترك ما ينتهي عنه من الأعمال السيئة خوفا من عذابه.

٩٨

...........................................................................

_________________________________________

الثانية : نية من غلب عليه الشوق إلى ما أعد الله للمحسنين في الجنة من نعيمها وحورها وقصورها فهو يعبد الله لتحصيل تلك الأمور.

وهاتان نيتان صحيحتان على الأظهر وإن توهم الأكثر بطلان العبادة بهما ، لغفلتهم عن معنى النية كما عرفت.

والعجب أن العلامة (ره) ادعى اتفاق العدلية على أن من فعل فعلا لطلب الثواب أو خوف العقاب فإنه لا يستحق بذلك ثوابا.

وأقول : لهاتين النيتين أيضا مراتب شتى بحسب اختلاف أحوال الناس ، فإن من الناس من يطلب الجنة لحصول مشتهياته الجسمانية فيه ، ومنهم من يطلبها لكونها دار كرامة الله ومحل قرب الله ، وكذا منهم من يهرب من النار لألمها ، ومنهم من يهرب منها لكونها دار البعد والهجران والحرمان ، ومحل سخط الله كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في الدعاء الذي علمه كميل بن زياد النخعي : فلئن صيرتني في العقوبات مع أعدائك ، وجمعت بيني وبين أهل بلائك ، وفرقت بيني وبين أحبائك وأوليائك فهبني يا إلهي وسيدي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك ، وهبني صبرت على حر نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك ، إلى آخر ما ذكر في هذا الدعاء المشتمل على جميع منازل المحبين ودرجات العارفين.

فظهر أن هاتين الغايتين وطلبهما لا تنافيان درجات المقربين.

الثالثة : نية من يعبد الله تعالى شكرا له فإنه يتفكر في نعم الله التي لا تحصى عليه ، فيحكم عقله بأن شكر المنعم واجب فيعبده لذلك ، كما هو طريقة المتكلمين ، وقد قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : أن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار.

٩٩

...........................................................................

_________________________________________

الرابعة : نية من يعبده حياءا فإنه يحكم عقله بحسن الحسنات وقبح السيئات ويتذكر أن الرب الجليل مطلع عليه في جميع أحواله فيعبده ويترك معاصيه لذلك وإليه يشير قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

الخامسة : نية من يعبده تقربا إليه تعالى تشبيها للقرب المعنوي بالقرب المكاني ، وهذا هو الذي ذكره أكثر الفقهاء ولم أر في كلامهم تحقيق القرب المعنوي ، فالمراد إما القرب بحسب الدرجة والكمال إذ العبد لا مكانه في غاية النقص عار عن جميع الكمالات ، والرب سبحانه متصف بجميع الصفات الكمالية فبينهما غاية البعد فكلما رفع عن نفسه شيئا من النقائص واتصف بشيء من الكمالات حصل له قرب ما بذلك الجناب ، أو القرب بحسب التذكر والمصاحبة المعنوية ، فإن من كان دائما في ذكر أحد ومشغولا بخدماته فكأنه معه وإن كان بينهما غاية البعد بحسب المكان ، وفي قوة هذه النية إيقاع الفعل امتثالا لأمره تعالى أو موافقة لإرادته أو انقيادا وإجابة لدعوته ، أو ابتغاء لمرضاته ، فهذه النيات التي ذكرها أكثر الأصحاب وقالوا لو قصد الله مجردا عن جميع ذلك كان مجزيا فإنه تعالى غاية كل مقصد وإن كان يرجع إلى بعض الأمور السالفة.

السادسة : نية من عبد الله لكونه أهلا للعبادة وهذه نية الصديقين كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك ، ولا تسمع هذه الدعوى من غيرهم ، وإنما يقبل ممن يعلم منه أنه لو لم يكن لله جنة ولا نار بل لو كان على الفرض المحال يدخل العاصي الجنة والمطيع النار لاختار العبادة لكونه أهلا لها ، كما أنهم في الدنيا اختاروا النار لذلك فجعلها الله عليهم بردا وسلاما ، وعقوبة الأشرار فجعلها الله عندهم لذة وراحة ونعيما.

السابعة : نية من عبد الله حبا له ، ودرجة المحبة أعلى درجات المقربين ،

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

اندفعت المطالبة عنه ، وبرئ المشتري من الحقّين ؛ لأنّ البائع قد ثبت بالبيّنة أنّه قبض ، والآذن قد ثبت أنّ وكيله - وهو البائع - قد قبض.

ولو شهد له الشريك الآذن ، لم تُقبل شهادته في نصيبه ؛ لأنّه لو ثبت ذلك لطالَب المشهود عليه بحقّه ، وذلك جرّ نفعٍ ظاهر ، فلا تُقبل ؛ للتهمة.

وهل تُقبل شهادته في نصيب البائع؟ قال بعض علمائنا : نعم(١) .

وللشافعيّة قولان مبنيّان على أنّ الشهادة إذا رُدّت في بعض ما شهدت به ؛ للتهمة ، فهل تردّ في الباقي؟(٢) .

ولو لم يكن للمشتري بيّنة بالقبض ، كان القولُ قولَ البائع مع يمينه ؛ لأنّه منكر ، والأصل عدم القبض ، فيحلف البائع أنّه لم يقبض ، فإذا حلف أخذ نصيبه من المشتري ، ولا يشاركه الآذن ؛ لإقراره أنّ البائع قبض أوّلاً ما هو الحقّ ، ويزعم أنّ الذي قبضه ثانياً بيمينه ظلم ، فلا يستحقّ مشاركته فيه ، فإن نكل البائع عن اليمين رُدّت اليمين على المشتري ، فإذا حلف أنّه أقبض البائع جميع الثمن انقطعت المطالبة عنه ، ولو نكل المشتري أيضاً أُلزم بنصيب البائع.

وقال بعض الشافعيّة : لا يُلزم بنصيب البائع أيضاً ؛ لأنّا لا نحكم بالنكول(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ هذا ليس حكماً بالنكول ، وإنّما هو مؤاخذة له بإقراره بلزوم المال بالشراء ابتداءً.

____________________

(١) لم نهتد إلى القائل به ، وراجع المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٥٣.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٤١ ، الوسيط ٣ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

٣٦١

فإذا انفصلت(١) [ خصومة ](٢) البائع و(٣) المشتري فلو جاء الشريك الآذن وطالَب البائعَ بحقّه ؛ لزعمه أنّه قبض جميع الثمن ، فعليه البيّنة ، ويُقدَّم قول البائع مع اليمين أنّه لم يقبض إلّا نصيبه بعد الخصومة الجارية بينهما ، فإن نكل البائع حلف الآذن وأخذ منه نصيبه ، ولا يرجع البائع به على المشتري ؛ لأنّه يزعم أنّ شريكه ظَلَمه بما فَعَل ، ولا يمنع البائعَ من الحلف نكولُه عن اليمين في الخصومة مع المشتري ؛ لأنّها خصومة أُخرى مع خصمٍ آخَر.

هذا إذا تقدّمت خصومة البائع والمشتري وتبعتها خصومة الشريكين ، وأمّا إن تقدّمت خصومة الشريكين فادّعى الذي لم يبع قبضَ الثمن على البائع وطالَبه بحقّه وأنكر البائع ، قُدّم قوله مع اليمين ، وكان على الشريك الآذن البيّنة بأنّ البائع قبض الثمن ، ولا تُقبل شهادة المشتري له بحالٍ البتّة ؛ لأنّه يدفع عن نفسه ، فإن فُقدت البيّنة حلف البائع على أنّه ما قبض ، فإن نكل حلف الآذن على أنّه قبض ، وأخذ نصيبه من البائع.

ثمّ إذا انفصلت الخصومة بين الشريكين ، فلو طالَب البائع المشتري بحقّه ، وادّعى المشتري الأداءَ ، فعليه البيّنة ، فإن لم تكن بيّنة حلف البائع ، وقبض حقّه ، فإن نكل حلف المشتري وبرئ ، ولا يمنع البائعَ من أن يحلف ويطلب من المشتري حقَّه نكولُه في الخصومة الأُولى مع شريكه.

وللشافعيّة وجهٌ : إنّه يمنع ؛ بناءً على أنّ يمين الردّ كالبيّنة أو كإقرار المدّعى عليه؟ إن كانت كالبيّنة فكأنّه قامت البيّنة على قبضه جميعَ الثمن ،

____________________

(١) في « خ » : « انقضت » بدل « انفصلت ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « حكومة ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) في « ث ، خ ، ر » : « مع » بدل « و».

٣٦٢

وإن كانت كالإقرار فكأنّه أقرّ بقبض جميع الثمن ، وعلى التقديرين يمنع عليه مطالبة المشتري(١) .

وضعّفه باقي الشافعيّة ؛ لأنّ اليمين إنّما تجعل كالبيّنة أو كالإقرار في حقّ المتخاصمين وفيما فيه تخاصمهما لا غير ، ومعلومٌ أنّ الشريك إنّما يحلف على أنّه قبض نصيبه ، فإنّه الذي يطالب به ، فكيف تؤثّر يمينه في غيره!؟(٢) .

وعلى ضعفه فقد قال الجويني : [ القياس ](٣) طرده فيما إذا تقدّمت خصومة البائع والمشتري ونكل البائع وحلف المشتري اليمينَ المردودة حتى يقال : تثبت للّذي لم يبع مطالبة البائع بنصيبه من غير تجديد خصومةٍ ؛ لكون يمين الردّ بمنزلة البيّنة أو الإقرار(٤) .

مسألة ١٧٩ : لو باع الشريك - المأذون له في البيع - العبدَ ، ثمّ اختلف الشريكان‌ ، فادّعى البائع على الآذن بأنّه قبض الثمن بأسره من المشتري ، فأنكر الآذن القبضَ ، وصدّق المشتري المدّعي ، فإن كان الآذن في البيع مأذوناً له في القبض للثمن من جهة البائع ، برئ المشتري من حصّة البائع ؛ لأنّه قد اعترف بأنّ وكيله قد قبض.

ثمّ تُفرض حكومتان كما تقدّم.

فإن تخاصم الذي لم يبع والمشتري ، فالقول قول الذي لم يبع في عدم القبض ، فيحلف ويأخذ نصيبه ويسلّم إليه المأخوذ.

وإن تخاصم البائع والذي لم يبع ، حلف الذي لم يبع ، فإن نكل‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

٣٦٣

حلف البائع ، وأخذ منه نصيبه ، ولا رجوع له على المشتري.

ولو شهد البائع للمشتري على القبض ، لم تُقبل ؛ لأنّه يشهد لنفسه على الذي لم يبع.

وإن لم يكن الآذن في البيع مأذوناً له في القبض من جهة البائع ، لم تبرأ ذمّة المشتري عن شي‌ءٍ من الثمن.

أمّا عن حقّ الذي لم يبع : فلأنّه منكر للقبض ، والقول قوله في إنكاره مع اليمين.

وأمّا عن حقّ المباشر للبيع : فلأنّه لم يعترف بقبضٍ صحيح.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يكون البائع مأذوناً من جهة الذي لم يبع في القبض ، أو لا يكون هو مأذوناً أيضاً.

فإن كان مأذوناً ، فله مطالبة المشتري بنصيبه من الثمن ، ولا يتمكّن من مطالبته بنصيب الذي لم يبع ؛ لأنّه لـمّا أقرّ بقبض الذي لم يبع نصيب نفسه فقد صار معزولاً عن وكالته.

ثمّ إذا تخاصم الذي لم يبع والمشتري ، فعلى المشتري البيّنة على القبض ، فإن لم تكن بيّنة فالقول قول الذي لم يبع.

فإذا حلف ، ففي مَنْ يأخذ حقّه منه للشافعيّة وجهان :

قال المزني منهم : إن شاء أخذ تمام حقّه من المشتري ، وإن شاء شارك البائع في المأخوذ ، وأخذ الباقي من المشتري ؛ لأنّ الصفقة واحدة ، وكلّ جزءٍ من الثمن شائع بينهما ، فإن أخذ بالخصلة الثانية لم يبق مع البائع إلّا ربع الثمن(١) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٤٣ ، الوسيط ٣ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٦ ، التهذيب =

٣٦٤

و [ يفارق ](١) هذا ما إذا كان الذي لم يبع مأذوناً في القبض حيث لا يشاركه البائع فيما أخذه من المشتري ؛ لأنّ زعمه أنّ الذي لم يبع ظالمٌ فيما أخذه ، فلا يشاركه فيما ظلم به(٢) .

وقال آخَرون منهم ابن سريج : ليس له إلّا أخذ حقّه من المشتري ، ولا يشارك البائع فيما أخذه ؛ لأنّ البائع قد انعزل عن الوكالة بإقراره : إنّ الذي لم يبع قَبَض حقَّه ، فما يأخذه بعد الانعزال يأخذه لنفسه خاصّةً(٣) .

وقال آخَرون : إنّه وإن انعزل فالمسألة تحتمل وجهين بناءً على أنّ مالكَي السلعة إذا باعاها صفقةً واحدة هل ينفرد أحدهما بقبض حصّته من الثمن؟ فيه وجهان :

أحدهما : لا ، بل إذا انفرد بأخذ شي‌ءٍ شاركه الآخَر فيه ، كما أنّ الحقّ الثابت للورثة لا ينفرد بعضهم باستيفاء حصّته منه ، ولو فَعَل شاركه الآخَرون فيه ، وكذا لو كاتبا عبداً صفقةً واحدةً ، لم ينفرد أحدهما بأخذ حقّه من النجوم.

والثاني : نعم ، كما لو باع كلّ واحدٍ منهما نصيبَه بعقدٍ مفرد ، بخلاف الميراث والكتابة ، فإنّهما لا يثبتان في الأصل بصفة التجزّي ؛ إذ لا ينفرد‌

____________________

= - للبغوي - ٤ : ٢٠٥ ، البيان ٦ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٠ - ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يقارب ». والصحيح ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٤٤ ، الوسيط ٣ : ٢٧١ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٥ - ٢٠٦ ، البيان ٦ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

٣٦٥

بعض الورثة ببعض أعيان التركة ، ولا تجوز كتابة البعض من العبد ، فلذلك لم يجز التجزّي في القبض(١) .

ولو شهد البائع للمشتري على أنّ الذي لم يبع قد قبض الثمن ، فعلى قول المزني لا تُقبل شهادته ؛ لأنّه يدفع بها شركة صاحبه فيما أخذه(٢) ، وعلى قول ابن سريج تُقبل(٣) .

وإن لم يكن البائع مأذوناً في القبض ، قال بعض الشافعيّة : للبائع مطالبة المشتري بحقّه هنا ، وما يأخذه يسلم له ، وتُقبل هنا شهادة البائع للمشتري على الذي لم يبع(٤) .

وقال آخَرون : ينبغي ثبوت الخلاف في مشاركة صاحبه فيما أخذه ، ويُخرَّج قبول الشهادة على الخلاف(٥) .

مسألة ١٨٠ : لو غصب واحد نصيبَ أحد الشريكين بأن نزّل نفسه منزلته‌ ، فأزال يده ولم يُزل يدَ صاحبه الآخَر ، بل استولى على العبد ومَنَع أحدَهما الانتفاع به دون الآخَر ، فإنّه يصحّ من الذي لم يغصب نصيبه بيع نصيبه ، ولا يصحّ من الآخَر بيع نصيبه ، إلّا من الغاصب ، أو ممّن يتمكّن من انتزاعه من يد الغاصب.

ولو باع الغاصب والذي لم يغصب نصيبه جميعَ العين في عقدٍ واحد ، صحّ في نصيب المالك ، ووقف نصيب الآخَر إن أمضاه المغصوب منه صحّ ، وإلّا فلا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١.

(٢ و ٣) الوسيط ٣ : ٢٧١ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٦ ، البيان ٦ : ٣٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

٣٦٦

وقالت الشافعيّة : يصحّ في نصيب مَنْ لم يغصب منه ، ويبطل في الآخَر ، ولا يُخرَّج على الخلاف في تفريق الصفقة عندهم ؛ لأنّ الصفقة تتعدّد بتعدّد البائع(١) .

ومنهم مَنْ قال : يبنى القول في نصيب المالك على أنّ أحد الشريكين إذا باع نصفَ العبد مطلقاً ينصرف إلى نصيبه أو يشيع؟ وجهان ، فإن قلنا : ينصرف إلى نصيبه ، صحّ بيع المالك في نصيبه ، وإن قلنا بالشيوع ، بطل البيع في ثلاثة أرباع العبد ، وفي ربعه قولان.

ولا يُنظر إلى هذا البناء فيما إذا باع المالكان معاً وأطلقا ، ولا يُجعل كما إذا أطلق كلّ واحدٍ منهما بيعَ نصف العبد ؛ لأنّ هناك تناول العقد الصحيح جميعَ العبد(٢) .

مسألة ١٨١ : قد بيّنّا(٣) أنّ شركة الأبدان باطلة ، سواء اشترك العمل أو اختصّ بأحدهما وتقبّل الآخَر.

فلو قال واحد لآخَر : أنا أتقبّل العمل وأنت تعمل والأُجرة بيننا بالسويّة أو على نسبة أُخرى ، لم يصح عند علمائنا - وبه قال زفر(٤) - ولا يستحقّ العامل المسمّى ، بل له أُجرة المثل.

وقال أحمد : تصحّ الشركة ؛ لأنّ الضمان يستحقّ به الربح بدليل شركة الأبدان ، وتقبّل العمل يوجب الضمان على المتقبّل ، ويستحقّ به الربح ،

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٤٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٧ ، البيان ٦ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٢ - ٢٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢١.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢١.

(٣) في ص ٣١٢ ، المسألة ١٤٢.

(٤) المغني ٥ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٧.

٣٦٧

فصار كتقبّله المالَ في المضاربة ، والعمل يستحقّ به العامل الربح كعمل المضاربة ، فينزَّل منزلة المضاربة(١) .

والحكم في الأصل ممنوع.

مسألة ١٨٢ : الربح في شركة الأبدان على نسبة العملين ، لا على الشرط الذي شرطاه‌ ، عند علمائنا ؛ لأنّ الشركة باطلة على ما تقدّم(٢) بيانه.

وقال أحمد : إنّها صحيحة ، والشركة على ما اتّفقوا عليه من مساواةٍ أو تفاضلٍ ، ولكلٍّ منهما المطالبة بالأُجرة ، وللمستأجر دفعها إلى كلّ واحدٍ منهما ، وإلى أيّهما دفع برئ منها ، وإن تلفت في يد أحدهما من غير تفريطٍ فهي من ضمانهما معاً ؛ لأنّهما كالوكيلين في المطالبة ، وما يتقبّله كلّ واحدٍ منهما من عملٍ فهو من ضمانهما يطالب به كلّ واحدٍ منهما ، ويلزمه عمله ؛ لأنّ هذه الشركة لا تنعقد إلّا على الضمان ، ولا شي‌ء منها تنعقد عليه الشركة حال الضمان ، فكأنّ الشركة تتضمّن ضمان كلّ واحدٍ منهما عن الآخَر ما يلزمه.

ولو أقرّ أحدهما بما في يده ، قُبِل عليه وعلى شريكه ؛ لأنّ اليد له ، فيُقبل إقراره بما فيها ، ولا يُقبل إقراره بما في يد شريكه ولا بدَيْنٍ عليه(٣) .

وهذا كلّه عندنا باطل.

ولو عمل أحدهما دون صاحبه ، فالكسب للعامل خاصّةً عندنا ، وإن حصل من الآخَر سفارة فله أُجرته عليها.

وقال أحمد : إذا عمل أحدهما خاصّةً ، كان الكسب بينهما على‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١١٣ و ١١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٧ و ١٨٨.

(٢) في ص ٣١٢ - ٣١٣ ، المسألة ١٤٢.

(٣) المغني ٥ : ١١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٨.

٣٦٨

ما شرطاه ، سواء ترك العمل لمرضٍ أو غيره ، ولو طالَب أحدهما الآخَر أن يعمل معه ، أو يقيم مقامه مَنْ يعمل ، فله ذلك ، فإن امتنع فللآخَر الفسخ(١) .

وهو باطل عندنا على ما سلف(٢) .

ولو كان لقصّارٍ أداةٌ ولآخَر بيتٌ ، فاشتركا على أن يعملا بأداة هذا في بيت هذا والكسب بينهما ، جاز ، والأجر بينهما على ما شرطاه ، عند أحمد ؛ لأنّ الشركة وقعت على عملهما ، والعمل يستحقّ به الربح في الشركة ، والآلة والبيت لا يستحقّ بهما شي‌ء(٣) .

وعندنا أنّ هذه الشركة باطلة ، وقد سلف(٤) .

مسألة ١٨٣ : إذا كانت الشركة باطلةً ، قسّما الربح على قدر رؤوس أموالهما‌ ، ويرجع كلٌّ منهما على الآخَر بأجر عمله - وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لأنّ المسمّى يسقط في العقد الفاسد ، كالبيع الفاسد إذا تلف المبيع في يد المشتري ، والنماء فائدة مالهما ، فيكون تابعاً للأصل ، كالثمرة.

والرواية الأُخرى لأحمد : إنّهما يقتسمان الربح على ما شرطاه ، ولا يستحقّ أحدهما على الآخَر أجر عمله ، وأجراها مجرى الصحيحة ؛ لأنّه عقد يصحّ مع الجهالة ، فيثبت المسمّى في فاسده ، كالنكاح(٦) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١١٤ و ١١٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٩.

(٢) في ص ٣٤٠ - ٣٤١ ، المسألة ١٦١.

(٣) المغني ٥ : ١١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩١.

(٤) في ص ٣٤٥ ، المسألة ١٦٥.

(٥) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٦ ، الفقه النافع ٣ : ٩٩٦ / ٧٢١ ، البيان ٦ : ٣٣٣ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٢٨.

(٦) المغني ٥ : ١٢٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٨.

٣٦٩

إذا عرفتَ هذا ، فلو كان مال كلّ واحدٍ منهما متميّزاً ، وكان ربحه معلوماً ، كان لكلٍّ ربحُ ماله ، ولا يشاركه الآخَر فيه.

ولو ربح في جزءٍ منه ربحاً متميّزاً وباقيه مختلطاً ، كان له تمام ما تميّز(١) من ربح ماله ، وله بحصّة باقي ماله من الربح.

مسألة ١٨٤ : ليس لأحد الشريكين أن يكاتب الرقيق ، ولا يعتق على مالٍ ولا غيره ، ولا يزوّج الرقيق‌ ؛ لأنّ الشركة منعقدة على التجارة ، وليست هذه الأنواع تجارةً ، لا سيّما تزويج العبد ؛ فإنّه محض ضررٍ.

وليس له أن يُقرض ولا يحابي ؛ لأنّه تبرّع.

وليس له أن يشارك بمال الشركة ولا يدفعه مضاربةً ؛ لأنّ ذلك يُثبت في المال حقوقاً ، ويستحقّ غير المالك ربحه ، وليس له ذلك إلّا بإذن ربّ المال.

وليس له أن يمزج مال الشركة بماله ، ولا مال غيره ؛ لأنّه تعيّب في المال.

وليس له أن يستدين على مال الشركة ، فإن فَعَل فربحه له ، وعليه خسرانه.

وقال بعض العامّة : إذا استدان شيئاً ، لزم الشريكين معاً ، وربحه لهما وخسرانه عليهما ؛ لأنّ ذلك تملّك مالٍ بمالٍ ، فأشبه الصرف(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدخل في الشركة أكثر ممّا رضي الشريك أن يشاركه فيه ، فلم يجز ، كما لو ضمّ إلى مال الشركة شيئاً من ماله ، ويفارق الصرف ؛ لأنّه بيع وإبدال عينٍ بعينٍ ، فهو كبيع الثياب بالدراهم.

____________________

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « يتميّز ».

(٢) المغني ٥ : ١٣٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٣.

٣٧٠

وليس له أن يُقرّ على مال الشركة ، فإن فَعَل لزم في حقّه دون صاحبه ، سواء أقرّ بدَيْنٍ أو عينٍ ؛ لأنّ شريكه إنّما أذن له في التجارة ، والإقرار ليس منها.

ولو أقرّ بعيبٍ في عينٍ باعها أو أقرّ الوكيل على موكّله بالعيب ، لم يُقبَل ، خلافاً لأحمد(١) .

ولو أقرّ بقبض ثمن المبيع أو أجر المكاري والحمّال وأشباه ذلك ، فالأقرب : القبول ؛ لأنّه من توابع التجارة ، فكان له ذلك كتسليم المبيع وأداء ثمنه.

ولو رُدّت السلعة عليه بعيبٍ ، قَبِلها ، أو أعطى أرشها.

ولو حطّ من الثمن شيئاً أو أسقط دَيْناً لهما عن [ غريمهما ](٢) لزم في حقّه ، وبطل في حقّ شريكه ؛ لأنّ ذلك تبرّع ، والتبرّع يمضى في حصّته دون شريكه.

ولو كان لهما دَيْنٌ حالّ فأخّر أحدهما حصّته من الدَّيْن ، جاز - وبه قال أبو يوسف ومحمّد(٣) - لأنّه أسقط حقّه من التعجيل ، فصحّ أن ينفرد به أحدهما ، كالإبراء.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز(٤) .

مسألة ١٨٥ : قد بيّنّا أنّ الشركة تتضمّن نوع وكالةٍ ، ولا يتعدّى الشريك حدّ الوكالة ، فليس له أن يبيع نَسْأً.

____________________

(١) المغني ٥ : ١٣١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٠.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « غيرهما ». والمثبت كما في المغني ٥ : ١٣١.

(٣ و ٤) المغني ٥ : ١٣١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٤.

٣٧١

وإذا اشترى بجنس ما عنده دَفَعه ، وإن اشترى بغير جنسه لم يكن له أن يستدين الجنس ويصرفه في الثمن ؛ لأنّا منعناه من الاستدانة ، لكن له أن يبيع بثمنٍ من النقد الذي عيّنه ويدفع.

وليس له أن يودع إلّا مع الحاجة ؛ لأنّه ليس من الشركة ، وفيه غرور ، أمّا مع الحاجة فإنّه من ضرورة الشركة ، فأشبه دفع المتاع إلى الحمّال ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.

والثانية : يجوز ؛ لأنّه عادة التجّار ، وقد تدعو الحاجة إلى الإيداع(١) .

والعادة لا تقضي على الشرع ، والحاجة مسوّغة كما قلنا.

وليس له أن يوكّل فيما يتولّاه بنفسه ، كالوكيل.

وفي إحدى الروايتين عن أحمد : الجواز(٢) .

فإن وكّل أحدهما بإذن صاحبه جاز ، وكان لكلٍّ منهما عزله.

وليس لأحدهما أن يرهن بالدَّيْن الذي عليهما إلّا بإذن صاحبه أو مع الحاجة.

وعن أحمد روايتان(٣) .

وليس لأحدهما السفر بالمال المشترك إلّا بإذن صاحبه. والأقرب : إنّ له الإقالة ؛ لأنّها إمّا بيعٌ عند جماعةٍ من العامّة(٤) ، وهو يملك البيع ، أو فسخٌ عندنا ، وهو يملك الفسخ ، ويردّ بالعيب ، كلّ ذلك مع المصلحة.

ولو قال له : اعمل برأيك ، جاز أن يعمل كلّ ما يصلح في التجارة من الإبضاع والمضاربة بالمال والمشاركة وخلطه بماله والسفر والإيداع والبيع نسيئةً والرهن والارتهان والإقالة ونحو ذلك ؛ لأنّه فوّض إليه الرأي في‌

____________________

(١ - ٣) المغني ٥ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٢.

(٤) راجع ج ١٢ - من هذا الكتاب - ص ١١٧ ، الهامش (٣)

٣٧٢

التصرّف الذي تقتضيه الشركة ، فجاز له كلّ ما هو من التجارة ، فأمّا ما يكون تمليكاً بغير عوضٍ - كالهبة والحطيطة لغير فائدةٍ والقرض والعتق ومكاتبة الرقيق وتزويجه - فلا يفعله إلّا بإذنه ؛ لأنّه إنّما فوّض إليه العمل برأيه في التجارة ، وليس ذلك منها.

ولو أخذ أحد الشريكين مالاً مضاربةً ، فربحه له دون صاحبه ؛ لأنّه يستحقّ ذلك في مقابلة عمله ، وليس ذلك من المال الذي اشتركا فيه.

مسألة ١٨٦ : قد بيّنّا أنّ الشركة من العقود الجائزة لكلٍّ منهما فسخها والرجوع في الإذن والمطالبة بالقسمة‌ ؛ لأنّ الإنسان مسلّط على ماله ، فكان له المطالبة بإفرازه من مال غيره وتمييزه عنه ، وليس لأحدهما مطالبة الآخَر بإقامة رأس المال ، بل يقتسمان الأعواض إذا لم يتّفقا على البيع ، ولا يصحّ التأجيل في الشركة.

ولو كان بعض المال في أيديهما والآخَر غائب عنهما فاقتسما الذي في أيديهما والغائب عنهما ، صحّت في المقبوض ، دون الغائب [ عن ](١) الناس ؛ لأنّ الباقرعليه‌السلام سُئل عن رجلين بينهما مال منه بأيديهما ومنه غائب عنهما ، فاقتسما الذي بأيديهما وأحال كلّ واحدٍ منهما بنصيبه من الغائب ، فاقتضى أحدهما ولم يقتض الآخَر ، قال : « ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ، وما يذهب بماله!؟ »(٢) .

وسأل [ عبد الله بن سنان ](٣) الصادقَعليه‌السلام : عن رجلين بينهما مال منه‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « على ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) التهذيب ٧ : ١٨٥ - ١٨٦ / ٨١٨.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والطبعة الحجريّة : « معاوية بن عمّار » وهو في سند الحديث ٨٢٠ من التهذيب ٧ : ١٨٦ ، والمثبت من المصدر.

٣٧٣

دَيْنٌ ومنه عينٌ ، فاقتسما العين والدَّيْن فتوى(١) الذي كان لأحدهما من الدَّيْن أو بعضه وخرج الذي للآخَر [ أيردّ ](٢) على صاحبه؟ قال : « نعم ، ما يذهب بماله!؟ »(٣) .

مسألة ١٨٧ : لو كان لرجلين دَيْنٌ بسببٍ واحد إمّا عقد أو ميراث أو استهلاك أو غيره ، فقبض أحدهما منه شيئاً ، فللآخَر مشاركته فيه - وهو ظاهر مذهب أحمد بن حنبل(٤) - لما تقدّم(٥) في المسألة السابقة في رواية [ عبد الله بن سنان ](٦) عن الصادق(٧) .

ولأنّ تمليك القابض ما قبضه يقتضي قسمة الدَّيْن في الذمّة من غير رضا الشريك ، وهو باطل ، فوجب أن يكون المأخوذ لهما والباقي بينهما.

ولغير القابض الرجوعُ على القابض بنصفه ، سواء كان باقياً في يده أو أخرجه عنها ، وله أن يرجع على الغريم ؛ لأنّ الحقّ ثبت في ذمّته لهما على وجهٍ سواء ، فليس له تسليم حقّ أحدهما إلى الآخَر ، فإن أخذ من الغريم لم يرجع على الشريك بشي‌ءٍ ؛ لأنّ حقّه ثابت في أحد المحلّين ، فإذا اختار أحدهما سقط حقّه من الآخَر.

وليس للقابض منعه من [ الرجوع على ](٧) الغريم بأن يقول : أنا‌

____________________

(١) راجع الهامش (١) من ص ٣٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يراد ». والمثبت من المصدر.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٦ / ٨٢١.

(٤) المغني ٥ : ١٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨١.

(٥) آنفاً.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « معاوية بن عمّار ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٧) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٣٧٤

أُعطيك نصف ما قبضت ، بل الخيرة إليه من أيّهما شاء قبض ، فإن قبض من شريكه شيئاً رجع الشريك على الغريم بمثله.

وإن هلك المقبوض في يد القابض ، تعيّن حقّه فيه ، ولم يضمنه للشريك ؛ لأنّه قدر حقّه فيما تعدّى بالقبض ، وإنّما كان لشريكه مشاركته ؛ لثبوته في الأصل مشتركاً.

ولو أبرأ أحد الشريكين الغريمَ من حقّه ، برئ منه ؛ لأنّه بمنزلة قبضه منه ، وليس لشريكه الرجوعُ عليه بشي‌ءٍ ؛ لأنّه لم يقبض شيئاً من حقّ الشريك.

ولو أبرأ أحدهما من جزءٍ مشاع ، سقط من حقّه ، وبسط ما يقبضانه من الغريم على النسبة ، فلو أبرأ أحدهما الغريمَ من عُشْر الدَّيْن ثمّ قبضا من الدَّيْن شيئاً ، قسّماه على قدر حقّهما في الباقي ، للمُبرئ أربعة أتساعه ، ولشريكه خمسة أتساعه.

وإن قبض(١) نصف الدَّيْن ثمّ أبرأ أحدهما من عُشْر الدين كلّه ، نفذت البراءة في خُمس الباقي ، وما بقي بينهما على ثمانية ، للمُبرئ ثلاثة أثمانه ، وللآخَر خمسة أثمانه ، فما قبضاه بعد ذلك اقتسماه على هذا.

ولو اشترى أحدهما بنصيبه من الدَّيْن ثوباً ، قال بعض العامّة : كان للآخَر إبطال الشراء ، فإن بذل له المشتري نصف الثوب ولا يبطل البيع ، لم يلزمه(٢) ذلك(٣) .

وإن أجاز البيع ليملك [ نصف ] الثوب جاز ، ويبنى على بيع الفضولي

____________________

(١) الظاهر : « قبضا ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يلزم ». والمثبت من المصدر.

(٣) المغني ٥ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٢.

٣٧٥

هل يقف على الإجازة أو لا؟ فعندنا نعم ، وبين العامّة خلاف(١) .

ولو أجّل أحدهما نصيبه من الدَّيْن جاز ، فإنّه لو أسقط حقّه جاز فتأخيره أولى ، فإن قبض الشريك بعد ذلك [ شيئاً ] لم يكن لشريكه الرجوعُ عليه بشي‌ءٍ.

هذا إذا أجّله في عقدٍ لازم ، وإن لم يكن في عقدٍ لازم كان له الرجوعُ ؛ لأنّ الحالّ لا يتأجّل بالتأجيل ، فوجوده كعدمه.

وعن أحمد رواية أُخرى : إنّ ما يقبضه أحدهما له ، دون صاحبه ؛ لأنّ ما في الذمّة لا ينتقل إلى العين إلّا بتسليمه إلى غريمه أو وكيله ، وما قبضه أحدهما فليس لشريكه فيه قبض ولا لوكيله ، فلا يثبت له فيه حقٌّ ، وكان لقابضه(٢) ؛ لثبوت يده عليه بحقٍّ ، فأشبه ما لو كان الدَّيْن بسببين ، ولأنّ هذا يشبه الدَّيْن في الذمّة ، وإنّما يتعيّن حقّه بقبضه ، فأشبه تعيينه بالإبراء ، ولأنّه لو كان لغير القابض حقٌّ في المقبوض لسقط بتلفه كسائر الحقوق ، ولأنّ هذا القبض إن كان بحقٍّ لم يشاركه غيره فيه ، كما لو كان الدَّيْن بسببين ، وإن كان بغير حقٍّ لم يكن له مطالبته ؛ لأنّ(٣) حقّه في الذمّة لا في العين ، فأشبه ما لو أخذ غاصب منه مالاً ، فعلى هذا ما قبضه القابض يختصّ به ، دون شريكه ، وليس لشريكه الرجوعُ عليه ، فإن اشترى بنصيبه ثوباً أو غيره صحّ ، ولم يكن لشريكه إبطال الشراء ، وإن قبض أكثر‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٢.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « له قبضه » بدل « لقابضه ». والصواب ما أثبتناه من المصدر.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ولأنّ ». والصحيح ما أثبتناه بدون الواو ، كما في المصدر.

٣٧٦

من حقّه بغير إذن شريكه لم يبرأ الغريم ممّا زاد على حقّه(١) .

والمشهور ما قلناه أوّلاً.

ولا تصحّ قسمة ما في الذمم ؛ لأنّ الذمم لا تتكافأ ولا تتعادل ، والقسمة تقتضي التعديل ، والقسمة من غير تعديلٍ بيعٌ ، ولا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّيْن ، فلو تقاسما ثمّ تَوى(٢) بعض المال ، رجع مَنْ تَوى ماله على مَنْ لم يَتْو ، وبه قال ابن سيرين والنخعي وأحمد في إحدى الروايتين ، وفي الأُخرى : يجوز ذلك ؛ لأنّ الاختلاف لا يمنع القسمة ، كما لو اختلفت الأعيان ، وبه قال الحسن وإسحاق(٣) .

وهذا إذا كان في ذممٍ متعدّدة ، فأمّا في ذمّةٍ واحدة فلا يمكن القسمة ؛ لأنّ معنى القسمة إفراز الحقّ ، ولا يتصوّر ذلك في ذمّةٍ واحدة.

مسألة ١٨٨ : قد بيّنّا أنّه إذا تساوى المالان تساوى الشريكان في الربح‌ ، وإن تفاوت المالان تفاوتا في الربح على النسبة ، فإن شرطا خلاف ذلك جاز عندنا ، وصحّت الشركة ، وبه قال أبو حنيفة(٤) ، خلافاً للشافعي(٥) .

فلو كان لأحدهما ألف وللآخَر ألفان فأذن صاحب الألفين لصاحب الألف أن يتصرّف فيهما على أن يكون الربح بينهما نصفين فإن كان صاحب الألفين شرط على نفسه العمل فيهما أيضاً ، صحّ عندنا.

وقال الشافعي : تفسد الشركة ، ويكون الربح على قدر المالين ،

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٨ - ١٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٢ - ١٨٣.

(٢) راجع الهامش (١) من ص ٣٩.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٨ / ٥٠ ، المغني ٥ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٤.

(٤) راجع الهامش (٢) من ص ٣٥٣.

(٥) راجع الهامش (٢) من ص ٣٥٢.

٣٧٧

ويجب لكلّ واحدٍ منهما على الآخَر أُجرة عمله في نصيبه(١) .

وقال أبو حنيفة : إذا كانت الشركة فاسدةً لم يجب لواحدٍ منهما أُجرة ؛ لأنّ العمل لا يقابله عوض في الشركة الصحيحة فكذلك الفاسدة(٢) .

والمعتمد عندنا : إنّ الشركة إذا فسدت كان لكلٍّ منهما أُجرة مثل عمله - كما هو قول الشافعي - لأنّ المتشاركين إذا شرطا في مقابلة عملهما ما لم يثبت ، يجب أن يثبت عوض المثل ، كما لو شرطا في الإجارة شرطاً فاسداً.

وما ذكره في الصحيحة فإنّما لم يستحق في مقابلة العمل عوضاً ؛ لأنّه لم يشترط في مقابلته شيئاً ، وفي مسألتنا بخلافه.

ولو شرط صاحب الألفين العمل على صاحب الألف خاصّةً ، صحّت الشركة ، وكانت شركةً وقراضاً عند الشافعي ، ويكون لصاحب الألف ثلث الربح بحقّ ماله ، والباقي - وهو ثلثا الربح - بينهما ، لصاحب المال ثلاثة أرباعه ، وللعامل ربعه ، وذلك لأنّه جعل النصف له ، فجعلنا الربح ستّة أسهم منها ثلاثة شرط حصّة ماله منها سهمان ، وسهم هو ما يستحقّه بعمله على مال شريكه [ و ](٣) حصّة مال شريكه أربعة أسهم ، للعامل سهم ، وهو الربع(٤) .

وعندنا أنّه يكون شركةً صحيحة ؛ عملاً بالشرط.

ولو كان لرجلين ألفا درهم فأذن أحدهما لصاحبه أن يعمل في ذلك‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٩٦ ، البيان ٦ : ٣٣٣.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٩٦ و ٩٧ ، البيان ٦ : ٣٣٣.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « من ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٣٢ - ١٣٣ ، البيان ٦ : ٣٣٤ ، المغني ٥ : ١٣٦ - ١٣٧.

٣٧٨

ويكون الربح بينهما نصفين ، فإنّ هذا ليس بشركةٍ ولا قراض ؛ لأنّ شركة العنان تقتضي أن يشتركا في المال والعمل ، والقراض يقتضي أن يكون للعامل نصيب من الربح في مقابلة عمله ، وهنا لم يشرط له ، فإذا عمل كان الربح بينهما نصفين على قدر المالين ، وكان عمله في نصيب شريكه معونةً له منه وتبرّعاً ؛ لأنّه لم يشترط لنفسه في مقابلته عوضاً.

مسألة ١٨٩ : لو اشتريا عبداً وقبضاه فأصابا به عيباً فأراد أحدهما الإمساكَ والآخَر الردَّ ، لم يجز‌ ، وبه قال أبو حنيفة(١) .

وقال الشافعي : يجوز(٢) .

وقد سلف(٣) ذلك في كتاب البيوع(٤) .

إذا تقرّر هذا ، فإذا اشترى أحد الشريكين عبداً فوجد به عيباً ، فإن أرادا الردَّ كان لهما.

وإن أراد أحدهما الردَّ والآخَر الإمساك ، فإن كان قد أطلق الشراء ولم يذكر أنّه يشتريه له ولشريكه لم يكن له الردّ ؛ لأنّ الظاهر أنّه يشتريه لنفسه ، فلم يلزم البائع حكماً بخلاف الظاهر.

وإن كان قد أعلمه أنّه يشتريه بمال الشركة أو له ولشريكه ، لم يكن لأحدهما الردّ وللآخَر الأرش على ما تقدّم.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : ليس له الردّ ؛ لأنّه إنّما أوجب إيجاباً واحداً ، فلا يبعّض‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٣٤٢ ، وراجع ج ١١ - من هذا الكتاب - ص ١٧٢ ، الهامش (٣)

(٢) البيان ٦ : ٣٤٢ ، وراجع ج ١١ - من هذا الكتاب - ص ١٧٢ ، الهامش (٤)

(٣) في ج ١١ ، ص ١٧٢ ، المسألة ٣٤٠.

(٤) في النسخ الخطّيّة : « البيع ».

٣٧٩

عليه.

والثاني : له الردّ ؛ لأنّه إذا كان يقع الشراء لاثنين ، كان بمنزلة أن يوجب لهما ، ولو أوجب لهما كان في حكم العقدين ، كذا هنا(١) .

وإذا باع أحد الشريكين عيناً من أعيان الشركة وأطلق البيع ثمّ ادّعى بعد ذلك أنّه باع ماله ومال شريكه بغير إذنه ، لم تُسمع دعواه ؛ لأنّه يخالف ظاهر قوله ، فإن ادّعى ذلك شريكه ، كان عليه إقامة البيّنة أنّه شريكه فيه ، فإذا قامت البيّنة به وادّعى المشتري أنّه أذن للبائع في البيع ، كان القولُ قولَه : إنّه لم يأذن ، مع يمينه ، فإذا حلف فسخ البيع في نصيبه إن لم يجز البيع ، ولا ينفسخ في الباقي إلّا برضا المشتري.

وللشافعي قولان مبنيّان على تفريق الصفقة(٢) .

مسألة ١٩٠ : إذا كان لكلٍّ من الرجلين عبد بانفراده ، صحّ بيعهما معاً صفقةً واحدة ومتعدّدة‌ ، اتّفقت قيمتهما أو اختلفت ، عندنا.

وللشافعي قولان :

أحدهما : يصحّ مطلقاً ؛ لأنّ جملة الثمن معلومة في العقد.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : إنّ البيع فاسد ؛ لأنّ العقد إذا كان في أحد طرفيه عاقدان كان بمنزلة العقدين ، فتكون حصّة كلّ واحدٍ منهما مجهولةً ؛ لأنّ ما يخصّ كلّ واحدٍ من العبدين من الثمن غير معلومٍ في العقد ، بخلاف ما لو كان العبدان لواحدٍ ؛ لوحدة العقد(٣) .

وهو غلط ؛ إذ مجموع الثمن في مقابلة مجموع الأجزاء ، وهُما‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٨٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٣٧ ، البيان ٦ : ٣٤٢.

(٢) راجع بحر المذهب ٨ : ١٣٨.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٢.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434