مرآة العقول الجزء ٩

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 439

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 439
المشاهدات: 21927
تحميل: 8820


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 439 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21927 / تحميل: 8820
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عقبة ، عن أبيه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام اجعلوا أمرّكم هذا لله ولا تجعلوه للنّاس فإنّه ما كان لله فهو لله وما كان للنّاس فلا يصعدّ إلى السماء ولا تخاصموا بدينكم النّاس فإنَّ المخاصمة ممرّضة للقلب إنَّ الله عزَّ وجلَّ قال لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ »(١) وقال «أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاس حتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ »(٢) ذروا النّاس فإنَّ الناس أخذوا عن النّاس وإنّكم أخذتم عن رسول

_________________________________________________

« اجعلوا أمرّكم هذا » أي دينكم ودعوتكم النّاس إليه « لله » بأن تدعو النّاس إليه في مقام تعلمون رضا الله فيه ، ولا تدعوا في مقام التقيّة فإنّه نهى الله عنه « ولا تجعلوه للنّاس» بإظهار الفضل وحب الغلبة على الخصم والعصبية فتدعوهم في مقام التقيّة أيضاً فيعود ضرره عليكم وعلينا « فإنه ما كان لله » أي خالصاً لوجهه تعالى « فهو لله » أي يقبله الله ويثيب عليه أو ما كان لله في الدنيا فهو لله في الآخرة ومالهما واحد« فلا يصعدّ إلى السماء » أي لا يقبل ، إشارة إلى قوله تعالى : «إِلَيْهِ يَصْعدّ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ »(٣) .

« ولا تخاصموا بدينكم » أي لا تجادلوا مجادلة يكون غرضكم فيها المغالبة والمعاندة بإلقاء الشبهات الفاسدة لا ظهور الحقّ فإن المخاصمة على هذا الوجه يمرّض القلب بالشك والشبهة والأغراض الباطلة وإن كان غرضكم إجبارهم على الهداية فإنّها ليست بيدكم كما قال تعالى لنبيّه : «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ » وقال : «أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاس ».

وقولهعليه‌السلام : ذروا النّاس ، يحتمل أن يكون المرّاد به أن غرضكم من المجادلة إن كان ظهور الحقّ لكم فلا حاجة لكم إلى ذلك فإنّ حقيّتكم أظهر من ذلك فإنّكم أخذتم دينكم عن الله بالآيات المحكمات ، وعن رسول الله بالأخبار المتواترة

__________________

(١) سورة القصص : ٥٦. (٢) سورة يونس : ٩٩.

(٣) سورة فاطر : ١٠.

١٦١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّعليه‌السلام ولا سواء وإنّني سمعت أبي يقول إذاً كتب الله على عبد أن يدخله في هذا الأمرّ كان أسرع إليه من الطير إلى وكره.

٥ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن أذينة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عزّ وجلّ خلق قوماً للحقّ فإذا مرّ بهم الباب من الحقّ قبلته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه وإذاً مرّ بهم الباب من الباطل أنكرته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه وخلق قوماً لغير ذلك فإذا مرّ بهم الباب من الحقّ أنكرته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه وإذاً مرّ بهم الباب من الباطل قبلته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه.

٦ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الحميد بن أبي العلاء ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عزّ وجلّ إذاً أراد بعبد خيراً نكت في قلبه

_________________________________________________

من الجانبين ، وعن عليُّعليه‌السلام المقبول من الطرفين وهم أخذوا من الأخبار الموضوعة المنتهية إلى النواصب والمعاندين والشبهات الواهية التي تظهر بأدنى تأمّل بطلانها ، ولا سواء مأخذكم ومأخذهم ، ووكر الطائر عشّه.

الحديث الخامس : كالسابق.

« خلق قوماً للحقّ » كان اللام للعاقبة أي عالـمّا بأنهم يختارون الحقّ أو يختارون خلافه وإن كانوا لا يعرفونه ، قيل : هذا مبني على أنه قد يحكم الإنسان بأمرّ ويذعن به ، وهو مبني على مقدّمة مرّكوزة في نفسه لا يعلم بها أو بابتناء إذعانه عليها ، والغرض من ذكره في هذا الباب أنّ السعي لا مدخل له كثيراً في الهداية وإنّما هو لتحصيل الثواب فلا ينبغي فعله في موضع التقيّة لعدم ترتّب الثواب عليه.

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

وقد مرّ مضمونه بسند آخر في باب الهداية ، وكأنّ النكت كناية عن التوفيق

١٦٢

نكتة من نور فأضاء لها سمعه وقلبه حتّى يكون أحرص على ما في أيديكم منكم وإذاً أراد بعبد سوءا - نكت في قلبه نكتة سوداء ، فأظلم لها سمعه وقلبه ثمَّ تلا هذه الآية «فَمَنْ يُردّ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُردّ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعدّ فِي السَّماءِ »(١) .

٧ - عنه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن حمرّان ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عزّ وجلّ إذاً أراد بعبد خيراً نكت في قلبه نكتة بيضاء وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكاً يسدّده وإذاً أراد بعبد سوءاً نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطاناً يضله.

_________________________________________________

لقبول الحقّ وإفاضة علم يقينيّ ينتقش فيه « فأضاء له سمعه وقلبه» أي يسمع الحقّ وفي الثّاني كناية عن منع اللطف منه ، لعدم استحقّاًقه لذلك فيخلى بينه وبين الشيطان فينكت في قلبه الشكوك والشبهات «فَمَنْ يُردّ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ » قيل : أي يعرفه الحقّ ويوفقه للإيمان «يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ » فيتسع له ويفسح ما فيه بحاله وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحقّ مهيّأة لحلوله فيها مصفّاة عمّا يمنعه وينافيه «وَمَنْ يُردّ أَنْ يُضِلَّهُ » أي يمنع عنه لطفه «يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » بحيث ينبو عن قبول الحقّ فلا يدخله الإيمان «كَأَنَّما يَصَّعدّ فِي السَّماءِ » شبّهه مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه ، فإن صعود السماء مثل فيما يبعدّ عن الاستطاعة.

الحديث السابع : مجهول ومضمونه ممّا مرّ معلوم.

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٢٥.

١٦٣

(باب)

(أن الله إنما يعطي الدين من يحبه)

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن حمزة بن حمرّان ، عن عمر بن حنظلة قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام يا أبا الصخر إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ولا يعطي هذا الأمرّ إلّا صفوته من خلقه أنتم والله على ديني ودين آبائي إبراهيم وإسماعيل لا أعني عليُّ بن الحسين ولا

_________________________________________________

باب أن الله إنما يعطي الدين من يحبّه

الحديث الأول : مجهول.

« من يحبّ ومن يبغض » أي من يحبّه الله ومن يبغضه الله ، أو من يحبّ الله ومن يبغض الله والأوّل أظهر « ولا يعطي هذا الأمرّ » أي الاعتقاد بالولاية واختيار دين الإماميّة « إلّا صفوته من خلقه » أي من اصطفاه واختاره وفضّله من جميع خلقه بسبب طيب روحه وطينته كما مرّ ، أو المعنى أن ذا المال والجاه والنعمة في الدنيا يمكن أن يكون محبوبا لله أو مبغوضاً له ، وليست سبباً لحب الله ولا علامة له بخلاف دين الحقّ فإنّ من أوتيه يكون لا محالة محبوبا لله مختارا عنده.

وعلى الوجهين الغرض بيان فضل الولاية والشكر عليها وعدم الشكاية بعدّ حصولها عن فقر الدنيا وذلها وشدائدها وحقّاًرة الدنيا وأهلها عند الله وأنّها ليست مناط الشرف والفضل.

قولهعليه‌السلام ودين آبائي ، المعنى أن أصول الدّين مشتركة في ملل جميع الأنبياء وإنمّا الاختلاف في بعض الخصوصيات فإن الاعتقاد والعدل والمعاد ممّا اشترك فيه جميع الملل وكذا التصديق بنبوة الأنبياء والإذعان بجميع ما جاءوا به وأهمها الإيمان بأوصيائهم ومتابعتهم في جميع الأمور وعدم العدول عنهم إلى غيرهم

١٦٤

محمّد بن عليّ وإن كان هؤلاء على دين هؤلاء.

٢ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليُّ الوشّاء ، عن عاصم بن حميد ، عن مالك بن أعين الجهني قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول يا مالك إن الله يعطي الدنيا من يحبّ ويبغض ولا يعطي دينه إلّا من يحب.

٣ - عنه ، عن معلّى ، عن الوشاء ، عن عبد الكريم بن عمرّو الخثعمي ، عن عمر بن حنظلة وعن حمزة بن حمرّان ، عن حمرّان ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن هذه الدنيا يعطيها الله البر والفاجر ولا يعطي الإيمان إلّا صفوته من خلقه.

٤ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليُّ بن النعمان ، عن أبي سليمان ، عن ميسر قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن الدنيا يعطيها الله عزّ وجلّ من أحبّ ومن

_________________________________________________

كان لازماً في جميع الملل ، وإنّما الاختلاف في خصوص النبيّ وخصوص الأوصياء وخصوص بعض العبادات فمن أقرّ بنبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبجميع ما جاء به وبجميع أوصيائه ولم يعدل عنهم إلى غيرهم فهو على دين جميع الأنبياءعليهم‌السلام ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما وردّ في كثير من الأخبار أن الإقرار بنبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأوصيائهعليهم‌السلام كان مأخوذا على جميع الأنبياء وأممهمعليهم‌السلام ، وقيل : المرّاد أنه مأخوذ في دين الإسلام نفي الشرك ونصب غير من نصبه الله للإمامة ، والرجوع إليه نوع من الشرك فالتوحيد الذي هو دين جميع الأنبياء مخصوص بالشيعة ، وما ذكرنا أوضح وأمتن.

الحديث الثّاني : ضعيف على المشهور ومضمونه ظاهر ممّا مرّ.

الحديث الثالث : كالسابق.

وقال الجوهري : صفوة الشيء خالصة ، ومحمّد صفوة الله من خلقه ومصطفاه ، أبو عبيدة يقال له : صفوة وصفوة وصفوة مالي وصفوة مالي ، فإذا نزعوا الهاء قالوا له صفو مالي بالفتح لا غير.

الحديث الرابع : مجهول.

١٦٥

أبغض وأنّ الإيمان لا يعطيه إلّا من أحبّه.

(باب سلامة الدين)

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليُّ بن النعمان ، عن أيّوب بن الحرّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : «فَوَقاهُ اللهُ سيّئات ما مَكَرُوا »(١) فقال إمّا لقد بسطوا عليه وقتلوه ولكن أتدرون ما وقاه ؟ وقاه أن يفتنوه في دينه.

_________________________________________________

باب سلامة الدين

أي المقصد الأقصى الذي ينبغي أن يكون مطلوب العاقل هو سلامة الدّين لا السلامة في الدنيا من آفاتها.

الحديث الأول : صحيح.

«فَوَقاهُ اللهُ » الضمير راجع إلى مؤمن آل فرعون حيث توكّل على الله وفوّض أمرّه إليه حين أراد فرعون قتله بعدّ أن أظهر إيمانه بموسى ، ووعظهم ودعاهم إلى الإيمان ، فقال : «وَأُفَوِّضُ أَمرّي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ ، فَوَقاهُ اللهُ سيّئات ما مَكَرُوا » أي صرف الله عنه شدائد مكرهم ، قال بعض المفسرين : أنه جاء مع موسى حتّى عبّر البحر معه وقيل : إنهم هموا بقتله فهربّ إلى جبل فبعث فرعون رجلين في طلبه فوجداه قائماً يصلي وحوله الوحوش صفوفا ، فخافا ورجعا هاربين ، والخبر يردّ هذين القولين كما يردّ قول من قال : أن الضمير راجع إلى موسى ويدلّ على أنهم قتلوه « لقد بسطوا عليه » أي أيديهم في القاموس : بسط يده مدها «وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ » أي مسلطون عليهم كما يقال : بسطت يده عليه أي سلط عليه ، وفي بعض النسخ : سطوا عليه في القاموس : سطا عليه وبه سطوا وسطوة صال أو قهر بالبطش ، انتهى.

وما في قوله : ما وقاه ، موصولة أو استفهاميّة وفي القاموس : الفتنة بالكسر الضلال والإثمَّ والكفر والفضيحة والإضلال ، وفتنة يفتنه أوقعه في الفتنة كفتنه وأفتنه فهو مفتن ومفتون لازم متعدّ ، كافتتنّ فيهما.

__________________

(١) سورة المؤمن : ٤٠.

١٦٦

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن أبي جميلة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام كان في وصية أمير المؤمنينعليه‌السلام لأصحابه اعلموا أن القرآن هدى الليل والنهار ونور الليل المظلم على ما كان من جهد وفاقة فإذا حضرت بلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم وإذاً نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم واعلموا أن

_________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف « هدى الليل والنهار » إضافة للمصدر إلى ظرف الزمان ، وقيل : يحتمل أن يكون الليل والنهار كناية عن الباطل والحقّ كما قال تعالى : «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ »(١) « ونور الليل المظلم » الظاهر أن الليل المظلم كناية عن زمان الشدّة والبلاء فقوله : على ما كان ، متعلّق بالمظلم أي كونه مظلـمّا بناء على ما كان من جهد أي مشقة وفاقة ، فالمعنى أن القرآن في أحوال الشدّة والفاقة منور القلب ومذهب الهم لـمّا فيه من المواعظ والنصائح ، ولأنه يورث الزهد في الدنيا ، فلا يبالي بما وقع فيها.

ويحتمل أن يكون المعنى أنه نور في ظلم الجهالة والضلالة وعلى أي حال كان من أحوال الدنيا من مشقة وفقر وغير ذلك ، أي ينبغي أن يرضى بالشدّة والفاقة مع نور الحقّ والهداية ومن في قوله : من جهد ، للبيان أو التبعيض والتفريع في قوله : فإذا حضرت ، بهذا ألصق ، وقال ابن ميثمَّ : أراد بالفاقة الحاجة إلى ما ينبغي من الهداية والكمال النفساني ، ولا يخفى ما فيه.

والمراد بالبليّة ما يمكن دفعه بالمال وبالنازلة ما لا يمكن دفعه إلّا ببذل النفس أو ببذل الدّين ، أو البليّة في أمور الدنيا والنازلة في أمور الآخرة ، والمرّاد بها ما لا تقيّة فيه ، وإلّا فالتقيّة واجبة « من هلك » إمّا بذهابه بالمرّة أو بنقصه بترك الفرائض وارتكاب الكبائر أو الأعمّ ، وفي المصباح : حربّ حربا من باب تعب أخذ جميع ماله فهو حريب وحربّ على بناء المفعول فهو محروب ، وفي القاموس : حربه حرباً

__________________

(١) سورة البلد : ١٠.

١٦٧

الهالك من هلك دينه والحريب من حرب دينه إلّا وإنّه لا فقر بعدّ الجنّة إلّا وإنّه لا غنى بعدّ النّار لا يفك أسيرها ولا يبرّاً ضريرها.

٣ - عليُّ ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعيّ بن عبد الله ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سلامة الدّين وصحّة البدن خير من المال والمال زينة من زينة الدنيا حسنة.

محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد ، عن ربعي ، عن الفضيل ، عن أبي جعفرعليه‌السلام مثله.

٤ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن فضّال ، عن يونس بن

_________________________________________________

كطلبه طلباً سلب ماله فهو محروب وحريب ، والجمع حربي وحرباء وحريبة : ماله الذي سلب أو ماله الّذي يعيش به« لا فقر بعدّ الجنّة » أي بعدّ فعل ما يوجبها ، وكذا قوله : بعد النار ، أي بعد فعل ما يوجبها.

ثمَّ بينعليه‌السلام عدم الغناء مع استحقّاًق النّار ببيان شدة عذابها من حيث أنّ أسيرها والمقيد فيها بالسلاسل والأغلال لا يفك أبداً « ولا يبرء ضريرها » أي من عمي عينه فيها أو من ابتلي فيها بالضرّ أو المرّاد عدم فك أسيرها في الدنيا من قيد الشهوات وعدم برء من عمي قلبه في الدنيا بالكفر والأوّل أظهر ، وفي القاموس : الضرير الذاهب البصر ، والمرّيض المهزول ، وكل ما خالطه ضر.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح وسنده الآتي مجهول كالصحيح.

« سلامة الدّين » أي ممّا فيه شائبة الشرك من العقائد الباطلة والأعمّال القبيحة وصحّة البدن من الأمرّاض البدنيّة خير من زوائد المال أمّا خيريّة الأوّلى فظاهرة وإمّا الثانية فلأنه ينتفع بالصحّة مع عدم المال ، ولا ينتفع بالمال مع فقد الصحّة « والمال » أي المال الصالح والحلال « زينة حسنة » لكن بشرط أن لا يضرّ بالدين.

الحديث الرابع : مرسل.

١٦٨

يعقوب ، عن بعض أصحابه قال كان رجلٌ يدخل على أبي عبد اللهعليه‌السلام من أصحابه فغبر زماناً لا يحج فدخل عليه بعض معارفه فقال له فلان ما فعل قال فجعل يضجع الكلام يظنُّ أنّه إنّما يعني الميسرة والدنيا فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام كيف دينه فقال كما تحبُّ ، فقال هو والله الغنى.

_________________________________________________

« فصبر زماناً » في بعض النسخ فغبر زماناً أي مضى ، وفي بعضها فغبر زماناً أي مكث ، في القاموس : غبر غبورا مكث وذهبٌ ضدّ « فلان ما فعل؟ » أي كيف حاله ولم تأخر عن الحج؟ « قال » أي بعض الأصحاب الراوي« فجعل » أي شرع بعض المعارف « يضجع الكلام » أي يخفضه أو يقصر ولا يصرّح بالمقصود ويشير إلى سوء حاله لئلّا يغتم الإمامعليه‌السلام بذلك كما هو الشائع في مثل هذا المقام.

قال في القاموس : أضجعت الشيء أخفضته وضجع في الأمرّ تضجيعا قصر « فظنٌ » في بعض النسخ يظن وهو أظهر « إنّما يعني » إنّما بفتح الهمزة وما موصولة ، وهي اسم أن كقوله تعالى : «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ »(١) أو ما كافة مثل قوله : «أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ »(٢) وعند الزمخشري أنه يفيد الحصر كالمكسور فعلى الأوّل مفعول يعني وهو عائد ما محذوف ، وتقديره أن ما يعنيه ، والميسرة خبر أن وعلى الثّاني الميسرة مفعول يعني ، وعلى التقديرين المستتر في يعني راجع إلى الإمامعليه‌السلام « كما تحب » أي على أحسن الأحوال « فقال هو «وَاللهُ الْغَنِيُ »».

أقول : تعريف الخبر باللام المفيد للحصر وتأكيده بالقسم للتنبيّه على أنّ الغناء الحقيقي ليس إلّا الغناء الأخروي الحاصل بسلامة الدّين ، كما روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : الفقر الموت الأحمرّ ، فقيل له الفقر من الدينار والدرهم؟ فقال : لا ولكن من الدين.

__________________

(١) سورة الأنفال : ٤١.

(٢) سورة الكهف : ١١٠.

١٦٩

(باب التقية)

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وغيره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : «أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مرّتَيْنِ بِما صَبَرُوا » قال بما صبروا على التقيّة «وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ »(١) قال الحسنة التقيّة

_________________________________________________

باب التقيّة

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

«أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ » الآية في سورة القصص هكذا : «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ » قال الطبرسي (ره) : من قبله أي من قبل محمّد «هُمْ بِهِ » أي بمحمّد «يُؤْمِنُونَ » لأنهم وجدوا صفته في التوراة وقيل : من قبله أي من قبل القرآن هم بالقرآن يصدقون ، والمرّاد بالكتاب التوراة والإنجيل «وَإذاً يُتْلى » أي القرآن «عَلَيْهِمْ قالُوا آمنّا بِهِ إِنَّهُ الحقّ مِنْ ربّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ » ثمَّ أثنى الله سبحانه عليهم فقال : «أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مرّتَيْنِ بِما صَبَرُوا » قال (ره) مرّة بتمسكهم بدينهم حتّى أدركوا محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فآمنوا به ومرّة بإيمانهم به ، وقيل : بما صبروا على الكتاب الأوّل وعلى الكتاب الثّاني وإيمانهم بما فيهما ، وقيل : بما صبروا على دينهم وعلى أذى الكفّار لهم وتحمل المشاق «وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ » أي يدفعون بالحسن من الكلام القبيح من الكلام التي يسمعونه من الكفّار ، وقيل : يدفعون بالمعروف المنكر ، وقيل : يدفعون بالحلم جهل الجاهل ، وقيل : يدفعون بالمداراة مع النّاس أذاهم عن أنفسهم ، وروي مثل ذلك عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

__________________

(١) سورة القصص : ٥٤.

١٧٠

والسيّئة الإذاعة.

٢ - ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عمر الأعجمي قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدّين في التقيّة ولا دين لمن لا تقيّة له والتقيّة في كل شيء إلّا في النبيذ والمسح على الخفين.

_________________________________________________

وأقول : على ما في الخبر كأنّها منزّلة على جماعة من مؤمني أهل الكتاب آمنوا بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باطناً وأخفوا إيمانهم عن قومهم تقية فآتاهم أجرهم مرّتين لإيمانهم ، ومرّة للعمل بالتقيّة ، والمرّاد بالإذاعة الإشاعة وإفشاء ما أمرّواعليهم‌السلام بكتمانه عند خوف الضرر عليهم.

الحديث الثاني : مجهول.

« إنّ تسعة أعشار الدين في التقيّة » كان المعنى أن ثواب التقيّة في زمانها تسعة أضعاف سائر الأعمّال ، وبعبارة أخرى إيمان العاملين بالتقيّة عشرة أمثال من لم يعمل بها ، وقيل : لقلة الحقّ وأهله حتّى أن الحقّ عشر والباطل تسعة أعشار ولا بد لأهل الحقّ من المماشاة مع أهل الباطل فيها حال ظهور دولتهم ليسلموا من بطشهم ، ولا يخفى ما فيه.

« ولا دين » أي كاملاً « إلّا في النبيذ » أقول : سيأتي في كتاب الطهارة في حديث زرارة : ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا : شربّ المسكر ، ومسح الخفين ، ومتعة الحج ، وهذا مخالف للمشهور من كون التقيّة من كل شيء إلّا في الدماء.

واختلف في توجيه على وجوه : « الأوّل » ما ذكره زرارة في تتمّة الخبر السابق حيث قال : ولم يقل : الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهنّ أحداً ، أي عدم التقيّة فيهن مختص بهمعليهم‌السلام إمّا لأنهم يعلمون أنه لا يلحقهم الضرر بذلك ، وأن الله يحفظهم أو لأنّها كانت مشهورة من مذهبهمعليهم‌السلام ، فكان لا ينفعهم التقية.

الثّاني : ما ذكره الشيخقدس‌سره في التهذيب وهو أنه لا تقية فيها لأجل

١٧١

٣ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي بصير قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام التقيّة من دين الله - قلت من دين

_________________________________________________

مشقة يسيرة لا تبلغ إلى الخوف على النفس أو المال وإن بلغت أحدهما جازت.

الثالث : أنه لا تقية فيها لظهور الخلاف فيها بين المخالفين فلا حاجة إلى التقية.

الرابع : لعدم الحاجة إلى التقيّة فيها لجهات أخرى أمّا في النبيذ فلا مكان التعلل في ترك شربه بغير الحرمة كالتضرّر به ونحو ذلك ، وإمّا في المسح فلان الغسل أولى منه وهم لا يقولون بتعين المسح على الخفين ، وإمّا في متعة الحج فلأنهم يأتون بالطواف والسعي للقدوم استحباباً ، فلا يكون الاختلاف إلّا في النيّة وهي أمرّ قلبي لا يطلع عليه أحد ، والتقصير وإخفاؤه في غاية السهولة.

قال في الذكرى : يمكن أن يقال : هذه الثلاث لا تقية فيها من العامّة غالباً لأنهم لا ينكرون متعة الحج ، وأكثرهم يحرَّم المسكر ومن خلع خفه وغسل رجليه فلا إنكار عليه ، والغسل أولى منه عند انحصار الحال فيهما ، وعلى هذا تكون نسبته إلى غيره كنسبته إلى نفسه في أنه تنتفي التقيّة فيه ، وإذاً قدر خوف ضرر نادر جازت التقيّة ، انتهى.

وأقول : على ما ذكرنا في الوجه الرابع يظهر علة عدم ذكر متعة الحج في هذا الخبر لعدم الحاجة إلى التقيّة فيه أصلا غالباً ، وإمّا عدم التعرض لنفي التقيّة في القتل فلظهوره أو لكون المرّاد التقيّة من المخالفين ولا اختصاص لتقية القتل بهم.

الحديث الثالث : موثق.

« من دين الله » أي من دين الله الّذي أمرّ عباده بالتمسّك به في كل ملة لأن أكثر الخلق في كلّ عصر لـمّا كانوا من أهل البدع شرع الله التقيّة في الأقوال والأفعال والسكوت عن الحقّ لخلّص عباده عند الخوف حفظاً لنفوسهم ودمائهم وأعراضهم

١٧٢

الله ؟ قال إي والله من دين الله ولقد قال يوسف : «أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ »(١) والله ما كانوا سرقوا شيئاً ولقد قال إبراهيمعليه‌السلام «إِنِّي سَقِيمٌ »(٢) والله ما كان سقيما.

_________________________________________________

وأموالهم وإبقاء لدينه الحقّ ولو لا التقيّة بطل دينه بالكليّة وانقرض أهله لاستيلاء أهل الجور والتقيّة إنما هي في الأعمّال لا العقائد لأنها من الأسرار التي لا يعلمها إلّا علام الغيوب.

واستشهدعليه‌السلام لجواز التقيّة بالآية الكريمة حيث قال : « ولقد قال يوسف » نسب القول إلى يوسف باعتبار أنّه أمرّ به ، والفعل ينسب إلى الآمرّ كما ينسب إلى الفاعل ، والعير بالكسر القافلة مؤنثة وهذا القول مع أنّهم لم يسرقوا السقاية ليس بكذب لأنّه كان لمصلحة وهي حبس أخيه عنده بأمرّ الله ، مع عدم علم القوم بأنهعليه‌السلام أخوهم ، مع ما فيه من التورية المجوزة عند المصلحة التي خرج بها عن الكذب باعتبار أن صورتهم وحالتهم شبيهة بحال السراق بعدّ ظهور السقاية عندهم أو بإرادة أنهم سرقوا يوسف من أبيه كما وردّ في الخبر.

وكذا قول إبراهيمعليه‌السلام «إِنِّي سَقِيمٌ » ولم يكن سقيما ، لمصلحة ، فإنه أراد التخلف عن القوم لكسر الأصنام فتعلل بذلك وأراد أنه سقيم القلب بما يرى من القوم من عبادة الأصنام ، أو لـمّا علم من شهادة الحسينعليه‌السلام كما مرّ ، أو أراد أنه في معرض السقم والبلايا وكان الاستشهاد بالآيتين على التنظير لرفع الاستبعاد عن جواز التقيّة بأنه إذاً جاز ما ظاهره الكذب لبعض المصالح التي لم تصل إلى حد الضرورة فجواز إظهار خلاف الواقع قولا وفعلا عند خوف الضرر العظيم أولى ، أو المرّاد بالتقيّة ما يشمل تلك الأمور أيضاً.

__________________

(١) سوره يوسف : ٧٠.

(٢) سورة الصافّات : ٨٩.

١٧٣

٤ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد جميعاً ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمرّان الحلبي ، عن حسين بن أبي العلاء ، عن حبيب بن بشر قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام سمعت أبي يقول لا والله ما على وجه الأرض شيء أحبُّ إلي من التقيّة يا حبيب إنّه من كانت له تقية رفعه الله يا حبيب من لم تكن له تقية وضعه الله يا حبيب إن النّاس إنما هم في هدنة فلو قد كان ذلك كان هذا.

٥ - أبو عليّ الأشعريّ ، عن الحسن بن عليُّ الكوفي ، عن العبّاس بن عامرّ ، عن جابر المكفوف ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال اتقوا على دينكم

_________________________________________________

الحديث الرابع : مجهول.

وفي النهاية : الهدنة السكون والصلح والموادعة بين المسلمين والكفّار ، وبين كل متحاربين ، انتهى.

والمرّاد بالنّاس إمّا المخالفون أي هم في دعة واستراحة لأنا لم نؤمرّ بعدّ لمحاربتهم ومنازعتهم ، وإنما أمرّنا بالتقيّة منهم ومسالمتهم أو الشيعة أي أمرّوا بالموادعة والمداراة مع المخالفين أو الأعمّ منهما ولعله أظهر « فلو قد كان ذلك » أي ظهور القائمعليه‌السلام والأمرّ بالجهاد معهم ومعارضتهم « كان هذا » أي ترك التقيّة الّذي هو محبوبكم ومطلوبكم وقال صاحب الوافي : يعني أن مخالفينا اليوم في هدنة وصلح ومسالمة معنا ، لا يريدون قتالنا والحربّ معنا ولهذا نعمل معهم بالتقيّة ، فلو قد كان ذلك ، يعني لو كان في زمن أمير المؤمنين والحسن بن عليُّعليهما‌السلام أيضاً الهدنة لكانت التقيّة فإن التقيّة واجبة ما أمكنت فإذا لم تمكن جاز تركها لمكان الضرورة ، انتهى. وما ذكرنا أظهر.

الحديث الخامس : مجهول.

« اتقوا على دينكم » أي احذروا المخالفين بكتمان دينكم إشفاقا وإبقاء عليه لئلّا يسلبوه منكم أو احذروهم كامنين على دينكم إشعاراً بأن التقيّة لا ينافي كونكم على الدّين أو اتقوهم ما لم يصر سبباً لذهاب دينكم ، ويحتمل أن يكون « على » بمعنى « في » والأوّل أظهر.

١٧٤

فاحجبوه بالتقيّة ، فإنه لا إيمان لمن لا تقية له إنما أنتم في النّاس كالنحل في الطير لو أن الطير تعلم ما في أجواف النحل ما بقي منها شيء إلّا أكلته ولو أن النّاس علموا ما في أجوافكم أنكم تحبونا أهل البيت لأكلوكم بألسنتهم ولنحلوكم في السر والعلانية رحم الله عبدا منكم كان على ولايتنا.

_________________________________________________

« إنما أنتم في النّاس كالنحل » أقول : كأنه لذلك لقب أمير المؤمنينعليه‌السلام بأمير النحل ويعسوب المؤمنين ، وتشبيه الشيعة بالنحل لوجوه « الأوّل » أن العسل الّذي في أجوافها ألذ الأشياء المدركة بالحس والّذي في قلوب الشيعة من دين الحقّ والولاية ألذ المشتهيات العقلانيّة.

الثّاني : أن العسل شفاء من الأمرّاض الجسمانية لقوله تعالى : «فِيهِ شِفاءٌ للنّاس »(١) وما في جوف الشيعة شفاء من الأدواء الروحانيّة.

الثالث : ضعف النحل بالنّسبة إلى الطيور ، وضعف الشيعة في زمان التقيّة بالنّسبة إلى المخالفين.

الرابع : شدة إطاعة النحل لرئيسهم كشدة انقياد الشيعة ليعسوبهم صلوات الله عليه.

الخامس : ما ذكر في الخبر من أنهم بين بني آدم كالنحل بين سائر الطيور في أنها إذاً علمت ما في أجوافها لأكلتها رغبة فيما في أجوافها للذتها ، كما أن المخالفين لو علموا ما في قلوب الشيعة من دين الحقّ لقتلوهم عنادا. وقيل : لأن الطير لو كان بينها حسد كبني آدم وعلمت أن في أجوافها العسل وهو سبب عزتها عند بني آدم لقتلتها حسداً ، كما أن المخالفين لو علموا أن في أجواف الشيعة ما يكون سبباً لعزتهم عند الله لأفنوهم باللسان فكيف باليد والسنان حسدا. وما ذكرنا أظهر وأقل تكلفاً.

__________________

(١) سورة النحل : ٦٩.

١٧٥

٦ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز عمن أخبره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ »(١) قال الحسنة التقيّة والسيئة الإذاعة وقوله عزّ وجلّ : «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » السيئة(٢) قال التي هي أحسن التقيّة ، «فإذا الّذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ »(٣) .

٧ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام

_________________________________________________

وفي القاموس : نحلة القول كمنعه نسبه إليه وفلاناً سابّه ، وجسمه كمنع وعلم ونصر وكرم نحولاً : ذهب من مرّض أو سفر وأنحله الهمّ. وفي بعض النسخ بالجيم ، في القاموس : نجل فلاناً ضربه بمقدّم رجله وتناجلوا تنازعوا.

الحديث السادس : مرسل كالحسن.

وكان الجمع بين أجزاء الآيات المختلفة من قبيل النقل بالمعنى وإرجاع بعضها إلى بعض فإن في سورة حم السجدة هكذا : «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فإذا الّذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ » وفي سورة المؤمنون هكذا : «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ » فإلحاق السيئة في الآية الأوّلى لتوضيح المعنى أو لبيان أن دفع السيئة في الآية الأخرى أيضاً بمعنى التقيّة مع أنّه يحتمل أن يكون في مصحفهمعليهم‌السلام كذلك.

قال الطبرسي (ره) : «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » أي السيئة أي ادفع بحقك باطلهم وبحلمك جهلهم وبعفوك إساءتهم ، فإذا فعلت ذلك صار عدوك الّذي يعاديك في الدّين بصورة وليك القريب فكأنه وليّك في الدين وحميمك في النسب.

الحديث السابع : مجهول.

__________________

(١و٣) سورة فصلت : ٣٤.

(٢) سورة المؤمنون : ٩٦.

١٧٦

ابن سالم ، عن أبي عمرّو الكناني قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا أبا عمرّو أرأيتك لو حدثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثمَّ جئتني بعدّ ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بأيهما كنت تأخذ قلت بأحدثهما وأدع الآخر فقال قد أصبت يا أبا عمرّو أبى الله إلّا أن يعبد سرا إمّا والله لئن فعلتم ذلك إنّه [ لـ]ـخيرٌ لي ولكم ، [ و] أبى الله عزّ وجلّ لنا ولكم في دينه إلّا التقيّة.

٨ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن عليُّ ، عن درست الواسطي قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ما بلغت تقية أحد تقية أصحاب الكهف إن كانوا ليشهدُّون الأعياد ويشدون الزنانير فأعطاهم الله أَجْرَهُمْ مرّتَيْنِ.

_________________________________________________

وفي المصباح : الفتوى بالواو فتفتح الفاء وبالياء فتضمّ ، وهو اسم من أفتى العالم إذا بين الحكم واستفتيته سألته أن يفتي ، والجمع الفتاوى بكسر الواو على الأصل ، وقيل : يجوز الفتح للتخفيف ، انتهى.

وقوله : بأحدثهما : إمّا على سبيل الاستفتاء والسؤال أو كان عالـمّا بهذا الحكم قبل ذلك من جهتهمعليهم‌السلام ، وإلّا فكيف يجوزعليه‌السلام فتواه من جهة الظن مع تيسر العلم ، ولـمّا كان الاختلاف للتقية قالعليه‌السلام : أبي الله إلّا أن يعبد سرا ، أي في دولة الباطل ، والعبادة في السر هي الاعتقاد بالحقّ قلباً أو العمل بالحكم الأصلي سرا وإظهار خلاف كل منهما علانية وهذا وإن كان عبادة أيضاً وثوابه أكثر لكن الأوّلى هو الأصل فلذا عبّر هكذا.

الحديث الثامن : ضعيف.

« ما بلغت » أي في الأمم السابقة أو في هذه الأمّة أيضاً لأنّ أعظم التقيّة في هذه الأمة مع أهل الإسلام المشاركين لهم في كثير من الأحكام ولم تبلغ التقيّة منهم إلى حد إظهار الشرك ، والزنانير جمع الزنار وزان التفاح وهو على ما وسط النصارى والمجوس ، وتزنّروا شدّوا الزنّار على وسطهم.

١٧٧

٩ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن عليُّ بن فضّال ، عن حمّاد بن واقد اللحام قال استقبلت أبا عبد اللهعليه‌السلام في طريق فأعرضت عنه بوجهي ومضيت فدخلت عليه بعدّ ذلك فقلت جعلت فداك إني لألقاك فأصرف وجهي كراهة أن أشق عليك فقال لي رحمك الله ولكن رجلا لقيني أمس في موضع كذا وكذا فقال عليك السلام يا أبا عبد الله ما أحسن ولا أجمل.

١٠ - عليُّ بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة قال قيل لأبي عبد اللهعليه‌السلام إن النّاس يروون أن علياعليه‌السلام قال على منبر الكوفة أيها النّاس إنّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني ثمَّ تدعون إلى البراءة مني فلا تبرَّؤوا منّي فقال ما أكثر ما يكذب النّاس على عليُّعليه‌السلام ثمَّ قال إنّما قال إنّكم ستدعون إلى سبي فسبوني ثمَّ ستدعون إلى البراءة مني وإنّي لعلى دين محمّد ولم يقل لا تبرءوا مني فقال له السائل أرأيت إن اختار القتل دون البراءة فقال والله ما ذلك

_________________________________________________

الحديث التاسع : مجهول.

وفي القاموس شقّ عليه الأمرّ شقّاً ومشقّة صعب ، وعليه أوقعه في المشقّة « ما أحسن » ما نافية ، أي لم يفعل الحسن حيث ترك التقيّة ، وسلم عليُّ على وجه المعرفة والإكرام بمحضر المخالفين « ولا أجمل » أي ولا فعل الجميل وقيل : أي ما أجمل حيث قدّم الظرف على السلام وهو يدلّ على الحصر وعبّر بالكنية وكل منهما يدلّ على التعظيم.

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

« إنكم ستدعون » هذا من معجزاته صلوات الله عليه فإنه أخبر بما سيقع وقد وقع لأن بني أمية لعنهم الله أمرّوا النّاس بسبهعليه‌السلام وكتبوا إلى عما لهم في البلاد أن يأمرّوهم بذلك ، وشاع ذلك حتّى إنّهم سبّوهعليه‌السلام على المنابر « وما له إلّا ما مضى عليه عمّار بن ياسر » روى العامّة والخاصّة أن قريشا أكرهوا

١٧٨

عليه وما له إلّا ما مضى عليه عمّار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكّة وقلبه مطمئنٌ

_________________________________________________

عمّاراً وأبويه ياسراً وسميّة على الارتداد فلم يقبله أبواه فقتلوهما وأعطاهم عمّار بلسانه ما أرادوا مكرهاً ، فقيل : يا رسول الله إنّ عمّاراً كفر فقال : كلا إن عمّاراً مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه ، فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّار وهو يبكي فجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح عينيه فقال : ما لك إن عادوا فعدّ لهم بما قلت.

أقول : وينافي هذا الخبر ظاهراً ما رواه السيّدرضي‌الله‌عنه في نهج البلاغة أنه قالعليه‌السلام : لأصحابه : إمّا إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحقّ البطن يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد فاقتلوه ولن تقتلوه إلّا وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني ، فإمّا السب فسبوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة ، وإمّا البراءة فلا تتبرءوا مني فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة « والبلعوم » مجرى الطعام في الحلق « ومندحقّ البطن » أي بارزه ، وقيل : واسعه « وأكل ما يجد » كناية عن كثرة أكله أو عن الإسراف والتبذير وطلب ما لا يجد عن الحرص أو عدم الظفر بالمقصد الأصلي ، واختلف في هذا الرّجل فقيل : هو زياد بن أبيه أو الحجاج أو المغيرة بن شعبة أو معاوية عليهم اللعنة ، وقد كان معاوية معروفاً بكثرة الأكل حتّى يضربّ به المثل قال الشاعر :

وصاحب لي بطنه كالهاوية

كأنّ في أمعائه معاوية

« فإنّه لي زكاة » أي زيادة في حسناتي أو لا ينقص من قدري في الدنيا شيئاً بل أزيد شرفاً وعلو قدر وشياع ذكر ، وإمّا ولادتهعليه‌السلام على الفطرة فاستشكل فيها بأنّ ميلادهعليه‌السلام كان متقدّماً على الإسلام ولو أريد بالفطرة ما يولد عليه كل مولود فذلك ممّا لا يختصّ به أحد مع أنّ الولادة على الإسلام ليس خاصّة لهعليه‌السلام .

١٧٩

بالإيمان ، فأنزل الله عزَّ وجلَّ فيه «إلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ »(١) فقال له

_________________________________________________

وأجيب بأنّ المراد بالولادة على الفطرة أنّه لم يولد في الجاهليّة لأنّهعليه‌السلام ولد لثلاثين عاماً مضت من عام الفيل ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسل لأربعين مضت منها.

وقد جاء في الأخبار الصحيحة أنّهعليه‌السلام مكث قبل الرسالة سنين عشراً يسمع الصوت ويرى الضوء ولا يخاطبه أحد ، وكان ذلك إرهاصاً لرسالته فحكم تلك السنين العشر أيّام رسالته ، فالمولود فيها إذاً كان في حجره وهو المتولي لتربيته كان مولودا في أيّام كأيّام النبوة وليس بمولود في الجاهليّة ففارقت حاله حال من يدعى له الفضل من الصحابة ، ويقصد بالتبري منهعليه‌السلام توليّهم.

وروي أنّ السنة التي ولدعليه‌السلام فيها كان يسمع الهتاف من الأحجار والأشجار وابتدأ فيها بالتبتل والانقطاع والعزلة في جبل حراء ، فلم يزل كذلك حتّى كوشف بالرسالة وأنزل عليه الوحي ، وقال لأهله ليلة ولادته وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الإلهية التي لم يشاهدها قبلها : لقد ولد لنا الليلة مولود يفتح الله به علينا أبواباً من النعمة والرحمة.

وقيل : المراد الولادة على الفطرة الّتي لم يتغيّر ولم يتبّدل بفساد العقائد باتّباع الآباء ومتابعة الشبهات وإضلال المضليّن ، وذلك أمرّ لا يعم كل مولود وإن كانت الولادة على الفطرة بمعنى الاستعداد للمعارف لو لم يمنع مانع من الأمور المذكورة مشتركة بين الجميع.

وقيل : يمكن أن يراد بالفطرة الخلقة الّتي لم يطرء عليها مخالفة أمرّ الله ونهيه وهي العصمة ، أي لم أخرج عن اتباع أمرّ الله مذ ولدت ، وإمّا السبق إلى الهجرة فقيل : إنهعليه‌السلام لم يسبق على جميع الصحابة وقد بات على فراشهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لـمّا هاجر إلى المدينة ومكث أيّامّا لردّ الودائع الّتي كانت عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

__________________

(١) سورة النحل : ١٠٦.

١٨٠