مرآة العقول الجزء ٩

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 439

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 439
المشاهدات: 21918
تحميل: 8820


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 439 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21918 / تحميل: 8820
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

_________________________________________________

وأجيب : بأنّ المراد بالهجرة الجنس وأوّل هجرة هاجرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خروجه إلى بني عامر بن صعصعة لـمّا مات أبو طالبعليه‌السلام ، وأوحى إليه : أن اخرج فقد مات ناصرك ، وكانت مدّة تلك الغيبة عشرة أيّام ولم يصحبه في تلك الهجرة إلّا عليّعليه‌السلام وحده.

ثمَّ هاجر إلى شيبان وكان معه هوعليه‌السلام وأبو بكر وقد كان تخلّفهعليه‌السلام في الهجرة إلى المدينة أسبق إلى الرتبة من السبق إليها كما لا يخفى على من له أدنى فطنة ، وإمّا السبق إلى الإيمان فمن خصائصهعليه‌السلام عندنا وعند كثير من مشاهير العامّة وقد أشبعنا الكلام في ذلك في الكتاب الكبير ، وينافيه أيضاً ما رواه الكشيّ بإسناده عن حجر بن عدي قال : قال لي عليُّعليه‌السلام : كيف تصنع أنت إذاً ضربت وأمرّت بلعني؟ قال : قلت له : كيف أصنع؟ قال العني ولا تبرّاً منّي فإنّي على دين الله ، وهذا يدلّ على أن اللعن في حكم السبّ ، ويؤيّد خبر الكتاب ما رواه صاحب كتاب الغارات بإسناده عن الباقر قال : خطب عليُّعليه‌السلام على منبر الكوفة فقال : سيعرض عليكم سبي فسبوني وإن عرض عليكم البراءة مني فإني على دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يقل فلا تبرءوا مني ، وروي أيضاً عن الصادقعليه‌السلام قال : قال عليُّعليه‌السلام : لتذبحن على سبي وأشار بيده إلى حلقه ، ثمَّ قال : فإن أمرّوكم بسبّي فسبّوني وإن أمرّوكم أن تبرّوا مني فإني على دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينههم عن إظهار البراءة.

وأقول : الجمع بين تلك الروايات في غاية الإشكال ويمكن الجمع بينها بحمل البراءة المنهي عنها على البراءة القلبيّة والمجوزّة على اللفظيّة ، لكن ينافيه بعض ما سيأتي من الأخبار ، وحمل ابن أبي الحديد البراءة على اللفظيّة وقال : لـمّا لم تطلق البراءة في الكتاب الكريم إلّا في حقّ المشركين كقوله تعالى : «بَراءَةٌ

١٨١

النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله عندها : يا عمّار إن عادوا فعدّ فقد أنزل الله عزَّ وجلَّ عذرك.

_________________________________________________

مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ »(١) وقوله عزّ وجلّ : «أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ »(٢) فيحمل النهي في كلامهعليه‌السلام على أن التحريم في البراءة أشدّ وإن كان الحكم في كل من السبّ والبراءة التحريم ، ويردّ عليه أن النهي عن البراءة في كلامهعليه‌السلام في حال الإكراه ، وقد صرّح هذا القائل بجواز كل من السبّ والتبري على وجه التقيّة وأنّه يجوز للمكلف أن لا يفعلهما وإن قتل إذاً قصد بذلك إعزاز الدّين إلّا أن يحمل النهي على التنزيه ، ويقول بالكراهة في إظهار البراءة ويجعل الصبر على القتل مستحبّاً بخلاف السبّ إلّا أنّه لم يصرّح بهذا الفرق ، ولم أطلع عليه في كلام غيره ، ويمكن أن يقال : بكراهة الأمرّين وشدتها في الثّاني ويحمل الأمرّ بالسبّ في كلامهعليه‌السلام على الجواز ولو على وجه الكراهة ، ويظهر من الشهيدقدس‌سره التخيير في التبري بين الفعل والترك وفي كل كلمة كفر حيث قال في قواعده : إن التقيّة تبيح كل شيء حتّى إظهار كلمة الكفر ولو تركها حينئذ أثمَّ إلّا في هذا المقام ومقام التبري من أهل البيتعليهم‌السلام فإنه لا يأثمَّ بتركها بل صبره إمّا مباح أو مستحبّ خصوصاً إذاً كان ممّن يقتدى به ، انتهى.

ولا يظهر من كلامه الفرق بل لا يبعدّ شمول كلمة الكفر للسب وإن قابلها بالتبري وما ذكره مناف لبعض الروايات كما عرفت ، وقد ذكر أبو الصّلاحقدس‌سره في الكافي فصلا طويلاً نذكر منه موضع الحاجة ، قال : فأمّا ما يقع به الإكراه فالخوف على النفس متى فعل الحسن واجتنب القبيح لحصول الإجماع بكون ذلك إكراهاً مؤثراً وعدم دليل بما دونه من ضروب الخوف ، ثمَّ قال (ره) : فإذا حصل شرط

__________________

(١) و (٢) سورة البرائة : ١ - ٣.

١٨٢

_________________________________________________

الإكراه فما أكره عليه المكلف على ضربين ، أحدهما لا يصحّ فيه الإكراه ، والثّاني يصحّ.

فالأوّل أفعال القلوب كلها لأن المكره لا سبيل له إلى علمها فلا يصحّ الإلجاء إلى شيء منها وما يصحّ فيه الإكراه أفعال الجوارح ، وهو على ضربين :

أحدهما لا يؤثر فيه الإكراه والثّاني يؤثر ، فالأوّل القبائح العقلية كلها كالظلم والكذب ومن السمعيات الزنا بإجماع الأمة وشربّ الخمرّ بإجماع الفرقة ، والثّاني الواجبات العقليّة والسمعيّة وما عدا ما ذكرناه من المحّرمات ، فأمّا الواجبات فيؤثر فيها التأخير عن أوقاتها وتغير كيفياتها والنيابة فيها وسقوط ما لا يصحّ ذلك فيه ، وإمّا المحرمات فيؤثر إباحتها كالميتة ولحم الخنزير والصيد في الحرَّم أو الإحرام وساق الكلام في ذلك إلى قوله : فإمّا إظهار كلمة الكفر وإنكار الإيمان أو إنكار كلمته مع الخوف على النفس مع الإمساك عن الأوّلة وإظهار الثانية فيختلف الحال فيه فإن كان مظهر الإيمان والحجّة به ومنكر الكفر والممتنع من إظهار شعاره في رتبة من يكون ذلك منه إعزازاً للدّين كرؤساء المسلمين في العلم والدّين والعبادة وتنفيذ الأحكام ، فالأوّلى به إظهار الإيمان والامتناع من كلمة الكفر فإن قتل فهو شهيد ويجوز له ما أكره عليه ، وإن كان من أطراف النّاس وممّن لا يؤثر فعله ما أكره عليه أو اجتنابه غضاضة في الدّين ففرضه ما دعي إليه فليور في كلامه ما يخرج به عن الكذب ولا يحلّ له ما جاز لمن ذكرناه من رؤساء الملة على حال ، انتهى.

وقال صاحب الجامع : إن أكره المكلف على إظهار كلمة الكفر بالقتل جاز له إظهارها ، ولو احتملها ولم يظهرها كان مأجوراً ، وإن أكره بالقتل على الإخلال بواجب سمعيّ أو عقلي أو على فعل قبيح سمعي جاز له ذلك ، وإن أكره على قبيح عقليّ فإن كان ممّا له عنه مندوحة ، كالكذب ورّى في نفسه ، وإن كان غيره كالظلم لم يحسنّه الإكراه.

١٨٣

وأمرّك أن تعود إن عادوا.

١١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليُّ بن الحكم ، عن هشام الكندي قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إياكم أن تعملوا عملا يعيرونا به فإن ولد السوء يعير والده بعمله كونوا لمن انقطعتم إليه زينا ولا تكونوا عليه شيناً صلوا في عشائرهم وعودوا مرّضاهم واشهدوا جنائزهم ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير فأنتم أولى به منهم والله ما عبد الله بشيء أحبُّ إليه من الخبء قلت وما الخبء قال التقيّة.

١٢ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن معمر بن خلّاد قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن

_________________________________________________

وروي أنّه يأخذ المال بالإكراه فإن تمكّن من ردّه فعل ولا خلاف أنّ قتل النفس المحرّمة لا يستباح بالإكراه أبداً.

قولهعليه‌السلام : وأمرّك، يمكن أن يكون على صيغة الماضي الغائب بإرجاع المستتر إلى الله وبصيغة المضارع المتكلّم.

الحديث الحادي عشر : صحيح.

قولهعليه‌السلام : فإنّ ولد السوء، بفتح السين من إضافة الموصوف إلى الصفة وهذا على التنظير أو هو مبني على ما مرّ مراراً من أن الإمام بمنزلة الوالد لرعيته والوالدّين في بطن القرآن النبيّ والإمامعليهما‌السلام وقد اشتهر أيضاً أن المعلم والد روحاني والشين العيب « صلّوا في عشائرهم » يمكن أن يقرأ صلّوا بالتشديد من الصلاة ، وبالتخفيف من الصلة أي صلّوا المخالفين مع عشائرهم ، أي كما يصلهم عن عشائرهم ، وقيل : أي إذاً كانوا عشائركم والضمائر للمخالفين بقرينة المقام وفي بعض النسخ عشائركم.

« ولا يسبقونكم » خبر في معنى الأمرّ والخباء الإخفاء والستر ، تقول خبأت الشيء خبئاً من باب منع إذاً أخفيته وسترته ، والمرّاد به هنا التقيّة لأنّ فيها إخفاء الحقّ وستره.

الحديث الثاني عشر : كالسابق.

١٨٤

القيام للولاة ، فقال قال أبو جعفرعليه‌السلام التقيّة من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقيّة له.

١٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن ربعي ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال التقيّة في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به.

١٤ - عليُّ ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن محمّد بن مرّوان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال [ كان ] أبيعليه‌السلام يقول وأي شيء أقر لعيني من التقيّة إن التقيّة جنة المؤمن.

١٥ - عليُّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن محمّد بن مرّوان قال قال

_________________________________________________

« عن القيام للولاة » أي القيام عندهم أو لتعظيمهم عند حضورهم أو مرّورهم ويفهم منه عدم جواز القيام لهم عند عدم التقيّة وعلى جوازه للمؤمنين بطريق أولى وفيه نظر ، وقيل : المرّاد القيام بأمورهم والائتمار بأمرّهم ولا يخفى بعده.

الحديث الثالث عشر : حسن كالصحيح.

ويدلّ على وجوب التقيّة في كل ما يضطر إليه الإنسان إلّا ما خرج بدليل وعلى أن الضرورة منوطة بعلم المكلف وظنه وهو أعلم بنفسه كما قال تعالى : «الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ »(١) والله يعلم من نفسه أنه مداهنة أو تقية.

الحديث الرابع عشر : مجهول ، « جنة للمؤمن » أي من ضرر المخالفين.

الحديث الخامس عشر : كالسابق.

« ما منع ميثم » كأنّه كان ميثماً فصحّف ويمكن أن يقرأ منع على بناء المجهول ، أي لم يكن ميثمَّ ممنوعاً من التقيّة في هذا الأمرّ فِلَم لم يتّق؟ فيكون الكلام مسوقاً للإشفاق لا الذم والاعتراض كما هو الظاهر على تقدير النصب ، ويحتمل أن يكون على الرفع مدحا بأنه مع جواز التقيّة تركه لشدة حبه لأمير المؤمنينعليه‌السلام ويحتمل أن يكون المعنى : لم يمنع من التقيّة ولم يتركها لكن لم تنفعه وإنّما تركها

__________________

(١) سورة القيامة : ١٤.

١٨٥

لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما منع ميثمَّرحمه‌الله من التقيّة ، فو الله لقد علم أنَّ هذه الآية نزلت في عمّار وأصحابه «إلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ »(١) .

_________________________________________________

لعدم الانتفاع بها وعدم تحقّق شرط التقيّة فيه ، ويمكن أن يقرأ منع على بناء المعلوم ، أي ليس فعله مانعا للغير عن التقيّة لأنّه اختار أحد الفردين المخيّر فيهما أو لاختصاص الترك به لـمّا ذكر أو فعلها ولم تنفعه ، وبالجملة يبعدّ من مثل ميثمَّ ورشيد وقنبر وأضرابهم رفع الله درجاتهم بعدّ إخباره صلوات الله عليه إياهم بما يجري عليهم وأمرّهم بالتقيّة تركهم أمرّهعليه‌السلام ومخالفتهم له وعدم بيانه لهم ما يجب عليهم حينئذ أبعدّ ، فالظاهر أنهم كانوا مخيرين في ذلك فاختاروا ما كان أشقّ عليهم.

ويؤيّده ما رواه الكشي عن ميثمَّرضي‌الله‌عنه قال : دعاني أمير المؤمنينعليه‌السلام وقال لي كيف أنت يا ميثمَّ إذاً دعاك دعيّ بني أمية عبيد الله بن زياد إلى البراءة مني فقلت : يا أمير المؤمنين أنا والله لا أبرّاً منك قال : إذاً والله يقتلك ويصلبك فقلت : أصبر فذاك في الله قليل فقالعليه‌السلام : يا ميثمَّ إذاً تكون معي في درجتي.

وروي أيضاً عن قنوا بنت رشيد الهجري قال : سمعت أبي يقول : أخبرني أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : يا رشيد كيف صبرك إذاً أرسل إليك دعي بني أمية فقطع يديك ورجليك ولسانك قلت : يا أمير المؤمنين آخر ذلك إلى الجنّة فقالعليه‌السلام : يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة قالت : والله ما ذهبت الأيّام حتّى أرسل إليه عبيد الله بن زياد الدعي فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنينعليه‌السلام فأبى أن يتبرء منه فقال له الدعي : فبأي ميتة قال لك تموت؟ فقال له : أخبرني خليلي : إنك تدعوني إلى البراءة فلا أبرّاً منه فتقدّمني فتقطع يدي ورجلي ولساني فقال : والله لأكذبن قوله قال : فقدموه فقطعوا يديه ورجليه وتركوا لسانه فحملت أطرافه يديه ورجليه فقلت : يا أبت تجد ألـمّا لـمّا أصابك فقال : لا يا بنية إلّا كالزحام بين النّاس فلـمّا احتملناه وأخرجناه من القصر

__________________

(١) سورة النحل : ١٠٦.

١٨٦

١٦ - أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ، عن شعيب الحداد ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقية.

_________________________________________________

اجتمع النّاس حوله فقال : ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم ما يكون إلى يوم القيامة فأرسل إليه الحجام حتّى قطع لسانه فمات رحمة الله عليه في ليلته.

وأقول : قصّة عمّار وأبويه رضي الله عنهم تشهد بذلك أيضاً إذ مدح عمّاراً على التقيّة وقال : سبق أبواه إلى الجنّة وإن أمكن أن يكون ذلك لجهلهما بالتقيّة ، وروي في غوالي اللئالي أن مسيلمة لعنه الله أخذ رجلين من المسلمين فقال لأحدهما : ما تقول في محمد؟ قال : رسول الله قال : فما تقول في؟ قال : أنت أيضاً فخلاه ، فقال للآخر : ما تقول في محمد؟ قال : رسول الله قال : فما تقول في؟ قال أنا أصم فأعاد عليه ثلاثاً وأعاد جوابه الأوّل فقتله فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إمّا الأوّل فقد أخذ برخصة الله وإمّا الثّاني فقد صدع بالحقّ فهنيئاً له.

الحديث السادس عشر : صحيح.

قولهعليه‌السلام : إنمّا جعلت التقيّة ، أي إنّما قرّرت لئلّا ينتهي آخراً إلى إراقة الدم وإن كان في أوّل الحال يجوز التقيّة لغيرها ، أو المعنى أن العمدة في مصلحة التقيّة حفظ النفس فلا ينافي جواز التقيّة لغيره أيضاً كحفظ المال أو العرض.

« فليس تقيّة » أي ليس هناك تقيّة أو ليس ما يفعلونه تقيّة ، ولا خلاف في أنّه لا تقيّة في قتل معصوم الدم وإن ظن أنه يقتل إن لم يفعل ، والمشهور أنه إن أكرهه على الجراح الّذي لا يسري إلى فوات النفس يجوز فعله إن ظن أنه يقتل إن لم يفعل ، وإن شمل قولهم لا تقيّة في الدماء ذلك ، وقد يحمل الخبر على أن المعنى أن التقيّة لحفظ الدم فإذا علم أنّه يقتل على كل حال فلا تقية.

١٨٧

١٧ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كلـمّا تقاربّ هذا الأمرّ كان أشدّ للتقية.

١٨ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن إسماعيل الجعفي ومعمر بن يحيى بن سام ومحمّد بن مسلم وزرارة قالوا سمعنا أبا جعفرعليه‌السلام يقول التقيّة في كل شيء يضطرُّ إليه ابن آدم فقد أحلّه الله له.

_________________________________________________

الحديث السابع عشر : موثق كالصحيح « كلـمّا تقاربّ هذا الأمرّ » أي خروج القائم.

الحديث الثامن عشر : حسن الفضلاء ، كالصحيح.

وقيل : الفاء في قوله : فقد أحله الله للبيان ، وأقول : يدلّ أيضاً على عموم التقيّة في كل ّضرورةٍ ، وقال الشهيد رفع الله درجته في قواعده : التقيّة مجاملة النّاس بما يعرفون وترك ما ينكرون ، وقد دل عليها الكتاب والسنّة قال الله تعالى : «لا يتّخذ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إلّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً »(١) وقال تعالى : «إلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ »(٢) ثمَّ ذكر الأخبار في ذلك.

ثمَّ قال (ره) : التقيّة ينقسم بانقسام الأحكام الخمسة ، فالواجب إذاً علم أو ظن نزول الضرر بتركها به أو ببعض المؤمنين ، والمستحبّ إذاً كان لا يخاف ضرراً عاجلاً أو يخاف ضرراً سهلاً أو كان تقيّة في المستحبّ كالترتيب في تسبيح الزهراءعليها‌السلام وترك بعض فصول الأذان ، والمكروه التقيّة في المستحبّ حيث لا ضرر عاجلاً ولا آجلاً ويخاف منه الالتباس على عوام المذهب ، والحرام التقيّة حيث يؤمن الضرر عاجلاً وآجلاً أو في قتل مسلم ، والمباح التقيّة في بعض المباحات الّتي ترجحها العامّة ولا يصل بتركها ضرر.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٢٨.

(٢) سورة النحل : ١٠٦.

١٨٨

١٩ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن حريز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال التقيّة ترس الله بينه وبين خلقه.

٢٠ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن أحمد بن حمزة ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي بصير قال قال أبو جعفرعليه‌السلام خالطوهم بالبرَّانيّة وخالفوهم بالجوَّانية إذاً كانت الإمرّة صبيانيّة.

٢١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن زكريّا المؤمن ، عن عبد الله

_________________________________________________

الحديث التاسع عشر : صحيح.

قوله عليه‌السلام : ترس الله ، أي ترس يمنع الخلق من عذاب الله ، أو من البلايا النازلة من عنده ، أو المرّاد بقوله بينه وبين أوليائه على حذف المضاف ، فالمرّاد بخلقه أعداؤه.

الحديث العشرون : ضعيف.

وقال في النهاية في حديث سلمان : من أصلح جوانيه أصلح الله برانيه ، أراد بالبراني العلانية ، والألف والنون من زيادات النسب ، كما قالوا في صنعاء : صنعاني وأصله من قولهم خرج فلان برّاً أي خرج إلى البر والصحراء وليس من قديم الكلام وفصيحة ، وقال أيضاً في حديث سلمان : إنّ لكلّ امرئ جوّانياً وبرّانياً أي باطناً وظاهراً وسرا وعلانية وهو منسوب إلى جو البيت وهو داخله وزيادة الألف والنون للتأكيد ، انتهى.

والإمرّة بالكسر الإمارة ، والمرّاد بكونها صبيانيّة كون الأمير صبياً أو مثله في قلة العقل والسفاهة ، أو المعنى أنه لم تكن بناء الإمارة على أمرّ حقّ بل كانت مبنيّة على الأهواء الباطلة كلعب الأطفال ، والنسبة إلى الجمع تكون على وجهين : أحدهما أن يكون المرّاد النسبة إلى الجنس فيردّ إلى المفردّ ، والثّاني أن تكون الجمعية ملحوظة فلا يردّ ، وهذا من الثّاني إذ المرّاد التشبيه بأمارة يجتمع عليها الصبيان.

الحديث الحادي والعشرون : ضعيف.

١٨٩

ابن أسد ، عن عبد الله بن عطاء قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام رجلان من أهل الكوفة أخذا فقيل لهما ابرأا من أمير المؤمنين فبرئ واحد منهما وأبى الآخر فخلّي سبيل الّذي برئ وقتل الآخر فقال إمّا الّذي برئ فرجل فقيه في دينه وإمّا الّذي لم يبرّاً فرجل تعجل إلى الجنّة.

٢٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام احذروا عواقب العثرات.

٢٣ - أبو عليُّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عليُّ بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول التقيّة ترس المؤمن والتقيّة حرز المؤمن ولا إيمان لمن لا تقيّة له إن العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيدين الله عزّ وجلّ به فيما بينه وبينه فيكون له عزا

_________________________________________________

ويدلّ على أن تارك التقيّة جهلاً مأجورٌ ولا ينافي جواز الترك كما مرّ.

الحديث الثّاني والعشرون : حسن كالصحيح.

« احذروا عواقب العثرات » أي في ترك التقيّة كما فهمّه الكليني (ره) ظاهراً أو الأعمّ فيشمل تركها ، فيحتمل أن يكون ذكره هنا لذلك وعلى الوجهين فالمعنى :

أن كل ما تقولونه فانظروا أولا في عاقبته وماله عاجلا وآجلا ثمَّ قولوه أو افعلوه فإن العثرة قلـمّا تفارق القول والفعل ولا سيما إذاً كثراً ، أو المرّاد أنه كلـمّا عثرتم عثرة في قول أو فعل فاشتغلوا بإصلاحها وتداركها كيلا يؤدّي في العاقبة إلى فسادٍ لا يقبل الإصلاح.

الحديث الثالث والعشرون : صحيح.

« لمن لا تقيّة له » أي مع العلم بوجوبها أو فيما يجب فيه التقيّة حتماً « فيدين الله عزّ وجلّ به » أي يعبد الله بقبوله والعمل به « فيما بينه » أي بين الله « وبينه فيكون » أي

١٩٠

في الدُّنيا ونوراً في الآخرة وإنَّ العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيذيعه فيكون له ذلا في الدنيا وينزع الله عزّ وجلّ ذلك النور منه.

(باب الكتمان)

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن أبي حمزة ، عن عليُّ بن الحسينعليه‌السلام قال وددتُ والله أنّي افتديت خصلتين في الشيعة لنا ببعض لحم ساعدي النزق وقلة الكتمان.

_________________________________________________

الحديث أو التديّن به « له » أي لهذا العبد « عزا » في الدنيا بسبب التقيّة « ونوراً في الآخرة » بسبب عبادته الصحيحة « من حديثنا » أي المختص بنا المخالف لأحاديث العامّة « فيكون له ذلا » أي بسبب ترك التقيّة وينزع الله لبطلان عبادته الّتي لم يتّق فيها.

باب الكتمان

الحديث الأول : صحيح.

« لوددت » بكسر الدال وفتحها : أي أحببت ويقال : فداه يفديه فداء وافتدى به وفاداه أعطى شيئاً فأنقذه ، وكان المعنى وددت أي أهلك وأذهب تينك الخصلتين عن الشيعة ، ولو انجر الأمرّ إلى أن يلزمني أن أعطى فداء عنها بعض لحم ساعدي ، أو يقال : لـمّا كان افتداء الأسر إعطاء شيء لأخذ الأسير ممّن أسره أستعير هنا لإعطاء الشيعة لحم الساعدّ لأخذ الخصلتين منهم ، أو يكون على القلب ، والمعنى : إنقاذ الشيعة من تينك الخصلتين.

« والنزق » بالفتح : الطيش والخفة عند الغضب ، والمرّاد بالكتمان : إخفاء أحاديث الأئمّة وأسرارهم عن المخالفين عند خوف الضرر عليهم وعلى شيعتهم ، أو الأعمّ منه ومن كتمان أسرارهم وغوامض أخبارهم عمن لا يحتمله عقله.

١٩١

٢ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مرّوان ، عن أبي أسامة زيد الشحّام قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام أمرّ النّاس بخصلتين فضيعوهما فصاروا منهما على غير شيء الصبر والكتمان.

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن يونس بن عمّار ، عن سليمان بن خالد قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله.

٤ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليُّ بن الحكم ، عن عبد الله بن بكير ، عن رجل ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال دخلنا عليه جماعة ، فقلنا يا ابن رسول الله إنا نريد العراق فأوصنا فقال أبو جعفرعليه‌السلام : ليقوِّ شديدكم ضعيفكم وليعدّ غنيكم على فقيركم ولا تبثّوا سرَّنا ولا تذيعوا أمرّنا وإذاً جاءكم عنّا حديثٌ فوجدتم عليه شاهدا

_________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« فصاروا منهما » أي بسببهما ، أي بسبب تضييعهما على غير شيء من الدّين ، أو ضيذعوهما بحيث لم يبق في أيديهم شيء منهما ، الصبر على البلايا وأذى الأعادي وكتمان الأسرار عنهم كما مرّ في قوله تعالى : «أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مرّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ »(١) .

الحديث الثالث : مجهول « أعزّه الله » خبر واحتمال الدعاء بعيد.

الحديث الرابع : مرّسل.

« جماعة » منصوب على الحاليّة أي مجتمعين معاً « ليقو شديدكم » أي بالإغاثة والإعانة ورفع الظلم ، أو بالتقوية في الدّين ورفع الشبه عنه « وليعدّ » يقال : عاد بمعروفه من باب قال ، أي أفضل ، والاسم العائدة وهي المعروف والصلة « ولا تبثوا سرنا » أي الأحكام المخالفة لمذهب العامّة عندهم « ولا تذيعوا أمرّنا » أي أمرّ إمامتهم وخلافتهم

__________________

(١) سورة القصص : ٥٤.

١٩٢

أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به وإلّا فقفوا عنده ، ثمَّ ردُّوه إلينا حتّى يستبين لكم واعلموا أن المنتظر لهذا الأمرّ له مثل أجر الصائم القائم ومن أدرك قائمنّا فخرج معه فقتل عدوَّنا كان له مثل أجر عشرين شهيداً ، ومن قتل مع قائمنّا كان له مثل أجر خمسة وعشرين شهيداً.

٥ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن عبد الأعلى قال : سمعت أبا

_________________________________________________

وغرائب أحوالهم ومعجزاتهم عند المخالفين ، بل الضعفة من المؤمنين إذ كانوا في زمان شديد وكان النّاس يفتّشون أحوالهم ويقتلون أشياعهم وأتباعهم وأمّا إظهارها عند عقلاء الشيعة وأمنائهم وأهل التسليم منهم ، فأمر مطلوب كما مرّ.

« فوجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من كتاب الله » كأنه محمول على ما إذاً كان مخالفا لـمّا في أيديهم ، أو على ما إذاً لم يكن الراوي ثقة ، أو يكون الغرض موافقته لعموم الكتاب كما ذهب إليه الشيخ من عدم العمل بخبر الواحد إلّا إذاً كان موافقاً لفحوى الكتاب والسنَّة المتواترة على التفصيل الّذي ذكره في صدر كتابي الحديث.

« وإلّا فقفوا عنده » أي لا تعملوا به ولا تردُّوه بل توقفوا عنده حتّى تسألوا عنه الإمام ، وقيل : المرّاد أنه إذاً وصل إليكم منّا حديث يلزمكم العمل به فإن وجدتم عليه شاهداً من كتاب الله يكون لكم مفرا عند المخالفين إذاً سألوكم عن دليله ، فخذوا المخالفين به وألزموهم وأسكتوهم ولا تتقوا منهم ، وإن لم تجدوا شاهداً فقفوا عنده ، أي فاعملوا به سرا ولا تظهروه عند المخالفين « ثمَّ ردُّوه » أي العلم بالشاهد إلينا ، أي سلونا عن الشاهد له من القرآن حتّى نخبركم بشاهده من القرآن فعند ذلك أظهروه لهم ولا يخفى ما فيه ، « لهذا الأمرّ » أي لظهور دولة القائمعليه‌السلام .

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

١٩٣

عبد اللهعليه‌السلام يقول إنّه ليس من احتمال أمرّنا التصديق له والقبول فقط من احتمال أمرّنا ستره وصيانته من غير أهله فأقرئهم السلام وقل لهم رحم الله عبداً اجتر مودة النّاس إلى نفسه حدثوهم بما يعرفون واستروا عنهم ما ينكرون ثمَّ قال والله ما الناصب لنا حربا بأشدّ علينا مئونة من الناطق علينا بما نكره فإذا عرفتم من عبد إذاعة فامشوا إليه وردُّوه عنها فإن قبل منكم وإلّا فتحمّلوا عليه بمن يثقل عليه ويسمع منه فإن الرّجل منكم يطلب الحاجة فيلطف فيها حتّى تقضى له فالطفوا في حاجتي كما تلطفون في حوائجكم فإن هو قبل منكم وإلّا فادفنوا كلامه تحت أقدامكم ولا

_________________________________________________

وكأنّ المراد بالتصديق الإذعان القلبيّ وبالقبول الإقرار الظاهري فقط ، أو مع العمل ، ومن في الموضعين للتبعيض أي ليست أجزاء احتمال أمرّنا أي قبول التكليف الإلهي في التشيّع منحصرة في الإذعان القلبي والإقرار الظاهري ، بل من أجزائه ستره وصيانته أي حفظه وضبطه من غير أهله وهم المخالفون والمستضعفون من الشيعة ، والضمير في فأقرئهم راجع إلى المحتملين ، أو مطلق الشيعة بقرينة المقام.

وفي القاموس قرأعليه‌السلام أبلغه كأقرأه ، ولا يقال اقرأه إلّا إذاً كان السلام مكتوباً ، وقال : الجرّ الجذب كالاجترار ، وقوله : حدثوهم ، بيان لكيفية اجترار مودة النّاس « بما يعرفون » أي من الأمور المشتركة بين الفريقين « والمؤنة » المشقّة « فتحملوا عليه » أي احملوا أو تحاملوا عليه ، أو تكلّفوا أن تحملوا عليه ، « من يثقل عليه » أي يعظم عنده ، أو يثقل عليه مخالفته ، وقيل : من يكون ثقيلاً عليه لا مفرّ له إلّا أن يسمع منه ، في القاموس : حمله على الأمرّ فانحمل أغراه به وحمّله الأمرّ تحميلاً فتحمّله تحمّلاً وتحامل في الأمرّ وبه تكلّفه على مشقّة وعليه كلّفه ما لا يطيق.

وقال : لطف كنصر لطفاً بالضمّ رفق ودنا ، والله لك أوصل إليك مرّادك بلطفٍ انتهى.

١٩٤

تقولوا : إنّه يقول ويقول ، فإنّ ذلك يحمل عليُّ وعليكم إمّا والله لو كنتم تقولون ما أقول لأقررت أنكم أصحابي هذا أبو حنيفة له أصحاب وهذا الحسن البصري له أصحاب وأنا امرّؤ من قريش قد ولدني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلمت كتاب الله وفيه تبيان كلّ شيء بدء الخلق وأمرّ السماء وأمرّ الأرض وأمرّ الأوّلين وأمرّ الآخرين وأمرّ ما كان وأمرّ ما يكون كأنّي أنظر إلى ذلك نصب عيني.

٦ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليُّ بن الحكم ، عن الرَّبيع بن محمّد المسلي ، عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال لي ما زال سرُّنا مكتوماً حتّى

_________________________________________________

ودفن الكلام تحت الأقدام كناية عن إخفائه وكتمه ، « إنه يقول ويقول » أي لا تكرروا قوله في المجالس ولو على سبيل الذم « فإن ذلك يحمل » أي الضرر على وعليكم ، أو يغري النّاس على وعليكم « لو كنتم تقولون ما أقول » أي من التقيّة وغيرها أو تعلنون ما أعلن « له أصحاب » أي ترونهم يسمعون قوله ويطيعون أمرّه مع جهالته وضلالته.

« وأنا امرّؤ من قريش » وهذا شرف ، واللذان تقدم ذكرهما ليسا منهم ، « وقد ولدني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » أي أنا من ولده فيدلّ على أن ولد البنت ولد حقيقة كما ذهب إليه جماعة من أصحابنا ، ومن قرأ ولدني على بناء التفعيل أي أخبر بولادتي وإمامتي في خبر اللوح فقد تكلف « كأني أنظر إلى ذلك نصب عيني » أي أعلم جميع ذلك من القرآن بعلم يقيني كأني أنظر إلى جميع ذلك وهي نصب عيني ، وفي القاموس : هو نصب عيني بالضمّ والفتح أو الفتح لحن.

الحديث السادس : مجهول.

والمرّاد بولد كيسان أولاد المختار الطالب بثار الحسينعليه‌السلام ، وقيل : المرّاد بولد كيسان : أصحاب الغدر والمكر الذين ينسبون أنفسهم من الشيعة وليسوا منهم ، في القاموس : كيسان اسم للغدر ولقب المختار بن أبي عبيد المنسوب

١٩٥

صار في يد [ ي ] ولد كيسان فتحدَّثوا به في الطريق وقرى السواد.

٧ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبيدة الحذاء قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول والله إن أحبُّ أصحابي إلي أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا وإن أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم للذي إذاً سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يقبله اشمأز منه وجحده وكفر من دان به وهو لا يدري لعلّ الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند فيكون بذلك خارجاً عن ولايتنا.

٨ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن يحيى ، عن حريز ، عن معلّى بن خنيس قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا معلّى اكتم أمرّنا ولا تذعه فإنه من كتم أمرّنا ولم يذعه أعزه الله به في الدنيا وجعله نورا بين عينيه في الآخرة يقوده إلى الجنّة يا معلّى من أذاع أمرّنا ولم يكتمه أذله الله به في الدنيا

_________________________________________________

إليه الكيسانية. وفي الصحّاح : سواد البصرة والكوفة : قراهما ، وقيل :السواد ناحية متصلة بالعراق أطول منها بخمسة وثلاثين فرسخا ، وحده في الطول من الموصل إلى عبادان ، وفي العرض من العذيب إلى حلوان ، وتسميتها بالسواد لكثرة الخضرة فيها.

الحديث السابع : صحيح.

وفي القاموس : الشمز : نفور النفس ممّا تكره وتشمز وتمعزّ وتقبض واشمأز انقبض واقشعر أو ذعر ، والشيء كرهه والمشمئز النافر الكاره والمذعور ، انتهى « وهو لا يدري» إشارة إلى قوله تعالى : «بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلـمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ »(١) ويدلّ على عدم جواز إنكار ما وصل إلينا من أخبارهم وإن لم تصل إليه عقولنا بل لا بد من ردّه إليهم حتّى يبينوا.

الحديث الثامن : مختلف فيه.

وقد مرّ مضمونه في آخر الباب السابق وكأنهعليه‌السلام كان يخاف عليُّ المعلى

__________________

(١) سورة يونس : ٣٩.

١٩٦

ونزع النور من بين عينيه في الآخرة وجعله ظلمة تقوده إلى النّار يا معلّى إنَّ التقيّة من ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقيّة له ، يا معلّى إنَّ الله يحبّ أن يعبد في السرّ كما يحبّ أن يعبد في العلانية يا معلّى إن المذيع لأمرّنا كالجاحد له.

٩ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن عليُّ ، عن مرّوان بن مسلم ، عن عمّار قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام أخبرت بما أخبرتك به أحداً ؟ قلت : لا إلّا سليمان بن خالد قال أحسنت إمّا سمعت قول الشاعر :

فلا يعدّون سري وسرك ثالثا

إلّا كل سر جاوز اثنين شائع

١٠ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال سألت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام عن مسألة فأبى وأمسك ، ثمَّ قال : لو أعطيناكم كلـمّا تريدون كان

_________________________________________________

القتل لـمّا يرى من حرصه على الإذاعة ولذلك أكثر من نصيحته بذلك ومع ذلك لم تنجع نصيحته فيه وإنّه قد قتل بسبب ذلك وتأتي أخبار نكال الإذاعة في بابها إنشاء الله.

الحديث التاسع : مجهول.

وقوله : أخبرت ، إمّا على بناء الأفعال بحذف حرف الاستفهام ، أو على بناء التفعيل بإثباته ، وفيه مدح عظيم لسليمان بن خالد إن حمل قوله أحسنت على ظاهره وإن حمل على التهكم فلا ، وهو أوفق بقوله : أو ما سمعت فإن سليمان كان ثالثاً « ولا يعدّون » نهي غائب من باب نصر مؤكّد بالنون الخفيفة ، والمرّاد بالاثنين الشخصين وكون المرّاد بهما الشفتين فيه لطف ، لكن لا يناسب هذا الخبر فتدبّر.

وقيل : كان الاستشهاد للإشعار بأنّ هذا ممّا يحكم العقل الصريح بقبحه ولا يحتاج إلى السماع عن صاحب الشرع.

الحديث العاشر : صحيح.

قوله : عن مسئلة ، كأنّها كانت ممّا يلزم التقيّة فيها ، أو من الأخبار الآتية

١٩٧

شرّاً لكم وأخذ برقبة صاحب هذا الأمرّ قال أبو جعفرعليه‌السلام ولاية الله أسرّها إلى جبرئيلعليه‌السلام وأسرّها جبرئيل إلى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأسرّها محمّد إلى عليُّعليه‌السلام وأسرّها عليُّ إلى من شاء الله ثمَّ أنتم تذيعون ذلك من الّذي أمسك حرفا سمعه قال أبو جعفرعليه‌السلام في حكمة آل داود ينبغي للمسلم أن يكون مالكاً لنفسه مقبلاً على شأنه عارفاً بأهل زمانه ، فاتّقوا الله ولا تذيعوا حديثنا فلو لا أن الله يدافع عن أوليائه

_________________________________________________

الّتي لا مصلحة في إفشائها ، أو من الأمور الغامضة الّتي لا تصل إليها عقول أكثر الخلق ، كغرائب شئونهم وأحوالهمعليهم‌السلام وأمثالها من المعارف الدقيقة ، و « أخذ » بصيغة المجهول عطفاً على كان ، أو على صيغة التفضيل عطفاً على شرّاً ، ونسبة الأخذ إلى الإعطاء إسناد إلى السبب ، وصاحب هذا الأمر الإمامعليه‌السلام .

« ولاية الله » أي الإمامة وشؤونها وإسرارها وعلومها ولاية الله وإمارته وحكومته ، وقيل : المرّاد تعيين أوقات الحوادث ، ولا يخفى ما فيه.

« إلى من شاء الله » أي الأئمّةعليهم‌السلام ، « ثمَّ أنتم » ثمَّ للتعجب ، وقيل : استفهام إنكار « من الّذي أمسك » الاستفهام للإنكار ، أي لا يمسك أحد من أهل هذا الزمان حرفاً لا يذيعه ، فلذا لا نعتمد عليهم أو لا تعتمدوا عليهم.

« في حكمة آل داود » أي الزبور ، أو الأعمّ منه ، أي داود وآله « مالكاً لنفسه » أي مسلطاً عليها يبعثها إلى ما ينبغي ويمنعها عما لا ينبغي ، أو مالكاً لأسرار نفسه لا يذيعها ، « مقبلاً على شأنه » أي مشتغلاً بإصلاح نفسه متفكرا فيما ينفعه فيجلبه ، وفيما يضره فيجتنبه.

« عارفاً بأهل زمانه » فيعرف من يحفظ سرّه ، ومن يذيعه ، ومن تجب مودّته أو عداوته ، ومن ينفعه مجالسته ومن تضره « حديثنا » أي الحديث المختص بنا عند المخالفين ومن لا يكتم السرّ « فلو لا » الفاء للبناء وجزاء الشرط محذوف أي لانقطعت سلسلة أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم بترككم التقيّة أو نحو ذلك.

١٩٨

وينتقم لأوليائه من أعدائه ، إمّا رأيت ما صنع الله بآل برمك وما انتقم الله لأبي

_________________________________________________

« إمّا رأيت ما صنع الله بآل برمك » أقول : دولة البرامكّة وشوكتهم وزوالها عنهم معروفة في التواريخ ، وروى الصدوق (ره) في العيون بإسناده عن عليُّ بن محمّد النوفليّ عن صالح بن عليُّ ، أن السبب في وقوع موسى بن جعفرعليه‌السلام إلى بغداد ، أن هارون الرشيد أراد أن يعقد الأمرّ لابنه محمّد بن زبيدة وكان له من البنين أربعة عشر ابنا ، واختار منهم ثلاثة محمّد بن زبيدة وجعله ولي عهده وعبد الله المأمون وجعل له الأمرّ بعدّ ابن زبيدة ، والقاسم المؤتمن وجعل له الأمرّ بعدّ المأمون فأراد أن يحكم الأمرّ في ذلك ويشهره شهرة يقف عليها الخاص والعام فحج في سنة تسع وسبعين ومائة وكتب إلى جميع الآفاق يأمرّ الفقهاء والعلماء والقراء والأمرّاء أن يحضروا مكّة أيّام الموسم فأخذ هو على طريق المدينة.

قال عليُّ بن محمّد النوفليّ : فحدّثني أبي أنه كان سبب سعاية يحيى بن خالد بموسى بن جعفرعليه‌السلام وضع الرشيد ابنه محمّد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمّد بن الأشعث فساء ذلك يحيى ، وقال : إذاً مات الرشيد وأفضى الأمرّ إلى محمّد انقضت دولتي ودولة ولدي ، وتحول الأمرّ إلى جعفر بن محمّد بن الأشعث وولده ، وكان قد عرف مذهب جعفر في التشيّع فأظهر له أنه على مذهبه فسر به جعفر وأفضى إليه بجميع أموره وذكر له ما هو عليه في موسى بن جعفرعليه‌السلام فلـمّا وقف على مذهبه سعى إلى الرشيد وكان الرشيد يرعى له موضعه وموضع أبيه من نصرة الخلافة فكان يقدم في أمرّه ويؤخر ويحيى لا يألو أن يخطب عليه إلى أن دخل يوما إلى الرشيد فأظهر له إكراماً وجرى بينهما كلام مت به جعفر بحرمته وحرمة أبيه ، فأمر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار فأمسك يحيى عن أن يقول فيه شيئاً حتّى أمسى ، ثمَّ قال للرشيد : يا أمير المؤمنين قد كنت أخبرك عن جعفر ومذهبه فتكذب عنه ، وهيهنا أمرّ فيه الفيصل قال : وما هو؟ قال : إنّه لا يصل إليه مال من جهة من الجهات إلّا أخرج خمسه فوجه به إلى موسى بن جعفر ولست أشك أنه فعل ذلك في العشرين الألف الدينار التي

١٩٩

الحسنعليه‌السلام وقد كان بنو الأشعث على خطر عظيم فدفع الله عنهم بولايتهم لأبي

_________________________________________________

أمرت بها له.

فقال هارون : إنّ في هذا لفيصلاً فأرسل إلى جعفر ليلا وقد كان عرف سعاية يحيى به فتباينا ، وأظهر كل واحد منهما لصاحبه العداوة فلـمّا طرق جعفراً رسول الرشيد بالليل خشي أن يكون قد سمع فيه قول يحيى وإنّه إنّما دعاه ليقتله ، فأفاض عليه ماء ودعا بمسك وكافور فتحنّط بهما ، ولبس بردّة فوق ثيابه وأقبل إلى الرشيد فلـمّا وقعت عليه عينه وشم رائحة الكافور ورأى البردة عليه.

قال : يا جعفر ما هذا؟ فقال : يا أمير المؤمنين قد علمت إنّه سعى بي عندك فلـمّا جاءني رسولك في هذه الساعة لم آمن أن يكون قد قدح في قلبك ما يقال عليُّ ، فأرسلت إلى لتقتلني ، فقال : كلّا ولكن خبّرت إنّك تبعث إلى موسى بن جعفر من كل ما يصير إليك بخمسة ، وإنّك قد فعلت ذلك في العشرين الألف الدينار فأحببت أن أعلم ذلك.

فقال جعفر : الله أكبر يا أمير المؤمنين تأمرّ بعض خدمك يذهب فيأتيك بها بخواتيمها ، فقال الرشيد لخادم له : خذ خاتم جعفر ، وانطلق به حتّى تأتيني بهذا المال وسمى له جعفر جاريته الّتي عندها المال فدفعت إليه البدر بخواتيمها فأتى بها الرشيد فقال له جعفر : هذا أول ما تعرف به كذب من سعى بي إليك ، قال : صدقت يا جعفر انصرف آمنّا فإني لا أقبل فيك قول أحد ، قال : وجعل يحيى يحتال في إسقاط جعفر.

قال النوفليّ : فحدّثني عليُّ بن الحسن بن عليُّ بن عمر بن عليُّ ، عن بعض مشايخه ، وذلك في حجّة الرشيد قبل هذه الحجّة ، فقال : لقيني عليُّ بن إسماعيل بن جعفر بن محمّد ، فقال لي : ما لك قد أخملت نفسك؟ ما لك لا تدبر أمرّ الوزير ، فقد أرسل إلى فعادلته وطلبت الحوائج إليه ، وكان سبب ذلك أن يحيى بن خالد قال ليحيى بن أبي مرّيم : إلّا تدلني على رجل من آل أبي طالب له رغبة في الدنيا فأوسع له منها؟ قال : بلى أدلك على رجل بهذه الصفة ، وهو عليُّ بن إسماعيل بن جعفر.

٢٠٠