مرآة العقول الجزء ٩

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 439

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 439
المشاهدات: 21946
تحميل: 8821


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 439 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21946 / تحميل: 8821
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الحسنعليه‌السلام وأنتم بالعراق ترون أعمال هؤلاء الفراعنة وما أمهل الله لهم فعليكم بتقوى الله ولا تَغُرَّنَّكُمُ [ الْحَياةُ ]الدُّنْيا ولا تغتروا بمن قد أمهل له فكأن الأمرّ

_________________________________________________

فأرسل إليه يحيي فقال : أخبرني عن عمّك وعن شيعته والمال الّذي يحمل إليه ، فقال له : عندي الخبر فسعى بعمّه ، فكان في سعايته أن قال : إن من كثرة المال عنده أنّه اشترى ضيعة تسمى البشريّة بثلاثين ألف دينار ، فلـمّا أحضر المال قال البائع : لا أريد هذا النقد أريد نقد كذا وكذا ، فأمر بها فصبّت في بيت ماله ، وأخرج منه ثلاثين ألف دينار من ذلك النقد ووزنه من ثمن الضيعة.

قال النوفلي : قال أبي : وكان موسى بن جعفرعليه‌السلام يأمرّ بالمال لعليُّ بن إسماعيل ويثق به حتّى ربما خرج الكتاب منه إلى بعض شيعته بخط عليُّ بن إسماعيل ، ثمَّ استوحش منه فلـمّا أراد الرشيد الرحلة إلى العراق بلغ موسى بن جعفرعليه‌السلام أن عليا ابن أخيه يريد الخروج مع السلطان إلى العراق ، فأرسل إليه : ما لك والخروج مع السلطان؟ قال : لأن عليُّ دينا ، فقال : دينك عليُّ ، قال : وتدبير عيالي؟ قال : أنا أكفيهم ، فأبى إلّا الخروج ، فأرسل إليه مع أخيه محمّد بن إسماعيل بن جعفر بثلاثمائة دينار وأربعة آلاف درهم ، فقال : اجعل هذا في جهازك ولا توتم ولدي.

وأقول : في بعض الأخبار أنهعليه‌السلام لـمّا حبسه الرشيد لعنه الله أمرّ السندي بن شاهك عليه اللعنة فسمه ، وفي بعضها تولى ذلك الفضل بن يحيى البرمكي ، وأوردت تفصيل تلك القصص في الكتاب الكبير ، وقد مرّ خبر عليُّ بن إسماعيل وسعايته في باب مولد موسى صلوات الله عليه « وما انتقم لأبي الحسن » أي الكاظم صلوات الله عليه أي من البرامكّة ، ومن عليُّ بن إسماعيل أيضاً كما مرّ في قصته.

« ترون أعمال هؤلاء الفراعنة » أي بني عباس وأتباعهم ، والحاصل أنه تعالى قد ينتقم لأوليائه من أعدائه وقد يمهلهم إتمإمّا للحجّة عليهم.

فاتّقوا الله في الحالتين ولا تذيعوا سرّنا ولا تغترّوا بالدنيا وحبها ، فيصير سبباً

٢٠١

قد وصل إليكم.

١١ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليُّ الوشاء ، عن عمر بن أبان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طوبى لعبد نومة عرفه الله ولم يعرفه النّاس أولئك مصابيح الهدى وينابيع

_________________________________________________

للإذاعة للأغراض الباطلة ، أو للتوسّل بالمخالفين لتحصيل الدنيا أو باليأس عن الفرَّج استبطاء « فكان الأمرّ قد وصل إليكم » بشارة بقربّ ظهور أمرّ القائمعليه‌السلام وبيان لتيقن وقوعه.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور.

قال في النهاية : في حديث عليُّعليه‌السلام أنّه ذكر آخر الزمان والفتن ، ثمَّ قال : خير أهل ذلك الزمان كل مؤمن نومة ، النومة بوزن الهمزة : الخامل الذكر ، الّذي لا يؤبه له ، وقيل : الغامض في النّاس الّذي لا يعرف الشر وأهله وقيل : النومة بالتّحريك : الكثير النوم ، وإمّا الخامل الّذي لا يؤبه له فهو بالتسكين.

ومن الأوّل حديث ابن عباس أنه قال لعليُّ : ما النومة؟ قال : الّذي يسكت في الفتنة فلا يبدو منه شيء ، انتهى.

وقوله : عرفه الله ، على بناء المجردّ كأنه تفسير للنومة ، أي عرفه الله فقط دون النّاس ، أو عرفه الله بالخير والإيمان والصّلاح ، أي اتصّف بها واقعا ولم يعرفه النّاس بها.

ويمكن أن يقرأ على بناء التفعيل أي عرّفه الله نفسه وأولياءه ودينه بتوسط حججهعليهم‌السلام ولم تكن معرفته من النّاس أي من سائر النّاس ممّن لا يجوز أخذ العلم عنه لكنّه بعيد.

« أولئك مصابيح الهدى » أولئك : إشارة إلى جنس عبد النومة وفيه إشارة إلى أن المرّاد بالنّاس الظلمة والمخالفون لا أهل الحقّ من المؤمنين المسترشدين ،

٢٠٢

العلم ينجلي عنهم كلُّ فتنة مظلمة ليسوا بالمذاييع البذر ولا بالجفاة المرّاءين.

١٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي الحسن الأصبهاني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام طوبى لكل عبد نومة

_________________________________________________

وهذا وجه جمع حسن بين أخبار مدح العزلة كهذا الخبر وذمها ، وهو أيضاً كثير.

أو باختلاف الأزمنة والأحوال ، فإنه يومئ إليه أيضاً هذا الخبر ، وكذا قوله : « وينابيع العلم » فإنه يدلّ على انتفاع النّاس بعلمهم « ينجلي » أي ينكشف ويذهب « عنهم كل فتنة مظلمة » أي الفتنة الّتي توجب اشتباه الحقّ والدّين على النّاس ، وانجلاؤها عنهم كناية عن عدم صيرورتها سبباً لضلالتهم ، بل هم مع تلك الفتن المضلة على نور الحقّ واليقين.

« ليسوا بالمذاييع البذر » قال في النهاية : في حديث فاطمة عند وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت لعائشة : إني إذاً لبذرة ، البذر الّذي يفشي السر ويظهر ما يسمعه ، ومنه حديث عليُّعليه‌السلام في صفة الصحابة : ليسوا بالمذاييع البذر جمع بذور يقال : بذرت الكلام بين النّاس كما تبذر الحبوب ، أي أفشيته وفرقته ، وقال : المذاييع ، جمع مذياع ، من أذاع الشيء إذاً أفشاه ، وقيل : أراد الذين يشيعون الفواحش ، وهو بناء مبالغة.

وقال : الجفاء ، غلظ الطبع ومنه في صفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بالجافي ولا بالمهين : أي ليس بالغليظ الخلقة والطبع ، أو ليس بالّذي يجفو أصحابه ، وفي القاموس البذور والبذير النمام ومن لا يستطيع كتم سرّه ورجل بذر ككتف : كثير الكلام انتهى.

وقيل : الجافي هو الكزّ الغليظ السيّيء الخلق كأنّه جعله لانقباضه مقابلا لمنبسط اللسان الكثير الكلام ، والمرّاد النهي عن طرفي الإفراط والتفريط ولزوم الوسط.

الحديث الثاني عشر : مجهول.

وقال في النهاية : فيه ربّ أشعث أغبر ذي طمرّين لا يؤبه له لو أقسم على الله لابر

٢٠٣

لا يؤبه له يعرف النّاس ولا يعرفه النّاس يعرفه الله منه برضوان أولئك مصابيح الهدى ينجلي عنهم كلُّ فتنة مظلمة ويفتح لهم باب كل رحمة ليسوا بالبذر المذاييع ولا الجفاة المرّاءين وقال قولوا الخير تعرفوا به واعملوا الخير تكونوا من أهله ولا تكونوا عجلا مذاييع فإن خياركم الذين إذاً نظر إليهم ذكر الله وشراركم المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة المبتغون للبرآء المعايب.

_________________________________________________

قسمه ،أي لا يبالي به ولا يلتفت إليه ، يقال : ما وبهت له بفتح الباء وكسرها وبها ووبها بالسكون والفتح وأصل الواو الهمزة ، انت هى.

« يعرف النّاس » أي محقّهم ومبطلهم فلا ينخدع منهم « يعرفه الله » كان بناء التفعيل هنا أظهر ، وقوله « منه » متعلّق بيعرفه ، أي من عنده ومن لدنه ، كما أراد بسبب رضاه عنه أو متلبسا برضاه ، وربما يقرأ منه بفتح الميم وتشديد النون أي نعمته الّتي هي الإمام أو معرفته.

« ويفتح لهم باب كل رحمة » أي من رحمات الدنيا والآخرة ، كالفوائد الدنيويّة والتوفيقات الأخرويّة والإفاضات الإلهية والهدايات الربانية « وقولوا الخير تعرفوا به » أي لتعرفوا به أو قولوه كثيراً حتّى تصيروا معروفين بقول الخير ، وعلى الأوّل مبني على أن الخير ممّا يستحسنه العقل وكفى بالمعروفية به ثمرّة لذلك ، وكذا الوجهان جاريان في الفقرة الأخيرة ، والعجل بضمتين جمع العجول : وهو المستعجل في الأمور الّذي لا يتفكر في عواقبها.

« الذين إذاً نظر إليهم ذكر الله » على بناء المجهول فيهما أي يكون النظر في أعمالهم وأطوارهم لموافقتها للكتاب والسنّة وإشعارها بفناء الدنيا وإيذانها بإيثار رضى الله وحبه مذكرا لله سبحانه وثوابه وعقابه.

وفي القاموس : النمّ التوريش والإغراء ورفع الحديث إشاعة له وإفسادا وتزيين الكلام بالكذب والنميمة : الاسم « المفرقون بين الأحبة » بنقل حديث بعضهم إلى

٢٠٤

١٣ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى عمن أخبره قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام كفوا ألسنتكم والزموا بيوتكم فإنه لا يصيبكم أمرّ تخصون به أبداً ولا تزال الزيديّة لكم وقاء أبداً.

١٤ - عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي الحسن صلوات الله عليه قال إن

_________________________________________________

بعض صدقاً أو كذباً ليصير سبب العداوة بينهم وأمثال ذلك« المبتغون للبراء المعايب » أي الطالبون لمن برّاً من العيب مطلقاً أو ظاهر العيوب الخفيّة ليظهروه للنّاس ، أو يفتروا عليهم حسداً وبغياً ، وفي القاموس : بريء المرّيض فهو بارئ وبريء والجمع ككرام ، وبرّاً من الأمرّ يبرء ويبرء نادر ، براء وبراءة وبروءا تبرّاً ، وإبراك منه وبرأك وأنت بريء والجمع بريئون وكفقهاء وكرام وأشراف وأنصباء ورخال.

الحديث الثالث عشر : مرّسل.

« كفوا ألسنتكم » أي عن إفشاء السر عند المخالفين وإظهار دينكم والطعن عليهم « وألزموا بيوتكم » أي لا تخالطوا النّاس كثيراً فتشتهروا « فإنه لا يصيبكم » أي إذاً استعملتم التقيّة كما ذكر لا يصيبكم « أمرّ » أي ضرر من المخالفين « تخصون به » أي يكون مخصوصاً بالشيعة الإماميّة فإنهم حينئذ لا يعرفونكم بذلك وهم إنّما يطلبون من ينكر مذهبهم مطلقاً من الشيعة وأنتم محفوظون في حصن التقيّة والزيديّة لعدم تجويزهم التقيّة وطعنهم على أئمتنا بها يجاهرون بمخالفتهم فالمخالفون يتعرضون لهم ويغفلون عنكم ولا يطلبونكم فهم وقاء لكم.

وفي المصباح : الوقاء مثل كتاب : كلّ ما وقيت به شيئاً ، وروى أبو عبيد عن الكسائي الفتح في الوقاية والوقاء أيضاً ، انتهى.

وقيل : المرّاد إنّهم يظهرون ما تريدون إظهاره فلا حاجة لكم إلى إظهاره حتّى تلقوا بأيديكم إلى التهلكة.

الحديث الرابع عشر : صحيح.

٢٠٥

كان في يدك هذه شيء فإن استطعت أن لا تعلم هذه فافعل قال وكان عنده إنسان - فتذاكروا الإذاعة فقال احفظ لسانك تُعزَّ ولا تمكّن النّاس من قياد رقبتك فتذل.

١٥ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليُّ بن الحكم ، عن خالد بن نجيح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن أمرّنا مستور مقنع بالميثاق فمن هتك علينا أذله الله.

١٦ - الحسين بن محمّد ومحمّد بن يحيى جميعاً ، عن عليُّ بن محمّد بن سعدّ ، عن محمّد بن مسلم ، عن محمّد بن سعيد بن غزوان ، عن عليُّ بن الحكم ، عن عمر بن أبان ، عن عيسى بن أبي منصور قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول نفس المهموم لنا

_________________________________________________

« إن كان في يدك هذه شيء » هذا غاية المبالغة في كتمان سرك من أقربّ النّاس إليك فإنه وإن كان من خواصّك فهو ليس بأحفظ لسرك منك « من قياد رقبتك » القياد بالكسر : حبل تقاد به الدابة ، وتمكين النّاس من القياد ، كناية عن تسليط المخالفين على الإنسان بسبب ترك التقيّة وإفشاء الأسرار عندهم.

الحديث الخامس عشر : مجهول.

« والمقنّع » اسم مفعول على بناء التفعيل. أي مستور وأصله من القناع « بالميثاق » أي بالعهد الّذي أخذ الله رسوله والأئمّةعليهم‌السلام أن يكتموه عن غير أهله وقوله « أذله الله » خبر ويحتمل الدعاء.

الحديث السادس عشر : مجهول. والظاهر محمّد بن أسلم مكان ابن مسلم فيكون الخبر ضعيفاً.

« نفس المهموم لنا » أي التفكّر في أمرّنا ، الطالب لفرجنا ، أو المغتم لعدم وصوله إلينا « المغتمّ لظلمنا » أي لمظلوميتنا « تسبيح » أي يكتب لكل نفس ثواب « وهمّه لأمرنا » أي اهتمامه بخروج قائمنّا ، وسعيه في أسبابه ودعاؤه لذلك « عبادة » أي ثوابه

٢٠٦

المغتمُّ لظلمنا تسبيحٌ وهمّه لأمرنا عبادة وكتمانه لسرّنا جهاد في سبيل الله قال لي محمّد بن سعيد اكتب هذا بالذهب فما كتبت شيئاً أحسن منه.

(باب)

(المؤمن وعلاماته وصفاته)

١ - محمّد بن جعفر ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عبد الله بن داهر ، عن الحسن بن يحيى ، عن قثمَّ أبي قتادة الحرّاني ، عن عبد الله بن يونس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام

_________________________________________________

ثواب المشتغل بالعبادة.

« وكتمانه لسرّنا جهاد » لأنه لا يحصل إلّا بمجاهدة النفس « قال لي » هو كلام محمّد بن مسلم أو أسلم ، « اكتب هذا بالذهب » أي بمائه ولعله كناية عن شدة الاهتمام بحفظه والاعتناء به ونفاسته ، ويحتمل الحقيقة ، ولا منع منه إلّا في القرآن كما سيأتي في كتابه « فما كتبت » بالخطّاب ويحتمل التكلم.

باب المؤمن وعلاماته وصفاته

أقول : كأنّ المراد بالمؤمن الكامل أو المرّاد بها الصفات الّتي ينبغي أن يكون المؤمن متّصفاً بها.

الحديث الأول : ضعيف على المشهور. لكنه منقول في نهج البلاغة باختلاف كثير ، وفي مجالس الصدوق ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصفار عن عليُّ بن حسان الواسطي ، عن عمّه عبد الرَّحمن بن كثير الهاشمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وهو بما في النهج أوفق.

وفي النهج روي أن صاحبّاً لأمير المؤمنين يقال له همام كان رجلا مؤمناً عأبداً قال له : يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتّى كأني أنظر إليهم فتثاقل عن جوابه ، ثمَّ قال صلوات الله عليه : يا همام اتق الله وأحسن «إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ

٢٠٧

قال قام رجل يقال له همّام - وكان عأبداً ، ناسكاً ، مجتهدا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو يخطب فقال يا أمير المؤمنين صف لنا صفة المؤمن كأنّنا ننظر إليه ؟ فقال :

يا همّام المؤمن هو الكيس الفطن بشره في وجهه وحزنه في قلبه ، أوسع

_________________________________________________

هُمْ مُحْسِنُونَ » فلم يقنع همّام بذلك القول ، حتّى عزم عليه قال : فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبيّ محمّد وآله ، ثمَّ قال.....

وفي المجالس فقال همّام : يا أمير المؤمنين أسألك بالّذي أكرمك بما خصك به وحباك وفضلك بما آتاك وأعطاك لـمّا وصفتهم لي؟ فقام أمير المؤمنينعليه‌السلام قائماً على رجليه فحمد الله « إلخ » وهمّام بفتح الهاء وتشديد الميم ، وقيل : هو همّام بن شريح بن يزيد بن مرّة وكان من شيعة عليُّعليه‌السلام وأوليائه(١) .

وفي القاموس : الهمّام كغراب الملك العظيم الهمة ، والسيّد الشجاع السخي وكشداد ، ابن الحارث ، وابن زيد ، وابن مالك صحابيون ، ويمكن أن يكون همّام سأل عن صفات المؤمنين والمتقين معاً ، فاكتفى في بعض الروايات بذكر الأوّلى وفي بعضها بذكر الثانية ، وما ذكر في الروايتين من تثاقلهعليه‌السلام في الجواب أنسب بقولهعليه‌السلام في آخر الخبر : لقد كنت أخافها عليه.

وفي القاموس : النّسك مثلثة وبضمتين العبادة ، وكل حقّ لله عزّ وجلّ ، وقيل : المرّاد هنا المواظب على العبادة ، والمجتهد المبالغ في العبادة.

في القاموس : جهد كمنع جد كاجتهد وقال : الكيّس خلاف الحمق وقال : الفطنة بالكسر : الحذق ، وأقول : الكيس كسيِّد ، والفطن بفتح الفاء ، وكسر الطاء ، وتعريف الخبر باللام وتوسيط الضمير ، للحصر والتأكيد ، كان الفرق بينهما أنّ الكياسة ما كان خلقة والفطنة ما يحصل بالتجاربّ ، أو الأوّل ما كان في الكليات

__________________

(١) وفي هامش المخطوطة : بل هو همّام بن عبادة بن خثيم ابن أخي ربيع بن خثيم الزاهد المعروف.

٢٠٨

شيء صدراً وأذلٌّ شيء نفسا زاجر عن كل فان حاض على كل حسن ، لا حقود ولا حسود ولا وثاب ولا سباب ولا عياب ولا مغتاب يكره الرفعة ويشنأ السمعة طويل الغمّ ، بعيد الهمّ ، كثير الصمت وقور ذكور صبور شكور

_________________________________________________

والثّاني ما كان في الجزئيات ، ويحتمل التأكيد.

وفي القاموس : البشر بالكسر الطلاقة « أوسع شيء صدرا » كناية عن كثرة العلم أو وفور الحلم « وأذل شيء نفسا » أي لا يترفع ، ولا يطلب الرفعة ، ويتواضع للنّاس ، ويرى نفسه أخس من كل أحد ، وقيل : أي صارت نفسه الأمارة ذليلة لروحه المقدّسة ، وصارت مخالفته للنفس شعاره ، فعلى الأوّل من الذل وهو السهولة والانقياد وعلى الثّاني من الذل بالضمّ بمعنى المذلة والهوان « زاجر » أي نفسه أو غيره أو الأعمّ منهما « عن كل فإن » أي من جميع الأمور الدنيويّة فإنها في معرض الفناء ، والحض : الترغيب والتحريص ، وهذا أيضاً يحتمل النفس والغير والأعمّ ، والحقد : إمساك العداوة والبغض في القلب ، والحقود : الكثير الحقد ، وقيل : لا للمبالغة في النفي ، لا لنفي المبالغة كما قيل في قوله تعالى : «وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ »(١) فلا يلزم ثبوت أصل الفعل وكذا في البواقي.

« ولا وثّاب » أي لا يثب في وجوه النّاس بالمنازعة والمعارضة ، وفي القاموس : رفع ككرم رفعة بالكسر شرف وعلا قدره ، وقال : شنأه كمنعه وسمعه شنأ ويثلث وشناة وشنآناً : أبغضه ، وقال الجوهري : تقول فعله رياء وسمعة : أي ليراه النّاس ويسمعوا به « طويل الغمّ » أي لـمّا تستقبله من سكرات الموت وأحوال القبر وأهوال الآخرة « بعيد الهمّ » إمّا تأكيد للفقرة السابقة فإن الهم والغمّ متقاربان أي يهتمُّ للأمور البعيدة عنه من أمور الآخرة ، أو المرّاد بالهم القصد ، أي هو عالي الهمّة لا يرضى بالدون من الدنيا الفانية.

وقيل : أي يتفكّر في العواقب ، في القاموس الهم ّ: الحزن والجمع هموم

__________________

(١) سورة ق : ٢٩.

٢٠٩

مغموم بفكره ، مسرور بفقره ، سهل الخليقة ، ليّن العريكة ، رصين الوفاء ، قليل

_________________________________________________

وما همّ به في نفسه ، والهمّة بالكسر ويفتح : ما همّ به من أمرّ ليفعل « كثير الصّمت » أي عمّا لا يعنيه « وقور » أي ذو وقار ورزانة ، لا يستعجل في الأمور ولا يبادر في الغضب ، ولا تجره الشهوات إلى ما لا ينبغي فعله ، وفي القاموس : الوقار كسحاب الرزانة ورجل وقار ووقور ووقر كندس « ذكور » كثير الذكر لله ، ولـمّا ينفعه في الآخرة « صبور » عند البلاء « شكور » عند الرخاء « مغموم بفكره » أي بسبب فكره في أمور الآخرة « مسرور بفقره » لعلمه بقلّة خطره ويسر الحساب في الآخرة وقلة تكاليف الله فيه.

« سهل الخليقة » أي ليس في طبعه خشونة وغلظة ، وقيل : أي سريع الانقياد للحقّ ، وفي القاموس : الخليقة الطبيعة ، قال الله تعالى : «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ »(١) .

« لين العريكة » هي قريبة من الفقرة السابقة مؤكدة لها ، في القاموس : العريكة كسفينة : النفس ورجل لين العريكة سلس الخلق منكسر النخوة ، وقال الجوهري : العريكة : الطبيعة ، وفلان لين العريكة إذاً كان سلسا ويقال : لأنت عريكته إذاً انكسرت نخوته ، وفي النهاية في صفتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصدق النّاس لهجة وألينهم عريكة ، العريكة : الطبيعة ، يقال : فلان لين العريكة إذاً كان سلسا مطاوعا منقادا قليل الخلاف والنفور.

« رصين الوفاء » بالراء والصاد المهملتين ، وما في بعض نسخ الكافي بالضاد المعجمة تصحيف ، أي محكم الوفاء بعهود الله وعهود الخلق ، في القاموس : رصنه : أكمله وأرصنه : أحكمه ، وقد رصن ككرم ، وكأمير المحكم الثابت والحفي بحاجة صاحبه « قليل الأذى » إنّما ذكر القلة ولم ينف الأذى رأسا ، لأن الإيذاء

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٥٩.

٢١٠

الأذى لا متأفّك ولا متهتّك.

إن ضحك لم يخرق ، وإن غضب لم ينزق ، ضحكه تبسّم ، واستفهامه تعلّم

_________________________________________________

قد يكون حسناً بل واجباً ، كما في الأمرّ بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفّار ، وقيل : إنما قال ذلك ، لأنه يؤذي نفسه ، ولا يخفى بعده.

« لا متأفك » كأنه مبالغة في الإفك بمعنى الكذب ، أي لا يكذب كثيراً ، أو المعنى لا يكذب على النّاس ، وفي بعض النسخ لا مستأفك ، أي لا يكذب على النّاس فيكذبوا عليه فكأنه طلب منهم الإفك ، وقيل : المتأفك : من لا يبالي أن ينسب إليه الإفك « ولا متهتك » أي ليس قليل الحياء لا يبالي أن يهتك سترة ، أو لا يهتك ستر النّاس ، في القاموس : هتك الستر وغيره يهتكه فانهتك وتهتك : جذبه فقطعه من موضعه ، أو شقّ منه جزءا فبدا ما وراءه ، ورجل منهتك ومتهتك ومستهتك لا يبالي أن يهتك ستره.

« إن ضحك لم يخرق » أي لا يبالغ فيه حتّى ينتهي إلى الخرق والسفه ، بل يقتصر على التبسّم كما سيأتي ، في القاموس : الخرق بالضمّ والتحريك ضدّ الرفق وأن لا يحسن الرّجل العمل والتصرف في الأمور والحمق ، وقيل : هو من الخرق بمعنى الشقّ أي لم يشقّ فاه ولم يفتحه كثيرا.

« وإن غصب لم ينزق » في القاموس : نزق الفرس كسمع ونصر وضربّ نزقا ونزوقا : نزا أو تقدم خفة ووثب ، وأنزقه ونزقه غيره وكفرح وضربّ : طاش وخف عند الغضب « ضحكه تبسّم » في القاموس : بسم يبسم بسما وابتسم وتبسّم وهو أقل الضحك وأحسنه ، وفي المصباح : بسم بسما من باب ضربّ ضحك قليلاً من غير صوت وابتسم وتبسّم كذلك.

« واستفهامه تعلّم » أي للتعلّم لا لإظهار العلم « ومرّاجعته » أي معاودته في السؤال « تفهّم » أي لطلب الفهم لا للمجادلة « كثير الرحمة » أي ترحمّه على

٢١١

ومراجعته تفهّم كثير علمه ، عظيم حلمه ،كثير الرحمة لا يبخل ولا يعجل ولا يضجر ولا يبطر ولا يحيف في حكمه ولا يجور في علمه نفسه أصلب من الصلد ومكادحته أحلى من الشهد لا جشع ولا هلع ولا عنف ولا صلف ولا متكلف

_________________________________________________

العباد كثير « لا يبخل » بالباء الموحّدة ثمَّ الخاء المعجمة كيعلم ويكرم ، وربما يقرأ بالنون ثمَّ الجيم من النجل وهو الرمي بالشيء ، أي لا يرمي بالكلام من غير روية وهو تصحيف « ولا يعجل » أي في الكلام والعمل « ولا يضجر » في القاموس ضجر منه وبه كفرح وتضجّر تبرّم وفي الصحّاح : الضجر القلق من الغمّ ، وقال : البطر الأشر وهو شدة المرّح ، وقد بطر بالكسر يبطر والبطر أيضاً الحيرة والدهش ، وفي القاموس : البطر محرّكة : النشاط والأشر وقلة احتمال النعمة ، والدهش ، والحيرة ، والطغيان بالنعمة وكراهة الشيء ، من غير أن يستحقّ الكراهة ، فعل الكل كفرح ، وقال : الحيف : الجور والظلم.

« ولا يجور في علمه » أي لا يظلم أحداً بسبب علمه وربما يقرأ يجوز بالزاء أي لا يتجاوز عن العلم الضروري إلى غيره « نفسه أصلب من الصلد » أي من الحجر الصلب ، كناية عن شدة تحمله للمشاق ، أو عن عدم عدوله عن الحقّ وتزلزله فيه بالشبهات ، وعدم ميلة إلى الدنيا بالشهوات ، وفي القاموس : الصلد ويكسر الصلب الأملس « ومكادحته أحلى من الشهد » في القاموس : كدح في العمل كمنع : سعى وعمل لنفسه خيراً أو شرّاً وكد وجهه : خدش ، أو عمل به ما يشينه ككدحه ، أو أفسده ولعياله : كسب كاكتدح ، وفي الصحّاح : الكدح : العمل والسعي والخدش والكسب ، يقال : هو يكدح في كذا أي يكدّ وقوله تعالى : «إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً »(١) أي تسعى ، انتهى.

والشهد : العسل ، وقيل : المكادحة هنا : المنازعة ، أي منازعته لرفقه فيها

__________________

(١) سورة الإنشقاق : ٦.

٢١٢

ولا متعمّق ، جميل المنازعة كريم المرّاجعة عدل إن غضب رفيق إن طلب

_________________________________________________

أحلى من العسل ، وأقول : يحتمل أن يكون المعنى أن سعيه في تحصيل المعيشة والأمور الدنيويّة لمساهلته فيها حسن لطيف ، وقيل : الكدح الكد والسعي وحلاوة مكادحته لحلاوة ثمرّتها ، فإن التعب في سبيل المحبوب راحة.

« لا جشع » في القاموس : الجشع محرّكة أشدّ الحرص وأسوأه ، وأن تأخذ نصيبك وتطمع في نصيب غيرك ، وقد جشع كفرح فهو جشع ، وقال : الهلع محرّكة أفحش الجزع وكصردّ : الحريص ، والهلوع من يجزع ويفزع من الشر ويحرص ويشح على المال ، أو الضجور لا يصبر على المصائب ، وقال : العنف مثلثة العين ضدّ الرفق ، وقال : الصلف بالتّحريك قلة نماء الطعام وبركته ، وأن لا تخطئ المرّأة عند زوجها ، والتكلّم بما يكرهه صاحبك والتمدح بما ليس عندك ، أو مجاوزة قدر الظرف ، والإدّعاء فوق ذلك تكبرّاً ، وهو صلف ككتف.

وأقول : أكثر المعاني مناسبة ، وقال : المتكلف العريض لـمّا لا يعنيه ونحوه ، قال الجوهري : وقال تكلفت الشيء وتجشمته : أي ارتكبته على مشقّة « ولا متعمّق » أي لا يتعمق ولا يبالغ في الأمور الدنيويّة ، وقيل : لا يطول الكلام ولا يسعى في تحسينه لإظهار الكمال ، قال في القاموس : عمق النظر في الأمور بالغ وتعمّق في كلامه تنطّع ، وقال : تنطّع في الكلام : تعمق وغالى وتأنق.

ويحتمل أن يكون المرّاد : عدم التعمّق في المعارف الإلهية فإنه أيضاً ممنوع لقصور العقول عن الوصول إليها ، لـمّا مرّ في كتاب التوحيد بسند صحيح قال : سئل عليُّ بن الحسين عن التوحيد؟ فقال : إن الله تعالى علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل الله تعالى «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ » والآيات من سورة الحديد إلى قوله : «عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ »(١) فمن رام وراء ذلك فقد هلك.

« جميل المنازعة » أي إن احتاج إلى منازعة يأتي بها على أحسن الوجوه

__________________

(١) من أوّل السورة إلى آية ٦.

٢١٣

لا يتهوَّر ولا يتهتّك ولا يتجبّر ، خالص الود وثيق العهد وفي العقد شفيق

_________________________________________________

« كريمّ المراجعة » قد مرّ إن مراجعته في السؤال تفهّم ، وهنا يصفها بالكرم ، أي يأتي بها في غاية الملاينة وحسن الأدب ، وقيل : المرّاد بالمرّاجعة هنا الرجوع عن الذنب ، أو السهو أو الخطإ « عدل إن غضب » أي لا يصير غضبه سبباً لجوره على من غضب عليه.

« رفيق إن طلب » أي إن طلب شيئاً من أحد يطلبه برفق سواء كان له عنده حقّ أم لا ، ويمكن أن يقرأ على بناء المجهول ، أي إن طلب أحد رفاقته يصاحبه برفق ، وإن طلب أحد منه حقّه يجيبه برفق ، « لا يتهور » التهور الإفراط في الشجاعة وهو مذموم ، قال في القاموس : تهور الرّجل وقع في الأمرّ بقلة مبالاة.

« ولا يتهتك » قد مرّ ذلك فهو تأكيد ، أو المرّاد هنا هتك ستر الغير فيكون تأسيسا لكن لا يساعده اللغة كما عرفت « ولا يتجبر » أي لا يتكبر على الغير ، أو لا يعدّ نفسه كبيرا « خالص الود » أي محبّته خالصة لله ، أو مخصوصة بالله أو محبّته خالصة لكل من يؤده ، غير مخلوطة بالخديعة والنفاق ، وكان هذا أظهر. « وثيق العهد » أي عهدة مع الله ومع الخلق محكم « وفي العقد» أي يفي بما يصدر عنه من العقود الشرعية كما قال سبحانه : «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(١) على بعض الوجوه ، قال في مجمع البيان : اختلف في هذه العقود على أقوال :

أحدها : أن المرّاد بها العهود الّتي كان أهل الجاهليّة عاهد بعضهم بعضاً فيها على النصرة والموازرة والمظاهرة على من حاول ظلمهم ، أو بغاهم سوءا ، وذلك هو معنى الحلف.

وثانيها : أنها العقود الّتي أخذ الله سبحانه على عباده بالإيمان والطاعة فيما أحل لهم ، أو حرَّم عليهم.

__________________

(١) سورة المائدة : ١.

٢١٤

وصول ، حليم ، خمول قليل الفضول ، راض عن الله عزّ وجلّ ، مخالف لهواه ،

_________________________________________________

وثالثها : أنّ المراد بها العقود الّتي يتعاقدها النّاس بينهم ، ويعقدها المرّء على نفسه كعقد الأيمان ، وعقد النكاح ، وعقد العهد ، وعقد البيع ، وعقد الحلف.

ورابعها : أن ذلك أمرّ من الله سبحانه لأهل الكتاب بالوفاء بما أخذ به ميثاقهم من العمل بما في كتبهم من تصديق نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما جاء به من عند الله ، وأقوى هذه الأقوال عن ابن عباس : أن المرّاد بها عقود الله الّتي أوجبها على العباد في الحلال والحرام ، والفرائض ، والحدود ، ويدخل في ذلك جميع الأقوال الأخر فيجب الوفاء بجميع ذلك ، إلّا ما كان عقدا في المعاونة على أمرّ قبيح ، انتهى.

والعلماء مدارهم في الاستدلال على لزوم العقود بهذه الآية وقد يحمل العقد في هذا الخبر على الاعتقاد ، وفي القاموس : الشفق حرص الناصح على صلاح المنصوح وهو مشفق وشفيق ، وحاصله أنه ناصح ومشفق على المؤمنين ، وقيل : خائف من الله ، والأوّل أظهر « وصول» للرحم أو الأعمّ منهم ومن سائر المؤمنين ، والحلم : الأناة والعقل كما في القاموس ، قال الراغب : الحلم ضبط الشيء عن هيجان الغضب وجمعه أحلام ، قال الله تعالى : «أَمْ تَأْمرّهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا »(١) قيل : معناه عقولهم وليس الحلم في الحقيقة هو العقل لكن فسروه بذلك لكونه من مسبباًت العقل.

« خمول » في أكثر النسخ بالخاء المعجمة ، وفي بعضها بالحاء المهملة فعلى الأوّل المعنى أنّه خامل الذكر غير مشهور بين النّاس ، وكأنه محمول على أنه لا يحبّ الشهرة ، ولا يسعى فيها ، لا أن الشهرة مطلقاً مذمومة.

في القاموس : خمل ذكره وصوته خمولا خفي ، وأخمله الله فهو خامل : ساقط لا نباهة له ، وعلى الثّاني : إمّا المرّاد به الحلم تأكيدا ، أو المرّاد بالحليم : العاقل ، أو أنه يتحمل المشاق للمؤمنين ، والأوّل أظهر ، في القاموس : حمل عنه حلم فهو

__________________

(١) سورة الطور : ٣٢.

٢١٥

لا يغلظ على من دونه ولا يخوض فيما لا يعنيه ، ناصر للدين محام عن المؤمنين

_________________________________________________

حمول ذو حلم.

« قليل الفضول » الفضول جمع الفضل وهي الزوائد من القول والفعل ، في القاموس : الفضل ضدّ النقص ، والجمع فضول ، والفضولي بالضمّ : المشتغل بما لا يعنيه « مخالف لهواه » أي لـمّا تشتهيه نفسه مخالفاً للحقّ ، قال الراغب : الهوى ميل النفس إلى الشهوة ، ويقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة ، وقيل : سمّي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية ، وفي الآخرة إلى الهاوية وقد عظم الله ذم اتباع الهوى ، فقال : «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ »(١) وقال «وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ »(٢) «وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمرّهُ فُرُطاً »(٣) «وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعدّ الّذي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ »(٤) وقال : «وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ »(٥) «وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ »(٦) «وَمَنْ أَضَلُّ ممّن اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ »(٧) انتهى.

« لا يغلظ » على بناء الأفعال ، يقال : أغلظ له في القول ، أي خشن ، أو على بناء التفعيل أو على بناء المجردّ ككرم ، قال في المصباح : غلظ الرّجل : اشتد فهو غليظ وفيه غلظة ، أي غير لين ولا سلس ، وأغلظ له في القول إغلاظا وغلظت عليه في اليمين تغليظا شددت عليه وأكدت.

« على من دونه » دنياً أو ديناً ، أو الأعمّ « ولا يخوض » أي لا يدخل « فيما لا يعنيه » أي لا يهمّه ، في القاموس : عناه الأمرّ يعنيه ويعنوه عناية وعناية أهمّه واعتنى به اهتمّ « ناصر للدين » أصوله وفروعه قولاً وفعلاً « محام عن المؤمنين » أي يدفع الضرر عنهم ، في القاموس : حاميت محاماةً وحماء : منعت عنه ،

__________________

(١) سورة الجاثية : ٢٣. (٢) سورة ص : ٢٦.

(٣) سورة الكهف : ٢٨.(٤) سورة البقرة : ١٢٠.

(٥) سورة الجاثية : ١٨. (٦) سورة المائدة : ٧٧.

(٧) سورة القصص : ٥٠.

٢١٦

كهف للمسلمين ، لا يخرق الثناء سمعه ولا ينكي الطمع قلبه ، ولا يصرف اللّعب حكمه ، ولا يطلع الجاهل علمه ، قوّال ، عمّالّ ، عالم حازم ، لا بفحّاش ولا بطيّاش ،

_________________________________________________

« كهف للمسلمين » في القاموس : الكهف : الوزر والملجأ.

« لا يخرف الثناء سمعه » كأنّ المرّاد بالخرق الشقّ وعدمه كناية عن عدم التأثير فيه كأنه لم يسمعه ، وما قيل : من أنه على بناء الأفعال ، أي لا يصير سمعه ذا خرق وأحمق فلا يخفى بعده « ولا ينكي الطمع قلبه » أي لا يؤثر في قلبه ولا يستقر فيه ، وفيه إشعار بأن الطمع يورث جراحة القلب جراحة لا تبرأ.

في القاموس : نكأ القرحة كمنع قشرها قبل أن تبرّاً فنديت ، وقال في المعتل : نكى العدوّ وفيه نكاية قتل وجرح والقرحة نكأها ، أقول : فهنا يمكن أن يقرأ مهموزا وغير مهموز « ولا يصرف اللعب حكمه » أي حكمته ، والمعنى : لا يلتفت إلى اللعب لحكمته ، كما قال تعالى : «وَإذاً مرّوا بِاللَّغْوِ مرّوا كِرإمّا »(١) أو المعنى : أن الأمور الدنيويّة لا تصير سبباً لتغيير حكمه كما قال تعالى : «وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إلّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ »(٢) « ولا يطلع الجاهل علمه » لا يطلع على بناء الأفعال ، والمرّاد بالجاهل المخالفون ، أي يتّقى منهم ، أو ضعفاء العقول ، فالمرّاد بالعلم : ما لا يستطيعون فهمّه كما مرّ « قوال » أي كثير القول لـمّا يحسن قوله ، كثير الفعل والعمل بما يقوله « عالم » قيل : هو ناظر إلى قوله قوال ، و « حازم » ناظر إلى قوله عمال ، والحزم رعاية العواقب.

وفي القاموس : الحزم ضبط الأمرّ والأخذ فيه بالثقة « لا بفحاش » في القاموس : الفحش ، عدوان الجواب ، وقال الراغب : الفحش ، والفحشاء والفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال ، وفي القاموس : الطيش النزق والخفة ، طاش يطيش فهو طايش وطياش وذهاب العقل ، والطياش : من لا يقصد وجها واحداً

__________________

(١) سورة الفرقان : ٧٢. (٢) سورة العنكبوت : ٦٤.

٢١٧

وصول في غير عنف ، بذول في غير سرف لا بختّال ولا بغدار ولا يقتفي أثرا ولا يحيف بشرّاً رفيق بالخلق ساع في الأرض عون للضعيف غوث للملهوف لا يهتك سترا ولا يكشف سرّاً كثير البلوى قليل الشكوى إن رأى خيراً ذكره وإن عاين شرّاً ستره يستر العيب ويحفظ الغيب ويقيل العثرة ويغفر الزلة

_________________________________________________

« وصول في غير عنف » كأنّ في بمعنى مع ، أي يعاشر الأرحام والمؤمنين ويحسن إليهم بحيث لا يصير سبباً للثقل عليهم ، أو وصله دائم غير مشوب بعنف ، أو يصلهم بالمال ولا يعنف عليهم عند العطاء ولا يؤذيهم بالقول والفعل.

« بذول في غير سرف » أي يبذل المال مع غير إسراف « ولا يختار » وفي بعض النسخ ولا يختال ، في القاموس : الختر : الغدر ، والخديعة ، أو أقبح الغدر ، وهو خاتر وختار ، وقال : ختله يختله ويختله ختلا وختلانا : خدعه والذئب الصيد تخفى له فهو خاتل ، وختول ، وخاتله : خادعه ، وتخاتلوا : تخادعوا « لا يقتفي أثرا » أي لا يتبع عيوب النّاس ، أو لا يتبع أثر من لا يعلم حقيته ، « ولا يحيف بشرّاً » بالحاء المهملة وفي بعضها بالمعجمة ، فعلى الأوّل هو من الحيف الجور والظلم ، وعلى الثّاني من الإخافة.

« ساع في الأرض » أي لقضاء حوائج المؤمنين ، وعيادة مرّضاهم ، وشهود جنائزهم وهدايتهم وإرشادهم ، والغوث اسم من الإغاثة وهي النصرة ، وأغاثهم الله برحمته كشف الله شدتهم ، وفي القاموس : لهف كفرح حزن وتحسر كتلهف عليه ، والملهوف ، واللهيف ، واللهفان ، واللاهف : المظلوم المضطر يستغيث ويتحسر ، انتهى.

وهتك الستر : إفشاء العيوب « ولا يكشف سرّاً » أي سر نفسه ، أو سر غيره ، أو الأعمّ ، والشكوى : الشكاية « إن رأى خيراً » بالنّسبة إليه ، أو مطلقاً « ذكره » عند النّاس « وإن عاين شرّاً » بالنّسبة إليه أو مطلقاً « ستره » عن النّاس ، وحفظ الغيب : أن يكون في غيبة أخيه مرّاعياً لحرمته ، كرعايته عند حضوره « ويقيل العثرة »

٢١٨

لا يطلّع على نصح فيذره ، ولا يدع جنح حيف فيصلحه ، أمين رصين تقيُّ ، نقيُّ ،

_________________________________________________

أصل الإقالة هو أن يبيع الإنسان آخر شيئاً فيندم المشتري فيستقيل البائع أي يطلب منه فسخ البيع فيقيله أي يقبل ذلك منه فيتركه. ثمَّ يستعمل ذلك في أن يفعل أحد بغيره ما يستحقّ تأديباً أو ضرراً فيعتذر منه ، ويطلب العفو فيعفو عنه ، كأنه وقع بينهما معاوضة فتتاركا ، ومنه قولهم : أقال الله عثرته.

وغفر الزلة أيضاً قريب من ذلك ، يقال : أرض مزلة : تزل فيها الأقدام ، وزل في منطقه أو فعله يزل من باب ضربّ زلة : أخطأ ، ويمكن أن تكون الثانية تأكيدا ، أو تكون إحداهما محمولة على ما يفعل به ، والأخرى على الخطإ الّذي صدر منه من غير أن يصل ضرره إليه ، أو يكون إحداهما محمولة على العمد ، والأخرى على الخطإ ، أو إحداهما على القول والأخرى على الفعل ، أو إحداهما على نقض العهد والوعدّ والأخرى على غيره.

« لا يطلّع على نصح فيذره » لا يطلّع بالتشديد على بناء الافتعال أي إذاً اطلع على نصح لأخيه لا يتركه بل يذكره له « ولا يدع جنح حيف فيصلحه » ، في القاموس : الجنح بالكسر : الجانب ، والكتف ، والناحية ، ومن الليل الطائفة منه ويضم ، وقال : الحيف : الجور والظلم ، والحاصل أنه لا يدع شيئاً من الظلم يقع منه أو من غيره على أحد بل يصلحه ، أو لا يصدر منه شيء من الظلم فيحتاج إلى أن يصلحه ، وفي بعض النسخ جنف بالجيم والنون وهو محرّكة الميل والجور.

« أمين » يأتمنه النّاس على حالهم وعرضهم « رصين » بالصاد المهملة وتقدم وفي بعض النسخ بالضاد المعجمة ، وفي القاموس المرّصون شبه المنضود من حجارة ونحوها يضم بعضها إلى بعض في بناء وغيره « تقي » عن المعاصي « نقيّ » عن ذمائم الأخلاق أو مختار ، يقال : انتقاه ، أي اختاره « زكي » أي طاهر من العيوب ، أو نام في الكمالات أو صالح ، في القاموس : زكاً يزكو زكاء ، وزكاه الله ، وأزكاه والرّجل صلح وتنعم فهو

٢١٩

زكيُّ ، رضيٌّ ، يقبل العذر ويجمل الذكر ويحسن بالنّاس الظن ويتهم على العيب نفسه يحبّ في الله بفقه وعلم ويقطع في الله بحزم وعزم لا يخرق به فرح

_________________________________________________

زكيّ من أزكياء ، وفي بعض النسخ بالذال : أي يدرك المطالب العلية من المبادئ الخفيّة بسهولة.

« رضيّ » أي راض عن الله وعن الخلق ، أو مرضيّ عندهما ، كما قال تعالى : «وَاجْعَلْهُ ربّ رَضِيًّا »(١) أي مرّضيا عندك قولا وفعلا « ويجمل الذكر » على بناء الأفعال أي يذكرهم بالجميل.

« ويتّهم على العيب نفسه » بالعين المهملة ، وفي بعض النسخ بالمعجمة : أي يتهم نفسه غائبا عن النّاس ، لا كالرائي الّذي يظهر ذلك عند النّاس وليس كذلك ، أو يتهم نفسه على ما يغيب عن النّاس من عيوبه الباطنة الخفيّة« يحبّ في الله بفقه وعلم » أي يحبّ في الله ولله من يعلم أنه محبوب لله ويلزم محبّته ، لا كالجهال الذين يحبون أعداء الله لزعمهم أنهم أولياء الله كالمخالفين.

« ويقطع في الله بحزم وعزم » أي يقطع من أعداء الله بجزم ، ورعاية للعاقبة ، فإنه قد تلزم مواصلتهم ظاهراً للتقيّة ، وهو عازم على قطعهم ، لا كمن يصل يوما ، ويقطع يوما « لا يخرق به فرح » يخرق كيحسن والباء للتعدية أي لا يصير الفرح سبباً لخرقه وسفهه ، قال في المصباح : الفرح يستعمل في معان :

أحدها الأشر والبطر ، وعليه قوله تعالى : «إِنَّ اللهَ لا يحبّ الْفَرِحِينَ »(٢) ، والثّاني : الرضا وعليه قوله تعالى : «كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ »(٣) والثالث : السّرور وعليه قوله تعالى : «فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ »(٤) ويقال : فرح بشجاعته ، وبنعمة الله عليه ، وبمصيبة عدوه ، فهذا الفرح لذة القلب بنيل ما يشتهي.

__________________

(١) سورة مرّيم : ٦. (٢) سوره القصص : ٧٦.

(٣) سورة المؤمنون : ٥٣.(٤) سورة آل عمرّان : ١٧٠.

٢٢٠