مرآة العقول الجزء ٩

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 439

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 439
المشاهدات: 21948
تحميل: 8821


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 439 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21948 / تحميل: 8821
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أصلها في دار النبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وليس من مؤمن إلّا وفي داره غصن منها لا يخطر على قلبه شهوة شيء إلّا أتاه به ذلك ولو أنَّ راكباً مجدّاً سار في ظلها مائة عام ما خرج منه

_________________________________________________

بالنصب أي حسن مرّجع وهو الجنّة ، وقال في النهاية : طوبى اسم الجنّة وقيل : شجرة فيها وأصلها فعلى من الطيّب فلـمّا ضمت الطاء انقلبت الياء واوا وقد تكررت في الحديث ، وفيه : طوبى للشام لأن الملائكة باسطة أجنحتها عليها ، المرّاد بها هيهنا فعلى من الطيّب لا الجنّة ولا الشجرة ، وقال الراغب في الآية قيل : هو اسم شجرة في الجنّة وقيل : بل إشارة إلى كل مستطاب في الجنّة من بقاء بلا فناء وعزّ بلا ذل وغنى بلا فقر.

« وطوبى شجرة » هذا من كلام الصادقعليه‌السلام أو من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه « وليس من مؤمن » كأنّه مثال شجرة ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام ، تشعبت في صدور المؤمنين « إلّا أتاه به ذلك » أي يتدلى ويقربّه منه ليأخذه ، وقيل : أي ينبت منه « مجداً » أي مسرعاً صاحب جد واهتمام « في ظلها » أي ما يحاذي أغصانها ، فإنه لا ظل في الجنّة قال في النهاية : وقد يكنى بالظل عن الكنف والناحية ، ومنه الحديث أن في الجنّة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام أي في ذراها وناحيتها ، انتهى.

وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن في الجنّة شجرة يسير الراكب الجواد المضمرّ السريع مائة عام لا يقطعها ، وفي أخرى يسير الراكب في ظلها مائة سنة ، قال عياض : ظلها كنفها وهو ما تستره أغصانها وقد يكون ظلها نعيمها وراحتها من قولهم : عيش ظليل ، واحتيج إلى تأويل الظل بما ذكر هربا عن الظل في العرف لأنه ما بقي حر الشمس ولا شمس في الجنّة ولا بردّ ، وإنما نور يتلإلّا ، انتهى.

وقال المازري : المضمرّ بفتح الضاد وشد الميم ورواه بعضهم بكسر الميم الثانية

٢٨١

ولو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتّى يسقط هرما إلّا ففي هذا فارغبوا إن المؤمن من نفسه في شغل والنّاس منه في راحة إذاً جن عليه الليل افترش وجهه وسجد لله عزّ وجلّ بمكارم بدنه يناجي الّذي خلقه في فكاك رقبته إلّا فهكذا كونوا.

٣١ - عنه ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة ، عن سليمان بن عمرّو النخعي قال وحدّثني الحسين بن سيف ، عن أخيه عليُّ ، عن سليمان عمن ذكره ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سئل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن خيار العباد فقال الذين إذاً أحسنوا استبشروا وإذاً أساءوا استغفروا وإذاً أعطوا شكروا وإذاً ابتلوا صبروا وإذاً غضبوا غفروا.

_________________________________________________

صفة للراكب المضمر فرسه.

« حتّى يسقط هرماً » إنّما خصّ الغراب بالذكر لأنّه أطول الطيور عمرّا « ففي هذا فارغبوا » الفاء الثانية تأكيد للفاء الأوّلى « من نفسه في شغل » من بكسر الميم وقد يقرأ بالفتح اسم موصول أي مشغول بإصلاح نفسه لا يلتفت إلى عيوب غيره ، ولا إلى التعرض لضررهم ، ولذا « النّاس منه في راحة ، إذاً جن عليه الليل » قال البيضاوي : جن الليل ستره بظلامة وقال الراغب : يقال جنه الليل وأجنة وجن عليه فجنه ستره وجن عليه كذا ستر عليه ، وفي مجمع البيان : فلـمّا جن عليه الليل أي أظلم وستر بظلامة كل ضياء ، وقال : جن عليه الليل وجنه الليل وأجنة الليل إذاً أظلم حتّى يستره بظلمته ، انتهى.

والمكارم جمع مكرمة أي أعضاؤه الكريمة الشريفة كالوجه والجبهة والخدين واليدين والركبتين والإبهامين « في فكاك » في للتعليل.

الحديث الحادي والثلاثون : ضعيف.

والإحسان فعل الحسنة ، ويحتمل الإحسان إلى الغير ، وكذا الإساءة يحتملهما والاستبشار الفرح والسرور.

٢٨٢

٣٢ - وبإسناده ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إن خياركم أولو النهى قيل يا رسول الله ومن أولو النهى قال هم أولو الأخلاق الحسنة والأحلام الرزينة وصلة الأرحام والبررة بالأمهات والآباء والمتعاهدين للفقراء والجيران واليتامى «وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ » ويفشون السلام في العالم ويصلون والنّاس نيام غافلون.

٣٣ - عنه ، عن الهيثمَّ النهدي ، عن عبد العزيز بن عمر ، عن بعض أصحابه ، عن يحيى بن عمران الحلبيّ قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أيُّ الخصال بالمرء أجمل ؟

_________________________________________________

الحديث الثاني والثلاثون : كالسابق.

« أولو النهي » في القاموس : النهية بالضمّ العقل كالنهي ، وهو يكون جمع نهية أيضاً ، وقال الراغب : النهية العقل الناهي عن القبائح جمعها نهى ، قال عزّ وجلّ : «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ ، لِأُولِي النُّهى »(١) انتهى.

والأحلام جمع حلم بالكسر بمعنى العقل أو الأناءة وعدم التسرع إلى الانتقام وهو هنا أظهر ، وفي القاموس : الرزين الثقيل ، وترزن في الشيء توقّر « وصلة الأرحام » عطف على الأحلام ، ويمكن أن تكون الواو جزء الكلمة والصّاد مفتوحة جمع وأصل « والمتعاهدين » في أكثر النسخ بالنصب فيكون نصباً على المدح ، كما قالوا في قوله تعالى في سورة النساء : «وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ »(٢) ويمكن على الاحتمال الثّاني في وصلة الأرحام نصب الوصلة على المدح « والنّاس نيام » جمع نائم « وغافلون » خبر بعدّ خبر أي بعضهم نيام وبعضهم غافلون أو صفة كاشفة أي المرّاد بالنيام الغافلون كما وردّ النّاس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.

الحديث الثالث والثلاثون : مجهول.

__________________

(١) سورة طه : ٥٣.

(٢) سورة الاية : ١٦٢.

٢٨٣

فقال وقار بلا مهابة وسماح بلا طلب مكافأة وتشاغل بغير متاع الدنيا.

٣٤ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي ولاّد الحنّاط ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان عليُّ بن الحسينعليه‌السلام يقول إن المعرفة بكمال دين المسلم تركه الكلّ ام فيما لا يعنيه وقلة مرّائه وحلمه وصبره وحسن خلقه.

٣٥ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن محمّد بن عرفة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أخبركم بأشبهكم بي قالوا بلى يا رسول الله قال أحسنكم خلقاً وألينكم كنفاً وأبركم بقرابته وأشدُّكم حبّاً لإخوانه

_________________________________________________

« وقار بلا مهابة » الوقار الرزانة والمهابة أن يخاف النّاس من سطوته وظلمه وقيل : أي من غير تكبر ، وفي القاموس : الهيبة المخافة والتقيّة كالمهابة وقال : سمح ككرم سماحاً وسماحة وسماحا ككتاب جاد « بلا طلب مكافأة » من عوض أو ثناء وشكر وأصله مهموز ، وقد يقلب الفاء« بغير متاع الدنيا » من ذكر الله وما يقربّ العبد إليه تعالى.

الحديث الرابع والثلاثون : صحيح.

« إنّ المعرفة » أي سبب المعرفة وما يوجبها أو الحمل على المبالغة في السببية « فيما لا يعنيه » أي فيما لا يهمّه ولا ينفعه « وقلة مرّاءه » أي مجادلته في المسائل الدينية وغيرها ، وقيل : هو المجادلة والاعتراض على كلام الغير من غير غرض ديني « وحلمه » أي تحملّه وصبره على ما يصيبه من الغير ، أو عقله وصبره عند البلاء.

الحديث الخامس والثلاثون : مجهول.

« وألينكم كنفاً » أي لا يتأذى من مجاورتهم ومجالستهم ومن ناحيتهم أحد في القاموس : أنت في كنف الله محرّكة : في حرزه وستره وهو الجانب والظلّ و

٢٨٤

في دينه وأصبركم على الحقّ ، وأكظمكم للغيظ وأحسنكم عفوا وأشدكم من نفسه إنصافا في الرضا والغضب.

٣٦ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن أبي حمزة ، عن عليُّ بن الحسينعليه‌السلام قال من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار والتوسع على قدر التوسع وإنصاف النّاس وابتداؤه إيأهمّ بالسلام عليهم.

_________________________________________________

الناحية ومن الطائر جناحه ، وأقول : قد مرّ مثله في باب حسن الخلق ، وفي النهاية فيه إلّا أخبركم بأحبّكم إلىّ وأقربكم منّي مجلساً يوم القيامة : أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً ، هذا مثل وحقيقته من التوطئة وهي التمهيد والتذلل وفراش وطئ لا يؤذي جنب النائم ، والأكناف الجوانب ، أراد الّذين جوانبهم وطيئة يتمكّن فيها من يصاحبهم ولا يتأذّى ، انتهى.

وأقول : في بالي أنّ في بعض الأخبار أكتافاً بالتاء ، أي إنهم لشدّة تذللهم كأنه يركب النّاس أكتافهم ، ولا يتأذون بذلك « لإخوانه في دينه » أي تكون إخوته بسبب الدّين لا بسبب النسب « على الحقّ » أي على المشقّة والأذية اللتين تلحقّانه بسبب اختيار الحقّ أو قول الحقّ « في الرضا » أي عن أحد « والغضب » أي في الغضب له.

الحديث السادس والثلاثون : صحيح.

« الإنفاق على قدر الإقتار » أي الإنفاق بالتقتير على قدر الإقتار من الله ، والحاصل أنّه يقتّر على أهله وعياله بقدر ما قتّر الله عليه ، ويوسّع عليهم بقدر ما وسع الله عليه ، وقيل : الإنفاق هنا الافتقار كما في القاموس ، أي يعامل معاملة الفقراء.

٢٨٥

٣٧ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال المؤمن أصلب من الجبل الجبل يستقل منه والمؤمن لا يستقلُّ من دينه شيء.

٣٨ - عليُّ بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال المؤمن حسن المعونة خفيف المؤونة ، جيّد

_________________________________________________

الحديث السابع والثلاثون : موثق.

« الجبل يستقلّ منه » من القلّة أي ينقص ويؤخذ منه بعضاً بالفأس والمعول ونحوهما ، والمؤمن لا ينقص من دينه شيء بالشكوك والشبهات.

الحديث الثامن والثلاثون : مجهول.

وفي المصباح : العون الظهير على الأمرّ واستعان به فأعانه وقد يتعدى بنفسه فيقال استعانة والاسم المعونة والمعانة أيضاً بالفتح ، ووزن المعونة مفعلة بضمّ العين ، وبعضهم يجعل الميم أصلية ويقول : هي مأخوذة من الماعون ، ويقول هي فعولة والمعونة الثقل ، وفي القاموس : القوت ، والحاصل أنه يعين النّاس كثيراً ويكتفي لنفسه بقليل من القوت واللباس وأشباههما ، وفي القاموس : المعيشة الّتي تعيش بها من المطعم والمشربّ ، وما يكون به الحياة وما يعاش به أو فيه والجمع معائش ، وفي النهاية فيه : لا يلسع المؤمن من جحر مرّتين ، وفي رواية : لا يلدغ. اللسع واللدغ سواء ، والجحر ثقب الحيّة ، وهو استعارة هنا ، أي لا يدهى المؤمن من جهة واحدة مرّتين ، فإنه بالأوّلى يعتبر ، قال الخطابي : يروى بضمّ العين وكسرها ، فالضم على وجه الخبر ومعناه أن المؤمن هو الكيس الحازم الّذي لا يؤتي من جهة الغفلة فيخدع مرّة بعدّ مرّة ، وهو لا يفطن لذلك ولا يشعر به ، والمرّاد به الخداع في أمر الدّين لا أمر الدنيا ، وأمّا الكسر فعلى وجه النهي ، أي لا يخدعن المؤمن ولا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه أو شرّ وهو لا يشعر به ، وليكن فطناً

٢٨٦

التدبير لمعيشته ، لا يلسع من جحر مرّتين.

٣٩ - عليُّ بن محمّد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن سهل بن الحارث ، عن الدلهاث مولى الرضاعليه‌السلام قال سمعت الرضاعليه‌السلام يقول لا يكون المؤمن مؤمناً حتّى يكون فيه ثلاث خصال سنة من ربّه وسنة من نبيّه وسنة من

_________________________________________________

حذراً وهذا التأويل يصلح أن يكون لأمرّ الدّين والدنيا معاً ، انتهى.

وأقول : روى مسلم في صحيحه مثل هذا الخبر ، وذكر في إكمال الإكمال هذين الوجهين اللّذين ذكرهما في النهاية ، ثمَّ قال : وذكر عياض هذين الوجهين ورجح الخبر بأن سبب قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا أن أبا عزّة الشاعر أخا مصعب بن عمير كان أسر يوم بدر فسأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يمن عليه ففعل وعاهده أن لا يحرض عليه ولا يهجوه فلـمّا لحقّ بأهله عاد إلى ما كان عليه فأسر يوم أحد فسأله أيضاً أن يمن عليه فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الكلّ ام البليغ الجامع الّذي لم يسبق إليه ، وفيه تنبيّه عظيم على أنه إذاً رأى الأذى من جهة لا يعود إليها ثانية.

وقال الآبي : رجّح الخطابي النهي بعدّ ذكر الوجهين ، وكأنه لم يبلغه أي الخطابي سبب قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الكلّ ام ، ولو بلغه لم يحمله عليُّ النهي ، وأجاب الطيبي بأنه وإن بلغه السبّب فلا يبعدّ النهي بل هو أولى من الخبر ، وذلك أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لـمّا دعته نفسهصلى‌الله‌عليه‌وآله الزكية الكريمة إلى الحلم والصفح جردّ من نفسه مؤمناً حازماً فطناً ونهاه أن ينخدع لهذا المتمردّ الخائن ، وكان مقام الغضب لله تعالى ، فأبى إلّا الانتقام من أعداء الله لأن الانتقام منهم مطلوب ، والتجريد أحد ألقاب البديع ومحسناته ، وبيان أنّه أولى أنّه إذاً حمل على الخبر تفوت دلالة الحديث على طلبه الانتقام.

الحديث التاسع والثلاثون : ضعيف.

٢٨٧

وليّه ، فأمّا السنّة من ربّه فكتمان سرّه ، قال الله عزّ وجلّ : «عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أحداً * إلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ »(١) وأمّا السنّة من نبيّه فمداراة النّاس فإنّ الله عزّ وجلّ أمرّ نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمداراة النّاس فقال «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمرّ بِالْعُرْفِ »(٢)

_________________________________________________

«عالِمُ الْغَيْبِ » قال الطبرسي (ره) : أي هو عالم الغيب يعلم متى تكون القيامة «فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أحداً » أي لا يطلّع على الغيب أحداً من عباده ، ثمَّ استثنى فقال : «إلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » يعني الرسل فإنه يستدل على نبوتهم بأن يخبروا بالغيب ليكون آية معجزة لهم ، ومعناه إلّا من ارتضاه واختاره للنبوة والرسالة فإنه يطلعه على ما شاء من غيبه على حسب ما يراه من المصلحة ، انتهى.

وقد مرّ عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : كان والله محمّد ممّن ارتضاه ، وفي الخرائج عن الرضاعليه‌السلام في قوله تعالى : «إلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » قال : فرسول الله عند الله مرّتضى ، ونحن ورثة ذلك الرسول الّذي أطلعه الله على ما يشاء من غيبه ، فعلمنّا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وفي تفسير عليُّ بن إبراهيم «إلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » يعني عليا المرّتضى من الرسول وهو منه.

ثمَّ اعلم أن الاستشهاد بالآية الكريمة يدلّ على أن المرّاد بكتمان السر الكتمان من غير أهله ، وعمن لا يكتمه.

«خُذِ الْعَفْوَ » قال في المجمع : أي خذ يا محمّد ما عفا من أموال النّاس أي ما فضل من النفقة ، فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأخذ الفضل من أموالهم ليس فيها شيء موقت ثمَّ نزلت آية الزكاة ، فصار منسوخاً بها ، وقيل : معناه خذ العفو من أخلاق النّاس ، واقبل الميسور منها ، ومعناه أنه أمره بالتساهل وترك الاستقصاء في القضاء والاقتضاء ، وهذا يكون في الحقوق الواجبة لله وللنّاس وفي غيرها ، وقيل : هو العفو في قبول

__________________

(١) سورة الجن : ٢٥ - ٢٦.

(٢) سورة الأعراف : ١٩٩.

٢٨٨

وأمّا السنّة من وليّه فالصبر فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ.

_________________________________________________

العذر عن المتعذّر وترك المؤاخذة بالإساءة ، وروي أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأل جبرئيل عن ذلك فقال : يا محمّد إن الله يأمرّك أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك. «وَأْمرّ بِالْمَعْرُوفِ » يعني بالمعروف وهو كل ما حسن في العقل فعله أو في الشرع ولم يكن منكراً ولا قبيحاً عند العقلاء ، وقيل : بكل خصلة حميدة «وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ » معناه وأعرض عنهم عند قيام الحجّة عليهم والإياس من قبولهم ولا تقابلهم بالسفه صيانة لقدرك ، فإن مجاوبة السفيه تضع عن القدر ، ولا يقال هذه الآية منسوخة بآية القتال ، لأنها عامّة خص عنها الكافر الّذي يجب قتله بدليل.

وأقول : روى الصدوققدس‌سره في العيون هذا الخبر عن هذا الراوي ، و «أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ » موجود فيه ، وزاد في آخره أيضاً قال الله عزّ وجلّ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ » ، وكأنه سقط من النساخ والآية هكذا : « لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْربّ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذاً عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ والأكثر على أن نصب الصابرين على المدح ، وقال البيضاوي عن الأزهري : البأساء في الأموال كالفقر ، والضراء في الأنفس كالمرّض ، وحين البأس وقت مجاهدة العدوّ ، ويدلّ الخبر على أن هذه الآية نزلت في الأئمّةعليهم‌السلام فهم الصادقون الذين أمرّ الله بالكون معهم ، حيث قال : «وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ».

٢٨٩

(باب)

(في قلة عدد المؤمنين)

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن قتيبة الأعشى قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول المؤمنة أعزّ من المؤمن والمؤمن أعزّ من الكبريت الأحمر فمن رأى منكم الكبريت الأحمر ؟

٢ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن أبي نجران ، عن مثنّى الحنّاط ، عن كامل التمّار قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول النّاس كلهم بهائم

_________________________________________________

باب قلة عدد المؤمنين

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

وفي القاموس : عزّ يعزّ عزّاً وعزّة بكسرهما صار عزيزا كتعزز وقوي بعدّ ذلة ، والشيء قل فلا يكاد يوجد فهو عزيز ، وقال : الكبريت من الحجارة الموقد بها ، والياًقوت الأحمر والذهب أو جوهر معدنه خلف التبت بوادي النمل ، انتهى.

والمشهور أن الكبريت الأحمر هو الجوهر الّذي يطلبه أصحاب الكيمياء وهو الإكسير ، وحاصل الحديث أن المرّأة المتصفة بصفات الإيمان أقل وجودا من الرّجل المتصف بها والرّجل المتصف بها أعزّ وجودا من الإكسير الّذي لا يكاد يوجد ، ثمَّ أكد قلة وجود الكبريت بقوله : فمن رأى منكم؟ وهو استفهام إنكاري أي إذاً لم تروا الكبريت الأحمر فكيف تطمعون في رؤية المؤمن الكامل الّذي هو أعزّ وجودا منه ، أو في كثرته.

الحديث الثاني : كالسابق.

« كلّهم بهائم » أي شبيهة بها في عدم العقل وإدراك الحمق وغلبة الشهوات

٢٩٠

- ثلاثاً - إلّا قليلٌ من المؤمنين ، والمؤمن غريبٌ - ثلاث مرَّات -

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لأبي بصير إمّا والله لو أني أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثي ما استحللت أن أكتمهم حديثاً.

_________________________________________________

النفسانيّة على القوي العقلانيّة كما قال تعالى : «إِنْ هُمْ إلّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً »(١) .

« إلّا قليل » كذا في أكثر النسخ ، وفي بعضها : إلّا قليلاً ، وهو أصوب. « المؤمن غريب » لأنّه قلـمّا يجد مثله فيسكن إليه فهو بين النّاس كالغريب الّذي بعدّ عن أهله ووطنه ودياره. « ثلاث مرّات » أي قال هذا الكلّ ام ثلاث مرّات ، وكذا قوله ثلاثاً ، وفي بعض النسخ عزيز مكان غريب.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

« ثلاثة مؤمنين » ثلاثة إمّا بالتنوين ومؤمنين صفتها أو بالإضافة فمؤمنين تميز ، ويدلّ على أن المؤمن الكامل الّذي يستحقّ أن يكون صاحب أسرارهم وحافظها قليل ، وإنّهم كانوا يتّقون من أكثر الشيعة كما كانوا يتّقون من المخالفين ، لأنهم كانوا يذيعون فيصل ذلك إمّا إلى خلفاء الجور فيتضررونعليهم‌السلام منهم ، أو إلى نواقص العقول الذين لا يمكنهم فهمها فيصير سبباً لضلالتهم ، وقد مرّ تحقيق ذلك في باب الكتمان ، ويمكن أن يقال في سبب تعيين الثلاثة أن الواحد لا يمكنه ضبط السر وكذا الاثنان ، وإمّا إذاً كانوا ثلاثة فيأنس بعضهم ببعض ، ويذكرون ذلك فيما بينهم فلا يضيق صدرهم ، ويخف عليهم الاستتار عن غيرهم كما هو المجرب.

__________________

(١) سورة الفرقان : ٤٤.

٢٩١

٤ - محمّد بن الحسن وعليُّ بن محمّد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبد الله بن حمّاد الأنصاري ، عن سدير الصيرفي قال دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقلت له والله ما يسعك القعود فقال ولم يا سدير قلت لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك والله لو كان لأمير المؤمنينعليه‌السلام ما لك من الشيعة والأنصار والموالي ما طمع فيه تيم ولا عدي فقال يا سدير وكم عسى أن يكونوا قلت مائة ألف قال مائة ألف قلت نعم ومائتي ألف قال مائتي ألف قلت نعم ونصف الدنيا قال فسكت عني ثمَّ قال يخف عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع قلت نعم فأمر بحمار وبغل أن يسرجا فبادرت فركبت الحمار فقال يا سدير أترى أن تؤثرني بالحمار

_________________________________________________

الحديث الرابع : ضعيف.

وسدير كأمير « ما يسعك القعود » أي ترك القتال والجهاد وفي المصباح : قعدّ عن حاجته تأخر عنها ، والموالي الأحباء أو المخلصونمن الشيعة والتيم قبيلة أبي بكر ، والعدي قبيلة عمر ، أي ما طمع في غصب خلافته التيمي والعدوّي أو قبيلتهما « قال مائة ألف » على التعجب والإنكار « يخف عليك » بكسر الخاء أي يسهل ولا يثقل ، وفي القاموس : خف القوم ارتحلوا مسرعين ، وقال : ينبع كينصر حصن له حصون ونخيل وزروع بطريق حاج مصر ، وفي النهاية : على سبع مرّاحل من المدينة من جهة البحر ، وقيل : على أربع مرّاحل وهو من أوقاف أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهوعليه‌السلام أجرى عينه كما يظهر من الأخبار « أن يسرجاً » بدل اشتمال لقوله : حمار « وبغل أزين » أي الزينة في ركوبه وعند النّاس أحسن ، وفي القاموس :النبل بالضمّ الذكاء والنجابة ، نبل ككرم فهو نبيل وامرّأة نبيلة في الحسن بينة النبالة ، وكذا الناقة والفرس والرجل.

والحاصل أنّي إنّما اخترت لك البغل لأنه أشرف وأفضل ، واختارعليه‌السلام الحمار لأن التواضع فيه أكثر مع سهولة الركوب والنزول والسير.

٢٩٢

قلت : البغل أزين وأنبل قال الحمار أرفق بي فنزلت فركب الحمار وركبت البغل فمضينا فحانت الصلاة فقال يا سدير انزل بنا نصل ثمَّ قال هذه أرض سبخة لا تجوز الصلاة فيها فسرنا حتّى صرنا إلى أرض حمرّاء ونظر إلى غلام يرعى جداء فقال والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود ونزلنا وصلينا فلـمّا فرغنا من الصلاة عطفت على الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر.

٥ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مرّوان ، عن سماعة بن مهران قال قال لي عبد صالح صلوات الله عليه يا سماعة أمنوا على فرشهم وأخافوني إمّا والله لقد كانت الدنيا وما فيها إلّا واحد يعبد الله

_________________________________________________

« فحانت الصلاة » أي قربّ أو دخل وقتها ، في القاموس : حان يحين قربّ وآن ، وكان الأمرّ بالنزول أولا ثمَّ الإعراض عنه للتنبيّه على عدم جواز الصلاة فيها ، وفي المشهور محمول على الكراهة إلّا أن لا يحصل الاستقرار ، وسيأتي في كتاب الصلاة ، وكره الصلاة في السبخة إلّا أن تكون مكانا لينا تقع عليه الجبهة مستويا وسنتكلّم عليه إنشاء الله ، وقال الجوهري : الجدي من ولد المعزّ وثلاثة أجد ، فإذا كثرت فهي الجداء ، ولا تقل الجداياً ، ولا الجدي بكسر الجيم ، وقال : عطفت أي ملت ، ويومئ إلى أن الصاحبعليه‌السلام مع كثرة من يدعي التشيّع ليست له شيعة واقعية بهذا العدد ، وقيل : أي لا بد أن يكون في عسكر الإمام هذا العدد من المخلصين حتّى يمكنه طلب حقّه بهذا العسكر ، لا أن هذا العدد كاف في جواز الخروج.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« وأخافوني » أي بالإذاعة وترك التقيّة والضمير في آمنوا راجع إلى المدعين للتشيّع الذين لم يطيعوا أئمتهم في التقيّة وترك الإذاعة ، وأشار بذلك إلى أنهم ليسوا بشيعة لنا ، ثمَّ ذكر لرفع استبعاد السائل عن قلة المخلصين بقوله

٢٩٣

ولو كان معه غيره لأضافه الله عزّ وجلّ إليه حيث يقول «إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ »(١) فغبر بذلك ما شاء الله ثمَّ إن الله آنسه بإسماعيل وإسحاق فصاروا ثلاثة إمّا والله إن المؤمن لقليل وإنَّ أهل الكفر لكثيرٌ

_________________________________________________

لقد كانت الدنيا وما فيها ، الواو للحال وما نافية « ولو كان معه غيره » أي من أهل الإيمان« لإضافة الله عزّ وجلّ إليه » لأن الغرض ذكر أهل الإيمان التاركين للشرك ، حيث قال : «وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » فلو كان معه غيره من المؤمنين لذكره معه «إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً » قال في مجمع البيان : اختلف في معناه فقيل : قدوة ومعلـمّا للخير قال ابن الأعرابي : يقال للرجل العالم أمة ، وقيل : أراد إمام هدى ، وقيل : سماه أمة لأن قوام الأمة كان فيه ، وقيل : لأنه قام بعمل أمة ، وقيل : لأنّه انفردّ في دهره بالتوحيد ، فكان مؤمناً وحده والنّاس كفار «قانِتاً لِلَّهِ » أي مطيعا له دائماً على عبادته ، وقيل : مصلياً «حَنِيفاً » أي مستقيماً على الطاعة وطريق الحقّ وهو الإسلام «وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » بل كان موحداً ، انتهى.

وقيل : يحتمل أن يكون من للابتداء أي لم يكن في آبائه مشرك وهو بعيد ، وفي النهاية في حديث قس : أنّه يبعث يوم القيامة أمة وحده : الأمة الرّجل المتفردّ بدين كقوله تعالى «إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ » انتهى.

وأقول : كان هذا كان بعدّ وفاة لوطعليه‌السلام أو أنه لـمّا لم يكن معه وكان مبعوثا على قوم آخرين لم يكن ممّن يؤنسه ويقويه على أمره في قومه.

« فغبر بذلك » في أكثر النسخ بالغين المعجمة والباء الموحّدة أي مكث أو مضى وذهب كما في القاموس ، فعلى الأوّل فيه ضمير مستتر راجع إلى إبراهيم ، وعلى الثّاني فاعله ما شاء الله ، وفي بعض النسخ فصبر فهو موافق للأوّل ، وفي بعضها بالعين المهملة فهو موافق للثاني « وإن أهل الكفر كثير » المرّاد بالكفر هنا مقابل

__________________

(١) سورة النحل : ١٢٠.

٢٩٤

أتدري لم ذاك ؟ فقلت : لا أدري جعلت فداك فقال صيروا أنسا للمؤمنين يبثون إليهم ما في صدورهم فيستريحون إلى ذلك ويسكنون إليه.

٦ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن أورمة ، عن النضر ، عن يحيى بن أبي خالد القمّاط ، عن حمرّان بن أعين قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام جعلت فداك ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها فقال إلّا أحدثك بأعجب من ذلك - المهاجرون والأنصار ذهبوا إلّا وأشار بيده ثلاثة قال حمرّان فقلت جعلت

_________________________________________________

الإيمان الكامل ، كما قال سبحانه : «وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إلّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ »(١) « أتدري لم ذلك »؟ هذا بيان لحقية هذا الكلّ ام أي قلة عدد المؤمنين مع أنهم بحسب الظاهر كثيرون أو لأن الله تعالى لم جعل هؤلاء في صورة المؤمنين؟ أو لم خلقهم؟ والمعنى على التقديرين أن الله تعالى جعل لهؤلاء المتشيّعة أنسا للمؤمنين لئلّا يستوحشوا لقلتهم ، أو يكون علة لخروج هؤلاء عن الإيمان ، فالمعنى أن الله تعالى جعل المخالفين أنسا للمؤمنين فيبثون أي المؤمنون إلى المخالفين أسرار أئمتهم فبذلك خرجوا عن الإيمان ، ويؤيد الاحتمالات المتقدمة خبر عليُّ بن جعفر « فيستريحون إلى ذلك » إلى بمعنى مع لو ضمن في متعلقة معنى التوجه ونحوه.

الحديث السادس : ضعيف.

« ما أقلنا » صيغة تعجب « ما أفنيناها » أي ما نقدر على أكل جميعها و « أشار » كلام الراوي ، والمرّاد به الإشارة بثلاث أصابع من يده و « ثلاثة » كلام الإمام ، والمرّاد بالثلاثة سلمان وأبو ذر والمقداد ، كما روى الكشي عن الباقرعليه‌السلام أنه قال : ارتد النّاس إلّا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد ، قال الراوي : فقلت : فعمار؟ قال : كان جاض جيضة ثمَّ رجع ثمَّ قال : إن أردت الّذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد

__________________

(١) سورة يوسف : ١٠٦.

٢٩٥

فداك ما حال عمّار ؟ قال : رحم الله عمّاراً أبا اليقظان بايع وقتل شهيداً ، فقلت في نفسي ما شيء أفضل من الشهادة فنظر إلي فقال لعلّك ترى أنه مثل الثلاثة أيهات أيهات.

٧ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله ، عن عليُّ بن جعفر قال سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول ليس كلُّ من قال بولايتنا مؤمناً ولكن جٌعلوا أنساً للمؤمنين.

_________________________________________________

فأمّا سلمان فإنه عرض في قلبه أن عند أمير المؤمنين اسم الله الأعظم لو تكلّم به لأخذتهم الأرض وهو هكذا ، وإمّا أبو ذر فأمره أمير المؤمنينعليه‌السلام بالسكوت ولم يأخذه في الله لومة لائم فأبى إلّا أن يتكلّم.

« جاض » أي عدل عن الحقّ ومال ، وروي في حديث آخر عنهعليه‌السلام قال : ارتد النّاس إلّا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد ثمَّ أناب النّاس بعدّ ، كان أول من أناب أبو ساسان وعمّار وأبو عروة وشتيرة(١) فكانوا سبعة فلم يعرف حقّ أمير المؤمنينعليه‌السلام إلّا هؤلاء السبعة « فنظر إلى » نظرهعليه‌السلام إليه لعلمه بما حدثت به نفسه ، وفي النهاية : قد تكرر في الحديث ذكر هيهات وهي كلمة تبعيد مبنية على الفتح وناس يكسرونها ، وقد تبدل الهاء همزة ، فيقال أيهات ، ومن فتح وقف بالتاء ومن كسر وقف بالهاء ، وقال الجوهري : هيهات كلمة تبعيد ، والتاء مفتوحة ، مثل كيف وأصلها هاء ، وناس يكسرونها على كل حال بمنزلة نون التثنية ، وقد تبدل الهاء همزة ، فيقال أيهات ، مثل هراق وأراق ، قال الكسائي : ومن كسر التاء وقف عليها بالهاء ، فيقول هيهات ، ومن نصبها وقف بالتاء وإن شاء بالهاء.

الحديث السابع : ضعيف.

__________________

(١) قال العلّامة التستريّ : الظاهر أنّ أبا ساسان محرّف أبي سنان ، وأبي سنان إمّا هو أبو سنان الأسدي أخو عكاشة بن محصن ، وهو أوّل من بايع تحت الشجرة في قصة بيعة الرضوان ، وإمّا أبو سنان الأنصاريّ من خواصّ أمير المؤمنينعليه‌السلام وأصفيائه. وشتيرة مولى أسود لعليُّعليه‌السلام كما ذكره أيضاً فراجع إن شئت.

٢٩٦

(باب)

(الرضا بموهبة الإيمان والصبر على كل شيء بعده)

١ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن فضيل بن يسار ، عن عبد الواحد بن المختار الأنصاري قال قال أبو جعفرعليه‌السلام يا عبد الواحد ما يضرّ رجلا إذاً كان على ذا الرأي ما قال النّاس له ولو قالوا مجنون وما يضره ولو كان على رأس جبل يعبد الله حتّى يجيئه الموت.

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن معلّى بن خنيس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله تبارك وتعالى لو لم يكن في الأرض إلّا مؤمن واحد لاستغنيت به عن جميع خلقي ولجعلت

_________________________________________________

باب الرضا بموهبة الإيمان والصبر على كل شيء بعده

الحديث الأول : مجهول.

« ما يضرّ » ما نافية ويحتمل الاستفهام على الإنكار « على ذا الرأي » أي على هذا الرأي وهو التشيّع « ما قال » فاعل ما يضرّ « ولو قالوا مجنون » فإن هذا أقصى ما يمكن أن يقال فيه كما قالوا في الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « وما يضره » أي قول النّاس وهذا أيضاً يحتمل الاستفهام « ولو كان على رأس جبل » لكثرة قول النّاس فيه هربا من أقوالهم فيه وضررهم « يعبد الله » حال أو استيناف كأنه سئل كيف لا يضره ذلك؟ قال لأنه يعبد الله حتّى يأتيه الموت.

الحديث الثاني : مختلف فيه بالمعلّى معتبر عندي.

« لاستغنيت به » أي لأقمت نظام العالم وأنزلت الماء من السماء ، ولدفعت العذاب وأنواع البلاء بسبب هذا المؤمن لأنّ هذا يكفي لمصلحة بقاء النظام ، ويحتمل أن يكون هذا المؤمن الواحد الإمام ، أو لا بدّ من أحد غيره يؤمن به ، والأوّل أظهر

٢٩٧

له من إيمانه أنساً لا يحتاج إلى أحد.

٣ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن الحسين بن موسى ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما يبالي من عرّفه الله هذا الأمرّ أن يكون على قلة جبل يأكل من نبات الأرض حتّى يأتيه الموت.

٤ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن كليب بن معاوية ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول ما ينبغي للمؤمن أن يستوحش إلى أخيه

_________________________________________________

لـمّا مرّ من كون إبراهيمعليه‌السلام أمة وإمّا كون الإيمان سبباً للأنس وعدم الاستيحاش لأنه يتفكر في الله وصفاته وفي صفات الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام وحالاًتهم ، وفي درجات الآخرة ونعمها ويتلو كتاب الله ويدعوه ويعبده فيأنس به سبحانه ، كما سئل عن راهب لم لا تستوحش من الخلوة؟ قال : لأني إذاً أردت أن يكلمني أحد أتلو كتاب الله ، وإذاً أردت أن أكلم أحداً أناجي الله ، وسيأتي في كتاب القرآن عن عليُّ بن الحسينعليه‌السلام أنّه لو مات من بين المشرق والمغربّ لـمّا استوحشت بعدّ أن يكون القرآن معي.

الحديث الثالث : مجهول.

« ما يبالي » خبر أو المعنى ينبغي أن لا يبالي « من عرفه الله هذا الأمرّ » أي دين الإماميّة ، وفي الصحّاح : القلّة أي بالضمّ أعلى الجبل ، وقلة كل شيء أعلاه.

الحديث الرابع : حسن.

« أن يستوحش » أي يجد الوحشة ، ولعله ضمن معنى الميل والسكون ، فعدي بإلى أي استوحش من النّاس مائلاً أو ساكنا إلى أخيه ، وقال في الوافي : ضمن الاستيحاش معنى الاستئناس ، فعداه بإلى ، وإنّما لا ينبغي له ذلك لأنّه ذل ، فلعلّ أخاه الّذي ليس في مرّتبته لا يرغب في صحبته ، وقال بعضهم : إلى بمعنى مع ، والمرّاد بأخيه أخوه النسبي ، ومن موصولة ودون منصوب بالظرفية ، والضمير لأخيه

٢٩٨

فمن دونه ، المؤمن عزيزٌ في دينه.

٥ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن عمر بن أبان وسيف بن عميرة ، عن فضيل بن يسار قال دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام في مرّضة مرّضها لم يبق منه إلّا رأسه فقال يا فضيل إنّني كثيراً ما أقول ما على

_________________________________________________

أي لا ينبغي للمؤمن أن يجد وحشة مع أخيه النسبي إذاً كان كافراً ، فمن كان دون هذا الأخ من الأقاربّ والأجانب ، وقيل : أي لا ينبغي للمؤمن أن يستوحش من الله ومن الإيمان به إلى أخيه فكيف من دونه ، إذ للمؤمن أنس بالإيمان وقربّ الحقّ من غير وحشة ، فلو انتفى الأنس وتحققت الوحشة انتفى الإيمان والقرب.

وأقول : الأظهر ما ذكرنا أولا من أن المؤمن لا ينبغي أن يجد الوحشة من قلة أحبائه وموافقيه وكثرة أعدائه ومخالفيه ، فيأنس لذلك ويميل إلى أخيه الديني أو النسبي ، فمن دونه من الأعادي أو الأجانب ، وقوله : المؤمن عزيز في دينه ، جملة استينافية فكأنّه يقول قائل : لم لا يستوحش؟ فيجيب : بأنه منيع رفيع القدر بسبب دينه فلا يحتاج في عزه وكرامته وغلبته إلى أن يميل إلى أحد ويأنس به ، والحاصل أن عزته بالدّين لا بالعشائر والتابعين ، فكلمة في سببية.

وأقول : في بعض النسخ عمّن دونه ، وفي بعضها عن دونه ، فهو صلة للاستيحاش أي يأنس بأخيه مستوحشاً عمّن هو غيره.

الحديث الخامس : صحيح.

« في مرضة » بالفتح أو بالتّحريك وكلاهما مصدر « مرّضها » أي مرّض بها ، وقيل : البارز في مرّضها مفعول مطلق للنوع « لم يبق منه إلّا رأسه » من للتبعيض والضمير للإمامعليه‌السلام أي من أعضائه ، أو للتعليل والضمير للمرّض والأوّل أظهر ، والمعنى أنه نحف جميع أعضائه وهزلت حتّى كأنه لم يبق منها شيء إلّا رأسه ، فإنه لقلّة لحمه لا يعتريه الهزال كثيراً ، أو المرّاد أنه لم تبق قوة الحركة في شيء

٢٩٩

رجل عرَّفه الله هذا الأمرّ لو كان في رأس جبل حتّى يأتيه الموت يا فضيل بن يسار إن النّاس أخذوا يمينا وشمإلّا وإنا وشيعتنا هدينا «الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ » يا فضيل بن يسار إن المؤمن لو أصبح له ما بين المشرق والمغربّ كان ذلك خيراً له ولو أصبح مقطّعاً أعضاؤه كان ذلك خيراً له يا فضيل بن يسار إن الله لا يفعل بالمؤمن إلّا ما هو خير له يا فضيل بن يسار لو عدلت الدنيا عند الله عزّ وجلّ جناح بعوضة ما سقى

_________________________________________________

من أعضائه إلّا في رأسه ، والأوّل أظهر.

« كثيراً ما أقول » ما زائدة للإبهام وما في قوله : « ما على رجل » نافية أو استفهامية للإنكار ، وحاصلهما واحد ، أي لا ضرر أو لا وحشة عليه « أخذوا يمينا وشمإلّا » أي عدلوا عن الصراط المستقيم إلى أحد جانبيّه ، من الإفراط كالخوارج أو التفريط كالمخالفين « له ما بين المشرق » أي والحال أن له ما بينهما أو أصبح بمعنى صار « مقطعاً » على بناء المفعول للتكثير « أعضاؤه » بدل اشتمال من الضمير المستتر في مقطعاً ، ومنهم من قرأ أعضاء بالنصب على التميز ، وقولهعليه‌السلام : إن الله لا يفعل بالمؤمن ، تعليل لهاتين الجملتين ، فإنّه تعالى لو أعطى جميع الدنيا المؤمن لم يكن ذلك على سبيل الاستدرّاج ، بل لأنه علم أنه يشكره ويصرفه في مصارف الخير ، ولا يصير ذلك سبباً لنقص قدره عند الله ، كما فعل بسليمانعليه‌السلام بخلاف ما إذاً فعل ذلك بغير المؤمن ، فإنه لإتمام الحجّة عليه واستدرّاجه ، فيصير سبباً لشدّة عذابه ، وكذا إذاً قدر للمؤمن تقطيع أعضائه فإنما هو لمزيد قربّه عنده تعالى ، ورفعة درجاته في الآخرة ، فينبغي أن يشكره سبحانه في الحالتين ، ويرضى بقضائه فيهما ، ولـمّا كان الغالب في الدنيا فقر المؤمنين وابتلائهم بأنواع البلاء ، وغنى الكفّار والأشرار والجهال رغب الأوّلين بالصبر وحذر الآخرين عن الاغترار بالدنيا والفخر بقولهعليه‌السلام : « لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة » عند النّاس « ما سقى عدوه منها شربة ماء » فما أعطاه أعداءه ليس لكرامتهم عنده بل لهوانهم عليه ، ولذا لم

٣٠٠